تآكل الديمقراطية في مصر: 2005-2009

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تآكل الديمقراطية في مصر: 2005-2009

23 فبراير 2009

بقلم: ضياء رشوان

قبل أعوام أربعة، وبالتحديد في 26 فبراير 2005، أعلن الرئيس حسني مبارك عن تعديل المادة 76 من الدستور ليتم بمقتضاها اختيار رئيس الجمهورية عبر الانتخاب بين عدد من المرشحين بدلاً من الاستفتاء على مرشح واحد كما كان الوضع سابقاً، لتبدأ في مصر مرحلة جديدة من التفاعل السياسي الداخلي لم تنته حتى اليوم.

وكان هناك حدث آخر مهم قد سبق إعلان مبادرة الرئيس وكان له دور بارز في تحديد صور ومسارات التفاعلات السياسية الداخلية التالية لها، وهو الإعلان عن تشكيل حركة "كفاية" في ديسمبر 2004.

وسواء كان تشكيل حركة كفاية أو إعلان مبادرة الرئيس هو نقطة البداية في المرحلة الجديدة التي نتحدث عنها، فالأكثر أهمية اليوم وبعد مرور أربعة أعوام على بدايتها أن نحاول تحديد ملامحها الأساسية وأبرز ما جرى فيها من وقائع مؤثرة على النظام السياسي في البلاد وأحوال أهلها من العباد، وبالتالي السعي لتوقع ما يمكن أن تشهده الفترة القصيرة القادمة من تغيرات أو وقائع رئيسية على هذين المستويين.

فعلى صعيد الأساس الدستوري والقانوني للنظام السياسي، جرى خلال هذه الفترة تعديلان للدستور أحدهما الخاص بالمادة 76 المشار إليها والثاني شملها أيضاً مع ثلاثة وثلاثين مادة أخرى من الدستور جرى الاستفتاء عليه في 2007.

وقد ترتب على هذه التعديلات الدستورية تعديلات عديدة في معظم القوانين التي تنظم الحياة السياسية في مصر، مثل قوانين الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية ومجلس الشعب وغيرها، لكي تسفر في النهاية عن تضييق أكبر على النشاط السياسي في البلاد سواء كان حزبياً أو غير حزبي.

فعلى سبيل المثال ظل تشكيل اللجنة المنوط بها قبول طلبات الأحزاب الجديدة كما هو، مسيطر عليها تماماً من الحزب الوطني الحاكم ويقف على رأسها أمينه العام بصفته رئيس مجلس الشورى، كما زاد تعقيد الشروط التي يقبل الحزب بمقتضاها سواء من حيث عدد المؤسسين أو تميز البرنامج وغيرها من شروط بدت أقرب للتعجيز منها للتسيير لقيام أحزاب جديدة.

كذلك فقد أطاحت التعديلات الدستورية وما تبعها من تعديلات قانونية وإلى الأبد بالإشراف القضائي على الانتخابات العامة في البلاد بكل مستوياتها، بكل ما كان يعنيه من نزاهة وحياد كانا مطلباً للأغلبية العظمى من المصريين، واستبدل به لجان متفرقة للإشراف على كل انتخابات على حدة يؤكد تشكيلها والطريقة التي يتم بها أنها أبعد ما تكون عن تحقيق هذا الحياد وتلك النزاهة المفتقدان في مصر.

وعلى الصعيد العملي واتصالاً بموضوع الانتخابات العامة، فقد بدا واضحاً من تتبع مساراتها خلال الأعوام الأربعة المشار إليها أننا ننحدر وبسرعة هائلة إلى هوة التزوير وافتعال النتائج. ففي انتخابات رئاسة الجمهورية في سبتمبر 2005 وبالرغم من كافة الملاحظات الصحيحة حول افتقادها لقاعدة التكافؤ بين مختلف المرشحين والرئيس مبارك، فإن التصويت فيها قد جرى بدون تدخل إداري كبير أو على الأقل "فاضح" لتخرج نسبة المصوتين حول 24% من المقيدين في جداول الانتخاب.

كذلك كان الأمر في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب التي جرت بعد الانتخابات الرئاسية بشهرين، حيث كفل لها الإشراف القضائي نزاهة وحياد لا يتكرران كثيراً في الحياة السياسية المصرية، وبدا الأمر مختلفاً في المرحلتين الثانية والثالثة حيث شهدتا تدخلات إدارية وأمنية واسعة لصالح مرشحي الحزب الوطني الحاكم بالرغم من اعتراض القضاة المنوط بهم الإشراف على تلك الانتخابات.

