المهندس سعد لاشين: المحن مصنع الرجال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المهندس سعد لاشين: المحن مصنع الرجال
11-08-2005


حوار- السيد ثروت


مقدمة

- اعتقال الإخوان في حادث المنشية المُدبَّر أنقذهم من مؤامرة أسوأ

- عبد الناصر أراد انقسام الإخوان فازدادوا تماسكًا ووحدةً

- قوة الإخوان في التربية وبغيابها يغيبون

مع بلوغه العام الحادي والثمانين من عمره يُرجِع الحاج سعد الدين مرسي لاشين- القيادي ب جماعة الإخوان المسلمين- الفضلَ في ثباته على الطريق حتى اليوم للمحن التي عايشها انطلاقًا من ماضيه الدعوي الحافل، مؤكدًا أنه إذا كان بعض الزمن الفائت كان للأعداء فإن المقبل من الأيام يحمل البُشرى بالنصر والتمكين للإسلام وأهله والعاملين في سبيله.

وعبر السطور التالية نُقلِّب صفحاتٍ من حياة الشيخ؛ عسى أن تكون عونًا لمحبيه وأبنائه على الطريق؛ ليعلموا أنه كما أن للباطل رجالاً وأعوانًا فإن للحق مجاهدين أشداءَ، على استعداد لأن يدفعوا حياتهم ثمنًا لنصرته، فإلى تفاصيل الحوار:

  • بدايةً.. كيف كانت لحظة التقائك الأولى مع الفكرة والدعوة؟
عرفت الإخوان تحديدًا عام 1945م، وكان قد تمَّ تعييني بإحدى الوظائف بوزارة الزراعة قبل ذلك بعام في ظل وجود حكومة الوفد التي صدر قرارٌ فيما بعد بحلها، ونكايةً فيها أصدرت الحكومة الجديدة قرارًا بنقل جميع الذين التحقوا بالوظائف الحكومية في عهد حكومة الوفد إلى الوجه القبلي، وكنتُ من بينهم بالطبع؛ حيثُ نُقلت إلى محافظة سوهاج، وكان عدد الذين تمَّ نقلهم معي من الزملاء والأصدقاء كبيرًا وكانت الأعمار متقاربةً؛ لذلك كنا نسير هناك معًا في أي مكان فنذهب للمقهى ولجمعية الشبان المسلمين معًا.
وبعد هذا بفترة وجيزة جاء خطاب إلى أحد الأصدقاء، وكانت به كلمات عن الإخوان والجهاد بالنفس والنفيس والتضحية، وغير ذلك من المبادئ الإسلامية الممتازة، وبعد أن قام بقراءته عليَّ قلتُ له إن هذه مبادئ سامية وأمورٌ متميزة جدًّا، واتفقنا على أن نذهب مع بقية الزملاء إلى المقهى عصرًا كما هي عادتنا وبعد الجلوس بفترة نقوم نحن الاثنين وعندما يسألنا الباقون: إلى أين أنتما ذاهبان؟ نقول إننا ذاهبان إلى الصيدلية التي كانت تقع بجوار دار الإخوان، والتي ذهبنا إليها بالفعل في نهاية المطاف؛ حيث قابلونا بشكل جيد، وقاموا بإعطائنا رسالة (دعوتنا) كما قاموا بضمِّنا إلى إحدى الأسر.
بعد هذا وفي سبتمبر 1946م انتقلت إلى محافظة الشرقية التي كانت تموج بالعمل الدعوي، واستفدت من نشاط الإخوان هناك كثيرًا.

