النظام السياسيى الإسلامي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
النظام السياسيى الإسلامي



النظم والمناهج

النظام السياسى الاسلامى.jpg

وضع الإسلام الأسس العامة للحياة الإنسانية بكل جوانبها، وأسس لحياة إنسانية رشيدة راضية، وكان التأسيس الإسلامي عاماً ومرناً وواضحاً وبسيطاً، مما أكسبه صلاحية دائمة لمتغيرات الزمان والمكان.

وعندما نتحدث عن أسس عامة ثابتة، فإننا نعني بالمقابل أن الإسلام ترك للإنسان أن يقيم عليها البنى التي تلائم عصره، وتحقق مصالحه.

لقد طور المسلمون، منذ العصر الأول، وحسب الأسس والقواعد الإسلامية، نظماً: إدارية وعسكرية، وسياسية واقتصادية واجتماعية وعمرانية. وكانت عمليات التطوير هذه تتم ارتكازاً على الأسس الإسلامية، وتحت تأثير عاملين اثنين، الأول: المستجدات الحضارية والمدنية التي كانت تفرض نفسها على حياة المسلمين. والثاني تجارب ونظم الشعوب والحضارات التي عرفها المسلمون، حيث كانوا يستفيدون من تلك النظم والتجارب في إقامة البنى الخاصة بهم على أساس الإسلام.

في هذه المنطلقات النظرية والفكرية لمشروعنا الحضاري سنتوقف عند الإصلاح الدستوري وسيادة القانون، وعند قواعد وأسس النظامين السياسي والاقتصادي، كما سنتناول المناهج التربوية والإعلامية من منظور مستقبلي لقطرنا العربي السوري.


الإصلاح الدستوري وسيادة القانون

تعتبر سيادة القانون عنوان الحياة الإنسانية المتحضرة والرشيدة، وفي حال غياب (سيادة القانون) عن الحياة العامة فكل ما يكتب أو يقال في مضامير السياسة، عبث ولغو وباطل.

في رؤيتنا الحضارية المستقبلية، أن الخطوة الأولى في سبيل الإصلاح الدستوري هي في توفير الاحترام التام لنصوص الدستور، والسمو به عن أن يكون ألعوبة بأيدي الممسكين بالسلطة، أو مادة للامتهان يفصلها أصحاب السلطان على مقاساتهم.

إن إضفاء الشرعية الحقيقة، على النص الدستوري، مع ما يمكن أن يكون فيه، واحترامه الاحترام اللائق به كوثيقة وطنية لا يقرب حماها، ولا يتجاوزها قوي بقوته، ولا صاحب سلطان بسلطانه، يولد في نفس المواطن أنه يأوي إلى ركن رشيد من الوقاية الوطنية التي تصون وجوده وتحمي حقوقه.

إن إقامة دولة (المؤسسة) التي يسودها القانون، هي جزء من المشروع الوطني الحضاري العام، الذي ينبغي أن تتضافر عليه جهود أبناء الوطن جميعاً، في موقف موحد تحت راية الحديث الشريف (حتى تأطروهم على الحق أطرا) إنه قبل الخوض في الحديث عن مواد الدستور، أو مفردات القانون، لا بد للجهد الوطني الجمعي أن يتساوق حتى تقوم دولة الدستور، ويعلو صوت القانون.

حتى حالة الطوارئ التي تعتبر استثناء دستورياً، تبقى حالة لها أبعادها القانونية، التي لا تسمح بانفلات أمر الوطن، وضياع حقوق المواطن، وجعل حياته أو موته، رهن شفتي فرد، أو إرادة طاغية.

هذا ولا بد أن يمثل الدستور القيم العليا للأمة، والنظام السياسي الذي يحكمها، وحقوق المواطنين وواجباتهم تجاه وطنهم، وأن يكون بعيدا عن الخوض في الجزئيات التي تضطر المشرع إلى النيل منه بالحذف والتعديل.

