القدس قضية أمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
القدس قضية أمة


مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،

فقضية فلسطين من القضايا التي يرى فيها المتأمل تحقق السنن الإلهية في المجتمعات البشرية، وضرورة تفعيل قانون التدافع البشري لموازنة معادلة البقاء والإعمار على الأرض.

فلا شك أن التحرير الأول لفلسطين أيام الفاروق عمر بن الخطاب قد نقل أرض الإسراء والمعراج إلى الدائرة الإسلامية حيث الأمة المرشحة للقيام بالشهود الحضاري على بقية الأمم، ولا شك أيضا أن التحرير الثاني للأقصى من أيدي الصليبيين على يد المجاهد صلاح الدين الأيوبي قد كلف المسلمين 88 عاماً من الانتظار ممزوجة بالمرابطة والصبر والجهاد والمدافعة وآلاف الشهداء؛ ليتحقق وعد الله بالنصر والعزة.

واليوم ما أحوج المسلمين إلى العمل بقانون التدافع البشري وهم ينشدون التحرير الثالث لهذه الأرض المباركة، إعادة شعلة الجهاد مشتعلة في النفوس من جديد رغم جبال الظلام واليأس التي تحيط بالأمة.

إن الطريق إلى القدس السليبة واضح جلي، رغم آلة الإعلام الجبارة الصماء التي تلصق تهم الإرهاب والتطرف بالمدافعين عن دينهم وعقيدتهم وأرضهم وحقوقهم التاريخية الثابتة في الأرض المباركة.

إن الجهاد هو السبيل الوحيد للعودة إلى الأرض المقدسة السليبة، وان حالت الأحداث والظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة من تمزق وفرقة وشتات دون رفع راية الجهاد، فلا اقل من جهاد الكلمة الحرة الصادقة في زمن المطبلين للسلام الزائف الذي لن يأتي إلا على جثة الكرامة والقيم التي تؤمن بها الأمة.

إننا ونحن نقدم هذا الكتاب "القدس .. قضية امة" الذي هو جهد المقل في نصرة الأقصى الحبيب الذي يتعرض اليوم لهجمة شرسة في محاولة لمحو ذاكرة الأمة تجاه العداء اليهودي فيما يشبه تطبيعاً للتاريخ، ومحاولة إعادة رسم الخريطة لتصنيع واقع جغرافي جديد وزرع كيان غريب وسط الكيان المنسجم للأمة عقيدة وتاريخاً..

نرجو الله أن يغفر لنا تقصيرنا، ويهدينا سبلنا لتحرير مقدساتنا، ويرزقنا صلاة آمنة في ارض الإسراء والمعراج، وما ذلك على الله بعزيز.

الشيخ/د. جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

لسان الحال

" لا زال تشريفي بهذه الصلاة تاجاً يعلو قبتي ويتأمل من علٍ كل ما يحدث، ويرفع بصره إلى السماء يسأل الله هلاكاً لأعداء العقيدة وخصوم التاريخ...

أتأمل الواقع وارفض أن اشهد يوماً تصبح فيه القدس عاصمة لسرطان صهيوني يغزو جسدي، ويحولني إلى أنقاض تنعى عمر بن الخطاب، وصلاح الدين، والسلطان عبد الحميد، وكل روح إسلامية أبت التفريط وتمسكت بالحق، أتأمل بزهو ليلة الإسراء والمعراج ، وأتشرف بأن اختارني الله سبحانه وتعالى لأكون جسر النبي ((صلى الله عليه وسلم)) إلى سدرة المنتهى، وبعده إلى الأفق الأعلى، وواحة لقاءه بإخوانه من الأنبياء.

استشرف يوماً تثمر أكنافي رجالاً يصدقون الله العهد ويوفون بالوعد ويرابطون على الثغور ويشترون الجنة بأنفسهم وأموالهم..."

التوقيع: الأقصى الحزين

حتمية النصر على اليهود

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد الأمين وبعد:

قال الله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) (الإسراء:1). هنا جعل الله تعالى الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى آية من آياته وعقيدة من عقائد الإيمان، وعلى ذلك من يفرط بالقدس يفرط بالكعبة، فالقدس ليست قضية ارض وشعب يمكن أن ندخلها في دهاليز السياسية، بل هي آية في كتاب الله فهي جزء من عقيدة المسلم، ولهذا فقضية فلسطين لن تموت ؛ لأنها عقيدة في قلب كل مسلم، فهل سمعتم أو قرأتم عن عقيدة يحملها في قلبه أكثر من ألف مليون يمكن أن تموت، إن الناس يموتون في سبيل العقيدة، وما ماتت عقيدة من اجل حياة إنسان.

فالمسجد الأقصى.. دمعة في عين كل مسلم، واحتلاله طعنة في قلب كل مؤمن، المسجد الأقصى قطعة من أفئدتنا سلبت منا يوم ضعفت في قلوبنا – لا اله إلا الله.

المسجد الأقصى صلى فيه محمد عليه الصلاة والسلام، وفتحه عمر، وكبر فيه صلاح الدين.. إن في الإسراء دلالة على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى في شرع الله هي الصبغة الإسلامية فاستقر نسب المسجد الأقصى إلى الالتفاف بالأمة التي أمّ رسولها سائر الأنبياء.

لقد التصق المسجد الأقصى بأمة محمد ((صلى الله عليه وسلم)) ففي الحديث الصحيح: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى).. (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة، وهو ثاني مسجد وضع في الأرض..) كما في حديث البخاري، وأرضه هي الأرض المقدسة كما في النص القرآني: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) (المائدة:21)، وهي الأرض المباركة: (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) (الأنبياء:71).

حقيقة نبوية:

إن انتصار هذا الدين في معركته مع اليهود حقيقة يعرفها اليهود قبل المسلمين ففي الحديث الذي أخرجه الإمام احمد في مسنده يقول:" لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة" "مجمع الزوائد" قال الهيثمي:رجاله ثقات فستكون المعركة وسينتصر المسلمون ففي الحديث الصحيح: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود".

وقد اخبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) أيضا أن الدجال يهودي وأمه يهودية، ويخرج من قرية يقال لها اليهودية، واخبر أن أكثر أتباعه من اليهود، واخبر انه سيغزو كل الأرض عدا مكة والمدينة والقدس ومنطقة الطور، واخبر أن الخوارق ستجري على يديه مما يزيد من فتنة الناس به، ويضاعفها حتى تكون فتنته أعظم فتنة في تاريخ البشر منذ خلق الله آدم عليه السلام – (انظر حمى سنة 2000 ص229)..

ونحن لا نستبعد أن تكون المواجهة بين المسلمين – الذين عناهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) – وبين اليهود قريبة بالمعيار الزماني الذي تقاس به أعمار الدول والأمم وهو قرب قد يستغرق عقوداً من السنين وأحيانا قروناً، ولكن هذه الحقيقة المؤكدة التي تكشف انتصار المسلمين على اليهود الذين يفرون ويختفون وراء الأحجار والأشجار قادمة لا محالة، ولسوف تبقى هذه الحقيقة تحدث أثرها في نفوس المسلمين، رغم كل المحاولات المعاصرة التي نراها أمامنا، والتي تمتد في أيدي المسلمين لتصافح اليهود، وتعقد معهم اتفاقات، وتطبع العلاقات ليشتري المسلمون من وراء ذلك رضا اليهود.

الذين إذا غضبوا غضب العالم لغضبهم، وإذا حاربوا وقف الغرب والشرق معهم، وإذا هزموا في معركة سارع الجميع لنجدتهم، وبالرغم من ذلك – وبالرغم من التخاذل العربي الإسلامي، وبالرغم من تمييع القضية – فإن طائفة من المسلمين سوف تقوم بالمهمة، وسيتحقق النصر النهائي على أيديهم إن شاء الله، وسيعقب الانتصار إقامة الخلافة في القدس، ففي مسند الإمام احمد عن أبي حواله الأزدي (رضي الله عنه) قال: وضع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يده على رأسي أوعلى هامتي ثم قال : يا ابن حواله إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك" (صححه الحاكم ووافقه الذهبي)

عقيدة مشتركة وتعاون وثيق

وهذا أمر يقر به اليهود والنصارى "البروتستانت" فمن العقائد المشتركة بين اليهود والنصارى الإيمان بمجيء يوم يحدث فيه صدام بين الخير وقوى الشر، وسوف يكون هذا الصدام اكبر معركة في التاريخ وسوف تدور رحاها كما يعتقدون في منطقة "مجدو" بفلسطين وهي موقع يبعد عشرين ميلاً جنوب شرق حيفا، وهذا ما يسمى عندهم بعقيدة "الهرمجدون" وقد ألفت الكاتبة الأمريكية "جريس هالسيل" كتاباً أسمته "النية القاتلة .. المبشرون البروتستانت على درب الحرب النووية" وأوردت في الكتاب معلومات مذهلة عن تعاون النصارى مع اليهود من اجل الهدف المشترك "بناء الهيكل وهدم المسجد" وهؤلاء يعتقدون بأن إعادة بناء الهيكل سيعجل بمجيء مسيحهم عيسى ابن مريم (عليه السلام) للمرة الثانية وهم يطمعون أن يدخل اليهود في دينه هذه المرة، واليهود ينتظرون مجيء المسيح المرة الأولى، ولكن ليس عيسى المسيح، وبموجب هذه العقيدة فإن التعاليم الإنجيلية تتطلب حدوث ثلاثة أمور قبل أن يتحقق مجيء المسيح الثاني:

1- تصبح إسرائيل دولة

2- تكون القدس عاصمة لهذه الدولة

3- إعادة بناء الهيكل

وهذه العقيدة فقط في أمريكا تمثل 39% من الشعب الأمريكي أي حوالي خمسة وثمانين مليون أمريكي، وهذا ما تبين من الاستفتاء الذي أجرته مؤسسة "يانكلوفينش" ونحن كمسلمين نعتقد بنزول عيسى (عليه السلام) ولكن لكسر الصليب، وقتل الخنزير، ففي صحيح مسلم من حديث النواس بن السمعان الكلابي قال : " سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول :" ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق" وقبل الانتقال إلى الصراع بين اليهود وأعوانهم وبين الحركة الإسلامية نذكر الصور المعدة لبناء الهيكل:

الصورة الأولى: بناء الهيكل بصورة مباشرة في ساحات المسجد الأقصى بعد تدميره ولهذه الصورة خطوات منها:

1- سنة ألف وتسعمائة وتسعة وستين قام النصراني الاسترالي الجنسية بحرق المسجد الأقصى وأثاثه، والمنبر الذي احضره صلاح الدين حين فتحه للقدس.

2- في سنة ألف وتسعمائة وثمانين حاول الحاخام "كهانا" نسف المسجد الأقصى بوضع طن من مادة "تي إن تي" وكذلك في سنة 1982 م، وسنة 1984 ، ومحاولات كثيرة جرت، ولكن عناية الله تحول دون تنفيذ مرادهم.

3- سنة 1984 م كانت هناك محاولة لقصف المسجد الأقصى بالطائرات الإسرائيلية

4- سنة 1990 م قام أعضاء منظمة أمناء جبل الهيكل بقيادة "غوشو شلمون" باقتحام المسجد ووضع حجر أساس الهيكل، وكان هناك صدام مع المسلمين تدخلت الشرطة الإسرائيلية فكانت "مجزرة الأقصى"

5- أما الحفريات فمنذ سنة 1976 م واليهود يقومون بها زاعمين بحثهم عن اثر الهيكل، وقد بنوا كنيساً صغيراً في نفق شقوه تحت المسجد الأقصى، افتتحه الصهيوني الهالك "بيجن".

وهذه كانت بعض محاولات لتنفيذ الصورة الأولى لبناء الهيكل.

الصورة الثانية: وهي مرحلية حتى لا يثيرون الأمة الإسلامية فيعملون على إقامته في الأماكن التي تقع في أسفل المسجد الأقصى، بينما يبقى المسجد والقبة مع المسلمين، فيكون ما فوق التراب للمسلمين وما تحته لليهود.

الحركة الإسلامية وصراعها مع اليهود في قضية القدس:

اليهود يعرفون أن الذي سيحرر القدس، ويطهر فلسطين – من اليهود المجرمين- هي الأيادي البيضاء الطاهرة المتوضئة، إنهم ورثة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) فهم يقولون:

خلو الطريق لنا فنحن الناس

مسرى النبي لنا جميعاً كله

ولينصرن الله ناصر دينه

أما الذين بغوا فهم أنجاس

لا النصف لا الأرباع ولا الأخماس

هذا هو المعيار والمقياس

تاريخ يشهد:

لن نبدأ في ذكر الصراع من قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم) في استيطان اليهود في يثرب، وإثارة الفتن والحروب بين عرب الجزيرة، ولا منذ أن جاء نابليون إلى مصر سنة 1798م، وأطلق عند أبواب عكا نداء لليهود أن يجتمعوا ليقيموا دولتهم في فلسطين، وقد كانت الرياح التي حملت هذا النداء خفيفة، ثم استمرت تقوى وتشتد حتى ظهر مؤتمر "بال" في سويسرا سنة 1897م – ولكننا سنبدأ عند هجوم عصابات اليهود لاغتصاب ارض المقدس سنة 1948 م، وحين ذاك بدأت الحركة الإسلامية التحرك الفعلي في مواجهة الخطر، وهنا سارع سفراء (بريطانيا وفرنسا وأمريكا) في مصر إلى التدخل لدى ملك مصر السابق "فاروق" ليشيروا عليه بتوجيه ضربة شديدة للحركة الإسلامية في مصر ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين ، فكانت الخطوات العملية من "فاروق" استجابة لتلك الضغوط فعمل على:

1- محاصرة معسكرات المجاهدين في جبهة القتال.

2- قرار حل الجماعة واعتقال قياداتها في مساء الثامن من كانون أول/ديسمبر سنة 1948

3- اغتيال الإمام حسن البنا (رحمه الله) مساء الثاني عشر من شباط/فبراير سنة 1949

وبعد هذه الخطوات العملية في محاربة الحركة الإسلامية ابرم الملك فاروق "حكومة النقراشي " في الرابع عشر من شباط/فبراير سنة 1949 معاهدة "رودس" مع اليهود، ونشطت حركة الإعدامات في أوساط المجاهدين، ثم لننظر إلى الأحداث المعاصرة للحركة الإسلامية:

1- في سنة 1956 م ألقي الألوف من أبناء الحركة الإسلامية في أعماق السجون لتتقدم إسرائيل في السنة نفسها وتحتل قناة السويس.

2- في التاسع والعشرين من آب/أغسطس سنة 1966 م تم إعدام "سيد قطب " (رحمه الله) ونفر من أصحابه، وهنا تتقدم إسرائيل في ساحة خالية خاوية بعدها بشهور لتهزم ثلاث دول عربية في الخامس من حزيران/يونيو سنة 1967 م، وتحتل القدس وسيناء والجولان.

3- وفي السبعينيات أعوام 1974 -1975 -1976 كانت الضربات تنزل بالحركة الإسلامية لتهيئة الجو لإبرام معاهدة الصلح "كامب ديفيد".

4- وفي بداية الثمانينيات جمع السادات قادة وأعضاء الحركات الإسلامية على اختلاف اتجاهاتهم في السجون والمعتقلات مستغلاً ما يسمى بأحداث "الزاوية الحمراء" بين المسلمين والنصارى، والله وحده اعلم ما هي الخطوة التي كان السادات ينوي القيام بها بعد هذا التصعيد، لكن المؤكد أن هذه خطوة كانت بناءاً على طلب اليهود، ففي أغسطس سنة 1981 م قال مناحيم بيغن في تصريح له لوكالات الأنباء بعد اختتام زيارته للولايات المتحدة الأمريكية: إنني لن اطمئن على مستقبل معاهدة كامب ديفيد وملحقاتها مع مصر – إلا بعد أن يتم القضاء على الحركات المتعصبة الإسلامية في مصر بشكل خاص، ثم يقول : إن صديقي السادات أبدى اهتماماً شديداً بما قدمته له من وثائق تدين المتطرفين المسلمين بالعمل ضد اتفاقات "كامب ديفيد" ثم يقول : لقد كان صديقي السادات عند حسن ظننا به إذ لم أكد أغادر مصر ، عائداً إلى إسرائيل حتى بدأ حملة عنيفة لمحاربتهم، وإنني أتمنى له النجاح والتوفيق من كل قلبي.

وهذا فيض من غيض من التصريحات والدراسات، والخطط الاستراتيجية التي تؤكد مقولة موحدة عن اليهود والنصارى، ومن يعمل على خدمتهم ، إن هذه التصريحات تؤكد من قبلهم على انه يجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة بين اليهود والعرب.

محاولة إقصاء الإسلام

إن إقصاء الإسلام عن المعركة مع اليهود مخطط قديم، فالمؤتمر اليهودي الأول في مدينة "بال" بسويسرا سنة 1897 كان هدفه الأول إسقاط الخلافة العثمانية الإسلامية، وتم لهم ذلك سنة 1924 ثم إقامة دولة يهودية، وتم لهم ذلك سنة 1947 م.

يقول هرتزل: ( إن فتح أبواب الشرق لليهود في فلسطين ليتوقف بالدرجة الأولى على تدمير الخلافة العثمانية) حيث كانت عبارات السلطان عبد الحميد (رحمه الله) تؤرقهم، والتي منها: (إن بلادنا – يعني فلسطين- التي حصلنا على كل شبر منها ببذل دماء أجدادنا لا يمكن أن نفرط بشبر منها دون أن نبذل أكثر مما بذلنا من دماء في سبيلها). نعم لا تسترجع فلسطين بالقلم والقرطاس، بل بالسيف والجهاد، كما انه أثبتت كل الشواهد على الفشل الذريع والهزائم المنكرة والتراجع المذهل للاتجاه العلماني بأثوابه المتعددة من اشتراكية وقومية وتقدمية وبعثية..

بل الأمر أشد، فكلما قربت ساعة النصر من شباب الجهاد كانت الأنظمة العلمانية والتقدمية تتدخل لصالح اليهود، ففي سنة 1948 م كاد المجاهدون أن ينهوا ما يسمى بالعصابات الصهيونية فتدخلت الجيوش العربية بأسلحتها الفاسدة وطلبت من المجاهدين إلقاء سلاحهم لتكون المهزلة في تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام: الجزء الأكبر أقام اليهود عليه دولتهم، والضفة الغربية ألحقت بالأردن، وقطاع غزة ألحق بمصر ..

وتتكرر الصورة فتكون الانتفاضة المباركة في الثامن من شهر كانون أول/ديسمبر 1987 م لتكون بعد ذلك معاهدات الصلح والجلوس مع عرفات لإنهاء الانتفاضة، بثمن بخس عبارة عن ارض منزوعة الكرامة والسلاح ليقول شمعون بيريز مدافعاً عن اتفاق اوسلو: إننا لم يكن أمامنا إلا خياران : إما أن نأتي بالمنظمة الضعيفة ونسلب منها كل مقومات المقاومة ونتفاوض معها وهي ضعيفة بشروطنا أو نذهب إلى حماس وهي قوية، وتلقى قبولاً لدى الناس ثم يقول: "اذهبوا إلى غزة الآن وانظروا إلى حال المرأة كانت تستطيع نزع حجابها أيام الانتفاضة".

أما محاربة الدعاة فيكفي أن نعرف أن حصيلة عرفات في غزة وإنجازاته كانت: 30 مركزاً للتوقيف، وسبعة عشر سجناً، و40 ألف شرطي، ومع بداية استلام السلطة كانت خطوات تنفيذ بنود "اوسلو" السابقة.

إن اليهود حريصون على أن يكون في مواجهتهم من قال فيهم الشاعر:

أشباه ناس وخيرات البلاد لهم أشباه ناس دنانير البلاد لهم والناس شر وأخيار وشرهم وأضيع الناس شعب بات يحرسه في ثغره لغة الحاني بأمته




يا للرجال وشعب جائع عار ووزنهم لا يساوي ربع دينار منافق يتزيا زي أخيار لص تستر في أثواب أحبار وفي يديه لها سكين جزار

الحركة الإسلامية اليوم والمسلمون: وواجبهم نحو المسجد الأقصى:

1- الإعداد للتغيير: ربما ليست لدينا القوة على التغيير في الصراع مع اليهود في الوقت الحالي، ولكن لدينا القدرة – بإذن الله- على الإعداد لهذا التغيير، إن المكر العالمي بكل وسائله يعمل على دعم اليهود وتواجدهم في فلسطين والأمر قد يصل كما صوره القرآن (وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) (الأحزاب:22).

2- الاستشعار الكامل أن المسجد أمانة في أعناقنا سيسألنا الله ماذا قدمنا، وماذا فعلنا من اجل تطهيره من دنس اليهود؟

3- التحرك وفق نظام التدافع بين الحق والباطل والنصر والهزيمة

4- اليقين أن النصر للمسلمين قدر محتوم

5- تنمية الخير الموجود في النفوس في شعوبنا المسلمة.

6- التركيز على إنشاء المراكز والمعاهد الشرعية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم.

7- توحيد الصفوف بين كل العاملين في الحقل الإسلامي في فلسطين.

8- دعم المسلمين لإخوانهم من باب النصرة الشرعية للشعب المسلم في فلسطين.

وهذه المنهجية التي ذكرناها مستقاة من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) في استرجاع الأقصى من الروم النصارى فنحن نرى أن الفتح الإسلامي لمدينة القدس في السنة الخامسة عشر للهجرة لم يتم دفعة واحدة وإنما سبقته خطوات عملية هيأت لعملية الفتح الإسلامي:

أ‌- هيأ الرسول(صلى الله عليه وسلم) وعبأ النفوس حول هذه المدينة المقدسة بالآيات التي وردت في كتاب الله عن هذه البقعة، بحيث أصبحت القلوب والعقول تحن إلى بيت المقدس وهو واقع تحت الاحتلال الروماني، وقد حدث في مراحل الضنك والألم التي عاشها المسلمون في مكة – فعلى هذا فقضية التحرك للقدس تبقى حية حتى ساعات الاستضعاف.

