المرأة والمسار الديمقراطى فى شمال أفريقيا .. الجزائر نموذجاً

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٥٣، ١١ أغسطس ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المرأة والمسار الديمقراطى فى شمال أفريقيا
( الجزائر نموذجاً )


بقلم / أ. نورة قنيفة .... باحثة فى شئون المرأة الجزائرية

مقدمة

خريطة الجزائر.jpg

تُطرح هذه الورقة العلمية فى إطار إيديولوجى خاص متُبنى حول المفهوم ذاته ينطلق أساساً من الاضطلاع بديمقراطية حقيقية ، ديمقراطية من أجل المجتمع ، ديمقراطية تضمن شروط تحرر حقيقية حيث تكتسب النساء والرجال إمكانية تملك تاريحهم والقدرة على التفكير فى نشاطاتهم الاجتماعية كأمر هو من محض صنعهم .

إن الديمقراطية كشكل من أشكال العلاقات الاجتماعية، كطريقة حياة يومية وكمنهج عمل جماعى ترفض كل محاولة لجعلها أداة تبعث من داخلها ميكانزمات السيطرة والخضوع مهما كان شكل وطبيعة هذه السيطرة.. لهذا فإن بناء الديمقراطية يرتبط فى جانب أساسي منه بتحقيق الحداثة وعصرنة المجتمع ، فهى كقيمة وكممارسة اجتماعية تعنى على المستوى السياسى الاعتراف بالإرادة الحرة للأفراد وحقوقهم المدنية كاملة ، والفصل بين السلطات واستقلال المؤسسات بعيداً عن كل تأثير عدا القواعد والضوابط التى تحظى بالاجماع ، وكذلك التداول على الحكم بطريقة سلمية ، أما على المستوى الاجتماعى فالديمقراطية تعنى الاعتراف بحق المواطنة والتعامل مع الأفراد كمواطنين أحرار وليس بحسب إنتماءاتهم القبلية أو الجغرافية فضلاً عن المساواة بينهم بصرف النظر عن تمايزهم العرقى ، أو الدينى أو الجنسى .

ولعل حجر الزاوية فى بناء الديمقراطية وتشييد الدولة العصرية هو تأكيد حق المواطنة وترسيخه ، وهو يعنى تكفل مؤسسات الدولة بحماية الحقوق المدنية والسياسية المعترف بها للأفراد والجماعات ومعاملاتهم على قدم المساواة دون تمييز على أسس العرق أو الدين أو اللغة ، أو الإنتماء السياسى ، ويقتضى ذلك تغييرا جذرياً فى أساليب تسيير وإدارة أجهزة الدولة ، كما يعنى بناء دولة ديمقراطية وعصرية وفصل السلطات وتوضيح الحدود بين مختلف مؤسساتها وأجهزتها حسب الأدوار والوظائف وكذلك تعيين العلاقات الموجودة بينها ، كل ذلك يستدعى إشراكاً حقيقياً وليس طقوسيا للنخب المثقفة والتكنوقراطية من أجل مراجعة جريئة للقوانين والتشريعات (1) .

ويحدد هابرماس المواطنة بقوله : " إمتلاك صفة المواطن المساهم المتمتع من حيث هو كذلك بمجموع الحقوق المدنية ضمن مجتمع سياسى وهى هيكليا ذات طابع قانونى تؤسس للفرد الحر المستقل العضو فى الدولة ... فهى تدل على انتماء ومكانة ، وتمتع فى فضاء الحريات . بإختصار إنها تعبر عن ولادة الفر الحر المستقل وبدون تمييز .. " (2)

ولأن الديمقراطية مرتبطة بالحداثة، فإن الحداثة نمط حضارى متميز ، منطق يتعارض مع منطق الأنماط الثقافية التقليدية السابقة عليه ، فمنطق الحداثة يحمل الأبعاد الموضوعية والكونية .. يسبح داخل فضاء متنوع متعدد الأبعاد ، ذو بنى مختلفة ، متباينة ، تتداخل فيما بينها ضمن تمفصل متلائم ، متناغم ومتجدد يحرك المجتمع فى ديناميكية لا مثيل لها فى اتجاه العالمية والأبعاد الإنسانية .. يفرض نفسه على الأبعاد الكونية بصفة موضوعية ويؤسس لرحم المواطنة المتفتحة على العالمية بإستمرار .. من جهة أخرى ترتبط عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية وكذلك مسألة تحديث المجتمع ، وإعادة النظر فى الأسس والقواعد التى تحكم عمل مؤسساته بقضية حيوية هى مسألة السلطة وطبيعة نظام الحكم .

والحديث عن السلطة هو حديث عن الإنسان ، عن شبكة الاتصال الإنسانى. إنها الإنسان فى علاقته مع الآخرين ، فى السلوك الإنسانى بذاته ، لأن هذا الأخير ليس بإمكانه العيش خارج الجماعة . وما دامت الجماعة تحدد سلوك الفرد تجاه واقعه، فهى بالتالى تحدد طبيعة السلطة داخل الجماعة بين الأفراد . إذن فالسلطة هى نتاج العلاقات الإنسانية، إن كانت كذلك، فمن الضرورى أن تخضع هذه العلاقة لمنطق ما يجعلها مكمناً للسلطة .. (3)

هى أيضاً ( أى السلطة ) مجموع التصورات التى يملكها المجتمع عن مصادر القوة ومراتبها المبثوثة فى ثنايا المجتمع والمتجسدة فى حضارة المجتمع ككل ، وهى تتدرج من الحلقة الأولى حيث العائلة والأسرة حتى مراتب السلطات السياسية ، ويرى الباحثون الاجتماعيون أن هذه التصورات تتحكم إلى حد كبير بالسلوكيات الإجتماعية التى تتجلى فى أنماط العلاقات الاجتماعية والسياسية ويتفق معظم الباحثين على رد هذه التصورات حول السلطة ومراتبها إلى تشكل العلاقات الأسرية أى إلى " السلطة الأبوية" (4) .

