النجار يروي قصة هروبه من بطش عبد الناصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
النجار يروي قصة هروبه من بطش عبد الناصر
12-10-2005

كتبت- نسرين قاسم

مقدمة

لم يكن استمرار جماعة الإخوان المسلمين حتى هذه اللحظة- برغم الظروف والمحن التي مرت بها- إلا تأكيدًا على أصالة هذا الصرح وصلابة بنايته، وبرهانًا على أن مَن أسس هذه الجماعة هو بالفعل مجدد القرن العشرين الذي اصطفاه الله لتلك الدعوة، ورزقه صفوةً من الرجال ليتحملوا معه مشقة هذا البناء، ويكونوا بالفعل رجالاً بمعنى الكلمة، ضحَّوا بالغالي والنفيس لبقاء هذا الصرح، وأعطوا كل ما يملكون لهذه الجماعة دون أن ينتظروا المقابل إلا من الله عز وجل.

ولم تكن شعارات الإخوان عندهم مجرد ألفاظ تُنطَق، بل كانت أفعالهم وأعمالهم تجسيدًا لتلك الشعارات، فنطقت بها قلوبهم قبل أن تنطقها ألسنتهم، ولهذا تحملوا ما لا يمكن لأحد أن يتحمله، فتشعر وأنت تنصت لأحدهم أنك تعيش في زمن الصحابة أو التابعين.

أحد هؤلاء هو الشيخ فرج النجار من الرعيل الأول للإخوان المسلمين من مواليد سنة 1923 م بقرية ميت خاقان بندر شبين الكوم بمحافظة المنوفية ، بايع الإخوان سنة 1939 م وكان عمره وقتها لا يتجاوز السادسة عشرة فإلى تفاصيل الحوار:

الإمام البنا وافق على احترافي كرة القدم

كنت منشغلاً بلعبة كرة القدم، كما أني كنت متجهًا إلى الصوفية، وتنقلت بين العديد من تلك الطرق كالرفاعية والبيومية وغيرها، وكنت أبحث فيها عن طريقٍ يوصلني بالمولى عز وجل، ولكن للأسف تعبت كثيرًا ولم أجد شيئًا؛ فكلها كانت غير مكتملة وتحمل جانبًا معينًا من الدين فقط.
عرفت الإخوان من خلال أحد الأصدقاء في القرية كان يعمل بالقاهرة، جاءني وقال لي أعرف لك طريقةً جيدةً في مصر، وكأنه يحدثني عن طريقة صوفية، فقلت له لقد تعبت من تلك الطرق ولم أجد شيئًا، فقال لي ولكنها طريقة مختلفة تمامًا وستحبها إن شاء الله، فقلت له ومن شيخ الطريقة؟ قال حسن البنا وكان اسمًا لم أسمعه من قبل، ولكن قلت له وهو رجل طيب؟ قال جدًا، وكان بيده ورقة أعطاها لي فقرأتها، وكانت تتضمن كلامًا :للأستاذ عبد الرحمن الساعاتي شقيق الإمام البنا يقول فيها: "ادعوا إلينا الدنيا فقد أبرمنا أمرها واجمعوا علينا الناس فسنتلوا عليهم من لدنا ذكرًا، سنطبِّب المريض بدوائنا، وننفخ في الجبال من روحنا، صُمَّت أذن الدنيا إن لم تسمع لنا.. الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
وبعدما قرأتها أحسست براحةٍ شديدة، واتفقنا على السفر إلى القاهرة لمقابلة الإمام البنا، وبالفعل ذهبنا لأحد دروسه وجلسنا، وإذ بالإمام البنا يلقي درسًا لأول مجموعةٍ انضمت للإخوان المسلمين من جامعة :القاهرة، وكان من بينهم المرحوم د. عبد العزيز كامل والمرحوم محمد عبد الحميد، وبمجرد أن رأيت الإمام البنا لمحت فيه الإيمان فوجدت وجهًا بشوشًا طيبًا وكأنه شخص من عالم آخر تحبه بمجرد أن يقع نظرك عليه، فقلت لصاحبي إنه ليس من شيوخ الطرق، فقال انتظر وبعد الدرس سنذهب إليه ونتعرف عليه.
وبالفعل بعد انتهاء الدرس ذهبنا إليه وسلمنا عليه، وطلب منا أن ننتظره في دار الإخوان حتى يعود من موعدٍ قد أبرمه مع إحدى الشخصيات السياسية في دار الشبان المسلمين، وانتظرناه حتى جاء ولكنه تأخر علينا حوالي ساعة، فعندما أتى بدأ بالاعتذار الشديد لنا عن التأخير، وبعد ذلك نمنا لساعات ثم أيقظنا وصلينا الفجر سويًّا، وقرأنا المأثورات ثم لعبنا رياضة، وذهب بي إلى بيت أحد الإخوة وبدأ يحدثني عن دعوة الإخوان لما يقرب من ساعتين وتمت المبايعة في بيت هذا الأخ.
  • وكيف كانت حياتك بعد ذلك؟
رجعت إلى بلدي وبدأت أنشر دعوة الإخوان، كما أني واظبت على حضور درس الثلاثاء كما اتفق معي الإمام :البنا، وكان يقابلني بعد كل درس ويتفقد أحوالي، وكأنه نوع من المتابعة الأسبوعية لي ولباقي إخواني في كل المحافظات، كما أني استشرته في احتراف لعبة كرة القدم فوافق، وبالفعل بدأت في عملية الاحتراف عندما طلبوا مني أن أدرب الأشبال في الإسماعيلية، بل وأرسل إلي الإخوان في القناة وتقابلت معهم طوال الفترة التي قضيتها هناك.
قيادات الاخوان
كما أنه ضمَّني للتنظيم السري عام 1940م، رغم أن الدخول في هذا النظام له قواعد، أولها أن لا يقل سن العضو عن 18 عامًا، ورغم أني لم يتجاوز سني 17 عامًا فقد انضممت إليه وطلب مني أن أعود إلى المنوفية لأؤسس هذا النظام في بلدي أنا واثنان آخران هم (أحمد العبد- وسيد درواني) وبالفعل وضعنا أسسًا وقواعد للتنظيم في عدد من المحافظات مثل الغربية وكفر الشيخ والقليوبية وظللت في هذا العمل حتى أصبحت مسئولاً عن هذا الجهاز حتى كانت المحنة.