ب‌- الخطوات العملية والتي ظهرت في:

1- حقيقة الإسراء والمعراج

2- معركة مؤتة بين المسلمين والروم

3- غزوة تبوك

4- ثم جاءت معركة اليرموك التي أنهت تواجد الرومان في القدس، ثم عندما عاد الصليبيون للقدس كانت معركة حطين مع صلاح الدين، وكلا المعركتين في إعادة القدس كانت في الشام في وادي الأردن.

ولابد من التأكيد على الحركة الإسلامية للعمل على إخراج القدس من دائرة رد الفعل إلى دائرة صناعة الفعل والتأكيد على مصطلح "القدس الإسلامية" بعد سيطرة القدس اليهودية + القدس النصرانية + القدس العربية على وسائل الإعلام.

واي بلانتيشن.. ودركات الهبوط العربي

تطويق العالم العربي:

بالأمس تم التوقيع على اتفاق "واي بلانتيشن" بين رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي، ليكون حلقة في سلسلة التنازلات التي ما فتئ المسلمون والعرب يقدمونها من أراضيهم ومقدساتهم خدمة لليهود، غير ملقين بالاً إلى ما تكبدته البلاد العربية من نفقات كبيرة في الأموال، ودماء غزيرة لشهداء سقطوا في ساحات القتال، التي تتابعت بين المسلمين و"الإسرائيليين "، دون أن توقف المد الصهيوني من التجذر في ارض فلسطين والهيمنة على القدس، ومحاولة السيطرة على مجاري الأنهار القريبة، وإقامة التحالفات التي تطوق العالم العربي، وتضغط عليه إن لزم الأمر: (تركيا – اريتريا – إثيوبيا – أوغندا – الهند) لتشكل عليه عبئاً خارجياً، إلى جانب أعبائه الداخلية، المتمثلة في الفقر والأمية وغياب الديمقراطية عن بعض البلدان، وإثارة بعض الصراعات العرقية، أو الطائفية أو إحداث بعض النزاعات الحدودية، لشغل العرب عن إسرائيل العدو الحقيقي، وتوجيه أنظارهم إلى عداوات تحدث بينهم وحزازات تعمق فرقتهم، وتزيد بعثرتهم.

تدمير قواعد الحركات الإسلامية:

ولم تخل الاتفاقية الأخيرة – رغم هزالها وضعفها في الجانب العربي وسمنها وقوتها في الجانب الإسرائيلي– من إثارة الفرقة وزيادة البعثرة والتشتت، فقد جاء تحت بند الاتفاق الأمني أن الطرفين يضمنان الإجراءات الواجب إتباعها من اجل (مكافحة الإرهاب) بشكل متواصل ومنظم، ومكافحة الإرهاب بهذا الشكل أقلقت جماعة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية للدفاع عن حقوق الإنسان، حيث اعتبرت اتفاق واي بلانتيشين مشجعاً على انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني: لأن بنود هذا الاتفاق تطلب من السلطة الفلسطينية اتخاذ خطوات أحادية بالتنسيق مع إسرائيل لتدمير البنى التحتية للحركات الإسلامية، وتسليم إسرائيل فلسطينيين مشتبهاً في تنفيذهم أعمال عنف، كما يتضمن الاتفاق مشاركة الولايات المتحدة في وضع استراتيجيات لمكافحة الإرهاب ومراقبة تنفيذها. (الشرق الأوسط 24/10/1998 ).

وما تخوفت منه هذه الجماعة ليس أمرا متوقعاً حدوثه، وإنما نصت عليها الاتفاقية، فقد استقر الأمر على أن تسلم السلطة إسرائيل 30 مطلوباً امنياً، بعد أن تقبض عليهم السلطة لتتولى إسرائيل اعتقالهم ومحاكمتهم، مما يدفع إلى مزيد من الاحتكاك والشقاق بين شرطة السلطة وبين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وقد يحدث ما لا تحمد عقباه بين الفلسطينيين أنفسهم بسبب ممارسات السلطة التي تدفعها إليها إسرائيل دفعاً، لإبعاد أي توجه إسلامي ينادي بالجهاد، ويرد على العدو بالسلاح الذي يعرفه ويؤثر فيه، ويجعله يسلم بالحقوق التي اغتصبها أو على الأقل ببعضها، أما طريق المفاوضات التي جربت من قبل في "اوسلو" و "مدريد" وفي غيرهما فإنه طريق المماطلة والتسويف، الذي يبث اليأس في قلوب العرب، ويميت الإحساس بالقضية في وجدانهم وعقولهم.

فإذا أضيف إلى ذلك سلاح الابتزاز والترهيب والمكر والخداع والإغراء بالمناصب أو الأموال، وهو سلاح يجيد اليهود استخدامه – أمكننا أن نعلم إننا نسير في غير الطريق الصحيح، الموصل إلى أن يخسر المسلمون ويكسب اليهود.

تدبير قديم:

وهو الطريق الذي بدأ سنة 1898م يوم وضع هرتزل أساس قيام الدولة اليهودية في فلسطين بعد نصف قرن من ذلك التاريخ، بل من قبل هرتزل نادى نابليون في حملته على مصر والشرق في أواخر القرن الثامن عشر، نادى باليهود أن يهبوا إلى بناء دولتهم في فلسطين، وأعلن انه سيمكن لهم في هذه الأرض، وأن عليهم أن يلبوا نداءه، وان يقصدوا إليه من كل فج بعيد ليجوسوا خلال الديار، ويقيموا لهم دولة تحميهم من الشتات، وتكون لهم وطناً. "انظر المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل: محمد حسنين هيكل، الكتاب الأول".

غير أن نابليون هزم في الشرق، ورحل ذليلاً من ديار المسلمين تاركاً وراءه حملته بقيادة "كليبر" الذي تصدى له سليمان الحلبي فقتله، فخلفه الجنرال مينو الذي اضطر إلى الانسحاب من مصر والشرق سنة 1801م.

وأدى هذا الإخفاق العسكري إلى تأجيل قيام دولة لليهود قرابة قرن ونصف من الزمن لم يفرط فيها اليهود في أي فرصة أتيحت لهم، ولم يتقاعسوا عن أن يتحالفوا مع القوى العالمية الكبرى من اجل اغتصاب وطن لهم، مستغلين ابرز الأحداث العالمية لتوجيه الدفة نحو غايتهم وأملهم البعيد، غير غافلين عن الخطوات المقربة من هذا الهدف حتى وان بدت محتاجة إلى وقت طويل، وجهد كبير.

تمزيق العالم الإسلامي:

ومن أهم الأحداث العالمية: الحربان الكونيتان الأولى والثانية:

أما الحرب الأولى فقد رتبت أثناءها إعادة رسم خريطة بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية، بعد أن حققت "الثورة العربية الكبرى" بقيادة الشريف حسين أهدافها القريبة في فصل العالم العربي عن تركيا، وطرد الحاميات التركية من البلاد العربية والانضمام إلى البريطانيين ضد الأتراك، والألمان، طمعاً وأملاً في أن يتولى الشريف حسين هذه المملكة العربية وان ينعم بلقب "ملك العرب". وقد بدأت هذه الأعمال برصاصة أطلقها "الشريف حسين" من منزله في مكة ضد الحامية العسكرية التابعة لدولة الخلافة الإسلامية طلباً للرضا البريطاني: اتبعها برسالة إلى "مكماهون" يطمئنه فيها على سير الأمور بناء على الخطة المتفق عليها، ويعلن تأجيل أي طلب حتى يرى "مكماهون" نتيجة أعمال هذا الشريف التي تتلخص في محاربة جيش دولة الخلافة بغية الحصول على مساعدة بريطاني في إنشاء خلافة عربية تمتد حدودها من أرسين وأضنة في تركيا الآن حتى الخليج العربي شمالاً، ومن بلاد فارس حتى خليج البصرة شرقاً، ومن المحيط الهندي للجزيرة جنوباً، يستثنى من ذلك عدن التي تبقى كما هي حتى سيناء غرباً، وعلى أن توافق انجلترا على إعلان خليفة عربي على المسلمين.

وكان جواب المندوب السامي الموافقة على استقلال البلاد العربية، والموافقة على إعلان خليفة عربي، لكن مسألة الحدود لا يسمح الوقت لتحديدها بسبب استمرار الحرب مع تركيا "انظر كتابنا:نظرات في الدولة الإسلامية".

وفي الوقت الذي تجري فيه الرسائل وتبرم المعاهدات بين "حسين" و "مكماهون" كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا يتفقون على تقسيم العالم العربي والإسلامي بعد أن تضع الحرب أوزارها، على النحو الذي انتهت إليه الأمور بعد الحرب، إلا أن الثورة الروسية كشفت هذه الاتفاقية السرية المسماة "سايكس –بيكو". ورفضت الاشتراك فيها دون أن تمنع تنفيذها، مما مزق بلاد الشام إلى دويلات، وساعد على قيام إمارة شرق الأردن سنة 1921 م، لتكون عازلاً بين المملكة العربية السعودية في الجنوب وفلسطين التي تهيئ لليهود في الشمال.

وبدلاً من أن تساعد بريطانيا "الشريف حسين" ساعدت إسرائيل مساعدة كبيرة وتبنت مشروع نابليون تحت اسم جديد هو "وعد بلفور"، الذي تعهدت فيه بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان رسم الخرائط الجديد ملبياً رغبتين في آن واحد: إرضاء بريطانيا وفرنسا كلتيهما باقتسام العالم العربي، وتمهيد الأرض العربية وتجهيزها لقيام وطن قومي لليهود.

وجاء "وعد بلفور سنة 1917 م" ليهيئ الأجواء العالمية لقبول هذه الدولة الجديدة "إسرائيل" التي ستظهر إلى الوجود بعد سنوات، وتنتهي الحرب الأولى ويضطر فيصل بن الحسين إلى الموافقة على مشروع دولة يهودية عربية في فلسطين مع "حاييم وايزمن"، ويقضي المشروع بالعمل على تنفيذ وعد بلفور، وتشجيع الهجرة إلى فلسطين .. واعتبار بريطانيا حكماً بين العرب واليهود في كل نزاع "يقظة العرب ص 592، وما بعدها نقلاً عن كتابنا: نظرات في الدولة الإسلامية".

والتاريخ لا يكرر نفسه وان تشابه في كثير من مواقفه، فالدولة العظمى تقوم بالوساطة الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل أنها شريك في تنفيذ الاتفاقات المبرمة وخاصة الاتفاقات الأمنية منها.

الحروب تقوي وتنمي الدولة الصهيونية :

وقد كانت هذه الحرب سنة 1948 م وما بعدها عاملاً أساسيا في تمكين دولة إسرائيل وتثبيتها، وهدفاً تسعى إسرائيل نحوه، وتختلق أسبابها ولو لم توجد؛ لأن الحرب عامل حاسم في تغيير الخرائط، وإقرار حدود جديدة، وإسباغ نوع من الشرعية عليها هي شرعية القوة، وهي بمثابة توثيق الأراضي والعقارات بالمدافع والطائرات، بحيث يمكن إقرار حدود جديدة أو إنشاء كيانات سياسية – لم يكن لها وجود – عن طريق الحرب (الخيانة العربية الكبرى ص365 لأحمد رائف).

واليهود لا يغفون عن هذه الحقيقة، فعندهم فلاسفة ومفكرون ومنظرون لهم فكر ونظر في تكوين الدول والمجتمعات، وهناك عوامل عديدة ينبغي توافرها لإقامة دولة مثل إسرائيل، قد جمعت إليها مهاجرين من كل بلاد الأرض، بثقافاتهم المختلفة، ورؤاهم المتباينة، وعاداتهم المتضاربة، وانتماءاتهم العميقة البعيدة عن هذه الأرض الجديدة التي يقول عنها الحاخامات ورجال الدين: أنها ارض الميعاد، فلتكن هي كذلك ولكن لابد من عامل رئيس ومهم يربط ذلك الوافد الغريب بتلك الأرض الجديدة.

وأعظم العوامل التي تربط الشتات من البشر إن اجتمعوا في رقعة ما من الأرض هو الخطر المحدق والمحيط بهم، لهذا فليكن خطر العرب هو المادة التي يمكن أن تحدث التفاعل الإنساني بين هؤلاء القادمين، حيث يمسك كل واحد منهم السلاح في يده ويقف بجوار الآخر ينتظرون خطراً قادماً من وراء التخوم، عليهم مواجهته والوقوف أمامه.

وهذا الدواء ينبغي تعاطيه لمدة أربعين عاماً على الأقل، حيث تظهر أجيال جديدة تنتمي إلى الأرض، وتصير بينهم صلة، ويصبح وطناً حقيقياً لكل الأبناء والأحفاد، وهذا ما حدث في أرض فلسطين. "المصدر السابق".

ولابد أن تكون هذه الحرب حرباً نظامية، يمكن السيطرة على أطرافها في أي وقت سواء بإيقاف الحرب أو بفرض نوع من الهدنة أو غير ذلك من الوسائل التي تفرض بها الدول الكبرى نفوذها، وتؤكد سيطرتها، بخلاف حرب العصابات التي لا يمكن السيطرة عليها، ولا يعرف متى تبدأ وأين تبدأ، مما يسبب للذين يقاتلون من وراء جدر إزعاجا أيما إزعاج، وفي سبيل إلغاء هذه الحرب التي لا يسيطرون على مجرياتها يبذلون كل جهد، وهذا ما دفع بحكومة النقراشي باشا في مصر لأن تجمع "الإخوان المسلمين " من ارض المعركة وتعتقلهم هناك، ثم تنقلهم إلى المعتقلات داخل مصر .

وكان هذا العمل جزءاً من مسلسل الخيانات، الذي هو ثمرات الاتصال بين بعض قادة العرب وإسرائيل.

ويبقى أن نقول : أن اليهود استغلوا من اجل قيام دولتهم وبقائها كل حادثة وكل فرصة، على حين أضاع العرب كل فرصة تقربهم من هدفهم أو تساعد في عودة أرضهم، فاستغل اليهود الأحداث وسخروا الأشخاص بعد أن مكنوا لهم في الأرض، وحاربوا إن كانت الحرب لمصلحتهم، وسالموا إن كان السلم في صالحهم، وهم في سبيل استيلائهم على الأرض واستبقائها تحت أيديهم لا يحترمون وعداً ولا يوفون بعهد ولا يحترمون شخصاً، والشواهد كثيرة وقرارات الأمم المتحدة التي لصالح العرب أكثر من أن تحصى، والمعاهدات التي بينهم وبين العرب عديدة لم ينفذ أكثر بنودها وما نفذ فلمصلحة قريبة أو لتحقيق أهداف بعيدة. فمتى تكون أعمالنا موافقة لهذا العلم؟ غير بعيدة عن هذا الفهم؟.

عرفات يسقط الورقة الباقية

لم يخطر في بالنا في أي وقت أن يتحول عرفات عما كان عليه وما عرف عنه إلى طريق الجهاد ومحاولة الاستشهاد في سبيل الله دفاعاً عن المقدسات، واستخلاصاًًًً لأرض فلسطين، التي اخذ منها الإسرائلييون كل مأخذ ... وكيف كان يخطر في بالنا مثل ذلك وسيرة عرفات معروفة منذ تصدى للنضال إلى أن فعل ما فعل في اتفاقية "واي ريفر" مروراً بمدريد وأوسلو وما سبقهما من اتفاقات سرية؟..

ثم تأكد توجه عرفات بممارساته في غزة والضفة ضد حماس والجهاد، وضد الفلسطينيين الغيورين على أرضهم وديارهم، فكل من عارضه كان السجن حليفه، وكل من وقف ضد توجهاته كان الاعتقال رفيقه .. هذه العوامل وغيرها جعلت ورود فكرة تحول عرفات إلى الجهاد أمرا مستبعداً، لكننا ما كنا نظن أن مسلسل التراجع مستمر، وان عملية التنازل لا تقف عند حد، وان التعامل مع الإسرائيليين مثل الوقوع في المعاصي والآثام يجري التصاعد فيها من الصغير إلى الكبير، ويسلم بعضها بعضاً فقد كان من نتائج "واي ريفر" أن يتم عمل تعديل وتغيير على الميثاق الوطني الفلسطيني، وقد تم ذلك بالفعل في المؤتمر الشعبي الذي انعقد في 14/12/1998 م، بحضور الرئيس كلينتون، حيث أيد أكثر من ألف مشارك بينهم 450 عضوا في المجلس الوطني دعوة ياسر عرفات لتأكيد أنهم سيواصلون عملية السلام بعيداً عن العنف، وتم إلغاء أو تعديل 28 مادة من 32 مادة هم كل مواد الميثاق الفلسطيني، حيث اعتبرت كل فقرة معادية لإسرائيل لاغية أو باطلة.

وعلى هذا تكون زيارة كلينتون لغزة قد أثمرت ثمرتها التي عبر عنها الكاتب/ بلال الحسن بقوله: " أن زيارة كلينتون إلى غزة هي زيارة مهمة دون شك إذ ليس أمرا بسيطاً أن يقوم رئيس اكبر دولة "باغية" في العالم بزيارة إلى سلطة وليدة لم تتبلور هويتها بعد، ويميل أصحاب السلطة في غزة إلى القول بأن زيارة كلينتون هي مؤشر قوي على دعم أمريكا لقيام دولة فلسطينية، ولكننا لا نعتقد أن هذه الزيارة على أهميتها تعمل في هذا الاتجاه. أن زيارة كلينتون مهمة لأسباب أخرى لا علاقة لها بموضوع الدولة.

إنها زيارة مهمة بخصوص تعديل الميثاق الفلسطيني، فتأكيد التعديل بحضور كلينتون، يعني إعطاءه شهادة دولية لموقف طرف فلسطيني مندفع لكي يعلن انه لا حق له في ارض فلسطين التاريخية، طرف فلسطيني يريد تحويل ما هو سياسي راهن إلى حقيقة أزلية ثابتة، وبحيث لا يستطيع بعد ذلك أن يتراجع عن فعلته ما دام شهود الجريمة قد جاءوا بهذه القوة وبهذه الكثرة.

وهي زيارة مهمة بخصوص تنفيذ اتفاق "واي بلانتيشين" باعتباره آخر طبعة مزيدة ومنقحة من طبعات أوسلو، يتكرس فيها المفهوم القائم أن الأمن الإسرائيلي هو قاعدة التفاوض، وسيقول الإسرائيليون بعده: أن الأمن يقتضي رفض عودة اللاجئين حتى إلى أراضي الحكم الذاتي. "الشرق الأوسط في 14/1/1998 م".

أن الاعتراف بحق إسرائيل في الأرض الفلسطينية التي استولت عليها، والإحساس بالعجز الكامل عن تحقيق أمل فلسطينيي الشتات بإمكان العودة إلى ديارهم وتغيير أو تبديل 28 مادة من مواد الميثاق الوطني – ينسف كل الأسس التي قامت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، فقرارات المجلس الوطني تم تجاوزها في مؤتمر جنيف، ثم مدريد ثم اوسلو.

والعمل الفدائي المسلح لتحرير الأرض تم اعتباره منتهياً، وكل من يمارس العمل الفدائي ضد إسرائيل يعتقل. ثم بعد ذلك يتم إلغاء مواد الميثاق الوطني. فتتغير بذلك ملامح مرحلة استمرت أكثر من ثلاثة عقود، كانت في بعض سنواتها مبشرة بكفاح يجعل العدو يقدم التنازلات ويستشعر وقع ضربات مما يوحي على المدى البعيد بإمكان تحقيق شيء من النصر، أما اليوم فقد سقط السلاح ورفعت الأيدي تلوح للزائرين بالأعلام التي كانت من قبل يمزقها المتظاهرون.

رجاء ونداء:

وهذا الذي يحدث في فلسطين، يفرض على المسلمين إعادة التفكير في مستقبل القدس، لأن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي اضعف من أن تقدم على عمل جاد يعيد القدس إلى موقعها كمدينة عربية مسلمة يصدح فيها الأذان، ويصدع فيها الناس لأمر الرحمن (يتردد الآن أن إسرائيل تحاول أن تمنع بث صلاة الجمعة في التلفزيون من المسجد الأقصى) وإسرائيل في وضعها الحالي اشد عناداً، وأكثر إصرارا من أن تسلم في حق المسلمين هناك، وعملها هناك في إقامة مستوطنة جبل أبي غنيم، وشق نفق تحت المسجد الأقصى، وتمكن اليهود من الهيمنة على المدينة وتشكيل أغلبية بين سكانها يجعل استخلاص المدينة من أيديها بالطرق الدبلوماسية والمساعي السلمية الجهرية أو السرية مشكوك فيه..

ولا يعني هذا إننا نرضى عما حدث لتغيير مدينة القدس، فإن القلب ينكر، وان اللسان لينكر، وان اليد – إن شاء الله- سوف تنكر ذلك " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم أو من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" وفي الحديث أيضا " لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر والشجر: يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا شجر الغرقد، فإنه من شجر اليهود" ومهما استكثر اليهود من زراعته فإن الملحمة – لا شك – قادمة، وان اليهود لمخذولون منهزمون – إن شاء الله- والى أن يأتي ذلك الوعد الحق، فإن من حقنا بل من واجبنا أن نطرح شأن القدس على بساط البحث، وان نتخذ خطوات ايجابية ذات معالم واضحة قابلة للتطبيق في مدى زمني معلوم، تعمل على استخلاص المدينة من قبضتهم، أو تقلل من سطوتهم عليها على الأقل، وذلك اضعف الإيمان.

وإذا كان للجهود الشعبية أثر في تحقيق ذلك، خاصة إذا تضافرت وتعاونت، واتجهت كلها في اتجاه موحد، من غير أن تتضارب وتتناقض أو يسير كل منها في مسار خاص فيكون ضعفها بينا، يمكن القضاء عليه بأقل الجهود، إذا كان للجهود الشعبية شيء في ذلك فإن الجهود الحكومية لها من الأثر والمفعول ما لا تضاهيه أو تقترب منه القوى الشعبية.

