امرأة بألف .. ولمثل هذا فليعمل العاملون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٢:٤٤، ١٠ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "امرأة بألف .. ولمثل هذا فليعمل العاملون" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
امرأة بألف .. ولمثل هذا فليعمل العاملون
توفيق الواعي.jpg

توفيق الواعي

بسم الله الرحمن الرحيم

ليست الذكورة أو الأنوثة معيار التقدم والريادة، إنما هي النفوس والهمم، وكم من إناث دخلن التاريخ من أوسع أبوابه، وخرج منه الكثير من الرجال، وقد أراد القرآن أن ينبهنا إلى ذلك فضرب لنا المثل بنساء كان لهن علامة بارزة وحضور مميز، في مواجهة الباطل ومقارعته والثبات عليه، أمام المواقف والمحن الصعبة فقال - سبحانه -: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} (11) (التحريم).

والخنساء حكاها التاريخ قبل الإسلام جزعة هلعة، وقص قصتها بعد الإسلام شامخة عظيمة حين استشهد أولادها في سبيل الله، ومازال التاريخ الإسلامي ولوداً، وما برح المعين الإسلامي معطاء يضرب المثل تلو المثل.

والمثل الحي عندنا اليوم في فلسطين حينما تسمع الزغاريد عند استشهاد بطل، أو بلائه بلاء حسناً بالشهادة حين ينطق قائلاً: فزت ورب الكعبة، وأريد أن أعرج في هذه العجالة على خنساء فلسطين التي جهزت ولدها للاستشهاد في سبيل الله، وقدمته نصرتا لدينه ومقدساته، وإعزاز رسالته.

وحين نسمع الأم تتكلم وهي الإنسانة والوالدة الرؤوم عن ساعات إعداد شهيدها البطل للقيام بالعملية الاستشهادية، نرى حقيقة خلجات الأم المسلمة وهي تتصارع مع عواطفها وإيمانها وحبها لولدها، وإيثارها العظيم لدينها وعقيدتها، وأرض الإسلام ومقدساته حين تقول:

(لقد عشت أنا وحبيب قلبي وثمرة فؤادي محمد أياماً جميلة، قبل استشهاده.. فبرغم الألم الذي كان يعتصر قلبي، غطت عليه فرحته الشديدة.. لم تفارق الابتسامة وجهه طيلة تلك الأيام بسبب وبدون سبب يضحك من كل قلبه وأنا أعرف سبب ذلك الفرح كله، فقد كنا أنا وإياه بنفس الشعور فرحين لأننا مقدمون على تقديم شيء ثمين نوعاً ما لمرضاة الله - عز وجل -.. فأسعد شيء والله في هذه الدنيا أن تحس بأن ربك راض عنك، لا نريد أكثر من ذلك وهل بعد ذلك من خير، كان يقول لي ويسرح بفكره إلى هناك، حيث المغتصبة في غوش قطيف ويقول: "هل معقول يا ما" سأنفذ عملية وأقتل يهوداً وأستشهد وأفوز"، ويسرح بفكره وأنا بجانبه أحس أنه يطير في ملكوت السموات بعيداً عني.. وكثيراً ما كنت أضعف فأمضي الليل وأنا أبكي...

وإذا كان في النهار أهرب من غرفة إلى غرفة؛ حتى لا يراني أحد... وفي اليوم الثالث قبل العملية أتاني وقال لي: "والله أنا فرحان ومش فرحان بهذه العملية" فقلت له: ولماذا يا بني؟ قال: "لأني سأذهب وحدي وبدون محمد حلس"، وكان محمد حلس أعز عليه من إخوته، كان يريد أن يذهبا معاً عند ربهما، لم يفترقا في الدنيا وأراد ألا يفترقا في الآخرة، وأبين هنا لكل من قرأ هذه السيرة كيف يتسابق شباب فلسطين على حب الشهادة، فقد رجع محمد حلس يبكي لعدم إتاحة الفرصة له، فقد كانت ظروف العملية لا تحتمل إلا واحداً ورجع محمد ابني حزيناً أيضاً وقال لي من شدة حبه لأخيه محمد حلس "ما رأيك يا أمي أن أمنحه عمليتي وبعدين يرزقني الله بغيرها"، ما هذا الإيثار بين هؤلاء الفتية الصغار كل منهم يؤثر الآخر بخير الدنيا والآخرة، ليس بمتاع من متاع الدنيا القليل ولكنه الفوز بمرضاة الله وبالجنة حتى إني والله أشفقت على ابني وحبيبي محمد حلس وآثرته بالعملية وقلت لمحمد ابني "يا للا أنت بعدين يا محمد ربنا يرزقك بعملية غيرها".