  • وما الملابسات والظروف التي أدَّت إلى تلك المحنة؟
بعد حرب فلسطين تنبهت أمريكا لخطر الإخوان المسلمين فعقدت اجتماعًا مع عدد من سفراء الدول الأجنبية للقضاء على الإخوان وحماية دولة الصهاينة، وقرروا حلَّ الإخوان وتصفية حسن البنا جسديًّا واعتقال الإخوان، وبعثَت صورة من هذا القرار إلى الملك فاروق ليقوم بتنفيذه، فقال لهم أوجدوا رئيسَ وزراء يقبل تنفيذ هذه القرارات، وبالفعل حاولوا عرض الأمر على صدقي باشا فرفض، وكذلك علي ماهر وحسين سري ثم النقراشي، فوافق الأخير سريعًا، فعزل الملك وزارة صدقي وعينت وزارة النقراشي، وبعد توليه مباشرة بدأ ينفذ القرارات، وأصدر قرارًا بحلِّ الإخوان المسلمين وأُغلقت كل مؤسسات ودور الإخوان وبدأ العمل لاغتيال الإمام حسن البنا، وكان ذلك بمثابة بداية ظهور الأزمة للإخوان.
في عام 1947 م صدر قرار التقسيم وقُسمت فلسطين ، فبعث الإمام مجموعةً من الإخوان ل فلسطين ، وفي ذلك الوقت قررت الجامعة العربية دخول حرب فلسطين فبعث الإمام البنا برسالةٍ إلى
عبد الرحمن عزام أمين الجامعة ، وقال له إن دخول القوات العربية حرب فلسطين يعتبر خطأً فادحًا، فهو بمثابة مؤامرة لجرِّ الجيوش العربية للحرب، فما سيحدث هو أن تدخل الجيوش العربية الحرب وكل فرقة تدخل حوالي 100 متر في فلسطين، وعندما ستبدأ الحرب يطلب مجلس الأمن التوقف عن القتال، وهنا تكون الجيوش العربية بمثابة حراس للكيان الصهيوني من الإخوان؛ ولهذا فأنا أطلب منكم أن تقوموا فقط بحراسة حدودنا وتتركونا نحن واليهود، فإما أن نقضي عليهم فيصبح النصر لكم وإما أن يقضوا هم علينا فترتاحوا منا.
ولهذا عندما وصلت تلك الرسالة لعبد الرحمن اتصل بالملك عبد العزيز وقال له الرسالة وكان رده أن
حسن البنا سيقضي فعلاً على اليهود ولكنه سيعود إلينا ليقضي علينا؛ ولهذا لا بد أن ندخل الحرب وكانت الأحداث بالضبط كما توقعها الإمام، ومن وقتها تنبهت أمريكا لخطر الإخوان المسلمين عليها وعلى ما تدبره لتدمير الأمة العربية وزرع الكيان الصهيوني فيها.
  • كيف كان رد الإمام البنا في تلك الأحداث، خاصةً وأنه كان على علم بأن هناك محاولة لتصفيته؟ وماذا فعلتم لتلاشي هذا الأمر؟
بالطبع بعد مقتل النقراشي إثْر حله الإخوان جاءتنا معلوماتٌ بأن الحكومة تدبر لمقتل الإمام، فقمنا بتعيين حارس أمام بيته حتى لا يسمح له بالخروج ويراقب الداخل والخارج من عنده، وكأنه شبه سجن له فاتفقت قيادات الإخوان على تهريب الإمام، وذهبت لإبلاغه بالأمر وبالخطة المعدة لذلك فرفض ذلك، وقال إنه لا يليق بجماعة كبيرة مثلنا أن يختفي أو يهرب قائدها، وما تأثير ذلك على الجماعة نفسها خاصةً بعد استغلال الصحف المصرية والعربية لهذا الحادث وتخرج العناوين للمجلات والجرائد (هروب حسن البنا!!) وكيف تمنعوني أن أنفذ ما سعيت له، فقد كتبت الشعارات وهي الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.. فكيف تحرمونني من أجر الشهادة في سبيل الله؟! فأبلغته أن ذلك ما اتفقنا عليه لحمايته وأن وجوده ضرورة في تلك الفترة، وبعد إلحاحٍ شديد مني أبلغني أن هناك محاولةً للتصالح مع الحكومة، وأن وزارة الداخلية قد بعثت لعقد صلح مع الإخوان، وكان نصه أن تعود :الإخوان ومكاتبها بعد إغلاقها وجميع مؤسساتها مقابل قول الإمام كلمةً موجهةً لقاتل النقراشي فيها (إنه ليس من الإخوان وليس من المسلمين) وكان الموعد يوم 11 فبراير 1949م بدار الشبان المسلمين، ثم تأجل الموعد ليوم 12 فبراير عام 1949م، وعند ذهاب الإمام تمت المؤامرة واغتيل الإمام.
