القـدوة علي طريق الدعـوة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

القـدوة علي طريق الدعـوة

للأستاذ / مصطفي مشهور


مقـدمـة :

طريق الدعوة هو الطريق إلي جماعة المسلمين ، الطريق إلي إقامة دولة الإسلام العالمية وعلي رأسها الخلافة الإسلامية ، الطريق إلي التمكين لدين الله في الأرض ، الطريق الذي يسلكه العاملون الصادقون لتحقيق هذا الهدف العظيم . إنه طريق كله عمل وجهد وجهاد وعنت ومشاق ، وصبر وثبات ، وتضحية وفداء ونصر واستشهاد ليس طريق كلام ونظريات ، أو جدال وفلسفات ، أو خيال وافتراضات . ومثل هذا الطريق تكون القدوة فيه ألزم الأمور ، وخاصة القدوة العملية التي تتمثل الإسلام الصحيح بكل تعاليمه ومتطلباته دون خطأ أو انحراف أو اجتراء .

إننا نريد لهذه الدولة الإسلامية المنشودة كل أسباب القوة والأصالة والتمكين ، كي تستقر وتستمر وتؤدي دورها العظيم وهو هداية البشرية المعذبة التائهة بين مبادئ باطلة وعقائد فاسدة ، نريدها دولة تبلغ الإسلام الدين الحق إلي الناس وتعلي رايته في ربوع العالمين . لهذا نريد أن تكون مكونات هذه الدولة من الفرد والبيت والمجتمع والحكومة سليمة متينة قوية ممثلة النموذج الإسلامي الصحيح لهذه العناصر المكونة لدولته . إننا لا نريد لدولتنا الإسلامية أن تكون مطهرا دون مخبر ، لا نريدها كيانا هشا ضعيفا غير متماسك ينهار إذا تعرض لهزة من قبل الأعداء . فالقضية عندنا ليست مجرد الوصول إلي الحكم ولكنها تمكين لدين الله في الأرض فيه دولته وتعلو وتستقر وتزهق كل باطل في شرق أو غرب بإذن الله .

لهذا نريد ممكن يسلكون طريق الدعوة أن يكون واضحا في أذهانهم أنهم يتصدون لتحقيق أعظم إنجاز يمكن أن يتحقق علي وجه الأرض ، فليقدروا الأمر حق قدره وما يحتاج إليه من اهتمام لائق . ثم ليعلموا أيضا طبيعة المرحلة وهي أننا نضع الأساس المتين لهذا البناء الضخم ، وأن الأساس في كل بناء هو أهم مرحلة في البناء وأشق مرحلة ، ومن هنا كانت أهمية " القدوة في طريق الدعوة " . نريد لهذا الأساس الفرد المسلم القدوة ، والبيت المسلم القدوة ، والمجتمع المسلم القدوة ، لتقوم علي هذه القاعدة المتينة الحكومة الإسلامية القدوة ، وأن يتم ذلك علي مستوي الأمم الإسلامية ثم بعد ذلك تأتي الحكومات المسلمة التي تقبل أن تدخل في السلم مع أخواتها مكونة الدولة الإسلامية . ومعلوم أن المشاركة في إقامة هذا البناء العظيم – أي بناء الدولة الإسلامية – واجب علي كل مسلم ومسلمة ، ولما كان هذا الواجب لا يمكن أن يتم فرديا ، ولكن لابد له من العمل الجماعي المنظم ، لابد من الجماعة الإسلامية التي تجمع العاملين للإسلام وترسم لهم الطريق وتباشر التنفيذ ، فصار – بذلك – العمل في جماعة واجبا إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . لذلك لزم علينا في حديثنا عن " القدوة علي طريق الدعوة " أن نشير إلي الجماعة المسلمة القدوة ، بهدف توحيد الجهود والاتجاه في الطريق الصحيح بدلا من التمزق والتشتت .

وعندما نتناول الفرد المسلم القدوة ، سنحاول أن نعطي الملامح الأساسية للفرد المسلم القدوة ، سواء كان طالبا ، أو مدرسا ، مهندسا أم طبيبا ، عاملا أم تاجرا ، قائدا أم جنديا ... وهكذا من المجالات أو التخصصات المختلفة ليفيدوا من هذه الملامح كل فرد حسب موقعه وتخصصه . كما سنشير إلي البيت ونتعرض إلي بعض المؤسسات التي تعتبر وسائل علي طريق الدعوة فتحدث مثلا عن المدرسة الإسلامية القدوة والمستشفي الإسلامي القدوة ، والمؤسسة الإسلامية القدوة ، والبنك الإسلامي القدوة ، والنادي الرياضي الإسلامي القدوة .. هكذا بقدر ما تسمح لنا به الظروف . ومن المهم أن نشير في هذه المقدمة إلي دور الأخت المسلمة في مجال العمل الإسلامي علي طريق الدعوة وأنه لا يقل أهمية وخطورة عن دور الأخ المسلم ، فنرجو من الأخوات أن يعتبرن أنفسهن مقصودات أيضًا فيما نكتبه حول " القدوة علي طريق الدعوة " حتى لو كان سياق الحديث في كثير من الأحيان موجها بصيغة الأخ المسلم ولكننا نعني فيه الأخ والأخت معا .

مصطفي مشهور

التقليد والاقتداء

هكذا عن طريق السمع والأبصار والعقل تتولد المعرفة عند الإنسان ليهتدي ويسلك طريقه في الحياة . ونجد الطفل في فتراته الأولي يعتمد علي التقليد لما يراه ويسمعه لتأخر نمو الإدراك عنده وبقدر ما تتهيأ للطفل أسباب المعرفة السليمة والرؤية الصحيحة لهذه الدنيا ولرسالته فيها ، تتاح له فرصة الاختيار السليم عندما ينضج عقله ، فيختار بإرادته الحرة طريق الخير أو طريق الشر ، طريق الهداية أو طريق الضلال ، ومن رحمة الله بعباده أنه لم يتركهم لعقولهم وحواسهم فقط ولكنه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون الناس علي الله حجة بعد الرسل ، وأنزل الكتب أيضا لتبصير الناس بطريق الحق والسعادة وطريق الضلال والشقاء . ومن عدالته سبحانه ورحمته أنه لا يحاسب علي الأعمال إلا بعد بلوغ سن الإدراك والتكليف ، وعلي ما وهب من عقل .

فالإنسان هكذا يري ويسمع ويقرأ ويتعرف ثم العقل يقدر ويرشد الجوارح بفعل ما يختاره ، والحقيقة أن مثل العقل ونور الوحي كمثل العين ونور الضوء ، فالعين بلا نور تتخبط بصاحبها في الظلام ، كذلك العقل بلا وحي يمكن أن يتخبط بصاحبه في طريق الضلال . هكذا نري الكتب والرسل السماوية توضح للناس حقيقة هذا الكون وخالقه سبحانه وتعالي ، وتوضح حقيقة هذه الحياة الدنيا ورسالة الإنسان فيها وحقيقة هذه الحياة الدنيا ورسالة الإنسان فيها وحقيقة الموت وما بعد الموت من بعث وحساب وجزاء . وبعد كل هذا التوضيح تترك للإنسان الحرية يختار وفيما يعتقد .

وقفة عند نعمة السمع والبصر والعقل

نظرًا للأهمية الكبرى لوسائل المعرفة الثلاث وهي السمع والبصر والعقل في مجال الاهتداء والقدوة . أستسمح القراء في وقفة تدبر للآية الكريمة لنعرف قيمة النعم الثلاث ، يخرج الطفل قطعة لحم لا تعلم شيئًا ولا تعي شيئًا ولكن الله زوده بالسمع والبصر ثم العقل ليكتمل عنده الإدراك والقدرة علي الحياة ، فتصور معي أيها القارئ مولودا فاقدا لنعمة السمع ثم التصور حياته بدونها ، وما يترتب علي ذلك من معاناة وتعب ونقص في الإدراك والمعرفة ، خاصة وأنه يترتب علي فقد حاسة السمع فقدان النطق لأنه لا يسمع ما يقلده نطقًا . مثل هذه الحالات موجودة بيننا ونلمس ما تعانيه وما يبذل من جهود لتوصيل أسباب المعرفة إليهم بالإشارات أو الكتابة أو غير ذلك .

ولو تصورنا مولودا فاقدا لبصره ، إنه يمكنه تعلم النطق بالسماع ولكنه يصعب عليه إدراك هيئة الأشياء ومعرفة الألوان وقد يستعين بحاسة السمع لتعرف جزئي ، وفرق بينه وبين من فقد بصره بعد أن شب ورأي الأشياء وعرف أسماءها . لو تصورنا مولودا ولد فاقد العقل مهما تقدم في عمره ، ولا شك أن حالته تكون أسوأ من سابقيه ولا تكون له حياة إلا في مصحة الأمراض العقلية . الحالات السابقة تصورنا فيها فقد واحدة من النعم الثلاث ولمسنا بذلك قيمة كل نعمة منفردة ، فإذا انتقلنا بعد ذلك وتصورنا مولودا ولد فاقد لحاستي السمع والبصر معا وطبعا بالتبعية لفقد سمعة سيفقد النطق أيضًا ، فتصور معي إنسانا لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق كيف نوصل إليه أسباب المعرفة وكيف يشق طريقه في الحياة لا شك أنها تكون حياة من أقسي ما يمكن . وذلك لو تصورنا مولودا ولد فاقدا لعقله وإحدى حاستي السمع أو البصر تكون حياته كلها في مستشفي الأمراض العقلية . وما بالنا لو تصورنا مولودا ولد فاقدا للحواس الثلاث أو للنعم الثلاث السمع والبصر والعقل كيف يكون حاله وحال أهله وكيف يتعاملون معه ؟ .

أخي أرأيت معي حال من يفقد هذه النعم الثلاث أو بعضها من الزاوية البدنية المادية وكيف تكون شدتها ؟ . فما بالك لو نظرنا إليها من الزاوية الأخروية ؟ فإن فقدان النعم الثلاث معنويا مع وجودها بدنيا أخطر بكثير جدا ويصبح حال فاقدها أضل من الأنعام ، هكذا من يعطل عقله ولا يستضئ بنور الوحي ، ولا يعتبر بما يري أو يسمع من آيات الله المنظورة والمسموعة يكون مصيره جهنم وبئس المصير ويكون أصل من الأنعام .

فما أجدرنا بعد هذه الوقفة أن تقدر هذه النعم وغيرها حق قدرها وأن نستشعر فضل الله علينا بها خاصة إذا وقفنا لحسن الاستفادة بها في التعرف إليه سبحانه وعبادته وطاعته ، وأعاننا علي عدم استعمالها في معصيته . وإننا لن نستطيع إحصاء نعم الله علينا فكيف بشكر الله عليها .

تقليد الضعيف للقوي

عرفنا كيف يعتمد الطفل في فتراته الأولي – فترة ضعفه وعدم إدراكه – علي التقليد لمن هو أكبر منه وربما كان من دوافعه للتقليد امن هم منه أنه يريد أن يبدو كبيرا مثلهم . كذلك نري الشعوب المستضعفة تقلد المحتاجين لبلدهم شعورا بمركب النقص وظنا منهم أن تقليدهم يجعلهم أقوياء مثلهم ، ولكنهم للأسف غالبا ما يقلدونهم في العادات السيئة التي يحرص الأعداء علي تصديرها إليهم ، أما المفيد من الأمور فيمنعونها عنهم لتظل تلك الشعوب متخلفة مستضعفة .

وإذا حدث ذلك لشعوب مستضعفة غير مسلمة فلا يجوز أن يحدث ذلك في شعوبنا الإسلامية وقد أعناها الله بهذا الإسلام العظيم الذي يمدها بكل مقومات الدولة القيادية الرائدة للبشرية علي طريق الهدي والنور . ولكننا للأسف الشديد نري كثيرا من أفراد شعوبنا يقلدون الأعداء الذين احتلوا بلادنا فترة من الزمان في كثير من عاداتهم السيئة ، بل وجدنا من يسمونهم قادة الفكر في بلادنا يدعون إلي تقليد الغرب بكل خيره وشره إذا أردنا القوة والتقدم .

الاقتداء والتقليد الوراثي

ويحدث أن يرث كل جيل من الجيل الذي قبله كثيرا من العادات والتقاليد والاعتقادات ، وقد يحدث لبعضها شيء من التعديل أو التغيير علي مر الأجيال سواء بالخطأ أو بالصواب ، وأحيانا يصل تقليد العادات عند بعض الناس إلي درجة من التقديس أو التمسك الشديد وعدم التخلص منها بسهولة . وقد حكي لنا في القرآن عدة صور لهذه الظاهرة وعاب علي أصحابها تمسكهم بتلك العقائد أو العادات رغم وضوح بطلانها لهم . وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه الذي يقول فيه : " كل مولود يولد علي الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه " ...

فمسئولية الآباء في توجيه أبنائهم وتوريثهم الصالح من العقائد والعادات مسئولية كبيرة نبه إليها الله ورسوله ، وحديث الرسول صلي الله عليه وسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته فكلكم راع مسئول عن رعيته " متفق عليه .

وفي نفس الوقت ينبهنا القرآن عن المسئولية الفردية وأن كل إنسان مسئول عن عمله ولا تزر وازرة وزر أخري .

الحث علي الاقتداء بأهل الخير والصلاح والبعد عن أهل السوء :

الإسلام يحثنا علي الاقتداء بأهل الخير والصلاح وأصحاب العقيدة السليمة ويقول تعالي ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذ سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم ) .

وهذا حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم حول هذا المعني : عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك أما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة . ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنا " متفق عليه ( يحذيك : يعطيك ) .

أثر القدوة والتقليد في المجتمعات

المجتمعات كأجساد تسري آثار القدوة والتقليد سلبا أو إيجابا وضعفا أو قوة ، فإذا كانت قدوة سيئة سري أثرها السيئ علي المجتمع ضعفا ، وإذا كانت قدوة حسنة سري أثرها الحسن قوة في المجتمع . لذلك نري الإسلام قد حرص علي رعاية مجتمعاته حاثا علي نشر روح الخير والمعروف والصلاح فيها وذلك بالأمر بالمعروف ، وحرص علي حمايتها من عوامل الشر والفساد وذلك بالنهي عن المنكر وإقامة الحدود .

ولقد تميزت الأمة الإسلامية بصفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوقت الذي لعن فيه بنو إسرائيل لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه . ونظام الحسبة في الإسلام معروف لتنقية المجتمع من المخالفات ليبقي سليما . و الإسلام يأخذ بمبدأ الوقاية ، فنجد الآيات تقول ( ولا تقربوا الزنا ) ومفهوم ( لا تقربوا ) الابتعاد عن المقدمات التي تؤدي إلي وقوع الزنا أو الفاحشة ، كالنظرة والخلوة والملامسة أو القبلة أو غير ذلك .

والأحاديث الشريفة حول حماية المجتمع الإسلامي من الفساد كثيرة نذكر منها :

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم . وعنه أيضا عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر وفي رواية كلمة حق عند سلطان جائر " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن . وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم فقالوا : لو خرقنا في نصيبنا خرقا لم نؤذ من فوقنا . فإذا تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا علي أيديهم نجو ونجوا جميعا " رواه البخاري . ( القائم علي حدود الله : المحافظ عليها ) . وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " رواه الترمذي وقال حديث حسن .

مجتمعاتنا الإسلامية

في الوقت الذي نري أن الإسلام يحرص علي نقاء مجتمعاته من صور الفساد وعناصره نري مجتمعات بلادنا الإسلامية ينتشر فيها الفساد والانحلال في حماية من القانون ، وتحمل أجهزة الإعلام الحكومية الدور الأكبر في نشر الفساد بالأفلام والمسرحيات الخليعة واللاأخلاقية والغناء والرقص ، وانتشار أماكم اللهو والفسق وحانات الخمر ونوادي الميسر وشواطئ العرى ، بجانب انتشار أمراض اجتماعية أخري كالكذب والرشوة والفسق والسرقة وغير ذلك من الجرائم والمنكرات . وتعرض أجهزة الأعلام أفلام العنف والجرائم المستوردة وكأنها تدرس هذه الجرائم لشبابنا كما تقدم لهم المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات كمثل عليا للشباب ، ويضعون عليهم هالات من التقدير والتعظيم . مما يجعلنا لا نستبعد أن يكون لأعداء الإسلام دور مباشر في هذا التخطيط ألإفسادي لتفريغ شبابنا من معاني الرجولة والقوة ، وإحلال التخنث والميوعة محلها فتفقد أوطاننا بذلك عنصر قوتها المتمثل في شبابنا .


نري عادة الحكومات تهتم بنظافة الأحياء والمدن من القاذورات والقمامات خشية انتشار الأمراض التي تفتك بالأجسام ولكنها تساعد علي انتشار الأمراض التي تفتك شخصيته ، وتنهار الأسرة وينهار المجتمع وينعكس ذلك لا محالة علي الدولة واستقلالها ، ويجعلها فريسة سهلة لأعداء الله يتحكمون في مقدراتها .

رحمة الله بالأمة الإسلامية

ولولا فضل الله ورحمته بأمة محمد صلي الله عليه وسلم بأن وفق من أبنائها من يجدد لها أمر دينها أمثال البنا و أبي الأعلى المودودى وغيرهما ، وقيام الحركات الإسلامية والجماعات الإسلامية علي الساحة لكان الحال غير الحال . فكان بفضل الله أولاً ثم بتأثير هذه الحركات الإسلامية أن بدأت الحياة تسري في جسد الأمة الإسلامية ، وتستيقظ من غفوتها وتنهض من كبوتها ، فرأينا نماذج من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات ، وكذا من الشباب المؤمن فتيانا وفتيات ، المجتمع يتمسكون بتعاليم دينهم ، ويحملون كل معاني عزة الإسلام ويبذلون جهدهم في العودة بالأمة الإسلامية إلي إسلامها وعزها ويعملون جميعا لإقامة دولة الإسلام والخلافة الإسلامية .

لقد أحدثت هذه الحركات الإسلامية ولازالت تغيرات جذرية في مجتمعات بلادنا الإسلامية ، فقد اختفت كثير من البدع والخرافات والعادات الجاهلية ، وأحييت كثير من السنن التي كادت تختفي ، وبعثت روح التدين وسط الشباب وكذلك روح الجهاد وضربت لها أمثلة رائعة في مواقع مختلفة علي الساحة الإسلامية . وقطع شوط بعيد في تنقية العقيدة من الشوائب والانحرافات ، ونري الشعوب الإسلامية اليوم تطالب حكوماتها بتطبيق الشريعة الإسلامية ونري اليوم الإسلامي للشعوب يزحف ويحسر أمامه العرى والتبرج . كل ذلك – وغيره كثير في الطريق بإذن الله – من ثمار جهود العاملين في حقل الدعوة الإسلامية من خلال الجماعات الإسلامية القدوة علي طريق الدعوة .

القدوة العملية

القدوة العملية أقوي وأشدّ تأثيرا في نشر المبادئ والأفكار . لأنها تجسيد وتطبيق عملي لها . ويسهل مشاهدتها والتأثر والاقتداء بها وتقليدها . بخلاف الأقوال أو المحاضرات والكتابات . فقد لا يستوعبها بعض السامعين أو القارئين أو قد لا يدركون مقاصدها ، وقد تنسي كلها أو بعضها . أو قد تظل نظرية ويجهل الكثير تطبيقها عمليا أو قد يخطئ بعض الناس عند التطبيق . لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قدوة بشرية عملية وسط المسلمين الأول فكان له الأثر الكبير في تعرف المسلمين علي الإسلام نظريا وعمليا ، واقتدوا به صلي الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة . سواء في أمور العبادة أم المعاملات أم أعمال اليوم والليلة من طعام وشراب ونوم ولباس وغير ذلك . ولو أضفنا إلي ذلك حرس الرسول صلي الله عليه وسلم علي إرشاد المسلمين إلي كل ما فيه خير لهم ، ونهيهم عن كل ما فيه ضرر لهم ، لعلمنا مقدار ما فاز به المسلمون الأول من خير في اقتدائهم بخير قدوة . وقد توارثت الأجيال هذا الخير بعد جيل صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى وصل إلينا لنورثه إن شاء الله من بعدنا .

ولأهمية القدوة العملية في الإسلام حذا الله المؤمنين من أن تحالف أعمالهم أقوالهم التي يدعون إليها وحديث رسول الله يؤكد هذا المعني . فعن أسامة ابن زيد رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : " يؤتي بالرجل يوم القيامة فيلقي في النار فتندلق أقتاب بطنه ، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ؟ فيقول : بل كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وانهي عن المنكر وآتيه " متفق عليه (قوله تندلق : معناه تخرج – والأقتاب : الأمعاء) . وكما أن القدوة العملية لها تأثيرها الطيب في مجال الخير والعمل الصالح ، فكذلك لها تأثيرها السيئ حينما تكون قدوة عملية في أعمال السوء والفساد . وللأسف الشديد نري هذه القدوات السيئة منتشرة في مجتمعات بلادنا الإسلامية في حماية القانون في حين أن القدوات الصالحة مطاردة ومضيق عليها وتتعرض إلي الاعتقال والسجن والتعذيب والقتل . من كل ما سبق نري أهمية القدوة العملية علي طريق الدعوة وأنها وسيلة وتكوين في الوقت نفسه .

علي طريق الدعوة

أوضحنا في المقدمة أننا علي طريق الدعوة نتصدى لتحقيق أعظم إنجاز علي وجه الأرض وهو التمكين لدين الله في الأرض بإقامة دولة الإسلام وعلي رأسها الخلافة الإسلامية . لتؤدي دورها في حماية أرض الإسلام وتحرير ما اغتصب منها وعلي رأسها المسجد الأقصى ولنحمي أرواح المسلمين وأعراضهم ونكسب أرضا جديدة للإسلام بنشر دين الله في أرض الله بين عباد الله وأوضحنا أن هذا البناء الضخم يحتاج أكثر ما يحتاج إلي القدوة الحسنة في كل مراحل البناء وفي كل مكوناته من الفرد المسلم والبيت المسلم والمجتمع المسلم والحكومة المسلمة فالدولة والخلافة .

وفرق بين إقامة حكومات إسلامية ضعيفة في أقطارنا الإسلامية على قواعد هشة غير قوية وليس هناك ترابط وثيق بين تلك الحكومات ، وبين أن نقيم دولة أسلامية عالية قوية متحدة وعلي قاعدة صلبة عميقة ومتينة . وأوضح هذا الفرق بالتشبيه التالي: لوان عندنا مساحة من الأرض محددة فالفارق كبير بين أن نقيم عليها منازل من طابق واحد وبين أن نقيم على المساحة نفسها ناطحة سحاب . فالأساس اللازم في كلتا الحالين مختلف . فأساس ناطحة السحاب لابد أن يكون عميقا ومتينا ويستغرق وقتا ليس بالقصير . كذلك الحال بالنسبة للدولة الإسلامية المنشودة . فأساسها العميق المتين يحتاج إلى وقت والى جهد كبير رغم طبيعة الأساس عدم ظهوره فوق سطح الأرض وثمة معنى آخر يلزم لفت النظر إلية وهواننا لا نقيم بناء دولة الإسلام على ارض سهلة ممهدة معدة للبناء . ولكنه يتحتم علينا أن نزيل ركاما متراكما منذ قرون لنقيم مكانه البناء الضخم الجديد , ركاما من الانحرافات العقيدية والبدع والخرافات والجهل والانحراف والضعف والوهن والفرق والغثائية وقصور الهمم والعزائم , والتأثر بالمبادئ الأرضية التي غزت بلادنا من شيوعية واشتراكية ورأسمالية وغيرها .