صليت ركعتين ودعوت لهما أن يختار الله لهما ما هو خير لهما الاثنين وصلى محمد صلاة الاستخارة ونمنا ونام بجانبي تلك الليلة ليودعني وفي الصباح استيقظ محمد على رنة الجوال فإذا بالمسؤول يقول له: "لقد وقع الاختيار عليك يا محمد أنت، ومحمد حلس سوف نوفر له عملية في وقت قريب إن شاء الله"، رد عليه محمد وقال: "أتعرف أين كنت لحظة ما تكلمت؟ قال أين؟ قال: "كنت عند الحور العين"، ففتحت عيوني بسرعة عند سماع هذه الكلمة وقلت ماذا يا محمد؟ بشرني يا ما، قال لي: هو ما سمعت؟ قلت الحمد لله! والله هذا اختيار رباني وموفق إن شاء الله.

وفي اليوم الأخير الذي مكثه عندنا كان مشغولاً جداً ولم أره كثيراً فقد خرج ليسجل شريط قراءة الوصية، وكان وداعه على عجل حتى إني كنت أتمنى أن أقرأ له بعض السور على يديه، قرأت له بعض آيات النصر والتثبيت وعانقته بكل الحنان الموجود على هذه الأرض، ولا أتذكر ما قلته له من شدة رهبة الموقف إلا أنني أتذكر أنني شجعته ببعض كلمات التشجيع، وانطلق والسرور يملأ قلبه ووجدانه لا خوف، لا قلق، لا أي شيء يزعجه ويسيطر عليه الشعور بالفرحة الكبيرة، إنه اليوم سيقدم روحه ودمه لله - عز وجل - طائعاً مختاراً..

وبعد مغادرته البيت أخذ بقلبي الألم كل مأخذ، لم أبك كثيراً ولكنني أحسست بجبال من الحزن تجثم على قلبي وصبَّرت نفسي بشغله هنا وشغله هناك، ولكن والله من شدة فرحتي بأني أقدم اليوم ابني لله - عز وجل -، غطت على هذا الألم الشديد، وبقيت على انتظار للاتصال بي فمازال يتصل بي بين الحين والآخر وفي كل مرة كنت أحس بأن السعادة تغمره من مفرق رأسه حتى أخمص قدميه.. أقول له: كيف أنت "يا ما"؟ كيف معنوياتك؟ يقول لي "مكيف" يقولها من كل قلبه وفي آخر اتصال بيننا لم أتمالك نفسي فأجهشت بالبكاء على الجوال وبكى هو الآخر عليَّ فقط ليس على أي شيء آخر.. سمع صوت عماد ابن أخيه نضال وهو في السنة الثالثة من عمره فقال أعطيني ياما عماد فقد كان يحبه حباً شديداً وكان آخر كلامه مع عماد، وقال: الآن سأقفل الجوال وها أنا سأذهب إلى المستوطنة الآن.

وبعدها لم يكن أمامي إلا الصلاة والدعاء، كنت قلقة جداً ألا ينجح في عمليته، فما كان يهدئ من نفسي إلا الصلاة والدعاء لقد أسلمت أمري كله لله وأخذت أجأر بالدعاء كأشد ما يكون.

وتأخر النبأ، وأخذت الساعات تمضي بطيئة متثاقلة تقترب من الثانية عشرة ليلاً، فإذا بالفرج يأتي من عند صاحب الفرج، وإذا بنضال ابني "أبوعماد" يحتضنني ويقول لي مباركة "ياما" شهادة محمد لأنهم أذاعوا لقد قتل المسلح..

... امتلأ قلبي بالحزن والفرح في آن واحد، لقد تألمت على فقدان ابني الحبيب ولكن هذا ما كنت أتمناه وأنتظره بفارغ الصبر، ذهبت بعيداً عنهم وسجدت سجدة شكر لله - عز وجل - وخجلت والله أن أقول اللهم أجرني في مصيبتي لأنها نعمة والله وليست مصيبة ودعوت له أن يتقبل منه ومني وأن يجمعني به في الفردوس الأعلى إن شاء الله.

رحمك الله يا حبيب قلبي وثمرة فؤادي، كم كنت بنا باراً.. كم نفعتنا بعمرك القصير الذي كان كعمر الزهور وسننتفع بك إن شاء الله في اليوم العصيب الذي ينتظرنا في الآخرة).

ولقد قلت حين عاينت هذا، وستقول أنت معي كذلك: بمثل هؤلاء يتحرر الأقصى ويندحر العدو، ولمثل هذا فليعمل العاملون ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز 40 (الحج)، إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (7) صدق الله العظيم

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى