النيل .. والخروج الكبير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
النيل .. والخروج الكبير


الثلاثاء 24 مارس 2015

كفر الشيخ اون لاين | خاص

قضية مياه نهر النيل بالنسبة لجزء كبير من الشعب المصري خصوصا في المدن وعند طوائف الموظفين قضية غير واضحة لعدم معايشة البيئة الزراعية بشكل يومي ، وهى قضية غير واضحة أيضا في البيئة الريفية بسبب غياب التصور عن منابع النهر فمعظم الفلاحين يري أن الترعة التي تروي أرضه تنبع من الترعة الأكبر التي تتفرع عنها وأن الخدمة التي يمكن لعضو مجلس الشعب في دائرته أن يقدمها لهم هو زيادة كمية المياة المتدفقة بين الترعتين الرئيسية والفرعية .

وأكاد أن أجزم أن النظام الإنقلابي في مصر هو الآخر لا يقدر الآن حجم الكارثة التي ستحل بالمصريين عند غياب النهر لأول مرة لفترات طويلة على مدار العام ، فالتعامل بالقطعة مع الأزمات اليومية ومشاعر الإستعداد للإقلاع بالطائرات الخاصة عندما يسقط الإنقلاب حجبت تماما الرؤية لما يمكن أن تكون عليه البلاد عندما يجف مجري النهر للمرة الأولي في التاريخ كله ، ولكن يمكن القول أن مصر ستتحول إلى صومال جديد وبكل تأكيد في تلك اللحظة وأن قوافل اللاجئين ستتدفق على الحدود الشرقية باعتبار اسرائيل هى النقطة الأكثر رخاء على الحدود والأسهل والأقرب وربما يشاركها الأردن ذلك الإستقبال الكبير للخروج الكبير للشعب الذي لم يعاني من المجاعة أبدا في تاريخه .

إذا سلمنا بأن غالبية الشعب المصري تسكن الريف فلا يمكن حصر نتائج جفاف الأراضي الزراعية في وادي النيل ودلتاه على ما ذكره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء من كونه دخلا تدره الأراضي الزراعية كجزء من المكون العام للدخل القومي ، لأن ذلك الدخل والذي يبدو بسيطا يمثل " الإكتفاء الحدي " لجميع سكان الريف المصري والذي لو هبط بمقدار نقطة واحدة لإنهارت المنظومة الريفية بالكامل ، فبالإضافة إلى تجويع جموع الفلاحين الذين يقتاتون بالكاد على المنتج الزراعي والذي تمثل الأبقار والجاموس شطره الأعظم بما تدره على الأسر المقتنية لها من بضعة كيلوجرامات من الألبان يوميا ومن أجل ذلك فقط يقومون بزراعة أرضهم بالبرسيم ، فإن الصناعات الصغيرة كورش النجارة والحدادة والبقالات وتصنيع الجبن وتربية الطيور بل وصيد الأسماك تمثل دخولا غير منظورة أو ما اصطلح على تسميته بالإقتصاد الخفي تمول بالكاد الحاجات الضرورية للشطر الأكبر من تلك الأسر ، وعليه فإن المساس بالمنظومة الزراعية يعتبر عصفا بدخل الطبقة الأكثر فقرا والتي تعيش على فوائض دخل الفلاحين على قلتها .

إن الزيادات التي لحقت مرتبات الموظفين بعد ثورة يناير كان لها أثر كبير بكل تأكيد في انعاش منظومة الدخول في الأرياف وهو ما حول كثير من الموظفين عن زراعة أراضيهم إلى تأجيرها الأمر الذي زاد في عدد الممتهنين للزراعة من غير ملاك الأراضي ، غير أن الزيادات في الأسعار التي تلتهم في كل يوم جزءا من تلك الأجور قد أدت إلى عودة الموظفين إلى الأراضي وعند جفاف النهر فإن الإشكالية ستبدو متضاعفة أكثر من مرة من حيث كم المتعطلين عن العمل أو ندرة السلع التي كانت تسد رمق الطبقة غير الزراعية بالإضافة إلى الزراعية بكل تأكيد والتي لن يكون بديلا عن استيرادها ولاشك أن أسعارالسلع المستوردة ستفوق بكثير قدرة أولئك البؤساء . إن مشكلة " الحيازات الزراعية الصغيرة " التي عانت منها مصر منذ فترة الستينات على اثر المصادرة غير المدروسة للإقطاع في ذلك الوقت وتوزيعها على الفلاحين دون أن تكون هناك خطة تنمية زراعية شاملة قد حولت الاراضي الزراعية في مصر إلى طن أرز وطن قمح لكل أسرة تبيع نصفة وتأكل نصفه ، وهى المشكلة التي واجهتها الهند وفيتنام بل وكينيا وأثيوبيا بأساليب علمية حولت المجاعات في الدولتين الأوليين إلى فائض ضخم ينافس الفائض الأمريكي والبرازيلي وأدرت دخلا في الأخريين وضعهما في مصاف الكبار في انتاج الشاي والقهوة واللحوم والبقوليات ، والآن يواجه الفلاحون المصريون الخيار الأصعب عندما لا يأت الماء بعد أن واجهوا خلال السنوات الماضية انتهاء حقبة زراعة القطن المصري عليهم الآن مواجهة انتهاء حقبة الأرز المصري والبصل والقمح ، وبصعوبة زراعة البرسيم الذي يحتاج إلى خمسة ريات على الأقل تنهار منظومة تربية المواشي في مصر ويفقد ثمانون في المائة من الفلاحين دخلهم الوحيد بضع جنيهات يعطيهم أياها تاجر اللبن الذي لن يستطيع هو الآخر سداد أقساط " التروسيكل " الذي اشتراه ليجمع عليه ألبان الفلاحين .

إن الطفرة الإجتماعية التي شهدتها القري المصرية والتي امتدت من نهاية حقبة السبعينات حتى الثاني من أغسطس عام 1990 عندما خرج نحو اربعة ملايين نحو العراق معظمهم من الفلاحين من أصل اربعين مليون مصري في ذلك الوقت والتي حولت القري من أكواخ طينية إلى منازل خرسانية والتي امتدت بعد ذلك بالهجرات نحو السعودية وليبيا إن تلك المنافذ توشك الآن على الإنسداد بتحول ليبيا نحو الحرب الأهلية وانخفاض سعر النفط بالنسبة للسعودية بالإضافة إلى تكاليف الحروب التي تستعد لها المملكة في المحيط الإقليمي والتي ربما لا تسمح لها باستقدام العمالة بأجورها الحالية ، كل ذلك سيؤدي إلى وقف امتصاص العمالة التي خففت من الضغوط السكانية الداخلية في مصر خلال الأربعين عاما الماضية .

يقولون أن مصر عانت انفجارا سكانيا خلال العقود الماضية والآن يستعد الشعب المصري لحقبة المجاعة والإنفجار معا ولن يستطيع الشعب التمدد داخل الصحاري لغياب المرافق والخدمات الأساسية فضلا عن المعاناة الأمنية التي يعانيها الشعب في تلك المناطق جراء تهم الإرهاب وايواء الهاربين ، فلن يكون أمام قوافل المجاعات سوى الإتجاه نحو الشرق فلعل اليهود أن يكونوا أرحم بهم من الإنقلابيين الذي باعوا كل شئ في مصر وصل الأمر إلى بيع الماء الذي تدفق عبر ملايين السنين .

المصدر