القضايا العربية الكبرى بين قمة الدوحة والعربية الأمريكية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


القضايا العربية الكبرى بين قمة الدوحة والعربية الأمريكية

أخيراً، وبعد وساطات وزيارات واتصالات خلف الكواليس، انعقدت قمة الدوحة العربية، أو قمة المصالحات العربية. ورغم المقدّمات فإن احتفالية الدوحة جاءت مبتورة ومنقوصة، فقد غاب عنها رئيس أكبر دولة عربية، هي دولة المقر بالنسبة لجامعة الدول العربية، لأن إشكالية ما لا تزال تحول دون عقد المصالحة المصرية مع قطر، الدولة المضيفة للقمة العربية. ولولا أن ليبيا تسعى لاستضافة القمة القادمة على أرضها في العام القادم (2010) لما أقدم (الأخ) العقيد معمّر القذافي على إلقاء كلمته من خارج سياق الجلسة الافتتاحية، وقال فيها أنه على استعداد لزيارة الملك عبد الله (بن عبد العزيز) وأن يستقبله كذلك، مما شكل اعتذاراً عما قاله في العاهل السعودي خلال قمة بيروت عام 2002.

لكن، ماذا عن الاشكاليات العربية الحقيقية والموضوعية؟ لا شيء في القمة يستحق الذكر، لا في العلاقات العربية، ولا في ملف المصالحة الفلسطينية، ولا في الموقف العربي من إيران، ولا من الإدارة الأمريكية الجديدة، ولا من التكتل اليميني الصهيوني المتطرف الذي حاز أغلبية مقاعد الكنيست الاسرائيلي، خاصة بالنسبة للأقطار العربية التي تقيم علاقات سياسية أو اقتصادية مع الكيان الصهيوني.

أما القضية التي سجل فيها الملوك والرؤساء موقفاً مقبولاً فهي قضية مذكرة الإحضار التي أصدرها المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو، خاصة أن الرئيس السوداني هو المعني بهذا القرار، المطلوب إلقاء القبض عليه أو اعتراض طائرته وسوقه إلى محكمة الجنايات الدولية تجاوز كل المخاطر ووصل بالطائرة إلى الدوحة، مما شكل إحراجاً للملوك والرؤساء العرب، يضاف إلى هذا أن ملف الرئيس البشير وطرحه في محكمة لاهاي يجعل ممارسات عدد من الحكام العرب تحت مجهر المحكمة والتحقيق الدولي، ولو جرى فتح سجلات عدد من الملوك والرؤساء، أو وزراء الداخلية الذين يجتمعون دورياً لتبادل الخبرات الأمنيّة وتنسيق جهودهم في مكافحة ما يسمى الإرهاب.. لأمكن للمحكمة أن تضع كثيرا منهم في سجونها بالعاصمة الهولندية.. وهذا ما دفع الملوك والرؤساء إلى تبني قرار مقبول بالنسبة للملف السوداني، لأنه يشكل تحدّياً واضحاً لعدد كبير منهم أو من وزرائهم أو مسؤولي أجهزتهم الأمنية.

أما القضية المركزية للعرب والمسلمين (القضية الفلسطينية) فلا شيء فيها يستحق قرارات جريئة وواضحة من الملوك والرؤساء، مع أن الحكومة الاسرائيلية الجديدة التي نالت ثقة الكنيست في اليوم التالي للقمة العربية تشكل تحدّياً لكل العالم العربي، ملوكاً ورؤساء وحكومات وشعوباً، وليس للفصائل الفلسطينية وحدها، التي تلتقي في القاهرة لترمم علاقاتها البينيّة وتعيد النظر في تركيبة منظمة التحرير وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، ربما يريد منها البعض أن تتابع التفاوض مع الجانب الاسرائيلي، ممثلاً برئيس الوزراء الجديد، «بنيامين نتن ياهو» الذي جاء بأشد الصهاينة عنصرية، «افيغدور ليبرمان» رئيس حزب «اسرائيل بيتنا» وزيراً للخارجية، مع أن البيان الوزاري الذي نال نتن ياهو على أساسه الثقة لا مكان فيه لدولة فلسطينية ولا لمشروع الدولتين الذي كان يروّج له ويدعو اليه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.. فماذا قدمت القمة العربية لمواجهة المخاطر التي تتهدد فلسطين والفلسطينيين والمقدسات - إسلامية ومسيحية - في الأراضي المحتلة وعلى رأسها مدينة القدس؟!