الحركة الإسلامية في إسرائيل

تبحث إسرائيل عن وسائل جديدة وفعالة للتصدي للحركة الإسلامية التي أثبتت قدرتها المؤثرة في مقاومة الاحتلال، وخصوصاً أن البلاد العربية الإسلامية أجرأ وأسبق واعنف في التصدي للحركة الإسلامية من إسرائيل التي تقوم فيها منظمات صهيونية متطرفة تفعل الأفاعيل في العرب هناك، وتنتقد الحكومة الإسرائيلية وتغير طبيعة الأرض، وتعتدي على الآمنين حتى في مساجدهم وهم يصلون كما حدث في المسجد الإبراهيمي، وتحاول تدمير المسجد الأقصى بحرقه مرة، وحفر نفق تحته مرة أخرى، ومع ذلك كله فإنها آمنة، لم يمسسها سوء، ترى الدولة أنها عنصر من عناصر قوتها، وجبهة لاعتدال الموازين فيها، أما عندنا –نحن العرب- فالموازين مختلفة – والمقاييس معتلة، فالدولة الإسلامية هي التي تضرب الحركة الإسلامية، وتحاصرها، وتختلق لها الشبهات والاتهامات، وتشرد رجالها، وتعتقلهم خلف جدران المعتقلات، وفي أقبية السجون، وتنزل بهم أبشع أنواع التعذيب، ثم تدعي بعد ذلك أنها (الدولة) تحافظ على الإسلام والمسلمين!!

وما نزل ببعض قادة حماس اقرب مثال مخفف في معادة الإسلاميين ومحاولة التضييق عليهم وتشريدهم، لا لأنهم ارتكبوا جريمة في حق أحد من المسلمين، ولكن لأنهم لا يوافقون على سياسية البعض نحو إسرائيل، التي يهرول الجميع نحوها لاسترضائها، واستجداء السلام أو أن شئت (حياة المذلة) من بين أيديها، وكأن المطلوب ألا ينطق فم، أو يتحرك لسان، أو يختلج شعور في قلب محب للإسلام غيور على ارض المسلمين، يرى استباحة أرضه ذلاً، والعيش تحت ظلال اليهود هوناً، ومن فعل ذلك عد إرهابيا، مناهضاً للسلام، محباً للخصام أو النزال في الساحة مع اليهود، الذين لا يودون مواجهة بعد أن استطاعوا أن يستحوذوا على غنيمتهم كاملة، وان ينتزعوها من بين الرعاة، رغم انف الشعوب التي كانت – وستظل- مستعدة للتضحية في سبيل الله بالمال والأهل من اجل تحرير ارض المسلمين، لو فتح لها الباب وتجهزت للنضال.

وأول درجات الاستعداد التعبئة المعنوية عن طريق شحن النفوس بالطاقة الإيمانية التي لا يقف في سبيلها شيء، واليهود لا يريدون ذلك ولا يطيقونه، وإذن ليعملوا من وراء ستار لوأد بعض الحكومات مقابل الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

ولا يخفى ذلك على احد من المتابعين لما يدور خلف الكواليس، وانه لمن حسن حظ الحركة الإسلامية في إسرائيل أن سلمت حتى الآن مما أصاب غيرها في البلدان الإسلامية، ومهما حدث لها هناك فلن يكون موازياً أو مقارباً لما حدث لأمثالها في بلاد المسلمين.

حريق المسجد الأقصى

تمر في 21 من آب/أغسطس الماضي ذكرى حرق المسجد الأقصى الذي مر على حرقه أكثر من ثلاثين عاماً، وهي مدة زمنية كفيلة بأن تمتد أيدي المسلمين – بعد أن يستعدوا – لتخليصه من القبضة اليهودية، التي تظهر الشر وتضمر الغدر، ولكن شيئاً من لك لم يحدث، وإنما حدث ما جعل اليهود أكثر تمكناً وأعظم تشبثاً ليس بالأقصى وحده، وإنما بالمدينة المقدسة كلها، التي زاد عدد اليهود فيها وقل عدد العرب والمسلمين، وأحاطت بها المستعمرات من كل جانب، يعلن اليهود كل حين عن تمسكهم بها عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل، وان أي تفاوض حولها مرفوض سلفاً، وكما فرح بعض العرب لنجاح باراك في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ظناً منهم انه سيكون خيراً من سلفه، فرحوا أيضا عندما أعلن باراك أنه يقبل تأجيل انتقال السفارة الأمريكية إلى القدس، ظانين انه بذلك يسعى خطوة نحو الإمام في سبيل السلام، ولا ينبغي لنا – نحن العرب والمسلمين – أن نسترسل في الأحلام، وان نملأ حياتنا بالخيال الذي يرضينا ويجعلنا فرساناً نركب الخيول الورقية، وننطلق بها لنحرر فلسطين العربية.

إن الحقائق ترفض كل خيال، لأنها أقوى وأبقى، والحقائق الواقعية تشهد بأن اليهود في كل مراحل احتكامهم بالعرب والمسلمين ما تركوا شيئاً مما تحت أيديهم باختيارهم، وإنما تركوا بعض هذه الأشياء تحت الضغوط الحربية والقوة العسكرية والمعنوية، وهذه القوة بنوعيها لا تتكون بين عشية وضحاها، إنما تتكون نتيجة غرس للعقيدة الإسلامية في نفوس الأجيال الجديدة، بحيث تدفعهم إلى تغيير مظاهر حياتهم بعد أن يغيروا ما بأنفسهم، فيغلب على حياتهم الجد والاجتهاد، ويتمكن في نفوسهم الصبر والثبات، ويتحرك في عقولهم العلم والابتكار، وباختصار يتم ذلك للمؤمنين، إن هم أقاموا حياتهم على الاجتهاد والجهاد، وكلاهما مرتبط بالآخر، لا ينفصل عنه، وكلاهما نتاج الإيمان العميق والعلم الصحيح الذي يمتد في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي يجدد بناءها ويحي نفوس أبنائها، ويعلمهم المحافظة على القيم والمقدسات، التي في سبيلها وحمايتها يضحي الناس بالحياة.

ولعلك تقول: ومتى يتم ذلك؟ وليس المهم –الآن- متى يتم، وإنما المهم : متى نبدأ في تحقيق ذلك؟ لقد مرت أكثر من خمسين سنة على اغتصاب فلسطين، ومر أكثر من ثلاثين عاماً على حريق الأقصى، ولو بدأنا الآن في تكريس الأمور لتحقيق بناء القوة المعنوية والعسكرية في أبناء المسلمين من اجل استخلاص المقدسات والأراضي المغتصبة –لتحقق لنا ما نريد ولو بعد خمسين عاماً، أما بغير ذلك فإن كل الجهود ضائعة وأحاديث السلام مضغة تلوكها الأفواه ثم تلفظها: لأنها لا تعيد أرضا ولا تحمي المقدسات، بل أنها مضيعة للوقت، ونشر للوهم في عقول الشباب حتى يظلوا بعيدين عن جادة الأمر التي لا تتحقق مع هؤلاء اليهود إلا تحت قعقعة السلاح، فهل نبدأ كأفراد أو جماعات أو دول في السير في هذا الطريق؟

مسرحية اسمها " السلام"

(بين واي ووَيْ):

ذكرتني كلمة (واي) التي ترددها أجهزة الإعلام المختلفة كثيراً بمناسبة اتفاق (واي2) الذي تم التوقيع عليه في شرم الشيخ في بداية يوم الأحد 5/9/99 – ذكرتني هذه الكلمة بكلمة (وَيْ) في العربية التي هي اسم فعل مضارع بمعنى: "أعجب"، لما بينهما من تقارب لفظي يسميه البلاغيون جناساً، والاتفاق المذكور يجعل الإنسان يعجب اشد العجب ويندهش اكبر الدهشة من موقف المسئولين في السلطة صار أشبه بالمتسول، الذي تعطيه إن شئت وتمنعه إن شئت، إذ لاحق له عليك، وإسرائيل هكذا تعامل هؤلاء المسئولين بعد أن أصبح التفريط سمة لازمة لكل اتفاق، وإنما يسألون اليهود إحسانا، ويتقلبون على كل الوجوه، ويطرقون كل باب، ويوسطون كل من يستطيعون من اجل نيل إحسان هؤلاء اليهود بحيث ينالون جزءاًً أو أجزاء من ارض فلسطين العربية، التي لا يحق لأفراد السلطة أو غيرهم التنازل عنها مهما كانت الظروف والمبررات، ورحم الله السلطان عبد الحميد الذي عرض عليه اليهود أن يسددوا ديون الدولة العثمانية مقابل إعطائهم جزءاً من ارض فلسطين فأبى وقال: (هذه ارض المسلمين وليس من حق السلطان أو غيره أن يبيعها).

ولو أن زعيم السلطة عرفات وأتباعه لم يكن لهم هوى في التنازل عن الأرض مقابل الزعامة التي تتمخض في النهاية عنها زعامة على السراب لما خرجت هذه المسرحية الهزلية المسماة "السلام" إلى مسرح الأحداث في الشرق الأوسط.

وقديماً قالوا: شر البلية ما يضحك، والذي يضحك هو مسرحية السلام التي تعرض علينا نحن سكان الشرق الأوسط بإخراج أمريكا وممثلين عرب وإسرائيليين وهي مسرحية تتابع فصولها، ويظهر فيها وجه الدلال والتمنع الإسرائيلي من جهة ومن جهة أخرى يظهر وجه الاسترضاء والتلطف والعطف من الجانب الفلسطيني الذي كلما توقفت المفاوضات وسكت المفاوضون عن الكلام أعلن الجانب رضاه وتنازله، واخذ على نفسه العهود والمواثيق بأن هذا آخر تفريط وأنه لن يفرط أبداً في ارض أخرى..

وبعد فترة من التمنع والدلال الإسرائيلي يتقدم مفاوض السلطة مسترضياً بتنازل جديد، وقبول اتفاق آخر يلغي البنود السابقة، ويتضمن الشهادات الجديدة بسلامة الأمن الإسرائيلي من أن يتعرض لها مشاغب، أو مشاكس، يقلق باله أو يزعج اطمئنانه .. وتتوقف المسرحية، التي أصبحنا في الشرق الأوسط نحفظها؛ لأنها نسخة مكررة، تعاد في كل حين، والجديد فيها دائماً هو التخلي من جانب السلطة عن مطالبات سابقة، وعقد اتفاقات جديدة تجب وتلغي الاتفاقات القديمة، ولم تستطع حبكة الإخراج المسرحي ولا براعة الممثلين أن تخفي الجوانب التي تمارسها السلطة من وراء ستار، أو خلف الكواليس كما يقولون..

فكثيراً ما تكون هناك اتفاقات ومفاوضات في جانب يراه الجمهور ويسمع صوته وخلافاته وتكثر تصريحاته، ويعلن فيه ممثل السلطة رفضه وشجبه، ثم يكون هناك خلف الستار جانب آخر يقوم بنفس الدور، التفاوض من غير ضجيج ثم بعد حين، ووسط زفة إعلامية ومباركة دولية يتم الإعلان عن اتفاق جديد لا يلبث أن يتبعه اتفاق آخر ثم اتفاق وهكذا، ورغم أن هذه إحدى نقاط الضعف في المسرحية، لكنها لا تأتي عفوية، إذ يبدو أنها مقصودة، لتضاعف جرعة الأسى، ولتزيد البلية، التي قال عنها القدماء "شر البلية ما يضحك" والمضحك في الأمر أنها انطلت على المشاهدين، وأنهم قبولها وارتضوها، وأنها نالت من قلوبهم الإعجاب، ومن أيديهم التصفيق الحاد.

مع أن واقع الأمر أن مشاهدي الشرق الأوسط عضوا أصابعهم ندماً على حضور هذه المشاهد التي لم يريدوا مشاهدتها، ومضوا بعد إغلاق الستار على الفصول الماضية واجمين، يملأ قلوبهم الأسى، وعيونهم الدمع لهذه المريضة (فلسطين) التي يفترسها الموت اليهودي دون أن تجد طبيباً مداوياً، أو نطاسياً بارعاً، بل وجدت مهرجين يملئون المسرح بالصياح والألوان والأصباغ والأضواء المتناثرة ثم في النهاية ينكشف الأمر عن الزيف المغطى والطلاء المصنوع، فتكون الحقيقة بشعة، وهل هناك أكثر بشاعة من أناس يتعرون أمام الجماهير وتبدو سوأتهم وتنكشف عوراتهم دون حياء من عيون تنظر..

لقد تعرى رجال السلطة من مبادئهم الثورية، وتخلوا – راضين – عن تعاليم الدين، وباعوا الأرض ومن عليها بثمن بخس، بزعامة منقوصة، وأرض محبوسة متناثرة داخل شبكة من المستوطنات، وأمن مفقود وجيش ممنوع، ومنع من العودة إلى حدود 67، ورفض لأن تكون القدس عاصمة الدولة الوليدة الجديدة المنتظرة فماذا بقي لرجال السلطة بعد أن تخلوا عن كل هذا إلى جانب التسليم التام والرضا الكامل بما نالته إسرائيل قبل سنة 67 وهو كثير طواه النسيان، ولم يعد له في قائمة المطالبة مكان؟

ترى أيدرك رجال السلطة إنهم يفسدون أم إنهم يظنون إنهم يصلحون، ويبنون في الأرض وطناً، وينقذون شعباً، ويستخلصون من اليهود شيئاً؟ إن مثلهم في ذلك كمثل ذلك الممثل الذي يرى أمامه زوجته تمثل في فيلم دور الزوجة مع ممثل آخر يضمهما معاً سرير واحد، وبيت واحد، ثم يظن أنه يقدم رسالة، ويؤدي دوراً يخدم به المجتمع فلا يغار ولا يحزن ولا يضيق بل ربما صفق في مقعده وهو يرى ما لا يرى لأداء زوجته في براعة فنية وحبكة درامية. إن هؤلاء الممثلين يظنون إنهم يقدمون خدمة للمجتمع ويقومون بدور كبير فيه، دون أن يشعر كثير منهم بأنهم يفسدون ولا يصلحون، إنهم يصدق عليهم قول الله: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) "البقرة:204،205" وهكذا هم واقعون إما تحت الشعور بأنهم يصلحون ولا يفسدون وإما إنهم يعاندون ويكابرون، ولا شيء غير ذلك، وهذا بعينه ينطبق على رجال السلطة، الذين لم يعد في ذهنهم إلا أن يمكنوا لأنفسهم ولو على شبر من الأرض، حتى وان فرطوا في بلد عزيز على جميع المسلمين (فلسطين) وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إذا لم تستح فاصنع ما شئت" . ولعل هذا الذي يحدث الآن في فلسطين يضيف إلينا معاني جديدة، ودلالات واسعة للآيات والأحاديث، التي وردت بشأن سنن الله الكونية، التي تصيب المفرطين في دينهم أو أرضهم أو عرضهم وشرفهم، لأن الله سبحانه ينزل عليهم عقابه، فقوم موسى حين ارتدوا على أعقابهم وقالوا: " قالوا إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون" (المائدة:22) كتب الله عليهم التيه 40 سنة: (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) "المائدة: 26".

ولقد ذكر ابن عباس (رضي الله عنهما) شيئاً من ذلك حين قال: ما فهمت قول الله: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ..) (الحجرات:9) إلا بعد موقعة الجمل وصفين، فالأحداث الواقعية تضيف في أذهان القارئين معاني إضافية للآيات القرآنية تتأكد بها المنزلة الإعجازية للقرآن الكريم، وفي ضوء الأحداث الراهنة يتجدد فهمنا لمعنى الآيات: ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً. فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً. إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيراً) (الإسراء:7:4) ، وقول الله: (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً) (الإسراء:104) وقوله: ( ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله) (آل عمران:112). وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه بن عمر (رضي الله عنهما) : ( لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله). وصدق الله ورسوله، فستعود هذه البلاد إسلامية عربية إن شاء الله رغم انف المفرطين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

ومع إيماننا بهذه الحقيقة الدينية التي لا مراء فيها وهي أن هذه البلاد كلها عائدة عربية إسلامية إلا إننا نتساءل أمام هذه الأحداث الواقعية: ابقي في هذه المسرحية فصول جديدة تتمخض عن مفاجآت تزيد الناس دهشة واستغراباً؟! يمهدون الآن لها سبل الظهور ولا بأس من استشفاف بعض هذه المفاجآت التي نستنبطها من خلال مسيرة الأحداث في هذه القضية الحيوية (قضية فلسطين) التي تكونت في ظلال جامعة الدول العربية، تلك الجامعة التي أثبتت في كثير من المواقف والأحداث أنها جامعة ورقية – كما أرادها الاستعمار – أكثر منها جامعة حقيقية تتصدى للأحداث وتفرض رأيها بقوة السلاح كما فعلت بعض المنظمات اليهودية – فيما بعد – رغم قلة أفرادها وقوتها مقارنة بالجامعة العربية التي تضم دولاً عديدة.

وبعد قيام الجامعة بسنوات عديدة قامت الدولة اليهودية في فلسطين بمساندة دولية من الشرق والغرب، وقامت حروب بين العرب وإسرائيل لم تستخلص شبراً مما تحت أيدي إسرائيل بل حدث العكس الذي يجعل الاستيلاء على الضفة وغزة ، ثم بدأت المسيرة السلمية في "كامب ديفيد" التي نصت على عودة الأراضي بعد سنة 67 إلى وضعه الذي كانت عليه، وعلى أن القدس عائدة إلى السيادة الإسلامية العربية، وأعطت العرب أمالا كبيرة في ذلك، ثم حدث الغزو العراقي الذي شغل الأمة، واليوم خفت حدة الحديث عن القدس من الجانب العربي وقويت من الجانب الإسرائيلي، وأعلنت إسرائيل الرفض الصريح لأي جيش عربي أو أجنبي أو فلسطيني فوق الأجزاء المتناثرة في الضفة وغزة ، فما بقي لفصل أخير؟ بقي خداع الرأي العام العربي والإسلامي، وبقي تنويم الشعوب عن حقها، وإلهائها في مشاكل يومية داخلية أو جانبية وإشغالها عن القضية الأساسية، وهي عودة فلسطين وعودة اللاجئين إليها..

فهل هناك من يتحدث عن ذلك الآن؟ الفصل الختامي إذن مقصود به الرضا والتسليم من المسلمين بما كان والتسليم بالقول المأثور "للبيت رب يحميه" وللقدس رب يحميه.

الإحباطات الموضوعة ..في الأفلام المصنوعة

بمناسبة مرور خمسين عاماً على اغتصاب فلسطين بحسب التوقيت العبري للدولة اليهودية أذاعت محطة تلفاز (m.b.c عام 1998 ) فيلماً وثائقياً أنتجته محطة (b.b.c) يصور الصراع الذي دار على الأرض المحيطة بالمسجد الأقصى الذي اخبرنا الله سبحانه انه بارك حوله في قوله : (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله) (الإسراء:1).

أرض المسلمين هذه المباركة تحتفل الدولة الصهيونية باغتصابها تحت اسم جديد هو "قيام دولة إسرائيل" وانساقت أجهزة الإعلام حتى في بعض الدول العربية فمسحت كلمة فلسطين المغتصبة من معجمها المتداول، وأحلت محلها "قيام دول إسرائيل" أما كيف قامت؟ وأين قامت؟ وعلى حساب من قامت؟ فذلك مسكوت عنه، حتى تمحى فلسطين من ذاكرة الوجود لتلمع فيه "إسرائيل" بقامتها المديدة، وشهرتها الفسيحة، ومكانتها المدللة لدى أرباب العصر وسدنة الأرض من أهل الغرب، في عصر هيمنة الأقوياء وانتكاسة الضعفاء، وضياع الحقوق في الهيئات الدولية، واستخدام الفيتو الأمريكي ضد أي قرار دولي حتى ولو اتصل بالقدس التي تمس مشاعر المسلمين في كل بقاع الأرض قبل غيرهم، ورفض إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، واستكثار الانسحاب الإسرائيلي من 13% من أراضي الضفة الغربية وغزة ، والعمل على إذلال السلطة الفلسطينية بخيانة المعاهدات، حتى تظهر ضعف السلطة وافتقارها واحتياجها إلى الكيان الصهيوني، كي تقف على قدميها، ويعلن "نتنياهو" – رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق – أن مواعيد المعاهدات ليست شيئاً مقدساً، ومنذ متى – يا نتنياهو – حفظ اليهود عهداً، أو صانوا موثقاً؟

إن البله هم الذين يصدقون أنكم توفون بالعهود، وترعون الحقوق، وتصلحون في الأرض ولا تفسدون؟ أما غير هؤلاء وهم بحمد الله كثيرون، فإنهم يعرفون تاريخكم، ولا يغفلون عن غدركم.

مشاركة الدول الغربية:

تحتفل إسرائيل بقيامها قبل خمسين عاماً، ويحتفل معها العالم الغربي بهذه المناسبة السعيدة!.

ويرسل كلينتون إلى نتنياهو – رئيس الوزراء الإسرائيلي – في وقتها رسالة تهنئة بهذه المناسبة يقول فيها :" إننا فخورون بالروابط القوية التي أقمناها مع إسرائيل على أساس قيمنا ومثلنا المشتركة، هذه العلاقة الفريدة ستصمد مثلما صمدت إسرائيل" مازال توف" (حظاً سعيداً بالعبرية).

ويأتي "آل جور" –نائب الرئيس الأمريكي – إلى إسرائيل لحضور هذه لمناسبة ويخطب في اليهود معلناً تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل، وكان مما جاء في خطبته: " إن قلبي وقلوب الأمريكيين تخفق معكم، ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لميلاد إسرائيل، انه لشرف عظيم أن أشارككم احتفالكم هذا. واعتذر عن عدم تحدثي العبرية "قالها بالعبرية" نحن نقف معكم ونؤيد حلمكم من رماد المحارق النازية نهضت عنقاء دولة إسرائيل.. أهم حقيقة انه بينما تسعى إسرائيل لتحقيق قدرها فان الولايات المتحدة لن تدعها أبدا تقف وحيدة.. الرئيس كلينتون وأنا وكل الأمريكيين فخورون بان نكون أول دولة اعترفت بكم بعد 11 دقيقة من إعلان الدولة (15/5/1948 ) وان علاقتنا (ETERNAL) أبدية إنه فخر لي أن أكون صديقكم، ويرد عليه "نتنياهو" بقوله: (السيد نائب الرئيس، هذه هي ارض الميعاد .. هذه هي المدينة على التلال، هذه هي القدس مدينتنا التي لن تقسم أبدا).