وفى محاولة منا لتحليل المسار الديمقراطى الجزائرى فى علاقته بمتغير أساسى فى هذه الورقة العلمية والمتمثل فى المرأة الجزائرية فإننا نعتقد أن هذا المسار الهام يحدث فى إطار التحولات العميقة التى عرفها ولا يزال يعرفها المجتمع الجزائرى الحديث ، ومؤسساته المختلفة ، لاسيما وأن تلك التحولات قد مست جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية غير أن مشروع التحول الديمقراطى قد غلبت عليه نزعة صورية أو شكلية فى بدايته بحكم تأثير إشكالات متعددة ومتنوعة مرتبطة أساساً بالتمثلات (REPRESNTATIONS ) السياسية والاجتماعية والثقافية فى بعديها الرمزى والمقدس والذى قد يطرح ضمن تناقضات مختلفة اجتماعية وثقافية بالخصوص تدعو إلى التساؤل الدائم والمستمر حول كيفية اكتساب ثم تطبيق ديمقراطية قائمة على الحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الآخر المعترف بها لكل فرد فى ظل هذه التناقضات والتمثلات .. فليس للديمقراطية أى معنى إذا لم يع المجتمع التناقضات التى يعيشها ويتقبل فى المقابل إعطائها ترجمة سياسية صحيحة تعكس اكتساب المجتمع لثقافة سياسية جديدة تعبر عن التحول السيكو – اجتماعى المتقبل لنقد بعض الممارسات الاجتماعية فى ظل الطابع الإيديولوجى للديمقراطية والطابع السياسى الحديث ...

إن الضغط الذى يمارسه الضمير الجمعى على الأفراد يدعو إلى طرح العديد من التساؤلات حول قدرة أو مدى تقبل المجتمع للديمقراطية كفكر فلسفى حديث ... بمعنى آخر ، هل للفرد الجزائرى الوسائل الإيديولوجية – الصحيحة – لكى ينظر إلى نفسه كمدنى مستعد للتفاعل الإيجابى القائم على المبدأ الأساسى المتجسد أساساً فى إحترام حقوق الآخر رجلا كان أم إمرأة، لا على الواجب الأبوى المقدس الذى تطمس فيه الحريات الفردية بدعوى المقدس فى الفضاء السياسى، الاجتماعى والثقافى ...

ورغم أننا نؤكّد أنّ التجربة الديمقراطية في الجزائر رائدة مقارنة بغيرها من البلاد العربية والعالم-عموما- إلاّ أنّ دمقرطة المجتمع الجزائري كانت ولا تزال توصف بالصّعبة أو- الخاصّة- نظرا لما يعترض سبيلها من صعوبات عديدة ومتنوّعة تجعل إمكانية تحديث المجتمع صعبة نوعا ما ..

يرى أحد الباحثين الاجتماعيين أنّ التحوّل السياسي كان لا بدّ أن يسبقه تحوّل إيديولوجي بمعنى التّحوّل في كل ما هو ثقافي -رمزي- وإعادة صياغته وتوجيهه الوجهة الصّحيحة ، لأنّ ما هو ملاحظ واقعيا (سياسيا واجتماعيا) أنّ هناك مسعى حقيقي إلى التّحديث السياسي والذي يطرح اجتماعيا وثقافيا غير أنّ الإشكال المطروح يكمن في صعوبة وخصوصية هذا الطرح الذي يقابل بالرفــض فى التـحـديـث في الأنـسـاق الثـقافية القـيـمـية التي قد تسىء الى دمقرطة المجتمع ، لذا فديمقراطية المجتمع الجزائري لا يمكن أخذها كنهاية إيجابية لتحولات جذرية في القيم الإيديولوجية المتبناة ، ولكن كبداية عرفت ولاتزال تعرف الكثير من التناقضات والصراعات والرفض(5).

وفي مواصلة تحليل المسار الديمقراطى الجزائري نجد مسائل عديدة لا يمكن عزلها عن النقاش والحوار العلمي الدائر اليوم أهمها مسألة الدين و السياسة، المسائل اللغوية والهوية، والمرأة.. لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالصراعات القائمة حول مشروع المجتمع الديمقراطى وإبراز المجتمع المدني، وتكريس المواطنة.

فما يطرح حاليا حاجة المجتمع لمشروع من نوع جديد، لا ينفي الماضي أو يتـنكر له ، بل يعتبر تجاوزه ضروريا يحمل القطيعة في مفهومها التاريخي أي الانتقال الى مستوى أرقى من التطور الإنسانى والحضاري.. القطيعة مع الحلقات المفرغة التي أدّت إلى ديناميكية التقهقر، لاسيما في الجانب المتعلق بالتأويل الديني الذي هيمن على الحياة السياسية والثقافية في ظلّ طرح الأصالة التي شكّلت نوعا خاصاّ من السلطة أو بالأحرى من التسلط يمكن وصفه بالتوتاليتارية الفاشية..

إضافة إلى ذلك، ولتحقيق ديمقراطية حقيقية في الجزائر يرى بعض المفكرين الجزائريين أنّ مسألة الفصل بين الدائرة الدّينية والدائرة السياسية أصبحت ضرورية لارتباطها بمنعطف تاريخي محدّد لمصير الجزائر كأمّة ومجتمع ودولة، والذي لا يمكن تناوله (المنعطف) انطلاقا من مقتضيات وطنية محضة أو الانغلاق(6).

فالتحولات الهيكلية الجارية اليوم في العالم تفرض إعادة نظر جدية وجريئة في الذهنيات والمقاربات وتتطلّب حسما سريعا أمام خطر العنف خصوصا وأنّ ما هو مبتغى من أفراد المجتمع بعد الأحداث التي شهدتها الجزائر شكل آخر من الطرح السياسي القائم على احترام الإيديولوجيات الجماعية التي أكدت على المساهمة في الحياة السياسية وعلى قيم الحداثة و الديمقراطية والتقدم .

1- التجربة الديمقراطية الأولى وضرورة التغـيّر الكليّ في مقاربة سوسيو- سياسية

التّجربة الجزائرية يمكن النّظر إليها كتجربة نموذجية ( بالمفهوم الفيبري للنموذج المثالي) على مستوى العالم العربي والأفريقي . فقد اتّسمت كتجربة تاريخيّة (الإستعمار وخصائصه الإستيطانيّة ونتائجه التّدميريّة .. ) بخصائص لا يمكن نكرانها ، تجـلـّت كذلك على مستوى الطّابع المميز لحـرب التّحرير والاستقلال وحتّى على مستوى عمق التّجربة الاقتصادية ، الاجتماعيّة والسّياسية وما لازمها من عمليّة بناء وطني ، فبقدر ما كانت عمق التّجربة التّاريخية والتّنموية بقدر ما كانت السّلبية والنّقد التي ووجهت بها من قبل الفئات الاجتماعية.(7)

وقد مكّن استقلال الجزائر من إقامة الدولة الوطنية ، فتوالت على النظام السياسي الجزائري ثلاثة أنظمة منذ الإستقلال وهي:

أولا: نظام الحكم الواحد المنبثق من دستور 1963.

ثانيا: نظام حكم منبثق عن التــــّصـحيـح الثوري في يونيو 1965 والمسيّر من قبل مجلس الثورة الذي سيترك مكانه في 1976 لدستور يضبط الوظائف التنفيدية والتشريعية والقضائية حول السلطة الرئاسية . ثالثا: نظام حكم تعددي أسّسه دستور 1989 الضامن للحريات الفردية والجماعية والذي جاء بعد الإصلاحات السياسية ، حيث تبنى النظام دستورا يضمن التعددية الحزبية (دستور فبراير 1989) . ويقوم على احترام الإيديولوجيّات وتجسيد الديمقراطية خصوصا بعد أحداث أكتوبر 1989 التي جاءت نتيجة التوجهات الشعبويّة والإرادوية التي ميّزت النظام السياسي في مختلف مراحله بدرجات متفاوتة إضافة إلى إهمال العديد من القضايا الجوهرية كالهويّة واللّغة..

فإذا كانت الخمسينيات و الستّينيات هي عقدى بناء الدّولة الوطنيّة والاستقلال ، وما تلاه من مشاريع تنموية ، اعتمدت على هذه الدّولة الحديثة كمحرّك رئيسي ، فإنّ التسعينيات وحتّى ابتداء من الثمانينيات بالنّسبة للكثير من التّجارب في أفريقيا خصوصا والعالم الثّالث كانت هي عشريّة تجليّ أزمة الدّولة الوطنيّة بالذات ؛ هذه الأزمة العميقة أدّت فعلا في بعض الحالات إلى إعادة النّظر الجدّية في استمرارية ووجود هذه الدّولة مع كلّ ما ينجرّ عنه من إعادة نظر في كلّ الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والسّياسيّة التي حقّقتها هذه الكيانات خلال حقبة صعودها وازدهارها ..

لقد تواجدت على الصعيد السياسي عدّة أحزاب ذات توجّهات مختلفة: الليبيرالية، الإشتراكيّة، الوطنية، الإسلاموية.. هذه الأخيرة التي تحوّلت إلى حركة سياسوية شعبوية إستندت إلى فئة المهمّشين، وحدّدت لنفسها أهدافا سياسية أهمّها الإستيلاء على السّلطة وتغيير النظام القّائم ، تحوّلت فيما بعد إلى قوّة تهدّد بنسف كلّ مكتسبات حركة التّحرر المعاصرة بإقامتها لدولة إسلامية, فلقد اتّسم هذا الطّرح الإيديولوجي بطابع الإستيلاب و الرؤى المهيمنة والاختزالية .. دخلت بعدها الجزائر في مأزق سياسي بعد تصاعد "العنف" إثر إلغاء الانتخابات التشريعية التعددية الأولى، والتي دلّت على أزمة قيم ومعايير حقيقية لظهور عدّة خطابات متضاربة تريد إعادة بناء أو خلق قيم جديدة على حساب ثقافة أخرى جدّيرة في هذا المجتمع .

وما يمكن التأكيد عليه في هذا الإطار حقيقة تاريخية هامة هي عودة الدّين من جديد ، ليشكّل وبصورة مكثفة محورا للسجالات الفكرية داخل المجتمع الجزائري ، فالإسلام كدين وكتراث فكري يستردّ اليوم حيويته المطابقة لتسارع التاريخ في كلّ المجتمعات .. غير أن الطرح الحالي المبالغ فيه يقودنا إلى تبنيّ فكر منطقي قائم أساسا على أنّ القرآن نصّ لغوي يمكن وصفه بأنه يمثل في تاريخ الثقافة الإسلامية نصا محوريا ، وليس من قبيل التبسيط . يشير لذلك نصر حامد أبو زيد أنه " يمكن أن نصف الحضارة الإسلامية العربية بأنّها "حضارة النص " لكن هذا لا يضعنا أمام تسليم مطلق بأنه يمثل مركز الحضارة بصورة شمولية ، بل نرى فيه موضوعا مساعدا وهاما على فتح المجال أمام الجدل بين الإنسان والواقع من جهة ، وحواره مع النص من جهة أخرى ، وإذا كان الأمر كذلك أي إذا كانت الحضارة تتركز حول" النص"، فلا شك أن التأويل يمثل آلية من آليات القراءة في إنتاج المعرفة ، هذه الممارسة التأويلية للنص تجعلنا ننفلت من دوغمائية القراءات التحريفية والسطحية الإيديولوجية النفعية المغرضة للنص القرآني والتي أنتجت صراعا ثبط عزائم العقل الإسلامي ومبادراته من أن يباشر في وضع مساهماته ومشاركاته في بناء العالمية ، وإلغاء الآلية المحركة للعوائق الذهنية والفكرية المانعة لكل تغيير وتحوّل نوعي في العلاقة بين المسلم والطبيعة أولا وبينه وبين الحرية ثانيا، ومن ثم تحقيق الحداثة التي تمثل الفضاء الذي تزدهر ضمنه المواطنة ضمن جذور تومىء إلى التفتح وبأصول إيمانية متناغمة متحررة من هيمنة العقل الديني وتسير إلى فضاء الوعي الديني الإيماني الرحب ، فتؤسس بالتالي الظاهرة الدينية وفق الأبعاد الروحانية الإيمانية الأنطولوجية التي يكون مركزها الإنسان في مجمل أبعاده ، وبالتالي يؤسس هنا لحداثة تلتقي بالآخر في إحداثيات المواطنة ، في إحداثيات القيم وتتباين عنها (حداثة الآخر) في المعنى بالمفهوم الأنثروبولوجي الرمزي .

الأهم من ذلك أن تجاوز الطرح المأزوم في ظل الطرح الجدلي - الأصالة والمعاصرة- أصبح ضروريا فالعالمية تفرض نفسها كممرّ رئيسي ليس فحسب للتطور والتقدم لكن أيضا لتأكيد الذّات خصوصا في وقت تكتسي فيه " العولمة أو التدويل" منحى جديدا وعميقا يعاد فيه تشكيل العالم وهيكلته. وأنّ السؤال الحقيقي لا يكمن في رفض أو قبول هذه العولمة ، بل في كيفية الإندماج فيها، فالعولمة أو التدويل الذي يشهده العالم حركة موضوعية مرتبطة بإتجاهات عميقة في الاقتصاد والثقافة والمشاكل ذات الطابع الشامل ، تجعل من الدولة الوطنية ذاتها إطارا ضيّقا لحل المشاكل المطروحة ، وهذه العولمة تؤدي إلى تسارع في حركة التاريخ تجعلنا نؤكد على ضرورة وضع أسس لبناء دولة عصرية ديمقراطية بقواعد سليمة وعقلانية تحكم مؤسّساتها والعلاقات الاجتماعية ، دولة تكرّس مفهوم المواطنة تمثّلا وسلوكا ، قادرة على الإندماج ضمن ديناميكيّة التطور العالمي..

ما يضيفه " برهان غليون " في هذا الإطار أنّه من الدّروس التي تقدّمها التّجربة الجّزائرية في الإنتقال نحو الديمقراطية في مجتمعات عربية ما يتعلّق بالتّناقضات العميقة التي يثيرها تفكيك النّظام القديم وصعوبات السّيطرة على عملية الإنتقال نفسها في مجتمع بقي مغلقا لفترة طويلة ، ومنها إدراك الدّور المتميّز الذي أدّته ويمكن لأجهزة الأمن والبيروقراطية الحاكمة أن تؤدّيه في قطع الطّريق على التّغيير أو تحريف مسيرة الإنتقال الدّيمقراطي عن إتجاهها . ومنها ضرورة فهم المشكلات الكبيرة التي تطرحها إعادة تعريف دور الدّين ومكانته في العملية الإنتقالية سواء من حيث هو وسيلة للتعبئة السياسية ، كما أظهره نجاح بعض الحركات الإسلامية الراديكالية ، أو من حيث هو نزوع إلى إخضاع الحكم للرؤية الدينية ، وبالتالي تضييق دائرة السياسة العقلية لحساب الشريعة النقلية والثابتة أي الدّين. (8)

2-المرأة والمسار الديمقراطي في الجـزائر

لا يمكن تحليل المسار الديمقراطي الجزائري ، وتبني متغير أساسي في الدراسة والمتمثل في المرأة الجزائرية دون تقديم تحـليل لجميع ما يتعــلق بحقوق المرأة الجزائرية - المرأة المواطنة - مثلما نصت عليه بعض مواد الدستور ، لاسيما تلك المتعلّقة بمجال التعليم والعمل ..هذه النصوص التي جاءت نتيجة مساهمة المرأة الفعالة في حرب التحرير، والتي أصبحت معلما تاريخيا هاما في حياتها ، بل قد نقول عن مشاركة المرأة في حرب التحرير بأنها القطيعة ولو مؤقتا مع نظام أسري واجتماعى تقليدي غلب عليه "الرمزي والمقدس" الذي أحتوى المرأة لفترة طويلة.. فلم يكن ليخرج المرأة الجزائرية من البؤس والجهل والاضطهاد الذي فرضته عليها العادات والتقاليد الاجتماعية وكرّسه الاستعمار سوى حركة ثورية تقدمية تقضي على الاستعمار(9) ، وعلى تلك المجموعة من التراكمات الثقافية التي صنعتها ممارسات الإنسان عبر مسيرته التاريخية ، والتي قيدت آفاق المرأة وحددت مجال ممارستها الإجتماعي، فهيأت هذه الحركة ظروفا ملائمة لتغيير وضعية المرأة المتخلفة (10) .

ومن ثم، نمت حركة نسائية عبر أوسع مشاركة في الثورة وصلت حدود قيادة نسائية لتجمعات قتالية ضد المستعمر ونشأت أول منظمة نسائية مع بدء التحرير تابعة لجبهة التحرير الوطني تحوّلت فيما بعد إلى الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات . انطبعت هذه الحركة بطابع الثورة ، وتأثرت بتكوينها الإيديولوجي الذي إنعكس في برنامجها وسلوكها وممارستها ، والتي تداخلت فيه أفكار مستقاة من المفاهيم العّامة للعدالة والمساواة ومفاهيم الجهاد ضد الظلم والتعسف (11).

ومع التصاعد الثوري ، اكتسبت المرأة وعيا وازدادت نضجا وخاصة بعد غياب ذويها من الرجال الذين التحقوا بصفوف الثورة ، فوجدت نفسها مجبرة على تحمل مسؤوليات عديدة لم تعتاد عليها ، ولم يكن متوقعا تحملها ، فألغت كلّ القيود ، واخترقت العادات ، فبدأت تحتل مكانة متزايدة الأهمية في الحركة الثورية ..

إن مساهمة المرأة في حرب التحرير أدت إلى تغيير نظرة الأب والعائلة إلى المرأة ، حيث بدأت فكرة المرأة للزواج في الاختفاء التدريجي -حسب فانون12، لتـترك المكان لفكرة المرأة - الثورية - ومن ثم يمكن القول أنها قد عملت بشكل غير مباشر على الرفع من مكانها والرقي بدورها من مرتبة إلى مرتبة أكثر فعالية .

واستمر الوضع يتغــير بصورة بطيئة حسب ما أقــرّه مسئولو الحركات الوطنية في الجزائر ، وحسب ما أتـت به من تجــديدات في المجتمع ، وشيئا فشيئا بدأ الاعتراف بوضعـيـتها كعنصر فعال ، ضروري وأساسي لاستمرار الكفاح من أجل التحرر ، خاصة وأنها برهنت على قدراتها ومسؤولياتها بمشاركتها الفعالة في الثورة لأن هذا المستعــمر كان أحد الأسباب الأساسية في انسحاب المرأة ، وفسّر على أنه إحدى ميكانزمات الكفاح ضد المستعمر الأجنبي ، فهو رمز لكل ما يمثل رموز الثقافة المستعمرة.. وإبان الثورة التحريرية ، عمد مسئولو جبهة التحرير الوطني على تعديل أكبر في وضعية المرأة ، فاعترفت لها النصوص الرسمية بكل حقوق وواجبات المواطن ، ففي تشريعات جبهة التحرير الوطني التي نشرها المجلس الوطني للثورة جاء في مقدمتها " توجه جبهة التحرير الوطني الكفاح المسلح بفضل جيش التحرير الذي يستمد قوته من الشعب -مجاهدين ومجاهدات - يقودون الكفاح الذي يهدف إلى تحطيم قوة العدو.

دعّمت هذه الوضعيّة ما جاء فعلياً في المواثيق الرّسمية التالية:

ميثاق الصومال 1956:

نضرا للأدوار البطولية التي أدتها المرأة فقد أعـلــنت لائحة الثورة الجزائرية في مؤتمر الصومال سنة 1956 : "توجد في الحركة النسوية إمكانيات واسعة تزيد وتكثر ، وإننا نحيي بكل انفعال وإعجاب وتقدير ذلك المثل البارز الذي حدث به في الشجاعة الثورية للفتيات والنساء المتزوجات والأمهات ، وكل أخواتنا المجاهدات اللواتي يشاركن بنشاط ويحملن السلاح أحيانا من أجل الكفاح المقدس لتحرير الوطن.


ميثاق طرابلس 1962:

جاء في ميثاق طرابلس الذي صادق عليه بالإجماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية المنعقد في مدينة طرابلس في يونيو 1962 قبل إعلان استقلال الجزائر فيما يخص حقوق المرأة ومساواتها بالرجل في الواجبات والحقوق ما يلي :" ينبغي للحزب في الجزائر أن يقضي على كل عوائق تطوير المرأة وتفتحها ، و أن يدعم عمل المنظمات النسوية ولسوف يكون عمل الحزب ناجحا في هذا الميدان."

كما جاء أيضا: "..ولن يتسنى للحزب أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام ما لم يساند دوما محاربة الأحكام الاجتماعية المسبقة والمعتقدات الرجعية ، ولا يمكنه أن يكتفي بالمواقف المبدئية فقط ، بل عليه أن يجعل من تطور المرأة واقعا لا رجعة فيه ، وذلك بواسطة تخويل النساء مسؤوليات حزبية.."


ميثاق الجزائر:

ركز على ما جاء في ميثاق طرابلس وتعرض إلى قضية جديدة لم يصرح بها في ميثاق طرابلس ، وهي المساواة بين الرجل والمرأة ، إذ نص على أن "المساواة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون أمرا واقعيا ، وينبغي على المرأة الجزائرية أن تكون قادرة على المشاركة الفعلية في النشاط السياسي وفي بناء الاشتراكية بالنضال في صفوف الحزب والمنظمات القومية والنهوض بمسؤوليات فيها ." كما تعرض ميثاق الجزائر إلى ضرورة مشاركة المرأة في القطاع الاقتصادى الذي يمكنها من التخلص من القيم الاجتماعية التقليدية ، التي بدأت تتحرر منها بفضل الثورة التحريرية ، والتطلع لآفاق جديدة ، ويسمح لها بمواصلة مجهوداتها في تشييد البلاد بعدما ساهمت في تحريرها ، وقد جاء في الميثاق :" يجب على المرأة أن تكون قادرة على وضع طاقتها في خدمة البلاد ، بالمشاركة في النشاط الاقتصادى ، بحيث تضمن ترقيتها الحقيقية بواسطة العمل..".


دستور 1989/1976:

منذ إصدار الدستور ومع التعديلات التي طرأت عليه وهو يضمن ويؤيد مساهمة المرأة في الحياة المهنية ، وأكد حقوق المرأة وفتح أمامها كل الفرص المتاحة للرجل من تعليم وعمل في جميع الميادين .

ونلاحظ ذلك في مادته 42 لسنة 1976 التي تنص :"يضمن الدستور الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرأة الجزائرية "، وفي مجال العمل ضمن القانون الأساسي للعامل حقوقها .

وقد أكد أيضا على المساواة في المادة 28 ، " فكل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي ، أو أي شرط أو طرف آخر شخصي أو اجتماعى".

كما استبدلت كلمة امرأة ورجل بمواطن ومواطنة ، وهذا في المادة 3 :"تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، كما نصت المادة 48 على تساوي جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدولة دون أية شروط أخرى غير الشروط التي حددها القانون.".

كما نصت المادة 52 للدستور " لكل مواطن الحق في العمل "، إضافة إلى ذلك نجد مبدأ منع تأسيس علاقات استغلال وتبعية المنصوص في المادة 9 وهكذا فقد بينت النصوص الجزائرية الأساسية مبكرا مبدأ المساواة بين الجنسين وأكدت على الحماية الخاصة للوظيفة النسوية .(13)

أما التعليم فقد أعتبر حقا أساسيا للمرأة حيث جاء في المادة 5 للدستور التأكيد على المساواة بين الجنسين في حق التعليم من خلال :

- يضمن حق التعليم .

- التعليم مجانا حسب الشروط المحددة من طرف القانون .

- التعليم الأساسي إجباري .

- تسهر الدولة على الدخول المتساوي للتعليم ..

هذا يعني أن النصوص التي تسيـّر النظام الدراسي لا تحمل أيّ نوع من التمييز بين البنات والأولاد الذين لهم نفس الحظوظ للتحصيل والمعرفة، ولا توجد تفرقة بين الجنسين. يـبقى الإشكال المطروح التناقض والصراع الذي تعيشه المرأة الجزائرية بين هذه المواد التي تعكس حقيقة حق المساواة بين الجنسين ، وبين واقع اجتماعى تسبـّب في ضعف تمثيل المرأة، والذي يمكن ربطه بمسؤولية العوامل الثقافية والاجتماعية المميزة لبنية المجتمع ، والمؤثرة في ذات الوقت في صياغة العلاقات الاجتماعية التي تتميز بسيطرة نمط فكري تقليدي ..

فإذا كان تحقيق الديمقراطية يعني بالضرورة تحسين الوضعية الخاصة التي توجد فيها المرأة في موقع تواجه فيه شتى أنواع التمييز وتعاني من مختلف أشكال السيطرة والظلم الاجتماعي ، في مجتمع يرزخ تحت ثقل التقاليد والعادات والأعراف القديمة التي تقـلـل من قيمة المرأة ومكانتها وتحط من أهمية دورها وتعامل ككائن قاصر وتعاملها على هذا الأساس . فإن ذلك يعكس بالضرورة ثورة في العلاقات والممارسات الاجتماعية -الثقافية التي تقتلع المجتمع اقتلاعا من تحت أنقاض البنى والعلاقات القديمة البالية؛ ولعلّ أبسط نموذج على ذلك المشاركة السياسية للمرأة الجزائرية .

فقد وضّحت الدّراسات المتعلّقة بمشاركة المرأة في الحياة السياسية ، تطوّرها من المجال المنزلي إلى المجال السياسي ثمّ الرجوع مرّة أخرى إلى المجال الأوّل الخاص بها مثل ما جاء في الدّراسات الجزائريّة الفرانكفونية ، فهذه الدّراسات تدلّ على أننا ما زلنا نعيش في أسطورة الدولة والمواطنة خاصة وأنّ ضعف مشاركة النّساء في الحياة السياسية ظاهرة عالمية تعبّر عن السيطرة الذكورية لاحتكار الرّجل المجال السياسي وغياب المرأة عن مراكز القرار.(14)

تضيف إحدى الباحثات الجزائريات أنّ مكانة المرأة كمواطنة وكمنتخبة يخضع لمكانتها داخل الوسط العائلي والذي مهما كان موقفه من دخول المرأة العمل السياسي ( قبولاً ورفضاً ) فإنّه ينظر إليه كامتداد للمكانة التي تحتلها المرأة في الوسط العائلي ممّا يؤدي إلى ظهور خاصيّتين حول مشاركة المرأة في الوظائف السياسية المنتخبة فالخاصية الأولى تتعلّق بمشاركتها الضعيفة في الانتخابات لأنّ مشاركتها مرهونة بتخـلـّصها من التبعيّة للسلطة الذكورية داخل العائلة من جهة وللالتزامات المنزلية المرتبطة بمكانتها في العائلة، أمّا الخاصية الثانيّة فتتعلّق بمشاركتها النّوعية الضعيفة داخل المؤسّسات المنتخبة حيث لا تمنح لها إلاّ الهياكل والأدوار الاستشارية ذات الصبغة الاجتماعية والثقافية الـقريبة من مهامها المنزليّة التي يبدو أنّها لا تفارقها حتّى عندما تخرج للعمل السياسي الرّسمي .. هذه الصورة والتي لا تنطبق على المهام السياسية المحلّية بل تتعداها حتى لتلك المهام السياسية العليا كمنصب الوزارة مثلا حيث يمكن ملاحظة سيطرة نفس المنطق فكل النساء اللاّئي وصلن إلى منصب الوزارة في الحكومات المتعاقبة منذ 1982 أكدن هذه الفكرة بحيث لم تمنح النساء القليلات إلاّ وزارات كالتضامن العائلي والتربية وشئون المرأة والطفل. (15)

كما كان ترشّحها للانتخابات التعدّدية عادي جدا بالمقارنة مع التّجربة الأحادية ،57 امرأة فقط ترشّحن للانتخابات التّشريعية وهو ما يؤكّد مرة أخرى الاستمرارية التي تميّز بعض الظّواهر السوسيولوجية - السياسية ، كالموقف من المرأة في مجتمع محافظ . الأكيد كذلك أنّ موقف العائلات السياسية الدينيّة ونظرا لحجمها الكبير ضمن العملية الانتخابية قد أسهم في عدم ولوج المرأة العملية السياسية التعدّدية وهو الموقف المتّسم بتزمّت كبير جدا .

يبقى إذن موضوع حقوق المرأة الموضوع الكلاسيكي الذي يؤكّد أنّ الواقع عكس ذلك وفي انتظار التغيير في إطار التوليفة المعقّدة بين التّقليدي والعصري فالمرأة لا زالت غير مقبولة كمترشّحة لمناصب سياسية وطنية في الكثير من مناطق التراب الوطني خاصّة الريفية .(16)

3- المـرأة الجـزائرية وقانون الأسـرة

من أهم المظاهر التي تدل على تطور المرأة في المجتمع هو ظهور ذلك الوعي لدى الكثير من النسوة في المطالبة بحقوقهن والاعتراف بوجودهن كمخلوقات بشرية لا تختلف عن الرجل لا من حيث الحقوق و لا من حيث الواجبات ..

ولقد تأثرت المرأة الجزائرية مثل باقي نساء العالم بالحركات التحررية العالمية التي تعد كتعبير عن عدم ارتياح النسوة ورفضهن لنظام إجتماعي قام على أسس سلطوية ، المطالبة بتسيير شئونهن وافساح المجال لهن للحياة السياسية والاجتماعية ، فدخلن ميدان النضال من أجل إثبات الذات ، وكان أساس النضال فاعلية مصيرها.

ويبدو أن هذا المطلب يعبّر عن رفض المرأة للنظام الاجتماعى القائم على التمييز بين الجنسين رغم ما حققته من نجاح، والاستقلال النسبي الذي عاشته بعد دخولها ميدان التعليم والعمل ..، ومشاركتها في الدورة الاقتصادية واكتساب حق المساواة مع الرجل في العمل والتعليم .

يرتبط هذا الرفض برفض أكثر عمقا لقانون الأسرة ( قانون الأحوال الشخصيّة ) المصادق عليه في يونيو 1984 ، فهو القانون الأكثر احتجاجا عليه ، و ترتكز الأدلة من الذين تبنوه على الدين وعلى أن شرائح الإسلام أعطت دفعا إيجابيا لازدهار شخصية الرجل والمرأة والطفل ، وكذلك للعلاقات ما بينهم ، سواء تعلّق الأمر بالزواج أو بالطلاق أو بالولادة أو بالتركة.

أما المعارضون فيعتبرونه قانونا غير عادل وغير منصف ولا يساوي بتاتا بين الرجل والمرأة ؛ وقد إتخدت بعض الجمعيات موقف المعارض من وجوده ولا تزال حتى الآن تطالب بتعديل مواده . ورغم المساعي التي باءت بالفشل خصوصا لدى المجلس الشعبي الوطني والحكومة إلا أنها أتخدت من القانون مركزا للنظال للمطالبة بحقوق المرأة. ولعلّ أهم المواد التي تعتبرها تعسفا في حق المرأة الجزائرية:

المادة التاسعة : يتم عقد الزواج برضى الزوجين ، وبولي الزوجة و شاهدين و الصداق.

المادة العاشرة: يكون الرضى بالإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر ، بكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا.

المادة 11: يتولى زواج المرأة وليها ، وهو أبوها ، فأحد أقاربها الأولين..

المادة 12 : لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته من الزواج إذا رغبت فيه ، وكان أصلح له ، وإذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 9 من هذا القانون ، غير أن للأب أن يمنع بنته البكر من الزواج إذا كان في المنع مصـلحة للبنت .

المادة 13 : لا يجوز للولي أبا كان أو غيره أن يجبر من في ولايته على الزواج ولا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها .

فمن خلال هذه القراءة يظهر جليا :

- أن المرأة مهما كان سنّها تبقى قاصراً ؛ ولا يحق لها أن تتخد التدابير الكفيلة في زواجها .

- كل المواد السابقة الذكر تدعم فكرة ضعف وقصور المرأة مهما كان سنها ومكانتها الاجتماعية ، فحتى فيما يخص مصيرها ، فهنالك طرف ثاني يقوم بالتصرف بدلها .

- التناقض بين المادتين 12 و 13 ، فمن جهة لا يحق لأي أحد كان منع زواج إمرأة أو إجبارها عليه ، نجد في المادة 12 أن للأب الحق في أن يمنع بنته من الزواج إذا كان ذلك في مصلحتها .