لقاء البنا

الامام الشهيد حسن البنا
  • متى التقيت بالإمام البنا رحمه الله؟ وهل ما زلت تذكر حرارة اللقاء؟
أول مرة قابلتُ فيها الإمام الشهيد حسن البنا كانت في احتفال أُقيم في سوهاج، وعقب انتهائه جلسنا معه في إحدى الغرف بدار الإخوان، وقمنا بعمل تعارف، وسألني عن صلة القرابة التي تربط بيني وبين الأستاذ محمود لاشين، وقلتُ له إنه عمِّي، والعجيب أنني عندما قابلتُ عمي هذا فيما بعد، وقلتُ له إن الإمام :البنا يعرفك جيدًا حتى إنه سألني عنك، قال لي إن هذا شيءٌ مُدهشٌ، فأنا لم أتقابل مع الإمام البنا إلا مرةً واحدةً عام 1929م، وذلك أثناء اشتراكنا في الرقابة على امتحانات الشهادة الابتدائية.
هذا الموقف يكشف عن أن الإمام البنا كانت ذاكرته قويةً جدًّا، وكان لمَّاحًا للغاية؛ حيث ربط بين ملامح وجهي ووجه عمِّي الذي لم يقابله سوى مرة واحدة.. وبعد هذا تقابلت معه مرات عدة عندما كان يأتي لزيارة الشرقية؛ حيث كان الإخوان جميعًا يصطفُّون في طابور طويل لمصافحته، وكانت زيارته تترك أثرًا كبيرًا في نفس كل مَن يقابله؛ حيث كان كل شخص يشعر أن له مكانةً كبيرةً في قلب الإمام البنا من خلال نظراته ولمساته الحانية.

جنود الدعوة

كنتُ أحد أعضاء النظام الخاص الذي كان يربِّي جنودًا على أرض مصر ليشاركوا في حمل راية الجهاد ضد اليهود والمحتلين فيما بعد، وكان النظام الدقيق هو الذي يحكم عمل كافة الأفراد، ولم يكن لأي شخص منهم أن يتصرف في أي أمر من تلقاء نفسه، وكان من فضل الله علينا أن نصبح جنودًا لدعوته، لكن للأسف لم أتمكن من الذهاب إلى فلسطين مع مَن ذهبوا من الإخوان، وقد كان جنود النظام الخاص كافةً مؤهَّلين للمعركة، لكن كان سعيد الحظ منهم هو الذي يتمكن من الذهاب إلى أرض المعركة، أما الذين لا يذهبون فإنهم يقومون بمجهود شاقٍّ جدًّا؛ حتى إنهم يتمنون لو ذهبوا مع أسلافهم حتى يرتاحوا من هذا الجهد الشاق، وأتذكر أن عددًا كبيرًا من الإخوان ذهبوا إلى هناك وسجَّلوا بطولاتٍ رائعةً، ولنا مع البعض منهم ذكرياتٌ رائعةٌ، مثل أخونا عبد الرحمن البنا.

بداية المحن

الشيخ الشهيد محمد فرغلى
  • ولكن متى بدأت المحن تطرق بابك؟
كان هذا في عام 1949م عندما اعتُقلت في قضية السيارة الجيب التي حدثت عندما جاء لنا الأخ محمود فرغلي من الجيزة بصحبة أخ آخر أخبره بالعديد من المعلومات التي وصلت إلى إبراهيم عبد الهادي، وهذا الكلام قرأته في جريدة (أخبار اليوم)، وأنا في سجن السيدة زينب، فعرفت النقاط كافة التي سيتم سؤالي عنها قبل بداية التحقيق، وبالتالي كانت إجاباتي منظمةً في القضية التي تمَّ التحقيق معنا فيها، لكننا لم نقدَّم بسببها للمحاكمة لعدم كفاية الأدلة، واعتُقلت فقط عدة أشهر.
  • حول النظام الخاص يُثار جدلٌ دائمٌ بين كونه خطيئةً تاريخيةً أو ضرورةً دعويةً.. فماذا ترى؟
النظام الخاص كان ضرورةً، وعندما نحاول اليوم تذكر الذين ثبتوا في المحن من المحافظات كافة نجد أن أغلبهم كانوا أعضاءً فيه، ففي المنوفية أبو الفتوح عفيفي، وفي كفر الشيخ عبد العزيز طه على سبيل المثال، كما أن الكثير من أفراد النظام الخاص أصبحوا اليوم مسئولي محافظات.
  • في هذا الجانب تحديدًا يُقال إن النظام الخاص فرض نفسه على الجماعة؟
أفراد النظام الخاص هم جنود في الدعوة فقط، ولا شيءَ أكثر أو أقل من هذا، والمولى- عز وجل- أكرمهم بأن يَثبُتوا على الطريق، فنحن لم نفرض أنفسنا على الإخوان؛ لأنه لا يُوجد أحد يستطيع أن يفرض نفسه على الجماعة، وهذا شيء يعرفه ويعلمه القاصي والداني.
وسألت في إحدى المرات الأستاذ حامد أبو النصر فقلت له: يا أستاذ، فلنفرض أن الإخوان لا يريدون :المرشد فكيف يكون الوضع في هذه الحالة؟! قال يكون مرشدًا على نفسه فقط!!
الإخوان كجماعة لها قواعد واضحة ومحددة، وتعتمد على نظام مؤسسي قائم على الشورى، فنحن لم نأتِ إلى موقع المسئولية إلا عبر الانتخابات.
  • باعتبارك مسئول الشرقية ماذا تذكر عن جهاد هذه المحافظة في المعارك التي خاضها الإخوان في القناة ضد الإنجليز؟
الإخوان قاموا بالعديد من العمليات البطولية ضد الإنجليز في قناة السويس، وكانوا يتخذون مركزًا للقيادة في الزقازيق بقيادة الشيخ محمد فرغلي، وكانت هناك دراساتٌ عدة لسبل المقاومة التي لم أشترك فيها بشكل مباشر، كما كان للإنجليز معسكرات في "القرين" وأماكن أخرى على طول هذا الخط.

حيلة خبيثة

  • [[في عهد الثورة اعتُقِلتَ عام 1954م وعاصرتَ الصدام بين الثورة والإخوان.. فماذا حدث من ابتلاءات ومحن؟]]
اعتُقلتُ في الفترة من 1954م- 1964م، وبعد هذا تعرضتُ للاعتقال مرةً ثالثةً عام 1965م، ولم يفرج عني إلا في عام 1971م، وفي المحنتَين لم يكن هناك أحدٌ من الإخوان يتمنَّى أن يبقى في السجن يومًا واحدًا لكن كان لدينا أملٌ في أن أي محنة لا بد أن يكون لها نهاية مهما طالت، كما حدثت في عهد عبد الناصر فتنةُ التأييد التي سقط فيها البعض؛ رغبةً في أن يتم الإفراج عنهم، ولكن في المقابل هناك الكثيرون- ممن ربط الله على قلوبهم- رفضوا هذا الأمر، وكنت بفضل الله مِن هؤلاء حتى إنني تركت المعتقَل ضمن آخِر من أُفرج عنهم، حتى إن أسامة خضير- وكان ضابط أمن دولة في الزقازيق في ذلك الوقت- استغرب هذا الأمر، وسألني عن السبب قلت له لا أريد أن أكون منافقًا وأقول لشخص قام بسجني أنت رجل جيد.
  • ولكن هذا الأمر أدى إلى تعرض الإخوان لعمليات بشعة من القتل والتعذيب!!
كان الغرض من التأييد أن ينسلخ الإخوان من هذه الدعوة، وكانت هذه حيلةً خبيثةً يسعَون من خلالها إلى تقسيم التنظيم الواحد إلى عدد من التنظيمات، وما زالت هذه الخطة موجودةً حتى اليوم لدى الجهات الأمنية التي تريد إبعاد الإخوان عن دعوتهم، وكان من فضل الله أن اكتشفنا بعد اجتياز المحنة ما لرفض التأييد من مصلحة كبيرة لهذه الدعوة، حتى إن الأستاذ حسن الهضيبي- يرحمه الله- كان يقول في المعتقل: لو استمرَّ مائة شخص فقط ثابتين على رفض تأييد عبد الناصر فإن هذا يُعدُّ كافيًا..!!
وأثبتت الأيام أن الرجل كانت نظرتُه ثاقبةً، وأنه كان على حق، فالدعوة انتشرت بشكل كبير بعد المحنة، ووصلت اليوم لـ70 دولة، في الوقت الذي كانت محصورةً في أيام الإمام البنا في عدد محدود من الدول المحيطة بمصر فقط، ومع توالي الأيام يزداد عدد المتحمِّسين لهذه الدعوة والمقبلين عليها، وعندما أنظر لوضعي اليوم ووضعي عام 1945م أجد أن الأمر مختلفًا تمامًا؛ فالمحن صقلتنا وأمدَّتنا بالعديد من التجارب، وكانت هذه المحن هي السبب في وجودنا في هذه الدعوة حتى اليوم، وعندما نتحدث الآن مع رجال أمن الدولة نجد أنهم يهابوننا بشكل كبير.

تفكير عبد الناصر

الرئيس محمد نجيب وجمال عبد الناصر
  • ألم يكن هناك أي إمكان لحل الخلاف بين الثورة والإخوان بشكل يجنِّبهم هذه المحنة القاسية؟
أهم شيء أراده عبد الناصر- وكان يسعى إليه- هو التخلص من الإخوان كليةً، وسعى إلى هذا عندما أنشأ هيئة التحرير وأقام بها تنظيمًا شبيهًا بتنظيم الإخوان إلى حد كبير؛ حيث ضم شُعَبًا ومناطق ومكاتب إدارية، فرفض الإخوان الانضمام إليه، وأثبتت الأيام أن هذا هو الرأي الصحيح؛ حيث بدأ الهجوم على الإخوان بعد هذا بضراوة وتلفيق حادث المنشية، وكان هذا إنقاذًا من العناية الإلهية لنا؛ لأنهم قبلها كانوا يدبرون لإدخال الإخوان السجن بجرائم خلقية، ولكن جاء حادث المنشية الذي اصطنعوه بأنفسهم ليحمل معه الفرج، فكان هذا فضلاً كبيرًا من الله أن يَدخل الكثيرُ من الإخوان السجن بحجة أنهم هو الذين دبَّروا حادث المنشية؛ مما حجب التفكير الشيطاني؛ حيث دخلنا "إخوانًا مسلمين"، برغم أنهم كانوا يحاولون دائمًا أن ننسى حكاية :الإخوان المسلمين تمامًا وما زال هذا نهجهم، ولكن أصبح هذا غير ممكن بفضل الله.
فمازلنا ننادي بأعلى صوتنا في كل مكان: إننا الإخوان المسلمون، وما زالت الجماعة قائمةً حتى اليوم، وحتى داخل السجون والمعتقلات كنا نصر على أن يعرفنا الجميع على أننا الإخوان المسلمون، برغم محاولاتهم القضاء على هذا الاسم تمامًا؛ حتى إن أحد الضباط عندما كان يدخل وينادي علينا كان يقول: "المدانين في قضية محكمة الشعب"، وفي المقابل كنا نصر على أن الجماعة والمرشد وأعضاء مكتب الإرشاد موجودون، حتى لو كان هذا خلف الأسوار.
وها هو الأستاذ حامد أبو النصر موجود وسط الإخوان وهو يحمل الفأس و"المقطف" ثابتًا على دعوته، فالإخوان المترَفون كانت العملية بالنسبة لهم شاقَّةً في بداية الأمر؛ حيث لم يعتادوا مثل هذا الجوار الصعب، لكنَّ اللهَ رزقَهم الصبر والثبات، فأنا كنت أعمل مهندسًا زراعيًّا وأعتقد أنه من العسير عليَّ أن أتحمَّل، ولكن عندما جلست في المعتقل ولبست البدلة الزرقاء وظللت واقفًا طوال اليوم أدركتُ أن فضل الله عليَّ كبيرٌ فيما وهبني من قدرة على الثبات.
  • في قلب المحنة.. كيف كان الثبات يتنزل على القلوب؟
كانت هناك معانٍ كثيرةٌ بسيطةٌ، كنا نستفيد منها في هذه الأوقات الحرجة، منها كلام سيدنا علي- رضي الله عنه-: "كل بلاء دون النار عافيةٌ، وكل نعيم دون الجنة حقير"، وكنا نكتب هذه العبارات في الخطابات التي كنا نبعث بها لآبائنا وأهلينا، وكان لوجودنا وسط الإخوان دور كبير في تثبيتنا، خاصةً عمي عبد العزيز بيه عطية، كما رأينا الأستاذ حسن الهضيبي والأستاذ حامد أبو النصر وعمر التلمساني بيننا، وكان لوجودهم دورٌ كبيرٌ في اجتيازنا للمحنة، كما اكتسبنا خلال فترات وجودنا بينهم العديد من الصفات الجيدة التي لم نكن نتحلى بها؛ مما أسهَم في استمرارنا في دعوة الإخوان.
وبشكل عام فإنني أستبشر بالمحن؛ فالمحنة يأتي بعدها فرجٌ كبيرٌ.. ففي عام 49 كان يقال إن هؤلاء لن تقوم لهم قيامةٌ مرةً أخرى، والنتيجة أن الدعوة مزدهرة اليوم وعقب اعتقالات عام 1954م توقع عبد الناصر أن الذي قضى 10 سنوات داخل السجن سيخرج ليسير بجوار الحائط، فإذا به يرى الإخوان يعودون لممارسة دعوتهم بمجرد خروجه، فأدرك أنه لا فائدةَ فأصدر قرارًا جمهوريًّا باعتقال كل من سبق اعتقاله، وخرجنا بعد وفاة عبد الناصر الذي كان يتصور أنه لا يموت، وأننا سنموت واحدًا بعد الآخر في السجون، والنتيجة أن هناك اليوم تنظيمًا دوليًّا للإخوان الذين لم يعودوا تنظيمًا محليًّا، وهو ما يؤرِّق الحكومة.

