اللواء الدكتور "محمود خلف" في الذكرى الثانية لـ 11 سبتمبر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اللواء الدكتور "محمود خلف" في الذكرى الثانية لـ 11 سبتمبر

[10/09/2003]

مقدمة

أحداث 11 سبتمبر

• تعاطف العالم مع أمريكا بعد أحداث سبتمبر تحول إلى عداوة بفضل "بوش".

• الكيان الصهيوني هو الحليف الأوحد الذي استمعت إليه الإدارة الأمريكية فخسرت كل شيء.

• المقاومة العراقية أعادت الهيبة للأمم المتحدة وعرقلت فرض الهيمنة الأمريكية على العالم.

العراق مع "صدام" كان أفضل حالاً والمجلس الانتقالي سيرحل مع الدبابة التي أتت به.

• الخسائر الأمريكية في العراق لن تكون شيئًا بجانب خسائرها لو حاربت إيران.

مر حتى الآن عامان على أحداث 11 سبتمبر، وهو الحدث الذي أعاد رسم خريطة العالم السياسية والعسكرية، وطوال هذه الفترة- رغم قلتها- إلا أن الولايات المتحدة صاحبة الحدث خاضت حربين كان لهما تأثيريهما على العالم كله...، ومع ذلك فما زال الجاني في أحداث سبتمبر غير معروف...

ورغم ما تتمتع به الولايات المتحدة من تفوق مادي ومعلوماتي إلا أنها لم تكشف للعالم من هو المدبر الحقيقي لهذه التفجيرات، ولعل السبب المعروف هو أن تكون هناك ذريعة أمريكية لتأديب من تريد وفي أي وقت تريد.

إلا أن الحربَين اللتين خاضتهما الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر كانتا دليلاً على أن هناك أغراضًا أخرى من وراء هذه الحرب؛ لأنهما كانتا ضد دولتين إسلاميتين، إحداهما تقع في قلب العالم العربي والإسلامي ولها تاريخها في الدولة الإسلامية وهي العراق.

ويبقى السؤال هل مازالت هذه الحروب ردًا على أحداث 11 سبتمبر؟ أم أن هذه الحروب فاقت في جللها وفجاعتها ما حدث للولايات المتحدة في هذا اليوم المشئوم؟ وبماذا نفسر هذا التحرك الأمريكي السريع سواءٌ في ضرب أفغانستان أو في حرب العراق؟ وهل هي فقط للحفاظ على الكرامة الأمريكية؟ أم أنها تطبيقٌ عمليٌّ لإقرار الولايات المتحدة نفسها القطب الأوحد بعد 11 سبتمبر؟ أم أن السبب هما معًا مع أسباب أخرى ليست معلومة؟ أو بمعنى أدق لم تعلنها الولايات المتحدة رغم معرفة العالم كله بها!!

وفي هذا الحوار نلتقي مع اللواء الدكتور "محمود خلف" الأستاذ بأكاديمية ناصر العسكرية العليا والخبير الإستراتيجي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، ليلقي الضوء على الأحداث التي شهدها العالم بعد 11 سبتمبر، ووضع الولايات المتحدة الأمريكية وأهدافها، ومصير منظمة الأمم المتحدة في ظل الهيمنة الأمريكية، واحتمالات الحرب على إيران.. وغيرها من القضايا التي نتناولها في هذا الحوار...

نص الحوار

د. لواء "محمود خلف"
  • رغم مرور عامين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا أنه حتى الآن لم تعلن الإدارة الأمريكية من هو المدبر الحقيقي للتفجيرات، رغم ما تتمتع به الولايات المتحدة من إمكانيات مادية وبشرية وتكنولوجية هائلة.. فهل الأمر يرجع إلى قوة المدبّرين أم أن هناك أهدافًا أخرى؟!
بالفعل ما زالت الإدارة الأمريكية لديها شيء تخفيه، وهو تعبير استخدمه أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي في تصريح للصحف الأمريكية عندما قال: "هناك أمور ما زالت إدارة الرئيس "بوش" تخفيها فيما يتعلق بأحداث 11 سبتمبر".
فليس أقل من أننا كنا نريد أن نعرف الأدلة التي على أساسها اتهمت الولايات المتحدة الـ 19 شخصًا من المسلمين نشرت صورهم على أساس أنهم هم المدبرون لهذه التفجيرات، وعليه ضربت الولايات المتحدة أفغانستان واحتلتها أمام مسمع ومرأى من العالم كله، وهذا الكلام ليس كلامنا نحن فقط- كعرب أو مسلمين-، وإنما هو ما أكده العالم كله، فنحن كعرب ومسلمين اتُّهمنا بأننا وراء هذه التفجيرات ومازلنا نعاني بسببها حتى هذا اليوم وليس أقل أن نعرف هل فعلاً هناك شيء اسمه تنظيم القاعدة وأنه هو الذي ارتكب هذه التفجيرات؟، وإلا فإن شكَّنا سوف يظل قائمًا في أهداف ونوايا الإدارة الأمريكية، وأؤكد أنه مازال لدى الإدارة الأمريكية ما تخفيه حتى الآن فيما يتعلق بمرتكب هذه الاعتداءات.