إن المادة 13 لا وجود لها في الواقع، حيث نجد العديد من النساء قد أرغــمن على الزواج . فأهميّة الموافقة تكمن في وجود أو عدم وجود الزواج الإجباري في المجتمع الجزائري المستمد أساسا من السلطة الأبوية . وإذا كان قانون الأسرة يفرض الموافقة بصفتها عنصرا مؤسّسا لتكوين الروابط الزواجية ، وهذا ما يتجلّى في محتوى الماّدة التاسعة من قانون الأسرة ، وتنجم الموافقة عن طلب أحد الطّرفين، وعن موافقة الآخر بتعبير صريح دال عن زواج شرعي في المادّة العاشرة . فعند قراءة هاتين المادّتين لنا أن نتساءل إن كانت الموافــقـة مطلقة ، فإذا تعلّق الأمر بالرّجل فالموافقة مباشرة ، أمّا بالنّسبة للمرأة فيفرض نقلها من طرف ولي أمرها الذي يعتبر كعنصر مؤسّس للزواج ، هذا العنصر موضوع عمدا في المّادة 11 ( يتولّى زواج المرأة وليّها ..) و يكون ولي المرأة ذكرا حسب المذهب المالكي ، ويحمل توكيلا خاصّا لمّا يكون مكلّفا بمهمّة أكثر كالتحدّث في مصلحة الزوجة ، هذا الموكل لا يمكنه أن يكون سوى الأب أو الوصي الأقرب للمرأة أو القاضي. إنّ هذا التشريع الخاص بالمرأة يضعف تطبيق فرديّة قرارها و إرادتها التي تميّز هذا القبول ، وهنا يمكن التساؤل ما إذا كان الإلزام بالوضع تحت الوصاية لمؤسّسة الحياة الزوجية استمرارية للنّظام الأبوي القائم أساسا على مفهوم الطّاعة والولاء والتبعية وهي مفاهيم تربويّة أساسية تعيد إنتاج السلطة الأبوية ، وبالتالي تمنع ظهور المرأة كفرد أساسي .

إذن في ظلّ هذا الإطار القانوني و الّذى نعتقد أنّه يؤكّد دونيّة المرأة وغياب الكثير من حقوقها، وبين التقليدي والعصـري تحاول المرأة التّكيّف مع كلّ التّغيرات وباستعمال ميكانزمات دفاعيّة أبرزها الجمعيات المدافعة عن حقوقها المدنية والشخصية في هذه المنطقة الحساسة أو المحظورة سياسيا .

4- حركة الجمعية النسائية والمطلب الديمقراطى

منذ الاستقلال وحتى عام 1989 كانت عملية إعادة هيكلة المجتمع الجزائري خاضعة لمنطق الهيمنة والمراقبة عن قرب من طرف السلطات المتتالية وذلك في مجالات الحياة الاجتماعية وبخاصة مؤسسات التنشئة الاجتماعية ولكي تحقق مبتغاها ، عمدت الدولة إلى خلق أشكال من التجنيد والتنظيمات الاجتماعية كالمنظمات الجماهيرية والاتحادات المهنية ، قصد تطويق الفئات الاجتماعية المختلفة وإفشال أي محاولة بروز تنظيم اجتماعى خارج إطارها الرسمي والمؤسسي .

فتدريجيا تحولت " الحركة الجمعية" بعد فترة من الانتعاش خلال السبعينيات إلى حالة فتور وركود نتيجة الوضعية المزرية التي آلت إليها بسبب الصراعات الداخلية و طغيان النزعة النفعية وتخصّصها في وظيفة ترقية مؤطريها اجتماعيا ومهنيا وسياسيا بشكل عام.

نتج عن هذا الوضع تفاقم و تزايد الفجوة بين مؤسسات الدولة وباقي أفراد المجتمع الذين فقدوا آمال وإمكانية تحسين ظروف حياتهم المتردية .

لكن بعد الثمانينيات والذي تزامن مع عهد الانفتاح وكذا التحولات السريعة التي عاشها العالم الاشتراكي على وجه الخصوص ، ثم أحداث أكتوبر 1988 بالجزائر ،كلّ هذه العوامل أجبرت الدولة على الاقتناع بضرورة التعددية الحزبية و الجمعوية .

و في هذا السياق ، فإن صدور قانون 4 ديسمبر 1991 والمتعلق بالجمعيات أدى إلى حدوث انفجار فريد من نوعه للظاهرة الجمعوية من حيث عددها وتنوع مواضيعها ومجالات تدخلها ، وكذا الفئات الاجتماعية التي تنشطها. من هذه الجمعيات نجد نوعا خاصا حديثا ومميّزا يتمثل في الجمعيات النسوية التي اتخذت من النضال من أجل حقوق المرأة هدفا لها .

كان لهذه المجموعات طابع حضري لأنها كانت موجودة في المدن الكبرى ، إن عظمة هذه الحركة والرؤية السديدة التي كانت تتميز بها تدل على أنّها ظاهرة جديدة نسبيا، من حيث المضمون ( المراجع والطلبات ) أو من حيث الشكل (نوع التدخلات) ، ويكمن التجديد كذلك في أنّ هذه المجموعات كانت مستقلة في مستوى تركيبها ومبادرتها . هذه الجمعيات كانت تهدف إلى تحسين القانون الشخصي للمرأة الجزائرية عن طريق تدخلات سياسية، وكانت تعتقد أن قانون الأسرة تمييزي ومتناقض مع مواد الدستور، حتى ولو أنّها تختلف حول الاقتراحات في ذلك الوقت ، وقد ظهر موقفان يبدو أنهما متناقضان الإلغاء والمراجعة .