  • وكيف تلقيت أنت وباقي الإخوان هذا النبأ؟
وقتها كنت في شقة بجوار مسجد الخازندار بالقاهرة أنا وخمسة من إخواني، فاستيقظنا يوم 13 فبراير على صوت بائع الصحف يقول اقرأ اغتيال حسن البنا، ونزل الخبر علينا كالصاعقة، فوقع واحدٌ من إخواني مغشيًا عليه ومات في نفس اللحظة، أما أنا فحاولت أن أتقبل الأمر، وبدأنا فعلاً نتلاشى هذا المأزق، وقلنا إن موت القائد لا يعني موت الدعوة، وإذا كان القائد قد استُشهد في معركة فلا بد من اختيار آخر ليكمل المسيرة.
  • متى بدأ عبد الناصر الحرب ضد الإخوان؟ ولماذا كنت أنت بالذات مطالَبًا بالاختفاء؟
في عام 1954م صدر قرار من أمريكا بتهميش الإخوان، وكان هناك مؤتمر بجامعة القاهرة مدعو فيه نوب الصفوي، وهو شخصية بارزة في إيران على خلاف تام مع أمريكا، فبعث عبد الناصر بقواته لمنع حضور هذه الشخصية وعرقلة المؤتمر، وبالفعل تمت مشاجرة بين الطلاب والأمن وأصدر عبد الناصر قراره بالقبض على :المرشد ومكتب الإرشاد والإخوان والاستيلاء على شركات الإخوان، فانطلقت المظاهرات.
وكان الجميع متعاطفين مع الإخوان.. الأمر الذي جعل أمريكا تقترح على عبد الناصر خطةً لتلاشي تلك الأزمة مع القضاء على الإخوان، وهي أن يفرج عن المرشد وتفتح المكاتب ويتصل عبد الناصر بالأستاذ
عبد الرحمن الساعاتي شقيق الإمام البنا، ويذهبوا إلى قبر الإمام ليقرءوا له الفاتحة ويكون معه بطبيعة الحال الصحفيون والإعلام ليبرزوا هذا الموقف، وليظهر عبد الناصر بالطيب البريء عما حدث من قبل، وكأن ما حدث من قبل هو خطأ أفراد لا صلة لعبد الناصر بهم.
ومن جهة أخرى يدبر حادث المنشية فيكشف حقيقة الإخوان للشعب فيبدءوا في اتخاذ مواقف ضدهم ويظهر حب الشعب لعبد الناصر، ومنذ بدأ عبد الناصر في هذا المسلسل ونحن نعلم أن هناك شيئًا يدبَّر ضد الإخوان، وجاء الأمر لي بالاختفاء لأني كنت المسئول عن الجهاز الخاص في الجماعة والمسئول عن التسليح، وأن أول من سيتعرضون لهذا البطش هم العاملون في هذا الجهاز، ومن هنا بدأت رحلة اختفائي.. وبالفعل حُكم عليَّ من قبل عبد الناصر بـ 30 سنة سجن مع الأشغال الشاقة.
  • وكيف تمت عملية الاختفاء بنجاح؟ وإلى متى ظللت مختفيًا؟!
كان الاختفاء قد أُعد له مسبقًا، فقد كانت هناك مجموعةٌ من الإخوان لا أحد يعرف أنهم من الإخوان ولا يحضرون دروس الإمام أو الدروس الخاصة بالجماعة ولا يقتربون من بيوت الإخوان، وكانت هذه المجموعة هي المكلفة بعملية التجهيز لاختفاء الإخوان المطلوبين، وقد كان الاختفاء في تلك البيوت يتم بطرق منظمة ومدروسة مسبقًا.
وكان بداية الاختفاء في شبين الكوم لما يقرب من شهر، كما أن من أظرف المواقف أني اختفيت في بيت شخصية قيادية من أتباع عبد الناصر شخصيًا دون أن تعرف الشخصية نفسها بذلك، كما أنى اختفيت تسع سنوات في أحد المساكن لم أرَ غير حدود تلك الشقة، وظللت على هذا الحال أنتقل من منطقة إلى أخرى ومن مسكن إلى آخر لما يقرب من ثلاثة وعشرين عامًا.

