الهجوم على غزة ، أسبابه وأهدافه

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


الهجوم على غزة.. قراءة ما بين الصواريخ

المحرقة.. رسائل مجرمي الحرب

الهجوم على غزة

ها هي حماس تطوي صفحات عامها الثالث، بعد مشاركتها الأولى في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. صفحات خطت سطورها بمداد من العقبات والتحديات، فمنذ اللحظة الأولى لتوليها الحكم كاستحقاق لفوزها الانتخابي، ونذر التضييق على الشعب الفلسطيني باتت تلوح في الأفق. حشدت كل الجهود، وتداعت الأطراف من كل حدب وصوب حمّالة للحطب، والطريق المستهدفة هي التي ارتضتها حماس لنفسها، والهدف الضمني الواضح، مفاده: إسقاط حكم حماس، أو إثبات فشله حتى يتم إسقاطه جماهيريا.

ملخص ما أقدم عليه خصوم حماس، يمكن التعبير عنه بالحصار متعدد الأشكال والأوجه. بدأت أحوال الفلسطينيين تزداد سوء، ودائرة الأزمة تتسع، والكل ينتظر بل يترقب، لحظة سقوط حماس. وعلى غير ما تكنّه أنفس الخصوم، وتتنبأ به عقول المحللين، أتى الرد صلبا من حماس، لا يعكس ما شُخّصت به من ضعف ووهن نتيجة الحصار، هذه الرسالة وصلت، حين أكملت حماس سيطرتها على القطاع.

تهدئة من طرف واحد

من يحكم في غزة منذ تلك السيطرة هو حماس، فاستمر الحصار بصورة أقسى وأكثر إحكاما، ونفس نظرة الترقب التي كانت سائدة قبل سيطرة حماس، استمرت بعدها، متى ستسقط حماس؟ عقدت التهدئة مع الجانب الإسرائيلي، فأظهرت أنها إن قالت فعلت، وقد أظهر الإعلام الإسرائيلي اندهاش قادة إسرائيل من قدرة حماس على ضبط الأمور، رغم حالة الحصار والتضييق، ورغم أن التهدئة كانت مطبقة عمليا من طرف واحد، هو الطرف الفلسطيني، إلا أن حماس أبدت التزاما واضحا بها، إلى أن انتهت في هذا الشهر.

الآن، نحن نعيش مرحلة ما بعد انتهاء التهدئة، الصورة في قطاع غزة أبلغ من أي كلمات، مشاهد الدمار وصرخات أمهات الشهداء ومشاهد عدة تبين حجم الهجوم الإسرائيلي، في ضوء الخلفية السابقة التي أوضحناها، ما هي أسباب التصعيد؟ وما هي أهدافه ورسائله؟ وما هي حدود الهجوم؟.

أهداف الهجوم

باختصار يمكن القول أن أسباب التصعيد هي الآتي:

1- فشل الحصار، وبقاء حماس،

2- انتهاء التهدئة،

3- الحراك السياسي الداخلي الإسرائيلي، مقدمات انتخابات 2009.

أما بخصوص أهداف الهجوم، فهي مستنبطة من أسبابه، ولذلك يمكن توضيح تلك الأهداف والرسائل التي تريدها إسرائيل في الآتي:

1ـ من لم يزل بالحصار سيزول بغيره:

رسالة إلى حماس، يبدو أن إسرائيل أدركت وبعد مضي 3 سنوات على وجود حماس في الحكم، أن الأخيرة ليست مستعدة للتخلي عن موقعها بأي حال من الأحوال، كما أن إداركها امتد ليصل الى استنتاج مؤداه، أن مزيدا من الحصار على قطاع غزة، لن يؤدي بالضرورة إلى انفجار في وجه حماس من قبل المواطنين، وبالتالي إزاحة حماس عن الحكم، وإنما قد يكون انفجارا ضد مسبب الحصار ومن يقف خلفه.

وهنا تظهر خيبة أمل كل من راهن على ثورة الشارع في وجه حماس. إسرائيل جزء من أولئك الذين خابت آمالهم بزوال حكم حماس نتاج تلك الخطوات المتتابعة في الحصار، ولذلك يبدو أنها تريد وعبر هذا الهجوم إيصال رسالة إلى حماس، تقول فيها: إن من لم يزل بالحصار سيزول بغيره. وعليه، فإنها لن تدخر جهدا في استخدام ترسانتها العسكرية من أجل تحقيق هذا الطموح، وهذه هي البداية.