تميزت الحركة النسوية بمبادرات نسوية كثيفة غنية ومتعددة وبدت على أّنّها الحركة الاجتماعية الأكثر قوة والأكثر وحدة في تنوعها، وتستطيع أن تكون قوة مضادة بعد ذلك، ومع الوضعية الجديدة التي عرفتها والمتمثلة في الإرهاب ،أصبحت هذه الحركة في مقدمة النضال ضد الإرهاب وضد الأصولية ومساندة لعائلات ضحايا الإرهاب .هذه الميزة تخص الجمعيات التي بقيت في الميدان ، لأنّ الأخريات أوقفن عملهنّ، وهذا على غرار الحركة الجمعوية في مجملها ، وبالعكس تميزت هذه المرحلة بالعنف ضد النساء الذي توسع فيما بعد الى كل المجتمع ممّا أدى إلى خلق جمعيات جديدة تحت نوعين مختلفين في الجزائر، الأولى أرادت أن تنشط في مجال أعتبر حساسا ( ارتبط بالعنف الأصولي الممارس على المرأة) والثانية بحثت في كيفية دمج المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بصورة أفضل. حيث ظهر وعي كبير بالخطر الأصولي في وسط الحركة النسوية في معظمها، ويجب الإشارة الى أنه منذ البداية وضعت الحركة النسوية قضية المرأة في اطار أوسع وهو ضرورة دمقرطة النظام النسوي الجزائري كمطلب أساسي لأغلبية الجمعيات الّلواتي سخرت نضالهنّ من أجل مواطنة النساء ، وأكثر فأكثر في موقف معارض للأصولية الدينية والتي تعتقد أنّها (العـدو الرئيسي ) لحقوق النساء، حيث أوضحت مشاركتها الفعليّة في إطار المطالبة بحقوقها من جهة و محاربة الأصولية الدّينية من جهة أخرى ، طرحتها على مستوى بعض الجمعيات لتناقش في الدورة العالمية الرابعة حول النساء المنعقدة في بكين في سبتمبر 1994، حيث تبنت من خلاله العديد من بنود الاتفاقية منها أن النهوض بالمرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل هي مسألة متصّلة بحقوق الإنسان وشرط للعدالة الاجتماعية ، وينبغي ألا ينظر إليهما بشكل منعزل على أنهما من المسائل الخاصة أو بالمرأة ، فهي السبيل الوحيد لبناء مجتمع قابل للاستمرار ومتقدم ، وتمكين المرأة وتحقيق المساواة بينها و بين الرجل ، وهما شرطان أساسيان لتحقيق الأمن السياسي والاجتماعى والاقتصادى والثقافي لدى المجتمع. والاهتمام بحقوق المرأة على جميع المستويات من صحة وتعليم والحق في العـمل ونبذ العـنف ضدها ، إضافة إلى مسألة هامة جدا هي مسألة القانون الشخصي للمرأة الذي جُمّد بعض الوقت وأعيد للنقاش ( والذي لم يفصل فيه حتى الآن )، واستبداله بقوانين مدنية متساوية أساسها المواطنة.(17)

وقد استطاعت هذه الحركة من خلال مختلف المبادرات التي أخدتها أن ترفع من الوعي والذهنيات حول التمييز الذي كانت النساء ضحاياه كل يوم ، كما لا تزال تعمل جاهدة لكسر الطابوهات (المحرّمات) حول عدد من المسائل .

ومن جهة أخرى حصلت الحركة على مكانة في المجتمع وفي الحركة النسوية العالمية ولهذا يجب الإشارة إلى أن هذه الحركة لم تخلق من عدم وإنما هي نتيجة مبادرات ومشاركات النساء منذ الإستقلال ، وخاصة في السبعينيات ثم الثمانينيات ، والتي كانت تعتبر امتدادا لنضالات النساء أثناء حرب التحرير الوطنية . تحققت هذه الامتدادات في الاستمرارية ، ولكن كذلك في القطيعة بفضل الدروس والتجارب الماضية.

بعد عشر سنوات من الوجود والتجارب الجمعوية، الحركة النسوية من أجل حقوق المرأة هي في طور البناء " لحركة متعددة من النساء وإلى النساء" في إطار " إشكالية نسوية" تريد أن تكون قوة. و قد أصبحت الحركة اليوم حقيقة لا تستطيع تفاديها . فأشكال جديدة للتنظيم والعمل عرفت الوجود وفكرة العمل من أجل تحقيق أهداف بارزة أصبحت حقيقة عند عدد كبير من الجمعيات، والمسائل المتعلقة بالدور الذي يجب أن تلعبه في المجتمع مازال متواصلا في ظلّ الوعي الحقيقي عند المناضلات لحقوق المرأة من جهة ومحاولة البحث الدائمة عن تحالفات في المجتمع ، وفي المنظمات الاجتماعية والسياسية وفي السلطة، ومحاولة جرّ قوى ديمقراطية أخرى نحو مواقفهن يبقى المبتغى الرّئيسي للكثير من الجمعيات النّسوية مع التأكيد الدّائم أنّه لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون مشاركة أكبر للمرأة في إتّخاذ القرارات .

ما يضاف في الأخير أن مطلب المساواة الذي إعتبره الإسلاميون( ولا يزال) مطلبا راديكاليا ، هو بالنسبة للحركة النسوية مشروع حيوي للدفاع عن حقها وتحقيق المساواة في مجتمع عادل وديمقراطي .

المراجع

1- العياشي عنصر : نحو علم اجتماع نقدي ؛ دراسات نظرية وتطبيقية ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ط1 1999

2- أحمد كرومي :الحداثة المواطنة والحقل الفقهي في إنسانيات عدد11 الصّدر عن مركز الأبحاث والدّراسات الأنثروبولوجيّة والاجتماعية ، وهران الجزائر2000

3- جريدة الخبر الجزائريّة الصّادرة بتاريخ 26 مايو 2004/ ص 19 .

4- هشام شرابي : النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1992

5- Lahouari addi : l’Algérie et la démocracie , pouvoir et crise politique dans l’Algérie contemporaine , édition la découverte paris 1994

6- أحمد ملياني: إشكالية الحداثة والأصالة في السياسة والدين ،منشورات الأديب الجزائر ط1 1998.

7 - عبد الناصر جابي : الإنتخابات الدولة والمجتمع ،دار القصبة للنشر ، ط1 الجزائر 2002 .

8- برهان غليون : التحدي الديمقراطى الجزائري في مستقبل الديمقراطية في الجزائر ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط 1 بيروت 2002 .

9-F.FANNON : sociologie d’une révolution algérienne, ed . MASPERO, paris 1960. 10- J.MINCES : la femme dans le monde arabe , ed . MAZARINE , paris 1980.

11- حفيظة شقير: دراسة مقارنة للقوانين الخاصة بالمرأة والأسرة في المغرب العربي في : المرأة ودورها في التنمية . بيروت مركز دراسات الوحدة العربية ، 1984 .

12 - نفس المرجع 13- الجريدة الرسمية .

14- P.BOURDIEU : l e sens pratique . paris , ED .minuit , 1980 15- F.SAI: la participation des femmes aux assemblées populaire, enquete sur les élues de l’ouest algerien , université d’oran 1987

16- عبد الناصر جابي . نفس المرجع.

17- M.REMAOUN : les associations féminines pour les droits des femmes in INSANIAT,revue Algérienne d’anthropologie et sciences sociales n ° 8 ; 1999ED CRASC. ALGERIE.