كل ذلك الركام الفاسد وغيره كثير يحتاج إلي إزالة وإلي تغيير في النفوس لتتحقق سنة الله التي لا تتبدل .

نريد إعداد اللبنات السليمة القوية عقيديا وعباديا وأخلاقيا وثقافيا وبدنيا وجهاديا ليقوم البناء السليم المتين بإذن الله . ولتحقيق ذلك نري أن الدور الأساسي يعتمد علي القدوة الحسنة علي طرق الدعوة .

نعم للأمل ولا لليأس

ونحن على طريق الدعوة لايجوز أن يداخلنا اى لون من ألوان اليأس أن أو التثبيط بسبب سوء الحال وكثرة الركام وما عليه مجتمعاتنا من فساد ولكن كلنا أمل أننا بعون الله سنستطيع نزيل كل هذا الركام ونحسر كل هذا الفساد ونحل محله الطهر والتقوى والصلاح وتقيم البناء السليم المتين . فلو نظرنا إلي المجتمع الجاهلي الذي بعث فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم بهذا الدين الحق لوجدنا أنه كان غاية في السوء . فأصنام من حجارة تعبد من دون الله وجمر وميسر وزنا ونهب وقتل ووأد للبنات وحروب واقتتال لأتفه الأسباب . ومع كل ذلك تغير هذا المجتمع وتحول إلي مجتمع كله طهر وصلاح وحب وأخوة وإيثار وتعاون علي فعل الخير . وقبل ذلك توحيد لله وعبادة صادقة له سبحانه . كل ذلك حدث بتأثير القرآن وهدي الرسول صلي الله عليه وسلم القدوة الحسنة علي الطريق .

فإذا سرنا علي طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم نفسه وترسمنا خطاه متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله فسنحدث بعون الله التغيير اللازم في مجتمعاتنا . ونخلصها من أمراضها مادامت قارورة الدواء بأيدينا وهي كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم . إذا لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها . وقد تعرض الإمام الشهيد لتشخيص حال المسلمين ووصف الدواء والعلاج . ولعله من المفيد أن نذكر كلامه في هذا المجال :

( إن الأمم قد تعترضها حوادث الزمن بما يهدد كيانها ويصدع بنيانها ويسري في مظاهر قوتها سريان الداء . ولا يلح عليها ويتشبث بها حتى ينال منها ، فتبدو هزيلة ضعيفة يطمع فيها الطامعون وينال منها الغاصبون . فلا تقوي علي رد غاصب ولا تمنع من مطامع طامع . وعلاجها إنما بأمور ثلاثة : معرفة موطن الداء ، والصبر علي آلام العلاج ، والنظامي الذي يتولي ذلك حتى يحقق الله علي يديه الغاية ويتم الشفاء والظفر .) . وبعد أن استعرض حال بعض أقطارنا الإسلامية وما فيها من علل وأمراض وفساد : قال :

( وماذا يرجي من أمة اجتمعت علي غزوها كل هذه العوامل بأقوى مظاهرها وأشد أعراضها :

الاستعمار والحزبية والربا والشركات الأجنبية . والإلحاد والإباحية وفوضي التعليم والتشريع .

واليأس والشح ، والخنوثة والجبن ، والإعجاب بالخصم إعجابا يدعو إلي تقليده في كل ما صدر عنه وخاصة في سيئات أعماله ، إن داء واحدا من هذه الأدواء يكفي لقتل أمم متظاهرة . فكيف وقد تفشت جميعا في كل أمة علي حدة ؟ لولا مناعة وحصانة وجلادة وشدة في هذه الأمم الشرقية لعفت آثارها ولبادت من الوجود ولكن يأبي الله ذلك والمؤمنون ) . وبعد أن ينفي اليأس من نفوس الإخوان يقول :

( وكل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين ثم يقول : ( ولقد أتي علي هذه الأمم الشرقية حين من الدهر جمدت فيه حتى ملها الجمود . وسكت حتى أعياها السكون . ولكنها الآن تغلي غليانا بيقظة شاملة في كل مناحي الحياة . وتضطرم اضطراما بالمشاعر الحية القوية والأحاسيس العنيفة . ولولا ثقل القيود من جهة والفوضى في التوجيه من جهة أخري لكان لهذه اليقظة أروع الآثار . ولن تظل القيود أبد الدهر . فإنما الدهر قُلَّبٌ وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلي حال . ولن يظل الحائر حائر فإن بعد الحيرة هدي وبعد الفوضى استقرار ولله الأمر من قبل ومن بعد . لهذا لسنا يائسين أبدا ) . وفي موضع آخر بعد استعراضه للأوضاع في مصر وما هي عليه من سوء وكذا في وطننا العربي والإسلامي ثم علي الساحة العالمية قال :

( هذه هي صورة الحال في وطننا الخاص وفي وطننا العربي والإسلامي وفي وطننا الإنساني العام . وإذا لم تقم في الدنيا أمة الدعوة الجديدة تحمل رسالة الحق والسلام فعلي الدنيا العفاء وعلي الإنسان السلام . وإن من واجبنا وفي يدنا شعلة النور وقارورة الدواء أن نتقدم لنصلح أنفسنا وندعو غيرنا . فإن نجحنا فذاك . وإلا فحسبنا أن نكون قد بلغنا الرسالة وأدينا الأمانة وأردنا الخير للناس . ولا يصح أبدا أن نحتقر أنفسنا ، فحسب الذين يحملون الرسالات ويقومون بالدعوات من عوامل النجاح أن يكونوا بها مؤمنين ولها مخلصين وفي سبيلها مجاهدين وأن يكون الزمن ينتظرها والعالم يترقبها فهل من مجيب ) .

هذا ما قاله الإمام الشهيد وها نحن أولاء نسير علي طريق الدعوة ولن نيأس بإذن الله من تغيير هذا الفساد ومعالجة هذه الأدواء رغم كثرتها ، مسترشدين في أثناء سيرنا بقدوتنا صلي الله عليه وسلم وصحبه الكرام في إحداث هذا التغيير بالحكمة والموعظة الحسنة . وبالقدوة العملية الحسنة ، وببذل الجهد والعمل المتواصل والاستعانة بالله . ومما يثلج الصدور ويزيد الأمل في النفوس ما نراه من صور التغيير الكثيرة التي تمت في مجتمعاتنا بفضل الله أولا ثم بتأثير جهود العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ، نذكر بعضها علي سبيل المثال :

لقد قطع شوط بعيد في تنقية عقيدة التوحيد من كثير من الشوائب والانحرافات ولازالت الجهود متضافرة ومستمرة ، واختفت كثير من البدع والخرافات والعادات المخالفة للإسلام وما بقي منها صار مستنكرا بعد أن كان مألوفا ، وقد تم إحياء كثير من السنن التي كادت تختفي كالاعتكاف وقيام ليالي رمضان وصلاة الأعياد في المصلي والتزام الهدي النبوي في حياة الناس وفي أعمال اليوم والليلة ، وإحياء رسالة المسجد وانتشار روح التدين وسط الشباب فتيانا وفتيات والتزام الفتيات بالزى الإسلامي وبعث روح الجهاد وممارسته عمليا في مواقع كثيرة وشمولية فهم الإسلام وأنه منهاج حياة كامل ، ومطالبة الشعوب حكوماتها بتطبيق الشريعة بدل القوانين الأرضية الحالية ، ومعاضدة المسلمين في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي للقضايا الإسلامية علي الساحة كقضية فلسطين و لبنان و أفغانستان والفلبين واريتريا و سورياوكشمير وغيرها . وهذه المطالبة الملحة لتطهير أجهزة الإعلام من الفساد وغير ذلك كثير من أمور تبشر بالخير وتحول دون اليأس .

طبيعة حقل الدعوة وأهمية القدوة

مجتمعات بلادنا الإسلامية أفرادها أغلبهم مسلمون ورثوا الإسلام عن آبائهم وأجدادهم بكل ما أدخل عليه من شوائب وانحرافات وبدع وخرافات ، وورثوا ما أحدثه الاستعمار في نفوس الكثير من المسلمين من شعور بالضعف والتخلف والتبعية والانهزامية , وكذلك ما غزوا به بلادنا من فساد وانحلا ومقاييس مادية وتصور خاطئ لهذه الحياة الدنيا ورسالة الإنسان فيها , بالإضافة إلى المبادئ الأرضية التي أبرزوها في بلادنا لتكون بديلا للإسلام ونظامه وتشريعه , جندوا لهذه المبادئ أفرادا وأقاموا لها أحزابا تمزق وحدة الشعوب , إلى غير ذلك من الصور المؤسفة التي نراها على ساحتنا الإسلامية . حقل الدعوة اليوم مختلف تماما عن حقل الدعوة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يدعو هو والمسلمون الأول مشركين وكفارا ليدخلوا في الإسلام وليتركوا عبادة الأصنام ويؤمنوا بالله الواحد الأحد . فكانت الجهود تبذل معهم في تغيير عقيدتهم ,فإذا ما تم ذلك وانتقل الواحد منهم من الشرك إلى الإسلام , تعرف على إسلامه والتزم به مستشعرا النقلة الكبيرة من الكفر إلى الإيمان ومن الضلال إلى الهدى . وما وراء ذلك من خير في الدنيا والآخرة , فكان تقديرهم لعظمة هذا الدين وتقديرهم لكتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فتغيرت نفوسهم تغير جذريا وزالت من عقولهم كل رواسب الجاهلية وركامها , وتخرج منهم رجال ونساء مؤمنات قامت على أكتافهم الدولة الإسلامية الأولى , وضربوا أمثلة رائعة في الجهد والتضحية والثبات والحب والتعاون . أما الإفراد الذين نعمل معهم في حقل الدعوة اليوم فليسوا كفارا ولا مشركين . ولكننا أمام مسلمين يعتقدون أن ما عليه هو الإسلامكما فهموه وورثوه من الأجيال السابقة برغم ما فيه من شوائب وانحرافات .

وغالبا ما يرفض الكثير منهم النصح عندما ندعوهم إلى ما نحن عليه من نعمة الفهم الصحيح إذ يرى نفسه انه مسلم كما أننا مسلمون . وقد تحدث منازعات وتحديات بين أصحاب الدعوة الصحيحة ومن يدعونهم , وبخاصة أذا لم يحسن دعاة التصحيح أسلوب الدعوة , وقد تحدث تجمعات وتحزبات اوعصبيات وترفع رايات وتتشتت الجهود وربما تضادت . لهذا نجد أن الضرورة ملحة للأخ الداعية القدوة صاحب القلب الكبير والخلق الحسن , والأسلوب السليم الذي يغزو به القلوب ويولد الثقة بينة وبين من يدعوهم , ويتقن كيف يأخذ بايدى المخطئين لتصحيح إفهامهم وتصوراتهم وسلوكهم , دون إحداث فرقة أو تنازع . ولكن بلين الجانب وبالحكمة والموعظة الحسنة , وبالقدوة العملية الحسنة التي تنتزع التقدير وتدفع إلى التأثر والإقتداء به والاستجابة إلى ما يدعوهم إليه . عندما ندعو مسلمين إلى تصحيح إسلامهم يجب أن يشعروا أنهم منا ونحن منهم , ولا نعد أنفسنا مجتمعنا مسلما منفصلا عن باقي المسلمين , لأن ذلك يعزلنا عنهم فنتوقع وننتهي . والواجب أنكون ارأف بهم من أنفسهم فهم حقل الدعوة الذي نبذر فيه بذور دعوتنا . وهناك فرق واضح في الموقف حينما أدعو كافر للإسلام وحينما أدعو مسلما لتصحيح إسلامه فالكافر ليس له اى حق الأحق الدعوة والبلاغ أما المسلم فله على حق الإخوة مهما كان منحرفا . ومن حقوق الإخوة إحسان الظن به وصمه بالكفر والنفاق . وان معاملتنا للمسلمين بأخلاق الإخوة الإسلامية اشد أثرا في استجلابهم لدعوتنا من اى وسيلة أخرى . ثم إننا ونحن ندعو المسلمين لتصحيح إسلامهم إنما نهدف أيضا إلى تحقيق ثقتهم بإسلامهم انه منهج حياة والى ثقتهم بالحركة أنها قادرة بإذن الله على قيادة الأمة الإسلامية . وإعادة الثقة بالإسلام وبالحركة لايمكن أن تتم ألا من خلال التفاعل الإخوة مع الناس.

حول التغيير المطلوب

إن أهم ما يحتاج إلى تصحيح في حياة مسلمي اليوم هو تصورهم للحياة الدنيا ورسالتهم فيها وما يجب أن يستحوذ على اهتمامهم . أننا نلمس طغيان الجانب المادي على الجانب الروحي نرى أن الدنيا صارت أكبرهم الكثيرين منهم ومبلغ علمهم , فإذا هم يكرسون جهودهم وأوقاتهم واجتهاداتهم في تحقيق مطالب الحياة والحسد وكيفية الحصول عليها والاستمتاع بها . أما أمور الدين وما يطلبه من المسلمين من فرائض وواجبات وأخلاق وعمل وجهاد فلا يشغل بال الكثير ين منهم ، ويعدونه امراثانويا يعطونه فضل أوقاتهم وفضل أموالهم وفضل جهدهم أن كان هناك فضل , ولافلا شيء . أننا نريد أن نعود بالمسلمين إلى التصور الإسلامي الصحيح لحقيقة حياتنا الدنيوية ورسالتنا التي خلقنا الله من اجلها .

نريد من المسلمين أن يتحول اهتمامهم الأكبر إلى أخرتهم وان يسحروا دنياهم وكل ما يملكون فيها من صحة ومال ووقت لحياتهم الدائمة في الآخرة . المسلمين أن يستشعروا قدر إسلامهم وانه الدين الحق المقبول عند الله , وأنهم بانتمائهم له خير امة أخرجت للناس وإنهم أساتذة البشرية بهذا الدين , وأنهم أصحاب العزة والسيادة في الدنيا والفوز والنعيم في الآخرة لو كانوا مسلمين حقا . ونريد منهم أيضا بعد ذلك أن يستشعروا ما تمليه عليهم طبيعة هذه المرحلة من عمر الدعوة الإسلامية من جديد وانه لابد لكل فرد مسلم أن يكون عنصرا فعالا في موقعه وحسب تخصصه في أقامه هذا البناء الضخم . وان يفهم المسلمون أنهم جميعا آثمون إن لم يعلموا على إقامة دوله الإسلام .

لذلك لزم أن تبرز القدوة الحسنة في كل مجال من مجالات الحياة ولكل نوعية من مكونات مجتمعاتنا فلابد من الطالب المسلم القدوة ليكون قدوة لزملائه الطلبة ولابد من المدرس المسلم القدوة والطبيب المسلم القدوة والمهندس المسلم القدوة ، والقاضي المسلم القدوة والعامل المسلم القدوة والابن المسلم أو الابنة المسلمة القدوة ، والأم المسلمة القدوة وهكذا يلزم أن تحدد الملامح الرئيسية للقدوة الإسلامية في كل هذه المجالات والنوعيات . وهذا ما سنحاول أن نعرض إليه في بحثنا هذا والأمل كبير في الاستفادة منه إن شاء الله .

ولما كان العمل الإسلامي كما يستهدف بناء الفرد المسلم الفعال فإنه يستهدف أيضا إقامة البيت المسلم كركيزة في أساس البناء ، لزم أيضا أن نتعرض إلي البيت المسلم القدوة لكي يحتذي . كذلك المجتمع المسلم القدوة كقاعدة متينة يقوم عليها الحكم الإسلامي . ولعله من تمام الأمر أيضا أن نعرض إلي بعض المؤسسات في المجتمع التي تعد في الوقت نفسه من وسائل العمل البناء فتبرز القدوة فيها . فنعرض إلي المدرسة الإسلامية القدوة ، والمستشفي الإسلامي القدوة ، والمؤسسة الاقتصادية الإسلامية القدوة ، والبنك الإسلامي القدوة والنادي الرياضي الإسلامي القدوة ، والصحيفة الإسلامية القدوة وهكذا لإبراز التطبيق الإسلامي الصحيح في كل هذه المجالات ولكي تؤدي دورها الفعال في بناء الدولة . ولأن العمل الإسلامي الحاد يلزم أن يتم من خلال الجماعات ولا تكون فرديا لزم أيضا أن نعرض إلي الجماعة الإسلامية القدوة لتحتذي ، توحيدا للجهود نحو الوجهة السليمة .

القدوة علي الطريق وقضية الإيمان

الإيمان هو أهم عامل لإحداث التغيير في المجتمع وكذا في تحقيق القدوات علي الطريق . الإيمان في الحقيقة هو القضية . هو أهم شيء بل كل شيء للإنسان وهو بدونه لا شيء فالحياة الحقيقية للإنسان هي حياة قلبه بالإيمان ، وليس حياة الجسد التي يماثلنا فيها الحيوان . الإيمان حينما يعمر القلب يغير صاحبه تغييرا جذريا شاملا وكاملا ، يصحح التصورات والمقاييس والموازين لتكون كلها ربانية موافقة لدين الله . الإيمان الصادق يفجر في نفس صاحبه كل معاني الخير والصبر والتحمل والتضحية و الجهاد وحب الاستشهاد . الإيمان يدفع صاحبه إلي التخلي عن كل خلق أو فهم يخالف الإسلام وإلي التحلي بكل خلق وأدب إسلامي رفيع . انظر كيف نقل الإيمان المسلمين الأول من الجاهلية التي كانوا عليها وجعل منهم نماذج رائعة في قوة الشخصية وفي الجهاد وإيثار ما عند الله وفي الحب والأخوة والإيثار . وهكذا رأينا كيف ارتفع الإيمان بالمهاجرين من جوانب الأرض وجعلهم يتركون ديارهم وأموالهم مؤثرين ما عند الله .

وكيف جعل الأنصار يحبون من هاجر إليهم ويؤثرونهم علي أنفسهم.

انظر إلي هذا التغيير الذي أحدثه الإيمان ، خروج من كل متاع الدنيا وإيثار ما عند الله ، ثم جو من الحب والإيثار وقلوب تتمني الخير لغيرها خالية من الغل والحسد هكذا بعد ما كان سائدا بينهم من بغضاء وشحناء وحروب وقتل وما كانوا عليه من إخلاء إلي الأرض وإلي مطالب الجسد واستجابة لشهوات النفس . والإيمان ليس دعاء باللسان ولكنه اعتقاد بالقلب وتصديق بالعمل الصالح ، لذا نجد لفظي الإيمان والعمل الصالح مترادفين في كثير من آيات القرآن . والقدوة الصالحة علي طريق الدعوة كما ننشدها لابد لها من توافر الإيمان الصادق القوي بل تزيدها من تلك الصفوة من المؤمنين الذين وصفهم الله رجال صدقوا في إيمانهم وصدقوا في التزامهم بتعاليم إسلامهم وصدقوا في عهودهم مع ربهم وثبتوا علي الحق دون تبديل أو تغيير فأشاد الله بهم .

ثم نحن علي طريق الدعوة نتمنى الثبات والنصر والتمكين لدين الله وقد وعد الله عباده المؤمنين بهذه الأمور لذا فالإيمان أيضا من ألزم الأمور لتحقيق وعد الله لنا بالثبات والنصر والتمكين . .

الإيمان هو الأساس في بناء الفرد والبيت والمجتمع ، وهو الذي يدفع إلي كل خير والطريق لتحقيق كل خير فإلي الإيمان الصادق والعمل الصالح لنفوز بالنصر والتمكين والسيادة في الدنيا والنعيم والرضوان في الآخرة . ونختتم حديثنا عن الإيمان بعبارة للإمام الشهيد وجهها إلي الشباب : ( فجددوا أيها الشباب إيمانكم وحددوا غاياتكم وأهدافكم ، وأول القوة الإيمان ، ونتيجة هذا الإيمان الوحدة ، وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين ، فآمنوا وتآخوا واعملوا وترقبوا بعد ذلك النصر ... وبشر المؤمنين .)

الرسـول قدوتنـا

أمر طبيعي ومنطقي أن يكون رسول الله صلي الله عليه وسلم قدوتنا علي طريق الدعوة . فدعوتنا الإسلام ولا شيء غير الإسلام ، وهو رسول الله بهذا الإسلام ، الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده ، وقد تشرفنا بالانتساب إليه . ثم إن الرسول صلي الله عليه وسلم هو الذي قام علي التطبيق الأول لهذا الدين بكل جوانبه ومتطلباته وكان ذلك بتعهد من الله وتوجيهه عن طريق الوحي ، فليس أحد من البشر أعلم ولا أفقه بأمور هذا الدين من رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فهو إذا الجدير بالريادة وبالاقتداء به لمن يرجو الله واليوم الآخر ، ولكل من يريد أن يؤدي واجبه نحو الإسلام علي الوجه الصحيح .

ونحن حين نطيع الرسول ونقتدي به إنما نطيع الله ونتعبد له بطاعتنا الرسول صلي الله عليه وسلم ، فكل ما جاء به صلي الله عليه وسلم أو دعا إليه إنما بتوجيه الله له يؤكد هذا المعني بصورة واضحة كثير من آيات القرآن وأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم نذكر بعضا منها علي سبيل المثال :

من الأحاديث النبوية الشريفة :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي قيل ومن يأبي يا رسول الله ؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي " البخاري . وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها ، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي " رواه مسلم الجنادب نحو الجراد والفراش . وهذا الحديث يوضح حرص الرسول صلي الله عليه وسلم علي المسلمين .

ثم إن شهادتنا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله النبي هي أصل إسلامنا وبابه الذي ندخل منه تلزمنا بأتباع هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم كما تلزمنا بعبادة الله وحده . فقدوتنا علي طريق الدعوة هو رسول الله صلي الله عليه وسلم ، إذ أن طريق دعوتنا هو طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم . وقد عبر عن ذلك الإمام الشهيد حسن البنا بقوله :

" طريق الدعوة طريق واحدة سار عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته من قبل وسار الدعاة ونسير عليها بتوفيق من الله من بعد ، إيمان وعمل ومحبة وإخاء ، دعاهم إلي الإيمان والعمل ثم جمع قلوبهم علي الحب والإخاء .. فاجتمعت قوة العقيدة إلي قوة الوحدة ، وصارت جماعتهم هي الجماعة النموذجية ، التي لابد أن تظهر كلمتها وتنتصر دعوتها وإن ناوأها أهل الأرض جميعا . " . لهذا كان شعار الإخوان وهتافهم المحبب إلي القلوب " الله غايتنا والرسول زعيمنا – أو قدوتنا – والقرآن دستورنا ... " إذ أن القرآن هو المنهاج الذي قام علي توضيحه وتطبيقه رسول الله صلي الله عليه وسلم .

لقد فقه صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم معني اقتدائهم وتأسيسهم رسول الله فكانوا كلهم آذانا وأعينا لمعرفة كل ما يصدر عنه صلي الله عليه وسلم من قول أو فعل أو إقرار ليتبعوه وليلتزموا به ، ثم إنهم حفظوه ورووه لمن بعدهم حتى انتهي إلينا ، وقد وفق الله من الأئمة الأعلام الأتقياء من بذلوا جهودا جبارة في جمع هذا التراث الثمين من هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم وتصنيفه وتبويبه وتنقيته من كل دخيل غريب فجزاهم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء . إننا نجد في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم هديه في كل أمور الدين والدنيا فنجد هديه في العبادات والمعاملات وفي الأخلاق والآداب ، في السفر والحضر ، في المسجد وفي البيت في الحرب وفي السلم ، في الدعوة إلي الله وفي تحمل الأذى ، في العهود والعقود ، وغير ذلك كثير مما هو موجود في كتب السيرة والسنة وكما كان صلي الله عليه وسلم حريصا علي تعليم المسلمين أمور دينهم حرصا عليهم وعلي ما فيه خيرهم ، كذلك كان المسلمون حريصين علي التعرف علي كل ما يأمرهم به دينهم فكانوا يسألون الرسول صلي الله عليه وسلم ويستوضحون منه ما أغلق عليهم فهمه ، فجزي الله الرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام عنا وعن المسلمين خير الجزاء .