والسبب في تركيز إسرائيل على حماس خصوصا، يعود إلى خصوصية هذه الحركة في إطار موقفها من الاحتلال الإسرائيلي، فهي تمتلك بعض النقاط التي تجعل منها خطرا لا ترغب إسرائيل في بقائه:

أولا: خطر أمني بسبب قوة حماس مقارنة بالفصائل الفلسطينية الأخرى، وتحديدا في قطاع غزة.

ثانيا: خطر سياسي، فحماس كبرى الفصائل غير المعترفة بإسرائيل حتى اللحظة، ليس هذا فحسب، بل هي الحركة الفلسطينية، ذات النفوذ عربيا واسلاميا، وكلنا يتذكر قسم الولاء للإخوان المسلمين الذي رددته جماهير حماس خلف أحد مؤسسيها عبد الفتاح دخان، في ذكرى انطلاقتها الواحدة والعشرون.

ثالثا: خطر أيديولوجي نابع من البنية الفكرية والأيدولوجية لدى حماس، التي ترى فيها لإسرائيل خطرا أشد من الصواريخ.

رسالة إلى المقاومة، إسرائيل لا تخشى حماس وحدها، ولا تعتبر أن حماس هي خصمها الوحيد، فكل من تسول له نفسه أن يقدم على إلحاق الضرر بالمشروع الصهيوني، سيكون هدفا لإسرائيل، وهنا الرسالة تقول: أن ما حققته المقاومة من تطوير متسارع في قواها وبنيتها تنظيما وعتادا، لن تصمت عنه إسرائيل، ولن تدع الأمور كما هي عليه. الاستناد في ادعائنا هذا على كثير من التقارير الإسرائيلية التي نشرت في وسائل الإعلام، آخرها ما صدر في صحيفة هآرتس، ويشير بوضوح إلى الإنجازات التي حققتها الفصائل الفلسطينية في تطوير قدرتها العسكرية، بشكل قد يكون النموذج فيه حزب الله في الجنوب اللبناني.

2ـ دماء أهل غزة مدادا لشعارات إسرائيل الانتخابية:

رسالة إلى المجتمع الاسرائيلي، الرسالة هنا من مصدرين، وبأهداف متباينة:

أولا: رسالة من الأحزاب الإسرائيلية التي دفعت باتجاه استخدام القوة مع قطاع غزة، سواء بإقناع كاديما بأهمية تلك الخطوة، أو بالضغط عليه من خلال التصريحات الإعلامية، التي تفيد بضعف كاديما وفشله على الصعيد الأمني. لكن كيف للأحزاب الاسرائيلية أن تستفيد من مثل هذه الخطوة البشعة؟.

ـ بالنسبة لكاديما، وكونه على رأس الحكومة، فهو يريد إيصال رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي، أن هذا الحزب قادر على مواجهة حماس وكل من يمثل خطر على الإسرائيليين، ولديه المقدرة والرؤية الواضحة للقيام بذلك، كما أن تجربته في لبنان لن تتكرر في أي منطقة أخرى.

ـ بالنسبة للعمل، والذي يقود مركبته للانتخابات ذات الشخص الذي يشرف على هجوم غزة (إيهود باراك)، فإنه يريد كغيره من الأحزاب أن يستثمر في دماء الفلسطينيين، وكأنه يريد القول: أن تولي العمل لحقيبة "الدفاع" هو ما حقق الأمن لاسرائيل. إيهود باراك وفي جزء من دعاية حزبه الذكية، أصدر بيانا بوقف حملته الانتخابية، كي يركز على تأمين الحدود مع قطاع غزة، وهنا يظهر جليا أن وقفه للحملة الانتخابية، ما هو الا حملة أكثر فاعلية، حين يكون الدم مدادا لشعاراتهم.

