بعد تصريحات العريان حول الموقف من إسرائيل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بعد تصريحات العريان حول الموقف من إسرائيل
السياسة بين فقه «التحريم» وممكن الاختلاف
واعدوا.jpg


بقلم : فيصل علوش

لم تكن تهدأ الضجة وردود الفعل السلبية التي أثارها برنامج الإخوان المسلمين ، الذي طرح للنقاش مؤخراً في مصر، حتى ثارت زوبعة أخرى تتعلق بتصريحات متضادة من داخل الصف القيادي الأول للجماعة حول الموقف من إسرائيل واتفاقيةكامب ديفيد، في حال وصل الإخوان إلى الحكم.

رئيس المكتب السياسي للجماعة د. عصام العريان كان أعلن في تصريح لصحيفة «الحياة» (13/10/2007) أن الإخوان ـ إذا ما وصلوا إلى الحكم ـ سيعترفون بإسرائيل ويحترمون المعاهدات الموقعة معها.

المرشد العامللإخوان محمد مهدي عاكف رد على العريان بقوله « لا يوجد في قاموس الإخوان شي اسمه إسرائيل».

فهم (الإخوان) لا يعترفون ولن يعترفوا بها.

وما يعترفون به هو «عصابات صهيونية احتلت أرضاً عربية وطردت أهلها، وإذا ما أرادوا أن يعيشوا بيننا فسيكون داخل إطار فلسطين ، وإذا أرادوا دولة فليس لدينا إلا المقاومة». واعتبر عاكف أن التعبير عن الرأي المتاح للجميع داخل الجماعة، لكن القرار يصب في النهاية عند المرشد.

العريان وبعد رد عاكف، (وتعرضه لضغوط شديدة طوال أكثر من أسبوع، ومطالبته من أعضاء في مكتب الإرشاد، بنفي تصريحاته، حسب مصادر في الجماعة) عاد وخفف قليلاً من وطأة أقواله، فكرر مشهد المرشد تجاه إسرائيل، وقال بأن جماعة الإخوان «لم ولن تعترف بها، لأنه لا يمكن أن نعترف باغتصاب الأراضي بالقوة اتساماً مع الرأي الشرعي والمواثيق الدولية».

بيد أن العريان، وفي حديث له لموقع إلكتروني إسلامي، فرق بين الإخوان كجماعة وبين الإخوان كحزب.

وكشف أن الحزب «سيتعامل مع إسرائيل عبر واقعية سياسية تتسق مع الواقع القائم الذي يرى أن إسرائيل دولة قائمة ولها وجود على أرض الواقع».

واعتبر العريان أن ما جاء في الصيغة شبه النهائية لبرنامج حزب الإخوان التي نصت على مبدأ «احترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية» كاف لمعالجة أي جدل حول موقف حزب الإخوان من معاهدة كامب ديفيد.

مشدداً على أن الصيغة الحالية لبرنامج الحزب في ما يتعلق بمعاهدات مصر الدولية، لن تتغير عنها في الصورة النهائية، حيث سيحترم الحزب في حال وصوله إلى الحكم في أي وقت الاتفاقيات الدولية. بما فيها كامب ديفيد.

وحسب تعبيره «ليس من المعقول أن يتراجع كل حزب يصل إلى السلطة عن الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات السابقة».

وإذا كان الأمر كذلك، لا يدري في هذه الحالة معنى الموقف الإطلاقي للمرشد العام تجاه إسرائيل، ومدى انسجام هذا الموقف مع ما جاء في مشروع البرنامج الذي قدم للنقاش في أوساط المثقفين والسياسيين.

هنا، ترك العريان حيزاً مفتوحاً لإمكان تعديل معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، حيث قال: «في حال وجود رغبة مسبقة في إجراء أي تعديل سيتم ذلك وفقاً للقواعد الدولية».

ورداً على سؤال بشأن تفسيره للتباين بين موقف الحزب والجماعة من إسرائيل، أوضح بأن «الحزب السياسي يكون وضعه مختلفاً عن جماعة غير سياسية، ويتعامل مع المعطيات القائمة بواقعية».

وزاد قائلاً: «عادة ما يختلف موقف الحزب نفسه وهو في المعارضة، أو خارج السلطة عن موقفه وهو في السلطة، باعتبار أن السياسة هي فن التعامل مع الواق». وبصدد حديثه عن الواقعية السياسية ودفاعه عن برنامج الحزب ذهب بالولايات المتحدة إلى حد القول بأن هناك «حكومات عربية لا تعترف بإسرائيل ومع ذلك تسمح لها بفتح مكاتب تجارية على أراضيها وترتبط معها بعلاقات ومصالح تجارية» فهل يعني هذا يا ترى استعداد الإخوان لسلوك مماثل في ما إذا وصلوا إلى السلطة؟!