إنه بعد أن يأخذ الدستور موقعه، وتعنون لسيادة القانون إرادة الجميع، يبقى أمر الإصلاح الدستوري سهل المأخذ قريب المنال، وفي رؤيتنا الحضارية، لا بد أن تشترك في صياغة الدستور إرادة شعبية جمعية، عبر مجلس تأسيسي تمثيلي ومتخصص، ليكون الدستور معبراً عن إرادة المجموع.

ولكن الذي ينبغي أن نؤكد عليه، أنه لا يجوز في أي حالة من الأحوال، أن يجور الدستور على حقيقة المساواة بين الموطنين: أفراداً وجماعات وأحزاباً وتنظيمات. إن فرض الوصاية على إنسان القطر، وعلى العمل السياسي فيه، من خلال الدستور القائم، الذي تمخض عن جهد سلطوي، وإقرار لحزب معين أن يكون قائدا للدولة والمجتمع! لمما يشين واقع الحياة السياسية في قطرنا العربي السوري، ويؤثر سلباً على مكانته الحضارية بين الأمم والشعوب.


النظام السياسي الإسلامي

أقام الإسلام نظامه السياسي على ثلاثة أسس، هي: (التوحيد، والاستخلاف، والشورى)، لتحقيق المقاصد العامة للشريعة في الإطار السياسي، والتي تتركز في أهداف أربعة، هي: (الأمن، والمساواة، والعدل، والحرية)


أولاً أسس النظام السياسي الإسلامي

1 ـ التوحيد

الإيمان بالإله الواحد الخالق الحي القيوم الرحمن الرحيم، وإفراده بالعبادة والاستعانة، أول حقيقة في هذا الدين (إياك نعبد وإياك نستعين)، ومن هذه الحقيقة تشتق جملة من الحقائق الكلية، منها حقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد خلق هذا الكون وفق نظام دقيق مقدر (إنا كل شيء خلقناه بقدر ). وتردف هذه الحقيقة أن هذا الكون وهذا الإنسان خلق لغاية وهدف (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ).

أساس التوحيد هذا يجعلنا نعيش دائماً تحت مظلة واقية حانية تقينا شرور أنفسنا وما يزينه أصحاب الهوى المسيطرون على مفاصل القوة حيناً من الدهر، ومن الإيمان بالله سبحانه وتعالى، تتأكد في عقيدتنا، أن ما شرعه الله سبحانه وتعالى من قواعد أساسية وقيم عليا ستبقى أساس الحياة الإنسانية الرشيدة، والوقاية التي تقي الإنسان من الانحدار.


2 ـ الاستخلاف

الأساس الثاني من أسس النظام السياسي الإسلامي هو أن الإنسان مستخلف في هذه الأرض لعمارتها والقيام على أمرها وثبات مسيرتها وفق حكم الله وعدله (إني جاعل في الأرض خليفة ) (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه )

والاستخلاف حقيقة له معنى واسع، يشمل كل أشكال النشاط الإنساني الذي يسعى إلى عمارة الأرض، وجعل الحياة سهلة ميسورة، وإقامة الحق والعدل كما يحب الله. والناس كل الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وعقائدهم، منوط بهم أمر هذا الاستخلاف، (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم) . وإنما يتم هذا الاستخلاف كما يحبه الله تعالى إذا كان على النهج الذي ارتضاه الله لعباده، وهو الذي أنزل به كتبه، وبعث به رسله، (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)

وحين يحدث إنكار المخلوق للخالق، ويتنكب الإنسان النواميس التي ترك له أن يختار مداره ضمن مداراتها، يحدث الفصام النكد الذي يورث البشرية أنواعاً من البلاء والشقاء والضنك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)


3 ـ الشورى

وهي الأساس الثالث المكمل لمشروع الاستخلاف العام، والشورى في منظومة التشريعات الإسلامية قاعدة من قواعد النظام السياسي في الإسلام تستغرق كل (أمر) المسلمين (وأمرهم شورى بينهم ). وقد أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم (وشاورهم في الأمر) ، ومن بعده من ولاة الأمر، وجعلت سنة ماضية في بناء الدولة.