ـ بالنسبة لليكود، والذي التزم الصمت حيال انتقاده المتكرر لكاديما، لعدم تعامله الحاسم مع حماس. فقد حصل ما تمناه زعيمه نتنياهو، ونفذت حكومة كاديما هجوما على غزة. رسالة الليكود ستكون ببساطة: أن كاديما من خلال هذه الهجمة، أثبت وبالبرهان العملي فشل خطة الانسحاب أحادي الجانب، والحل الوحيد لمشكلة غزة هو حل عسكري، وإن كان الأمر كذلك، فإن لسان حال الليكود يكاد يقول: نحن خياركم للحرب وكاديما خياركم للانسحاب. فشل الانسحاب وقرر كاديما الحرب، فهل ستسمحون له بتكرار حزيران 2006؟

ثانيا، رسالة شخصية من ليفني. فتاة الموساد السابقة، والتي فاجأت أناس كثر في تصريحاتها النارية، لها أيضا مآرب شخصية من ذلك اللهجوم: عمليا وبعد قضية فساد أولمرت، فإن من يحكم الآن تسيبي ليفني، وطموحها أن تكون رئيسة وزراء إسرائيل، وحتى تقنع المجتمع الإسرائيلي الذي اعتاد أن يثق بسفكة الدماء أكثر من غيرهم، لا بد لها من أن توصل له رسالة مؤداها: جولدامائير نموذج قد يتكرر.

3ـ من قلب قاهرة المعز:

رسالة إلى العرب، من قلب قاهرة المعز، قامت ليفني بإطلاق تصريحاتها المهينة الى كل العرب، حين قالت أن حكومتها ستسحق المقاومة الفلسطينية وتستأصل حماس. تصريح ليفني اعتيادي كما أشار كثير من المراقبين، لكن صدوره من كبرى العواصم العربية، فيه رسالة استهزاء واضحة بالعرب شعوبا وحكومات، إلى حد وصلت فيه الغطرسة الإسرائيلية أن تهدد العرب في عقر دارهم. ليفني أكثر حنكة من أن تدلي بمثل هذا التصريح ارتجالا وعفوية، رسالتها بالإضافة إلى ما تحمله من مهانة للعرب، تحمل بين سطورها إشارة إلى أن موقف إسرائيل من غزة يأتي متجانسا مع كثير من المواقف المجاورة.

4ـ تكريس الانقسام الفلسطيني:

رسالة إلى الكل الفلسطيني، ذلك النهج القديم الجديد الذي تتبعه إسرائيل في إيهام الفلسطينيين أن من يعارض إسرائيل لن يناله منها سوى الضرر، ومن يتخذ موقفا مخالفا سينعم بالأمن والسلام. إسرائيل تريد أن تكرس الانقسام الفلسطيني وتخلق نموذجين، الأول في الضفة والآخر في غزة، وكأنها تريد أن توصل رسالة أخرى إلى كل من ينظر الى مأساة غزة، أن إسرائيل لا تعادي الفلسطينيين، وإنما تعادي جزءا منهم لا يرغب بالسلام.

لكن شباب فلسطين لم يسمحوا لإسرائيل أن توصل رسالتها، وبمجرد وصول الخبر وتداوله في الضفة الغربية، خرجت المظاهرات، وبدأت الاشتباكات بين جنود الاحتلال والشبان الفلسطينيين، لتصل الرسالة إلى إسرائيل وليس منها، أن الفلسطينيين رغم خلافاتهم لن يتسقوا مع أهدافها.

عموما، يثار التساؤل الآن في كثير من الأوساط حول حجم الهجمة الإسرائيلية وماهية حدودها. الإجابة على هذا التساؤل تكمن في مدى تحقيق إسرائيل لأهدافها سابقة الذكر، فكلما شعرت إسرائيل أن هذه الهجمة لن تؤتي أكلها، وهذا ما هو متوقع، فإنها لن تستمر فيها بنفس الطريقة، فإذا ما استطاعت المقاومة إلحاق خسائر في الجانب الإسرائيلي، فإن ذلك سيضعف من إمكانية استخدام هذه الهجمة كدعاية انتخابية في إسرائيل. كما أن بدء ردات فعل جماهيرية في الدول العربية، وفي الضفة الغربية، قد تفقد الرسائل الموجهة لهم لمضمونها، وهنا من الممكن أن تتقلص حدود الهجمة الإسرائيلية، وبغير ذلك فإن إسرائيل ستمضي قدماً في مزيد من سفك الدماء وهدم للبيوت.