من التحريم إلى إمكان الاختلاف

وإذا صح ما نسب إلى العريان، وما جاء في الصيغة القادمة لبرنامج حزب الإخوان ، فهذا يعني أن قضية الاعتراف بإسرائيل لدى الإخوان باتت لا تقتصر على «الزحزحة من منطقة التحريم، إلى منطقة يمكن الاختلاف عليها» كما عبر مقربون منهم بل يعمي نقلة نوعية أو تمهيداً لتبدل جذري في موقف الجماعة من هذه القضية، لا يغير منه، في قليل أو كثير، الزعم بأن الاعتراف بوجود إسرائيل الواقعي «لا يعني الاعتراف القانوني الدولي بشرعية وجودها؟.

كما ذهب البعض.

لان الاعتراف ب كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، تتضمن في حدا ذاتها ليس الاعتراف القانوني الدولي بإسرائيل فحسب، بل وتصل إلى حد جعل إقامة العلاقات الدبلوماسية، وسواها من العلاقات الأخرى، جزءاً لا يتجزأ من المعاهدة نفسها فكيف بناء الحال هذه التفريق بين اعتراف واقعي واعتراف دولي؟!.

ما يدعو إلى الغرابة والدهشة أنه وعلى الرغم من كل ما أوردناه آنفاً، فإن العريان يبقى مصراً وينفي، على نحو إطلاقي أيضاً، أن يكون اعتراف الإخوان بإسرائيل مطروحاً في قاموسهم! بل ويؤكد أن الاعتراف بإسرائيل «سيجعل الجماعة تخسر ثقة الشعب وثقة المؤيدين لها الذين يحترمون الجماعة ويناصرونها لمواقفها الثابتة من إسرائيل».

والطريف في الأمر أنه يستشهد بتجربة « حماس » للتدليل والتأكيد على صحة موقفه هذا، معتبراً أنها «لا تعترف بإسرائيل على الرغم من تعاملها بواقعية سياسية مع إسرائيل من خلال تعاملها مع البلديات والبنوك وشركات الكهرباء والطاقة والمياه الإسرائيلية، لتسيير الحياة في القطاع».

لم يبق إلا أن يقنعنا العريان بأنه يمكن لسفارة وسفير إسرائيلي أن يكونا موجودين في القاهرة في ظل حكومة الإخوان ، من دون أن يعني هذا اعترافاً «إخوانياً» قانونياً ودولياً بإسرائيل؟!

لم يشر العريان هنا إلى التصريحات المتناقضة أيضاً لقادة « حماس » في هذا الشأن، حيث أعلن أكثر المتشددين فيها أن الحركة تقبل بحل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 .

فهل يمكن أن يتسق ذلك من دون توافر استعداد أولي على الأقل للقبول بإسرائيل والاعتراف بها؟!. اجتهادات سابقة

ما يجدر ذكره أن العريان لم يكن القيادي الأول في جماعة الخوان الذي يجتهد ويدلي بتصريحات مغايرة لموقف الإخوان التقليدي، فقد سبقه عبد المنعم أبو الفتوح وأعلن أن الجماعة تؤيد تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية في فلسطين كحل نهائي للصراع العربي ـ الإسرائيلي ونقلت جريدة «القدس العربي» عن عضو مكتب الإرشاد أبو الفتوح أن المجتمع الدولي يجب أن يعمل على تكوين دولتين فلسطينية وإسرائيلية كحل مؤقت، ثم يمكن بعد ذلك تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية كحل نهائي.

ولم يرفض أبو الفتوح، الذي كان يتحدث في جلسة مغلقة جمعت مجموعة من المثقفين والسياسيين المصريين مع المرشح الأميركي الرئاسي السابق، ما يكل دوكاكس، مبدأ الاعتراف بإسرائيل، إلا أنه قال إن مسألة الاعتراف حالياً يمكن تأجيلها موضحاً أن الشيء الأساسي هو وجود التعايش بين البشر بشكل سلمي.

ترى، هل يمكن الاستنتاج أن العريان وغيره من القيادات الإخوانية، المقاربون لرأيه، يميلون إلى تأجيل الاعتراف العلني بإسرائيل، مؤثرين الاختباء وراء التمييز بين الإخوان كجماعة وبينهم كحزب، أو بين الحزب في المعارضة وبينه في السلطة إلى آخر هذه الأطروحات المضللة؟!.

