بين مصر وتركيا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بين مصر و تركيا
إلى دولة الرئيس الجليل مصطفي النحاس باشا

بقلم / الإمام حسن البنا

عن الأهرام- يوم 15ربيع الأول

استامبول فى 8- نشرت جميع الصحف التصريحات التى أدلى بها النحاس باشا إلى المراسل الخاص لوكالة الأناضول التلغرافية بالقاهرة: قال النحاس باشا: "أود قبل كل شىء أن أقول: إننى من المعجبين بلا تحفظ بكمال أتاتورك الذى صاغ بعبقريته الخالقة تركيا الجديدة التى يلذ للعالم أن يسميها تركية أتاتورك، فلقد أوجد من دولة كانت بنوع ما قد امحت من خريطة العالم دولة شابة ذات حيوية فائقة غدت عاملاً يحسب حسابه فى الشئون الأوروبية، ولست أعجب فحسب بعبقريته العسكرية، بل أعجب أيضًا بعبقريته الخالقة وفهمه لمعنى الدولة الحديثة التى تستطيع وحدها فى الحالة العالمية الحاضرة أن تعيش وأن تنمو".

وقد كتب الأستاذ المرشد إلى دولة الرئيس الجليل الخطاب التالى.

حضرة صاحب الدولة مصطفي النحاس باشا زعيم الأمة ورئيس الحكومة :

أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد خير الهداة، وعلى آله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد..

فدولتكم أكبر زعيم شرقى عرف الجميع فيه سلامة الدين وصدق اليقين، وموقف الحكومة التركية الحديثة من الإسلام وأحكامه وتعاليمه وشرائعه معروف فى العالم كله لا لبس فيه، فالحكومة التركية قلبت نظام الخلافة إلى الجمهورية، وحذفت القانون الإسلامى وحكمت بالقانون السويسرى مع قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 43]، وصرحت فى دستورها بأنها حكومة لا دينية، وأجازت بمقضى هذه التعاليم أن تتزوج المسلمة غير المسلم، وأن ترث المرأة مثل الرجل، واصطدمت فى ذلك بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾[الممتحنة:10]، وقوله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾[النساء: 176]، وهذا قليل من كثير من موقف الحكومة التركية من الإسلام، وأما موقفها من الشرق فقد صرحت فى وقت من الأوقات بلسان وزير خارجيتها بأنها ليست دولة شرقية، وقد قطعت صلتها بالشرق حتى فى شكل حروفه وفى أزيائه وعاداته وكل ما يتعلق به.

فهذه أمور إن كانت مجال خلاف فى الماضى فهى فى الحاضر موضع تسليم من أصدق أصدقاء تركيا الحديثة، لهذا كان وقع تصريح دولتكم للمراسل الخاص لوكالة الأناضول التلغرافية بالقاهرة، وقد نشرته جريدة الأهرام بتاريخ 9/6/1936م من أنكم تعجبون بكمال أتاتورك بلا تحفظ، ومن أنكم لا تقصرون هذا الإعجاب على الناحية العسكرية فقط، بل يتجاوزها إلى عبقريته الخالقة وفهمه لمعنى الدولة الحديثة التى تستطيع وحدها فى الحالة العالمية الحاضرة أن تعيش وأن تنمو، غريبًا على الذين لم يعرفوا دولتكم إلا زعيمًا شرقيًا مسلمًا فخورًا بشرقيته متمسكًا بإسلامه قائدًا لأمة تعتبر زعيمة أمم الشرق جميعًا.

ولقد أخذ كثير ممن طالعوا هذا التصريح يتساءلون: هل يفهم من هذا أن دولة النحاس باشا وهو الزعيم المسلم الرشيد يوافق على أن يكون لأمته -بعد الانتهاء من القضية السياسية- برنامج كالبرنامج الكمالى يبدل كل الأوضاع فيها، ويفصلها عن الشرق والشرقيين، ويسقط من يدها لواء الزعامة؟ وإنا نعيذ دولة الرئيس من هذا المقصد الذى نعتقد أنه أبعد الناس عنه.

يا دولة الرئيس: مصر الحبيبة المجيدة تجتاز دورًا من أخطر الأدوار على حياتها المستقبلية، إنها تجتاز دور الانتقال، والأهواء والفتن والغايات والشهوات تتجارى بالناس كما يتجارى الكلب بصاحبه ، والشكوى صارخة مريرة من اندحار الأخلاق وتدمير الفضائل.

ومثل هذا التصريح يتخذه كل ذى هوى تكأة إلى غايته، ولقد كان من أعز الأمانى أن يؤيدكم الله فيؤيد بكم الدين والأخلاق وتسلكون بالأمة مسلكًا يعيد إليها ما فقدته من استقلالها السياسى وتشريعها الإسلامى وخلقها الاجتماعى.

ولهذا يا صاحب الدولة: نتوجه إليكم بهذه الكلمة، وهى كلمة الولاء المحض والنصح الخالص والإشفاق الكبير رجاء أن تتفضلوا بإلحاق هذا التصريح بما يطمئن نفوسًا قلقة، ويقر أفئدة مضطربة، ويسد الطريق أمام الظنون والأوهام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

القاهرة فى 24 ربيع الأنور سنة 1355 = 14 يونية سنة 1936

المصدر: جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (11)، السنة الرابعة، 4ربيع الثانى 1355ه/ 23يونيو 1936م