تحديد النسل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تحديد النسل


بقلم : حسن البنا

مقدمة المحقق : الشيخ محمد عفيفي

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:70-71)

أما بعد: فقد يئس الاستعمار الغربي من أن يظل في استعماره العسكري للعالم الإسلامي بعد أن عرف أن المسلمين لن يغمض لهم جفن، وهم يرون جنديًا أجنبيًا يسير ببزته في وسطهم يخترق شوارعهم ويتنقل في مدنهم، ففكر ودبر، وقرر في أن يزيد في ثقله وغزوه الفكري والاقتصادي، وهو في كل يوم يطلع عليه بأمر جديد ترسمه الرؤوس التبشيرية والماسونية واليهودية، وسرعان ما يحتضن هذه الأفكار أبناؤهم ممن يدعون الإسلام، وهم في الواقع دمًا ولحمًا أبناؤهم، وتغذوا بأفكارهم، عاشوا على ما يهب به الغرب عليهم، وحصلوا على مراكزهم العلمية من معاهدهم، فصاروا بالولادة مسلمين، وبأفكارهم غربيين.

وكان مما ابتلانا به الغرب: فكرة تحديد النسل، فتهافت لنصرة هذه الفكرة أتباعهم من رسميين، وغير رسميين واستُخدمت أجهزة الإعلام بكاملها للتأييد.

فيقول الرئيس جمال عبد الناصر في الميثاق الوطني "إن مشكلة تزايد السكان أهم عقبة تواجه الشعب المصري في كفاحه لرفع مستويات الإنتاج بصورة مطردة، وبطريقة صالحة وفعالة، وإن حل هذه المشكلة يستحق أن يستأثر بأفضل الجهود العلمية"

وسأختار أمةً من الأمة الإسلامية أذكر فيها مجال هذه الفكرة والدسائس التي تحاك للشعب المسلم إجمالاً.

فقد بدأت هذه المسألة بفتوى وجهها الدكتور محمد عوض محمد إلى فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم بقوله رجل متزوج ورزق بولد واحد، ويخشى إن هو رزق أولادًا كثيرين أن يقع في حرج من عدم قدرته على تربية الأولاد والعناية بهم، أو أن تسوء صحة زوجته لكثرة النسل، بحيث تطول الفترة بين الحمل والحمل، فتستريح الأم، ولا يرهق الوالد.

فرد فضيلته: "اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد: بأن الذي يؤخذ من نصوص فقهاء الحنفية أن تتخذ بعض الوسائل لمنع الحمل على الوجه المبين في السؤال، وأصل المذهب أنه لا يجوز ذلك للرجل، إلا بإذن زوجته، وللمرأة إلا بإذن زوجها، ولكن المتأخرين أجازوه للرجل بدون إذنها ثم قال:"جملة القول هي هذا أنه يجوز لكل من الزوجين برضا الآخر أن يتخذ من الوسائل ما يمنع وصول الماء إلى الرحم؛ منعًا للتوالد"

وبعد هذه الفتوى، قام الاتحاد الطبي المصري بإقامة حلقات لدراسة بحث هذه المسألة، وكانت هذه الحلقات هي الشرارة الأولي التي انبعثت منها فكرة تنظيم الأسرة لتأخذ نطاقًا وطنيًا، فتأسس عام 1954 مجلسًا أعلى للخدمات الوطنية، وفي عام 1966 بدأ المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة فافتتح 1991 مركزًا، ارتفع إلى 3030 مركزًا في 1970 تقريبًا، وأنشئ بالقرار الجمهوري رقم 4075 سنة 1965، طالب بخفض معدل المواليد بـ 1 % سنويًا.

وقام الاتحاد الاشتراكي بتشكيل مكتب تنظيم الأسرة بالأمانة العامة للجنة المركزية؛ ليقود اللجان السياسية لتنظيم الأسرة بالمحافظات، وأنشأت وزارة العمل والشئون الاجتماعية الإدارة العامة للأسرة والطفولة.

وفي عام 1979 تم تشكيل اللجنة العليا للإعلام السكاني برئاسة وزير الدولة، فسخر التلفاز والإذاعة لبث برامج تحديد النسل، والقول بخطورة الانفجار السكاني.

