النائب منصور تروى التجربة الإعتقالية وتشد من عزيمة الأسرى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٣:٢٠، ١٠ أغسطس ٢٠١٠ بواسطة Elsamary (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


النائب منصور تروى التجربة الإعتقالية وتشد من عزيمة الأسرى

الضفة المحتلة– فلسطين الآن - "لا تتركينا يا أمي " .. كانت آخر الكلمات التي سمعتها الأم ( النائب أ.منى منصور ) من نجلها الصغير بدر ابن السابعة قبل أن تحرم من رؤيته مدة من الزمن بسبب اختطاف الاحتلال لها في يوم كانت تود أن تدخل السرور فيه على عائلتها بعد سنين عجاف مرت عليهم حيث اغتال الاحتلال زوجها القائد جمال منصور وحرم العائلة من حنان الأب... خرجت أم بكر صابرة محتسبة ولم تدمع.. كانت هذه آخر لحظات عاشتها مع أطفالها لحظة اختطافها ليلة الاثنين 21\7\2008 ، فحدثناها ووجدنا فيها الأم الصادقة التي برت زوجها الشهيد فربت أبنائه من بعده أفضل تربية، وصبرت على ظلم ذوي القربى قبل أن تصبر على ظلم العدو.. ولن يغيب عنا أن نذكر سلسة الاعتداءات والمضايقات التي تعرضت لها النائب أم بكر من سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية في الضفة الغربية المحتلة والاحتلال بموساده وجيشه على حد سواء.

* لحظة الاعتقال..

ليلة الاثنين الموافق 21/7/2008 , وتحديدا الساعة الثانية والثلث ليلا, اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا, احتجزوني والعائلة في غرفة واحد وطلبوا هوياتنا وبعد تفتيش البيت وخاصة غرفتي التي قلبوها رأسا على عقب, ابلغوني بأمر اعتقالي, واقتادوني معهم بعد تفتيشي تفتيشا دقيقا.

* ما هي الظروف التي رافقت اعتقال النائب منى منصور؟

كان اعتقالي في وقت تمر به العائلة في ظروف استثنائية حيث أنني اعتقلت يوم إعلان نتائج الثانوية العامة واستقبلت صباح ذلك اليوم نتيجة ابنتي بيان التي حصلت على معدل 88.7 % في الفرع العلمي وكنا نستعد للاحتفال بهذه المناسبة السعيدة, وفي ذلك الوقت أيضاً قدمت أخواتي من الأردن وكانت فرصتي للاحتفال معهن, كنت انوي أن احتفل وعائلتي بهذه المناسبة لإدخال أجواء الفرح على بيتنا والتخفيف من حالة الحزن التي مرت بنا منذ 7 سنوات أي قبل استشهاد زوجي رحمه الله, وأردت من ذلك ان اعلم أولادي ان الحياة ليست كلها أحزان وإنما هناك فرح وترح وحنان وحزن وسرور, وكنا قد اعددنا الحلوى قبل النتائج بأيام, وحددنا يوم الثلاثاء موعدا لاستقبال المهنئات, ولكن الله سبحانه وتعالى قدر غير ذلك.

* تأثير الاعتقال على أبناء أم بكر؟ وهل لاحظت الأم تعابير معينة على وجوه الأبناء؟

انتزعت من بين أطفالي والدموع في عيونهم وفي ذات العيون قرأتهم يقولون لي: لا تحزني يا أمي. فقلت لهم لحظتها: سامحوني يا أبنائي لأنني حولت فرحتكم إلى حزن ولكن يعلم الله أن الأمر ليس بيدي... ودعتهم وبدر الصغير المريض ابن السبع سنوات يبكي ويقول لي: لا تتركينا يا أمي, أما بناتي فقالوا لي: " اصبري يا أمي وسنحتفل بنجاح بيان بعد خروجك إن شاء الله واعتبري نفسك في سفر وستعودين".