سرعة

  • الملاحظ أن هناك سرعةً في رد الفعل الأمريكي، سواءٌ في الحرب التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي تمثلت في حرب أفغانستان، أو في كل ما يتعلق بما يمكن أن نسميه بالهيبة الأمريكية.. كما حدث في حرب العراق، فبما يفسر د. "محمود خلف" هذه السرعة في رد الفعل الأمريكي؟!
هذه نقطة في غاية الخطورة وهي السرعة في رد الفعل الأمريكي، وهي ملاحظة تحتاج للدارسة وبعناية، فأحداث الحادي عشر من سبتمبر أعقبتها بأسبوعين حرب أفغانستان، ويجب أن نعِيَ معنى كلمة (حرب)، فهي عندنا- كعسكريين- من أكثر الأمور تعقيدًا، ومن غير المعقول أن تكون الحرب بهذه السرعة وبهذا الكم والكيف في فترة أسبوعيين؛ مما يؤكد أن كل شيء كان معدًّا سابقًا، سواء مكان الحرب أو توقيتها، والمسألة كلها كانت تنتظر المبرر أو السبب، وكان السبب هو تفجيرات 11 سبتمبر، ويجب أن نضع هنا أكثر من علامة استفهام؛ لأن أكثر الجيوش تنظيمًا وكفاءةً لابد أن تأخذ وقتها في دراسة مكان الحرب والظروف المحيطة به، والعدو الذي سوف تحاربه، وهذا يحتاج إلى شهور وليس أيام، وهو نفسه ما حدث في حرب العراق حيث كان كل شيءٍ معدًّا من قبل.
  • لم تتردد الولايات المتحدة في أن تعلن نفسها القطب الأوحد بعد 11 سبتمبر، وخاضت حربها في أفغانستان دون موافقة أحد، وبالفعل خرجت منتصرة في أمور كلها غير عسكرية، فهل هو نفسه ما حدث بعد حرب العراق؟!
نستطيع أن نقول إن الهيمنة الأمريكية أصيبت في مقتل، وإن العراق هو الذي سوف يتسبب في إخراج الرئيس الأمريكي "بوش" من البيت الأبيض، وإن كان العالم قد تعاطف مع الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر نتيجة التفجيرات التي حدثت هناك... إلا أن العالم زاد نقمه على الولايات المتحدة نتيجة حرب العراق، فحرب العراق كانت في المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ وأمام عدو خطأ؛ ولذلك فالحملة على العراق بمنتهى البساطة كانت كلها أخطاء وكان من أهم نتائجها انهيار هيبة أمريكا ووضوح أهدافها الاستعمارية المدعومة من اللوبي الصهيوني، ولم يعد خافيًا أن هناك أسبابًا عقائدية وراء الحملة، وأن هناك ما يشبه الاتفاق بين اليمين المتطرف الحاكم في أمريكا وبين الكيان الصهيوني، وهو اتفاق ليس له إلا هدف واحد، وهو العرب والمسلمون.