ونضرب هنا مثالا لامتثال صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم لهديه طاعة لله وتعبدا له ، ما رواه عابس ابن ربيعة قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل الحجر الأسود ويقول : ( أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) . متفق عليه .

أثر أتباع السنة علي مجتمع المسلمين

إن أتباعنا لسنة رسولنا صلي الله عليه وسلم في كل أمور حياتنا ، يجعلنا دائما نحيا في حال من الوعي الداخلي و اليقظة وضبط النفس , لأننا نتحرى في كل أمر أتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وما كان يدعو به في كل أمر أو مناسبة من هذه الأمور . وبهذا يصبح كل أمر نفعله خاضعا لمرقيتنا الروحية , ولا نفعله هكذا جزافا دون وعى أو تفكير . وهذا أمر له أهميته في جياة كل فرد وسلوكه . كما أن أتباع المسلمين للسنة النبوية نفعا اجتماعيا كبيرا ، فاختلاف الإمزوجة والميول في الإفراد يجعل الناس على عادات مختلفة وبالمراس تتحول هذه العادات إلى حوافز بين وتثير الخلافات والنزاع , ولكن الإسلام الحنيف يحمل أفراد البيئة الاجتماعية بطريقة منظمة على أن تكون عاداتهم وطباعهم متماثلة مهما كانت أحوال الاجتماعية والاقتصادية متنافرة , فيصير كل مسلم وكأنه لبنة شكلت في قالب معين يتلاحم ويتلاءم مع أخوانه كأنهم بنيان مرصوص ,لااعوجاج ولا نشوز , ( صبغة الله ومن أحسم من الله صبغة) .

كما هذا يشعر المسلمين بتميزهم واستقلال شخصيتهم وهويتهم الإسلامية , ولايلجاون إلى تقليد غيرهم في الغرب أو الشرق في حياتهم أو عاداتهم . وقد يسال مشكك أو مغرض : أليس في التزامنا بأتباع هدى الرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمور حياتنا افتئاتا على الحرية الفردية للشخصية الإنسانية ؟ والوقع أن اعتراض باطل ، فالحرية الحق هي في التزامنا منهج الحياة الذي حدده الله لنا , فهو الذي خلقنا ويعلم ما فيه خيرنا , لأنه بنا رءوف رحيم , وقد طبقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرنا الله أن نقتدي به , وان حيدة عن هذا المنهاج هي القيود بعينها , لأنها لاشك ستكون في غير صالح الإنسان , ولو كانت في صالحة لتضمنها المنهاج الرباني . أن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم يسمو بالمقتدى إلى درجات عاليه من الإيمان والتقوى والخلق العظيم , ويحقق الشخصية الإسلامية النموذج عقديا وعبادتا وخلقيا وفكريا وبدنيا . فلننظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة كيف يتعهد المسلم بكل الرعاية والاهتمام في كل أحواله وفي كل مراحل حياته حتى قبل ولادته وبعد وفاته وسنوضح ذلك في إيجاز شديد : نرى الرسول صلى الله عليه وسلم عند تأسيس الأسرة المسلمة يوصى باختيار الزوجة الصالح الذي ذات الدين كي يتهيأ المناخ الإسلامي الصالح الذي ينشا فيه الطفل المسلم , ثم نجد أن من السنة الاستعاذة بالله الشيطان ما يرزقهم من درية . كما توصى السنة بما يحمى الجنين وهو في بطن أمه وعندما يولد توصى السنة بالأذان في اذنة اليمنى والإقامة في اذنه اليسرى , وتوصى بحسن اختيار الأسماء التي يسمى بها المولود وتوصى الأم بالعناية به وإرضاعه وهكذا تتابع السنة مراحل نمو الطفل وما يلزمه من أسلوب المعاملة في كل مرحلة حتى يشب ويبلغ سن التكليف ثم ما بعد ذلك حتى الوفاة وبعد الوفاة يصلى عليه ويدفن ولا ينبش قبره ويدعى له بالرحمة والمغفرة , وهكذا نجد السنة أحنَّ علي المسلمين من الأم الرءوم بطفلها الوحيد .

الاقتداء يعني عدم الابتداع

من الأمور المهمة اللازم التنبيه إليها أن اقتداءنا برسول الله صلي الله عليه وسلم يعني الأتباع وعدم الابتداع ، وبهذا يظل هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم سليما بعيدا عن أي تشويه أو انحراف حتى يرث الله الأرض ومن عليها . وقد رأينا كيف حدث التحريف والتغيير في الدين علي أيدي الأحبار والرهبان حتى إنهم كانوا يحللون ويحرمون لأتباعهم ما لم يقرره الله . عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه . وفي رواية لمسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) .

الاقتداء المتكامل

علي كل مسلم أن يحرص علي الاقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم اقتداء متكاملا وليس مجتزءا ، فلا يجوز أن يقتدي به في بعض الجوانب ويخالفه في جوانب أخري ، وعلي العاملين في حقل الدعوة الإسلامية والذين يتصدرون للدعوة إلي الله وللعمل علي التمكين لدين الله أن يكونوا أشد حرصا علي هذا التكامل في الاقتداء فإنهم يعتبرون قدوة لمن يدعونهم ، فعليهم التعرف علي هدي الرسول صلي الله عليه وسلم وسنته في كل أمور حياته ، في علاقته مع ربه ، في صلاته وتهجده ، في ذكره وخشيته ومراقبته لله . في حرصه علي دعوة الناس إلي الله ، وتحمله الإيذاء في سبيل ذلك ، وفي حياته الزوجية وحسن عشيرته ، فقي تمسكه بتعاليم الدين وعدم ترخصه في شىء منها في حثه على الإخوة والحب بين المسلمين ولين جانبه , في عفوه وكظم غيظه وعدم غضبه لنفسه , في مشورته للمسلمين في عزمه وتوكله على الله , في جهاده وشجاعته وإقدامه في القتال إلى غير ذلك . وأننا لا نقصد أن نحيط بسيرته وصفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم التي يجب أن نقتدي به فيها , ولكننا نوصى كل مسلم وكل عامل لدعوة الله أن يدرس بكل الاهتمام سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته بقصد الاقتداء وليس لمجرد الثقافة والمعرفة .

الجماعة الإسلامية القدوة

أوضحنا سابقا أن طبيعة المرحلة التي نعيشها اليوم من عمر الدعوة الإسلامية توجب على كل مسلم ومسلمة العمل على أقامة دولة الإسلام وعلى رأسها الخلافة الإسلامية تمكينا لدين الله في الأرض . وذكرنا أن هذا الواجب لا يمكن أن يتم بجهود فردية موزعة , ولكنه لابد من العمل الجماعي المنظم لتلك الجهود وان الجماعة واجب لان ما لأيتم الواجب ألا به فهو واجب .

لذلك كان من الضروري ونحن نكتب عن " القدوة علي طريق الدعوة " أن نكتب عن " الجماعة الإسلامية " باعتبار الجماعة الإسلامية هي الوعاء المناسب الذي ينتظم فيه العاملون لتحقيق هذا الهدف العظيم . وسنحاول أن نذكر بعض الصفات أو السمات التي يلزم توافرها في الجماعة الإسلامية القدوْة ، ليسترشد بها الشباب الذي يحار عند اختياره الجماعة التي يعمل من خلالها لتحقيق واجبه نحو إسلامه ، ولما كنا نهدف إلي جمع كلمة المسلمين فنأمل بتوضيح صفات الجماعة المسلمة القدوة التي تلتزم بها الجماعات الموجودة علي الساحة فيساعد ذلك علي تقاربها وتوحيد جهودها بعون الله تعالي . فمن الأمور الأساسية التي يلزم توفرها في الجماعة الإسلامية القدوة :

1 – أن يكون القصد من قيامها ربانيا خالصا لوجه الله وابتغاء مرضاته ، بعيدا عن أي قصد دنيوي كالرغبة في الشهرة أو المناصب أو حب الظهور ، وأن تكون بعيدة عن الدوافع الجاهلية كالعصبية القبلية أو الإقليمي أو غير ذلك ، فإن مثل هذه الأمور تحبط الأعمال ومآل مثل هذه الجماعات الفناء أو الفشل .

2– وإذا خلصت من هذه الشوائب فعليها أو نحمي نفسها من أن تخضع لهيمنة الآخرين سواء أكانوا حكومات أم أعياناً أم كبراء ، حتى لا يطمس نورها الصافي أي لون آخر ، ولتؤدي رسالتها في الطريق الصحيح ، وحتى لا تحاول أي جهة من هذه الجهات استغلالها وتوجيهها إلي غير الغاية التي قصدت إليها .

3 – أن يكون الهدف الذي قامت من أجله هو ذلك الهدف الكلي الجامع وهو التمكين لدين الله في الأرض بإقامة دولة الإسلام العالمية ، وأن يكون في منهاجها القيام بسائر ما يحتاج إليه ذلك الهدف من خطوات وإعداد . فلا يصح أن تحصر نفسها في جزئيات محدودة من أمور الدين وتمنع أفرادها من تجاوزها .

4 – ومن ألزم الأمور للجماعة الإسلامية القدوة أن يكون فهمها للإسلام فهما شاملا سليما بعيدا عن أي اجتزاء أو خطأ ، ونقيا من أي شوائب أو بدع وخرافات . ولكن يكون مطابقا لكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم متجنبا الخلافات التي مزقت المسلمين إلي فرق وطوائف .

5 – أن تكون عالمية لا إقليمية ولا عنصرية ، لأن دعوة الإسلام موجهة إلي الناس كافة ، والمسلمون جميعا أمة واحدة ، ثم إن الهدف عالمي وليس إقليميا وهو إقامة دولة الإسلام العالمية لا مجرد إقامة حكومة إسلامية في قطر ما منعزلة عن سائر أقطار العالم الإسلامي ، ولا أقل من أن تكون الجماعة الإسلامية المحلية تهدف إلي الهدف العالمي نفسه وتنسق مع التحرك الإسلامي العالمي لتحقيق ذلك الهدف .

6 – وعلي الجماعة الإسلامية القدوة أن تسلك طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي انتهجه عند إقامة الدولة الإسلامية الأولي ويتمثل في :

- إرساء عقيدة التوحيد وتقوية الإيمان في القلوب .

- الاهتمام بقوة الأخوة والوحدة بين المسلمين .

- الاهتمام بعد قوة العقيدة وقوة الوحدة بقوة الساعد والسلاح والإعداد للجهاد لرد عدوان المشركين والكفار . فعلي الجماعة القدوة أن تهتم بتربية أفرادها عقديا وأخلاقيا وثقافيا وبدنيا ليمثلوا الركائز القوية التي يقوم عليها البناء ، وأن تزكي روح الحب والأخوة بينهم فتكون بهم القاعدة الصلبة المتماسكة ، ثم تعدهم للجهاد الفريضة الماضية .

ومن المهم أن ننبه إلي أن استعمال قوة الساعد والسلاح قبل تحقيق قوة العقيدة وقوة الوحدة يعرض الجماعة إلي التمزق والفناء . وكلنا يعلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يؤذن له في رد عدوان المشركين إلا بعد أن تهيأت الظروف لذلك .

7 – علي الجماعة الإسلامية القدوة أن تؤثر الناحية العملية علي الدعاية والمظاهر ، وأن تعود أفرادها العمل والإنتاج في دأب وصمت ، بعيدا عن الجدال وكثرة النقاش ، فكثيرا ما يؤدي ذلك إلي الخلاف أو تعطيل العمل والإنتاج في حقل الدعوة . كما أن حب الدعاية والظهور قد يشوب الإخلاص ويحبط الأجر والثواب .

8 – وعلي الجماعة الإسلامية القدوة أن تعمل حسب خطة عمل كاملة متدرجة وواقعية ، وألا يكون عملها ارتحاليا ، أو ردود أفعال ، أو علي صورة قفزات غير مدروسة ولا مأمونة العواقب . وخير طريق يوصل إلي الهدف هو إعداد الفرد المسلم اللبنة الأساسية في البناء ، فهو الذي يقيم البيت المسلم القدوة المؤسس علي التقوى كدعامة في بناء المجتمع المسلم السليم الذي يكون بمثابة القاعدة الصلبة التي يقوم عليها الحكم الإسلامي مستقرا . علي أن يتم ذلك علي مستوي الشعوب الإسلامية تمهيدا لقيام الدولة الإسلامية العالمية .

9 – ويجب أن يشمل اهتمامها سائر مجالات العمل المطلوب لتحقيق الأهداف ، فتعني بالجوانب الروحية والتربوية والثقافية والرياضية البدنية ، وتهتم بالجانب الاجتماعي بتحقيق التكامل وتيسير الزواج للشباب ، وبالجانب الاقتصادي بإنشاء المؤسسات الاقتصادية ، وبالجانب السياسي بإعلاء صوت الإسلام في المجالات السياسية والنيابية بعيدا عن أسلوب الأحزاب ومهاتراتها وبالجانب الإعلامي المقروء والمسموع والمرئي ، وبإنشاء دور النشر وتقديم كل جديد نافع يساعد علي نشر الدعوة ورد الشبهات والأباطيل .

10- وعلي الجماعة الإسلامية القدوة ألا تتعالي علي غيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى ، وألا تعتبر نفسها جماعة المسلمين ، أو أنها وحدها علي الحق وغيرها علي الباطل ، ولكن تسعي جاهدة إلي تحقيق روح الوحدة والتعاون مع غيرها من الجماعات ، وأن تتجنب تجريح الهيئات أو الأفراد وإن تعرضت إلي إساءات من أفراد أو جماعات أخري فعليها أن تصبر وتقابل ذلك بالتي هي أحسن . وكلتا أمل أن يأتي اليوم الذي تزول فيه الأسماء والألقاب والفوارق الشكلية بين الجماعات الإسلامية وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية ويصير الجميع إخوانا متحابين ، للدين عاملين ، وفي سبيل الله مجاهدين .

11- واجب الجماعة الإسلامية القدوة أن تلتحم مع جماهير المسلمين ، وأن تعيش قضاياهم ، وأن تشاركهم آلامهم وآمالهم ، فهم حقل الدعوة وهو القاعدة المطلوب إعدادها ليقوم عليها الحكم الإسلامي مستقرا بإذن الله . ولعله من المعلوم أن أعداء الإسلام وأعوانهم يسعون دائما إلي إقامة الحواجز الوهمية بين الجماعات الإسلامية والشعوب الإسلامية بإلصاق التهم الزائفة بالحركات الإسلامية ، فالتحام الجماعات الإسلامية بالشعوب يبطل هذه الاتهامات ويظهر زيفها .

12- علي الجماعات الإسلامية القدوة أن يكون لها نظامها الأساسي ولوائحها التي تنظم عملها وتحدد أهدافها وسائلها وتحدد أسلوب العمل ومجالاته ، وتحاسب أفرادها وتضبط تصرفاتهم ، وتحمي صفوفها من التسيب ومن أن تخترقها عناصر مشبوهة وعليها أيضا أن تقوم عملها بين الحين والحين لتفيد من الإيجابيات وتتفادى السلبيات .

13- وعليها أن تحقق الشورى في مؤسساتها وعلي كل مستوياتها ، وأن تشجع أفرادها علي المبادرات وتقديم الآراء والاقتراحات والنصح للمسئولين ، وكذا النقد البناء ، مع ترسيخ معاني الطاعة في غير معصية والالتزام بما ينتهي إليه من آراء . وأن يربي الأفراد علي الإيجابية وقوة الشخصية .

14- وعليها أن تسلك سبيل الاعتدال متجنبة الغلو أو التفريط سواء في الأفكار كفكر التكفير أو غيره ، أو في الحركة كأسلوب الأعمال الفجة المتهورة . وعليها أن تتجنب الترخص أو التفريط في أمور العقيدة أو العبادات أو الفرائض عموما ، كذلك عدم الغلو أو التشدد في التكاليف بما يشق علي الكثير .

15- وعليها أن تتابع القضايا الإسلامية علي الساحة وأن تسهم فيها بقدر استطاعتها ، وأن تدعو المسلمين جميعا إلي الإسهام فيها تزكية لروح الوحدة بين المسلمين ، والشعور بالمسئولية العامة من كل شبر من أرض الإسلام وتحريره من أيدي المغتصبين وعلي رأس ذلك المسجد الأقصى ، وعن كل روح مسلمة تزهق علي أيدي الأعداء في أي بقعة من العالم .

16- وعلي الجماعة الإسلامية القدوة أن تكون يقظة لما يحوكه الأعداء من كيد أو استدراج ، وأن تهيئ أفرادها لتحمل المشاق علي طريق الدعوة ، إذ أنه ليس مفروشا بالورود ولكنه ملئ بالأشواك والعقبات والجهد و الجهاد والعرق والدماء ، ويحتاج إلي الصبر والمصابرة والاحتساب ، مع معرفة أن المحن سنة الدعوات ، وأن النصر سيكون في النهاية لأهل الحق مهما انتفش الباطل واستعلي بعض الوقت

17- وعلي الجماعة أن توضح لأفرادها مدي الخير العظيم الذي سيقدمونه للمسلمين وللبشرية والأجيال التالية من البشرية بإقامتهم لدولة الإسلام وتمكنيهم لهذا الدين الحق ، وكذا مدي الثواب العظيم من الله ، فلا شك أن هذه المعاني من شأنها أن تدفع الأفراد إلي التحمل والثبات ومواصلة السير .

18- وعليها أن تفكر في مراحل العمل القادمة وتعد أفرادها لما ينتظرها من مهام ومسئوليات سواء في مجال الدعوة والتربية ، أم في مجال الجهاد في سبيل الله ، أم في مجال الحكم ، وضرورة إعداد الكفاءات المتخصصة في كل مجال أو مرفق من مرافق الدولة .

19- وعليها أن تستفيد من كل إنتاج فكري أو تجريبي علي الساحة العالمية طالما أنه يتعارض مع الإسلام وتعاليمه . فالحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها .

20وأخيرا علي الجماعة الإسلامية القدوة أن تعرف أفرادها علي أنهم ستار لقدر الله ، وأن الأمور كلها تتم بإرادة وقدرته ، وأن مهمتهم الأخذ بالأسباب والوسائل المشروعة أما النتائج فهي بيد الله ، وأنهم لن يحرموا أجر العاملين ولو لم تتحقق النتائج علي أيديهم ، وليعلموا أن الزمن في مجال مهمتنا هذه الكبيرة يقاس يعمر الدعوات والأمم وليس بعمر الأفراد . وأنه حينما تتحقق أسباب النصر علي عباد الله المؤمنين لأن وعد الله حق كما أن وعده للمؤمنين بالتمكين سيتحقق أيضا بإذنه تعالي إذا ساروا علي الطريق الصحيح طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم فإلي العمل وإلي النصر إن شاء الله .

والأسرة المسلمة القدوة

مكانة الأسرة في الإسلام :

تعتبر الأسرة المسلمة أو البيت المسلم من أهم المؤسسات في حياة المسلمين عامة وفي منهاج العمل الإسلامي بصفة خاصة ويرجع ذلك إلي الدور الكبير المنوط بالأسرة في تنشئة الأجيال وصناعة الرجال الذين هم عدة المستقبل وركائز البناء ودرع الأوطان . والمجتمع في أي دولة عبارة عن مجموعة من الأسر فيقدر سلامة الأسرة وأصالتها تكون سلامة المجتمع وأصالته وبالتالي قوة الدولة وصلابتها وسلامة بنيانها . أما إذا انهارت الأسرة انهار تبعا لها المجتمع ثم الدولة

ومقياس سلامة الأسرة وأصالتها لا يكون بالجوانب المادية الدنيوية فقط كصحة الأبدان ومستوي السكن والغذاء واللباس والمستوي الاجتماعي والثقافي إلي غير ذلك ولكن أسباب القوة والأصالة في الأسرة المسلمة تتمثل أول ما تتمثل في التزام أفراد الأسرة بالإسلام عقيدة وعبادة وأخلاقا وآدابا ومعاملات بحيث يهيمن الإسلام علي جو الأسرة تماما فنري الإسلام واضحا في كل جانب من جوانب حياة الأسرة والبيت ، في كل صغيرة وكبيرة في المظهر والمخبر والمشرب ، في الأثاث واللباس ، في الأفراح والأتراح ، في العادات والتقاليد ، في علاقة أفراد الأسرة مع بعضهم بعضا ، في أتباع هدي الرسول صلي الله عليه وسلم في أعمال اليوم والليلة ، والأدعية المأثورة في كل تلك الأحوال ، تري الإسلام في كل صغيرة وكبيرة في حياتها .. في مواعيد النوم والاستيقاظ ، وفي معاملة الخدم وفي العلاقة مع الجيران ، وفي حدود العلاقة مع المحارم وغيرهم من الأقرباء إلي غير ذلك من أمور . فنري الأب رب الأسرة يقوم بواجبه نحو زوجته وأبنائه ويكون نعم الراعي لرغبته ، وكذلك الأم تقوم بواجبها نحو زوجها وأبنائها ، وكذلك الأبناء يقومون بواجبهم نحو أبيهم وأمهم بما يمليه عليهم الإسلام من البر والإحسان والطاعة في غير معصية . وهكذا يسود المناخ الإسلامي جو البيت المسلم القدوة فتشب فيه الذرية صالحة وتكون بحق قرة أعين للوالدين وذخرا للأمة .

وفي المقابل يخلو جو الأسرة المسلمة القدوة من اللهو واللغو والإثم ومن العادات الجاهلية ومن المحرمات في المطعم والمشرب والملبس والمقتنيات ويخلو من الإسراف والترف وما نهي عنه الإسلام .

مكانة البيت المسلم في منهاج العمل الإسلامي :

نري الإمام البنا حينما حدد الهدف العظيم الذي ننشده وهو التمكين لدين الله بإقامة دولة الإسلام العالمية وعلي رأسها الخلافة الإسلامية حدد أيضا وسائل البناء ومراحله ومنها الفرد المسلم والبيت المسلم والمجتمع المسلم والحكومة الإسلامية فالدولة الإسلامية والخلافة وأستاذية العالم . فكان الأفراد المسلمون والبيوت المسلمة في المجتمع المسلم بمثابة القاعدة الصلبة التي يقوم عليها بناء الحكومات المسلمة مستقرة قوية ، ليتم ذلك علي مستوي الشعوب الإسلامية . والفرد المسلم القدوة هو الذي يقيم البيت المسلم القدوة ، كما أن البيت المسلم القدوة هو الذي يخرج الأفراد المسلمين القدوة وهكذا يتم توريث الأصالة الإسلامية للأجيال بقوة وإذا حدث تقصير في هذا التوريث تعرضت الأسرة والأفراد إلي هبوط المستوي والانهيار ، خاصة وأن دعاة الشر والفساد لا يألون جهدا في غزو أفرادنا وبيوتنا بكل ألوان فسادهم وشرورهم .