الاعتقال والبناء

  • تعرضتَ للاعتقال في عهد الملك والثورة.. فما الفارق؟
في العهد الملكي كانت هناك آدميةٌ؛ حيث تم التحقيق معي عام 49 وأنا جالس على الكرسي بأدب شديد، وعند انتهاء التحقيق كان المحقِّق يطلب مني قراءته، أما في 54 و65 فكنت مغمضَ العينين، وكذلك الحال استفدت كثيرًا من هذه التجارب، وجاءت الإجابات في قضية الشرقية عام 1988 م مغيظة جدًّا لرجال الأمن، وهذه القضية حدثت عندما أراد إخوان الإسكندرية زيارتَنا في الزقازيق ؛ حيث اتصل الأخ المسئول بي تليفونيًّا أكثر من مرة فكان التليفون مراقبًا بالطبع.
  • بعد الخروج من المعتقلات عادت الجماعة للعمل من جديد.. فكيف تمت عملية إعادة البناء؟
بعد خروجي من المعتقل بسبعة أشهر سافرتُ إلى دولة الإمارات، وحصلت على إذن من الأستاذ حسن الهضيبي لكي أسافر، وقال لي نصيحةً، قال لي: قل للإخوان في الشرقية لا تختلفوا، وظللت في دولة الإمارات 12 عامًا متواصلةً، وكان ذلك سببًا في تحسين حالتي المادية؛ حيث عملت في القطاع الخاص، وذلك بعد أن جاء إليَّ جواب من ابن عمي في دولة الإمارات يقول لي فيه إنك مرحَّب بك في دولة الإمارات، وسافرت وكانت النتيجة أن الوضع الجديد أصبح يغيظ رجال الأمن، وعندما عدت إلى مصر عام 1984م بعد اشتعال الحرب بين العراق وإيران قمت بتسليم نفسي للأستاذ عمر التلمساني وأمرني السيد حامد أبو النصر أن أكون مسئولاً عن :الإخوان بالشرقية .