فالعراق قبل الحرب لم تكن دولة قوية، ولم تكن دولة تؤوي إرهابيين من وجهة النظر الأمريكية، ولم يكن بها فلول ما تسميه أمريكا بتنظيم القاعدة، والحجة في حربها كانت وجود سلاح نووي، إلا أن العراق بعد الحرب تحولت بقدرة قادر إلى دولة تؤوي إرهابيين كما يدعي الرئيس "بوش"، وأن بقاء القوات الأمريكية ليس لنزع السلاح النووي الذي اكتشفت الولايات المتحدة عدم وجوده، وإنما بقاء القوات الأمريكية كما صرح "بوش" مؤخرًا هو لمحاربة فلول الإرهاب، وهو ما يمكن أن نعتبره تحوّلاً شديدًا في موقف الإدارة الأمريكية فلو دققنا في كلام "بوش" يوم 27 مارس وهو يهدد- بثقة وقوة- ويتجاهل الأمم المتحدة، ويؤكد أنه اتخذ القرار، ومن لم يقف معه سيكون ضده، وكلامه بعد120 يومًا من سقوط بغداد وإعلانه انتهاء العمليات العسكرية في العراق، وهو على ظهر حاملة الطائرات (إبراهام لينكولن) مرتديًا ملابس الطيارين ومزهوًا بالنصر وبزعامة أمريكا للعالم.... لابد أن نتذكر هذا الموقف بوضوح والعالم كله ينظر إلى زعامة أمريكا وارتفاع التأييد له من الشارع الأمريكي، الذي وصل إلى 92%.
وفي المقابل لو دققنا في خطابه الأخير منذ أيام، وهو يعلن تكلفة الحرب فقد كان يتلعثم ويتردد في كلامه ويستجدي الأمم المتحدة والعالم كله أن يشاركوا في إعمار العراق، وبمقارنة كلا الموقفين فإنني أؤكد أن أمريكا بدأت تشعر بخيبتها وتشعر بهزيمتها في العراق؛ لأنه- كما سبق وأن أشرت- لقد اختارت المكان الخطأ والحرب الخطأ، فما الذي حدث حتى الآن؟
ما نراه أن الأمور أصبحت أكثر التهابًا والمقاومة تزداد أمام عجز الإدارة الأمريكية عن مواجهتها، ومن الناحية الاستراتيجية فإن هذا دليل على أن أمريكا هُزمت في هذه الحرب وفَقدت هيمنتها وكرامتها التي حاولت فرضها بعد 11 سبتمبر وبعد حرب أفغانستان، ولعل هذا هو الفرق بين حرب أفغانستان وما خرجت أمريكا به، وبين حرب العراق وما خرجت أمريكا عليه، وهنا يجب أن نوضح نقطة في غاية الخطورة والأهمية، وهي أن وجود القوات الأمريكية في العراق وما حدث منذ بدأت الحرب ليس انتصارًا، فالحملة الفرنسية على مصر استمرت ثلاث سنوات واحتلت القوات الفرنسية بلادنا طوال هذه السنوات، ثم خرجت وهي تعلن فشلها بعد المقاومة الباسلة للشعب المصري الذي رفض وجودها، وهو ما يجعلني أؤكد أن بقاء القوات الأمريكية في العراق رغم الدمار الذي ألحقته بالعراق لا يعني أنها انتصرت، والدليل هو المقاومة الشرسة في الأراضي العراقية فلم يعد يمر يومٌ على القوات الأمريكية بالعراق إلا وهناك قتلى وجرحى بين صفوفهم.

إيران

  • حجج الولايات المتحدة- لشنّها الحرب على أي دولة إسلامية- متعددة، إلا أن أبرزها وجود سلاح نووي في هذه الدولة، كما حدث مع العراق، وخلال الأيام الماضية اختلفت النبرة حول السلاح النووي الإيراني، فتارة تُصعِّد أمريكا نبرتها وتهدد إيران عن طريق الكيان الصهيوني، وتارة أخرى تُبَطِّئ أمريكا من هذه النبرة، فهل التعامل مع الملف الإيراني يختلف عن التعامل مع الملف العراقي؟ أم أن انكشاف كذب الولايات المتحدة بعدم وجود سلاح نووي عراقي أدى إلى عدم تصديق العالم لها بعد ذلك؟!
السلاح النووي العراقي كذبة كبرى، فالعالم كله كان يعرف أن البرنامج النووي العراقي توقَّف منذ الثمانينات، أو يمكن أن نقول إنه انتهى تمامًا، فالعراق دولة تحت الحصار لأكثر من 12 عامًا، والشعب العراقي لم يكن يجد قوت يومه فكيف سيكون لديه سلاح نووي، وكل شيء انكشف بعد قضية المستشار النووي لرئيس الوزراء البريطاني الذي قيل إنه انتحر، وبات واضحًا أن أمريكا خاضت الحرب في العراق لهدف آخر، وأن وجودها في العراق لغرض آخر غير القضاء على "صدام حسين"، وأنا أقول ذلك حتى نعرف أن أمريكا خاضت تجربة مريرة بالعراق، ولا أتصور أن تحاول خوضها مرة أخرى في أي مكان آخر وخصوصًا إيران؛ لأن ما يحدث للقوات الأمريكية بالعراق لا يعادل قطرة واحدة مما سيحدث لها لو أقدمت على محاربة إيران، فإيران لديها آلة عسكرية قوية لم تُمس حتى الآن، وهي مستعدة لأي مواجهة حتى ولو كانت مع أمريكا، وهي أمور يضعها صانع القرار الأمريكي جيدًا في اعتباره، إلا أن الأمر لا يخلو من الحرب النفسية باستخدام وسائل الإعلام لعدة أمور:
أولها وأهمها حفظ ماء وجه الإدارة الأمريكية، والحصول على مكاسب، منها: محاولة فتح قناة اتصال مع إيران نفسها؛ ولذلك فالأمر ليس كما حدث مع العراق، خاصةً وأن أمريكا أعتقد أنها قد استوعبت درس العراق جيدًا.
  • سبق وأن أشرت إلى أن الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر فرضت نفسها القطب الأوحد، وتحسست الخطى نحو ذلك في حرب أفغانستان، إلاَّ أنها طبقت ذلك عمليًّا في حربها على العراق، رغم معارضة الأمم المتحدة وكثير من دول العالم وخاصةً فرنسا وألمانيا .. فما هو تقييمك لهذه السياسة الأمريكية بعد حرب العراق؟ ومدى تطبيقها في المستقبل؟!
قبل حرب العراق قالت أمريكا ما معناه إنها القطب الأوحد وعسكري العالم، ولن تحتاج لأحد، بل إنها أعلنت أن من لم يقف معها سيكون ضدها، وتدخلت عسكريًا في العراق دون إذن الأمم المتحدة، وكما أشرت في سؤالك وبمعارضة دول مثل فرنسا وألمانيا، وهي إجراءات كانت الإدارة الأمريكية تعتقد أنها الخطوة النهائية لفرض هذه الهيمنة وجعلها أمرًا واقعًا، وأنه لا جدوى من أي صوت يخالفها حتى ولو كانت فرنسا أو ألمانيا أو هما معًا، ولبست أمريكا قناع المدافع عن العالم من جور وظلم "صدام حسين"، وخاضت التجربة وفشلت، فرغم أن العراق كان دولة منهارة اقتصاديًا وسياسيًا، وجعلها الحصار أشبه بخيال المآتة إلا أن العراقيين لقنوا الولايات المتحدة درسًا ولولا الخيانة والأساليب القذرة للمخابرات الأمريكية لما دخلت أمريكا بغداد، ورغم ذلك فقد ذاقت الأمرَّين في الفترة السابقة، وما هو قادم أسوء، وبنفس السرعة التي أعلنت أمريكا بها أنها القطب الأوحد- بنفس السرعة- تراجعت لتعترف بفشلها وتطلب من الأمم المتحدة تارةً ومن جامعة الدول العربية تارةً أخرى أن يشاركوها في ما يُسمَّى إعمار العراق والدفاع عما حققته من مكاسب؛ لأنه من المُحال أن تقهر أمريكا العالم؛ لأنها لن تستطيع أن تعيش بمفردها، وحتى أقرب حلفائها- بريطانيا- فهناك تصدُّع في العلاقات بينهما بعد فشل الإدارة الأمريكية في مساندة "توني بلير" في مقاومة ضغط مجلس العموم البريطاني، فضلاً عن غضب الرأي العام هناك؛ ولذلك فإن تغيير الولايات المتحدة لسياستها تجاه العالم في قضية العراق ليس له إلا معنى واحد، هو أنها فشلت في بسط نفوذها على العالم، وأعتقد أن محاولاتها تصفية الملف الليبي أيضًا داخلٌ في هذا الإطار، فضلاً عن محاولة كسب ود فرنسا وألمانيا وكانتا لفترة قريبة العدوتين اللدودتين لأمريكا.
  • ولكن.. أليس في هرولة دول العالم- وأولها الدول العربية- في الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي العراقي، رغم المعارضات الشديدة التي سبقت وأعقبت تأسيس هذا المجلس، دليلٌ على استمرار قوة الهيمنة الأمريكية؟!
كما جاء مجلس الحكم الانتقالي على رأس الدبابة سيرحل مع أول دبابة أمريكية جاءت به؛ لأنه حكم مستورد، والشارع العراقي نفسه ليس معترفًا به، والدليل على ذلك استمرار المقاومة العراقية، وأعتقد أن أحدًا لم يسمع عن تنظيم أحد أعضاء هذا المجلس للقاءات شعبية في الشارع العراقي لشرح سياسته، وكل اجتماعاته تتم تحت حراسة أمريكية وبرعاية الحاكم أو المندوب السامي الأمريكي "بريمر"، الذي يملك وحده حق الاعتراض على قرارات هذا المجلس.

عودة

  • هل معنى ذلك أن الولايات المتحدة ستعود لحظيرة المنظمة الدولية مرة أخرى؟!
ما أراه من خلال الأحداث الجارية أن الأمم المتحدة ستشهد انتصارًا على الولايات المتحدة وأن المنظمة الدولية ستعود لتتولى مهامها التي أخذتها منها الولايات المتحدة، والبداية هي شئون العراق، وسيكون تدخل الأمم المتحدة من خلال شروطها هي وليس من خلال ما تريده وتفرضه أمريكا، وما يدلل على ذلك هو التراجع الخطير في موقف الإدارة الأمريكية تجاه مشاركة الأمم المتحدة في إعمار العراق، فقبل الحرب وفور انتهائها أعلنت أمريكا أن الأمم المتحدة لن تشارك في شيء؛ لأنها لم توافق على الحرب، ومع تصاعد أعمال المقاومة طلبت أمريكا مساهمة الأمم المتحدة والدول العربية ولكن بالشروط الأمريكية، ومع زيادة وقوة المقاومة العراقية يجري الآن التفاوض أن تتولى الأمم المتحدة كل الأمور وبشروطها هي وليس بشروط أمريكا، والواضح أن الموقف الفرنسي موقف متشدد حتى الآن في مسألة مشاركة الأمم المتحدة بالعراق، وهو ما يقوي المجتمع الدولي في مفاوضاته للمشاركة في إعادة إعمار العراق.
  • هل المقاومة العراقية وحدها السبب في تغيير الموقف الأمريكي تجاه العالم؟ أم أن الولايات المتحدة تهدف للاستفادة من المنظمة الدولية حتى تحمي جنودها، وفي النهاية فهي مسيطرة علي كل شيء؟!
يجب أن نعرف أنه من الناحية الاستراتيجية لم يكن منطقيًا أن تخوض أمريكا هذه الحرب وأن تذهب بنفسها لهذا المستنقع، والأمر في البداية لم يكن يتجاوز مجرد كونه تهديدات عسكرية، وهو أمر جائز سياسيًا وعسكريًا أن تهدد دولة بقوتها العسكرية دون استخدامها، وبالفعل فقد حققت هذه السياسة الأمريكية أكثر من90% من المطلوب منها، وبدأ "صدام حسين" في التراجع عن موقفه ودخل المفتشون الدوليون للمنشآت والقصور العراقية، ولم يكن هناك أي داعٍ عسكري ولا استراتيجي ولا سياسي لخوض الحرب، إلا أن هناك نوايا أخرى هي التي حركت الرئيس الأمريكي "بوش" وهي النوايا العقائدية، حيث تحالف اليمين المسيحي المتطرف بأمريكا مع الكيان الصهيوني وكلاهما له أهداف مشتركة ضد العرب والمسلمين، وأعود وأسال ولعلك تشاركني نفس السؤال.. بعد انتهاء الحرب وما حدث فيها، فما هو مبرر الحرب؟ وأين هي المشكلة التي كانت تتطلب الحرب؟ .. هل هي وجود ديكتاتور اسمه "صدام حسين"؟!
فهناك أكثر من 100 ديكتاتور آخر يحكمون شعوبهم، ومنهم من يقع في نفس المنطقة، ومنهم من يقع في أمريكا الجنوبية، ثم إن وضع العراقيين مع "صدام" كان أفضل بكثير من الوضع الحالي، فالعراق خسر خلال حروبه وخلال اضطهاد "صدام" لشعبه طوال فترة حكمه40 ألف عراقي، وهو الرقم الذي خسرته العراق بل وأكثر منه في أقل من شهر أثناء الغزو الأمريكي لها، فأيهما كان أفضل للعراقيين، ولكن ما حدث أن الإدارة الأمريكية لم تكن ترى أمامها سوى حليف واحد وهو الكيان الصهيوني فنسقت معه وفعلت كل ما يريده هذه الكيان حتى خسرت كل شيء، وبات خروج الرئيس الأمريكي "بوش" من البيت الأبيض قريبًا وبغير رجعة، والسبب هو حربه على العراق الغير مبررة، فالقوة العسكرية لها حدود وليست كل المشاكل السياسية تحل بالخيار العسكري؛ ولذلك كله أستطيع أن أؤكد أن الولايات المتحدة ستهرول إلى الأم المتحدة لتعيد لها دورها في محاولة من الإدارة الأمريكية لكسب الرأي العام الأمريكي مرةً أخرى، خاصةً وأن الانتخابات الأمريكية على الأبواب.