أساس بناء الأسرة المسلمة القدوة

تقوي الله هي الأساس المتين الذي يقوم عليه بناء الأسرة المسلمة القدوة ، فيكون اختيار الزوج لزوجته حسب توجيه الرسول صلي الله عليه وسلم بأن تكون ذات دين وليس لجمالها أو مالها أو حسبها . وتكون موافقة الزوجة وأهلها علي الزوج لأنه ذو خلق ودين وأمانة . فتأسيس البيت المسلم هكذا علي التقوى من أول يوم ، وتصبح المقاييس الربانية والآداب الإسلامية هي التي توجه وتضبط خطوات بناء هذا البيت ابتداء من الخطبة والعقد والدخول وما بعد ذلك ، وتسيطر النظرة الإسلامية الصحيحة للزواج والحياة الزوجية ، بخلاف النظرة المادية التي تقوم عليها بعض الزيجات وتصير المقاييس المادية هي أسلوب التعامل في حياة البيت فسرعان ما يحدث الخلاف ويتعكر جو الحياة الزوجية لعدم الرجوع إلي الضوابط والمقاييس الإسلامية التي تحدد السلوك والرغبات ويلتزم بها الزوجان .


حقيقة السعادة الزوجية

يخطئ من يظن أن السعادة الزوجية تتحقق من خلال الماديات كوفرة المال وتهيؤ السكن الجميل والأثاث الفاخر والمركب المريح والملابس المتنوعة والأدوات الحديثة في البيت ، والطعام اللذيذ وأسباب الترف وإشباع الشهوات إلي غير ذلك من أمور . ولسنا مغالين أو بعيدين عن الواقع إذا قلنا : إن الكثير من الفتيات يسيطر عليهن هذا التصور الخاطئ لحقيقة السعادة الزوجية ، وتكون أحلامهن الوردية لعش الزوجية من خلال هذه النظرة المادية القاصرة . والحقيقة التي نحب أن يعلمها شبابنا وفتياتنا المسلمات أن السعادة الزوجية الحقة لا تتحقق من وراء هذه الماديات التافهة الفانية ، فكم نري من هم في القصور وسط الحشم والخدم ولا سعادة زوجية حقة يعيشونها ، ونري السعادة الزوجية متحققة بين رجل وزوجته يعيشان في كوخ صغير . إن السعادة في عمومها من داخل النفس وليس من خارجها ، من تقوي الله إذ يفيض الله بها علي عباده المتقين .


فحينما تتوفر التقوى لدي كل من الزوج والزوجة تتحقق لهم السعادة الزوجية الحقة ، فتقوى الله تعني مراقبة الله أولا وتحري كل ما يرضيه وتجنب ما يغضبه ، والتزام كل منهما توجيهات الكتاب والسنة في حياتهما وواجباتهما وحقوقهما ، ولا شك أن في ذلك السعادة والخير لأنها توجيهات من لدن حكيم خبير وبعباده رءوف رحيم ، وإرشادات من الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى وهو بالمؤمنين رءوف رحيم ، وعزيز عليه ما يعنتهم وحريص عليهم وعلي ما فيه خيرهم . ثم إنه بتوفر التقوى عند الزوجين تتوفر الثقة بينهما ، فيطمئن أنها له وحده وتطمئن هي أنه لها وحدها ، ولا سبيل حينئذ للشك والظنون والريب وغير ذلك مما يعكر صفاء الحياة الزوجية ويكون علي حساب السعادة والمودة . وبتوفر التقوى يتحقق السكن وتوجد المودة والرحمة بينهما.

والمسلم الذي يتقي الله ينظر إلي الزواج علي أنه عبادة يتقرب من خلالها إلي الله بحسن أداء واجبه نحو زوجته وبيته وأولاده . كذلك المسلمة التي تتقي الله تعتبر الزواج عبادة وتسعي لنيل رضوان الله بحسن قيامها بواجبها نحو زوجها وبيتها وأولادها علي مثل هذا البيت تتنزل السكينة والرحمة والمودة والسعادة .

توصيات عامة للأسرة المسلمة القدوة

هناك أمور وثيقة الصلة بالأسرة المسلمة أو البيت المسلم القدوة ، تحدث فيها عادة تجاوزات لا تناسب مع القدوة على طريق الدعوة نرى من الواجب أن نلفت النظر إليها . بعضها يتصل بالمبني وبعضها بالأثاث وكذا ما يتصل منها بالطعام أو الشراب أو اللباس أو الميزانية أو العادات أو الجيران أو الأصدقاء نعرض إليها في إيجاز شديد وان كانت تحتاج إلى تفصيل ليس هنا مكانه .

حول المبني :

نلاحظ في عصرنا هذا تسابقا غريبا في تشييد المنازل والحرص على فخامتها ويتبارى الفنيون في إبراز عبقرياتهم , ويصرف عليها بالملايين . ما من شك أن هذا إسراف منهي عنه في وقت نجد فيه الملايين من المسلمين المشردين بلا مأوى ولا ملبس ولا مأكل . وقد يقول قائل : وماذا في ذلك صاحب المال قد أدى حق الله فيه واخرج زكاته وانفق زيادة عن الزكاة على بعض الفقراء والمحتاجين . فنقول يجب أن يكون واضحا أصلا أن الحياة الدنيا ليست دار نعيم ولا دار استقرار , ثم أن مثل هذا البيوت الفخمة يمكن أن تكون مثار فتنة لأصحابها , تجعلهم يركنون إلي الدنيا ولا يقدمون علي الجهاد والعمل الشاق في سبيل الله ، كما أنها قد تثير الحقد والحسد في نفوس المعوزين والفقراء . ولا نريد أن نعمر بيوتنا في الدنيا علي حساب المساكن الطيبة في جنات عدن . ولنتذكر جميعا بيوت النبي صلي الله عليه وسلم وهو من هو منزلة الله .

وما نوصي به الأسرة المسلمة القدوة حول المبني : الاعتدال والبساطة والتقليل من التكاليف والكماليات وألا يكون ضيقا ولا متسعا أكثر من اللازم ، وأن يكون صحيا ، وتكون غرفه كافية لتحقيق التفريق في المضاجع بين الأبناء وعزل البنات عن الصبيان . ويراعي عدم كشف عوراته من خارجه ، وتيسير حركة أهل البيت بمعزل عن مكان استقبال الضيوف ما أمكن . وحبذا لو خصص فيه مكان للصلاة يحافظ علي نظافته وطهارته إلي غير ذلك من آداب إسلامية يلزم مراعاتها . هذا بالنسبة لمن عندهم قدرة علي البناء أما الذين لا يقدرون فيكتفون بالاستئجار مع محاولة تحقيق الصفات السابقة في البيت المستأجر ما أمكن . هذا والأصل أن الدولة الإسلامية تكفل للفقير بيتا يسكن فيه .

حول أثاث البيت :

نلاحظ أيضا تسابقا شديدا وتباهيا بين الناس في اقتناء الأثاث الفاخر والفراش الناعم الوثير ، وازدحام المنازل بكل أسباب الترف والرفاهية والكماليات ، وللنساء دور كبير في هذا التسابق وفي إلحاحهن علي الرجال في هذا المضمار وهذه التجاوزات ، وللأسف يخضع الكثير من الرجال لضغط النساء . وبالإضافة إلي ما في ذلك من إسراف منهي عنه فإن هذا النوع من الأثاث يشد صاحبه ويجذبه إلي الإخلاد والاسترخاء والنوم عن الطاعات والفتنة يزخرف الدنيا ومتاعها علي حساب الآخرة ونعيمها ، ويجعل صاحبه يثَّاقل عن الجهاد أو تحمل المشاق والحياة الخشنة في سبيل الدعوة إلي الله وإذا اعتقل أو سجن ونام علي الأسفلت أو علي حصير الليف فقد يحدث له انهيار نتيجة النقلة الكبيرة . كما أن الأثاث الفخم سيكون عبئا علي أهل البيت ويحتاج إلي جهد وأيد عاملة للمحافظة علي تنظيفه وتنظيمه كل يوم .

والذي نوصي به الأسرة المسلمة القدوة حول أثاث البيت البساطة والمتانة بعيدا عن الإسراف والترف وأن يكون أقرب إلي الخشونة منه إلي النعومة التي تساعد علي كثرة النوم عن الطاعات . ففي ذلك توفير للمال وتوفير للجهد في تنظيمه وتنظيمه . ويمكن الاستفادة من بعض قطع الأثاث التي لها أكثر من استعمال كبعض الأرائك التي تتحول إلي فراش للنوم عند الحاجة إلي غير ذلك . كما يراعي خلو أثاث البيت من الأشياء المحرمة كالتماثيل وأواني الذهب أو الفضة وغير ذلك . ومن المفيد في هذا المجال أثاث بيوت النبي صلي الله عليه وسلم وكيف كان يؤثر الحصير في جنبه الشريف وهو أعز خلق الله علي الله .

حـول الملابـس :

نلاحظ أيضا تسابقا مجنونا في شراء الملابس الكثيرة الفاخرة ومتابعة الأزياء الحديثة وتكتظ أماكن حفظ الملابس في البيوت بها ، في وقت يتعرض فيه كثير من المسلمين وأبناؤهم إلي التعري وإلي المعاناة من تقلبات الجو . وكما أن للفراش الوثير أثره غير المطلوب للمسلم القدوة كذلك الملابس الفاخرة لها أثرها النفسي علي صاحبها فتجعله يميل إلي الدعة والترف والنعومة التي تتنافي مع الرجولة المجاهدة التي تتحمل المشاق ، ولذلك حرم الله الحرير والذهب علي الرجال . وربما أدي ليس الملابس الفاخرة أيضا إلي الخيلاء والتعالي علي الناس إلي غير ذلك من معان تتعارض وروح الإسلام وآدابه وقد تلهي الملابس الفاخرة صاحبها وتشغله في صلاته .

لذلك نوصي الأسرة المسلمة القدوة بالبعد عن الإسراف والترف في الملابس ، وأن يراعي فيها البساطة والمتانة والحرص علي نظافتها وطهارتها ، والتحرز من المحرمات كالحرير والذهب بالنسبة إلي الرجال . أما بالنسبة إلي النساء فيراعي الزىّ الإسلامي بحدوده ومواصفاته المعروفة حال خروجها من المنزل أو تعرضها لغير محرم من الأقارب أو غيرهم داخل المنزل . كما نوصي بالتصدق بالزائد من الملابس علي الفقراء والمساكين . ولنذكر ما كانت عليه ملابس رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته . وليكن تطلعنا إلي السندس والإستبرق في الآخرة فهناك النعيم الخالد .

حول الطعـام والشـراب :

نلاحظ علي كثير من الناس النهم والإسراف في الطعام والشراب وتعدد أنواعه وكثرة كمياته بما يستهلك جزءا كبيرا من ميزانية البيوت ، وكثيرا ما يلقي جانب كبير من باقي الطعام في صناديق القمامة ، في وقت يموت فيه الآلاف والملايين من المسلمين جوعا ، ويحتاج فيه المجاهدون في سبيل الله في أفغانستان وغيرها إلي ما يسدّ رمقهم . وقد نهينا عن الإسراف في الطعام والشراب ( وكلوا وشربوا ولا تسرفوا ) . ومن حديث الرسول صلي الله عليه وسلم : " ما ملأ ابن آدم وعاء قط شرا من بطنه " رواه الترمذي . ثم إن الإسراف في الطعام والشراب يؤدي إلي السمنة وضخامة البدن وما يترتب علي ذلك من علل وأمراض ، وسيطرة الشهوات وبالتالي التثاقل والكسل والتراخي عن الطاعات وعن الحركة و الجهاد . وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ( إياكم والبطنة في الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسد مورثة للسقم مكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصد منهما فإنه أصلح للجسد وأبعد من السرف وإن الله تعالي ليبغض الحبر السمين وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته علي دينه .) .

ومن قبيل قلب الأوضاع أن يتحول شهر رمضان شهر الصوم والجوع إلي شهر التخمة والتفاخر بألوان الطعام والحلوى والمكسرات والسهر والسمر وغير ذلك مما هو متعارض تماما مع طبيعة شهر رمضان وما يجب أن يكون عليه حال المسلمين من رياضة النفس والتخفف من الطعام والشراب والإقبال علي الطاعات والبعد عن اللهو واللغو والآثام . والذي نوصي به الأسرة المسلمة القدوة حول الطعام والشراب تحري الحلال الطيب والتحرز من الحرام ومما فيه شبهة ، والبعد عن الإسراف أو التقتير ومراعاة احتوائه لاحتياجات الجسم ما أمكن . لا نريد التلذذ في الدنيا بشهوات البطن علي حساب نعيم الجنة وثمارها . ولنذكر طعام رسول الله صلي الله عليه وسلم وزوجاته أمهات المؤمنين وكما تروي عائشة رضي الله عنها أنه كان يمر علينا الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيت من بيوت رسول الله نار . وكان كثير من الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر يخرجهم الجوع من بيوتهم . ولا يفوتنا أنم نذكر بالأدعية عند بدء الطعام والانتهاء منه كي يبارك الله فيه ولا يشارك فيه الشيطان .

حول ميزانية الأسرة المسلمة القدوة

نلاحظ البعض ممن بسط الله لهم في الرزق يتوسعون في أبواب الصرف باقتناء أكثر من سيارة وعدد غير قليل من الخدم ويعطون أولادهم مالا غير قليل ربما يؤدي في كثير من الأحيان إلي فسادهم وانحرافهم ، ونجدهم يقضون أوقاتا في رحلات سياحية خارج بلادهم ينفقون فيها الكثير وربما تعرضوا خلالها إلي فتن ومفاسد وآثام . ونري أيضا أسرا من محدودي الدخل لا ينظمون معدل صرفهم ليتناسب مع مواردهم فإذا هم يقعون في أزمات وقد يلجأون إلي الاستدانة وقد تتراكم عليهم الديون . ونري أسرا يدب الخلاف بين الزوج والزوجة بسبب الخلل في ميزان الصرف وكما يقول بعضهم إن المرأة والطفل الصغير يظنان أن الرجل علي كل شيء قدير ، فيحملون الرجل مالا تتحمله موارده أو قد يتسع الخلاف ويؤدي إلي تصدع الأسرة . لذلك كله وغيره كثير نوصي الأسرة المسلمة القدوة بالآتي :

أولاً : وقبل كل شيء ، تحري الكسب الحلال الطيب والتحرز من الحرام الخبيث ، فكل لحم نبت من حرام فالنار أولي به ، وما أجمل وصية الزوجة المسلمة الصالحة لزوجها عند خروجه للعمل في الصباح إذ تقول له اتق الله فينا فلا تطعمنا إلا من حلال .

ثانيًا : التشاور بين الزوج والزوجة في ميزانية البيت وأبواب الصرف والاتفاق علي ألا تتجاوز المصرفات الواردات بل يجب أن يكون هناك جزءا مدخرا للطوارئ ، وبهذه الطريقة تستشعر الزوجة مسئوليتها في عدم تجاوز الميزانية والاقتصاد في الصرف .

ثالثًا : الاكتفاء بالضروريات والبعد عن الكماليات ما أمكن ، وعدم إتاحة الفرصة لانحراف الأولاد بوفرة المال في أيديهم .

رابعًا : مراعاة حق الله بأداء الزكاة في وقتها وأداء فريضة الحج إذا توفرت الاستطاعة والتعود علي الإنفاق في سبيل الله وإعانة الفقراء والمساكين . وتعويد أفراد الأسرة بالتبرع لأبواب الخير وللجهاد يودع فيه أفراد الأسرة ما يتيسر لهم إنفاقه في هذا السبيل .

تجربة ناجحة

وأعرض هنا تجربة ناجحة لمحدودي الدخل من شأنها أن تنظم معدل الصرف وتعفي رب الأسرة من الأزمات الموسمية التي تزداد فيها أبواب الصرف كبدء العام الدراسي أو الأعياد أو غير ذلك كما تعفيه من الحرج لما يحدث بين الأبناء من غيرة عندما يشتري لهم الأب ملابس أو غيرها ويتصور بعضهم أنه ميز بعضهم علي بعض . فيحدث تشاور بين الزوج والزوجة علي ضوء الدخل ويحدد القدر المناسب لمصروفات المنزل من طعام وشراب وكهرباء وغير ذلك ويجنب وحده ويمكن تقسيمه إلي ثلاثة أجزاء لكل عشرة أيام جزء كي ينتظم معدل الصرف طوال الشهر .

كما يحدد لكل فرد من أفراد الأسرة مقدارا شهريا محددا حسب ظروفه ومنه ومتطلباته وفي حدود الميزانية بحيث يغطي هذا المبلغ كل احتياجاته الخاصة من ملابس ومواصلات وغيرها فيما عدا الأمور الطارئة كالمرض أو السفر الطويل أو غير ذلك . ويأخذ كل فرد نصيبه كل شهر ويمكن بالنسبة للأولاد بإشراف الأم تنظيم صرفهم وتحقيق مطالبهم في حدود مبالغهم ، ويمكن التيسير عليهم بالإقراض ثم التسديد مع تشجيعهم علي التوفير وهكذا يتعودون الشعور بمسئولية أنفسهم وترتيب أولويات احتياجاتهم ولوازمهم في المناسبات المختلفة دون أن يحملوا والدهم شيئا من الانشغال بمطالبهم .

بهذه الطريقة لا تتكدس الطلبات في وقت واحد دون توفر المال الكافي ، وتزول الحساسيات أو الغيرة أو غير ذلك من المشاكل وتسير الأمور بانتظام إلي حد كبير . وعند تنظيم الميزانية يحدد مبلغا احتياطيا للطوارئ وفي الأجازات الصيفية يدرب من كبر من الأولاد أو البنات بتسليمهم مصروف البيت الشهري مدة شهر لكل منهم بإشراف الأم ليتدربوا علي حسن توزيع المبلغ علي أيام الشهر وحسن اختيار احتياجات المنزل من أصناف الطعام وغيره وفي ذلك تأهيل لهم قبل الزواج . وفي ظل هذا الجو من التفاهم والتعاون والمشاركة تكيف الأسرة حياتها بأقل قدر ممكن إذا تعرضت لابتلاء أو امتحان وقلت فيه الموارد حتى يجعل الله لهم مخرجا . فالغني غني النفس ، والقناعة كنز لا يفني . وما أجمل حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم " من بات آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها " . وعن عبد الله بن محصن قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا " الترمذي وابن ماجه .

صلة الأرحام والعلاقة بذوي القربى

مطلوب من الأسرة المسلمة القدوة أن تكون قدوة في كل ما يدعو إليه الإسلام من فضائل . ولقد حث الإسلام علي صلة الأرحام والإحسان إلي ذوى القربى . ولا شك أن لذلك أثره في دعم الصلة والوشائح في المجتمع المسلم بما يحقق جو التعاون والتكافل والتراحم بين المسلمين بعضهم بعضا .

ولو أن كل مسلم وكل أسرة مسلمة عملوا بهذه الآية الكريمة لتحقق المجتمع الفاضل المتحاب المتعاطف بحيث لا يبقي فرد محتاج منسيا أو مهملا . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من سرَّه أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه منية السوء فليتق الله وليصل رحمه " متفق عليه .

أخرج البخاري والترمذي وأحمد عن عمرو بن العاص عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " . وللبخاري والترمذي وأحمد عن أبي هريرة وعائشة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " إن الرحم شجنة من الرحمن ، فقال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته " زاد الترمذي قبلها " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " .

فعلى الزوج في الأسرة المسلمة القدوة أن يحرص على احترام أسرة الزوجة وإكرامها وخاصة والديها بحيث يشعرون و كأنه ابنهم وذلك بجانب بره وإحسانه لأسرته هو وخاصة والديه . وعلى الزوجة المسلمة أن تحرص على احترام أسرة الزوج وإكرامها وخاصة والديه حتى يشعروا وكأنها ابنتهم وذلك بجانب برها وإحسانها لأسرتها وخاصة والديها . وننبه في العلاقات واللقاءات مع الأقرباء أن تراعى آداب الإسلام وتعالميه من حيث التحجب وعدم الخلوة بغير المحارم , إذ أننا نلاحظ تجاوزات في ذلك بسبب الفهم الخاطئ بان الأقرباء لا حرج معهم , فيجب التمييز بينهم وما يحل للمحرم ومالا يحل له .

صلة الأسرة المسلمة بالجار

لقد اهتم الإسلام بالتوصية بالجار والإحسان إليه كما ورد في الآية السابقة , والأحاديث في هذا الباب كثيرة نذكر منها : عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه , ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره , ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ) متفق عليه وفي رواية ليصمت بدل ليسكت . وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " متفق عليه . وعن أبي ذر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " يا أبا ذر إذا طبخت فأكثر المرقة وتعاهد جيرانك أو قسم بين جيرانك " رواه مسلم والترمذي وابن ماجه .

حول المعارف والأصدقاء :

الأسرة المسلمة ليست في عزلة عن المجتمع ولابد أن يكون لها معارف وأصدقاء ، لذا يلزم التفاهم بين الزوج والزوجة حول تحديد دائرة المعارف والأصدقاء لكي يتم حسن الاختيار لهم وتفادى التورط في العلاقات مع أحد من أهل السوء . كما يلزم تحديد مدي العلاقة بحيث تكون بالقدر المناسب الذي يحقق الخير ويحول دون السلبيات والمتاعب . وعلي الأسرة المسلمة القدوة أن يكون القصد الأول من هذه الصلات تحقيق الخير للدعوة الإسلامية بأن يتحقق من خلالها الدعوة إلي الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون علي البر والتقوى ، وربما كان مناسبا تنظيم لقاءات للتفقه في أمور الدين للرجال وأخري للنساء ويتجنب كل ما نهي الله ورسوله عنه من غيبة أو نميمة أو غيرهما . كما يعتني أيضا بالأطفال ويتم توجيههم . ولا يحلو الأمر من تبادل الهدايا فعلي الأسرة المسلمة القدوة أن تحسن اختيار الهدايا النافعة لجانب الدعوة كالمصحف الشريف والكتب الإسلامية النافعة وأشرطة الكاسيت أو الفيديو الإسلامية أو غير ذلك بما يفيد الكبار والصغار .

حول الضيوف وإكرامهم :

إكرام الضيف أيضا من الفضائل التي يحث عليها الإسلام ، وهي فضيلة تؤكد روح الأخوة والمودة والتعاطف بين المسلمين ، وحينما تسود هذه القضية مجتمعنا يشعر كل فرد فيه أنه بين أهله أني ذهب وحيثما حل . بخلاف المجتمعات المادية في أوروبا وغيرها التي تفقد مثل هذه الفضائل بل حتى بر الوالدين والإحسان إليهما لا يكادان يواجدان وطغت المادة علي العلاقات ، لكننا في المجتمع الإسلامي نجد الإسلام يحث المسلمين علي اشتراكهم وتعاونهم في قري الأضياف إذا كثروا كما حدث مع أهل الصفة ويراعي عدم الإسراف أو الكفلة .

والأحاديث حول إكرام الضيف كثيرة وقد أوردنا أحدها عند الحديث عن الصلة بالجار . وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال دخل علي جابر ابن عبد الله نفر من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم فقدم إليهم خبزا وخلا فقال : " كلوا فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول نعم الإدام الخل " إنه هلاك بالرجل أن يدخل عليه النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم ، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم رواه أحمد والطبراني . ولعل قوله إنه هلاك بالرجل .. إلخ من كلام جابر مدرج غير مرفوع والله أعلم . وعن أبي شريح الخزاعي قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة ولا يحل لرجل أن يقيم عند أحد حتى يؤثمه قالوا يا رسول الله فكيف يؤثمه ؟ قال يقيم عنده وليس له شيء يقريه " متفق عليه .