18 عامًا لم أصلِّ فيها الجمعة والعيدين!!

  • هل تأثرت الأسرة بهذا الاختفاء؟
بالطبع؛ ولأن عبد الناصر لم يجدني فأخذ أخوتي- حتى من ليس له أي علاقة بالإخوان- واستمر في تعذيبهم ولم يخرجوا حتى ظهرتُ، بل إن واحدًا منهم خرج بعدما ظهرت بسنتين تقريبًا، كما أنهم استولوا على أرضنا، وقد مات والدي ولم أستطع أن آخذ عزاه، كما أن أمي مرضت وكانت تعيش وحيدةً، وحتى الأهل والجيران لا يستطيعون أن يقتربوا منهم خوفًا من بطش عبد الناصر بهم.
وأجبروا أمي على أن تأخذ العزاء فيَّ حتى يطمئن عبد الناصر أن شبح فرج النجار قد انتهى، وعندما علمت بكل ما حدث لأسرتي- خاصةً والدتي- قررت أن أطمئن عليها وذلك بعد حوالي 15 عامًا فاستأذنت الإخوة وارتديت زيَّا عربيًا وركبت ناقةً تحمل فوقها أنواعًا مختلفةً من الحبوب وكأني بائع صوب، كما أني وضعت في فمي أحد الروائح حتى يتغير صوتي، كما تغير لون شعري نتيجةً لسنِّي، وذهبت بلدي وعند بيتنا توقفت فوجدت الباب مفتوحًا ولمحت أمي بداخله، فنزلت وناديت عليها وقلت لها أريد رغيف عيش يا حاجة ولم أنادها بأمي، ثم جاءت إلي بالرغيف، فجلست أمام البيت وكأني آكل، ثم ناديت عليها وقلت لها أريد قطعة جبن فجاءت إليَّ بها، وكنت أطلب منها على فترات حتى أستطيع أن أراها، رغم أني لا أستطيع أن أمسك بها، ثم ذهبت ولم أُشعرها أني أبنها إلا بعدما خرجت وذكَّرتها بالواقعة وظلت تبكي أكثر من ساعة من هذا الموقف، كما أني بعد الاختفاء بشهور تقريبًا تغير وزني لأني لم أعد أمارس الرياضة وبدأت أشعر بالمرض في جسدي حتى قعدت عن الحركة.
كما آلمني أيضًا في تلك الفترة أنني لم أستطع أن أؤدي صلاة الجمعة لأكثر من ثمانية عشر عامًا إضافة إلى صلاة الأعياد.
  • برغم أن الفترة كانت محنة صعبة لك بكل المقاييس، إلا أن هناك لحظاتٍ من السعادة يفرج بها الله همَّك حتى تستطيع تحمل المحنة فهل تتذكر شيئًا من تلك اللحظات؟
أذكر أيام الأعياد؛ حيث كنت أحاول أن أعيش العيد وكأني في ظروف طبيعية، فكنت أستيقظ مبكرًا وأغتسل، ثم ألبس أفضل ما عندي، ثم أذهب وأطرق كل حجرة من حجرات المنزل وأتخيل أن هناك أناسًا في المكان فأعيِّد عليهم وأكلمهم ثم أذهب للأخرى، وهكذا حتى أشعر بنفس فرحة العيد، وكأن الله سبحانه وتعالى يعطيني هذا الإحساس، فكنت وقتها في أسعد اللحظات وكأني أقضي العيد فعلاً مع أهلي وبجوار أصحابي.
وفي إحدى المرات ذهب الأخ المسئول عني لقضاء ليلة النصف من شعبان مع أهله في بلدته، وكان على موعد أن يأتيني بعد يومين فإذا به لا يأتي لمدة خمسة عشر يومًا، وكان لا يوجد في البيت إلا طعام يكفي ليومين أو ثلاثة على الأكثر، كما أن البيت مغلق من الخارج ولا أستطيع أن أخرج، إضافةً إلى أني لم أستطع فتح المياه حتى لا يخرج صوت فينكشف الأمر؛ لهذا كان إخواني يملأون لي دلوًا من المياه قبل أن يتركوني، ولغياب صاحبي نفذ الطعام والمياه فإذا بي أجد كيسًا من الذرة الأصفر فبدأت أفتح المياه قليلاً جدًا وأضع حبات من الكيس في وعاء من الماء وأطهيه على "السبزنة"؛ لأني لا أستطيع أن أشعل شيئًا آخر واستمر الحال بي حتى عاد صاحبي واعتذر لي على هذا الأمر؛ حيث أصيب بحمّى لم يفق منها إلا عندما جاء إلي وفتح لي وذهب لصاحبي الآخر وأعطاه المفتاح، ثم ذهب للمستشفى لاستكمال العلاج.
  • كيف كانت حياتك بعد الخروج؟
لم أخرج من سجني الاختياري إلا بعد تولي السادات بعامين وسقوط الأحكام الخاصة بي نهائيًا، وكان سني وقتها 54 سنة فخروجي كان في عام 1975م؛ ولهذا لم يكن الزواج يخطر على بالي لبلوغي هذا العمر، فقررت أن أتفرغ باقي أيامي للدعوة وبدأت فعلاً ذلك بعد تأجيري لأحد المنازل وعودتي لبلدتي، ولكن ابنة أختي صممت على أن ترافقني ولا تتزوج مطلقًا، ولهذا قررت الزواج، وتزوجت بالفعل وحضر عقد الزواج الأستاذ المرشد
عمر التلمساني رحمه الله شخصيًا وقمت بفتح أحد المشروعات التجارية، وهو محل للنجارة أي بيع الأخشاب الخاصة بالأبواب والنوافذ، وهو ما زال حتى الآن، كما أنَّ الله رزقني بخمسة أبناء: أربعة من الذكور وبنتًا هي الصغرى، ووفقني الله في تزويج اثنين، كما أني رأيت لي حفيدًا، وكأنَّ الله سبحانه وتعالى أراد لي حياةً طبيعةً جدًا في تلك الفترة، فسبحانه وتعالى له حكمة في كل شيء..!!

المصدر