في مشروعنا الحضاري، نطرح الشورى الإسلامية بآفاقها المتسامية العليا خياراً مستقبلياً لأمتنا لإخراجها من بؤرة الاستبداد التي أتت على كل ما هو خير وجميل ومعطاء في حياتنا الفردية والعامة. والشورى الإسلامية تقوم على مرتكزات تشريعية صلبة من رسم دوائر التشريعات العامة (الحقوق ـ الواجبات ـ الالتزامات) وجدير بنا في إطار الآليات والوسائل الإجرائية أن نستفيد من تجارب الأمم (الديمقراطية) المتقدمةـ لدفع الاستبداد وإحلال الشورى في مجتمعنا فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها.


ثانيا: الأهداف العامة للنظام السياسي

تسعى الشريعة الإسلامية من خلال مجموعة النظم العامة التي تضبط بها حياة الإنسان، ومن خلال النظام السياسي بشكل خاص إلى تحقيق الأهداف التالية ضمن مشروع الاستخلاف الإنساني العام:


1 ـ الأمن

اعتبر (الأمن) المقصد الأول ليس من النظام السياسي فحسب، بل من الشريعة نفسها.

فمقاصد الشريعة، حسب فقهاء الإسلام، هي حفظ أو حماية -وهي تعبيرات أمنية واضحة- (الدين ـ والنفس ـ والعقل ـ والعرض ـ والمال).

مطلب أساسي في النظام السياسي العام أن يحفظ على الناس معتقداتهم ويحميها ويكفلها ويصونها، وأن يحفظ حياتهم فلا تتعرض لأي شكل من أشكال العدوان الكلي أو الجزئيـ المباشر أو غير المباشر، بالقتل المادي أو المعنوي، ثم أن يحفظ عليهم عقولهم، بتوفير المناخ الملائم لحياة عقلية منهجية سليمة بالتعليم والتثقيف والتوجيه، ثم أن يحفظ على الناس أعراضهم، والعرض من التعبيرات التي تعني جميع أشكال الخصوصية الإنسانية.

في مشروعنا الحضاري لسورية المستقبل، يعتبر الأمن بكل شعبه هدفاً مركزياً للنظام السياسي.

والأمن من حقوق المواطنة الأساسية التي ينبغي أن يتمتع الإنسان بها بمجرد الانتماء إلى الوطن، وكم نصت عهود المسلمين في تاريخنا الزاهي على حفظ هذه الحقوق. وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران: (ولنجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد صلى الله عليه وسلم، على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير.

والأمن شرط من شروط الإنجاز والإبداع والبناء، فالإنسان الخائف، أو المتوجس أو القلق لن يكون قادراً على إثبات ذاته في هذه الحياة، فضلا عن أن يكون عنصر عطاء ونماء.


2 ـ المساواة

يعتبر تحقيق المساواة العامة بين الناس هدفاً أساسياً للنظام السياسي العام، الذي ينشده الإسلام.

ولقد أقر الإسلام في إطار الثوابت العامة التي رسمها للإنسانية حقيقة المساواة بين بني البشر، هذه المساواة التي تقرر وحدة (الجوهر) الإنساني، فتسقط بذلك كل نظريات الأجناس والأعراق والألوان، لتكرس مكانها المساواة بين بني الإنسان.