الزوج والأب المسلم القدوة

بعد أن تناولنا هذه الأمور العامة المتصلة بالأسرة المسلمة القدوة ، يجمل بنا أن نتناول العناصر المكونة للأسرة المسلمة كلا علي حدة ، كالأب أو الزوج ، والأم أو الزوجة والابن والابنة ، كي يتعرف كل منهم علي واجباته الإسلامية نحو نفسه ونحو غيره . فبالنسبة إلي الأب أو الزوج ننبه إلي الأمور التالية :

1– أن يستشعر مسئوليته العظيمة والثقيلة أمام الله عن رعايته أللأسرة وانه مسئول عن كل فرد فيها وعن كل ما يتعلق به بدنيا وروحيا وعقليا وأساسها وأهمها وهو الجانب الروحي اى ما يتصل والتربية الإسلامية , التي يترتب عليها الحياة المصرية في الآخر , ويقول سوله صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته ... "

2– عليه أن يكون قدوة حسنة لزوجته وأبنائه من حيث تمسكه بتعاليم الإسلام وقيامه بتكاليفه والتخلق بأخلاقه ، فذلك ، خير له ويجعله أقوي تأثيرا في توجيهه ورعايته لأفراد الأسرة ، بخلاف ما إذا كان مقصرا في شيء من ذلك فإنه يفقد بذلك صلاحيته للتوجيه حيث إن فاقد الشيء لا يعطيه .

3 – علي الزوج أن يحسن معاملته لزوجته ، فهذا واجب إسلامي حثنا عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم قولا وعملا وهو قدوتنا ، وحديثه " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " يؤكد هذا المعني . ولا شك أنه بقدر حسن العلاقة بين الزوج والزوجة في ظل تعاليم الإسلام تتحقق الحياة الطيبة للأسرة كلها والعكس كذلك فالمطلوب أن يسود جو المودة والرحمة والسكن ، ولا يجد الشيطان سبيلا للدخول بينهما .

4 – علي رب الأسرة أن يحرص علي إضفاء الجو الإسلامي علي الأسرة والبيت ، حتى تكون الحياة كلها في الأسرة تسير وفق تعاليم الإسلام وتخلو مما فيه مخالفة أو أثم بل وتتنزه عن الشبهات . فتكون العبادة وتلاوة القرآن وذكر الله هو الجو الغالب وينحسر الصخب والسباب والغيبة والكذب وغير ذلك من الآثام .

5 – علي الزوج المسلم القدوة أن يتيح الفرصة لزوجته في مشاركتها وتعاونها معه في تحمل مسئوليات الأسرة وحل مشكلاتها ، فالأسرة كشركة مديرها الرجل وللزوجة دور كبير في حسن سير الحياة داخل الأسرة فلا يجوز للزوج أن يهمل دورها أو أن يجنح إلي أسلوب الأوامر والتسلط والاستبداد بالرأي . وسبق أن ذكرنا موضوع التفاهم حول الميزانية وحسن توزيعها والالتزام بها كمثال هذا التعاون .

6 ومن أهم ما يتعاون فيه الزوج مع زوجته حسن تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة إسلامية ليكونوا حقا قرة أعين لهما وعناصر بناءة في المجتمع الإسلامي وإن أي إهمال في تربيتهم سيجعل منهم مصدر شفاء وإعنات لوالديهم وعناصر تحث علي هذا المعني ، قال صلي الله عليه وسلم قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم وغيره . وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " قاربوا بين أبنائكم يعني سووا بينهم " وفي لفظ اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم (يعني في العطية) متفق عليه . عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة دخلت عليها ومعها ابنتان لها ؛ قالت فأعطتها تمرة فشقتها بينهما فذكرت ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : من ابتلي أي اختبر بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له سترا من النار متفق عليه . ويراعي الزوج والزوجة تعويد أولادهما علي الثقة بأنفسهم وعلي الشجاعة وحب الجهاد كما يراعي حسن اختيار لعب الأطفال بما يحقق مثل هذه المعاني في نفوسهم . كذلك يراعي تشجيع الأولاد علي الاهتمام بالدراسة والتفوق فيها وتقديم الهدايا والجوائز لهم .

7 – علي رب الأسرة أن يضفي جو النتيجة علي الأسرة ويحقق لهم ألوانا من التسرية والترويح الخالية من الإثم ، حتى لا يلجأ الأولاد إلي التسرية في مجالات آثمة ، كالرحلات في الأماكن البعيدة عن مظاهر الإثم وكالعمل في الحديقة إن وجدت . وتعلم بعض الأمور كالإسعافات الأولية أو مبادئ في السباكة أو الكهرباء أو النجارة أو غير ذلك . ويراعي الحرص علي جو الحب والمودة بين الأولاد وعدم تنازعهم وسريان روح العداء والبغضاء بينهم ، وتعويد المخطئ علي الاعتذار لمن أخطأ في حقه وتعويد الآخر علي التسامح وقبول الاعتذار .

8 – علي الأب رب الأسرة أن يكون يقظ الضمير حذرا .

9– علي الأب الزوج المسلم القدوة أن يعمل علي الارتقاء بمستوي أفراد أسرته الإيماني وما يمليه هذا الإيمان من واجبات العمل و الجهاد والتضحية في سبيل تحرير الوطن الإسلامي ، والتمكين لدين الله في الأرض . كذلك التهيؤ لما قد يتعرضون له بسبب ذلك من امتحانات وابتلاءات ، وضرورة الصبر والتحمل أسوة برسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته .

10- علي رب الأسرة المسلمة القدوة أن يكون معتدلا في أسلوبه في حياة الأسرة ، فلا يجنح إلي القسوة والشدة ولا إلي اللين والتساهل ، ومعتدلا كذلك بين الإسراف والتقتير ، وبين التضييق والتسيب .

11- وعلي الزوج والزوجة إحسان المعاملة مع الخدم ومن يكلفونهم من يتامى أو غيرهم .

الزوجة والأم المسلمة القدوة

المرأة كزوجة أو أم دعامة قوية في كيان الأسرة وعامل استقرار أساسي في البيت بل إن البيت هو مملكتها كما يقولون . وعلي عاتقها يقع العبء الأكبر في تربية الأبناء وصناعة الرجال ولا تتحقق الأسرة المسلمة القدوة ، إذا توافرت الصفات المطلوبة في رب الأسرة فقط دون أن تتوافر الصفات المطلوبة في الزوجة أيضا . ولقد فطن الأعداء إلي دور المرأة المؤثر في الأسرة والمجتمع فاتخذوا منها وسيلة لنشر الرذيلة لذا وجب علي العاملين للإسلام أن يهتموا بالمرأة المسلمة وأن يجعلوا منها وسيلة لنشر الفضيلة ودعم كيان الأسرة والمجتمع وتنشئة الأجيال الملتزمة بإسلامها .

لذلك نوصي الزوجة الأم المسلمة القدوة بالآتي :

1– أن تؤمن في قرارة نفسها بدورها الكبير وأثرها الفعال في جو الأسرة وحياتها ، وأنها بسلوكها وحكمتها ويقظتها ، وحسن مراقبتها لله يمكنها أن تجعل من بيت الزوجية جنة يأوي ويحن إليها الزوج والأولاد ، ويستريحون فيه من لفح الحياة ومتاعبها خارج البيت .

2 – عليها أن تقوم بواجبها ودورها الأساسي في تربية الأبناء ورعايتهم فهي أشد احتكاكا بهم وهم أشد حاجة إليها في مرحلة بناء شخصيتهم ونموهم ، ويلزم التنسيق بينها وبين الأب في أسلوب التربية بحيث يتكامل البناء والتكوين ولا يحدث في تعارض أو تضاد بين الأسلوبين ، فأحيانا نري عاطفة الأم نحو أولادها إذا لم تكن منضبطة تكون سببا في تدليل الأولاد أو تمردهم علي سياسة والدهم وأسلوبه معهم . كما نري بعض الآباء والأمهات يعطون الاهتمام الأكبر بصحة أبنائهم ولا يحظي تدينهم بمثل هذا الاهتمام في حين أنه الأولي . وعلي الأم أن تتعرف علي العادات والأخلاق السيئة التي قد يتعرض لها الأبناء خارج البيت لتحميهم من التأثر بها وأن تتابع أصدقاء أولادها ونوعياتهم بحيث تجنبهم بمعاونة الوالد صداقة قرناء السوء . وتطبيق آداب الإسلام وتعاليمه عليهم من حيث التوجيه الديني وتعليم الصلاة لسبع والضرب عليها لعشر ومن حيث التفريق بينهم في المضاجع ، وتعويد البنات علي الحياة وتقبل الزى الإسلامي عندما يبلغن سن الحيض أو قبله بقليل . وعلي الأم ألا تعتمد علي المربيات إلا لضرورة ملحة كما لا تعتمد علي الرضاعة الصناعية إلا لضرورة صحية .

3 – لكي نلمس الأثر الفعال وتنضج الصورة نقارن هذه الصورة المشرقة للأسرة المسلمة القدوة بأن نتصور بجانبها أسرة مسلمة لم تتوافر في الزوجة الصفات التي ذكرناها ولم نقم بالواجبات التي تعرضنا لها بل ربما قلبتها رأسا علي عقب وجعلت من البيت جحيما ، وميدانا للخلافات والنزاعات ، والمخالفة لآداب الإسلام وتعاليمه ، ولا يجد الزوج ولا الأبناء فيه جوا للاسترواح والهدوء وكيف يجد الزوج من المشقة والإعنات ويتعرض الأولاد إلي الضياع .

4 – وعلي الزوجة المسلمة القدوة أن تتعرف بدقة علي واجباتها نحو زوجها وحقوقه عليها فتؤديها تعبدا لله وطعما في ثوابه ، وأن تراعي مشاعره وتمتص همومه وتحفظ سَّره وغيبته ، وأن تتعاون معه في الأمور التي أشرنا إليها عند حديثنا عن الزوج المسلم القدوة وخاصة تربية الأولاد وصلة الأرحام .

5– علي الزوجة المسلمة القدوة أن تشجع زوجها علي القيام بواجباته نحو إسلامه من عمل وتضحية وجهاد وألا تكون مثبطة له أو فتنة معوقة له .

6 – عليها أن تحسن اختيار معارفها وصديقاتها من النساء الصالحات ، وأن تقوم بدور التوجيه والتذكير بآداب الإسلام وتعاليمه ، وأن تكون هي نفسها قدوة لغيرها في هذا المجال . فتكون اللقاءات متسمة بالطابع الإسلامي وتخلو من المآثم ومن تناول الآخرين بالغيبة وغيرها ، وتراعي آداب الإسلام كالحجاب وغيره .

7 – ما أجدر الزوجة المسلمة القدوة بأن تتحري الحلال في كل ما يتصل بالمنزل من أثاث ولباس وطعام وشراب وعادات وغير ذلك ، وأن تتحرر تماما من الحرام وكذا ما فيه شبهة . كما يجب عليها أن يكون بينها نموذجا للنظافة والنظام وتعود أولادها علي ذلك .

8– عليها أن تحافظ علي القواعد الصحية وعدم تعرض الطعام للتلوث وكذا عدم جعل الأمور الخطيرة في متناول الأولاد كالأدوية ، والكبريت والأدوات الحادة وغير ذلك .

9– يلزم أتباع سنة الرسول صلي الله عليه وسلم وهديه في أعمال اليوم والليلة التي تمارس في المنزل كآداب الطعام والشراب واللباس والنوم والسلام والاستئذان وقضاء الحاجة ودخول المنزل والخروج منه والنظر إلي المرآة والأدعية المصاحبة لهذه الأمور وغيرها . وتتجنب العادات والتقاليد الجاهلية أو المستقاة من الغرب وما فيها من مخالفة لتعاليم الإسلام .

10- أن تحرص هي والزوج علي إحياء المناسبات الإسلامية وتحييها لنفوس الأبناء كشهر رمضان وما فيه من صيام وقيام في المسجد والبيت والبعد عما اعتاده الناس من أمور مخالفة ، كالسمر والفوازير وكالتخمة وكثرة ألوان الطعام .

11- لسنا في حاجة إلي التذكير بأن الزوجة المسلمة القدوة يجب أن تكون قدوة حسنة ملتزمة بالزى الإسلامي وتحاشي الزينة المنهي عنها كوصل الشعر والتنمص والأصباغ وغير ذلك .

الابن المسلم القدوة والابنة المسلمة القدوة

عندما ننشد الأسرة المسلمة ، فإننا نعني أيضا أن يكون كل فرد فيها في ذاته قدوة إسلامية جيدة ، وتعرضا للأب أو الزوج وللأم أو الزوجة ، ثم نتعرض للابن والابنة كذلك فنتوجه إليهم بالتوصيات التالية :

1 – أن يستشعر كل من الابن والابنة مكانة الأب والأم وما يستحقان أو يجب نحوهما من الحب والتقدير والبر والإحسان ، وأن يقدروا ما تعرضا له من تعب وسهر ورعاية وخاصة الأم وما لاقته من تعب ووهن أثناء الحمل والوضع والرضاعة والرعاية في مراحل الطفولة .

2– أن يستشعروا واجب طاعة أوامر الله ورسوله صلي الله عليه وسلم في بر الوالدين والإحسان إليهما ، وما وراء ذلك من مثوبة وأجر وعلي العكس من ذلك إن عقوق الوالدين من الكبائر ويترتب عليها سخط الله وعقابه . ونذكر بعض الأحاديث النبوية حول هذا المعني :

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلي الله ؟ قال الصلاة علي وقتها قال قلت ثم أي قال بر الوالدين . قال قلت ثم أي قال ثم الجهاد في سبيل الله . قال فحدثني بهن ولو استزدته لزادني رواه البخاري ومسلم والنسائي . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " رغم أنف ، رغم أنف ، رغم أنف رجل أدرك والديه أحدهما أو كلاهما عنده الكبر ولم يدخل الجنة . وفي رواية فلم يدخلاه الجنة " رواه مسلم وغيره . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " إن أكبر الكبائر عقوق الوالدين ، قال : قبل وما عقوق الوالدين ؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه ، رواه مسلم وغيره .

3– ليعلم الأبناء أن أبويهما أعرف بما ينفع أبناءهم وما يضر بحكم السن والتجربة ، وهما في الوقت نفسه يحبان لهم الخير وما يضر أولادهما . فعلي الأبناء أن يطيعوا والديهم فيما يأمرونهم به ما لم يكن معصية واضحة لا شك فيها ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

4 – ليحرص الأبناء علي روح الحب والمودة فيما بينهم ، وتلافي جو التنازع والتشاحن ، وليكن سائدا بينهم جو التسامح والتعاطف ويرحم الكبير الصغير ويوقر الصغير الكبير .

5 – علي الأبناء أن يحافظوا علي طاعة الله وخاصة الصلاة في أوقاتها وعلي الأخلاق الإسلامية عموما . وأن يهتموا بالقرآن وحفظ ما يتيسر لهم فهمه . وكذا التفقه في الدين . فحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم جعل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ في طاعة الله .

6– وعليهم أن يتعلموا السنة في الطعام والشراب والنوم واللباس وغير ذلك وأدعيتها وأن يمارسوا ذلك .

7 – وأن يهتموا بدراستهم بحيث يكونون من المتفوقين .

8 – وعليهم أن يتعودوا النظافة دائما في ملابسهم وأجسامهم وغرفهم وفي مدرستهم وكذا النظام في أوقاتهم وفي غرفهم ومكاتبهم وأدواتهم وكل شيء يتصل بهم .

9 – وعليهم أن يحسنوا اختيار معارفهم وأصدقائهم وأن يكونوا قدوة لهم .

الأخ المسلم القدوة

من المعلوم أن الفرد المسلم هو النموذج التطبيقي للإسلام بجوانبه المختلفة عقيدة وعبادة وأخلاقا ثم تشريعا بين أفراد المجتمع المسلم . ويقدر كمال نموذج الفرد المسلم يكون كمال نماذج البيت أو الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم وكذا الحكومة الإسلامية فالدولة الإسلامية ، ويتحقق النموذج الصحيح السليم للحكم الإسلامي وتطبيق شرع الله في الأرض . والأخ المسلم في الجماعة التي تسعي إلي تحقيق الهدف العظيم وهو التمكين لدين الله وإقامة دولة الإسلام يمثل عنصرا أساسيا في العمل والحركة والبناء . لذلك وجب علينا ونحن نتحدث عن القدوة علي طريق الدعوة أن نولي الأخ المسلم القدوة الاهتمام اللائق به . ونؤكد دائما أننا كلما تحدثنا عن الأخ المسلم عنينا أيضا الأخت المسلمة فهما عنصرا تكامل في مجالات العمل والبناء فالبيت المسلم لا يقوم إلا بأخ وأخت والمجتمع لا يقوم علي أكتاف الرجال دون النساء .

ونهدف إلي تحقيق نموذج الأخ المسلم القدوة أيا كان وضعه في أسرته أبا أو زوجا أو ابنا .. وأيا كان وضعه في المجتمع ، مدرسا أو طالبا أو طبيبا أو عاملا أو تاجرا ، وأيا كان وضعه في الجماعة مسئولا كان أم جنديا . وسبق عند حديثنا عن الأسرة المسلمة القدوة أن تناولنا الأب المسلم القدوة والزوج المسلم القدوة والابن المسلم القدوة كذلك الأم المسلمة القدوة والابن المسلم القدوة وكذلك الأم المسلمة القدوة والزوجة المسلمة القدوة والابنة المسلمة القدوة .

مقومات عامة

هناك مقومات أساسية عامة يجب علي الأخ المسلم القدوة أن يلتزم بها ، وهناك التزامات أخري بصفته يعمل في جماعة تعمل لتحقيق أهداف الإسلام . وسنبدأ بالمقومات العامة ثم نتبعها بالأخرى بعون الله وتوفيقه .

وأول مقوم نبدأ به وهو أهمها جميعا أن يكون الأخ المسلم القدوة سليم العقيدة فتكون عقيدة التوحيد الخالص عنده نقية لا تشوبها شائبة تعكر صفاءها ونقاءها فالعقيدة أساس العمل وعمل القلب أهم من عمل الجوارح ، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا . وعلي الأخ المسلم القدوة أن يؤدي العبادات المفروضة أداء صحيحا سليما ، أداء يجمع بين أحكام صحتها وبين أسرارها وروحها كي تثمر ثمرة التقوى وتكون مقبولة عند الله . فعليه أن يحسن الصلاة ويواظب علي أدائها في أوقاتها جماعة في المسجد ما أمكن ، وأن يظل علي وضوء في غالب الأحيان ، وعليه أن يحرص علي صيام رمضان وأداء الحج متى توفرت الاستطاعة . كما يتقرب إلي الله بالنوافل بعد أداء الفرائض كقيام الليل وصيام ثلاثة أيام علي الأقل من كل شهر . ودوام ذكر الله تعالي القلبي واللساني والإكثار من الدعاء المأثور .

ومطلوب من الأخ المسلم القدوة أن يجعل من حياته كلها عبادة وذلك بأن يجعل قصده من كل عمل يقوم به خدمة الإسلام والمسلمين والاستعانة به في طاعة الله ، فطعامه وشرابه ودراسته وعمله وزواجه ورياضته وكل عمل يمارسه ينوي به طاعة الله وخدمة الإسلام والمسلمين ، ومع النية يلزم تحري الحلال والبعد عن الحرام في كل هذه الأمور . وعليه أن يكثر من قراءة القرآن مع إتقانها وأن يحفظ ما يتيسر له منه ليساعده علي قيام الليل به . وعليه أيضا أن يكثر من قراءة حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وأن يحفظ ما تيسر منه منفذا ما تضمنه الأحاديث من توجيهات . وأن يلتزم بسنة الرسول صلي الله عليه وسلم في حياته وفي أعمال اليوم والليلة كالطعام والشراب واللباس والنوم وقضاء الحاجة وغير ذلك وما يصاحبه من أدعية مأثورة . وعليه أن ينفقه في أمور دينه وأن يحرص علي الاستزادة من ذلك والتعرف علي قضايا الإسلام والمسلمين وأن ينمي ثقافته وخبرته ، وأن يتقن تخصصه العلمي أو الفني كي يفيد به دعوته .

وهناك جانب مهم جدا في حياة الأخ المسلم القدوة نريد أن يكون قدوة حسنة فيه ألا وهو الجانب الأخلاقي . فالأخ المسلم الذي يلزم نفسه بالأخلاق الإسلامية الفاضلة يعطي الصورة الصادقة للإسلام التي تنتزع التقدير والاحترام حتى من أعداء الإسلام . ويكون قدوة عملية مؤثرة فيمن حوله من الناس يحسن تعامله معهم وبما يلمسونه منه من أخلاق فاضلة وللأسف الشديد نجد اليوم كثيرا من المسلمين يسيئون إلي الإسلام بسبب عدم التزامهم بأخلاق الإسلام وبهذا ينفرون غير المسلمين من الإسلام . نريد المسلم المتميز بآداب الإسلام وتقاليده وتحيته ولغته وزيه وإتقانه لعمله وأمانته ووفائه بل حتى في أفراحه أو أتراحه ، ولا نسمح للعادات الأعجمية أن تغزو مظاهر الحياة في مجتمعاتنا .

فالأخ المسلم القدوة يجب أن يكون صادق الكلمة فلا يكذب أبدا ، وأن يكون وفيا بالعهد والكلمة والوعد فلا يخلف مهما كانت الظروف . ونريد الأخ القدوة شجاعا عظيم الاحتمال ومعلوم أن أفضل الشجاعة الصراحة في الحق وكتمان السر ، والاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس وملكها عند الغضب . وأن يكون وقورا يؤثر الجد ، ولا يمنع ذلك من المزاح الصادق والضحك في تبسم . كما نريده شديد الحياء ، دقيق الشعور عظيم التأثر بالحسن والقبح بسر للأول ويتألم للثاني ، وأن يكون متواضعا في غير ذلة ولا خضوع ولا ملق . وأن ينصف بالعدل في جميع الأحوال بعيدا عن التأثر بالغضب والرضا . وأن يقول الحق وإن كان مرًا علي نفسه أو علي أقرب الناس إليه .

ونريده رحيم القلب يعفو ويصفح ويلين ويحلم ويرفق بالإنسان والحيوان ، حسن السلوك جميل المعاملة يرحم الصغير ويوقر الكبير ، لا يتجسس ولا يغتاب ولا يصخب ، كما يستأذن في الدخول في الدخول والانصراف إلي آخر هذه الآداب الإسلامية . وأن يبر والديه ويحسن إليهما ويصل رحمه ويقوم بحق الجوار وإكرام الضيف وكل ما يدعو إليه الإسلام كملاطفة اليتيم وحسن معاملته وإطعام الفقير والمسكين والأسير . نريد الأخ المسلم القدوة أن يكون كله حركة ونشاط وحيوية ، يقدم الخدمات ويشعر بسعادة وسرور كلما قدم خدمة لغيره ، فيعود المريض ويساعد المحتاج ويحمل الضعيف ويواسي المنكوب ولو بالكلمة الطيبة ويسارع دائما إلي الخيرات . وعلي الأخ المسلم القدوة أن يهتم بصحته وبدنه كي يستطيع أن يقوم بالواجبات والمهام الشاقة و الجهاد في سبيل الله ، فلا يقف ضعف صحته عقبة في طريق تحقيق ذلك . فعليه أن يبادر بالكشف الصحي العام وأن يأخذ بعلاج ما قد يكون عنده من أمراض . وأن يهتم بأسباب القوة الجسمانية والوقاية والابتعاد عن أسباب الضعف الصحي . وأن يمتنع تماما عن التدخين وغيره من الخبائث وألا يسرف في شرب قهوة البن والشاي ونحوهما من المشروبات المنبهة فلا يشربها إلا لضرورة .