وحتى تكتمل البهجة وتتم الفرحة فإن السفارة الأمريكية في الكويت احتفلت –في نفس اليوم- كما يقول الدكتور عبد الله خليفة الشايجي بالعيد الـ (222) على استقلال أمريكا، ثم يقول الدكتور: لا ادري حسب أي تقويم؟ لان الجميع يعلم بان العيد الوطني الأمريكي هو 4/7 من كل عام ونحن نقول: أن تزييف التاريخ حتى فيما يتصل بمواطن الفصل في تاريخ الشعوب سهل هين من اجل إرضاء بني صهيون.

سمات إسرائيلية:

إن نصف قرن مضى على اغتصاب فلسطين ونشوء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين ملئ بالدسائس والمؤامرات والتزييف للحقائق، وتضخم سجل الخيانات، ومشاركة الجهود الغربية الأوربية الأمريكية، وما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي سابقاً في تأسيس الدولة اليهودية، وحمايتها والاعتراف بشرعيتها وإضفاء القوة عليها، وتمكينها من السلاح النووي، وإعفائها من التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وضرب كل حركة إسلامية ووطنية قوية يمكن أن تقف في وجه إسرائيل، نصف قرن مليء بهذا، هو السمة المميزة للدولة المغتصبة، ومازالت هذه السمات لم تتغير ولن تتغير: لأن القائمين عليها لا يمكن أن ينسلخوا من جلودهم، ولا أن يتخلصوا من مشاعرهم التي امتلأت بالخسة والخيانة التي اخبرنا الله في كتابه في عديد من الآيات: (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم) "المائدة:13" ، واخبرنا من عنادهم وعتوهم وبغيهم، فقالوا: (أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات) "النساء:153"، واخبرنا عن نقضهم العهود: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) "المائدة:13| ، واخبرنا عن طبيعتهم: (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون) "المائدة:62"، وبين لنا إنهم اشد الناس عداوة فقال: ( لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) "المائدة:82".

إن سماتهم الخبيثة التي امتدت طول نصف القرن – ولا تزال –لا جديد فيها على المسلمين، الذين توثقت صلتهم بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وسيرته التي عاملهم فيها بما يستحقون في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر.

فيلم خداع:

ولن يُخدع هؤلاء المسلمون بما تبثه أجهزة الإعلام، حين تخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً لتمزجه ثم تخرجه إلى الناس بعد أن تتدخل فيه التقنية الحديثة والخبرة الفنية المتقنة من تصوير ودبلجة وإخراج، وغير ذلك من الوسائل الفنية التي تغري الحواس وتشد انتباهها إلى الحدث المتتابع في سرعة وإبطاء بحسب الحاجة، مع الموسيقى التصويرية للأحداث الدرامية، بحيث لا يملك المشاهد العادي الفرصة العقلية للتفكير فيما يعرض عليه، واستخلاص الحقائق منه بعد أن اختلطت بالزيف والأوهام خاصة وان انفعالاته بالأحداث التي تعرض أمامه حاضرة ثائرة يتلاعب بها ويوجهها حيث يشاء منفذو هذا العمل الفني، الذي من ورائه أيد أجنبية –تمويلاً وتنفيذاً – بهدف إيصال رسالة للمشاهد المسلم تقول له: أن بني قومك خائنون، يتآمرون بك، ويسلمونك للحرب التي يخبرون العدو بها سلفاً، كي تذبح ذبح الشاة على قربان الدولة الصهيونية التي لا تقهر، وان الصهاينة بيدهم مقدرات الأمور في المنطقة، يفعلون ما يشاءون وما يريدون، إنها رسالة تهدف إلى زعزعة الثقة، وبث اليأس في النفوس التي بقي فيها شيء من الأمل.

إن هدف هذا الفيلم الوثائقي الذي تبثه (B.B.C) بمناسبة مرور خمسين عاماً هو تسريب الإحباط إلى نفوس المسلمين، كي يرضوا بالأمر الواقع ويقبلونه، كأنه قدر لا يمكن رده، أو الهروب منه، أو تغييره وتبديله، وكأنما وجدت إسرائيل لتبقى في المنطقة بقاء الدهر، وليعلو أبناؤها بغير الحق، ويقولوا كما قال سابقون لهم من قبل "من اشد منا قوة"؟ فجاءهم الجواب المفحم: (أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة، وكانوا بآياتنا يجحدون) "فصلت:15"، ولسوف يأتي الجواب لبني إسرائيل عمل قريب (إن شاء الله)، وهو جواب اخبرنا به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قوله الذي رواه ابن عمر (رضي الله عنهما) ( لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم)، فحالة الشرود والضياع والتمزق والضعف التي تحياها الأمة الآن لن تستمر على الدوام؛ لأن هذه الأمة تقوم من وسط الركام، وعلى غير انتظار، فتنفض عنها غبار الهوان، وتواجه الأعداء الذين سرعان ما يتراجعون ويتخاذلون حين يرون أن المارد قد خرج من القمقم، وان النائم قد استيقظ ودب فيه النشاط، وهذه صحائف التاريخ شاهدة على ما نقول، ابتداء من الصليبيين والتتار وانتهاء بالتخلص من الاستعمار في المنطقة، فرحل وترك غرسه المشئوم وعوسجه الشائك إسرائيل التي ستلقى –إن شاء الله – ما لاقاه غيرها من المعتدين.

مكمن الخطر:

غير أن اخطر ما يواجه المسلمين هو الغزو الذي يتسلل إلى المشاعر والعقول، والسيطرة عليها من خلال المطبوعات المختلفة التي يستكتب فيها المفكرون العالميون، فيبثون في مقالاتهم التهويم والتضليل من خلال الضغط على موقف معين، أو مس بؤرة حساسة، أو التركيز على خيانة البعض، وهذه الوسيلة لا تصل في الغالب إلا للقارئين أو لخاصتهم الذين يتابعون ما تنتجه المطابع، وكثيرون منهم يستطيعون –إن شاءوا- أن يميزوا السمين من الغث، والمقبول من المرفوض، فنتيجة هذه الوسيلة غير عامة وغير فعالة، وتلقى معارضة من هنا وهناك في كثير من الأحيان.. وإذن فلتكن هناك وسيلة أخرى يصعب الرد القريب على تضليلاتها، لحاجتها إلى الوقت والمال والجهد الكثير، وسيلة تصل إلى جميع الناس في بيوتهم من غير كلفة تذكر عبر الشاشة الصغيرة، فيرونها وهم مستريحون، فتثير عواطفهم بمشهد قاتم حزين، أو موقف مثير، أو حدث شنيع، ثم تضرب على أوتار هذه العاطفة بزيادة الكراهية للواقع العربي الإسلامي المشين، حتى تفقد النفوس ثقتها، ولا تطالب أو تعمل من اجل القضاء على عدوها واستخلاص الحق السليب منه، لكأن أمثال هذه الأفلام تقول للناس الذين يعملون على استعادة فلسطين، وينشرون الأمل بالعودة إلى الأرض المباركة وعدم الاستسلام في مرحلة السلام أو إن شئت التسمية الصحيحة في "مرحلة التسليم لإسرائيل" بكل ما اغتصبت وسرقت وتوقيع الصكوك والمواثيق على ذلك، وهذه هي التسمية الحقيقية للمرحلة الحالية التي يطلقون عليها مرحلة السلام.

أمثال هذه الأفلام تقول للناس العاملين على بيان الزيف: " لا تحرثوا في البحر"، فلا فائدة من عملكم ولا التفات لأقوالكم، فقد صكت عاصفة الصهيونية الهوجاء الأسماع، وجعلت على الأبصار غشاوة، فلم يعد الحق مسموعاً، ولم يعد السارق مرئياً فعم تتكلمون ؟ ومن يا ترى تصفون؟

إن القاعدة العريضة من الشعوب الإسلامية تصاب بالألم والحزن حين تشاهد أمثال هذه الأفلام، وتصاب بالإحباط لمصير القضية الفلسطينية التي ضمرت حتى صار الأخذ والرد والجلوس على موائد المفاوضات، والقيام دون الوصول إلى أي اتفاقات يدور حول، هل الانسحاب من الضفة بنسبة 13% من المساحة الكلية أو هو اقل من ذلك؟ وهذا الضمور في حد ذاته جعل اهتمام بعض الناس ينصرف عن هذه القضية – الآن على الأقل- ثم تأتي هذه المؤثرات الفنية المصنوعة بأيد أجنبية لتقضي على البقية الباقية من اهتمام الناس، ولتقول لهم في نفس الوقت أن الصهاينة لا يقهرون، وأنهم لا يغلبهم احد، وأنهم حققوا خلال خمسين عاماً ما لم يستطع غيرهم أن يحققه حيث صاروا قوة نووية وبلداً تشيع فيه الديمقراطية، فماذا عندكم؟ وماذا حققتم؟ ولئن استطاع البعض معرفة الهدف فلم تنطل عليه الحيلة فإن كثيرين قد يغيب عنهم الهدف وقد تنطلي عليهم الحيلة، فيكفون أيديهم عن مواصلة المطالبة باسترداد الأرض وعودة القدس والرضا بما تقدمه لهم الدولة اليهودية إن شاءت أن تقدم شيئاً لهم.

إغفال متعمد لجوانب مضيئة:

ولعلك تسأل: لماذا نقول ما نقول والفيلم لا غبار عليه فقد بيّن بعض المذابح الإسرائيلية وبعض الخيانات العربية، وبعض الوسائل التي جعلت القضية تصل إلى ما وصلت إليه؟ وأجيبك بأن الفيلم اغفل أمورا مضيئة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لا لشيء إلا لأنها تظهر الكفاءة العربية والحنكة السياسية في الجانب العربي ومن هذه الأشياء:

1- إغفال موقف الجندي العربي في وجه إسرائيل سنة 1973

2- إغفال موقف الملك فيصل في حرب 73

3- إغفال دور الحركات الإسلامية الفدائية (حماس وجهاد الشعب اللبناني في جنوب لبنان)

4- وقبل ذلك كله إغفال الدور الذي قام به الإخوان المسلمون في حرب فلسطين

دور الجندي العربي في حرب 1973 :

فالجندي العربي في حرب سنة 1973 اثبت انه ليس اقل كفاءة من الجندي الإسرائيلي، بل أن الجندي العربي اثبت انه – حين تتاح له الظروف المناسبة من تخطيط للمعركة وتدريب جيد، وسلاح غير قديم – يستطيع أن يحقق النصر على العدو مهما كانت الصعوبات والمعوقات، ولقد كثرت الصعوبات أمامه في حرب 73 لتصده عن الهجوم، ولتحطم نفسه قبل أن يفكر في الزحف نحو عدوه، فكان المانع المائي يحول بينه وبين العدو على طول قناة السويس.

وكان الساتر الترابي خلف المانع المائي يصد العيون عن أن تدرك ما يدور خلفه من ترسانات سلاح العدو، ثم بعد هذه الموانع يأتي المانع الكبير "خط بارليف" الذي كان من المقرر ألا يقتحم أبدا، فماذا حدث حين أخذنا بقول الله: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) "الأنفال:61" فأعددنا ما استطعنا، وعلم الله منا الصدق في الإعداد.. فأنزل علينا نصره بعد أن كان هتاف الجنود وهم يقتحمون هذه الموانع كلها " الله اكبر.. الله أكبر.. الله اكبر ولله الحمد" ومثل هذا الجندي كان أخوه هناك في الجولان يثبت جدارته وبسالته وسط ظروف صعبة، ولولا أن أمريكا كانت ترسل دباباتها لتنزل في اقرب مطار إلى مواقع القتال، كي تنطلق منه إلى القتال مباشرة، ولولا الجسر الجوي الذي صنعته أمريكا لكان لهذه المعركة وجه آخر.

فهل تعرض لهذا الموقف الهام في تاريخ الصراع الفيلم الوثائقي؟ لم يتعرض لذلك ولو بكلمة واحدة.

موقف عظيم لملك كبير:

ولقد كان موقف الملك/ فيصل بن عبد العزيز – رحمه الله- موقفاً له اثر في مجريات القتال، وفي تنبيه الغرب إلى ما يملكه الجانب العربي من أسلحة يمكن أن توقف حركة الحياة الصناعية في الدول الغربية، فقطع البترول عن الدول الغربية وتبعه في ذلك قادة الدول النفطية، وأحس الغرب مدى الخطر حين تم استخدام البترول العربي كسلاح له أهدافه في حرب أكتوبر ، فلم يتخذ عشوائياً بغير خطة ولكن استخدم بصورة فعالة حيث أكد الملك فيصل في لقاءه بكيسنجر أن البترول العربي لن يعود إلى ما كان عليه إلا إذا عادت الأراضي المحتلة ومعها القدس العربية، وان على الولايات المتحدة ألا تنتظر شتاء واحداً قاسياً، إنما يمكن أن تنتظر توقف إمدادات البترول حتى 1980 ...

ولذلك ولأول مرة يجتمع وزراء بترول الدول العربية في 17 من تشرين أول/أكتوبر واتخذوا توصية بخفض الإنتاج بنسبة شهرية ومتكررة لا تقل عن 5% من الإنتاج الفعلي لشهر أيلول/ سبتمبر ويبدأ التخفيض من تشرين ثان/نوفمبر حتى تفرض المجموعة الدولية على إسرائيل التخلي عن الأراضي العربية ووقف تزويد الولايات المتحدة وهولندا بالبترول وبلغ إجمالي ما فقده العالم من البترول العربي يومياً 418 مليون برميل.

مما يعني أن بعض الدول العربية رفعت نسبة التخفيض إلى 15% ثم إلى 50% ويلاحظ أن استخدام السلاح العربي جاء بعد عشرة أيام من وقف إطلاق النار، وبالتالي تحول البترول العربي من مجرد سلاح مساند للتحرك العسكري إلى السلاح الرئيس في الصراع، فهل تعرض الفيلم الوثائقي لشيء من ذلك؟

ولقد كان للمملكة العربية السعودية دورها الذي لا ينكر في هذا الصراع العربي الإسرائيلي فقد كانت رائدة في استخدام سلاح البترول وكانت – ولا تزال – إحدى الدعامات القوية في المواجهة مع العدو الصهيوني، بل في مواجهة كل معتد ولو كان من العرب أنفسهم كما حدث حين اعتدى صدام على الكويت .

كفاح الإخوان المسلمين :

اغفل هذا الفيلم الدور الريادي لكفاح الشعوب بصلابة وقوة وفدائية ضد الأعداء حين اغفل دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين، وهو دور لم تموله حكومة، ولم تؤيده وتسانده دولة، وإنما كان الإيمان والعقيدة دافعه، وكان أصحابه والقائمون به يؤمنون بقول الله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) "التوبة:111" فاشتروا بأموالهم السلاح وحملوه بأنفسهم إلى حيث يواجهون المغتصبين لأرض المسلمين في فلسطين عملاً بقوله تعالى: ( وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر) "الأنفال:72"، وكنت تراهم في قلتهم وخشونة حياتهم، وقلة الزاد معهم ثم ترى عدوهم في كثرة سلاحه وإعداده، ووقوف العالم الغربي من خلفه فتظن أن هذه القلة ضائعة، ولكنهم كانوا يؤمنون بقول الله: ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) "البقرة:249" وكانوا يؤمنون بقول الله: ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) "الأنفال:65".

وكان لهؤلاء مواقف ابلوا فيها بلاء حسناً، وأذاقوا اليهود الأهوال، حيث استغاث اليهود بالدول الغربية لإيقاف هذه النوعية من جنود الإسلام الذين لم يكن لهم في ظن اليهود حساب، فصار اليهود لا هم لهم إلا إيقاف هؤلاء الجنود، فاستغاثوا بالدول الغربية فاجتمع وزراء خارجيتهم في فايد مع رئيس الوزراء المصر ي آنذاك، وكان إيقاف الإخوان عن الجهاد بإصدار أمر إليهم بالتوقف عن القتال ونقلهم من ارض المعركة إلى بطون المعتقلات المصر ية، فهل أشار الفيلم الوثائقي إلى شيء من ذلك؟ لم يشر أدنى إشارة إلى هذا الأمر.

الجهاد الحاضر :

أغفل هذا الفيلم الدور الذي تقوم به الحركة الجهادية الفدائية ( حماس ) في مواجهة هذا العدو الشرس مما جعله يشكو مواجعه وجراحه ويضغط بشدة على السلطة بكل وسيلة كي توقف له جهاد هذه الحركة بحجة مكافحة (الإرهاب) ، وكأن اغتصاب الأرض وانتهاك العرض ، وممارسة الطرد والتشريد لأبناء فلسطين ليس إرهابا ، فهل أشار الفيلم إلى أي دور تقوم به حماس ؟

أغفل الفيلم الدور الكفاحي للشعب اللبناني في الجنوب وللحركات الجهادية فيه التي أقلقت العدو ، وأذاقته الويل والثبور، حتى انه يطلب -الآن- الانسحاب من الجنوب بشروط، كي يسلم من هول ما يذوقه على يد أبناء الشعب اللبناني، الذين عرفوا كيف يواجهون الغطرسة الإسرائيلية، ويذلون كبرياءها، فتطلب –لأول مرة- أن تنسحب من ارض اغتصبتها، فهل أشار الفيلم لشيء من ذلك؟

هدف الفيلم:

إن هذا الفيلم له هدف محدد هو إصابة المواطن العربي خاصة، والمسلم عامة بالإحباط الذي هو عبارة عن مجموعة من المشاعر المؤلمة، تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروري لإشباع حاجة ملحة، وهذا الإحباط آفة من آفات النفس، يعوق فيها الإرادة الدافقة، ويوقف الهمة العالية، ويبعث الوهن والضعف في القلوب فتقل مقاومتها وتفتر، ويجعلها اقرب إلى اليأس منها إلى الرجاء، والى الحنق والغضب منها إلى الرضا.

وماذا ننتظر – بعد ذلك – من نفس واهنة وهمة فاترة، افسد سعيها الإحباط وفض قوتها التثبيط؟ وكيف لهذه النفس أن تبدع فكراً، أو ترفع إنتاجا، أو تدفع عدواً، أو تزيل شراً أو تصنع خيراً؟ ومن ثم تنكس هذه الحالة النفسية الخائرة الفاترة على المجتمع، فتلمح فيه آثار السلبية بادية، وآثار التواكل ظاهرة، وثمار الخور والفتور غير خافية على احد، ثم لا تجد من تبث له الشكوى، حتى يخف المصاب، ويهون الخطب، ويقل الفساد.

إن الهزيمة النفسية لأي فرد أو لأي مجتمع أو امة لا تقل أثرا عن الهزيمة المادية بل قد تزيد، والذين يتعرضون لاحباطات شديدة كثيرة يتوالى عليهم الإحساس بالفقدان والعدم، ثم الحرمان، ثم الصراع الداخلي، مما قد يجعل حركتهم في الحياة مضطربة غير سوية، يستوي في ذلك أن يكون سبب هذا الإحباط مادياً خارجياً أو نفسياً معنوياً، فكلا الأمرين صعب مردوده على النفس السوية، وعلى المجتمع المتماسك؛ لأن هذا الإحباط غالباً ما يدفع إلى "النكوص في السلوك والتدهور في التفكير، والارتداد إلى أساليب سلوكية غير ناجحة" مما يضعف من إنتاجية الفرد، ويحد من قدرته على الرقي العملي والعلمي والنفسي، ويجعل منزلته – كفرد عزيز في وطنه له شأن بين إخوانه – في مهب الريح، وهل بمثل هؤلاء الأفراد ترقى امة أو تصان دولة؟ إن الإحباط قاتل للمعنويات؛ لأنه سم بطيء ينتشر في جسد الأمة فيضعف – على الأيام- مقاومتها، ويقيد عزتها وكبرياءها بين الناس وبين الأمم، فكيف تظهر فتية أبية، ترفض الضيم وتأبى الذل؟

وهذا ما أراده صانعو هذا الفيلم، فهل بعد هذا يقول أحد: انه فيلم حيادي أو وثائقي؟ انه يوثق الزيف والتضليل والخداع.. فهل نعي ذلك؟.

حماس بين المطرقة والسندان

مداد دافق ودماء تتوقف:

لم تنل أي قضية عربية في القرن العشرين ما نالته قضية فلسطين من مداد وأوراق ودماء وقرارات ووعود وتنصلات وإخلاف، ولا تزال هذه القضية شاغل الناس بعد أن كثر فيها صب المداد ونضب بل توقف تقديم الدماء، إن مداد الكاتبين والمعلقين والمحللين للاتفاقات السرية والعلنية، والعهود والمواثيق التي يقدمها المسئولون في الشرق الأوسط بضمانة أمريكية روسية أو أمريكية أوروبية – إن هذا المداد ساعد في تسكين عامة الناس، الذين فرحوا بسراب السلام بعد أن منتهم حكوماتهم بالمن والسلوى، والعسل والحلوى، ثم بعد سنوات لم يجدوا في حلوقهم إلا مذاق الحنظل، ومرارة الصبار؛ لأنهم أدركوا أن واقع الحال ينبئ عن وهم كبير أسفرت عنه مفاوضات السلام، وينبئ كذلك عن خداع عظيم من جانب الصهاينة الذين يعدون ثم يخلفون، ويعاهدون ثم يغدرون، ويوثقون عقودهم ثم ينقضون.

عاش عامة الناس في وهم كبير أملا في عهد جديد تجف فيه الدماء، وتسيل فيه الخيرات في البلاد، فما وجدوا بعد أن أمن الإسرائيليون على دمائهم وأنفسهم إلا الشر والبلاء، وملاحقة الشرفاء، واعتداء اليهود واجترائهم على كل من يقف في طريقهم فهدموا البيوت وتوسعوا في المستوطنات، وقتلوا الفلسطينيين، وأقاموا الأنفاق تحت المسجد الأقصى في محاولة لهدمه، وتهيئة لإقامة هيكلهم مكانه – ولو بعد حين.

ولم تكن تصرفات إسرائيل تخفى على نفر من الذين نكبوا في فلسطين، لأن الطبيعة اليهودية التي تتلون تلون الحرباء، لم تعد تخفى على الفاهمين حتى لو غطى اليهود جلودهم بأنواع من الثياب وألوان من الطلاء.