ردود وتكهنات

كان من البديهي إذن أن تثير تصريحات العريان جدلاً واسعاً وضجة صاخبة لدى الأوساط الثقافية والسياسية المصرية وغير المصرية، فمنهم من رأى أنها تندرج في إطار «العزل الإخواني للأميركيين»، ومنهم من اعتبر أنها تعبر عن «حال من التخبط داخل الإخوان».

وثمة من رأى بأنها تعبير عن تموجات وآراء مختلفة داخل الجماعة أو بأنها بالونات اختبار لرصد ردود فعل مختلف الأطراف إزاءها، من منطلق أنها بدأت تعد العدة لمرحلة استلام السلطة، واحتمال تغيير الكثير من ثوابتها، أو الانتقال من مرحلة الخطاب الإيديولوجي (الفقهي) المصمت، مثل شعار «الإسلام هو الحل» بما ينطوي عليه من محرمات وثوابت تاريخية، إلى مرحلة الخطاب السياسي الذي يمكن أن يكون مفتوحاً على غير احتمال، خصوصاً أنها المرة الأولى في تاريخ الجماعة التي يطرح فيها برنامج سياسي لها.

ولعل أحد أكثر وأهم القضايا التباساً عند الإخوان المسلمين وفكرهم عدم التفريق بين الممارسة الدعوية وبين الممارسة السياسية أو الخلط بين الفقه والسياسية، بما هي اهتمام بقضايا الشأن العام ومشاكل حياتية متبدلة ومتحولة.. ينجم هذا عن خلط الدين بالسياسة، أو بالأحرى، استغلال الدين، والتستر خلفه بغرض تحقيق مكاسب سياسية ومنافع دنيوية.

مثل هذه الحالة دفعت كثيرين إلى التشكيك والارتياب في حقيقة موقف الإخوان من قضايا عديدة.

وتدفعهم الآن إلى القول بأن ما لم تستطع «الجماعة» فعله على صعيد المشاركة في الحياة السياسية، تريد أن تمرره من خلال حزب لها، منفصل عنها شكلياً، على غرار حال الإخوان في الأردن.

ودفعتهم أيضاً إلى التكهن بأن الإخوان في مصر يبحثون عن نقاط التقاء سياسية محتملة مع العواصم الغربية، خاصة واشنطن، للقبول بهم وبشراكتهم في الحياة السياسية.

وحسب هذه التكهنات فإن نقاط الالتقاء الممكنة تتمحور حول معارضة الإرهاب، وعدم ضرب أو تهديد المصالح الغربية، والعلاقات مع إسرائيل، أو الموقف من القضية الفلسطينية.

ومن هنا جاءت محاولة طمأنة الغرب حيال هذه النقطة عبر العريان وأبو الفتوح.

وفي هذا الخصوص هناك من يعتبر أن إطلاق المواقف الأخيرة جاءت ثمرة أو استجابة للحوارات الدائرة في القاهرة.

أو ربما حصيلة للضغوط الأميركية التي مورست عليهم.

غير أن أهم القراءات تلك التي ربطت الأمر بالإنجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية التركي، وإمكانية تحول الأخير إلى نموذج وقدوة للأحزاب الإسلامية المعتدلة، فالعريان نفسه كان وجه انتقادات لبرنامج الجماعة السياسي خاصة في ما يتعلق بالموقف من ولاية المرأة والأقباط، فضلاً عن الفقرة الخاصة بهيئة العلماء، التي طالب باستبعادها، ونبه إلى أن البرنامج السياسي ليس أهم من البرنامج الاقتصادي، مقارناً جماعته بحزب العدالة والتنمية التركي، الذي وصل إلى السلطة وفقاً لبرنامجه الاقتصادي، واحتفظ بالسلطة بسبب نجاحاته الاقتصادية كما قال العريان.

هذا قد يميل أيضاً إلى مدى الاختلاف والصراع المحتمل داخل جماعة الإخوان في مصر ، فـ «العدالة والتنمية» التركي لم يتقدم إلا بعد أن خرج من عباءة نجم الدين أربكان، وقد يجد شباب الإخوان في مصر أن لا مناص أمامهم من الخروج من تحت السقوف السياسية المنخفضة التي تفرض عليهم الانحناء أمام مشيئة مرشد عام تقليدي، أو حرس قديم، يتحكم بأكبر تنظيم سياسي معارض في مصر ؟


المصدر