بطانة الرئيس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بطانة الرئيس ..... بقلم / وليد رمضان


البطانة.. هم أولئك النفر أو الجماعة التي تحيط بالرئيس؛ بسبب القرابة أو بحكم العمل والاستشارة، ووجودهم ضروري وحيوي، فلا نتخيل رئيس دولة أو أي شخص آخر دون بطانة، فأي إنسان لا بد أن يحيط نفسه بمجموعة من الأصدقاء والمستشارين؛ فالإنسان مدني بطبعه، اجتماعي بفطرته، كما أن لهم تأثيرًا كبيرًا على قرار رئيس الدولة، فعنهم يصدر رأيه، وبرأيهم تسير الدولة، ويا حبذا لو كانوا يبغون المصلحة العامة، وهم على قلب رجل واحد، إذن لنعمت الحياة، واستقرَّ الأمن، وزالت العقبات، وسار قطار التنمية بلا توقف.

أما إذا كانوا أبناء علة، فبئست الحياة، ويا سعد من مات بالأمس؛ فقد وجد كفنًا وماءً وتربةً، ولترعَ السماء من يتألمون مع كل نفس، ويرفلون في حُلل الموت التي يحيونها، فلا انتماء ولا وطنية، بل هو الحقد الذي يملأ القلوب، والترحيب بتحالف مع الشيطان في سبيل إسقاط الطاغية؛ لذلك كان الاهتمام بهذه الفئة، والتروي في اختيارها ضروري؛ فعليهم عماد الدولة، وفي أيديهم مقاليد أمورها.

وعلى شاكلة الرئيس تكون البطانة؛ فبطانة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت؛ أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبطانة المماليك لم تكن سوى السيف، فلا يُعقل أن يكون الرئيس عاقلاً فطنًا، ويحيط نفسه بمجموعة من الجهلاء البلهاء، فهم لسانه الناطق، وسفيره المحنك، ومستشاره المؤتمن، فقل لي ما بطانة رئيس ما، أقل لك من يكون.

وكثيرًا ما ينقلب الحاكم على من ساعدوه، ومن صعد على أكتافهم إلى العرش، وخاصة في النظام الملكي، فيتخلص من أهله وعشيرته وعصبيته التي بها وصل، ثم يقوم بحملة لتطهير البلاد من المصلحين والرموز، إما بالترغيب أو الترهيب أو السجن أو تشويه السمعة؛ حتى إذا تربع وحده، نفث في روع الحمقى أن البلاد تمر بمرحلة حرجة من تاريخها؛ ليبحث الناس عن مُخَلّص فلا يجدوا إلا هو، ويحيط نفسه بمجموعة من أعداء الوطن، يشتري ولاءهم بأموال الدولة، ويغدق عليهم من نعم البلاد، ويضع في أيديهم مقاليد الأمور وزمامها، فيركب صعبًا من الأمر، ثم ما تلبث هذه البطانة- في لحظات ضعفه- أن تكون الآمر الناهي فى هذه المملكة.


والبطانة على ثلاثة أنواع؛ إما أن تكون عاقلةً، أو صالحةً، أو فاسدةً

أما البطانة العاقلة فهي التي تحكم العقل، وتلجأ إلى المنطق، وتزن الأمور في كل ما عنّ لها من أحوال بصرف النظر عن انتماء أو دين، وبطانة هذه سماتها حري بها أن تنجح في تحقيق المصلحة العامة؛ حتى لو كان الرئيس فرعون، فعندما عرض عليه نبي الله موسى- عليه السلام- دعوته، كان رد فرعون- السجن- سريعًا وجاهزًا، وعندما استشار بطانته، حكموا عقولهم وقالوا: "أرجه وأخاه"، وليثبت كل فريق الحجة على صدقه في معركة حرة ليس بها تلاعب، فكان أن أسلم السحرة، ونجَّى الله موسى- عليه السلام-، فأنْعِم بها من بطانة.

وأما البطانة الصالحة فهي التي تنطلق من دينها، وترجح ما يتوافق مع عقيدتها، ويرضي ربها، فإذا أحاط الرئيس نفسه بأمثال هؤلاء فيا بشرى الإنسان والحيوان، إنهم مؤتمنون في الاستشارة، حريصون على ما ينفع الناس، فانتظر الخير دائمًا من رئيس ما دام أنه يحيط نفسه بأمثال هؤلاء؛ فعندما أحاط الخليفة "سليمان بن عبد الملك" نفسه بالعالم الجليل "رجاء بن حيوة" كان في ذلك أكبر المنفعة؛ حيث عرض "سليمان" في مرض موته على مستشاره "رجاء" أن يعهد بالخلافة لابنه من بعده، ولكن رجاء وجَّهه إلى تولية الخليفة الراشد "عمر بن عبد العزيز" الذي ملأ الأرض عدلاً، فكان في ذلك خير لكل الرعية مسلمهم وكافرهم.

وأما البطانة الفاسدة فهي التي تنطلق من هواها ومصلحتها، لا ترقب في إنسان إلاًّ ولا ذمةً، إذا اجتمعوا على العاقل الراشد أهلكوه، فكيف إذا أحاط بهم رئيس نفسه؟ إنهم النخبة والقلة، عصابة تتحكم في أقوات المسلمين وتذل نفوسهم، وإذا أشاروا كان في فساد وعن هوى؛ فعندما استشارهم "الحجاج" في أمر امرأة من المعارضة، أشاروا عليه بقتلها، فقالت له: "يا حجاج، لقد كان وزراء أخيك فرعون خيرًا من وزرائك قالوا "أرجه وأخاه"، إن بطانة كهذه قادرة على وقف قطار التنمية، ووأد كل فكرة لإصلاح حقيقي.

وقد حفظ لنا التاريخ نموذجًا لبطانة صالحة مخلصة، ولكن جانبها الصواب في استشارتها، رغم نبل المقصد والهدف، والمسئولية كلها على عاتق الرئيس في قرارات هؤلاء، ورحم الله "أبا بكر الصديق"؛ حين وقف بمفرده أمام المرتدين ومانعي الزكاة من جهة، وأنصاره وصحابة رسول الله الذين رفضوا هذه الحرب من جهة أخرى.

إذاً فللبطانة شرطان : الإخلاص، والصواب، أن تقصد برأيها المصلحة العامة، وأن يوافق هذا الرأي وجه الصواب


المصدر : نافذة مصر