فأبان الفاهمون زيف دعوى السلام وحركوا جماهير الفلسطينيين في غزة والضفة فيما عرف بالانتفاضة، وظهرت منظمات جهادية تعمل على ترويع الصهيونيين وتعكر صفوهم من حين إلى حين، فما كان من إسرائيل إلا أن لانت قناتها، وبدأت في السر محادثاتها التي تفتقت عن إعلان مدريد سنة 1991 ثم اوسلو سنة 1993 وظهرت السلطة الفلسطينية، وكأنها حامية حمى فلسطين من دون المسلمين، والمتصرف الوحيد في كل ما يدور حولها مع إسرائيل التي انتهزت بدورها الفرصة السانحة كي تنفرد بهذه السلطة وسط ضغوط عالمية لتأخذ منها صكاً ممهوراً بإنهاء هذه القضية مقابل أمرين:

ثمن بخس:

1- إرجاع غزة بعد أن أذاق أهلها إسرائيل الويلات نتيجة ما قاموا به من اضرابات واحتجاجات، وانتفاضة عارمة، وإنزال ضربات فدائية موجعة بإسرائيل، وإرجاع جزء من الضفة الغربية لا يزيد حتى الآن عن 40% تخضع أجزاء قليلة منها للسلطة إداريا وسياسياً، وأجزاء تخضع إداريا فقط للسلطة، ومساحة الأرض التي ستحصل عليها السلطة في النهاية إذا قيست بكامل الأرض الفلسطينية التي اغتصبها العدو لا تساوي شيئاً يذكر..

ونظرة سريعة على الأرقام تبين ما نقول: ففي سنة 1916م كانت أملاك اليهود(241.000) دونم من مساحة فلسطين التي تبلغ (27.027.031) دونماً كانت الدولة تملك منها سنة 1918 (12.000.000) دونم ويملك العرب (13.673.32) دونماً، ويملك اليهود (650) دونماً، أي أن اليهود كانوا يملكون سنة 1918م 2.5% فهل ما ستحصل عليه السلطة بعد التنازلات الكثيرة يصل إلى 2.5% من مجموع أراضي فلسطين المغتصبة؟ إن الإجابة الواقعية خير من كل كلام، حيث أن مساحة فلسطين كما تم تسجيلها في عهد الانتداب البريطاني – هي 281.200 كم2 ، وقد أعطت هيئة الأمم المتحدة إسرائيل 54% من هذه المساحة وأعطت الفلسطينيين 46% عند إقرار التقسيم سنة 1947 م، وهو ما رفضه الفلسطينيون؛ لأن الأرض التي كانت تحت أيديهم حين ذاك تزيد عن هذه المساحة كثيراً، وفي سنة 67 استولت إسرائيل على كامل التراب الفلسطيني، ووضعت يدها على الضفة وغزة ومساحتها 5700كم2، وحديث السلام يدور حولهما فقط دون غيرهما من الأرض، فإن الأخذ والرد والاتفاقات والوساطات الدولية والتلكؤ الإسرائيلي والتنازل الفلسطيني يدور كله حول 18% من مساحة فلسطين المغتصبة.

ورغم الطنطنة والدعاية والصور "والفلاشات" للتوقيع على الاتفاقات بحضور عدد من الزعامات فإن كل ما حصلت عليه السلطة من الأرض الفلسطينية لا يعدل أبدا التنازلات الكبيرة والخطيرة التي قدمتها.

ويستمر مسلسل التمدد الإسرائيلي في الاستمرار، فتعلو كل يوم في أراضي الضفة مستوطنات جديدة تعلن تحدياً جديداً للعالم الإسلامي، وتحتمي بالتصريحات الرسمية لباراك الذي أعلن: "لا" لإيقاف المستوطنات، فما المقابل في جانب السلطة؟

حراسة السلطة للأمن الإسرائيلي:

2-قيام أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية باختراق الجماعات المناهضة لاتفاق اوسلو وتوجيه ضربات قاصمة إليها بغية تصفية وجودها التنظيمي والسياسي والعسكري حسبما ورد في مذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها في 17 من كانون أول/ديسمبر سنة 1997 م بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية بإشراف وكالة الاستخبارات المركزية، على حد قول الكاتبة "تانيارا ينهارت" المنشور في نشرة "ذي آذر فرونت" في عددها الصادر في 22 من نيسان/إبريل سنة 1998 م.

وقد تمت تصفية عدد من الناشطين في حماس منهم:

محي الدين الشريف ويحيى عياش وعادل عوض الله وعماد عوض الله ود. فتحي الشقاقي – الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي.

وتم تحديد إقامة الشيخ/ احمد ياسين في بيته بعد تفتيشه ومنعه من الخروج حتى لصلاة الجمعة بعد قطع الاتصال التليفوني عنه، واعتقل من أعضاء حركة المقاومة الإسلامية حماس ما يقارب 1000 شخص، وأمر اللواء غازي الجبالي – قائد الشرطة في غزة – في 2/11/1998 بإطلاق النار على أي رجل ناشط من شباب المقاومة يقترب كثيراً من (المواقع الإسرائيلية) وبهذا تبنى رجال السلطة مشروع الأمن الإسرائيلي وليس الفلسطيني، وخاصة بعد قيام المخابرات المركزية الأمريكية بتدريب ضباط الأمن الفلسطينيين في قاعدة سرية بولاية نورث كارولينا ( على حد قول صحيفة نيويورك تايمز في 23/10/1998 ) وقالت الصحيفة المذكورة: أن هدف التدريب هو رفع الكفاءة المهنية لأولئك الضباط وتعزيز ثقة إسرائيل بهم..

وقد تمثلت هذه الثقة الإسرائيلية في إلغاء السلطة للميثاق الوطني الفلسطيني، وجمع الأسلحة من الفلسطينيين، واعتقال المطلوبين لإسرائيل، وتقليص قوات الشرطة الفلسطينية، ووضع خطة مفصلة لمكافحة (الإرهاب) الذي لا يعني غير الجماعات التي تقوم بأعمال فدائية داخل إسرائيل، والعناصر المعارضة للاتفاقات الاستسلامية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية، ومعنى ذلك إسكات كل صوت معارض لأي اتفاق يتم وأي تنازل يحدث مهما كانت خسائره جسيمة، وفي مقابل ذلك فان للمستوطنين الإسرائيليين الحرية الكاملة في التسلح وقتل الفلسطينيين، وهدم بيوتهم، وللأحزاب الإسرائيلية كذلك حرية مطلقة في ممارسة كافة أشكال النقد والمعارضة للاتفاقات فضلاً عن حريتها في المطالبة بطرد الفلسطينيين.

في ضوء الاتفاقات المتتالية، التي يعدل لاحقها منها وينسخ حاضرها ماضيها، يتم تكريس الاستيطان في الضفة الغربية بحيث يصبح كتلة جغرافية متواصلة بعد أن كان نقاطاً معزولة في الفضاء العربي،وتتحول التجمعات السكانية العربية إلى نقاط منعزلة لا رابطة بينها.

ضرب الحركات الفدائية:

وهذه الاتفاقات الأمنية التي تربط حسن سلوك السلطة الفلسطينية لدى واشنطن وتل أبيب بمدى المجهود الذي تبذله على صعيد التعاون والتنسيق الأمني، والوقوف بقوة في وجه أي عمل فدائي استشهادي تقوم به حماس أو حركة الجهاد الإسلامي – لم تكن تتم إلا بمباركة ومساعدة من بعض الأنظمة العربية، ولعل هذا الرضا بالقضاء على كل صوت أو عمل يعارض الاتفاقات الجارية كان الدافع الأول وراء ما حدث لقادة حماس الذين صدر الأمر باعتقالهم، وإغلاق مكتب حماس في الأردن بحجة مخالفته للقوانين الأردنية، وأنها تستغل لنشاطات وأعمال تنظيمية غير أردنية وغير مشروعة!!

نعم لقد أصبحت الأعمال الجهادية ضد العدو المغتصب غير مشروعة، وأصبح الصوت الرافض للتنازلات الفلسطينية المتوالية، والمعبر عن مشاعر ملايين المسلمين في الأرض غير مشروع، ومن ثم فإن نصيبه التضييق الحركي والتشويه الإعلامي، وملاحقة أفراده بالاعتقال، ووضع قادته تحت القبضة القوية حتى ينشغلوا بأنفسهم عن غيرهم، ويستريح منهم عدوهم الإسرائيلي؛ لأن إخوانهم كفوا أيديهم وشلوا حركتهم، وأودعوهم بطون السجون مع اللصوص والمجرمين والقتلة وتجار المخدرات والمشبوهين، مع أن مكانهم ينبغي أن يكون في العلياء؛ لأنهم هم الذين يرفضون الخنوع والخضوع للضغوط الأمريكية الصهيونية ، التي لا تريد من احد أن يعكر صفو الاتفاقات أو الاعتراض على التنازلات.

لقد شددت القبضة على كل منتم لحماس ، خاصة بعد سنة 1996 م، التي تبلورت فيها بشكل واضح التخاذلات من جانب السلطة الفلسطينية، وظهرت محاولات فدائية وبدا أن هناك استعداداً للفداء والاستشهاد وهو ما لا تريده إسرائيل، ومن ثم عقدت مؤتمرات أمنية حضر بعضها كلينتون تحت زعم محاربة الإرهاب، ولم يكن المعنى بها أولا وأخيرا إلا مقاومة كل تحرك من أي جانب إسلامي ضد ما تقوم به إسرائيل، التي قامت حكومتها علنا بارتكاب مذبحة قانا، وقام أفرادها بمذابح شتى منها مذبحة الحرم الإبراهيمي، وقامت منظماتها اليهودية بأعمال إرهابية تنفذها ضد الأراضي والأهالي والمنشآت والأماكن المقدسة دون أن تقول أي جهة أن هذا إرهاب!!

تحذير ونذير :

والذي حدث ويحدث لحماس هو رسالة إنذار لكل جهة أو مؤسسة أو جماعة يخطر على بالها أن تعارض أي تنازل -وان كبر حجمه- في المرحلة القادمة، مرحلة مفاوضات الحل النهائي التي من المتوقع أن تبدأ قريباً لتحسم قضايا (القدس، والدولة، واللاجئين، والمستوطنات، والحدود، والمياه) وهي قضايا لابد فيها من تنازلات كثيرة من جانب السلطة بعد ظهور التشدد في لاءات باراك – التي تترجم عن سياسة الحكومة الإسرائيلية وهي: لا للعودة إلى حدود سنة 1967 م، ولا لتقسيم مدينة القدس؛ لأنها ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل، ولا لإيقاف المستوطنات، ولا لعودة اللاجئين، وهي كلها قضايا مهمة تتعلق بمصير الفلسطينيين أولا، وبالوضع العام في دول المنطقة ثانياً، ولقد بدأت مرحلة التفاوض على الحل النهائي بداية خاطئة حيث قبلت السلطة أن تتفاوض على هذه القضايا المهمة المعلقة، قبل أن توقف إسرائيل الاستيطان، وقبل إكمال المرحلة الانتقالية، وهذه بداية التنازلات إزاء التشدد الإسرائيلي الذي لم يقف عند حد تصريحات باراك، بل ظهر بوضوح على الأرض المحتلة حيث أقام باراك من المستوطنات في ثلاثة اشهر ما فاق به سابقه نتنياهو في كل ما أقامه من مستوطنات طيلة مدة حكمه، وصادر ألف هكتار من أراضي قرية إذنا جنوب الخليل لتحويلها إلى حقل تدريب.

تنازلات السلطة آتية لا شك فيها خاصة فيما يتصل بالقدس وعودة اللاجئين، مما يستفز مشاعر الشعوب الإسلامية قاطبة، وقد يثير موجة من الاستياء في الداخل والخارج، لذا لابد من إسكات جميع الأصوات المعارضة لعملية التسوية، ولجم أي تحرك ضدها، وإغلاق مكاتب حماس واعتقال العاملين فيها والقبض على قادتها بعد رجوعهم من الخارج خطوة ممهدة أو مصاحبة لتهيئة المناخ لمحادثات الوضع النهائي دون اعتراض من احد، ويؤكد ذلك أن هذه الإجراءات تمت قبل ساعات من وصول أولبرايت إلى المنطقة للمشاركة في التوقيع النهائي على اتفاق (واي 2) الذي تم التوقيع عليه في شرم الشيخ المصر ية بحضور عدد من القادة العرب.

خطوة في الاتجاه المعاكس:

والمفاوضون العرب يجانبهم الصواب حين يسكتون كل رأي معارض، أو عمل من أعمال المقاومة، فلا يصبح في يدهم أي عنصر من عناصر الضغط أو القوة التي تجبر العدو على التسليم ببعض المطالب الضرورية أو على الأقل على عدم التشدد فيما يطلبه من تنازلات من جانب السلطة.

والدليل الحي المشاهد هو إصرار إسرائيل وإعلان المسئولين فيها عن انسحابها من لبنان في تموز/يوليو القادم من طرف واحد، وما كان لإسرائيل أن تفعل ذلك إلا تحت ضغط المقاومة في الجنوب حيث تخسر إسرائيل بعض الأرواح، وهي وان كانت قليلة إلا أن استمرارها يشكل نزيفاً مستمراً، وألماً دائما للحكومة الإسرائيلية مما لم تعد تحتمله، ورغم ما تقوم به من قصف شبه دائم للبنان فإن الحكومة اللبنانية تعلن أن المقاومة تمثل جزءا من الشعب اللبناني لا يمكن تحجيمه أو ضربه أو إسكاته.

ولو أن الحركات الفدائية الإستشهادية التي كانت تقوم بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس )، وحركة الجهاد الإسلامي استمرت في دورها الجهادي، ولم تجد ضغوطاً قوية – وصلت إلى حد تصفية بعض عناصرها – من السلطة الفلسطينية ومن بعض الحكومات العربية لاستطاعت السلطة الفلسطينية أن تحقق – حتى عن طريق المفاوضات – لنفسها ولأبناء فلسطين كثيرا، وعلى اقل تقدير لكانت استطاعت أن تحقق ما اتفقت عليه في اوسلو.

ومنه على سبيل التذكرة : الحصول على 90% من أراضي الضفة الغربية، فهل تحقق ذلك؟ إن كل ما تم الحصول عليه من الأرض سواء كانت تحت الإشراف الكامل من السلطة أو الإشراف المشترك بينها وبين إسرائيل لم يزد بل يقل عن 40% من مساحة ارض الضفة وغزة .

إن العدو لا يعرف غير القوة العسكرية، وقد كانت قوة الحركات الفدائية سندا ودعماً لموقف المفاوض الفلسطيني الذي يلوح بأن هذا هو البديل لوقف المفاوضات ومواجهة التعنت الإسرائيلي، فإذا ما قضى على هذه الحركات الفدائية فإن المفاوض الفلسطيني جرد نفسه من كل بديل، وما عليه إلا أن يقبل –صاغراً- ما تعرضه عليه إسرائيل وإلا..

ويبدو إننا في العالم العربي لا نتعلم من دروس التاريخ، لقد كانت الحرب في فيتنام مشتعلة والمفاوضات دائرة؛ لأن سلاح الحرب يجعل المفاوضات حامية ومسرعة، ولكننا دأبنا على تحجيم كل عناصر القوة والبطش والتنكيل بها، منذ أن اخذ الإخوان المسلمون الذي ابلوا أعظم البلاء في حرب فلسطين –بشهادة المحايدين من الخبراء العسكريين – اخذوا من الميدان إلى المعتقل، وعلى طريقهم هذا عوملت كل حركة ناشطة صادقة في دفاعها على الدين والوطن، حتى وصل الأمر إلى حماس على النحو الذي نراه ونعرفه اليوم.

نموذج لمعاملة الآخرين:

هذا ما نفعله بالمجاهدين عندنا أما في الجانب المقابل فإن ابرز عناصر الإجرام التي قامت بمذابح ضد الفلسطينيين تولت رئاسة الوزارة الإسرائيلية، ومن لم يصل منهم إلى هذا المنصب ظل له الاحترام والتقدير، وعومل أحسن معاملة، وظل آمناً في مكانه لا تمتد له يد بإيذاء رغم انتقاده لحكومته أحيانا، وتوليه زعامة المعارضة أحيانا أخرى فها هو ذا "إرييل شارون" الصهيوني المتعصب الذي يسير على درب زعماء المنظمات الإرهابية اليهودية التي قامت بأبشع الجرائم في فلسطين لم يتوقف يوماً عن سفك دماء الفلسطينيين والعرب. لقد شارك (مع العصابات الصهيونية ) التي كسبت اغتصاب الأرض في عام 1948 م وشكل وحدة الكوماندوز 101 في سنة 1953 ، التي كانت في الحقيقة وحدة للقتل، ومن جرائمها في ذلك الوقت مذبحة كفر قاسم التي قتل فيها 48 فلاحاً فلسطينياً.

وبعد أن اثبت الرجل جدارته كقاتل أصبح مؤهلاً لكي يتولى قيادة لواء المظلات في حرب 1956 وفي ذروة حرب الاستنزاف في سنة 1970 عين قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية، ولان غزة كانت آنذاك تحت قيادته، فإنه قام بدور في تصفية المقاومة هناك، بعدما شكل وحدة للقتل عرفت باسم "ريمون" ونفذ هناك مشروعه لاقتلاع اللاجئين، وإعادة إسكانهم ونقل مجموعات منهم إلى رفح، وكان أول من أقام شوارع "اوتوسترادات" داخل المخيمات، الأمر الذي استدعى نقل كثيرين من أماكن سكناهم، وأدى إلى إعادة هيكلة معالم المخيمات، وهي الخلفية التي أكسبته خبرة في تدمير البنية التحتية الفلسطينية.. استفاد منها فيما بعد، وبعد أن اكتسب في غزة بجدارة صفته كقاتل، وجدناه في حرب 1973 وفي عملية الثغرة يكتسب صفة المغامر، وحين أصبح وزيراً للزراعة في حكومة مناحيم بيجين عام 1977 ، ألقى بكل ثقله في عملية الاستيطان لكي يبلغ بالمغامرة أقصى مدى لها، ويوظفها في خدمة التمدد الإسرائيلي أفقيا ورأسيا.

في اجتياح لبنان عام 1982 كان شارون المغامر والقاتل هناك، فقد قاد أول عملية إسرائيلية لاحتلال عاصمة عربية، ونفذ هناك اكبر مذبحة إسرائيلية خارج فلسطين "في صابرا وشاتيلا" والجريمة الأخيرة أدانته فيها لجنة "كاهان" الأمر الذي تضطره إلى الاستقالة من منصب وزير الدفاع.

ابتداء من عام 1990 عاد شارون إلى الواجهة كمهندس لحركة الاستيطان واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم مرة باعتباره وزيرا للبناء والإسكان، ومرة بحسبانه وزيرا للبنية التحتية، ولم يتخل عن دور القاتل في أي منها، حتى أعلن صراحة بعد فشل محاولة اغتيال "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن إسرائيل لن تكف عن محاولة قتله، وهو لا يزال يرفض مصافحة الرئيس ياسر عرفات بحجة انه إرهابي قاتل! "مقال فهمي هويدي: رسميا إعلان الحرب على المقاومة – المنشور في الوطن بتاريخ 7/11/1998 "

شارون هذا هو الآن زعيم الليكود – الحزب الرئيس المعارض لحزب العمل، والذي فاز في الانتخابات الأخيرة برئاسة الحكومة الإسرائيلية.

أين قادة حماس بما يقومون به من أعمال ضد العدو الإسرائيلي هم في ضمير كل مسلم حريص على عودة القدس وعودة المشردين الفلسطينيين إلى ديارهم، وعودة ارض فلسطين إلى أهلها المسلمين، وان الذي يلقونه لا يليق بهم ولا ينبغي أن يمارس معهم، بل انه مخالف لأبسط المبادئ الإنسانية، ولذا فإن التخلي من جانب الحكومة الأردنية عما تفعله معهم سيجعل لها احتراماً كبيراً في قلب كل مسلم، وسيدرك المسلمون أن الحكومة لا تخضع لأي ضغوط خارجية، وأنها تعمل بصدق على السعي خطوة نحو تصحيح الأوضاع الفلسطينية المتدهورة.

الأفعى اليهودية

قرناء الشر:

هل نحن في حاجة إلى الحديث عن الطبيعة اليهودية بعد أن بينت آيات القرآن الكريم مكرهم وكيدهم وافتراءهم حتى على الرسل والأنبياء، وختلهم وطغيانهم وتجبرهم حين قوتهم، ولينهم وتلونهم في مرحلة ضعفهم، وحبهم للفساد والإفساد وتنكرهم للنعم، وجحدهم المعروف، وانتهازهم الفرص، ونقضهم للعهود، وجمعهم المال ولو باعوا في سبيله الأعراض، وغير ذلك من مظاهر الشر التي نشأ عليها اليهود والتي لا تفارقهم في زمن من الأزمان أو مكان من الأمكنة؟ هل نحن في حاجة لبيان شيء من هذه الطبيعة النافرة؟ نعم نحن في حاجة إلى ذلك بل في مسيس الحاجة إلى ذلك، لا لأن اليهود ينكرون هذه الطبيعة ويعكسون في تصرفاتهم غيرها، فذلك لم يحدث ولن يحدث، بل لأننا – نحن المسلمين - الذين تغيرنا، فصرنا نصدق دعاوى اليهود ومزاعمهم، ولم نعد نحتكم في التعامل معهم إلى كتاب الله وسنة رسوله، بل جعلنا – ونحن نتجه نحوهم لتمتد أيدينا إليهم – كتاب الله خلف ظهورنا، فكان أن نالنا على أيديهم ما نالنا مما يعرفه الذين يؤذيهم نقضهم المعاهدات، وتسويفهم للاتفاقات، وإخلالهم بكل معاني العدل واستمرارهم في نشر الفساد عن طريق الجواسيس أو الغش التجاري، أو التضليل السياسي أو القمع العسكري في أكثر من مكان، أو التغلغل داخل العالم العربي عن طريق المشاركة في المؤتمرات والندوات، وعقد الصفقات طويلة الأمد في مجال الغاز (قطرمصر ) وفي مجال السلاح (تركيا) نحن في حاجة دائمة إلى من يذكرنا بالطبيعة اليهودية، حتى نأخذ حذرنا، ونتقي دبيب العقارب التي تتحرك في ديار المسلمين، وتحاول في كل حين أن يكون لها ضحية ظاهرة لتكون عبرة للآخرين، وان كانت لها ضحايا كثيرة مستترة، وهذه الطبيعة هي التي جعلت أنبياءهم يلعنونهم : (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) "المائدة:78" وقد كانت مواقفهم مع أنبيائهم مخزية مشينة، حتى أن القرآن فضحهم بقوله: ( .. كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون) "المائدة:70" ولم تتخلف عنهم طبيعتهم في أي زمن من الأزمان، قد نقضوا عهودهم مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحاولوا قتله، وألبوا عليه المشركين، وتعاونوا معهم في غزوة الأحزاب ولم ينفع معهم أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بدأ معاملته لهم بالحسنى، فسالمهم حين هاجر إلى المدينة واعترف بحقوقهم وأعطاهم الضمانات الكافية في "وثيقة المدينة" التي بينت وحددت لهم حقوقهم وواجباتهم نحو المسلمين، ولكن هيهات لطبيعة معوجة أن تستقيم، ولنفوس نافرة أن تقر، هل يستقيم الظل والعود اعوج؟

لقد عاملهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بما يستحقون فانتهى أمرهم إلى الجلاء عن المدينة، والاستقرار بخيبر أولا، ثم بعد ذلك بأذرعات الشام.