شاركت وزارة التربية والتعليم، ووزارة الصحة، وبذلت الحكومة عشرة ملايين جنيه للحملة الإعلامية، واعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ 26 مليون لتنظيم النسل في مصر لمدة ثلاث سنوات قادمة، ولم يقتصر الأمر إلى هذا الحد، بل تجاوزه إلى أن عملت الأمم المتحدة إلى إنشاء معهد للأبحاث والدراسات الإقليمية للسكان بالأزهر من ضمن نشاطه، بل أعدت برامج تدريبيةً لتعليم الطلاب المسلمين في الأزهر وخارجه، وأنشأت مكتبةً حَوَتْ دراساتهم للتأثير على طلبة الأزهر وجذبهم إلى دعوتهم، ومع هذا فإن آخر اجتماع للمجموعة الاستشارية الأجنبية عام 1981 وجهت نقدًا شديدًا من الجانب الأمريكي بسبب ما سمى بتعثر سياسة تحديد النسل، واعتذر الممثل المصري، ووعد بزيادة الجهود المبذولة، وإيجاد أساليب جديدة من بينها رفع سن الزواج.

ولولا الخوف من الإطالة لذكرت ما يحدث للمسلمين بالذات؛ لأن الأمر موجه إليهم بما يجري في باكستان، وسوريا، والهند، وسنغافورة وغيرهم.

ومع ما أوردت فإني أرى أنه لزامًا أن أورد ما يجرى بشأن تحديد النسل في هذه الدول التي تصدر إلينا هذه الأفكار حتى يكون القارئ على بينة من هذا الأمر.

- ففي أمريكا:

أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية جنرال ايزنهاور في مؤتمره الثاني المنعقد في ديسمبر سنة 1959: أن الحكومة لن تفكر في تحديد النسل في أمريكا ما دامت في البيت الأبيض.

ويقول الرئيس جونسون "أنه مادامت الفرص أمام الأمريكيين في تزايد، فسوف تظل هذه الأمة تنعم بالخير والبركة مهما وصل عدد أبنائها، وهذه التهيئة لما وصل عدد الشعب الأمريكي 200 مليون.

وأعلن الرئيس نيكسون تأييده لموقف ايزنهاور، وطالب بمنع الإجهاض.

- وفي روسيا:

قالت صحيفة الديلي تلغراف أن السلطات زادت الأموال المخصصة وامتيازات السكن للمتزوجين، وحتى للأمهات غير المتزوجات اللواتي تساعدن في وقف هبوط نسبة الولادة في البلاد، وأضافت أن الصحافة السوفيتية تعاطفت في الآونة الأخيرة مع الفتيات اللواتي يحملن ويرغبن في الاحتفاظ بالجنين، والجدير بالذكر أن مخصصات الحكومة للطفل المولود غير شرعي تتراوح بين 3.5 إلى 13.5 جنيهًا شهريًا. كما شجعت النساء على إنجاب الأطفال، واشترطت لذلك إعطائهن أجازات ولادة لمدة سنة مدفوعة الأجر تصل إلى 33 جنيهًا شهريًا، وتمنح ما تسميه لقب الأمهات البطلات اللواتي ينجبن عائلات كبيرةً وجوائز تصل إلى 116 جنيهًا للطفل بعد الطفل العاشر.

وفي عام 1968م أصدر البابا قرار يؤكد صلابة التعاليم التقليدية للكنيسة القاضية بمنع تحديد النسل.

- وفي اليونان

صرفت مكافأة شهرية ثابتة لكل أبوين عن الطفل الثالث.

- وفي بريطانيا

بالإضافة للإجازة المجانية والعلاوة التي تحصل عليها الأمهات، فإن كل مولود بدون استثناء يحصل على علاوة طفل تستمر إلى أن يتخرج من المدرسة الثانوية، وتبلغ أربعة جنيهات وخمسة وسبعين بنساً أسبوعيًا لكل طفل، وبدون حد أقصى للأطفال.

- وفي فرنسا

صدر قانون سنة 1968 بجعل بيع وسائل منع الحمل ممنوعًا، ويحرم الدعاية الإعلانية عنها، ويشترط شهادةً من طبيب لاستخدامها، وأعلن وزير الدفاع الفرنسي ميشيل دبريه أن تحديد النسل يمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل الدولة، وأنه بالتالي يجب على المرأة الفرنسية أن تعمل على زيادة النسل كواجب قومي يحفظ لفرنسا كيانها كدولة كبري.

- وفي إسرائيل:

أعلن الحاخام الأكبر – هيرزوغ – أن تحديد النسل خطيئة كبرى، وقال بن غوريون في دعوته المشهورة "كل يهودية لا تلد على الأقل أربعة أطفال صحاح تتهرب من واجبها تجاه الشعب اليهودي.

واكتفي بهذا القدر في هذا الدرب ليرى القارئ الكيس ما يدعوننا إليه، وما ينادونه به في شعوبهم وأممهم.

أما الشطر الثاني من المقدمة فهي: وسائل صناعية ووسائل طبيعية وحكم الدين الإسلامي فيها.

