المرشد العام يكتب: لنتنافس في حب مصر ونهضتها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المرشد العام يكتب: لنتنافس في حب مصر ونهضتها

التاريخ:25-01-2013

من البشريات الطيبة هذا العام أن تأتي ذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم متواكبةً مع ذكرى ثورة‏ 25‏ يناير‏,‏ واحتفالنا بما تحقق من أهدافها‏, ‏وسعينا جميعًا لاستكمال ما لم يتحقق منها بعد‏.

فلقد كانت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نموذجًا حيًّا لكيفية النهوض بالأمة, وبناء قواعد نهضتها على الأسس القويمة المؤسسة للحكم الرشيد، وهو ما نحن في أمسِّ الحاجة لاتباعه والاقتداء به; لبناء نهضة حقيقية لمصر ولاستعادتها لريادتها من جديد.

لقد منَّ الله سبحانه على مصر وشعبها الكريم بنجاح الثورة المباركة بفضل منه, ومنة علينا جميعًا, وحماها وحفظها وقدر لها الخير, فمصر محفوظة من الله تعالى مرعية بعنايته, وهذا ما عبَّرت عنه بوضوح الثورة المباركة منذ بدايتها وحتى اليوم.

وما تمر به مصر الآن من اختلاف رؤى وأطروحات هو من صميم خصائص المراحل الانتقالية من الدكتاتورية للديمقراطية, وهو يُعبِّر بوضوحٍ عن التعدد في الثقافة المصرية, وهو ما يثري الحياة السياسية إذا ما أدير بحكمة وحنكة وابتعد عن التخوين والإقصاء.

لذا فلا بد من العمل الجاد والحثيث على تقصير أمد المرحلة الانتقالية والانتهاء منها في أقرب فرصة ممكنة, وهو الحادث الآن; حيث تم انتخاب رئيس لأول مرة في تاريخ مصر من خلال انتخابات حرة نزيهة شهد لها العالم أجمع, وتم كذلك إقرار دستور كتبه المصريون بكل اتجاهاتهم بأيديهم وأقروه بأنفسهم لأول مرة في التاريخ كذلك، والمتبقي إجراء انتخابات مجلس النواب قريبًا بإذن الله تعالى; ليكتمل عقد المؤسسات المنتخبة والمعبرة عن الإرادة الحقيقية للأمة.

ولا يخفى على أحدٍ أن مصر مستهدفة من جهات عدة ومن قوى إقليمية ودولية عديدة, تسعى لعدم الاستقرار وإثارة المشكلات وإشعال الفتن للإضرار بمصر ومصالحها ومكانتها; لإفشال عملية التحول الديمقراطي, وهو ما لن يتحقق بإذن الله سبحانه بوعي المصريين الشرفاء الحريصين على مصر وشعبها وبقيامنا بواجبنا جميعًا في التصدي لذلك؛ وأن نحافظ على بلدنا ومؤسساتنا ورموزنا, فمصر أمانة في أعناقنا جميعًا.

إن الاستحقاقات المتبقية على اكتمال بناء دولة المؤسسات تتطلب منا جميعًا أن نتكاتف لإنجازها, كما حدث في الاستحقاقات السابقة, وبصورة أبهرت العالم في تحضر ووعي وحرص الشعب المصري على بلده وعلى مؤسساته وعلى القصاص لدماء الشهداء.

إن ما تحتاجه مصر منا الآن هو التنافس العملي الجاد في البناء وتغليب الصالح العام على الخاص, والسعي الجاد والحثيث لإصلاح ما أفسده النظام السابق, وإعادة بناء بلدنا بأيدينا وعرقنا وكفاحنا, فمصر لن تبني إلا بأيدي أبنائها المخلصين الساعين لنهضتها, بعيدًا عن اختلاق الأزمات أو تصديرها للغير.

فلنتسابق في حب مصر وفي خدمتها ونهضتها, فبنهضة مصر ننهض جميعًا وتنهض معنا الأمة كلها, فمصر هي رائدة العالمين العربي والإسلامي, فهذا هو قدرها وقدرها, وتلك هي مكانتها ومنزلتها التي اكتسبتها عبر تاريخ طويل من العطاء ومن التضحية والجهاد, حيث ضحَّى العديد من أبنائها الأبرار بدمائهم وأرواحهم لنصرتها ودعم قضايا أمتها.

وليكن هدفنا جميعًا السعي لحل مشكلات المواطنين وهمومهم وتذليل العقبات لهم طاعة لله عز وجل, وحبًّا لهم ووفاءً لأبنائهم الذين ضحوا من أجلنا جميعًا، فلا ينبغي أن تنسينا الخلافات السياسية الحقوق الواجبة علينا, وأول هذه الحقوق حقوق شعبنا الكريم, وبذل غاية الجهد لتقديم الحلول العملية والواقعية للمشكلات المستعصية التي تمر بها البلاد.

فمصر ستبني بجهودنا جميعًا ولا يمكن لفرد أو جهة أو جماعة أو حزب أن يبني مصر بمفرده على الإطلاق, فلنقدم النافع لمصر وشعبها, وليقدم كل تيار أو حزب أو جماعة جهده النافع وعلمه وخبراته العلمية والعملية للمساعدة في نهضة مصر, فلنتعاون على البر والتقوى والنافع لبلدنا وأهلنا, ولا نتعاون على الإثم والعدوان, وليحذر كل منا حكم التاريخ وشهادته فهي لن ترحم أبدًا من يتاجر بمصالح مصر ويزايد على دماء أبنائها, فالله تعالى مطلع علينا جميعًا ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ونحن كإخوان مسلمين يشهد تاريخنا بفضل الله على تضحياتنا وبذلنا بكل غالٍ دفاعًا عن الأوطان والعقيدة والقيم.

وكنا ومازلنا وسنبقى بعون الله كذلك، والآن قد بدأنا بأنفسنا وأثبتنا أننا قوم عمليون نُؤثر الأعمال على الأقوال, فلم نتقدم بحملة معا نبني مصر إلا بعد أن بدأنا في تنفيذها على أرض الواقع.

وكما أثبت المصريون للعالم أنهم أصل الحضارة والتحضر في إسقاط النظام السابق بسلمية, وحرصهم على المشاركة الفاعلة في كل الاستحقاقات من انتخابات واستفتاءات بصورة أذهلت العالم, فلنثبت للعالم مرةً أخرى عظمة الشعب المصري الكريم في التنافس في حب مصر, والتعايش بين كل مكونات النسيج الوطني الذي هو عبارة عن سدى ولحمة، والذي لولاه لظل كل خيط منهم في اتجاه مختلف, وبتداخلهما نتج النسيج متعدد المنافع, ولنؤكد جميعًا حبنا لوطننا أكثر من ذواتنا, وأننا نحمله على أكتافنا ليعلو علينا جميعًا.

ولنستعيد قيم وأخلاق ومثل الشعب المصري العظيم على مدار التاريخ من التكافل والتكامل والشهامة والرجولة والانتماء ونكران الذات وحب الخير للغير, وليتحول المجتمع كله لمجتمع منتج وبناء; لنبهر العالم من جديد.

ولقد عبر أبناؤنا في الخارج عن مدى حبهم لبلدهم ومدى ارتباطهم بها بصورة مشرفة ودافعة ونافعة بتحويلاتهم لمدخراتهم, دعمًا لاقتصاد بلدهم وتبنيًا لنهضتها ورفعتها, وهو ما ننتظره من جميع أبناء مصر المقتدرين للاستثمار في مصر, وتوفير فرص عمل للشباب, والاستفادة من المناخ الداعم للاستثمار الذي تمر مصر به الآن, ويقتدون بنجوم الصحابة رضي الله عنهم جميعًا بأيهم اقتدوا اهتدوا, فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يتبرع بقافلة تجارة بضائع كاملة مجانًا, ويكرر مرةً أخرى شراء بئر ماء ليشرب الناس ماء نقيًّا مجانًا, ومرةً ثالثة يتبرع بتجهيز جيش العسرة.

ومن الواجب علينا جميعًا البعد عن التعصب الأعمي والحزبية المقيتة التي تضر ولا تنفع, وتفرق الصفوف ولا توحدها, وتشتت الجهود ولا تجمعها, وتوغر الصدور ولا تنقيها, وتضيع الأهداف ولا تحققها.

ومن الواجب علينا كذلك البحث عن حل سريع وفاعل لتوابع حالة الاستقطاب التي حدثت في البلاد في الفترة الماضية وتجاوز آثارها السلبية, ومد يد التغافر والتحاب والعون من الجميع للجميع، ولنتسامح عن الأخطاء التي حدثت من أي فريق ضد أي فريق, ولنبدأ عهدًا جديدًا قوامه الحب والتعاون وتقديم النافع من الأعمال والخبرات والطاقات لمصرنا الحبيبة.

وليكن اختلافنا اختلاف تنوع يبني ويقوم ويوجه, لا اختلاف تضاد يفرق ويشتت ويوغر الصدور, ولنتعاون مع الرئاسة والحكومة والمجالس النيابية المنتخبة فهم منا، ونحن منهم, ومع الجيش والشرطة فهم مؤسسات مصرية وطنية عريقة, ويكفي مشهد حادث القطار ونجدة الشعب المصري لأبناء الأمن المركزي الذي كان في الماضي أداة قمع للشعب رغمًا عنه, ألا يكفي هذا دليلاً على عودة الروح المصرية الأصيلة, والمشهد الجديد المبشر هو ما رأيناه من الشرطة الطائرة لأول مرة في تاريخ مصر لمتابعة الجريمة وإغاثة الملهوف.

فالآن لا بد من اعتماد الحواروالتفاهم المشترك كآلية لحل الخلافات الناشئة عن تجربتنا الديمقراطية الوليدة ولا بد كذلك من البعد كل البعد عن العنف والتخوين والإقصاء, وعن محاولة كسب نقاط علي حساب الوطن, فإذا خسر الوطن لا قدر الله- فكلنا خاسرون, ولا أعتقد أنه يوجد على أرض مصر مصري واحد شرب من نيلها, وتربى على أرضها وتعلم فيها ونما على خيرها, يريد أن يكسب هو وتخسر مصر.

فمكسبنا جميعًا في نهضة مصر وتقدمها وتبوئها لمكانتها المستحقة بين الأمم.

ولنعرف كيف نختلف وكيف نعالج الآثار السلبية للاختلاف, ولنسعى لتنظيم وإنضاج الآراء, ونتعود على عرض الرأي لا فرض الرأي ولا الحجر على الرأي, فلولا وجود الرأي الآخر وقبوله والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم لما تحقق نصر بدر.

لقد تعرض الإخوان المسلمون في الماضي وما يزالون لحملة إعلامية منظمة وممنهجة لتشويه صورتهم, بل ووصل الأمر من البعض لتخوينهم بكل أسف, وفضل البعض مهاجمة الإخوان وما يصدر عنهم وما لم يصدر عنهم, بل وتقوَّل عليهم وافترى عليهم الأكاذيب; لأنه اعتقد أن في ذلك سبيل البقاء له في دائرة الضوء الإعلامية, واستبدل ذلك واستمرأه عوضًا عن أن يقدم للشعب برنامجه ورؤاه لنهضة بلده وتقدمها.

لقد طغى كره البعض للإخوان على حبهم لمصر, وأساءوا لنا واتهمونا في نياتنا, واستباحوا دماءنا وأعراضنا وأموالنا, ظنًّا منهم أن ذلك سيثنينا عن عزمنا, وتناسى هؤلاء أن مثل هذه التصرفات لا تفت في عضد الإخوان المسلمين وثباتهم على مبادئهم وقيمهم ومثلهم, وقد جربت الأنظمة الفاسدة المستبدة كل هذه الوسائل والجرائم فباءت بالخسران والخزي على أصحابها, ومن يفعلون ذلك الآن لن ينجحوا في استدراجنا لعنف هم بادئوه ومشعلوه, فمصلحة مصر تحتم علينا أن نصبر ونحتسب (ولنصبرن على ما آذيتمونا), وسبق وأعلنت أننا نرفض التربص واصطياد الأخطاء, وأيضًا نعتذر لمن أخطأنا في حقه دون قصد, ونسامح من أخطأ في حقنا ونقبل العذر, وبكل أسف قابل البعض هذه الدعوة برفض غريب, بالرغم من أننا الجانب المعتدى عليه, وأننا لم نرفع سلاحًا على أحد أو نعتدي على أحد.

كنا نتمنى أن يظل الاختلاف بيننا في إطاره السياسي وحسب, ولكن البعض لأسباب لا تخفى على ذي لب استسهل الطريق, فما أسهل السب والقذف على الاعتراف بالفضل وإنكار الذات والتحلي بمكارم الأخلاق, وما أسهل الهدم والتكسير على البناء والتعمير.

واليوم أعيد التأكيد على ما سبق وأعلنته حفاظًا على مصر وشعبها ومقدراتها, فمن غير المعقول أن تكون المعركة بين من قاوم النظام الفاسد السابق ووقف في وجهه وانتفض ضده من مختلف التيارات, فدورنا الآن هو البناء والعمل والتسابق في الخيرات وليس العنف والتخوين والإقصاء. لقد حدد الإمام الشهيد حسن البنا يرحمه الله معالم علاقة الإخوان المسلمين بالمجتمع وملامحها حين قال: ونحب كذلك أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا, وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء, وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء.

وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا, وملكت علينا مشاعرنا, فأقضت مضاجعنا, وأسالت مدامعنا, فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا, فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب, ولن نكون عليكم يومًا من الأيام, فهذا ما تربينا عليه وما نُربي عليه الإخوان المسلمين في الحاضر والمستقبل بإذن الله تعالي.

ليبذل كل منا أقصى الجهد وغاية الوسع ابتغاء مرضاة الله سبحانه, وحبًّا لمصر وشعبها وليكن شعارنا (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون), ولنتوحد خلف قيادتنا المنتخبة وأهدافنا العليا, وليكن شعارنا (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا), ولننبذ الفرقة ونوازعها ومشعلاتها وليكن شعارنا (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم), ولنتأكد من القواعد القرآنية الثابتة (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) ,(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

إن الشعب هو صاحب السلطة ومانحها لمن يريد ومستردها ممن لا يريد, فلابد من إعلاء قيمة الإرادة الشعبية والنزول عليها وعدم التحايل عليها, وكما كان الشعب هو صانع الثورة ومفجرها وحاميها فهو القادر بإذن الله سبحانه الذي وهبه الثورة وأجراها أنه هو الذي سيرسيها ويعين الشعب على الوقوف في وجه الفساد والمفسدين ومواجهة المشكلات وحلها, والتصدي لكل التحديات والتغلب عليها، واستكمال ما لم يتحقق من أهدافها, وفي مقدمتها القصاص العادل والناجز لشهدائنا الأبرار.

هيا إلى العمل والإنتاج والبذل والعطاء, وإعادة بناء الإنسان المصري وإعلاء قيمته, والمجتمع المصري وإعلاء إرادته, وفق منظومة الأخلاق والقيم المستمدة من إسلامنا الحنيف وقيمنا المصرية العريقة, وإزالة آثار التجريف الرهيب الذي أحدثه النظام السابق لكل مناحي الحياة المصرية.

ولتحيا مصر حرةً عزيزةً كريمةً، ونحيا جميعًا كرامًا علي أرضها.


نقلاً عن الأهرام بتاريخ 201325/1/م

المصدر