فهل فارقتهم طبيعتهم؟ كلا فقد عملوا ما استطاعوا على إزكاء روح العداء – من طريق خفي- بين المسلمين، وأشعلوا نيران الفتن بينهم من وراء ستار، واستمروا يندسون في حياة المسئولين من المسلمين ابتداء من عهد معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما) إلى العهد الحاضر الذي تولى فيه احد جواسيسهم منصب وزير في إحدى الدول العربية المجاورة لإسرائيل، وصارت فيهم مفاتيح المال والإعلام التي بها يمكنهم الوصول إلى أهدافهم، ولو داسوا في طريقهم مسئولين كبار كما حدث مع كلينتون في قضية مونيكا – إحدى العاملات في البيت الأبيض – التي احتفظت بثوبها الأزرق الملوث بماء كلينتون سنوات عديدة حتى جاء الوقت المناسب فنشرت ثوبها، ونشرت في الأرض كلها فضيحة كبيرة لأكبر مسئول عالمي، دون أن يستطيع عن نفسه دفاعا ودون أن يملك لنفسه ستاراً يغطي به سوأته أمام الرأي العام العالمي، الذي كان يتابع في الصباح والمساء مذلة رئيس اكبر دولة في العالم على يد يهودية استخدمها اليهود ببراعة فأدت دورا يماثل دور يهوديات سابقات قمن بالدس والخديعة والقتل والتجسس لساسة شرقيين وغربيين.. وهل نستطيع نحن أن نميز بين أصحاب الجنسيات المختلفة الذين نحضرهم إلى بلادنا بين اليهودي وغير اليهودي؟ وإذا لم يفلح تدسسهم في تحقيق ما يرغبون فإن التشهير كفيل بذلك، وهذا ما حدث أخيرا مع "يورغ هايدر" – زعيم حزب الحرية النمساوي سابقاً – فقد فاز حزبه في الانتخابات وشارك في الحكومة، فقامت قيامة إسرائيل وسحبت سفيرها، وتبعتها الدول الغربية وقاطعت النمسا جزئيا، وشهرت بالحزب وبزعيمه حتى استقال من رئاسة الحزب، وما زالت التهم تلاحق الحزب حتى بعد استقالة رئيسه وسوف تبقى حتى يخرج الحزب من الحكومة.

إن أصابع اليهود وألاعيبهم تتحرك في ميادين كثيرة لكنها في النهاية تصب في منطقتنا لتحقيق مصلحة لإسرائيل أو تمنع عنها مضرة، وليس يعنيها سكان المنطقة الآخرين، ولا بأس من التضحية بهم وبمصالحهم وبمصالح بلادهم من اجل رضا إسرائيل وبقائها وامتصاصها لخير المنطقة.

الطبيعة اليهودية لم تتغير، لكن طبيعة المسلمين تغيرت فصاروا في حاجة دائمة إلى التذكير بطبيعة المختالين، الذين ما ينفكون يعملون ليل نهار من اجل إضعاف المسلمين من حولهم وتفريق جمعهم، وتشتت كلمتهم، حتى لا يبقى بارزا في مضمار الشرق الأوسط غير اليهود، بعد أن وضعوا العراقيل والعوائق في طريق المسلمين.

التدسس اليهودي:

ومما يؤسف له أن المسلمين المعاصرين يفسحون في بلادهم لليهود الذين يتدسسون ويتجسسون عليهم ومع أن الله سبحانه نهى المسلمين عن اتخاذ بطانة من غير المسلمين في قوله: (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) "آل عمران:118" فإن المسلمين حتى في حال قوتهم وامتداد سلطانهم أيام الدولة الأموية لم يلتزموا الحذر فوقعوا في هذا النهي حين استخدم الخلفاء الأمويون وعمالهم في الولايات الإسلامية أطباء من اليهود أو النصارى أو الصابئة، ثم قربوهم منهم حتى كانوا بمثابة الوزراء أو المستشارين، وزاد تغلغل غير المسلمين حتى كان منهم وزراء عرفوا في التاريخ الإسلامي، واستمر تغلغله ابتداء من الدولة الأموية حتى الدولة العثمانية، فقد كان لمعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) – كما تقول بعض المصادر – طبيبان نصرانيان هما: ابن أثال، وأبو الحكم الدمشقي، وكان للحجاج بن يوسف – والي عبد الملك على العراق – طبيب يهودي هو فراث بن شحناتا، وقد طال عمره حتى عمل طبيباً لعيسى بن موسى الذين عين واليا على الكوفة من قبل أبي جعفر المنصور.

وكان للمنصور نفسه طبيب يهودي هو جورجيوس بن جبرائيل بن بختشيوع، وكان ابنه طبيب الخليفة في عهد هارون الرشيد، وكانت لطبيب الخليفة هذا منزلة عالية عند الرشيد، وجاء من بعده جبرائيل بن بختشيوع الذي صار كبير أطباء الرشيد، وكان له موكب يضاهي موكب الخليفة، وترك وراءه عند موته موجودات عقارية قدرت بمائة وأربعين مليون درهم عدا ما ترك من ملايين الدراهم النقدية، ويكاد يكون طبيب الخليفة أو بعض الأمراء الأقوياء في فترات طويلة من التاريخ الإسلامي من غير المسلمين..

وقد كان طبيب المطيع بالله العباسي يهودياً يسمى إسحاق بن شليطا، واستعمل عضد الدولة البويهي أبا الحسين بن كشلرايا الطبيب اليهودي، وجعله رئيساً لكبيمارستان العضدي ببغداد، وكان يعد من اكبر مستشفيات ذلك الزمان، وقد تولى يعقوب بن كلس – الطبيب اليهودي – منزلة عالية في الدولة الفاطمية، وخاصة في عهد العزيز بالله، حتى انه تولى الوزارة الكبرى والتصرف التام في جميع شؤون الدولة، ولم يقتصر أمر التدسيس اليهودي على خلفاء وأمراء المشرق العربي، بل امتد إلى المغرب العربي وبلاد الأندلس، فقد ظهر في الأندلس ابن بكلارس الذي كانت له مكانة سامية عند بني هود (من ملوك الطوائف بالأندلس) ومن قبله ظهر الطبيب الإسرائيلي حسداي بن بشروط ضمن أطباء الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر.

وفي مصر ظهر أبو العشائر هبة الله بن زين بن حسن بن جميع الإسرائيلي، وكان من جملة أطباء صلاح الدين، وظهر في مصر جملة من الأطباء اليهود من اشهرهم موسى بن ميمون الذي يعتبر من اشهر أطباء صلاح الدين الأيوبي، وقد استمر تدسس غير المسلمين، وخاصة اليهود منهم في قصور الحكام والأمراء في الشرق الإسلامي، وسجل التاريخ بعض أخبارهم وقد استمر ذلك حتى العصر الحديث الذي تخفي فيه اليهود وراء ألف قناع، واتخذوا لأنفسهم ألف وسيلة ووسيلة للوصول إلى مراكز القرار المؤثرة في البلاد الإسلامية في العصور الماضية أو الحاضرة، ولم يعدموا خلق الذرائع التي توصلهم إلى أغراضهم، وتغطي ألاعيبهم، ولا يزالون اليوم يتدسسون على البلاد العربية والإسلامية في صورة سائحين غربيين أو شرقيين، وقد يكونون خبراء في مجالات معينة، أو مستشارين لجهات مسئولة في بعض البلاد العربية، وينقلونها إلى إسرائيل، ويعملون على وأد كل مشروع يؤدي في القريب أو البعيد إلى النهضة والتقدم.

وقد يستعملون من أبناء البلاد العربية – ممن ضعفت نفوسهم – بعض الذين يقدمون لهم ما يحتاجون إليه من معلومات أو بيانات إن تعذرت على جواسيسهم، ولا أدل على ذلك مما تردد في السنة الماضية عن قيام بعض كبار المسئولين في بعض البلاد العربية بنقل الأسرار الحربية التي تصنع في مراكز القرار إلى إسرائيل، كي تتصرف على ضوئها.

لقد كان المتدسسون قديماً يعملون لحسابهم الخاص ومنفعتهم الشخصية، وكانوا من اليهود أو النصارى وأحيانا من الصابئة، أما المتدسسون حديثا فهم خليط من يهود وديانات أخرى وهم يجمعون بين عديد من الجنسيات، وكلهم يعملون لحساب إسرائيل، التي لن تتخلى يوماً عما جبل عليه اليهود من الدس والخديعة، واتخاذ كل وسيلة ممكنة للوصول لأي هدف مرصود، فلماذا نتخلى نحن عن اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة للحفاظ على ما نريد الحفاظ عليه بدعوى السلام؟ وإذا كان من الصعب تحاشي أخطارهم وغوائلهم قبل التطبيع، فهل يمكن أن نتحاشى ذلك بعد التطبيع الذي سارت فيه بعض الدول الإسلامية، وفتحت الباب لدول أخرى قد تسير على طريقها؟ وقديما قيل: داو جرحك لا يتسع، فهل نداوي جراحنا قبل اتساعها؟

وليت الأمر يتوقف عند الوقت الحاضر، فقد تعدى ذلك إلى المستقبل، حيث تتطلع الأذهان الإسرائيلية إلى علاقاتها بجيرانها العرب بعد ثلاثين أو أربعين سنة – من الآن – بعد أن يكون الجيل الحالي الذي مد يده بالتطبيع إليها تحت ضغط الشرق والغرب، وبعد هزائم الجيوش العربية التي لم تكن تعلم شيئا عن التكنيك الحربي الذي يستخدمه اليهود معهم بعد أن تعلموه ومارسوه في الحرب العالمية الثانية، التي خرجت لهم 65 ألف جندي مدرب تدريبا عالميا، عارف بمستجدات الحرب، وعوامل النصر، وأسباب الهزيمة، ولم يكن العرب على شيء من ذلك، ولذا فلم يستطيعوا أن يجمعوا في فلسطين سنة 1948 مثل هذا العدد من الجنود المدربين، ولم يكن لديهم من السلاح ما يواجهون به هذا العدد المدجج بأحدث سلاح..

وتوالت الهزائم في 67،56،48 وجاءت سنة 1973 وأحرز العرب نصرا عسكريا دون أن يستثمروه سياسيا نظرا لتشابك المشكلة وقلة الوعي بالتدابير الدولية، وعدم القدرة على التغلب على حالة التفكك العربية، وحتى لا تضطر إسرائيل إلى التعامل مع جيرانها في المستقبل تحت وطأة ظروف قد لا تكون مماثلة للظروف التي أبرزت التطبيع، وساعدت على قيامه..

فإنها تستبق الأحداث، وتعمل على غرس بذور المحبة لها في قلوب أبناء المسلمين وهم صغار، حتى إذا ما نما هذا النبت وترعرع بعد أن سقي ماء الوئام والسلام مع المغتصبين، الذين فعلوا الأفاعيل في فلسطين وما حولها من البلاد، سهلت لهم الصهيونية العالمية بما تملكه من وسائل معروفة وغير معروفة – طريق الرئاسة والزعامة، فلا يوجد في كثير من البلاد العربية زعيم ينادي بعداوة يهودية، أو يطالب بحقوق عربية، أو يعمل على تخليص مقدسات دينية، بل انه ليعلن لها الولاء والوفاء جزاء احتضانه صغيرا، ومساعدته كبيرا، وقد يقومون – في المستقبل – بنفس الدور الذي كان يقوم به أنطوان لحد في جنوب لبنان، من الدفاع عن إسرائيل، والتضحية في سبيلها بالأنفس والأولاد، والوقوف في وجه كل من يحاول أن ينتزع منها حقا، أو يرد لها كيدا، وقد يعملون في بلادهم مثلما عمل المعلم يعقوب في مصر أثناء الحملة الفرنسية حيث عينه الفرنسيون جنرالا، ورحل معهم حين رحلوا.

إن شعار إسرائيل (من النيل إلى الفرات) تسعى نحو تحقيقه بطريقة لم تكن تخطر على البال من قبل، إذ كان الظن السائد نحو هذا الشعار أن إسرائيل ستحاول أن تتمدد في ارض هذه المنطقة وتجعلها جزءا من إسرائيل، ويبدو أن الظن اكبر من قدرة إسرائيل الحالية، وأوسع من أن تضم ذراعيها عليه، ولذا لجأت إلى مشروع بديل، قد يكون مؤقتا بعدد من العقود، وبالظروف التي تسود، لكنها بدأت –بالفعل- خطوات على طريق إيجاده والاستفادة منه في العقود القليلة القادمة..

إنه مشروع بذور السلام الذي أنشأه الصحفي الأمريكي، "جون والسن" سنة 1993 ، والذي يعني جمع عدد من الفتيان والفتيات من دول عربية ومن إسرائيل وأمريكا في معسكرات صيفية يتم عقدها في عواصم مختلفة: (تل أبيب، شرم الشيخ، القدس، القاهرة، قبرص، أسبانيا، سويسرا)، ويقوم بها مركز بيريز للسلام، وتمولها وزارة الخارجية النرويجية، وتدعمها الولايات المتحدة الأمريكية بهدف أساس وهو أن يتحول هؤلاء القادة الصغار في المستقبل إلى دعاة لقضية الصلح مع إسرائيل، والى سفراء لها، إذا ما كان هؤلاء الشباب هم قادة المستقبل في مصر والأردن وفلسطين يعملون معا على مستقبل الشرق الأوسط، والى جانب المعسكرات المشتركة المختلطة يتم تنظيم الندوات المدرسية والرحلات الجماعية للبلاد العربية وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

يساعد على تحقيق الهدف الأساس غسيل المخ الذي يتم لهؤلاء عن وحدة الأديان، وعن أن الحروب بين الشعوب لا تحقق شيئا وإنما الذي يحقق ذلك هو المفاوضات، ولا يقتصر أمر قادة المستقبل هؤلاء على البلاد المجاورة لإسرائيل، وإنما يمتد إلى شباب من تونس والمغرب وقطر واليمن، ولعل هناك بلادا أخرى – على الطريق – سترسل فتيانها وفتياتها حتى لا يفوتهم الركب – ركب المذلة والهوان – الذي يحقق لإسرائيل أن يكون لها التوجيه الأول وربما الأوحد على ما بين النيل والفرات، وان تكون هي الحارسة الوحيدة للمنطقة، ذات الكلمة النافذة، دون أن تجد منازعة من احد، أو تذكيرا بحق –قديم- انتزعته عنوة من أصحابه، الذين صار بعض أبنائهم صنائع لها، وعيونا على أهليهم لصالحها، وجلادين يجلدون كل من يناويء إسرائيل.

وإذا كنا اليوم نعيب أو يعيب بعضنا طريقة الاستسلام التام لإسرائيل، والشلل الكامل أمام مخططاتها، فما بالنا حين يتولى هؤلاء القادة الجدد مقاليد الأمور، فيصبح المباح ممنوعا، والصمت جُنَة؟ ولابد من مواجهة هذا الأمر من الآن بتنبيه القادة المعاصرين لخطورة مثل هذا العمل، وبنشر حرمة التعاون مع إسرائيل من الناحية الدينية ما دامت مغتصبة للأرض، مهلكة للنسل والزرع، مستولية على المقدسات، حتى يمنع الآباء أبناءهم من مثل هذه الخطوات التي لا يكتسبون منها غير أن يكونوا عملاء في يد الصهيونية ، مقابل ثمن بخس: زعامة مرفوضة، أو بعض آلاف من الدنانير لا تغني عن صاحبها أمام الله شيئا، فهل نحاول الآن فعل ذلك؟


التطبيع والتوطين

التطبيع والتوطين:

التمدد الإسرائيلي العالمي الممتد من الصين شرقا إلى أمريكا غربا، يعطي إسرائيل قدرا من الرسوخ والثبات في موقعها، وينفعها في دعم مركزها السياسي، ويقوي علاقتها التجارية، وخاصة في الأمور التي لا تجيدها دولة أخرى غير إسرائيل، حيث تأخذ التقنية الأمريكية وتبيعها للصين في صورة صفقة طائرات حربية، من غير أن تغضب أمريكا لذلك وان أظهرت احتجاجها، لكن هذا التمدد الإسرائيلي بعيد المدى على الساحة الخارجية لا يحقق لإسرائيل راحتها، طالما أن الشعوب من حولها تأبى وجودها، وترفض اغتصابها لأرض فلسطين، والامتناع عن التعامل مع كل صهيوني حتى لو قبله بعض الحكام وأجازوه، ولذا فان إسرائيل تحاول وتحاول أن تكسر طوق العزلة المضروب عليها من الشعوب التي حولها بالاشتراك في كل مؤتمر شعبي يعقد في أي مكان ويجتمع فيه مندوبون عرب، وتحاول الالتفاف على البلاد العربية بإقامة تحالفات مع تركيا، أو بالتدخل في رسم سياسة بعض الدول الإفريقية كإريتريا وإثيوبيا وغيرها، أو بمحاولة مد الوصال الشعبي مع بلاد عربية بعيدة عنها كالمغرب واليمن وعمان، وقطر وغير هؤلاء، لعل ذلك يفيد في كسر طوق العزلة .. ورغم أن معاهدة التطبيع بين مصر وإسرائيل قارب عمرها الزمني ربع قرن، فإن هذه المعاهدة وما تبعها من معاهدات أخرى مع بلاد عربية أخرى، لم تقرب هدف إسرائيل من التطبيع مع الشعوب قيد أنملة، بل أن الشعوب لتزداد وعيا لقضية فلسطين والقدس، وتزداد – بالتالي – رفضاً لإسرائيل، وضيقا بمخططاتها، واستمرارا في كشف ألاعيبها وشدة في الامتناع عن التعامل معها، رغم بعض التيسيرات أو قل الإغراءات المادية التي تعود على المطبعين في العالم العربي، الذين يجتمعون مع الإسرائيليين في "كوبنهاجن" وغيرها ليعودوا إلى بلادهم حاملين أفكار التطبيع وطريقته، مبررين لترويجه بين جماهير الأمة العربية، جاعلين من أنفسهم روادا بين الشعوب التي ينتمون إليها وبين إسرائيل، دون أن يفوضهم أحد في ذلك أو يندبهم أحد لهذه المهمة المشبوهة، اللهم أن تكون إسرائيل هي التي تحركهم وتدعمهم، وتحمل عبء نفقاتهم، وتفتح لهم أبوابها متى شاءوا – كما حدث مع عدد من هؤلاء، الذين يعملون على محو هوية الأمة، ومنهم مثقفون وكتاب وصحفيون وسياسيون كذلك، حيث ذهبوا إلى إسرائيل علانية وسط هدف إسرائيل الأساسي، لتضرب عصفورين بحجر واحد، فتكشف أن من بين المثقفين العرب من يزورها، ويشجع التطبيع معها ويؤيد ذلك ويدعو إليه بالقول والفعل، وفي نفس الوقت تخلق جوا من ضعف ثقة الشعوب بنفسها؛ لأن أمثال هؤلاء (اللامعين) حين يزورون إسرائيل يضعون في أذهان الشعوب أن موقفها الرافض للتطبيع غير صحيح، مما يخلق جوا من الاضطراب وعدم الثبات على هذا الموقف، أو هذا ما تريده إسرائيل منهم – على الأقل- في المرحلة الراهنة.

وتعتبرهم بذلك قد أدوا إليها الخدمات المطلوبة التي يستحقون عليها أجرا تدفعه بلادهم في صورة ترقيات أو مناصب إضافية، أو فتح الأبواب أمامهم ليتصلوا بالجماهير من أوسع الأبواب الإعلامية، أو غير ذلك مما يعرفه دعاة التطبيع الشعبي الذين يحاولون – في بعض البلاد – أن يتجاوزا ويسبقوا التطبيع الحكومي؛ لان هذه الحكومات التي تعاملت مباشرة مع إسرائيل أدركت مدى المعاناة والإرهاق اللذين تنوء بهما أكتاف الذين يتعاملون مع إسرائيل، فكم من معاهدة أعلنت قبولها، ثم رفضت بنودها ابتداء من اوسلو ومدريد حتى واي ريفر، وشرم الشيخ، وكم أعلنت عن ارض ستسلمها (للسلطة)، ثم لم تفعل، وكم مرة أعلنت أنها ستوقف المستوطنات، ثم توسعت في القديم منها ووضعت الأساس لمستوطنات جديدة، وكم من مؤامرة ضبطت بعد أن قام بها الموساد في البلاد التي قبلت التطبيع، وكم من جاسوس إسرائيلي قبض عليه بعد التطبيع، وكم من وباء (الإيدز وغيره) حاولوا نشره، وكم من بذور تسمم التربة باعوها، من اجل هذا الذي تعرف الشعوب بعضه ويخفى عنها أكثره – تسير خطوات التطبيع الحكومي ببطء شديد، وسواء أبطأت الحكومات أو سارعت في ذلك، فإن حائط صد التطبيع الشعبي ينبغي ترميمه وتقويته، وهو واجب كل مفكر، وكل صاحب قلم حر، وكل وطني غيور يأبى لوطنه الذلة، ويأبى لشعبه الهون، ويأبى أن تستطيل قامة إسرائيل القصيرة بالباطل والزور.

التوطين:

إذا كان هذا شأن التطبيع فإن شأن التوطين مختلف؛ لأن التطبيع خاص بالبلاد العربية، والتوطين ليس قاصرا على البلاد العربية أو الإسلامية، بل انه يتعدى ذلك إلى البلاد الأخرى التي توجد فيها جاليات فلسطينية مثل : أمريكا وكندا، واستراليا ونيوزيلندا والدول الاسكندنافية، وغيرها من دول العالم التي يعيش فوقها بعض فلسطيني الشتات، ولعل ما أعلنه رئيس وزراء كندا في زيارته منذ اشهر لدول شرق البحر المتوسط من أن كندا على استعداد لإعطاء خمسة عشر ألف فلسطيني حق التوطين في بلاده، لعل هذا دليل على أن التوطين ليس شأنا عربيا ولا إسلاميا فقط بل هو شأن دولي عالمي تتدخل فيه الدول الأخرى لتحقق لإسرائيل هدفها بالقضاء على إسقاط مطلب وطني وإنساني، لا ينكره احد على الفلسطينيين الذين من حقهم العودة إلى وطنهم، والذين لهم حق المطالبة بذلك من غير نكير، والتوطين كذلك مخالف للتطبيع، لأن التطبيع يتجاوز الفلسطينيين إلى غيرهم من العرب، والتوطين يقتصر على الفلسطينيين –وحدهم- الذين إذا انفردت بهم إسرائيل يمكنها أن تفعل ما تشاء .. ثم يكون دور البلاد العربية الأخرى التي يراد توطين الفلسطينيين فيها، وفي مقدمتها العراق ولبنان قابلا للضغوط عليه، والتسليم به بصورة أو بأخرى مع استخدام الترغيب والترهيب.

التوطين في لبنان:

لم يكن الفلسطينيون المهجرون من ديارهم سنة 1948 م وما بعدها إلى لبنان وغيرها من البلاد العربية يفكرون في الإقامة بعيدا عن وطنهم، أو اختيار أوطان أخرى بديلة عنه، وكانوا يعتقدون أنهم –عما قريب- عائدون إلى ديارهم وبيوتهم ومزارعهم وأملاكهم، التي احتفظوا بوثائق ملكيتهم لها، وجاءت الانقلابات العسكرية في البلاد الواقعة في شمال وجنوب فلسطين لتؤكد عودة اللاجئين إلى ديارهم، بعد أن يتغلب أصحاب الانقلابات على الجيش الإسرائيلي في المواقع الحربية التي سيقوم بها هؤلاء الحكام الجدد ضد إسرائيل، مما جعل المهجرين يزدادون تمسكا بالعودة، ويعيشون على أمل أنهم –ذات يوم- سيعودون إلى ديارهم، وأكدت جامعة الدول العربية هذا المعنى حين قررت انه ليس من حق بلد عربي إعطاء جنسيته لأي فلسطيني، أو منحه جواز سفر، وكل ما هو مسموح به هو إعطاء وثائق لهؤلاء الفلسطينيين، فصارت هناك وثائق مصر ية ووثائق سورية وغيرها، ولم يشذ على هذا النظام إلا الأردن الذي منح بعض الفلسطينيين الجنسية، وأعطاهم جوازات سفر من غير أن يمزجهم مزجا تاما مع الأردنيين بحيث يكونون معروفين مميزين، للتعامل معهم –عند الضرورة- بناء على هذه التفرقة..

وإذا كان الفلسطينيون في غير لبنان قد عاشوا في المدن الكبرى، فإنهم في لبنان تجمعوا في مخيمات منتشرة فوق الأرض اللبنانية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وتعددت هذه المخيمات حتى بلغت تسعة – تجمع في أحشائها ما يزيد على 350 ألف فلسطيني يعيشون في ظروف اقل ما يمكن أن يقال فيها: أنها ليست ميسرة ورغم صعوبة المعيشة فإن الفلسطينيين هناك يرفضون فكرة التوطين، كما يرفضها كذاك –وبقوة- اللبنانيون، وعلينا أن نتفهم جيدا مشاعر هذين الفريقين –اللبنانيين والفلسطينيين- والتجارب القاسية التي مرت بهم عبر السنين، لكي نفهم لماذا يرفض كلاهما معا فكرة "التوطين" وينتابهما إزاءها ما يشبه الرعب.

ونحن هنا نتذكر أن الشرارة التي أوقدت الحرب الأهلية اللبنانية في 13 إبريل عام 1975 ، كانت "شرارة فلسطينية" إذا صح التعبير، ففي ذلك اليوم وقع حادث " عين الرمانة" الشهير عندما كانت سيارة أتوبيس تقل مجموعة من الفلسطينيين العائدين من احتفال أقيم يوم عطلة الأحد بمخيم "تل الزعتر" شرقي بيروت، وحدث أن سلكت السيارة طريقا يمر بهذا الحي "عين الرمانة" الذي تقطنه أغلبية مارونية وتسيطر عليه مليشيات حزب الكتائب اللبناني، وفجأة تعرض ركاب سيارة الأتوبيس الفلسطينيين لإطلاق نار كانت نتيجته مقتل 26 شخصا وإصابة 29 آخرين.

منذ ذلك اليوم انطلقت شياطين الحرب الأهلية من عقالها في لبنان، ولم تفلح الجهود والوساطات والمساعي الخيرة في السيطرة عليها إلا بعد ما يقرب من 15 عاما، وطوال هذه السنوات ظلت الشكوك المتبادلة تتحكم في الجانبين على نحو تتعذر معالجته، وخاصة أن أطرافا خارجية عديدة كان من مصلحتها أن "تغذي" هذه الشكوك لكي تستمر الحرب .. كما أن ذكريات كل جانب عن ممارسات وسلوكيات الجانب الآخر –قبل الحرب وأثنائها – ظلت ماثلة طول الوقت، وتشكل عائقا أمام أي حل يطرح على الساحة.

(انظر الدراسة القيمة التي كتبها الأستاذ/محمود احمد تحت عنوان: لبنان وخطر التوطين ونشرتها وجهات نظر – العدد الخامس عشر، إبريل سنة 2000م).

ولسوف تظل هذه الشكوك السائدة تغذي موقف الطرفين (اللبناني والفلسطيني) خاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، حيث تتوجه اهتمامات الطوائف اللبنانية المتعددة نحو الفلسطينيين هناك، وقد تغذي أطراف خارجية بعض الحزازات بعد أن تزج بالطرف الفلسطيني في وسطها، نتيجة عمل مدبر، أو تصرف غير مسئول من بعض الناس، الذين يمكن أن يحدث منهم ذلك، تحت وطأة ظروف سياسية ومعيشية صعبة، وخاصة حين يشعر الفلسطينيون هناك أن اللبنانيين يكنون لهم العداء، وان السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة قد تخلت عنهم فعلاً لا قولاً، حيث يعلن ممثلو السلطة إصرارهم على التمسك بالقرار "194" وفي نفس الوقت يبدو فعلهم بعيدا عن ذلك تماما، وهذا ما يؤكده الباحث سلمان أبو ستة بقوله: "أنه أثناء زيارة قام وفد فلسطيني لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ألمح الوفد إلى ما يفيد عدم الإصرار على حق العودة، وأبدى الوفد موقفا مماثلا عندما قام بزيارة إلى كل من : رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ، والرئيس الفرنسي جاك شيراك ، كما ينقل أبو ستة عن صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك قد حصل على موافقة الرئيس ياسر عرفات على عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم مقابل عودة بعضهم إلى الضفة الغربية وغزة – بشرط موافقة إسرائيل على نوعهم وعددهم وتاريخ رجوعهم .

ويلاحظ الباحث الفلسطيني أنه لم تصدر عن السلطة الفلسطينية أية بيانات رسمية تنفى ما يتردد بهذا الشأن، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق مع باراك الذي أوردته "هاآرتس" بتفصيل دقيق ، كما يلاحظ – من ناحية أخرى – أن القضية تثير قلقاً يتفاقم باطراد في أوساط اللاجئين الفلسطينيين الذين يربو عددهم عن الخمسة ملايين، ويحذر أبو ستة من انه "حتى إذا حدثت معجزة واقر 99% من اللاجئين بالتنازل عن حقوقهم.. فسوف يبقى 1% منهم – أي نحو 50 ألف شخص – مستعدون للدفاع عن حقوقهم ... ولو بالقوة".

وهؤلاء اللاجئون موزعون على خمس مناطق تعمل فيها وكالة غوث اللاجئين هي: الضفة الغربية وغزة والأردن وسوريا ولبنان . (المصدر السابق)

وإذا لفظت لبنان هذه المجاميع، ولم توافق إسرائيل على انتقالهم أو أكثرهم إلى الضفة الغربية وغزة فإلى أين يذهبون؟ وما المشاكل التي يمكن أن تنجم عن ذلك؟

التوطين في العراق:

أغلب الظن أن شمال العراق يهيأ الآن لاستقبال اللاجئين الذين يعيشون في لبنان، حيث يتخلصون من حالة التضييق المعيشي، ومن الملاحقات الأمنية، ومن حالة الريبة والشكوك والاتهامات التي توجه لهم من هذه الطائفة أو من تلك، ويبدو أن التفاهم العالمي لدقة الموقف اللبناني تجعله يوافق أو يساعد على نقل هذه الإعداد الفلسطينية الذين لم توفق أوضاعهم في بلاد أخرى لتوطينهم في جنوب العراق، خاصة وان ظروف العراق التي صنعها النظام القائم هناك بعد اعتدائه على الكويت ، وفرض الحصار الدولي عليه، ومراقبة تسليحه، وغير ذلك من الإجراءات التي تؤثر على حياة الشعب العراقي، تجعل هذا النظام يقبل توطين هذه الإعداد تحت حجج كثيرة يمكن تسويقها إعلاميا بوسائل كثيرة، مقابل رفع الإجراءات التي اتخذت ضده من قبل النظام العالمي الجديد، وتساعد في تلميع صورته الباهتة، داخل العراق بحجة انه حقق على أعدائه نصرا مبينا، وقد تفتح أمامه باب المصالحات العربية، التي بدأت الآن تحث خطاها نحو بغداد، ويعطي الفلسطينيون (العائدون) إلى العراق مليارات الدولارات تعويضا لهم عما فقدوه في فلسطين من غير أن يدفع اليهود بنسا واحدا؛ لان الدول الأخرى –وفي مقدمتها دول البترول- هي التي ستتحمل هذه النفقات، فيفوز اليهود بالأرض والمياه، وراحة البال، حيث لا يطالبهم احد بشيء، وتتفتح أمامهم مغاليق العواصم العربية ليدخلوا منها بقوة المال والاقتصاد، وهذا ما ألمح إليه ملك المغرب السابق إذ قال أن تقدم منطقة الشرق الأوسط مرهون بشيئين: العقل اليهودي والمال العربي، فإن اجتمعا معا استطاعا تحقيق النهوض والتفوق.

وأين المال العربي؟ إن مكانه معروف وتبرير أخذه ميسور، وإذا صح هذا التصور الذي ظهرت بعض بوادره فإن هناك –إذن- تغييرا قد طرأ على السيناريو القديم الذي نشرته مجلة الأسبوع العربي (العدد 2043) سنة 1998 م التي قالت: أن هناك تقريرا أمريكيا ينص على توطين قرابة خمسة ملايين فلسطيني ليس في الدول العربية فحسب، بل وفي دول أوروبية والولايات المتحدة، ويشير التقرير الخطير إلى وجود خمسة ملايين و 257 ألف لاجيء، يجري الإعداد لتوطينهم من بين 6.7 مليون لاجيء، ووفق التقرير فإن الأردن مطالب باستيعاب 168 ألف لاجيء إضافة إلى اللاجئين المقيمين والذين يؤكد أن عددهم يصل إلى 1.8 مليون لاجيء، وان البرنامج اللازم لتوطين هذا العدد يستمر حتى عام 2005م، أما سوريا فإنه يتوجب عليها وفق المخطط الأمريكي، أن ترفع عدد اللاجئين عندها إلى 400 ألف لاجيء بزيادة 75 ألف لاجيء جديد، وسيكون لبنان مضطرا للاحتفاظ بـ (750 ألف لاجيء) يوجد منهم حاليا قرابة 700 ألف لاجيء (على حد ما جاء في التقرير).

ويقول التقرير انه سيتم فرض إعادة 75 ألف لاجيء فلسطيني إلى إسرائيل، شريطة أن يثبت هؤلاء أنهم سكنوا فلسطين قبل حرب 1948 م، واقترح التقرير أن يتم توزيع حوالي نصف مليون لاجيء على بعض الدول العربية مثل: العراق ومصر والمغرب وغيرها ليصل إجمالي العدد في هذه لدول إلى قرابة المليون لاجيء وبالنسبة إلى الدول الأوروبية وأمريكا، فستكون حصتها 90 ألفا، بحيث يتجاوز العدد الكلي للاجئين فيها النصف مليون لاجيء، و يشتمل التقرير على معلومات غاية في الأهمية، حول عملية التوزيع السكاني في الضفة، ونقل اللاجئين والنازحين من قطاع غزة إلى الضفة من اجل رفع عدد سكان الضفة الغربية إلى 2.4 مليون فلسطيني بدلا من نصف مليون.

ويبدو أن هذا التقرير الذي نشرته المجلة المذكورة كان هدفه تسريب بعض المعلومات لمعرفة رد الفعل المتوقع، ولم يكن يعبر عن الحقيقة التي تقول: " أن الفلسطينيين في لبنان مرشحون (بقوة) للانتقال إلى شمال العراق، وان العراق له المكانة الأولى في عملية التوطين، وان دول الخليج عليها العبء الأكبر في عملية التمويل".

ولعل الوثائق التي صدرت عن مؤتمر "القمة الأول لشباب الشرق الأوسط" الذي عقد في سويسرا في مايو عام 1998 م وضم 75 فتى وفتاة من إسرائيل ومصر وفلسطين والأردن والولايات المتحدة، بإشراف إسرائيل والولايات المتحدة، لعل هذه الوثائق تكشف عن خيارات المستقبل أمام الفلسطينيين المهجرين، تقول الوثيقة (كما ذكر الأستاذ/ فهمي هويدي) : هناك مشكلة اسمها مشكلة اللاجئين، ولابد من حلها لأسباب "إنسانية"، وعلى المجتمع الدولي في المقام الأول أن يجد لها حلولا: "نحث المجتمع الدولي أن يعترف بالتزاماته تجاه الإنسانية (لاحظ أن إسرائيل هي التي ارتكبت الجريمة)، لابد من مواجهة مشكلة اللاجئين هذه .." كيف؟

"اعترافا بإرادة المجتمع الدولي في توفير ظروف معيشية مناسبة لأولئك الذين يسكنون حاليا في مخيمات اللاجئين، نقترح إلغاء وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (اونروا)، والدعوة إلى إنشاء لجنة متعددة الجنسية للتنمية الفلسطينية تشرف على تفكيك مخيمات اللاجئين، وتطوير تسهيلات تمكن من استيعاب هؤلاء الفلسطينيين وتوطينهم في مجتمعات"

تطرح الوثيقة بعد ذلك إمكانية إعطاء جنسية الدولة الفلسطينية للاجئين (أي إمكانية حشر ما يقرب من 7 ملايين فلسطيني في خمس ارض فلسطين التاريخية)، وضرورة حث الدول المضيفة حيث مخيمات اللاجئين على توطين كل من يرغب في ذلك، وتكافئ اللجنة متعددة الجنسية هؤلاء المواطنين الجدد بالمساعدات المالية، لتمكنهم من تحقيق الاستقرار الاقتصادي. أما الدول المضيفة فلها أيضا مكافأة تقدمها اللجنة المذكورة بمساعدة اقتصادية وإسقاط بعض ديونها.. الخ

وسوف تحصل كل عائلة من عائلات اللاجئين ساعة مغادرتها للمخيم على مبلغ من المال .. يمكنها من بداية حياة جديدة.

إسرائيل .. ما موقعها من كل ذلك؟

"برغم معرفتنا من ناحية المبدأ أن لكل الفلسطينيين الحق في العودة إلى ديارهم، سواء في فلسطين أو إسرائيل فقد اتفقنا، من الناحية العملية، أن تنفيذ هذا الحق في إسرائيل ليس عمليا وغير ممكن؛ لان إسرائيل أنشئت كالدولة اليهودية الوحيدة، ومن هنا فلها الحق في الحفاظ على شخصيتها اليهودية، والأغلبية اليهودية بالشكل الذي تراه مناسبا، نعرف أن لإسرائيل احتياجات أمنية خاصة".

ويمكن –تقول الوثيقة- أن يسمح لشريحة من الفلسطينيين بتقديم طلب العودة إلى إسرائيل بعد خمس سنوات من إنشاء الدولة الفلسطينية، ولابد لمن يقدم الطلب – ليس لقبول الطلب بل لمجرد صلاحيته للفحص – أن تكون قريته مازالت قائمة – لا تنس أن إسرائيل هدمت 418 قرية ومسحتها من الوجود- وما زالت عائلته – ليس العائلة الممتدة بل أهله المباشرون – تقيم بالقرية.

وان يكون صاحب الطلب على استعداد للتنازل عن الجنسية التي يحملها ليصبح مواطنا إسرائيليا.

وألا يكون قد شارك في أية أعمال غير قانونية، ولا يشكل تهديدا لدولة إسرائيل. والمدة المقررة لتقديم هذه الطلبات في ظل قانون "لم الشمل" تسع سنوات ولإسرائيل كما هو الحال بالنسبة لكل دولة ذات سيادة حق القول الفصل في عدد من تقبل عودتهم، وأي منهم تقبل أو ترفض، ومن يرفض طلبه رغم استكماله للشروط فستعطيه اللجنة الدولية مبلغا إضافيا من المال".

الوثيقة البائسة التي هي إملاء إسرائيلي صريح، والنتاج المرجو لبذور السلام المزعومة، لم تشر بكلمة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 1948 الذي ينص على ضرورة عودة اللاجئين وتعويضهم، ولم تشر بكلمة إلى قانون "العودة" الإسرائيلي الذي يمنح كل يهودي في العالم حق الاستيطان في فلسطين، بينما يحرم أبناء البلد من العودة إلى ديارهم.

ونعود فنتساءل: هل للدول العربية أو الإسلامية موقف مما يجري في هذا السبيل؟ أو أن الأمر سيسير على طريقة اللاءات، التي انتصبت قائمة في مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة عام 1967 م ثم صارت الآن (نعمات) منبطحات مبعثرات؟

كيف يربي اليهود أطفالهم؟

  • تدعيم الإحساس بالاضطهاد: والتأكيد على أن اليهود عانوا من الاضطهاد في كل زمان ومكان، وان هذا الاضطهاد و بالبعد التاريخي والجغرافي والكمي والكيفي لهو من الضخامة والشراسة بحيث لا يمكن أن يعادله أي اضطهاد لأي جنس آخر في العالم.
  • إحياء الذاكرة بالاضطهاد اليهودي: لإبقاء الوعي في حالة تذكر دائم كنقطة استقطاب للمشاعر الوطنية، حتى يتعمق لدى الطفل اليهودي الإحساس الدائم بالخطر.
  • بث الحقد والكراهية: وهو مرتكز طبيعي نتيجة للإلحاح على الفكر والعقل اليهودي بأنه على خطر دائم ومضطهد وكل العالم يكرهه، فلابد من تبادل الكراهية والشك والريبة والتعامل مع الآخرين من منظور عدائي بحت.
  • تكريس العنف والعدوان: والتربية على الاستعداد لمواجهة الحروب من اجل تأمين الوجود اليهودي، فلا خيار سوى القتال، وبذلك تم إعداد الأطفال للتجنيد الإلزامي فيما بعد.
  • تثبيت الادعاء بأحقيتهم بفلسطين: حيث تؤكد جميع الأجهزة القائمة على ثقافة الأطفال في إسرائيل أن ارض "إسرائيل" ارث لليهود من قديم الزمان، وان لهم رموزا دينية وآثارا تاريخية.
  • بث قيمة حب الوطن: وضرورة الولاء له باعتباره الملاذ الآمن من الاضطهاد، والبيئة التي يستطيعون فيها ممارسة الحياة الدينية واليهودية الكاملة بشرائعها وطقوسها.
  • تنمية الوعي بالتضامن والمصير المشترك: دعما لحقوق الشعب اليهودي الواحد.
  • تدعيم الإحساس بالتفوق والبطولة: باعتبارهم شعب الله المختار، والتركيز على بث قيم الشجاعة والإقدام والقوة والثقة والذكاء والعناد والتصميم
  • التأكيد على تعليم اللغة العبرية: فهي ركيزة أساسية لإقامة المشروع الصهيوني على ارض فلسطين لتكون وعاء لدمج المهاجرين الجدد، ولغة تفاهم بين اليهود القادمين من شتى أقطار الأرض، وخلق الوحدة الفكرية والثقافية داخل المجتمع الإسرائيلي مع دعم ذلك بالتكنولوجيا والعلوم الحديثة.
  • تثبيت القيم الدينية: التي تتحول في إطار المفاهيم الصهيونية إلى قيم تعصبية وسياسية وقومية، وذلك من خلال قراءات انتقائية للتوراة تدعم سياستهم التوسعية بغطاء ديني مع التأكيد على مقولات : " الشعب المختار ونقاوة الجنس اليهودي" والروح العدوانية التي يستمدونها من التراث الديني اليهودي والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون.
  • تدعيم القيم الأخلاقية المنسجمة مع الرؤية الصهيونية بما فيها ليّ عنق الحقائق، وتزييف التاريخ لتحقيق أهدافهم حتى لو كانت بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة".
  • تأكيد الصورة السلبية للعرب: من خلال تشويه سمعتهم وتلطيخ صورتهم بكل الصفات السلبية لشحن الطفل بالعداء والكراهية والحقد لكل ما هو عربي، ونعت العربي بصفات وقوالب وأطر جاهزة من الجهل والتخلف والجبن والكذب والخيانة، والحماقة والاستيلاء على بيوت اليهود، وان العربي متوحش وسفاح ومتعطش للدماء وانه إرهابي وعدواني بطبعه
  • كل هذه المبادئ التربوية تجعل الأطفال اليهود يعيشون في داخل الجيتو الكبير المسمى "دولة إسرائيل" في حين للأسف العرب يحذفون الإشارات السلبية عن اليهود من برامجهم التعليمية والتثقيفية، بما في ذلك حذف أجزاء مقررة من القرآن الكريم والسنة النبوية، ودروس السيرة من المناهج التعليمية في مناهج التعليم المختلفة..