وسائل تحديد النسل - الوسائل الصناعية

أما الشطر الثاني من المقدمة فهي: وسائل صناعية ووسائل طبيعية وحكم الدين الإسلامي فيها.

الوسائل الصناعية

1- أقراص منع الحمل عن طريق الفم:

وأثارها الجانبية كثيرة، مثل: الغثيان والقئ أحيانًا، وغشاوة العينين، والصداع، وآلام الثدي، وزيادة الوزن، وقد أشار برنامج المسح الدوائي المشترك عام 1974 إلى زيادة حدوث أمراض الكيس المراري.

وفي بحث حصل به الدكتور عبد الحميد عبد الجابر على درجة الماجستير بامتياز، وجاء فيه: أن مرض سرطان الثدي مرض واسع الانتشار، وهو أكثر أنواع السرطان إصابةً للمرأة، وكما أن حبوب منع الحمل تستعمل على نطاق واسع، وتواجدهما على هذا النطاق الواسع قد يحمل علاقةً معينةً بينهما، أو قد يكون من باب التوافق في الحدوث، ولقد نشر العديد من الدراسات والأبحاث حول علاقة حبوب منع الحمل بسرطان الثدي.

2- الحقن:

تعطى في العضل، وتظل فعاليتها لمدة ثلاثة أشهر، وأضرارها: أنه يحدث نزيفًا غير منتظم يضايق في البداية، يؤدى إلى عسر الطمث، وضمور غشاء الرحم بالإضافة إلى إمكانية الإصابة بالعقم الدائم.

3- اللولب:

لولب النحاس، ولولب البروجستون، ولا يخفي ما تفرزه المادة النحاسية، ومادة البلمزة المكون منها اللولب الثاني من أثر معروف صحيًا وطبيًا.

4- الكبوت:

ومضاره معروفة أنه يمنع تشبع الرغبات الغريزية في المرأة، كما أن المادة المصنوع منها تولد حساسيةً لدى المرأة.

5- استخدام المواد الكيمائية:

وهى: على شكل أقراص، أو مراهم، أو رش مهبلي، ومضارها معروفة في أن استعمالها لمدة طويلة قد يتسبب في التهابات المهبل، أو عنق الرحم، والتي تؤدى إلى تلوث بكتيري ونحوه.

حكم استعمال هذه الوسائل

أ - الجواز، وهو: رأى للحنفية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة.
ب- الكراهة، وهو: رأى المالكية، وبعض الشافعية.
ج- التحريم، وهو رأى المالكية، وبعض الحنابلة، وأما من جوزه فإنه أجازه لمدة، ولذلك يقول البجيرمى: وأما ما يبطئ الحمل مدة ولا يقطعه من أصله، فلا يحرم، كما هو ظاهر بل إن كان لعذر، كتربية ولد لم يكره أيضًا، وإلا كره.

6- التعقيم:

وهو: للرجال، وللنساء، أو للإثنين معًا، فللرجال يتم بسد القناة المنوية بواسطة عملية جراحية.

أما بالنسبة للنساء فيتم بسد قنوات فالوب عن طريق المنظار البطني، مع استخدام التيار الكهربي، أو مواد كيمائية مع رباط مطاط، أو غير ذلك، أما للاثنين معًا، فبواسطة الأشعة السينية بتسليطها على المبيض أو الخصيتين، والأضرار معروفة بأنه لا يمكن العود إلى الحالة الطبيعية الأولى مما يسبب العقم الدائم غير الأضرار الجانبية.

حكم التعقيم:

ذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى تحريمه، أما الوسائل الطبيعية:

فهي: فترة الأمان، وتسخين الخصيتين والعزل والإسقاط للجنين، ويجوز استعمال هذه الأمور عند الحاجة التي ذكرناها في الأمور الصناعية، وعدم استعمالها بصفة دائمة خوفًا من عدم القدرة على التربية، أو القيام على شئون الأولاد أو الخوف من الفقر، كما قال الدكتور الشرباصي في أحد مؤلفاته: بأن الإسلام يطالب بمسلمين أقوياء واستدل بحديث موضوع، فسامحه الله.

وابن حزم وابن الهمام الحنفي، والنووي، وفي الإنصاف (حنبلي) ذهبوا إلى التحريم.