بعد القمة العربية مباشرة، وفي نفس القاعة وعلى الكراسي نفسها، انعقدت القمة العربية - الأمريكية اللاتينية الثانية، بعد أن انعقدت القمة الأولى في البرازيل في أيار عام 2005، وقد شارك في هذه الدورة أحد عشر بلداً أمريكياً لاتينياً إلى جانب ضعف هذا العدد (22 دولة) من أقطار جامعة الدول العربية. وعلى الرغم من أن القمة الثانية (العربية - الأمريكية) لم تستغرق أكثر من ست ساعات، إلا أن البيان الختامي الذي صدر عنها جاء أكثر جدّية وموضوعية من بيان القمة العربية، خاصة أن زعماء الدول الأمريكية اللاتينية لم يشغلوا ساعاتهم الست لا بمصالحات ولا مناكفات ولا بخطب منبرية، مع أن هذه الدول متعددة التوجهات الفكرية والسياسية، فيها أنظمة في أقصى اليمين وأخرى في أقصى اليسار، ومعظمها أقطار منتجة للنفط، إلى جانبها أقطار فقيرة تعيش على المساعدات الخارجية.. ومع هذا فقد شكلت آليات للتواصل السياسي والتبادل الاقتصادي، عكس الدول العربية التي تجمع في ما بينها عوامل كثيرة، أهمها الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ والعدو المشترك.

أما البيان الختامي للقمة المشتركة (العربية - الأمريكية) فقد سجل مواقف واضحة إزاء القضية الفلسطينية، ورأى «أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة لم يتحقق حتى الآن بسبب اسرائيل..»، وأشار إلى ضرورة قيام دولة موحدة ومتكاملة داخل حدود واضحة ومعترف بها دولياً»، وتبنى البيان «اقتراح إنشاء هيكل تنظيمي لقمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية من أجل جعله أكثر دينامية..»، وأدرج البيان خمسة ميادين يمكن التنسيق والتكامل فيها، كاجتماع رؤساء الدول ووزراء الخارجية والتنسيق والتكامل في الميادين الاقتصادية وغيرها. كما أوصى البيان بضرورة التكامل والتنسيق الثقافي (أوصى بطباعة كتاب «مسلية الغريب لكل أمر عجيب» للإمام البغدادي، وركز على «الدور الايجابي لمواطني أميركا الجنوبية ذوي الأصول العربية، والمواطنين العرب ذوي الأصول الأمريكية الجنوبية في تعزيز العلاقات بين الاقليمين».

لكن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز سجل مواقف متقدمة وجريئة سواء على مستوى الرؤساء الأمريكيين أو العرب، إذ قطع علاقاته مع إسرائيل وطرد سفيرها من بلاده خلال فترة العدوان على غزة، وهذا ما لم يقدم عليه أيّ من الملوك أو الرؤساء العرب الذين يقيمون علاقات سياسية وتطبيعاً مع الكيان الصهيوني. وإزاء أزمة السودان والمحكمة الدولية قال شافيز: غن مذكرة التوقيف ترهيب قضائي وقلة احترام لشعوب العالم الثالث. وتساءل: «لماذا لا يأمرون باعتقال بوش.. ولماذا لا يأمرون باعتقال الرئيس شمعون بيريس»؟

في جميع الأحوال، سجلت قمة المصالحة العربية خطوة ايجابية، وإن كانت محدودة ومتأخرة، على أمل أن يستفيد الملوك والرؤساء من تجربة التنسيق مع الأمريكيين الجنوبيين من خلال اللقاءات المشتركة القادمة.