الانتخابات والعلنية

المستشار الهضيبى بين إخوانه
  • خضتم الانتخابات البرلمانية في الثمانينيات فكيف تقيِّمون التجربة؟
في عام 1987م دخلتُ انتخابات مجلس الشورى، وكانت هذه أول تجربة أخوضها، ومع هذا أخذنا 11 ألف صوت مع البلطجة، لدينا اليوم الدكتور محمد مرسي - عضو مجلس الشعب- والذي حصل على 13 ألف صوت في دائرة الزقازيق، وفي عام 1950 م كان الدكتور محمد علي فريد - رئيس المكتب الإداري بالشرقية- مرشحًا وساعتها لم يحصل سوى على 150 صوتًا فقط وهو عدد الإخوان الذين كانوا موجودين بها في ذلك الوقت، والمقارنة تشير إلى ما يتمتع به الإخوان اليوم من قاعدة كبيرة برغم الاعتقالات والتضييقات.
  • ماذا عن ذكرياتك مع المرشِدِين السابقين.. الهضيبي والتلمساني وأبو النصر؟
الأستاذ الهضيبي قالوا له في المعتقل أنت رجل كبير السن ومريض، ويقومون بإخراجه، لكنه كان يعود لهم من جديد ويقول إن صحته جيدة ويطلب إعادته للمعتقل من جديد، وكان لديه يقين دائم بأن النصر للإسلام ولهذه الجماعة، وكانت هذه قناعةً ثابتةً لديه لا تتغير.
أما الأستاذ التلمساني فأعتبره عمِّي في الإخوان، وكنت أناديه دائمًا يا عم عمر، وكان المعتقل فرصةً جيدةً لكي نجلس ونتحاور معه حول رسائل الإخوان ، وعشنا معًا في زنزانة واحدة في سجن المحاريق، وكنا نستغرب كيف أن هذا الرجل المرفَّه معنا في المعتقل الذي كانت له شوكته الخاصة وملعقته الخاصة، لكنه اليوم يأكل من (القصعة)، وكنا معه في كثير من الأحيان أجلافًا، لكنه كان يتحملنا دائمًا، وكنا نحب دائمًا الاستماع لكلامه الطيب والألفاظ غير المتداولة التي كان يرددها.
أما الأستاذ حامد أبو النصر فكان كثيرًا ما يعطف علينا، وكان يشعر بمسئوليته عنا، والمبادرة الأساسية التي أستخدمها في التعامل معهم (نمرض فنعودهم، ويخطئون فينا فنزورهم فنعتذر إليهم).. فهذا هو الخط الذي أسير عليه.
  • علنية الدعوة أمر طبقتموه في الشرقية منذ وقت مبكر.. كيف؟ وما ثمراته؟
علنية الدعوة كانت توجُّهًا من مكتب الإرشاد، استفادت منه الشرقية، وبدأت ببطء عام 85 خطوةً خطوةً حتى وصلت اليوم لشكل متقدم، وكانت هناك آثارٌ إيجابيةٌ جدًّا؛ خاصةً فيما يتصل بتعامل رجال أمن الدولة معنا، ووصل الأمر في انتخابات 87 إلى أن كنت أتصل بمدير الأمن مباشرةًَ، وكان يستجيب لطلباتي كافة، وهو ما كان يغيظ رجال أمن الدولة.
وعمومًا فإن الأمن فشل فشلاً ذريعًا في التعامل مع الإخوان في الشرقية ، حتى إن "البربري"- وكان وكيل فرع أمن الدولة بالشرقية - قال لي لقد فرضت نفسَك علينا، وبشكل عام فإننا نشعر أننا أفضل من رجل الأمن الذي يريد اعتقالي؛ لأني عضو بهذه الجماعة، كما أن علاقتنا اليوم مع الأحزاب الأخرى بالمحافظة علاقةٌ جيدةٌ جدًّا والحمد لله، وبالنسبة لتعامل الدولة مع الإخوان فإن الدنيا تتغير وكل شيء من الممكن أن يتغير ولا شيءَ يظل ثابتًا على حاله.
  • والمستقبل.. كيف تراه؟
أنا مطمئن أن النصر في نهاية الأمر للإسلام ، وأن الجماعة سيُمكَّن لها لا محالةَ، فالشيوعية حكَمَت 70 عامًا ثم انهارت، وصدام حكم 35 عامًا وبعد هذا رأينا تمثاله وهو يسقط، فـ"الشطارة" ليست في الوصول للسلطة ولكن في التربية التي تقوم عليها الجماعة، ففي وجود التربية يكون هناك وجود للإخوان ، وفي غيابها لا يوجد الإخوان ، وأنا مطمئن أن النصر في نهاية الأمر للإسلام، وأن الجماعة سيُمكَّن لها لا محالة.

المصدر