وكان بالنفس رغبة أكيدة لإيراد النصوص ومناقشتها، ولكن يكفي في هذا الأمر ما قرره مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في مؤتمره الثانى 1385-1965 والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثالثة: إذ أجمعوا على حرمة تحديد النسل، وأنه دعوة أجنبية تخالف الشرع والدين وتضعف الإسلام وأبناءه، وكان من بين من شارك لهدم النظرية في أوائل الدعوة إليها مرشدنا الشيخ حسن البنا وهو علم في رأسه نار، ولا يخفى على أحد في العالمين من هو حسن البنا، فلقد عرفه الغرب قبل أن يعرفه المسلمون، فأوعزوا إلى فاروق في ذاك الوقت لقتله ونفذت إرادة الله، وقتل شهيدًا في أكبر شوارع المعزّ، ومنع الأطباء من نقل الدم إليه، ومنع أحبابه وأتباعه ممن كانوا خارج السجون أن يسيروا في جنازته، ولقد كنت أودّ أن أترجم له من وجهة نظري، ورؤياي للإمام المرشد وأنا أذكره، وهو يحنو علي، وأنا صغير في الثانية عشرة من عمري، وأسأله: أنكم تمنعون من الطواف حول المقامات والقبور لأنها شرك، فما السبب من طوافنا حول الكعبة، وهى مبانٍ حجرية؟ فيكون رده على، ماذا تفعلون حينما تذهبون إلى المدرسة في الصباح؟ فأقول: نقف صفوفًا، ثم نرفع العلم ونؤدي التحية بالسلام، ثم ننشد النشيد، فقال لي: ما السبب؟ فسكتّ، فقال لي: لأنه رمز لوطنك، فقلت: نعم، فقال: إن الكعبة هي رمز لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهى بيت الله، فتعظيمها واجب حتم على كل مسلم، أما غيرها فليس إلا رمزًا لنوع من أنواع الشرك.

وغير ذلك مما كان لكل أخ فيه رؤية صادقة، وماذا أذكر عنه؟، وله في النفس رؤى كثيرة أدعه إلى لقاء آخر بإذن الله تعالى.

ورغم قصر المحاضرة التي ألقاها المرشد العام في حينها، إلا أنها حوت أدلةً وأسانيد على منع الحمل من أقوال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وآراء للمذاهب الإسلامية الأربعة.

ثم توجه بعشرة أسئلة لا زالت تقرع أسماع المضللين ممن أباحوا التحديد، وإلا فليجيبوا عليها، وهيهات هيهات، وأعظم ما فيها السؤال العاشر الذي ينادى فيه بأن الإسلام لا يتقيد بهذا التقسيم السياسي في الوطن الإسلامي العام، فهو عقيدة، ووطن، وجنسية، وأرض، والمسلمين في نظره وطن واحد.

فالزيادة في جزء منه قد تسد نقصًا في جزء آخر، وهاك يا أخي !! المحاضرة لتنهل منها وتستزيد !! والله أسأل أن ينفعني وإياك بها وأسألك الدعاء لأخيك بظهر الغيب، وأتقدم بجزيل الشكر إلى الدكتور عبد الله الطريقي لما استفدته من كتابه تنظيم النسل، فجزاه الله عنى وعن المسلمين خيرًا

محمد عفيفي 17 شعبان 1404 هـ

رأى في تحديد النسل من الوجهة الإسلامية

يا حضرات السادة:

نشكر للجمعية الطبية أن أتاحت لنا هذه الفرصة؛ لنتحدث في هذا الموضوع الدقيق، موضوع تحديد النسل، وأرجو أن تتكرموا حضراتكم بملاحظة أنني حين أتكلم فيه، سأعرض إلى ناحية محدودة هي الناحية الإسلامية، بمعنى.. أنني سأوضح ما استطعت نظرة الإسلام إلى هذه الفكرة، وسأصدر في ذلك عن رأيي الشخصي بحسب ما علمت ، لا عن رأى جماعة الإخوان المسلمين التي أتشرف بالانتساب إليها.

جاء الإسلام نظامًا كاملاً يشمل كليات الشئون الإنسانية عمليةً وروحيةً، ووصف نفسه بأنه دين البشرية جميعًا، ورسالة الله على يد نبيه محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (لأنبياء:107)

والإسلام دين فطرى، لا يركن إلى الخيال ولا يعتمد عليه، بل يواجه حقائق الأشياء، ويحترم الواقع ويطوعه، ونحن نعلم أن كل تشريع لا تحمه قوة تنفيذية تشريع عاطل مهما كان عادلاً رحيمًا، لا يظفر من النفوس إلا بدرجة من الإعجاب لا تدفعها إلى اتباعه والنزول على حكمه، فلا بد إذن من قوة تحمي التشريع، وتقوم على تنفيذه، وتقنع النفوس الضعيفة والمتمردة التي لا تحمل البرهان ولا تنصاع للدليل بإجلاله واحترامه.

والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا

فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

لهذا شرع الإسلام الجهاد، وفرض على نبيه جنديةً عامةً، غايتها مناصرة الحق أينما كان، والذود عنه حيثما وجد بدون ظلم، أو إرهاق، أو استغلال مادي، أو استعمار نفعي، كما قال القرآن الكريم (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (لأنفال: من الآية39)

وأجمل ما تكون القوة مع الحق، وليست القوة عيبًا في ذاتها، ولا عارًا على أهليها، وليس الاستعداد للطوارئ إلا صفةً من صفات الكمال، وإنما العيب أن تستخدم القوة في تثبيت الظلم، ويكون الاستعداد وسيلة العدوان، ومن هنا أمر الإسلام بالقوة والاستعداد، في قوله تعالي: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) (الأنفال: من الآية60)، ثم وجه هذه القوة أفضل توجيه وأكرمه، في قوله: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى ألاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: من الآية8)، وكانت هذه هي فكرة الإسلام ورسالته، وكانت القوة أول ما تكون بالعدد الكثير من العاملين، وإنما العزة بالكاثر، وكانت القاعدة الأصولية أن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

كان لنا أن نستخلص من هذه نتيجةً منطقيةً طبيعيةً هي:

أن الإسلام يأمر بالإكثار من النسل، ويحضّ عليه ويدعو إليه، وبالعكس لا يرى التحديد والضبط.

وتطبيقًا على ذلك، وتحقيقًا له، وردت الآثار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحثّ على الزواج، وتبين أن الغاية منه الأولاد قبل كل شيء ومن ذلك ما يلي:

1. (عن معقل بن يسار رضي الله عنه) قال:" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني أحببت امرأةً ذات حسب ومنصب ومال، إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية، فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة فقال "تزوجوا الودود الولود، فإنى مكاثر بكم الأمم..." رواه أبو داود، والنسائى، والحاكم.

2. وعن معاوية بن حيده عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "سوداء ولود خير من حسناء لا تلد وإني مكاثر بكم الأمم...." رواه الطبراني

3. نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العزوبة للقادر على الزواج.

4. نهى عن أن يخصى أحد من ابن أدم في روايات عدة.

هذه وهي القاعدة الأصلية التي جرى عليها الإسلام، وأجمع على قبولها المسلمون، وهناك نظرة أخرى، وهى: أن الإسلام وهو التشريع الذي جاء ليكون عامًا خالدًا وضع في حسابه ظروف الأفراد، والأسر، والأمم التي تختلف باختلاف أحوال الحياة، وحوادث الكون، فجعل العزائم، والرخص، وقرر أن الضروريات تبيح المحظورات، وأنه "لا ضرر ولا ضرار" وإن الاستثناء قد يعرض للقاعدة الكلية، وخصوصًا في المصالح المرسلة والشئون العارضة، ومن هنا اختلفت النصوص والآراء في كثير من المسائل ومنها هذه المسألة.

وإنا نوجز ما ورد فيما يلي:

1. وردت أحاديث بحرمة العزل، وبأنه الموءودة الصغرى وبها أخذ فريق من أئمة الفقهاء، وحكموا بحرمته مطلقًا.

2. ووردت أحاديث تبيحه، وتبين أنه لا يؤخر من قضاء الله شيئًا، وبها أخذ فريق من أئمة الفقهاء أيضًا، فحكموا بالإباحة مطلقًا أو مع الكراهة.

3. وتوسط فريق ثالث، فاشترط للإباحة إذن الزوجة، وتفرع على هذا الأصل حكم تعاطى الأدوية لمنع الحمل، وتقليل النسل. فالذين حرموا العزل حكموا بحرمته، والذين أباحوا العزل حكموا بإباحته، والذين توسطوا اشترطوا رضاء الزوجة في هذا أيضًا.

4. وبعض الذين أباحوا العزل حرموا منع الحمل بتعاطي الأدوية، ومحاولة تقليل النسل بأية وسيلة من الوسائل، ومن هؤلاء جمهور المالكية، وبعض فقهاء الشافعية.

موقف بعض الفقهاء من تحديد النسل

وإليك بعض الأقوال لهؤلاء:-

1. نقل البرزلي عن القاضي أبى بكر بن العربي أن تعاطي ما يقطع الماء عن الرجل، أو يبرد الرحم عن المرأة لا يجوز.

2. وقال الحطاب: قال الجزولي في شرح الرسالة (ولا يجوز للإنسان أن يشرب من الأدوية ما يقلل نسله).

3. قال صاحب المعيار (إن المنصوص لائمتنا رضوان الله عليهم المنع من استعمال ما يبرد الرحم، أو يستخرج ما هو بداخله من الماء، وعليه المحصلون والنظار).