ففي المعطى الإسلامي الثابت الذي لا يجوز الخروج عليه أن الناس كلهم لآدم، (أيها الناس إن ربكم لواحد، وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى. )

ووضع الإسلام قاعدة السواء الإنساني (الناس سواسية كأسنان المشط) أساساً لبناء نظام الاستخلاف العام الرشيد. وقد اقتضى مفهوم المساواة في الجوهر الإنساني، حزمة من الشرائع قامت على الخطاب الإنساني العام، جسدها القرآن الكريم بالحديث (عن الناس) أو عن (بني آدم) أو عن (الإنسان) أو عن (النفس) وهو خطاب مستحق للتأمل بأبعاده الإنسانية السامية ويكفي أن نشير هنا إلى قوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم ) لنقرر أن هذه الكرامة الربانية الأولية تشمل كل أفراد النوع الإنساني. وأن نشير إلى وقوف رسول صلى الله عليه وسلم لجنازة مرت به فقيل له إنها ليهودي فقال: (أليست نفساً ). ولنقارن بقوله تعالى (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض ) لنفهم الإشارة إلى الحرمة المطلقة للنفس الإنسانية.

ومن المساواة في جوهر الإنسانية، ننتقل إلى المساواة في الحقوق المدنية العامة، التي تتيح للإنسان ضمن النظام السياسي العام لمشروع الاستخلاف، أن يتمتع بكافة الحقوق المدنية.

ونحن إذ نقرر هذه المساواة الحقوقية الدنيوية العامة منطلقين من شريعتنا الإسلامية، فإننا لا نرى أن ذلك يصطدم مع مفهوم التفاضل على أساس التقوى، لأنه تفاضل في حدود معينة، تفاضل بين الناس عند ربهم فقط، فأكرمهم عند الله أتقاهم، وكون التقي كريما على الله لا يعطيه حقا عند الناس يزيد على ما لغيره من الحقوق، فالتقوى صفة تؤثر في صلة الإنسان بربه أكثر مما تؤثر في صلة الإنسان بغيره، والتفاضل الذي ينشأ عن التقوى هو تفاضل معنوي لا مادي .

إن شريعتنا الإسلامية تسوي في تطبيق نصوص الشريعة بين المسلمين وغيرهم في كل ما كانوا فيه متساوين، أما ما يختلفون فيه فلا تسوي بينهم فيه، لأن المساواة في هذه الحالة تؤدي إلى ظلمهم، ولا يختلف غير المسلمين عن المسلمين إلا فيما يتعلق بالعقيدة، ولذلك كان كل ما يتصل بالعقيدة لا مساواة فيه، وإذا كانت المساواة بين المتساوين عدل خالص، فإن المساواة بين المتخالفين ظلم واضح، ولا يمكن أن يعتبر هذا استثناء من قاعدة المساواة، بل هو تأكيد للمساواة .

وإذا كان التشريع الإسلامي، قد ترك لغير المسلمين دائماً أن يتحاكموا إلى شرائعهم في أحوالهم الشخصية، فإنه لم يشر أبداً بنص صريح إلى تشريع يخص غير المسلمين في قضية مدنية، ولم يكن وارداً في منظومة التشريع الإسلامي في كل عهوده، وانتصاره، تطبيق المفهوم اليهودي (قالوا ليس علينا في الأميين سبيل). فظلت حقوق الدائن غير المسلم مصانة عند المدين المسلم، ولو كان هذا المدين مثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. في مشروعنا السياسي نعتبر المواطنة انتماء شرعيا يقوم على أساس هويتنا الإسلامية، ويعزز انتماءنا القومي، ومن هذا المنطلق نعرف للمواطنة حقوقها ونلتزم بواجباتها كواجبات إسلامية ووطنية وقومية.

وحين تعتمد (المواطنة) أساساً للمساواة في الإطار الوطني، تتساقط تلقائياً كل ادعاءات الوصاية المفروضة على شعبنا بمسميات باهتة، كما تتساقط كل الممارسات التي تستند على حقوق مكتسبة على أسس سياسية أو فئوية أو اجتماعية. وتبقى مقولة (لهم مالنا وعليهم ما علينا) سنة ماضية يسوس الإسلام بها كل من ارتضى أن يعيش بين جناحيه مما يعرف بالتعبير المعاصر بالأقليات.إن من عجائب تقلب الأيام، وتغير الدول، أن تصبح المساواة بمفاهيمها حقاً يطالب به السواد الأعظم من أبناء قطرنا. وهم الذين اعتبروه دائماً أعطية ربانية ليس لأحد أن يمن بها على أحد.