* كيف عاملك الجنود بعد الاعتقال؟ وأين تم نقلك بعد ذلك؟

خرجت مع الجنود ولم اظهر دموعي أمام أطفالي, وفور دخولي السيارة العسكرية دعوت دعاء السفر واحتسبت أولادي عند الله سبحانه وتعالى, ومن سيارة عسكرية إلى أخرى تنقلت حتى سمعت أذان الفجر وطلع النهار وجدت نفسي عند حاجز عسكري بين عشرات الجنود أخرجوني من السيارة وقاموا بتمشيط أسلحتهم وأنا بينهم, ويعلم الله أنني لم اشعر بالخوف منهم وعندي ثقة تامة بأن الله سبحانه وتعالى معي ولن يخذلني ولن يتركني وحيدة بين هؤلاء الأنجاس, اقتادوني بعدها إلى مستوطنة شافي شمرون وسألوني عن وضعي الصحي وكتبوا تقريرا في ذلك, وهناك وجدت الكثيرين من أبناء مدينتي الحبيبة نابلس من كبار السن... والتقيت بامرأة حامل تبكي وترتجف من الخوف حاولت التخفيف عنها والتهدئة من روعها, وبعد ذلك وضعوني معها في سيارة عسكرية أخرى واقتادونا إلى مناطق تحت الاحتلال الإسرائيلي وهناك قيدوا يدي وقدمي بالسلاسل الحديدية ويعلم الله انه في اللحظة التي انحنت فيها المجندة لتضع السلاسل في قدمي شعرت بعظمتنا أمامهم وقوتنا أمام ضعفهم.

وخلال تلك الفترة لم ينقطع لساني عن ذكر الله سبحانه وتعالى والدعاء لإخواني الأسرى وأخواتي الأسيرات وللأخت المعتقلة معي والتي اعتبرتني أمها, فأحسست أنها أمانة في رقبتي وأخذت أحدثها عن الصبر والاحتساب.

* ظروف ومرحلة التحقيق والأساليب المستخدمة..

نقلت للتحقيق في المرة الأولى عند محقق يدعى سليم وللأسف انه على اسم والدي رحمه الله مع فارق التشبيه, وسألني عدة أسئلة فهمت منها أنهم يريدون التعرف من خلالها على شخصيتي... مثل: هل فكرت في يوم من الأيام بالانتحار؟, من تعرفين داخل المعتقل؟, ما هو عملك السابق؟, ....الخ

وأخذ الأمانات مني ثم وضعوني في زنزانة ثانية وثالثة الى حين غروب الشمس وطبعا خلال تلك الفترة لم يقدموا لنا أي طعام أو شراب فبقيت تقريبا أكثر من 40 ساعة دون طعام وشراب, كنت أثناء ذلك اسمع أصوات سلاسل حديدية على الأرض عرفت بعدها أنها قيود قيدوا بها شباب أسرى أثناء تنقلهم من مكان إلى آخر ودعوت لهم كثيرا، في رحلتي الطويلة التي تنقلت فيها من زنزانة إلى أخرى صليت الظهر أكثر من مرة لعدم معرفتي بوقت الصلاة, وكنت اجتهد أين ستكون القبلة؟, صليت على كرسي من الباطون في الزنزانة التي لا تحتوي سوى على هذا الكرسي.

وخلال التحقيق استخدم معي أساليب مختلفة, فتارة أسلوب رقيق دبلوماسي وتارة أخرى صراخ وتهديد ووعيد كتحويلي إلى تحقيق بتاح تكفا وغيرها... وكنت أقول لهم: افعلوا ما تريدون فليس عندي سوى ما قلته. إضافة إلى استخدام أساليب أخرى كالتهويل وإشعاري بان التهم الموجهة الي كبيرة ولا يمكنني الإنكار مهما بلغت من الحنكة والذكاء، وليدخل آخر ويظهر لي بأنه لا يوجد احد لا يعرف منى منصور وبأن الإنكار لن يفيدني, إضافة إلى التلفظ علي بألفاظ نابية, وطلب مني خلال التحقيق ان احلف على القران الكريم بان التهم الموجة إلي غير صحيحة.

رفضت أن يقوم المحقق بكتابة المحضر نيابة عني فانا لا افهم اللغة العبرية ولا أثق بما سيكتب وأخبرته أنني لن أوقع على ما سيكتبه هو, وقام غاضبا بتمزيق الورقة أكثر من مره, وكانت حجتي بأنه إن كتب لي الإفادة فإنه سيضع لي تهمة وأنا بريئة من كل ما زعموه ووجهوه إلي من تهم، وهناك نقطة مهمة أن هناك مجندة ترافق الأسيرة طيلة الوقت في التحقيق وفي الطريق حتى باب الغرفة في السجن.

* بعد التحقيق .. وأثناء الاعتقال في السجن.. لحظة وصولك غرفة الاحتجاز..