وعليه أن يهتم بالنظافة في كل شيء في المسكن والملبس والمطعم والبدن ومحل العمل . وأن يكون منظما في كل شئونه . وعلي الأخ المسلم القدوة أن يزاول عملا اقتصاديا مهما كان غنيا وأن يقدم العمل الحر علي الوظيفة الحكومية ، محاولا أن يستغل مواهبه ، ويجتهد في أن يتقن عمله وأن يتحري الآداب والأخلاق الإسلامية كضبط المواعيد وعدم الغش وعدم الجشع وحسن التقاضي لحقه وحسن أدائه لحقوق الناس كاملة بدون طلب وبدون مماطلة وأن يتحري الكسب الحلال ويتجنب كل وسائل الكسب الحرام . وأن يبتعد عن الميسر وعن التعامل بالربا . وعلي الأخ المسلم أن يخدم الثروة الإسلامية بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية ويجتهد ألا يقع قرشه في يد غير إسلامية ويحرص أن يكون مأكله وملبسه من إنتاج وطنه الإسلامي . وعليه أن يؤدي الزكاة الواجبة عليه وأن يقدم من ماله لدعوته وللعمل الإسلامي مهما كان دخله ضئيلا . وأن يدخر للطوارئ جزءا من دخله مهما قل وألا يتورط في الكماليات . ونريد من الأخ المسلم القدوة أن يكون مجاهدا لنفسه ، وأن يأخذها بجد حتى يسلس قيادها له وتلتزم بتعاليم الإسلام وواجباته . فيتحرز من صغائر الآثام فضلا عن كبائرها ، وأن يتورع عن الشبهات حتى لا يقع في الحرام . وأن يغض طرفه ويضبط عاطفته ويقاوم نوازع الغريزة في نفسه وأن يسمو بها إلي الحلال الطيب ، ويحول بينها وبين الحرام أيا كان . وأن يكون دائم التوبة والاستغفار ويجعل لنفسه ساعة قبل النوم يحاسب فيها نفسه علي ما عمله من خير أو شر .

ونريد من الأخ المسلم القدوة أن يكون حريصا علي وقته ، فالوقت هو الحياة والواجبات أكثر من الأوقات ، فلا يصرف جزءا منه في غير فائدة . وعليه أن يبتعد عن أقران السوء وأصدقاء الفساد وأماكن المعصية ، ويختار أهل الصلاح والتقوى وأن يبتعد عن مظاهر الترف والرخاوة بل يروض نفسه علي الحياة الخشنة ما أمكن . وعلي الأخ المسلم أن يؤدي واجب الدعوة إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويكسب لصف العمل الإسلامي عناصر جديدة .

الأخ المسلم القدوة في الجماعة :

العمل الجماعي لتحقيق أهداف الإسلام ومبادئه له التزاماته وواجباته بالإضافة إلي ما سبق ذكره من التزامات وواجبات عامة . فالأخ المسلم في الجماعة يجب أن يكون مقتنعا كل الاقتناع بوجوب العمل لإقامة دولة الإسلام العالمية والتمكين لدين الله في الأرض ، وأن يعلم تمام العلم أن هذا الواجب لا يتم فرديا ولكن عن طريق العمل الجماعي ، وملا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وبناءا عليه فالعمل في الجماعة واجب . ثم إن تنظيم العمل الجماعي يستوجب التزامات وتعهدات لابد من الالتزام بها لحسن سير العمل تتحقق الأهداف المنشودة . فعلي الأخ المسلم القدوة أن يلزم نفسه بالعمل لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الجماعة ، فلا يجيد عن تلك الأهداف ولا ينتقص منها نتيجة التعرض لعقبات ، أو تعجلا للنتائج أو غير ذلك . وعلي الأخ القدوة علي طريق الدعوة أن يوفي ببيعته فهي بيعة مع الله وألا ينكث في أي ركن من أركانها العشرة كي يفوز بوعد الله بالأجر العظيم للموفين بعهدهم .

فعلي الأخ القدوة علي طريق الدعوة أن يلتزم بالفهم الصحيح السليم للإسلام الملتزم بالكتاب والسنة وقد لخصه الإمام الشهيد في الأصول العشرين ، وأن يتجنب الأخ أي اجتزاء أو انحراف أو خطأ فيما يكتب أو يقول ، بل علي كل أخ أن يكون حارسا أمينا علي سلامة هذا الفهم داخل الجماعة وفاء لبيعته وحماية للجماعة من تكون مدارس فكرية مختلفة نتيجة اختلاف في الفهم قد يبدأ بسيطا ثم يزداد ، وربما أدي ذلك إلي تشتت الجهود وتنظيمها . وعلي الأخ المسلم القدوة علي طريق الدعوة أن يحافظ علي إخلاص الوجهة لله وأن يظهر نيته بصفة دائمة من كل غرض مادي أو دنيوي ، وأن يكون علي حذر شديد من أمراض القلوب التي تفتك بصاحبها وتحبط عمله وأجره كالغرور والكبر وحب الدنيا وحب الزعامة والظهور وغير ذلك فيقدر ما يسيطر الإخلاص علي قلب الأخ ينعكس ذلك علي سلوكه وتصرفاته وأقواله ، فلا يتخذ موقفا ولا يقدم علي عمل إلا من منطلق إخلاصه لله متجردا من كل هوي أو غرض ومن أي مجاملة لشخص أو جهة .

لهذا يلزم أن يكون الأخ المسلم القدوة متجردا لدعوته ، متخلصا من كل ما عداها من دعوات أو مبادئ أو هيئات أو أشخاص ، فدعوته هي أسمي الفكر وأجمعها وأعلاها فلا يساوم عليها ولا يخدع بغيرها . والأخ العامل القدوة لابد وأن يكون متعرفا علي طريق دعوته ومراحل العمل التي توصل إلي تحقيق الأهداف وأن يلتزم بهذا الطريق دون اجتزاء أو انحراف ، وهو طريق اقتبسه الإمام الشهيد من سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم وحركته بالدعوة وإقامته لدولة الإسلام الأولي . ويتركز في تحقيق قوة الإيمان وسلامة العقيدة في النفوس ثم قوة الوحدة والأخوة والحب بين المؤمنين ، ثم قوة الساعد والسلاح و الجهاد حماية لدعوة الحق ، بهذا الترتيب دون تقديم أو تأخير مهما كثرت العقبات أو طال الوقت بعض الشيء فكما قال الإمام الشهيد أنه طريق طويل وشاق لكن ليس هناك طريق غيره .

والأخ المسلم القدوة لابد أن يكون قد عقد العزم علي الجهاد والتضحية بالنفس والمال في سبيل إعلاء كلمة الله والتمكين لدين الله في الأرض . وأن يكون قد عقد الصفقة الرابحة مع الله ولكي تتم الصفقة لابد وأن يتصف بصفات المؤمنين . وعليه أيضا مع إخوانه أن يأخذوا بأسباب الإعداد للجهاد بقوة البدن وقوة العلم وقوة المال وقوة السلاح . ويلزم أن يدرس فقه الجهاد والقتال في الإسلام ليلزم نفسه به عند ممارسته فلا يغل ولا يغدر ولا يمثل ولا يقتل طفلا ولا شيخا ولا امرأة إلي آخر آداب القتال في الإسلام . ونريد الأخ المجاهد القدوة الذي يقف مع إخوانه في صف الجهاد متلاحمين متحابين كالبنيان المرصوص فلا يسمح للشيطان ولأعداء الله أن يوجدوا خلافا أو نزاعا في صفوف المجاهدين فإن ذلك يؤدي إلي الفشل والهزيمة . ونريد الأخ القدوة الذي لا يثاقل إلي الأرض إذا دعا نفير الجهاد ، فعليه أن يتحقق دائما من جواذب الأرض ومطالب الجسد . وعليه أن يتحرز تحرزا شديدا من تولية الأدبار عند الزحف كي لا يتعرض لغضب الله وعذابه ويتسبب في هزيمة المسلمين . وعلي الأخ المجاهد أن يؤمن بأن النصر من عند الله وأنه وإخوانه وما يبذلونه من تدريب وجهد إنما هي أسباب فقط

والأخ المجاهد القدوة لا يزهو بنفسه عند تحقيق النصر ، كما لا يصيبه إحباط إذا وقعت هزيمة في معركة من المعارك مع الأعداء ، فالمعركة بين الحق والباطل كبيرة وممتدة ومتكررة ولن تنتهي بنصر أو هزيمة في معركة ولابد من الصبر والمصابرة والمرابطة ، ولابد من قوة العزم والإرادة ومن الجهد و الجهاد والتعب ومن التضحيات بالنفس والمال بكل رخيص وغال . والأخ المسلم القدوة علي طريق الدعوة يجب أن يكون قدوة في سمعه وطاعته لقيادته في العسر واليسر والمنشط والمكره في غير معصية دون تردد أو شك أو حرج ولو خالف الأمر رأيه مادام في غير معصية . وليعتبر الأخ أن طاعته لأميره من طاعة الله ورسوله يتقرب بها إلي الله وكذلك وفاء لبيعته . ونريد الطاعة التي لا يصاحبها تقصير أو انتقاص أو تسويف أو تردد لما في ذلك من أخطار .

ونريد من الأخ المسلم القدوة علي طريق الدعوة أن يقدر أهمية أخوته وحبه لإخوانه وأنها من ألزم عوامل النصر وأنها من دعائم الإيمان " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " . وأعلي مراتب الأخوة في الله الإيثار وأدناها سلامة الصدر ، فليحرص الأخ علي أعلي مراتبها وليتحرز من الاقتراب من أدني مراتبها حتى لا يتعرض إلي النكث في هذا الركن من أركان البيعة . فعلي الأخ القدوة أن يري إخوانه أولي بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، " والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " والأخوة بين المهاجرين والأنصار قدوة لنا علي طريق الدعوة .

فعلي الأخ المسلم القدوة أن يتميز بلين الجانب وإفشاء السلام والكلمة الطيبة والبسمة وكل ما وجهنا به الرسول صلي الله عليه وسلم لتزكية معاني الحب بيننا وفي المقابل علي الأخ المسلم القدوة أن يبتعد عن كل ما من شأنه أن يوجد فرقة في الصف ، فلا يصدر منه ما يؤذي أحدا من إخوانه ، وألا يغضب لنفسه ولكن يصفح ويعفو ويحسن ، وإذا رأي خلافا بين أخوين فليسارع إلي الصلح بينهما .

والأخ المسلم القدوة علي طريق الدعوة مطلوب منه أن يحافظ علي الثقة بينه وبين قيادته ، ثقة تبعث الاطمئنان الذي ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة . فالقائد جزء من الدعوة ولا دعوة بغير قيادة ، وعلي قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلي غايتها وتغلبها علي ما يعترضها من عقبات وصعاب . فالثقة بالقيادة أمر مهم في نجاح الدعوات . فعلي الأخ القدوة ألا يسمح بما يعرض الثقة للاهتزاز ، وإذا خالطه شيء من ذلك فليسارع في إزالته بالتبين واللقاء والمصارحة ، وألا يسمح أن تتأثر بالشائعات المغرضة والتشكيك الذي يثيره الأعداء في صورة نصائح بغرض بث الفرقة وتوهين العزائم والنيل من وحدة الجماعة . وعلي الأخ القدوة الذي في موضع مسئولية أن يتجنب المواقف التي تثير الشبهات ما أمكن وإن حدث يسارع إلي توضيح ذلك لإخوانه .

وأخيرا وليس أخرا نريد الأخ المسلم القدوة الذي يضرب المثل في الثبات علي طريق الدعوة ، فيواصل سيره في اطمئنان وثقة ويقين بنصر الله مهما بعدت المدة وتطاولت السنون ، ومهما تعرض للمحن والإيذاء والمحن هو النصر في تلك المرحلة ، وأن الضعف والتخلي هو الهزيمة . وليعلم أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا . فليصبر وليثبت ويسأل الله الصبر والثبات والنصر وليعلم أن الوقت جزء من العلاج وأنه يقاس بعمر الدعوات والأمم وليس بأعمار الأفراد . ويعين علي الثبات أن يعلم الأخ أن طريقنا – وإن كانت طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات – هي وحدها التي تؤدي إلي المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة .

ومن جميل فضل الله أن أكرم إخوة لنا علي الطريق بالثبات علي الحق فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر دون تبديل ولا تغيير برغم ما تعرضوا له من إغراء بالإفراج عنهم وإعفائهم من هذا الإعنات فيما لو أرسلوا برقيات تأييد للظالم وتخلوا عن الجماعة ، ولكنهم أبوا ذلك واستعلوا عليه ولم تلن لهم قناة كي تظل الراية مرفوعة عالية ليسلموها هكذا لمن بعدهم . فعلي كل أخ مسلم أن يصدق في عهده

القدوة في مجال الدعوة والتربية

هذه سنة إلهية لا تتبدل ، فلكي يتم التغيير المنشود في مجتمعاتنا تمهيدا لتحقيق هدف التمكين لدين الله يتحتم علي العاملين في حقل الدعوة أن يهتموا بالمجالات التي لها تأثيرها الفعال في إحداث هذا التغيير مثل مجال الدعوة ومجال التربية ، كذلك مجال التربية والتعليم في المؤسسات التعليمية ، ومجال الإعلام بوسائله المختلفة وغير ذلك من المجالات التي لها تأثير في تغيير النفوس . وإذا كنا نري أصحاب المبادئ الأرضية يستغلون هذه المجالات والوسائل لنشر مبادئهم وفرضها علي الشعوب والأجيال ، فالمسلمون أصحاب الدين الحق أولي الناس بتسخير هذه الوسائل لصالح العمل الإسلامي . ومعلوم علي طريق الدعوة أن هناك مراحل التعريف والتكوين والتنفيذ ، فمجال الدعوة والتربية لتغطية مرحلتي التعريف والتكوين . لذلك لزم أن نتعرض للأخ الداعية القدوة والأخ المربي القدوة لكي يؤدي كل منهما دوره علي الوجه الأكمل .

الأخ الداعية المسلم القدوة :

1– علي الأخ الداعية أن يستشعر عظم مهمته وسموها والشرف العظيم الذي يحظي به

2 – وعليه أن يستشعر أهميتها وضرورتها علي طريق الدعوة فهي المدخل ، ووسيلة إيصال نور الحق إلي القلوب لتهتدي إلي الصراط المستقيم .

3 – وعليه أن يستشعر كذلك الثواب العظيم الذي يناله من وراء الدعوة إلي الله ، وحديث الرسول صلي الله عليه وسلم يوضح ذلك (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) .

هذه المعاني الثلاث تدفع الأخ الداعية إلي الحرص الشديد علي قيامه بواجب نشر الدعوة وإلي الحرص علي حسن أدائها .

4 – وليعلم الأخ الداعية أن أهم عامل يعينه علي حسن الأداء ويجلب له توفيق الله هو إخلاص الوجهة لله ، وخلو قلبه من كل ما يشوب هذا الإخلاص كالغرور والرياء وحب الظهور إلي غير ذلك ، خاصة وأن الداعية يمكن أن يتعرض للفتنة إذا لمس قوة تأثيره في الناس وإعجاب الجماهير به والتفافهم حوله .

5 – وعلي الأخ الداعية أن يلزم نفسه بالتوجيه الرباني في الدعوة إلي الله الذي وجه الله نبيه إليه .

6– وعليه أن يتقن في غزو القلوب ، وكيفية فتح مغاليقها ، وأن يجمع بين إثارة الوجدان وإقناع العقول ، فذلك أدعي إلي بقاء أثر حديثه والتأثر به ليثمر الهداية والعمل الصالح .

7 – وعليه أن يعيش بقلبه ما يدعو إليه بلسانه بأن يكون متفاعلا مع المعاني ، فذلك يجعل الكلام أكثر تأثيرا في نفوس السامعين ، لأن ما يخرج من القلب يصل إلي القلب ، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان كما يقولون .

8 – وعلي الأخ الداعية القدوة أن يتعرف علي طبيعة البيئة والمجال الذي يدعو فيه ، ليكون حديثه واقعيا ومناسبا فيخاطب الناس علي قدر عقولهم ، ويعايشهم قضاياهم وما يشغل أذهانهم ، فيكونون أكثر انتباها ومتابعة لحديثه واستجابة لما يدعوهم إليه .

9 – وعليه أن يكون موضوعيا في حديثه ، وأن يحدد المعاني التي تريد أن يوصلها إلي السامعين أو القارئين فيجتهد في إيضاحها والتركيز عليها ، ولعل تلخيصها في آخر الحديث يفيد كثيرا .

10- وعليه ألا يتحرج من تكرار الحديث حول معني من المعاني في أذهان السامعين ، فلا يظن أن ذكره مرة واحدة تكفي لوضوحه واستقراره عند من يحدثهم ، فإن في الإعادة إفادة ، ويمكن التصرف في أسلوب العرض عند الإعادة ، ولعل هذا الأمر واضح في أسلوب القرآن .

11وعلي الأخ الداعية أن ينتقي الأدلة القوية التي يستشهد بها لتأكيد المعاني التي يذكرها ، وأن يراعي مطابقتها للمعني ، ولديه ميدان واسع لما يختاره للاستشهاد فآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الكريم ، والسيرة العطرة والتاريخ الإسلامي ، كل ذلك يجد فيه المجال الواسع للأدلة القوية المناسبة ليستشهد بها .

12- لذلك يجب علي الأخ الداعية أن يحرص علي التزود الدائم بالعلم ، وحفظ ما يستطيع من القرآن ومن الأحاديث ، ومراجعته للسيرة دائما ، فسيجد فيها زادا طيبا يفيده في دعوته .

13- وعليه أن يربط في أحاديثه بين ما يدعو إليه والحركة بالدعوة ، فلا يكون هناك انفصال بين الدعوة والعمل الإسلامي المطلوب ومتطلبات المرحلة ، لكي يشعر كل مسلم بما يوجبه عليه إسلامه من مشاركة في تحقيق الأهداف المطلوبة .

14- وعلي الأخ الداعية أن يكون قدوة حسنة ، في دماثة خلقه ولين جانبه وحسن معاملته ، فالقدوة العملية لها تأثيرها في استجابة الناس لما يدعوهم إليه .

15- وعليه أن يتحرز تماما من أن تصدر منه أعمال أو تصرفات تخالف ما يدعو الناس إليه كي لا يتعرض إلي غضب الله ومقته ، وكي لا تحدث انتكاسة في نفوس من يدعوهم حينما يجدونه يخالف ما يدعوهم إليه .

16- وعلي الأخ الداعية القدوة علي طريق الدعوة أن يتحري في أحاديثه الفهم الصحيح لإسلام المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم مسترشدا في ذلك بالأصول العشرين التي ذكرها الإمام البنا تحت ركن الفهم من أركان البيعة والتي تحري موافقتها لكتاب الله وسنة رسوله وبعدها عن الانحرافات والخلافات . ويعتبر الأخ التزامه بذلك وفاء لبيعته .

17- وعليه ألا يتعرض في أحاديثه بالتجريح للأشخاص أو الهيئات ، وألا يكسب عداوة أحد أو جهة من العاملين للإسلام – وهكذا درجت الجماعة من أول نشأتها – ولتحمل أي إساءة منهم حرصا علي الوحدة وتجنبا للفرقة والتنازع .

18- وعلي الأخ الداعية إذا أراد أن ينبه إلي انحراف في فهم أو في سلوك عند بعض التجمعات العاملة في حقل الدعوة ، أن يعالج هذا الانحراف موضوعيا وبأدلة مقنعة دون التعريض بجماعة بذاتها أو أشخاص بذواتهم .

19وعليه أن يركز دائما في أحاديثه علي معاني الأخوة الإسلامية والحب في الله والوحدة بين المسلمين والتعاون علي البر والتقوى والتنفير من كل ما يؤدي إلي الفرقة والخلاف ، والتنبيه إلي ضرورة توحيد الجهود لمواجهة تلك الحرب الشرسة من أعداء الله ضد الإسلام والمسلمين .

20- وعلي الأخ الداعية أن يتحرز كثيرا من الحكم بتكفير أو تفسيق مسلمين بذواتهم ، ما لم تكن هناك ضرورة تقتضي ذلك مع توفر الأدلة القاطعة لهذا الحكم .

21- وعليه أن يستفيد في أسلوب الدعوة بما ورد في القرآن علي ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وغيرهم كمؤمن آل فرعون .

22- وعليه أن يتأسي برسول الله صلي الله عليه وسلم في إشفاقه الشديد ورغبته الملحة في هداية قومه ، وفي تحمله الأذى منهم واستمراره برغم ذلك في دعوتهم .

23- وعلي الأخ الداعية أن يستشعر مسئوليته عن أوقات من يحدثهم ، فيلزم نفسه بالحضور في الموعد المحدد دون تأخير ، كما يجتهد أن يقدم لهم زادا جيدا يتناسب مع الوقت الذي قضوه .

24- وعليه ألا يضن بالحديث إذا كان الحاضرون قلة فربما كانت ثمرة حديثه معهم أعظم منها مع كثرة غيرهم .

25- وعليه عندما وفق في حديثه ويتأثر به السامعون أن يرجع الفضل في ذلك إلي الله لا إلي نفسه .

مجال التربية داخل الجماعة

التربية في الجماعة من ألزم الأمور وأهمها لتحقيق مرحلة التكوين ، وإعداد العنصر الأساسي في البناء وهو الفرد المسلم الذي يقوم به البيت المسلم والمجتمع المسلم والحكومة المسلمة ، ويمثل النموذج والقدوة العملية لأخلاق الإسلام وآدابه وامتثال ونواهيه . وقد أثبتت الأحداث والأيام أنه بقدر الاهتمام بالتربية تتحقق الأصالة للحركة واستمراريتها ونموها ، ويكون التلاحم بين الأفراد ووحدة الصف ، والتعاون والإنتاج المبارك لكل جهد يبذل ، ولكل مال ينفق ولكل وقت يقضي . وعكس إذا أهمل جانب التربية أو حدث فيه تقصير ، يظهر الضعف والخلخلة في الصف ، ويبرز الخلاف والفرقة ويتضاءل التعاون ويقل الإنتاج . وكلنا يعلم أن المسلمين الأول الذين نالوا حظا وافرا من تربية الرسول صلي الله عليه وسلم لهم ، قامت علي أكتافهم دولة الإسلام الأولي وأبلوا بلاء حسنا . ولنقدم بعض الملاحظات للأخ المربي ليستفيد منها في مجال التربية وليكون قدوة في هذا المجال .

الأخ المربي القدوة :

1 – علي الأخ المربي أن يكون قدوة حسنة خاصة في الجوانب التي يربي إخوانه عليها .

2 – وعليه أن يعطي الاهتمام الأكبر لقضية الإيمان وسلامة عقيدة التوحيد ، فذلك هو الأساس المتين الذي يقوم عليه بناء الفرد المسلم .

3 – ثم يلي ذلك في الأهمية حسن أداء العبادات من حيث صحة أحكامها وأسرارها أو حياة القلوب بها كي تثمر التقوى وسمو الروح .