3 ـ العـدل

(العدل أساس الملك) عبارة تراثية، وحكمة تناقلها الخلف عن السلف، بل اعتبرت من التراث السياسي الإنساني فهي منقولة عن الهند والصين وفارس.

والعدل اسم من أسماء الله الحسنى، وقيمة عليا تفرض وجودها على حياة الناس، لتحمي حقوقهم، وتجسد مفهوم المساواة المجرد في لبوس واقعي معيش. فهو حالة عامة: قانونية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية، وفي كل ميدان من ميادين الحياة.

لقد اعتبر القرآن الكريم العدل من الدواعي الأساسية لإرسال الرسل وإقرار الشرائع (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ). كما اعتبر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه العدل بين الناس من العزائم التي لا رخصة فيها فقال: (أما العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد، ولا في شدة ولا رخاء) وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة. ولهذا يروى أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة) ويقول في موضع آخر من كتابه الحسبة (العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، وإن لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به بالآخرة.)

في مشروعنا الحضاري، نعتبر العدل بأبعاده كافة، هدفاً عاماً لمشروع الاستخلاف الإنساني ينبغي أن يتحقق في حياة الناس بأبعاده المادية والمعنوية. فالعدالة في قضاء قاض، كالعدل في فرصة وطنية تصل إلى مستحقها، كالعدل في حظ مواطن من ثروة وطنه.

ومن العدل خاصة العدالة في توزيع الثروة والفرصة. مع مشروع متكامل لإعطاء صاحب الحق حقه بعيداً عن الضنك والشقاء، وفي بعد العدالة هذا يتساوق النظام السياسي مع النظام الاقتصادي، لتحقيق هذا المطلب الإنساني العام.


4 ـ الحريـة

الحرية هي الهدف الرابع من أهداف مشروع الاستخلاف الإنساني العام. فصيانة حرية الفرد والمجموع هو مطلب من النظام العام الذي يسود حياة الإنسان.

والحرية في منظورنا الحضاري حق إلهي أولي منح للإنسان مع خلقه الأول، بدون تمييز بين الناس بسبب أجناسهم وألوانهم. بل ترك للإنسان أن يزاول خياره المسؤول بين الإيمان والكفر (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) تحت طائلة الإنذار الرباني (إنا أعتدنا للظالمين ناراً ).

ولما كان تسلط الإنسان على أخيه بفعل ما يقع بيده من فضل قوة أو مال، يجعله قادراً على سلبه بعضاً من حريته أو كلها. فقد أنيط بمشروع الاستخلاف الإنساني العام أن يحفظ للناس حقهم في الحرية الذي يحمي كرامتهم، ويصون وجودهم، ويحقق بالتالي أهليتهم للتكليف والمسؤولية.

على أن تنتظم هذه الحرية ضمن مجموعة من الضوابط تشكل بصيغها العامة الفاصل بين الحرية والفوضى. ذلك أن الحرية إذا تعدت حدودها صارت إلى الفوضى، وحينئذ تكون عدوانا على حرية الآخرين، وحتى في دول العالم الحر، لا تغيب الضوابط أو الخطوط الحمر عن قانون الدولة، ولكل دولة من دول العالم خصوصيتها الحضارية، والقيمية التي تسعى دائماً لصيانتها والحفاظ عليها.

وتبقى الحرية، بأبعادها الفردية والجماعية، السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية مطلباً أساساً في مشروعنا الحضاري ضمن ضوابطها العامة. وهي شرط مواز لأساسيات النهوض والإبداع على كل صعيد.