تصويب تأخر كثيراً

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تصويب تأخر كثيراً
إثيوبيا

زيارة الدكتور أحمد نظيف إلى إثيوبيا على رأس وفد ضم حشدا من الوزراء ورجال الأعمال خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، تأخرت كثيرا عن موعدها.

وأرجو أن تؤخذ على محمل الجد. ولكي تدرك أهمية هذا البلد، فيكفي أن تعلم أن 40 مليار متر مكعب من 55 مليارا هي حصة مصر من مياه النيل تأتي من الهضبة الإثيوبية.

وأن الرئيس السادات هدد بإعلان الحرب على إثيوبيا يوما ما حين علم أنها بصدد بناء سد كبير على النيل الأزرق يمكن أن يؤثر على تلك الحصة.

رغم الأهمية الاستراتيجية القصوى لإثيوبيا بالنسبة لمصر، فإنها لم تلق ما تستحقه من اهتمام طوال العقود الثلاثة الأخيرة، التي انتابت مصر خلالها غيبوبة باعدت بين مصر وبين محيطها العربي ومجالها الأفريقي.

بل بلغ بنا الاستخفاف والإهمال حدا دفع مصر إلى إيفاد السفراء المغضوب عليهم إلى العواصم الإفريقية، الأمر الذي أهدر مصالح استراتيجية مهمة نحاول الآن تداركها.

لذلك تمنيت في لحظة الإفاقة التي نحن بصددها أن تؤخذ زيارة رئيس الوزراء إلى إثيوبيا على محمل الجد. بمعنى ألا تكون تعبيرا عن حماس مؤقت، وإنما تصبح خطوة لتصويب الرؤية الاستراتيجية التي اختلت.

إذا جاز لنا أن نتصارح في هذا الصدد فإنني أخشى على هذا التوجه نحو دول حوض النيل من «النفس القصير» الذي تتسم به السياسة المصرية، التي كثيرا ما يخضع المصالح الاستراتيجية للتوجيه ــ وأحيانا المزاج ــ السياسي.

كأن يتراجع الاهتمام بإفريقيا مثلا ونخاصم السودان لعدة سنوات بسبب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس مبارك في عام 1995.

لقد قرأت تصريحا منسوبا إلى الدكتور نظيف قال فيه إن العلاقات بين مصر ودول حوض النيل يجب أن تتعدى حدود الحديث عن اقتسام مياه النيل إلى الحديث عن التنمية الشاملة لدول الحوض، بما يحقق تحسين مستوى المعيشة لمواطني هذه الدول (الأهرام ــ 28/12)ــ وهذا كلام صحيح تماما.

لكن المؤسف أنه بدا «اكتشافا» وخبرا أبرزته الأهرام في استعراضها لوقائع لقاء رئيس الوزراء مع 75 من رجال الأعمال والمستثمرين المصريين قبل إتمام الزيارةوأعني أن فكرة المشاركة في التنمية الشاملة لدول حوض النيل كان ينبغي أن تظل أحد المحاور الثابتة للاستراتيجية المصرية في أفريقيا إن لم يكن تأمينا للعمق الاستراتيجي، فعلى الأقل للحفاظ على علاقة تبادل مصالح وثيقة مع دول حوض النيل، بهدف الحفاظ على احتياجات مصر من المياه التي أصبحت محل لغط في السنوات الأخيرة.

وليس سرا أن مصر لم تعاود اهتمامها بتلك الدول إلا بعدما تحول اللغط إلى دعوة جادة لإعادة النظر في اتفاقيات توزيع المياه، الأمر الذي أثار قلق مصر وأزعجها، ومن ثم حاولت ترميم علاقاتها مع دول حوض النيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وهذا هو السياق الذي تحرك فيه الدكتور أحمد نظيف، وتحرك فيه أيضا وزراء ومسؤولون مصريون آخرون خلال الفترة الأخيرة. ولا بأس في ذلك. لأن تصحيح الخطأ أفضل من التمادي فيه، وأن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.

لقد أنشأت مصر منذ عشر سنوات صندوقا للتعاون مع إفريقيا تابعا لوزارة الخارجية، لكن ميزانيته السنوية كانت في حدود 400 مليون جنيه، وهو مبلغ بسيط نسبيا يعادل ميزانية مزرعة ورد واحدة تقيمها إسرائيل في إحدى تلك الدول.

فما بالك به لو وزع على دول حوض النيل كلها؟!

الدور الذي تريد مصر أن تقوم به في إثيوبيا ليس سهلا، لأن ثمة دولا أخرى نشطت هناك خلال السنوات الأخيرة، في مقدمتها الصين والهند وتركيا.

لكن إسرائيل سبقت الجميع، لأن مخطط انتشارها في شرق أفريقيا وفي منطقة حوض النيل بالذات بدأ تنفيذه في الخمسينيات. وكان هدف تلك الاستراتيجية هو إيجاد منفذ لها إلى البحر الأحمر والتمكن من منابع النيل ومحاصرة السودان للضغط على مصر في نهاية المطاف.

لذلك احتلت إثيوبيا موقعا أساسيا في تلك الاستراتيجية، التي بمقتضاها اخترقت إسرائيل أعصاب الدولة. وأصبحت لها اليد الطولى في الجيش والشرطة فضلا عن جهاز الإدارة. وهو ما يشكل تحديا آخر للجهد المصري الذي يسعى لاستعادة الحضور في إثيوبيا وتعويض ما فوتته سنوات الانكفاء والغيبوبة، والاعتماد على الفهلوة دون الاستراتيجية.