4. نقل في شرح الأحياء، عن العماد بن يونس، والعز بن عبد السلام، وهما من أئمة الشافعية: أنه يحرم على المرأة استعمال دواء مانع للحمل.

- قال ابن يونس: ولو رضي الزوج.

- أما تعاطى الأدوية لقتل الحيوان المنوي بعد وصوله إلى الرحم، فقد فرق الأئمة بين حالتي: قبل التخلق وبعده، فأما ما بعد التخلق، فالإجماع على حرمته تقريبًا، أما قبل التخلق ففيه الخلاف المتقدم.

إذا تقرر هذا ولاحظنا معه أن الإسلام لم يغفل ناحية القوة في الأبناء، والصحة في الإنتاج، بل أوصى بذلك، ونبه إليه، فعن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تقتلوا أولادكم سرًا – فإن الغيل يدرك الفارس قيد عثرة عن فرسه) أخرجه أبو داود.

والغيل أن يقرب الرجل امرأته وهى ترضع فتضعف لذلك قوى الرضيع، فإذا بلغ مبلغ الرجال ظهر فيه أثر هذا الضعف.

علمنا أن الإسلام مع وصيته بالإكثار من النسل وإرشاده إلى أسباب القوة فيه، قد تجعل رخصةً تستخدم إذا توافرت الأسباب والدواعي التي تدعو إليها.

وعلينا إذا أردنا أن نستخدم هذه الرخصة أن نسأل أنفسنا الأسئلة الآتية: -

1. أليست هناك أسباب تدعو إلى الإكثار من النسل لا إلى تحديده ؟

2. هل ثبت بأدلة قوية، وقرائن صادقة أن هناك من الأسباب ما يدعو إلى التحديد، وهل تأكدنا أن كثرة النسل هي السبب في الضائقة الاجتماعية ؟

3. هل يمكن استخدام علاج اجتماعي آخر ؟

4. هل وثقنا من أنه سوف لا تنجم عن هذا التحديد أضرار خطيرة ؟

5. هل اتخذت الاحتياطات الكافية لمنع هذه الأضرار؟

6. ما الوسائل التي ستتخذ، وهل يبيحها الإسلام ؟

7. هل وثقنا من أن هذه الرخصة ستستخدم بالقدر الضروري فقط، وأنه سيستخدمها الذين يراد منهم استخدامها، وأن العود إلى القاعدة الكلية، هي ترك التحديد سيكون ممكنًا إذا ما دعت الحاجة إليه ؟

1- وأخيرًا هل الأفضل في ذلك أن يعالج بصورة عامة أو بصورة فردية خاصة ؟
2- أليس من الجائز أن تسفر هذه التجربة عن عجز معالجة الأضرار المزعومة، كوفيات الأطفال مثلاً – فتظل هذه الدواعي كما هي، ويضاف إليها الأضرار التي ستنجم عن التحديد ؟
3- وملاحظة أخرى قد تكون بعيدةً عن تفكيرنا المحدود بالواقع والبيئة الخاصة وإن كانت صحيحةً في ذاتها: هي أن الإسلام لا يتقيد بهذا التقسيم السياسي في الوطن الإسلامي العام، فهو: عقيدة ووطن وجنسية، وأرض المسلمين في نظره وطن واحد، فالزيادة في جزء منه قد تسد نقصًا في جزء آخر.

وعلى ضوء البيانات التي سمعتها في هذه الدار الكريمة من حضرات الباحثين الفضلاء أستطيع أن أستخلص النتيجة التالية:

أن نجاح التشريع غير مضمون في القرى بتاتًا فإن أولاد الفلاح هم رأس ماله وثروته، والفلاحون في أشد الحاجة إلى الإكثار من الذرية.

وأن المشاهد أن الطبقة التي تستخدم التحديد هي الطبقة المتعلمة التي ينتظر منها الإكثار، وذلك ضار بالأمة، فإن القادرين على التربية هم الذين يفرون من كثرة الأبناء، ولهذا نحن في الواقع نخشى إن استمر هذا الحال أن نجد أنفسنا في المستقبل أمام مشكلة هي كيف نكثر من النسل لخدمة الوطن المحتاج إلى كثرة الأبناء؟.

ومعنى هذا أن استخدام رخصة التحديد التي أباحها الإسلام لظروفها لا تجوز بصورة عامة، ولا يصح أن تحمل عليها الأمة، بل تستخدم بصورة خاصة فردية بحتة مع الذين تتوفر عندهم دواعيها فقط.