خسائر

  • من وِجهة النظر الاستراتيجية وبناء على ما قدمته في السطور السابقة.. كيف ترى مستقبل الولايات المتحدة ومصير هدفها في ترسيخ أنها القطب الواحد؟!
أمريكا في مأزق شديد وجميع مؤشرات الرأي الأمريكية تؤكد أن هناك انخفاضًا في شعبية الرئيس "بوش" والتي وصلت إلى 42% وهو ما يعطينا مؤشرًا على كمّ الضغوط التي يتعرض لها الحكم الأمريكي بسبب حرب العراق، وأن تغيير الإدارة الأمريكية أصبح أمرًا واردًا بل يمكن أن نقول قريبًا، فهي إدارة لم تحقق لشعبها الأمن وخاضت حربين دون مبرر، وهناك أصوات كثيرة بدأت تتكلم عن كذب الادعاءات الأمريكية في شأن مرتكبي تفجيرات برجَي التجارة العالميين، إضافةً إلى أن أمريكا اكتسبت أعداءَ أكثر علي يد الرئيس "بوش"، فما حدث في أفغانستان كان مثالاً للفشل العسكري والسياسي الأمريكي، وكانت بداية سقوط الهيبة الأمريكية، خاصةً وأنه تم تهويل أحداث 11 سبتمبر لتأخذ مساحةً أكثر من اللازم، والشارع الأمريكي لم يكن يتخيل أن تكون أفغانستان- هذه الدولة التي ليس بها لا تحضر ولا حضارة ولا أي تقدم- أن تكون هي الدولة التي "مرمغت" كرامة بلادهم، ومع ذلك يخوض "بوش" الحرب، ويفتح جبهة تشهد خسائر بشرية ومادية كل يوم، وانقلب تعاطف العالم مع أمريكا بعد 11 سبتمبر إلى عداوة خلقتها الإدارة الأمريكية التي لم تستغل هذا التعاطف جيدًا، بل على العكس نجح الرئيس "بوش" في أن يحول هذا التعاطف إلى كره، وبمهارة فائقة- لا يحسد عليها- اكتسبت الولايات المتحدة أعداءً كثيرين كانت في غنى عنهم، بل كان بعضهم من مؤيديها، وأعتقد أن تراجع شعبية الولايات المتحدة في دول العالم العربي وتحديدًا في دول الخليج أكبر دليل على ذلك، وحتى الانبهار بالدولة الأمريكية والحياة الأمريكية بين صفوف الشباب في دول العالم كله بدأت في الاختفاء، وهو ما ضرب خطط الإدارات الأمريكية المختلفة التي كانت تسعى للهيمنة في مقتل.
  • هل معنى ذلك أنه لو انتقلت الإدارة الأمريكية من الديمقراطيين إلى الجمهوريين.... فهل ستعيد الإدارة الأمريكية الجديدة خططها في إعلان فرض هيمنتها على العالم؟!
هذا وارد جدًّا، وبالفعل كانت هذه هي سياسة الرئيس السابق "كلينتون"، الذي كان يحدد خططه وتحركاته في أي قضية عالمية من خلال مشاركة الآخر له، والدليل أنه لم يقُم بضرب العراق، رغم وجود نفس الأسباب التي دعت "بوش" لضربها.

المصدر