4 – وعلي الأخ المربي أن يولي الجانب الأخلاقي اهتماما خاصا ، لأن التخلي عن الأخلاق السيئة والتحلي بالأخلاق الفاضلة يحتاج إلي وقت وجهد وصبر ورعاية ومتابعة قريبة وتحقيق ذلك من خلال الدروس والرحلات والكتيبة والمعسكرات والزيارات وغير ذلك . فالأخ المربي أثناء الرحلة مثلا يكون منتهيا إلي كل ما يصدر ممن معه من أقوال أو تصرفات ليجعل ما يلمسه فيها من انحرافات نصب عينيه ليعالجها معهم كمثل الطبيب إذا لمس ظاهرة لمرض معين عرفها وعالجها بالدواء المناسب .

5 – وعليه أن يركز في تربيته علي إخلاص النية لله وخلوها من كل شائبة تفسدها ، وهذا المعني يفتح مجالا في التعرض لأمراض القلوب التي تفتك بصاحبها وتحبط عمله وأجره ، وضرورة التحرز منها كالكبر والغرور والرياء وحب الظهور وحب الزعامة والحقد والحسد وغير ذلك .

6 – وعلي الأخ المربي أن يربي إخوانه علي الصدق والوفاء بالعهد وبالبيعة فذلك من ألزم الأمور لكل أخ يأخذ مكانه في الصف ويكون علي ثغرة من ثغرات العمل الإسلامي .

7 – علي الأخ المربي أن يربي الأفراد علي أسلوب العمل الجماعي أو علي طبيعة العمل في جماعة وما يتطلبه من شروط والتزامات لابد منها لسلامة السير وتضافر الجهود وتوفر الإنتاج .

8 – وعليه أن يوضح لإخوانه طبيعة طريق الدعوة ومعالمه وما يتسم به من طول وما يتخلله من أشواك وعقبات ، وما علي جانبيه من منعطفات ، ويوضح لهم كيفية تخطي العقبات والتحرز من المنعطفات . وعليه أن يطمئنهم أنه رغم ما فيه فهو الطريق الوحيد لأنه هو الطريق الذي سار عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته من قبل .

9 – وعليه أن يوضح لهم أن هناك عوامل نجاح تصاحب هذا الطريق لن تقف أمامها أي عقبات بإذن الله وأن الأمل كبير في أن المستقبل لهذا الدين .

10- لي الأخ المربي أن يهتم بتركية معاني الأخوة والحب والإيثار بين الأخوة والتذكير الدائم بهذا المعني وبالوسائل التي تنميه ، والتحذير من الأمور التي تنال من هذا الحب أو تحدث فرقة وخلافا . فهذا الحب يثمر وحدة الصف وتماسكه , ومعلوم أن قوة الوحدة هي الأساس الثاني بعد قوة الإيمان وثالثهما قوة الساعد والسلاح .

11- وعلى الأخ الربي أن يكون متحليا بخلق الصبر ويربي إخوانه على التحلي بهذا الخلق لأهميته لمن يسلك طريق الدعوة , وكذا الصبر على تحمل الإيذاء في سبيل الله والرضا بقضاء الله وحسن التوكل على الله والطمع في رحمة الله

12- وعليه أن يكون ذا علم ودراية بقضايا الشباب ومشكلاتهم الشخصية أو في أسرته وأهله أوفي علاقته بإخوانه أو في حياته العامة هذه القضايا التي قد تكون سببا في تعويق سيره على الطريق أو انحرافه عنه , فعلى المربى التبصر بها ورسم الحل النافع لها .

13- وعليه أيضا أن يبصر إخوانه بالانحرافات الفكرية أو الحركية التي ينزلق فيها البعض وتبعد بهم عن الطريق كي يتحرز منها وخاصة أنها تبدأ بسيطة ثم تزداد مع الزمن .

14- وعلى الأخ المربى أن يزكى روح الجهاد والتضحية بالنفس والمال والوقت والجهد وكل شيء في سبيل الله في نفوس إخوانه وأن يحثهم على عقد الصفقة الرابحة مع الله ،الترغيب في الشهادة في سبيل الله .

15- وعليه أن يعيش وإخوانه جو السيرة العطرة وكأنه يحيا وإياهم مع هذا الجيل الأول وما تعرضوا له من أحداث ومواقف علي طريق الدعوة ، فذلك خير عون للاقتداء بهم والسير علي نهجهم الذي أوصلهم إلي النصر والتمكين . فسيجد في السيرة نماذج عملية رائعة للصدق والأمانة والوفاء والحب والإيثار والفداء و الجهاد والتضحية والبذل وغير ذلك مما نهدف إليه في مجال التربية وبذلك يشعر الأخ أن سعيه للوصول إلي هذا المستوي ليس خيالا ولكنه في إمكانية البشر فيجد في سعيه .

16وعلي الأخ المربي أن يربي إخوانه علي السمع والطاعة في العسر واليسر المنشط والمكره في غير معصية ، ويربيهم علي الثقة وعدم الشك أو التردد ، ويعودهم الدقة في أداء ما يكلفون به من أعمال وواجبات ، سواء كان في موقع مسئول أو جندي ، وأن كلا من المسئول أو الجندي يتعبد إلي الله ويسأله القبول ، ويربيهم علي الاستعداد لتبادل المراكز بين الجندي والمسئول إذا اقتضي صالح العمل ذلك عون حرج .

17- من المفيد للأخ المربي أن يتيح لمن يربيهم مجال الأسئلة والاستفسار ، ويطلب منهم ألا يُبقي أحد منهم شيئا يحيك في نفسه دون سعي لاستيضاحه ، ويعطي الفرصة لمن يريد أن يسأله منفردا كي لا يكون هناك حرج .

18وعلي الأخ المربي أن يعود إخوانه علي سعة الاطلاع والتزود بالمعرفة ، والتفقه في أمور الدين ويعلمهم كيفية الرجوع إلي أمهات الكتب والتعرف علي ما يريدون .

19- وعليه أن يعودهم علي العطاء ودعوة غيرهم إلي الله ، وإلقاء الدروس ، بل يحرص علي إعداد مربين من بينهم ليقوموا بمثل واجبه مع غيرهم من الإخوة الجدد .

20- وعلى الأخ المربى ألا يغفل في تربيته جانب الرياضة البدنية ولا باس من اختيار من يقومون عليها لأن قوة البدن لابد منها لمن يسلكون طريق الدعوة ,وإذا تيسر أقامة نواد رياضية أسلامية , تمارس فيها ألوان الرياضة مع المحافظة على تعاليم الإسلام وآدابه وإقامة الصلاة في أوقاتها فذلك خير .

في مجال التربية والتعليم

قطاع التربية والتعليم من أهم القطاعات وأخطرها لما له من تأثير كبير في تنشئة الأجيال الذين يمثلون البنية الأساسية في المجتمعات والدول ، لذلك يجب أن ينال منا الاهتمام اللائق علي طريق الدعوة فأبناء كل وطن يمرون في أفواج متتالية عبر مؤسسات التربية والتعليم ويقضون فيها فترة النمو وبناء الشخصية بدنيا وعقليا وروحيا ، فتتشكل الأجيال حسب ما يتلقونه من مفاهيم ومبادئ وقيم ومثل ويكون لذلك أثره الممتد بعد ذلك في حياتهم . ولقد انتبه الأعداء وأصحاب المبادئ الأرضية إلي أهمية هذا القطاع ، فنراهم يحرصون علي صنع مناهج التربية والتعليم بما يحبون من مبادئ وسمحنا لهم بالتدخل في مناهج التعليم في بلادنا كخبراء قدموا سمومهم وأفرغوا مناهجنا من روح الإسلام وتعاليمه .

ولما كان التغيير في المجتمعات والأمم يسير حسب سنة لا تتبدل قطاع التربية والتعليم مجال خصب ميسر لإحداث هذا التغيير ، فالواجب الإسلامي يملي علينا أن يصبغ بالصبغة الإسلامية وأن نقدم القدوة الإسلامية الحسنة فيه . ولسنا في حاجة إلي توضيح كيف أن الإسلام اهتم بالعلم والعلماء وحث علي التعليم والتعلم وأن الأسس الأولية للعلوم الحديثة من وضع علماء مسلمين . كما ننبه إلي الفرق بين التربية والتعليم فإذا كان التعليم يتعامل مع العقول والأذهان ، فإن التربية تتعامل مع النفوس والأرواح ، وهذا يجعل الاهتمام بالتربية أكبر وألزم ، وكما يقال : الأدب مفضل علي العلم . وعندما نتحدث عن القدوة علي طريق الدعوة في مجال التربية والتعليم نتناول المؤسسة التعليمية ومديرها والمدرسين والمدرسات والطلبة والطالبات .

المؤسسات التعليمية الإسلامية القدوة

قد تكون مدرسة أو معهدا أو كلية فيلزم أن يكون الإسلام هو الطابع العام الذي يفرض نفسه في كل صغيرة وكبيرة ، فلا تبرج ولا اختلاط ، ومراعاة الأدب الإسلامي في التعامل ، وتهيئة مكان للصلاة وللوضوء وتنظيم الأوقات لتتفق مع مواقيت الصلاة . بالإضافة إلي اتساع البناء ومتانته ونظافته لما لذلك من أثر نفسي علي الطلبة والمدرسين .

الإدارة القدوة :

الإدارة المتمثلة في الناظر أو مدير المعهد أو عميد الكلية ومن يعاونوهم عليهم العبء الأكبر في حسن أداء المؤسسة لمهمتها . فعلي الإدارة الإسلامية القدوة أن تقدر خطورة المسئولية الملقاة علي عاتقها ، وأن الطلبة أمانة في أعناقهم ، وأنهم يقدمون خدمة جليلة للوطن بحسن رعايتهم وإعدادهم للطلبة ، ولدعوة الإسلام بغرس مبادئ الدين وآدابه في عقولهم ونفوسهم . وأن يكون واضحا أن إدارة مؤسسة تربوية يختلف كثيرا عن إدارة مؤسسة تجارية أو صناعية إن كل تصرف أو حدث يحدث داخل المؤسسة التربوية التعليمية يترك انطباعاته وآثاره في نفوس الطلاب ، كما أن أي ظاهرة انحراف تظهر وسط الطلبة أو المدرسين ، يستلزم سرعة المبادرة لعلاجها والقضاء عليها قبل انتشارها وتفاقمها

فالإدارة الإسلامية القدوة يلزم أن تكون علي مستوي جيد من العلم والخلق واليقظة والقدرة الإدارية ، والقدوة العملية التي تجمع بين صفات العالم وعاطفة الأبوة نحو الطلبة . وعليها أن تتعهد الطلبة بالتوجيه والإرشاد عن طريق إذاعة محلية أو نشرات أو أنشطة اجتماعية ، وأن تعمل علي توسيع مدارك الطلبة ، بتنظيم رحلات لبعض المؤسسات المهمة في مرافق الدولة أو القطاع الخاص ، وكذا أنشطة للتدريب علي بعض الأعمال الفنية المفيدة كي يكتسب الطالب معلومات وخبرات خارج إطار علوم المنهاج الدراسي . والإدارة الإسلامية القدوة يمكنها أن تقيم صلة بأولياء أمور الطلبة وتنبيههم إلي ما فيه مصلحة الأبناء الطلبة ليتكامل مناخ التربية ، وحثهم أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم بالتزام تعاليم الإسلام وأداء فرائضه والتخلق بأخلاقه . وعلي الإدارة الإسلامية القدوة أن تحسن اختيار الأساتذة والمدرسين ، بحيث يكونون مربين مع كونهم معلمين ويحسن أن تتم جلسات معهم للتشاور والمدارسة حول قيام المؤسسة بواجبها التربوي والتعليمي والتعرف علي الإيجابيات والسلبيات والاتفاق علي كل ما فيه خير .

المدرس المسلم القدوة :

أول ما ننبه إليه أن يستقر في ذهن المدرس المسلم القدوة أهمية الدور الذي يقوم به في إعداد النشء وتربيته ، إذ أن كثيرا من المدرسين يظن أن مهمته هي حشو ذاكرة الطالب بالمعلومات ، وأن يكون بذلك مدرسا ناجحا وهذا فهم خاطئ فمهمة المدرس يجب أن تكون تربوية قبل أن تكون تعليمية . لذلك علي المدرس المسلم أن يكون قدوة عملية في التزامه بآداب الإسلام وتعاليمه ، وأن يحافظ علي أداء الصلاة في وقتها مع أبنائها بل ويساعدهم علي التفقه في أمور دينهم كلما لاحظ شيئا مخالفا ، ويثني علي خلق فاضل أو تصرف حسن يلمسه منهم ويشجب كل تصرف سيئ .

علي المدرس المسلم القدوة أن يقدر هذه الفرصة العظيمة المتاحة له كحقل خصب للدعوة ، فهذه الأجيال المتتالية من الشباب تسعي إليه دون جهد منه وتستمع إليه في إنصات وتقدير ، في حين أن قدوتنا رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يسعي هو إلي الناس ويتحمل المشاق والسفر كي يدعوهم وكثيرا ما كان يلقي منهم الأذى ويصبر عليهم ويواصل دعوتهم ، ورحلته إلي الطائف ويصبر ويواصل دعوتهم ، ورحلته إلي الطائف خير مثال . وعلي المدرس المسلم القدوة أن يوجد علاقة طيبة وعاطفة حية بينه وبين طلبته فذاك يساعد كثيرا علي تأثرهم به واستجابتهم لتوجيهاته ، ويمكن تحقيق هذه العلاقة عن طريق مشاركتهم في الرحلات أو الندوات . وعليه عند تقديمه لمادته أن يربط العلم بالخالق سبحانه خاصة وأن كثيرا من العلوم تكشف وتوضح عظمة الله وقدرته في خلقه مما يولد تقديس الله وتعظيمه في نفوس الطلبة ، فينعكس إلي طاعة الله فيما أمر والانتهاء عما نهي .

يمكن قيام لجنة من المدرسين المسلمين بإعداد ما يسمي " دليل المعلم المسلم " يوضح فيه كيف يقدم كل مدرس مسلم المقرر الذي يدرسه للطلبة بطريقة إسلامية تربط العلم بالخالق وبالعقيدة . ويتم ذلك لكل علم ولكل صف . وأن تقوم هذه اللجنة أو غيرها بمراجعة المناهج لتقويمها والتعرف علي ما قد يكون فيها من نقاط تتعارض مع عقيدتنا للعمل علي تنقية المناهج منها . ومن الواجب عقد مؤتمرات من متخصصين في شئون التربية والتعليم المسلمين لدراسة كل ما يتصل بالتربية والتعليم من وجهة النظر الإسلامية ، للاستفادة من هذه الدراسات حاليا أو مستقبلا عند إقامة حكومات إسلامية بإذن الله . وعلي الحركة الإسلامية أن توجه أبناءها للتخصص في المجالات التي يحتاج إليها مجال التربية والتعليم كمدرسين ، بحيث لا يترك مجال التدريس لأصحاب المبادئ الهدامة .

وعلي المدرس المسلم القدوة أن يهتم باللغة العربية الفصحى ، وخاصة مدرس اللغة العربية ومدرس التربية الإسلامية ، فكما هو معلوم أن هناك حملات ضد الفصحى وسعيًا حثيثًا لطغيان العامية عليها . وعلي المدرس المسلم القدوة أن يسارع إلي الاستجابة للعمل بالتدريس في البلاد الإسلامية النائية في أفريقيا أو آسيا وتحمل المشاق وشظف المعيشة ، في سبيل أداء رسالة الدعوة فنحن أولي بذلك من المبشرين الذين يتحملون تلك المشاق .

تنبيه : ليكن معلوما أننا نقصد المدرسة المسلمة القدوة أيضا في كل ما سبق ونزيد عليها اهتمام المدرسة المسلمة بالتزامها الإسلام فيما يخص المرأة وخاصة الزى الشرعي وعدم الاختلاط وتزكية الحياء وغير ذلك من أمور تخص الفتاة والمرأة المسلمة .

الطالب المسلم القدوة :

الطالب هو العنصر الذي قامت المؤسسات التعليمية من أجله ، ويقوم الأساتذة والمدرسون بواجبهم من أجل إعداده ليكون لبنة قوية صالحة في بناء الأمة ، فكان لزاما علينا علي طريق الدعوة أن نهتم بتقديم النموذج السليم للطالب المسلم ليكون قدوة ، بين أبنائها الطلبة ، وكذلك الطالبة المسلمة القدوة ، إذ أن المرأة تمثل نصف المجتمع ولها دورها الخطير في صناعة الأجيال وإقامة البيت المسلم كركيزة قوية في بناء المجتمع والدولة المسلمة . إن أول ما نوصي به الطالب المسلم القدوة أن يصحح نيته وقصده من التعليم فغالبية الطلبة يقصدون من وراء التعليم الحصول علي شهادة يستطيعون بها مزاولة عمل يتكسبون منه لسد متطلبات الحياة ، ولكننا نريد أن تكون نية الطالب المسلم القدوة من العلم والإسهام في بناء الدولة الإسلامية وسد الثغرة في مجال التخصص الذي نوجهه إليه الجماعة . كما أن الإسلام بحثنا علي العلم ويدعونا إلي القيام بواجب الخلافة في الأرض وتعميرها بما سخره الله لنا فيها من طاقات ومواد وغير ذلك .

فبهذه النية يتحول التعليم إلي عبادة يتقرب بها الطالب إلي ربه ، وينال ثوابا علي كل جهد أو وقت أو مال في سبيل التعليم ، وليعلم الطالب المسلم أن الذين وضعوا أسس العلوم الحديثة هم علماء مسلمون وعلينا أن نسعى لأن يخرج من صفوف مسلمي اليوم وعلماء أفذاذ في العلوم المختلفة ، يردون إلي الأمة حقها ويعيدون لها مجدها . وعلي الطالب المسلم القدوة أن يصحح نظرته إلي الدراسة والتعليم وأنها ليست مجرد استيعاب العقل للمعلومات لإفراغها بعد ذلك آخر العام في ورقة الإجابة ، ولكن المطلوب إعداد الشخصية المثقفة البناءة التي تفيد بعلمها في مجالات الحياة لصالح البشرية ، فليحرص الطالب علي التعرف علي مدي صلة ما يتعلمه بالحياة العامة العملية . وعلي الطالب المسلم القدوة أن الجانب التربوي الخلقي أسبق في الأهمية من الجانب الثقافي ، وأنه ليس هناك أفضل من تعاليم الإسلام وآدابه لتحقيق هذا الجانب التربوي ، فليحرص علي التعرف علي آداب الإسلام وتعاليمه وإلزام نفسه بها ، فيعتاد الصدق والأمانة والوفاء والحلم وكل خلق إسلامي ويبتعد عن الأخلاق الذميمة . ومن أبرز ما يهتم به أداؤه للعبادات وعلي رأسها الصلاة وبره لوالديه والإحسان إليهما ، وحسن معاملته لأفراد أسرته ولزملائه الطلبة .

وعلي الطالب المسلم القدوة أن يحسن اختيار من يصادق من زملائه الطلاب فيختار الصالحين منهم ويتجنب مصاحبة أهل السوء ، عليه أن يضبط هذه العلاقة بأن تكون معتدلة يتحكم فيها ، ولا يسمح لها أن تطغي علي وقته ودراسته . وعليه أن يحسن اختيار مجالات الترويح عن نفسه فيتقي النظيف الطاهر النافع منها ويبتعد عنه مواطن الإثم والفساد . وعلي الطالب المسلم القدوة أن يعطي قضية الدراسة والتعليم الاهتمام بها ، فهذه الفترة من عمره هي فترة التعليم وبناء الشخصية ، ويجب أن يقطعها بتركيز وتفوق دون انشغال وتعثر ليتفرغ لها بعدها من واجبات . وعليه أن يكون منظما في شئونه في البيت والمدرسة أو الكلية وفي مكتبه وفي حجرة نومه . منظما في وضع ملابسه عندما يخلعها كي يسهل عليه العثور عليه عند لبسها ، وكذلك منظما في وضع كتبه ومذكراته فلا يضيع وقتا في استخراج ما يريد منها . أما الطالب الذي لا يعتاد النظام فيكون مشتتا حتى في تفكيره ويبذل وقتا وجهدا عند بحثه عن أدواته ولوازمه .

وعليه أن ينظم وقته ويحدد الوقت اللازم للدراسة والمذاكرة ، ووقت النوم ويجتهد في إلزام نفسه بذلك ، ولا يترك وقته تتحكم فيه الظروف والمشاغل ووسائل الإعلام وغير ذلك من الصوارف . وأن ينتظم في أداء الصلاة في وقتها ، ففي أدائها تجديد لطاقته واستمداد العون والتوفيق من الله . ويلاحظ ألا تطغي الدراسة علي وقت النوم ولا يطغي النوم وغيره علي وقت الدراسة . يلاحظ أن كثيرا من الطلبة لا يهتمون بالدراسة والمذاكرة في أول العام الدراسي وتضيع منهم أوقات كثيرة ، ثم يحاولون تعويض ذلك في أواخر العام بالسهر والإرهاق وهذا خطأ كبير علي الطالب المسلم أن يتحرز منه ، بأن ينظم وقته من أول العام ويسير سيرا معتدلا لأن الإرهاق آخر العام كثيرا ما يؤدي إلي الكلل والفشل . وعلي الطالب المسلم القدوة أن يعتاد النظافة في كل شيء ، وأن يبدأ بنظافة داخله ، فيطهر قلبه من الحقد والحسد والبغضاء والكبر والغرور ومن كل ما يغضب الله وأن يملأه بالتقوى والحب والإخلاص والصفاء والتواضع وكل ما يرضي الله . وأن يحرص بعد ذلك علي نظافة بدنه وملابسه وفراشه ومكتبه وكتبه .

وعلي الطالب المسلم القدوة أن يهتم بالمواظبة علي تلقي الدروس من أساتذته وألا يتغيب إلا لعذر قاهر . وأن يكون حاضر الذهن أثناء الشرح غير مشغول بمشاغل أخري . إذ أن حسن استيعابه لشرح المدرس يفيده بعد ذلك كثيرا بخلاف ما إذا لم يحضر أو لم ينتبه للشرح فيتبقي بعض النقاط مبهمة عنده غير مفهومة جيدا . وحبذا لو تيسر له قراءة للموضوع قبل شرح المدرس له ليأخذ إلمامه عامة به ويتبين النقاط التي يلزم الانتباه الشديد عند شرحها . وليعلم الطالب المسلم أن معظم الدروس مرتبطة بعضها ببعض ، فغالبا ما يصعب فهم ما لم يكن الدرس الذي قبله مفهوما ، فليحرص طالبنا القدوة ألا يفوته درس دون فهم ، ولو حدث ذلك فليسارع إلي فهمه من أستاذه أو زملائه . ومما يساعد علي الاستيعاب وتيسير المراجعة آخر العام لكل مادة من العلوم أن يستخلص الطالب الأبواب والنقاط الرئيسية والفرعية في كل باب مع كلمات قليلة توضيحها ، ويكتب ذلك ويكون بمثابة الهيكل العظمي للمادة ، ويحفظه الطالب حفظا جيدا . فقراءة التفصيل بعد ذلك تكون بمثابة اللحم الذي يغطي الهيكل العظمي فتلتصق أجزاء اللحم في مكانها علي العظام .