أن هناك من ظروف الأمة الخاصة في نهضتها الجديدة ما يدعو إلى تكثير النسل، فأمامنا الجيش، وأمامنا السودان، وأمامنا الأرض البور في مصر وهي تبلغ ثلاثة ملايين من الأفدنة أي نصف المشروع الحالي.

ولأن أسباب الأضرار المشكو منها اقتصاديًا وصحيًا، واجتماعيًا لا ترجع إلى كثرة النسل، بل إلى ارتفاع مستوى المعيشة من جهة، وجهل الأمهات من جهة أخرى والمزاحمة من جهة ثالثة، وأسباب أخرى نعجز عن حصرها وسردها.

وذلك ما استبان لي وفوق كل ذي علم عليم.

مشروعات لسيناء

من واجب الحكومة إذن أن تعرف لسيناء قدرها وبركتها، وألا تدعها فريسةً في يد الشركات الأجنبية، واللصوص والسراق من اليهود، وأن تسرع بمشروع نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح، وأن تقيم هناك منطقةً صناعيةً على الحدود فلعل هذا من أصلح المواطن للصناعة.

ويرى بعض المفكرين العقلاء أن من الواجب إنشاء جامعة مصرية عربية بجوار العريش تضم من شاء من المصريين، ومن وفد من فلسطين، وسورية، والعراق، ولبنان، وشرق الأردن وغيرها من سائر أوطان العروبة والإسلام، ويرون في هذه البقعة أفضل مكان للتربية البدنية والروحية، والعقلية على السواء، وحرام بعد اليوم أن تظن الحكومة، أو يتخيل أحد من الشعب أن سيناء برية قاحلة لا نبات فيها ولا ماء، فهي فلذة كبد هذا الوطن، ومجاله الحيوي، ومصدر الخير، والبركة والثراء، ونرجو أن يكون ذلك كله بأيدينا لا بأيدي غيرنا.

- وقال الشهيد سيد قطب في جريدة الدعوة في يوليو عام 1952: إن شبه جزيرة سيناء تشتمل على أقدس مقدسات اليهود.

فمن جانب الطور الأيمن نودي موسى، وعليه تلقى الألواح وبه صخرة العهد.

وسيناء هي أرض التيه لذلك كله ترف حول سيناء أطماع اليهود التاريخية، ويربى أبناؤهم على عقيدة أن جزيرة سيناء هي قلب مملكتهم الموعودة. وما فلسطين إلا جزء صغير من تلك المملكة التي تضم سيناء، وفلسطين، وشرق الأردن، وقسمًا من سورية، والعراق حتى الرافدين.

وعلى هذا الأساس هم يعملون منذ أجيال، وفي سنة 1906 وفدت على مصر لجنة إنجليزية يهودية قضت في سيناء خمس سنوات كاملةً تفحص عن كل شيء فيها، وتنقب عن المياه الجوفية، والأراضي الصالحة للزراعة، والمعادن، والطبيعة الجيولوجية بصفة عامة، والمناخ، والطرق، والأهمية الاستراتيجية.

وعادت ومعها تقرير شامل يثبت أن سيناء صالحة لإسكان مليون نفس وإعاشتهم.

وقد عنى الإنجليز بعزل سيناء عن كل نفوذ للحكومة المصرية، وكان محافظ سيناء "جارفس" الإنجليزى، هو: حارس شبه الجيرة أن تمتد إليها عين مصرية.

وأفهموا المصريين أن هذه الصحراء لا أمل فيها ولا ضرورة للاهتمام بها، لأن المياه الجوفية فيها لا تصلح لخلق حياة مستقرة، وكان هذا كله لحساب اليهود الذين يسيّرون دفة بريطانيا.

ومن المعروف أن جيش إسرائيل عندما تجاوز الحدود المصرية عام 1948 كان أول عمل لرجاله عندما وطئت أقدامهم رمال الصحراء بعد رفح أن ترجلوا جميعًا، وقبلوا تراب الأرض وأقاموا الصلاة، ثم تابعوا خطواتهم في الأرض المقدسة.

أما اليوم، فهم يقيمون على الحدود استحكامات قويةً، ويسكنون في أرضها الفتيان والفدائيين بزوجاتهم وأولادهم يقطعونهم الأرض، ويبنون لهم مساكنهم تحتها – لا فوقها -، ويمدوهم بالمال ليستصلحوها.

وأمامهم ألوف الأميال المربعة في الشقة المصرية خلاء... فإذا أرادوا هم أن يزحفوا فيسزحفوا من استحكاماتهم على الحدود وورائهم العمار.

وإذا أردنا نحن حتى أن ندافع وقفت جيوشنا ووراءها هذه الألوف من الأميال القحلة الجرداء الخاوية من السكان.