ومع ذلك فقد بدت الصورة العامة لانتخابات مجلس الشعب 2005 ذات طابع إيجابي وبخاصة بعد نجاح قوى المعارضة في الحصول على نحو 110 مقعداً فيها.

وبدأ الانهيار الحقيقي في موضوع الانتخابات العامة بعد إقرارا التعديلات الدستورية عام 2007 حيث جرت أولاً انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، والتي أكدت نتائجها الرسمية المعلنة من قبل اللجنة الخاصة المشرفة عليها مدى التدخل الفادح الذي جرى بها والذي جعلها انتخابات ذات طابع إداري وأمني يقوم الحزب الحاكم وحده بتحديد المتنافسين فيها وتوزيع ما يراه مناسباً له من مقاعد على من يريد.

وكان الحال أكثر فداحة في انتخابات المجالس الشعبية المحلية التي جرت في ربيع 2008، حيث سيطر الحزب الحاكم عبر اللجان المشرفة عليها ليس فقط على مسارها ونتائجها بل وقبل ذلك على قبول المرشحين فيها، حيث اتبع سياسة رفض أوراق المرشحين المعارضين له منذ البداية، وهو ما قلص عدد مرشحي الإخوان المسلمين من نحو عشرة آلاف مرشح إلى 21 مرشحاً فقط قبلت أوراقهم.

أيضاً على الصعيد العملي وفيما يتصل بآليات النظام السياسي، أخلف قادة الحزب الحاكم وعودهم التي راحوا يروجون لها خلال الأعوام السابقة بإلغاء حالة الطوارئ واستبدالها بقانون خاص لمكافحة الإرهاب، فقاموا بمدها عامين آخرين دون أن يعطوا أي تبرير يمكن قبوله لهذا المد سوى سببه الحقيقي وهو أن قانون الطوارئ يعطي السلطة التنفيذية وأجهزة الأمن كل ما تريده من صلاحيات بدون حدود للتضييق على الحريات الأساسية للمواطنين.

وعلى ذات الصعيد العملي واستناداً إلى قانون الطوارئ، اعتقلت الحكومة خلال الأعوام الأربعة الماضية آلافاً من المصريين لفترات متراوحة غالبيتهم الساحقة بسبب التظاهر لإعلان مواقفهم من تطورات داخلية أو خارجية، كما قدمت عددا من قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين لمحاكمة عسكرية بتهم ذات طابع سياسي لا يمت بصلة لهذه النوعية من المحاكم.

إن تتبع مسار الحالة الديمقراطية في مصر خلال السنوات الأربع الماضية متخم بالوقائع التفصيلية التي يمكن أن تفرد لها صفحات كاملة، إلا أن الأكثر أهمية هو قراءة اتجاه ذلك المسار خلال السنوات التي مضت وتلك التي نحن في انتظارها.

والواضح الذي لا مراء فيه هو أن انفراد الحزب الحاكم بكافة المؤسسات التنفيذية والتشريعية في البلاد سوف يتواصل بدون توقف، فما حدث في انتخابات الشورى والمحليات سيتكرر بصورة مختلفة في انتخابات مجلس الشعب المقررة في نهاية 2010 وقبلها مجلس الشورى المقررة في صيف نفس العام

وعبر غطاء قانوني سيتم على الأرجح تمريره في البرلمان قبل وقت قصير من هذه الانتخابات بحيث تجري وفقاً لنظام القائمة الحزبية وتحت إشراف اللجان الانتخابية الخاصة، بما يعني أنها ستكون ترشيحاً وإدارة ونتائجاً تحت الإشراف الكامل للحزب الوطني الحاكم.

وفي نفس السياق فلاشيء ينبئ حتى اليوم بأن النظام السياسي الحالي لديه أي نوع من القدرة أو الرغبة في إعادة النظر فيما وضعه خلال السنوات الأربع الماضية من قيود دستورية وقانونية على حرية النشاط السياسي في البلاد بحيث يعيد إليها بعضاً من نسمات الحرية التي تتوق إليها، بل على العكس فمع اقتراب موعد انتخابات رئاسة الجمهورية في خريف 2011 سوف تزداد سرعة الانهيار السياسي وتدهور حالة الديمقراطية والحريات العامة في مصر للتمهيد لمرحلة جديدة من حكم مصر، ربما تستحق أن نفرد لها مساحة مستقلة.

المصدر