عند الغروب أي حوالي الساعة الخامسة مساءا وجدت نفسي في غرفة فيها مجندة قامت بتفتيشي مره أخرى تفتيشا كاملا مررت بعدها بسراديب وصعدت سلالم ونزلت أخرى والقيود في يدي وقدمي, ثم مررت بتفتيش اخر حتى وصلت الى مكان عرفت انه سيكون مكان اعتقالي وفي تلك اللحظة فكوا قيودي وسمعت أصوات أخوات حبيبات على قلبي, أخواتي من مدينة نابلس يصرخون من خلف الأبواب الحديدية والقضبان التي لا يستطيع شيء ان يدخل منها, يصرخون ( يا أم بكر الحمد لله على سلامتك )... وأخذوا يسألونني عن أخبار الدنيا والأهل والبلد, فصرخت فرحة أن الجميع بخير لا تقلقوا الله معكم... فاقتادتني المجندة الى غرفة ما ان فتح بابها حتى وجدت نفسي أمام أروع إنسانة سمعت عنها وكانت المفاجأة سعيدة جدا بالنسبة لي أو أقول حلما كبيرا أن التقي بأختي الأسيرة المحكومة 16 مؤبد و6 شهور الأخت أحلام التميمي ومن لا يعرف أحلام التميمي؟, فهي من أوصلت الاستشهادي عز الدين المصري الذي نفذ عملية الثأر لزوجي الشهيد جمال منصور ورفاقه الذين اغتالهم الاحتلال, ورأيت الأخت سناء شحادة والأخت زهور حمدان, وأخوات أخريات فك الله أسرهن, دخلت عندهن منهكة القوى, بعد الرحلة الشاقة التي قضيتها دون نوم يومين متتاليين ودون طعام او شراب, عدا عن الإرهاق الجسمي... ولكن لقائي بهؤلاء الأخوات كان له اكبر الأثر في نفسي فوجدت من هم بحاجة إلى رعاية وحنان ووجدتهم يتعطشن إلى أخبار الخارج وعاهدتهم أن احمل رسالتهن عندما اخرج.

* ماذا فعلت أم بكر داخل السجن؟ هل سلمت بالأمر الواقع وجلست تعد الأيام حتى يوم الإفراج؟

حاولت أن اخفف عن الأسيرات وأن املأ أوقاتهن بما هو مفيد, فكنت أحدثهن في جلسات طويلة عن كثير من الأمور والتجارب التي مررت بها وعن حياتي مع زوجي الشهيد وأخبرتهن عن الحياة في الخارج ونقلت لهن صورة الوضع بتفاصيلها.

ومكثت مع الأخت أحلام وأخواتي الأخريات في نفس الغرفة 10 أيام وخلالها كان يتم استدعائي لجولات التحقيق وكانوا يتعمدون تركي لساعات طويلة وأنا انتظر بدء التحقيق وذلك للتأثير على نفسيتي. حاولت رفع معنوياتهن, وآمل أنني كنت اما لهن فتقريبا أنا كنت أكبرهن سنا, أسأل الله ان يكون الفرج قريبا, فقد دخلت السجن وقلبي عند أولادي وخرجت منه وقلبي يتمزق الما على أخواتي الأسيرات اللواتي أحببتهن وأحبوني, صدقتهن المشاعر وصدقوني, أدعو الله ان ينتهي أسرهن ويعدن إلى ديارهن مع جميع الأسرى انه على كل شيء قدير.

بعد 10 أيام من وجودي في غرفة الأخت أحلام تم نقلي إلى غرفة الأخت خلود المصري, غرفة عرضها متر من الخلف ومن الأمام متران, لم نكن نستطيع ان نصلي جماعة فيها, وفيها برش حديدي ومن ضمن هذه الغرفة اقتطع الحمام, والتمديدات الصحية فيها تالفة, رغم كل ذلك تكيفنا معا وكنا نقرا القران وندعو ونصلي ونستفيد من كل دقيقة, ونحتسب كل ثانية في السجن في ميزان حسناتنا ان شاء الله.

* التنقل بين السجن والمحاكم " الوضع العام في البوسطات".. وأكثر شي لفت إنتباه النائب أم بكر..

الذهاب إلى المحاكم ليس بالأمر الهين مع احتسابي التعب والمشقة عند الله فهو سبحانه رفيق دربي, وفي هذه الرحلة للمحكمة تمثل سيارة البوسطة أسوأ مراحلها, سيارة من الخارج جميلة ومن الداخل زنازين حديدية صغيرة, يصحب المعتقل فيها مجند ومجنده وكلب حراسه يجلسون في مقدمة السيارة ويرفعون أصوات الموسيقى المزعجة بصورة غير طبيعية, ناهيك عن قيادة السيارة بشكل مجنون والفرامل غير المتوقعة بين الحين والآخر.

رأيت أشباح المدن الفلسطينية المحتلة عام 48 معالمها كلها إسرائيلية, كنت أراها من خلال الثقوب الصغيرة في السيارة.