لماذا ؟

لأننا نحن مشغولون بالانقلابات الوزارية. مشغولون بالانتخابات، هل تكون بالقائمة، أم بغير القائمة، مشغولون بالاستثناءات، ومن ترد إليهم استثناءتهم ومن لا ترد؟ مشغولون بهذه الأمور الكبار التي لا يجوز أن يلهينا عنا خطر اليهود أو غير اليهود. وما تكون سيناء وهى صحراء جرداء إلى جانب كراسي الوزراء الفخمة، ومقاعدها الوثيرة، وقاعاتها المكيفة الهواء.

وفجأةً – وفي هذه الظروف – تطلع علينا نغمة لا يدرى مبعثها إلا الله والراسخون في العلم من اليهود والصليبيين نغمة تحديد النسل.... لماذا؟

لأن مصر تضيق بسكانها، ولأن موارد الرزق لا تنمو بنسبة نمو السكان، ولأن الأرض الزراعية محدودة.

جميل نحن معكم في أنه حين تعجز موارد البلد عن إعالة مكان يجب أن يقف هؤلاء السكان، ولكن حين تكون في موارد هذا البلد بقية، فيجب أن يستمر السكان في التزايد، لأن نمو السكان في هذه الحالة ضمانة من ضمانات القوة والبقاء أمام تكتل الأعداء، وضمانة من ضمانات القوة في المجال الدولي، لأن الأمم التي تريد أن يكون لها وزن في الكتلة الدولية تحاول كلها زيادة سكانها.

وأمامنا ألمانيا، وإيطاليا وروسيا، واليابان، بل أمامنا إسرائيل الصغيرة، وهى تحاول مضاعفة سكانها على الرغم من كل ما يشاع عنها من الأزمة الاقتصادية الممسكة فيها بالخناق.

فهل استنفذت مصر وسائلها لزيادة مرافقها؟ إن في مصر من المواد والمرافق ما يكفي لإعاشة ضعف سكانها كما يقول بعض الخبراء.

وأمامنا مثل واحد في سيناء فهي كافية لإعاشة مليون من الناس لو وجدت من يعمرها ويرد إليها الحياة.

فلماذا يتجه تفكيرنا أول ما يتجه إلى وقف نمو السكان ؟ ومرةً أخرى نكرر أننا لا نعارض – بل نحتم وقف نمو السكان حين يثبت أن مرافق البلاد غير قابلة للنماء، أما حين يثبت أنها قابلة لأن معناها وقف نمو البلاد لا من ناحية تعدادها فحسب، ولكن من ناحية مرافقها، فضغط السكان قد ينبه الغافلين إلى محاولة الاستغلال الكامل لمرافق البلاد.

على أن حكاية تحديد النسل أو زيادته لا تخضع لحسن الحظ لهذه الأفكار السطحية التي لا تحاول التعمق في دارسة الأمور.

إن الحرص على زيادة النسل في الريف ضرورة اقتصادية وضرورة اجتماعية، ولا عبرة بالمدن لأنها على هامش حياة الوطن.

إن الذي لا أولاد له في الريف يعيش في مستوى اقتصادي أقل من مستوى أبي الأولاد، كما أنه أقل هيبةً وحصانةً على الاعتداء ! وهذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية من القوة بحيث لا تستمع لنصائح السطحيين.

ولن يتغير حكم هذه العوامل ويخف ضغطها إلا حين ينتشر التعليم، ويصبح هناك مورد آخر للرزق غير العمل في الأرض، وقوة أخرى للحماية غير العضلات، وعندئذ فقط يستطيع الشعب كذلك أن يستعيض من قوة العدد قوة العقل؛ ليقف في وجوه أعدائه المحيطين به.

إن الفطرة تتصرف في هذا أحكم مما يتصرف السطحيون الذين يحسبون أنفسهم مثقفين، فإذا عزّ على حضراتهم أن يدرسوا الأمور دراسةً حقيقيةً، فلا أقل من أن يدعوا الفطرة تعمل بحكمتها ويغنونا عن حكمتهم الذهبية المستمدة من الدسائس اليهودية والصليبية.

وبعد فنعود إلى استصراخ النائمين في العالم الإسلامي؛ ليصحوا من على مطامع الصهيونيين في سيناء..

فِإن مصر مشغولة الآن بالانقلابات الوزارية مشغولة بالانتخابات وهل تكون بالقائمة، أو بالوزن والكيل ؟

مشغولة بالاستثناءات وغير الاستثناءات

وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، والأهم يقدم ولا حول ولا قوة إلا بالله.