ولكن بدون الهيكل العظمي يختلط اللحم مع بعضه بعضا ولا يشكل جسما واضح المعالم ، وأؤكد بنفسي أن هذه التجربة ناجحة . وعلي الطالب المسلم القدوة أن يحرص علي إتقان دراسته والتفوق فيها فهذا أمر مطلوب وواجب إسلامي ، ثم إنه يطمئن الأبوين إلي أن عمله الإسلامي لم يعطله عن الاهتمام بدراسته بدفعه إلي التفوق ، وكذلك من يدعوهم إلي الله من زملائه الطلاب حين يجدونه متفوقا لا يتخوفون من أن يشغلهم العمل الإسلامي عن الدراسة والتفوق . أما إذا كان الطالب المسلم غير متفوق في دراسته فذلك يجعل والديه يحملان عليه وينفر غيره من الطلبة من مشاركته في العمل للدعوة . ليحرص الطالب المسلم علي ذكر الله والاستعاذة من الشيطان وبدء عمله ودراسته وإجابته في الامتحان باسم الله واستعانته بالله . وعليه إن اكتشف موهبة عنده في مجال نافع أن ينبه إخوانه إليها للعمل علي تنميتها لإفادة العمل الإسلامي بها . وعليه كذلك أن يستشير عند اختيار التخصص ليختار ما يفيد العمل الإسلامي .

وعلي الطالب المسلم القدوة أن يؤدي واجبه نحو الدراسة والمذاكرة ثم يتوكل علي الله ويقدم علي الامتحان بأعصاب هادئة . وعليه أن يستقبل النتيجة بعد ذلك استقبال المؤمن ، فيحمد الله ويشكره إن حالفه التوفيق والنجاح مرجعا الفضل إلي الله وعونه وتوفيقه ، وإن كانت الأخرى فلا يضجر ولا يحزن ، وليقل قدر الله وما شاء فعل ويعاود في عزم بكل الاطمئنان والأمل . وعلي الطالبة المسلمة القدوة أن تأخذ نفسها بكل ما سبق ذكره من نقاط وتزيد علي ذلك أن تحافظ علي كمالها واحترامها بالتزامها لآداب الإسلام وتعاليمه من حيث التزام الزى الإسلامي الكامل المواصفات ، وكذلك تجنب المنهي عنه من أنواع الزينة المحرمة ، وأن تتحرز من مواقف الريب ، والاختلاط ، ورفع الصوت بكلام أو ضحك أو غير ذلك من الأمور التي لا تليق بالطالبة المسلمة القدوة ، وأن تلزم نفسها بأدب الحياء وعليها أن تحسن اختيار صديقاتها من الطالبات ، وأن تتفقه في أمور دينها وبالذات ما يخص المرأة المسلمة . وعليها أن تؤدي دور الدعوة بين زميلاتها .

في مجال الإعلام :

إن الإعلام بمؤسساته وأجهزته ووسائله المختلفة الحديثة أصبح ذا دور خطير ومؤثر في توجيه الأمم والشعوب ، فالإذاعة الصوتية والمرئية والمسرح والسينما والصحف والمجلات والدوريات والكتب والنشرات ودور النشر ومراكز الثقافة وكذا أشرطة التسجيل المسموعة والمرئية وغير ذلك تؤدي اليوم دورا كبيرا في معركة المبادئ والأفكار علي الساحات المحلية والعالمية ، ونجد القائمة علي مبادئ بذاتها تسخر كل هذه الوسائل للدعاية لمبادئها وتفنيد غيرها من المبادئ . والجدير بالعاملين في حقل الدعوة الإسلامية أن يكون لهم دور في هذا المجال وأن يسخروا كل حديث منها لصالح الدعوة ولنشر مبادئ الإسلام الحنيف كي يعم نوره أرجاء الكون ويبدد ظلام المادة الذي طغي علي كثير من بلاد العالم ولم يسلم منه عالمنا الإسلامي .

وإذا كانت الظروف لم تتح للعاملين للإسلام تمام الاستفادة الملاحقة والتضييق ، بل وإلغاء صحف ومجلات إسلامية في بعض أقطارنا الإسلامية فهذا لا يعني الاستسلام للأمر الواقع ، أو التقليل من أهمية المجال الإعلامي ، فلابد من الصبر والمجاهدة وغزو هذا الميدان وإعداد فنيين ومتخصصين في كل فرع من فروعه ، خاصة وأن الإسلام دين الفطرة له قوته الذاتية التي تجعل له التأثير الأكبر عندما يقدمه المخلصون من خلال هذه الوسائل الإعلامية المختلفة . ويرعي عند ممارسة الإسلاميين لهذه الوسائل أن يخضعوها لتعاليم الإسلام وآدابه وأن يضعوا الضوابط الشرعية لكل منها كي تؤدي دورها البناء فتجنبه صور الآثم والمخالفات التي اتسم بها كثير من هذه الوسائل في عصرنا هذا ، تنفيذا لتخطيط الأعداء في تدمير مجتمعاتنا وأسرنا وأفرادنا . ولعل هذا الفساد كان من أسباب ابتعاد الكثير من الإسلاميين عن ولوج هذا الميدان إلا من عصم الله . كما يجب أن يراعي التنسيق بين العاملين في مجالات الإعلام الإسلامي المختلفة لكي تتضافر الجهود ويتوحد التوجيه ويتوفر الإنتاج . وسنعرض للحديث عن القدوة في بعض هذه المجالات بقدر الإمكان وإن كان الأمر يحتاج إلي جهد أكبر ودراسات من أهل اختصاص كي تعم الفائدة وتزداد .

في مجال الصحافة ودور النشر

الصحف والمجالات والرسائل والكتب لها دورها الخطير وتأثيرها الممتد أفقيا وزمنيا علي الأفراد والمجتمعات وواجب الحركة الإسلامية الاهتمام بهذه المجالات وتقديم القدوة الصالحة فيها . وسنعرض لبعضها من باب إلقاء الضوء لا الإحاطة ، فالأمر يحتاج إلي دراسة واهتمام من أهل الاختصاص كما قدّمنا .

الصحفي المسلم القدوة :

نريد الصحفي المسلم القدوة الذي يتقن فنه ويلتزم فيه أدب الإسلام ، فيتحري الخبر الصادق دون انتقاص أو تضخيم أو مغايرة للواقع ، ويقدم التحليل الموضوعي الدقيق الذي يفيد القارئ ويعطي الرؤية الصحيحة ، وأن يتجنب التجريح أو إيذاء الغير فيما يكتب . وعليه أن يتحري النقد البناء وأن يتجنب النقد الهدام وأن يقول الحق ولو كان مرا دون مجاملة أو خوف . ونريد منه أن يكون منصفا فيقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت في أسلوب هادئ مقبول . وعليه أن يتجنب أسلوب التزلف لدي ذوى السلطان والنفوذ ، وأن يتحرز من محاولات الاحتواء بالإغراء أو التهديد . وعلي الصحفي المسلم القدوة أن يتقن ربط القضايا والأخبار التي يكتبها بدعوة الله ، ليعلم الناس أن دين الله شامل لكل مجالات الحياة وله دور في كل منها وتوجيه وحكم وحل .

وعليه أن يعيش قضايا مجتمعاتنا الإسلامية ، وما تعانيه من مشكلات ومشاركة الشعوب في مشاعرهم وواقعهم وأن يتعاون في عرض الحل الإسلامي لهذه المشكلات وتلك القضايا مع أهل الاختصاص . وعلي الصحفي المسلم أن يكون يقظا لما ينشره أعداء الله وعملاؤهم ضد الإسلام أو ضد الحركة الإسلامية وأن يفند كذبهم وأباطيلهم ، وأن يحسن تقديم الإسلام للناس كافة .

المؤسسة الصحفية الإسلامية القدوة :

علي المؤسسة الصحفية الإسلامية أن تقدر أهمية الدور الملقي علي عاتقها لخدمة الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي البناء . فعليها أن تحسن تقديم الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة وأخلاقا وإثبات جدارته وأحقيته في أن يهيمن علي حياة الناس . وأن شريعة الله أحق بالتطبيق ولا مجال لمقارنتها بتلك النظم والمبادئ الأرضية . وعلي المؤسسة الصحفية الإسلامية أن تراعي مسئوليتها عن فهم القراء وتصوراتهم فلا تقدم لهم أي شيء انحراف أو إفساد كالذي نراه في كثير من الصحف والمجلات . علي الصحافة الإسلامية أن تتبني قضايا العالم الإسلامي ، وأن تعرضها عرضا جيدا كي يعيش المسلمون قضايا إخوانهم المسلمين في كل مكان وليشاركوهم في آلامهم وآمالهم . وعلي الصحافة الإسلامية أن تغطي الإعلام اللازم لميادين العمل الإسلامي والحركات الإسلامية و الجهاد الإسلامي وغير ذلك مما تحرص الصحافة العالمية والقومية علي تعتيمه أو تشويهه .

وعلي الصحافة الإسلامية أن تتيح الفرصة للكتاب والمفكرين الإسلاميين كي ينشروا إنتاجهم الفكري في يسر وسهوله . مع ضرورة الاطمئنان والتثبت من سلامة ما يقد لنشره . وعلي المؤسسة الصحفية أن تقدم في صحافتها ما تحتاج إليه فئات المجتمع المختلفة من طلاب وعمال ومهنيين وشباب وفتيات وأطفال وغيرهم من قطاعات الشعب لكي يتكامل التوجيه ويشمل الجميع .

دور النشر الإسلامية القدوة :

نريد دور النشر الإسلامية التي تسهم بدور فعال في تحقيق أهداف العمل الإسلامي ، بتقديم الإسلام الصحيح والتحذير من الانحرافات ، وبمعالجة أمراض مجتمعاتنا المختلفة بدواء الإسلام من الكتاب والسنة . نريد دار النشر الإسلامية التي تجعل مصلحة الدعوة هدفها الأول وليس الكسب المادي , فللأسف نري دورا للنشر تستغل إقبال الشباب والناس عموما علي الكتب الإسلامية فترفع من أسعارها أو تقدم كتبا منسوبة للإسلام فارغة المضمون . ونريد دار النشر الإسلامية التي تتحري ما تنشره ومن تنشر له بحيث تطمئن إلي سلامة الكاتب والمكتوب قبل أن تتورط بالطبع والنشر ، فهناك كتاب يلبسون ثوب الإسلام ويدسون في كتاباتهم أمورا مخالفة للإسلام والوقاية خير من العلاج .

ونريد الكاتب المسلم القدوة :

الذي يحسن اختيار الموضوع المناسب والمفيد في حقل الدعوة ، ويتقن تناول الموضوع بالأسلوب الجيد الواضح الذي يصل بمعانيه إلي القلوب وإلي العقول ويحدث التأثير المطلوب . ونريد من الكاتب المسلم القدوة أن يلتزم فيما يكتب بالفهم السليم للإسلام بعيدا عن أي اجتراء أو انحراف أو خطأ ، وليقدر مدي الوزر الذي بعدد القراء الذين يتأثرون بهذا الفهم غير السليم . ونريد من كل كاتب إسلامي يجد عنده موهبة في إطار الكتابة أو الإعلام أن ينميها ويفيد بها ، بحيث لا نترك مجالا من مجالات الإعلام إلا ونستثمرها ونفيد بها بعد صبغها بالصبغة الإسلامية . فنريد من القصصي الإسلامي أن يدلي يدلوه ، ويعالج بأسلوبه القصصي له جاذبيته وتأثيره . كذلك نريد الشاعر المسلم القدوة الذي يسهم بشعره في بعض القضايا الإسلامية وبالأناشيد التي تبعث الحماسة في الشبان والأشبال . فلا شك أن للشعر دوره وتأثيره في النفوس .

والمكتبة الإسلامية :

نريد من المكتبة الإسلامية أن تتقن فن عرض الكتب والدعاية لها كي ينتشر مجال توزيعها . ونريد منها ألا تغالي في أسعار الكتب الإسلامية ليتيسر لأكبر عدد شراؤها والاستفادة منها . وعليها أن تحسن اختيار الكتب والصحف والمجلات التي تقوم ببيعها وتوزيعها ، فتختار النافع المفيد وتتجنب ما فيه مخالفات مهما كان ربحه مغريا . وعلي المكتبة الإسلامية أن تتابع كل جديد نافع وتسهم في عرضه وتوزيعه . وعليها أن تحافظ علي صلات طيبة بدور النشر وأن تقوم بالتزاماتها المالية في مواعيدها . وقبل أن نترك مجال الإعلام الإسلامي ننبه كل من يعملون في مجال الإعلام إلي ضرورة إخلاص النية وخلوها من كل عرض دنيوي ، إذ أن بعض مجالات الإعلام تغري بحب الظهور أو التطلع إلي الزعامات أو إلي حظوة لدي ذوي السلطان أو تطلع إلي منصب أو جاه أو مال .

القدوة في مجالات أخري

الطبيب المسلم القدوة :

نريد من الطبيب المسلم القدوة أن يقصد بعمله وجه الله وثوابه ، أما العائد المادي فيكون تبعا ولا يكون هو أصل القصد والتوجه في النية . وعليه أن يعتقد أن الشافي هو الله ، وأن ما يقوم به من تشخيص أو علاج إنما هي أسباب فقط . وعليه أن يسأل الله دائما التوفيق عند التشخيص ، وعند وصف العلاج . وعلي الطبيب المسلم أن يتحلي بالحلم وسعة الصدر والعاطفة ويتعود الكلام الطيب مع المرضى فإن ذلك له أثره النفسي الكبير علي المريض . وعليه أن يشعر المريض دائما بالأمل الكبير في الشفاء . وليعلم أن المريض يتحسس كل لفظة أو حركة أو خلجة تصدر من الطبيب أثناء الكشف عليه ليستشف منها تقويم الطبيب لحالته ومدي الأمل في الشفاء .

وعلي الطبيب المسلم القدوة أن يحرص علي نظام مكان عمله ونظافته ، وأن ينظم المواعيد ويحدد لكل مريض وقتا معينا يلتزم وإياه به تفاديا للأوقات الطويلة التي تضيع في الانتظار . وعليه أن يراعي مواعيد الصلاة وأن ييسر لرواد عيادته أداءها إذا حل وقتها . وعلي الطبيب المسلم القدوة أن يلم بالأحكام الفقهية التي تتصل بعمله كي لا يقع في إثم ، وكذلك ما يحتاج إليه المريض من أحكام فقهية يرشد الطبيب إليها . وعلي الأطباء المسلمين أن يسارعوا بالعمل في البلاد الإسلامية مهما كانت نائية ، ولو كانت الحياة فيها خشنة ، فلا يجوز أن نري الأطباء المبشرين يذهبون إليها ليؤدوا رسالة التبشير بين مرضي المسلمين ثم نجد الأطباء المسلمين يتخلفون عن الذهاب ويفضلون دول الخليج والحياة المريحة . ما ذكرناه عن الطبيب المسلم القدوة ينطبق علي الطبيبة المسلمة القدوة . ولا يفوتنا ونحن في مجال الطب أن الممرض المسلم والممرضة المسلمة لها دور مهم أيضا إذ يجب أن يكون كل منهما قدوة حسنة رعاية المرضى والصبر علي راحتهم وتقدير ظروفهم ومعاناتهم .

المستشفي الإسلامي القدوة :

نحن في حاجة إلي إيجاد نماذج من المستشفي الإسلامي القدوة وتكرار هذا النموذج كالمستشفي الإسلامي في عمان بالأردن ، فمع الاهتمام بالمستوي العالي الإداري والفني والأجهزة الحديثة والنظام والنظافة وحسن العناية بالمرضى ، نري قسم النساء كله من النساء المرضى والطبيبات والممرضات ، وكذلك قسم الرجال كله رجال مرضي وأطباء وممرضون . ونجد الطبيبات والممرضات يلبسن زيا إسلاميا مناسبا مكانا معدًل للوضوء والصلاة وقد بني مسجد مجاور . كما أن إدارة المستشفي تراعي حالات المرضى الاجتماعية وتجعل نسبة من الأسِرَّة للحالات العاجزة عن دفع تكاليف العلاج .

اقتراح : نقترح أن يعد كتيب باسم " دليل الطبيب المسلم " يحوي بعض الإرشادات أو التوصيات الفنية وكذا الأحكام الفقهية في بعض القضايا التي يتعرض لها الأطباء في عملهم .

رجل القانون المسلم :

إن رجل القانون به دوره الخطير والمهم في مجتمعاتنا سواء كان قاضيا أو محاميا أو من رجال النيابة ، فالقوانين في ذاتها والتحاكم وتنفيذ الأحكام والقائمون علي ذلك كله يشكل جانبا مهما في حياة الناس . فعلي رجل القانون المسلم أن يبذل جهده هو وزملاؤه في أن تحكم الشريعة الإسلامية ، وحتى يتم ذلك فعليه أن يتفادى الحكم بأحكام تخالف شرع الله . وعليه أن يتحري العدل والإنصاف فهو مسئول عن كل تجاوز في عمله يترتب عليه إضاعة حق لمستحق أو وقوع ظلم علي أحد ، أو عدم رفع الظلم عن المظلوم خاصة وفد ساد الظلم كثيرا من بلادنا في عصرنا هذا .

وعلي المحامي المسلم أن يتحري الحق ولا يحيد عنه ، فأحيانا في سبيل كسب القضية يلجأ بعض المحامين إلي الحيد عن الحق وقلب الحقائق فلا يجوز للمحامي المسلم أن يدافع عن متهم ثبتت عليه الجريمة فعلا إلا أن يكون في المجال فسحة قانونية لتخفيف الحكم لا لنفي التهمة الثابتة .

التاجر المسلم القدوة :

التجارة تمثل قطاعا كبيرا في مجتمعاتنا ونحن أحوج ما نكون إلي التاجر المسلم القدوة خاصة في هذا العصر الذي فسدت فيه الذمم وانتشر الغش . نريد التاجر المسلم الذي يتحري الحلال فيما يتاجر فيه ويتجنب الحرام والخبيث . ونريد التاجر المسلم الذي يتجنب الغش والتطفيف في الكيل وخسران الميزان كما يتجنب الاحتكار والتعامل بالربا وكل بيع أو شراء فيه مخالفة لتعاليم الإسلام . وأن يكتفي بالربح المناسب .

ونريد التاجر المسلم الذي يحسن اختيار من يتعامل معهم من الجهات أو الشركات بأن تكون إسلامية أو وطنية ما أمكن ، وأن يعمل علي ترويج المنتجات الوطنية . ونريد التاجر المسلم الذي يعلم أن المال مال الله في يده فلا يستحوذ علي قلبه ولا يشغله عمله عن أداء الصلاة والزكاة وعليه أن يسارع في الإنفاق من ماله في أبواب الخير وخاصة الجهاد في سبيل الله .

ونريد التاجر المسلم القدوة المنظم في عمله وفي وقته وفي عرض تجارته ، ولا تشغله التجارة عن زاده الروحي وواجباته نحو إسلامه ونحو أهله ورعاية أولاده . ونريد التاجر المسلم الذي يحرص علي نظافة متجره وبضاعته وسلامتها من كل تالف أو فاسد أو ضار ، وأن يتجنب ما يلجأ إليه البعض من إخفاء العيب والتغرير بالمشتري . ونريد التاجر المسلم السهل إذا اشتري وإذا باع وإذا اقتضي . وجملة نريد التاجر المسلم الذي يكسب ثقة الناس ويكون داعيا إلي الإسلام بحسن تعامله وجودة بضاعته وصدقه وأمانته .

المؤسسات الاقتصادية الإسلامية

نريد المؤسسات الاقتصادية الإسلامية التي تعمل علي دعم اقتصاد أمتنا الإسلامية ، وعلي حماية ثروات بلادنا من استغلال أعدائنا لها . نريد المؤسسات الإسلامية ورجال الأعمال الإسلاميين الذين يسهمون في تحقيق الاكتفاء الذاتي لأقطارنا والتخلص من التبعية الذليلة لأعداء الله وخاصة فيما يصل برغيف الخبز . نريد أن يتحقق التنسيق والتعاون بين المؤسسات الاقتصادية الإسلامية علي الساحة الإسلامية وحبذا قيام سوق إسلامي مشترك في محيط الدول الإسلامية . ونريد المصارف الإسلامية القدوة التي تتحري تعاليم الإسلام في كل معاملاتها وتشيع في نفوس المتعاملين معها روح الثقة والاطمئنان فلا يروا فيها إلا الخير ، وألا تسئ التطبيق بتجاوزات صغيرة أو كبيرة مهما كانت الأسباب والدواعي

ونريد المصارف الإسلامية أن ترتقي بمستواها الفني في كل جوانب العمل بحيث تصمد وتنجح في مجال التنافس مع المصارف الربوية تمهيدا للقضاء عليها فهي معها في معركة حقيقية وليعلم المسئولون والعاملون في المصارف الإسلامية أنهم بعملهم هذا في عبادة وجهاد في حقل الدعوة الإسلامي وإثبات عملي لأحقية النظام الإسلامي بالتطبيق في حياة الناس . وعلي المصارف الإسلامية أن تحسن استثمار ودائعها علي الساحة الإسلامية مستغلين ثروات بلادنا الإسلامية وطاقاتها البشرية ، وعلي أهل الاختصاص الاقتصاديين أن يسهموا في هذا المجال بدراساتهم وبحوثهم وتخطيطهم . وعموما نريد من رجال الاقتصاد الإسلاميين أن يعكفوا علي دراسة ظروف بلادنا الإسلامية الاقتصادية وأن يتعرفوا علي العلل والأسباب التي أدت إلي تدهور الاقتصاد ويقدموا علاجا لتلك الحال علي ضوء النظام الاقتصادي الإسلامي ، وبهذا يكونون من الدعاة الحقيقيين إلي الله وإلي تطبيق شرعه في الأرض .

العامل المسلم القدوة

يشكل العمال قطاعا كبيرا ومهما في مجتمعاتنا ، وتقوم علي أكتافهم إنجازات ومنشآت نحن في مسيس الحاجة إليها ولهذا فإننا :

نريد العامل المسلم الذي يشعر أن العمل شرف وعبادة وقربي إلي الله ، وأن بعض الرسل كانوا يعملون في تجارة أو حدادة أو نجارة أو رعي الغنم أو غير ذلك . وعلي العامل المسلم أن يتقن عمله وليعلم أن الله رقيب عليه ولو لم يراقبه صاحب العمل . وعليه أن يشعر بالعزة مهما كان نوع العمل الذي يقوم به . وعليه أن يصدق في الوفاء بإتمام العمل في الوقت الذي يتفق عليه دون تسيب أو إهمال . وعلي العامل المسلم صاحب الحرفة أن يسعي للرقي بمستوي حرفته ويستفيد من كل جديد فيها . وعليه أن يؤدي حق الدعوة والتذكير بين إخوانه العمال وأن يحول بينهم وبين الخديعة بدعايات أصحاب المبادئ الهدامة الذين يخدعونهم بها .


خـاتـمـة

بعد هذه الجولة حول القدوة علي طريق الدعوة التي حاولنا أن نوضح فيها معالم القدوة الإسلامية في المجالات المختلفة نقول : إن هذه إشارات وملامح ، والواجب علي الأخوة في كل تخصص مما سبق أن ذكرناه أو لم نذكره أن يقوموا بعمل دراسات تحليلية تخص مجالهم وتشمل كل متطلبات العمل الإسلامي في مجالهم وتتضمن الصفات الإسلامية التي يلزمون أنفسهم بها كي يؤدوا عملهم علي الوجه الأكمل .

ومن الأفضل أن تجمع هذه الدراسات وتدون وتطبع لتكون سهلة التداول بين زملائهم في التخصص ، سواء أكانوا أطباء أم مهندسين أمن قانونيين أم إعلاميين أم تجارا أم طلبة أم مدرسين أم غيرهم .

ويقدر النشاط في هذه المجالات يكون تحقيق المجتمع المسلم والعناصر الإسلامية التي يقوم بها وعليها بناء الحكم الإسلامي والدولة الإسلامية . ويكون للقدوة علي طريق الدعوة دور إيجابي مؤثر في إيجاد القاعدة الصلبة لبناء الدولة الإسلامية المنشودة وبالله التوفيق ومنه العون .