فكرت خلال الطريق للحظات بحالتي وأولادي وبالمعتقلين جميعا وظروفهم, وتذكرت نخوة المعتصم وعدت إلى الدعاء والذكر وكلي ثقة بان الله لن يتركنا والدنيا ما زالت بخير. ومن الجدير ذكره أن رحلة المعتقل داخل البوسطة وصولا للمحكمة يقضيها مقيد اليدين والقدمين لا يستطيع الحراك.

* أصعب اللحظات والأيام التي مرت بها أم بكر أثناء الاعتقال..

أصعب يوم مر بي في هذه التجربة هو يوم 31-7-2008 حيث أنه يصادف في ذلك اليوم ذكرى استشهاد زوجي الشهيد جمال منصور رحمة الله عليه, حقيقة أنني شعرت بالحزن والأسى على أولادي الذين يعيشون دون اب أو أم او جد أو جده حتى... والأصعب من ذلك تلك الرسالة التي حملتها الي المحامية يومها من أولادي يقولون لي: " لا تقلقي يا أمي فنحن نتدبر أمورنا وفي هذا اليوم سنذهب لزيارة بابا كعادتنا كل عام وسنسلم لك عليه " وذيلت الورقة برسم من الصغير بدر قلب كتب على طرفية بابا وماما, وكان ذلك قاسيا جدا على نفسي وبكيت لأول مرة وبكت معي الأخت أحلام والمحامية.

  • رسالة تبعثيها لأهل فلسطين والأمتين العربية والإسلامية..

أيها الأحبة أقول : من ذاق عرف ومن ذاق طعم السجن لا ينساه, السجن مرحلة مهمة يدرك فيها من خاضها شابا أو فتاة ان الحياة كلها كبد وليس هناك راحة الا في الجنة فلنعمل لأجلها.

هذه التجربة كانت ضرورية لحمل هم الأسيرات اللواتي يفتقدن مقومات الحياة الكريمة في كل المحافل الفلسطينية والدولية, هؤلاء الأسيرات اللواتي ليس لبعضهن وخاصة ممن حكموا بالمؤبدات أمل بالحرية إلا من خلال صفقة التبادل, هن بشر من حق كل واحدة منهن ان تخرج إلى الحياة وتبني بيتا والعمر يمر أمامهن وأحلامهن تختفي يوما بعد يوم.

* يوم الإفراج..

كان يوم 5-8-2008 يوم الإفراج, حيث قدمت لمحكمة في سالم خرجت إليها الساعة السابعة صباحا, احتجزت في زنازين المحكمة في سالم من الساعة الثامنة صباحا حتى الثالثة عصرا ولم ادخل قاعة المحكمة في هذه الأثناء تذكرت قصة الثلاثة الذين أغلق عليهم باب كهف بصخرة ولم يفتح الا عندما دعوا الله بصالح أعمالهم, فدعوت بأعمال بيني وبين ربي راجية منه الفرج, وعندها حضر المحامي الى باب الزنزانة وابلغني بان أولادي في الخارج ولم اعرف من حضر منهم ولم أرهم وقال لي: أنني حكمت إداري ولكنه لم يعلم المدة. فقلت لحظتها: " لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"... عدت الى السجن منهكة جدا وأخبرت الأسيرات بقرار الإداري, وقلت للأخت خلود: يجب ان لا نضيع فترة وجودنا في السجن هدرا وعلينا ان نستفيد منها بكافة السبل, وقد كنا في أيامها على أبواب شهر رمضان المبارك, في هذه اللحظات وخلال حديثنا كانت المفاجأة, بحضور ممثلة المعتقل تخبرني بقرار الإفراج, خرجت مودعة الأسيرات من خلف أبواب غرفهن ورأيت في عيونهن دموع الألم والفرح معا, فبكيت لحالهن وشكرت الله على فضله بالإفراج.

* نصيحة تود أم بكر أن تقولها للشباب المجاهد من خلال التجربة الاعتقالية..

المهم في مرحلة التحقيق أن تثق بان الله معك ولن يتركك وطالما انك بريء فلن يستطيع احد أن يوجه لك أي إدانة والأمر الأهم انه ليس مطلوبا منك أن تأتي بدليل على براءتك فالذي اعتقلك عليه أن يأتي بالدليل لا المعتقل.

الخوف من المحقق لا يفيد في هذه المرحلة والمفيد هنا هو ثقتك بالله أولا وبنفسك وإخوانك بعد ذلك, فمهما كثرت الاعترافات فليس هناك دليل على ان إخوانك قد اعترفوا عليك, والمحقق يحاول ان يخلط الأوراق ليشكل لك إدانة وهذا هو صلب عمله, صحيح انه لا يملك الرحمة لكنه في النهاية موظف وسينتهي دوامه لتأخذ راحة لمرحلة جديدة.

المصدر:فلسطين الأن