فحسبنا الله ونعم الوكيل..

نماذج من الإرهاب اليهودي

حركة كاخ:

في عام 1965 أسس اليهودي الإرهابي "مائير كاهانا" منظمة الدفاع اليهودية في الولايات المتحدة حيث مارست الإرهاب في الولايات المتحدة، وعاد "كاهانا" إلى فلسطين عام 1969 ثم أسس حركة "دوق" التي أصبحت حركة "كاخ" فيما بعد واستوطنوا المستوطنات، وتعتبر هذه الحركة من أكثر الحركات الإرهابية الصهيونية تطرفا وعنفا وفاشية، فهي تعتبر الوطن العربي على ضفتي نهر الأردن وحدة تاريخية وجغرافية لتحقيق إسرائيل الكبرى ودستورها التوراة، وتعتبر جبل الشيخ وقناة السويس والأردن: هي الحدود الآمنة للكيان الصهيوني، وهي تعتمد الإرهاب وبث الرعب لدفع السكان العرب على الرحيل لإقامة مستوطنات جديدة، من أبشع العمليات الإرهابية التي قامت بها الحركة "مجزرة الحرم الإبراهيمي" عام 1994م حيث قام الضابط الإسرائيلي باروخ غولدشتاين، والمتحدث الرسمي باسم الحركة في نيويورك بإطلاق الرصاص على المصلين داخل الحرم الإبراهيمي في صلاة فجر الجمعة 15 من رمضان عام 1414هـ حيث قتل أكثر من خمسين مصليا، وقد قتل الإرهابي كاهانا في نيويورك عام 1990 ، وقد انشقت من بعد الحركة إلى جناحين.

حركة جويش ايمونيم:

بعد حرب 1973 تأسست هذه الحركة عام 1974 لتحسين المعنويات القومية لليهود بعد الهزيمة، وقد أسسها مجموعة من اليهود الذين استوطنوا في الضفة الغربية منذ عام 1968 بزعامة الحاخام "موشيه ليفنجر" والزعيم الروحي لهذه الحركة هو الحاخام "تسفي يهودكوك" –رئيس الاكادمية اليهودية في القدس- وابرز ما في تعليمات الحركة أن هذه البلاد (فلسطين) كلها ملك لهم وغير قابلة للتسليم، مع ضرورة إقامة المستوطنات في كافة الأراضي العربية المحتلة، ومصادرة الأراضي وتهجير العرب، كما عارضت الحركة اتفاقات مدريد واوسلو التي لم تكن في نظرهم سوى جدار بين بشر يهود وقطيع من الذئاب المتوحشة العرب ووصفت حكومة رابين التي وقعت على اتفاقية اوسلو بأنها حكومة متعفنة روحيا، وبينما تعترف حركة كاخ بشرعية الدولة اليهودية فإن حركة ايمونيم لا تعترف بهذه الشرعية؛ لأنها ليست يهودية خالصة.

حركة الاستيلاء على المسجد الأقصى:

حركة لا تهتم بغير تدمير المسجد الأقصى، من اجل بناء ما تسميه "الهيكل الثالث لليهود" وشعارها لا معنى لإسرائيل من غير القدس، ولا معنى للقدس من غير الهيكل، وقد نظمت الحركة عدة حملات بغرض هدم المسجد الأقصى، ويتزعم تلك الحركة الإرهابي "ليفنجر" الذي يسعى لتهويد الخليل، وإعادة الحرم الإبراهيمي لليهود.

حركة تسوميت:

حركة صهيونية فاشية بقيادة "رفائيل ايتان" –رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق – وتعارض تلك الحركة الإرهابية التسوية السلمية بشدة، وتدعو إلى استخدام القوة لطرد العرب من فلسطين مع ضرورة القضاء على الحركة الإسلامية.

حركة الحشمونيين:

وهي مجموعة إرهابية فاشية تسعى للسيطرة على بيت المقدس، وطرد العرب منه ومن جميع الأراضي المحتلة، وقد تم التعرف على هذه الحركة بعد ضبط مجموعة سرية تابعة لها قامت بوضع عبوات لنسف قبة الصخرة المشرفة في عام 1982 م، كما قامت الحركة بزرع عدد من القنابل الموقوتة في المساجد والأديرة والكنائس في القدس.

حركة أمناء جبل البيت:

هذه الحركة يتزعمها الحاخام المتطرف "حرشون سلومون" تعمل للاستيلاء على المسجد الأقصى بأي ثمن وبأي وسيلة لبناء الهيكل الثالث مكانه.

حركة هتحيا:

أكثر الحركات اليهودية فاشية وعنصرية، وقد تم تأسيسها عام 1979م، احتجاجا على اتفاقية "كامب ديفيد" وتعاونت مع حركة الإرهابي "كاهانا" وتتسم الحركة بشدة عدائها وكراهيتها للعرب والمسلمين، ولهم فتوى تبيح قتل المدنيين والعزل بمن فيهم النساء والأطفال والشيوخ، وبمقتضى هذه الحركة قتل المستوطنون من أتباع الحركة الكثير من النساء والأطفال الأبرياء.

حركة موليديت:

حركة صهيونية متطرفة تهدف إلى الطرد الجماعي للعرب عن طريق تحويل حياتهم إلى جحيم، فلا يتمكنون من مواصلة الحياة، ومن هنا جاء إصرار الحركة على أن تكون فلسطين ارض الميعاد والتوراة خالصة لهم من دون الناس جميعا.

حركة تسل:

منظمة إرهابية يهودية، وهي أقدم حركة يهودية، وتؤمن بالعنف ضد العرب وشعارها "إسرائيل هي مركز وقاعدة كل شيء يهودي على وجه الأرض"، ومن اشهر عملياتها تفجير "فندق الملك داود" عام 1946م.

وتعتبر تلك المنظمات الإرهابية والتي مارست الإرهاب بشكل لم يسبق له مثيل على مر التاريخ بؤر لجمع اليهود من كل الفئات، وخاصة أن هذه الحركات تحظى بدعم السلطة، وفيها أعضاء من الكنيست أو رجال الدين أو الوزراء السابقين أو العسكريين..

فلماذا لا يتحدث احد عن الإرهاب اليهودي؟

السجل اليهودي الأسود

31/12/1947 : مذبحة بلدة الشيخ: اقتحمت عصابات الهاجاناه قرية بلدة الشيخ وقتلت 600 رجل وطفل وامرأة.

15/2/1948 : مذبحة قرية سعسع/ الخليل : نسف الصهاينة 20 منزلا على من فيها من الأطفال والنساء.

31/3/1948 : مذبحة قرية أبو كبير: هجوم مسلح قامت به عصابات الهاجاناه ضد الأهالي المدنيين.

10/4/1948 : مذبحة دير ياسين: استمرت أكثر من 12 ساعة تم فيها تصفية كل السكان حيث بلغوا 360 شهيدا، وشاركت في تلك المذبحة فتيات إسرائيليات، وقد عاب "بيغن" في مذكراته كل الزعماء اليهود الذين تبرءوا من المذبحة واعتبرها فخرا له، حيث بقى بعد المذبحة من اصل 800 ألف عربي فقط 165 ألفا، واعتبر اليهود أنه لولا مذبحة دير ياسين لما كان ممكنا أن تظهر إسرائيل إلى الوجود.

14/5/1948 : مذبحة قرية أبو شونة: راح ضحيتها50 شهيدا، ضربت رؤوسهم بالبلطات.

11/7/1948 : مذبحة اللد: وحدة كوماندوز بقيادة الإرهابي "موشيه دايان" اقتحمت القرية ثم اقتحمت مسجد القرية وقتلت داخله 176 مدنيا فارتفع عدد الشهداء إلى 426 شهيدا.

30/10/1948 : مذبحة قرية عيلبون: "القوات الإسرائيلية" تطلق النار عشوائيا على الأهالي

31/10/1953 : مذبحة دير الأسد: وصفها احد مراقبي الأمم المتحدة بأنها "قتل وحشي".

14/10/1953 : مذبحة قرية قبية: استمرت المذبحة منذ الليل، وحتى الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي، وقد حاصر 600 جندي يهودي القرية، وكانت النتيجة 56 منزلا مدمرا واستشهد 67 شهيدا.

10/10/1956 : مذبحة قلقيلية: هاجم الجيش الصهيوني وقطعان المستوطنين القرية وراح 70 شهيدا ضحية هذه المجزرة

29/10/1956 :مذبحة كفر قاسم: راح ضحيتها 49 مدنيا بعد إعلان حظر التجول

3/11/1956 : مذبحة خان يونس : راح ضحية هذه المذبحة 250 فلسطينيا من مخيم خان يونس وبعد المجزرة بتسعة أيام نفذ اليهود مجزرة أخرى راح ضحيتها 275 شهيدا، بالإضافة إلى أكثر من 100 فلسطيني من سكان مخيم رفح.

18/9/1982 : مذبحة صبرا وشاتيلا: وقتل فيها 3500 مدني فلسطيني ولبناني معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وقد استمرت المذبحة 3 أيام وكان شعار المذبحة "بدون عواطف، الله يرحمه" واعتبر بيغن – تعقيبا على المذبحة – الفلسطينيين بأنهم حيوانات تسير على ساقين، وقد كانت تفاصيل المجزرة والتواطؤ الذي حصل يصيب العقل بالذهول نظرا لبشاعة المجزرة وروايات الناجين منها.

20/5/1990 : مذبحة عيون قارة: "جندي إسرائيلي" يفتح النار على عمال فلسطينيين فيقتل منهم 7 بلا سبب!

8/10/1990 : مذبحة المسجد الأقصى: عندما تصدى المسلمون لجماعة "أمناء جبل الهيكل" التي حاولت وضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في ساحة الحرم القدسي، تدخل الجيش الإسرائيلي وفتح النار على جميع الفلسطينيين داخل الحرم القدسي، فقتل 21 وجرح 150 واعتقل 210 شخص

25/2/1994: الإرهابي "باروخ غولدشتاين" ومجموعة من المستوطنين يقتحمون الحرم الإبراهيمي في صلاة الفجر، ويفتحون النار على المصلين وهم ساجدين فقتلوا 50 شهيدا غير مئات المصابين

18/4/1996 : مروحيات ومدفعية الصهاينة يقصفون ملجأ قرية قانا مما أدى إلى استشهاد 160 مدنيا، وقد أكد التقرير المحايد أن الإسرائيليين تعمدوا قصف المدنيين بلا سبب مقنع

27/9/1996 : مذبحة النفق: استشهد 70 فلسطينيا برصاص اليهود وهم يدافعون عن الأقصى بعد قرار حكومة العدو بفتح نفق تحت الأقصى

تشرين/أكتوبر 2000: عشرات القتلى ومئات الجرحى بعد زيارة شارون الاستفزازية للحرم القدسي

فتاوى

فتوى علماء فلسطين الصادرة عن مؤتمر علماء فلسطين الأول المنعقد في القدس في 26 من كانون ثان/يناير 1935، في حرمة بيع الأراضي لليهود، وقد وقع على هذه الفتوى ما يقارب 250 من العلماء والقضاة والأئمة والخطباء من سائر أنحاء فلسطين، وعلى رأسهم مفتي القدس الشيخ/ محمد أمين الحسيني.

نداء علماء الجامع الأزهر الشريف بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية المسجد الأقصى في عام 1947 ، وكان ذلك اثر صدور قرار التقسيم، وقد وقع على هذه الفتوى مشايخ الأزهر وأعضاء جماعة كبار العلماء يتقدمهم الشيخ/ محمد مأمون - شيخ الجامع الأزهر، والشيخ/محمد حسنين مخلوف – مفتي الديار المصر ية.

فتوى من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف بتحريم الصلح مع الكيان الإسرائيلي، ووجوب الجهاد في عام 1956 ، وكانت بشأن ما يجب على المسلمين نحو قضية فلسطين، والموقف الإسلامي من "الصلح مع إسرائيل".

فتوى علماء المؤتمر الدولي الإسلامي في باكستان في عام 1968 بعدم جواز صلح المسلمين لليهود المعتدين، مع ضرورة أن يقوم المسلمون بواجب الجهاد، وقد وقع هذه الفتوى مجموعة من علماء باكستان الأجلاء يتقدمهم الشيخ/ أبو الأعلى المودودي – رئيس الجماعة الإسلامية – (رحمه الله).

وهناك فتاوى أخرى كثيرة جماعية وفردية منها: فتوى الشيخ/ محمد شعيب رضا الذي أفتى بأن "من يبيع شيئا من ارض فلسطين وما حولها لليهود فهو كمن باع المسجد الأقصى" وفتوى علماء نجد في تموز/ يوليو 1937، وفتوى علماء العراق في تموز/يوليو 1937، وفتوى لجنة الفتوى في الأزهر الشريف سنة 1979.

هذا تسامحنا

العهد العمري

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر أهل إيليا من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريها وسائر ملتها ولا يضار احد منهم ولا يسكن بإيليا احد من اليهود، وعلى أهل إيليا أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية، ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعتهم وصليبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وعلى صليبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أرضه، وانه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا عهد الله تعالى وذمته وذمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذمة الخلفاء الراشدين وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.

شهد على ذلك :

خالد بن الوليد – عمرو بن العاص

عبد الرحمن بن عوف – معاوية بن سفيان

وهذا حقدهم !!

إلى مدير الأوقاف العام

.. ولقد تبين من أوساط إسرائيلية موثوق بها، وخاصة الشرطة أن لديكم معارضة إلى حد بعيد المدى لأداء الطقوس والشعائر الدينية للفئات اليهودية المتدينة في إسرائيل، فعلى غرار ذلك أصبحنا يتحدى بعضنا بعضا وعلنا وجها لوجه ومن يسلبه بالقوة هو الفائز، فنسقنا خطة لتفجير الأقصى ومسجد عمر بن الخطاب مع زعيم حركة غوش ايمونيم كهانا وأبناء جبل بيت الهيكل.

فلذلك نذكركم بضبط النفس وعدم المعارضة والسماح لنا بالصلاة مع المتدينين، وعدم اعتراض سبيل إصدار أمر من أوامر روابط القوى العسكرية مع الإدارة المدنية، نحذركم يوم الالتقاء المعين وهو يوم الأربعاء ليلا 30/3 إلى يوم السبت 23/4 للصلاة في المسجد الأقصى الذي تدعون انه أقصاكم وان اعترض سبيلنا احد سوف يدمر في ظرف نصف ساعة، فلكم التفكير والشورى (24) ساعة من بعد يوم الموعد المحدد من نسف أقصاكم، وذلك ليتسنى لكم اتخاذ موقف محايد مؤيد لنا. وإلا سوف نتخذ بعد نسف أقصاكم عدة إجراءات ضدكم وهي:

1- تنحيتكم عن ما يسمى بأوقاف القدس

2- إبعادكم إلى خارج إسرائيل

3- العقاب الجسدي ضدكم شخصيا

لقد اعذر من انذر. انتم تتحملون كافة النتائج.

زعماء روابط القرى – كهانا / أمناء جبل القدس / مندوبو كريات أربع

مؤامرة الحفريات

هدم اليهود حي المغاربة نهائيا بعد حرب حزيران يونيو 1967 مباشرة، وقد استمرت هذه الحفريات سنة كاملة ووصل عمقها إلى 14 مترا

حريق المسجد الأقصى عام 1969: وجرت الحرفيات على امتداد 80 مترا حول السور

ما بين عام 19701972: بدأ شق الأنفاق تحت المسجد الأقصى

1973 : اقتربت الحفريات من الجدار الغربي للمسجد الأقصى

1974 : توسعت الحفريات تحت الجدار الغربي

19751976 : أزال اليهود مقبرة للمسلمين تضم رفات الصحابيين عبادة بن الصامت وشداد بن أوس (رضي الله عنهما)

1977 : وصلت الحفريات إلى تحت مسجد النساء داخل المسجد الأقصى

حفريات جديدة قرب حائط البراق، وتم شق نفق واسع طويل

1986: الحفريات تنتشر في كل مكان، وتم إجلاء أعداد كبيرة من السكان من القدس القديمة

المرحلة الأخيرة والخطيرة تستهدف تفريغ الأتربة والصخور من تحت المسجد الأقصى ومسجد الصخرة وتعريضها للانهيار

24/9/1996 : سلطات الاحتلال تعيد فتح النفق الخطير عشية عيد الغفران اليهودي

تشرين أول/أكتوبر 2000: شارون يدنس حرمة المسجد الأقصى بزيارة استفزازية، انتفاضة شعب فلسطين تسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى

فماذا تنتظرون يا مسلمون ؟!

وما تخفي صدورهم أعظم !!

(الذي يتمشى أربعة اذرع في ارض إسرائيل على يقين من انه من أبناء الآخرة) "التلمود"

(إن فتح أبواب الشرق لليهود في فلسطين ليتوقف بالدرجة الأولى على تدمير الخلافة العثمانية) "هرتزل"

(نحن لا نخشى خطرا في المنطقة سوى الإسلام) "بن غوريون"

(إنني لن اطمئن على مستقبل معاهدة كامب ديفيد وملحقاتها مع مصر إلا بعد أن يتم القضاء على الحركات المتعصبة الإسلامية) "مناحيم بيغن"

(إننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاما) "صحيفة يدعوت احرنوت اليهودية"

(لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهرا سيفه) "شمعون بيريز"

نفس التاريخ

7 حزيران / يونيو عام 1099م: احتل الصليبون بيت المقدس

7 حزيران / يونيو عام 1967 م: احتل اليهود بيت المقدس

27 رجب/ (قبل الهجرة) : ذكرى الإسراء والمعراج

رجب / سنة 17هـ : عمر بن الخطاب يتسلم مفاتيح القدس

27 رجب / 1178م – 583 هـ : صلاح الدين الأيوبي يحرر بيت المقدس من الصليبيين

ورب صرخة تحيي امة

إلى الساهين اللاغين السامدين عما يحدث لامتهم، لا عظم الله أجر الأفاكين، بل تبوءوا من الذلة منزلا، ومن العار محلا أرذلا، وشكرا لدموع الساهين الغالية، التي تكلفوا على أنفسهم وذرفوها أمام شاشات المحطات التلفازية التي تحولت إلى حائط مبكى عربي، يعرض لقطات الألم والحزن، والقهر والدموع من القدس ما بين لقطة فيديو كليب ومسلسل مدبلج، فيردون التحية دموعا سحاء ساخنة ما بين وجبة طعام يلتهمونها، وحلوى يختمون بها..

يا لنا من امة عاجزة ذليلة، تجتر آلامها وجراحاتها، لا تمل من الافتخار بالماضي المشرق، ولا تستحي من جلد صلاح الدين في قبره كل يوم بموافقتها المخزية والخانعة، كيف لا وقد تملكها حب الدنيا وعمتها كراهية الموت فصغرت، وحقرت وذلت، بعد أن نكلت بالفئة المؤمنة، واعتقلت الجهاد، وصادرت أنفاس العباد، ومهدت لمنكر، وترصدت لمعروف، أمة هذا حالها لا يرتجى منها إصلاح .. ولا يأمل فيها فلاح ..

ورحم الله العامل بقول القائل:

ولا تك عالة في عنق جد

رميم العظم أو عبء على ابن

وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) يا لنا من امة تدعو ربها بالنصر، وقد سلمت قيادتها لمندوب سام بزي وطني ! وأباحت فكرها لمستشرق مارق في زي مفكر، وسلمت وسائل إعلامها لماخور في زي محطة إرسال، وشعوب لاهية غافلة، كل آمالها أن تتابع بطولات كرة القدم، وكل همها أن ترضي طغاتها ، الحلال ما احلوا والحرام ما حرموا، أصبح شعارها وجهادها صفيرا، شورتها الطبل، وجهادها الرقص، تختفي منها أسماء (يحيى عياش .. وعماد عقل .. ومحمود أبو هنّود) .. ويبقى في ذاكرتها .. بابل وجرش وقرطاج..!

مازالت هذه الأمة تدفع اليوم فاتورة "تحرير القدس عبر الكويت " حتى باعت شرفها وتاريخها وكرامتها .. ومازالت تسدد الديون ..

عقد كامل .. وقطار العذاب الذي أطلقه البعث العراقي من الكويت لم يتوقف .. يمر في مناطق ودول لا يربطنا بها إلا إصبع سبابة، ينطق بلا إله إلا الله وما نقموا منا إلا لإيماننا بالعزيز الحميد .

مناطق ودول تمر في مخيلتنا لم يبق منها في ذاكرتنا إلا ألم الذل والهوان والصغار .. تذكر الواهمين بعولمة الجشع والاستحمار .. وتؤكد القاعدة الأبدية أن الأمم المستعبدة تتحرر بمنطق القوة لا بمنطق القرار .. والشواهد كثيرة وفيرة، وصدق رسولنا (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: (وجعل رزقي تحت سيفي)، وصدق القائل عن السيف:

بسيفك يعلو الحق والحق اغلب وما السيف إلا آية الملك في الورى فأدب به القوم الطغاة فإنه




وينصر دين الله أيان تضرب وما النصر إلا للذي يتغلب لنعم المربي للطغاة المؤدب

و هاكم سدنة المجتمع الدولي يحلون ويحرمون كما يحلو لهم، وتلك لعمري قسمة ضيزى! فحلال على الجبل الأسود أن يتحرر، وحرام ذلك على البوسنة ! وحلال على كرواتيا أن تعلن دولة وحرام على كوسوفا، وحلال على تيمور أن تنفصل وحرام على الشيشان، وحلال على الهندوس أن يمارسوا الإرهاب وحرام على مسلمي كشمير أن يمارسوا الجهاد، وحلال على اليهود أن يحتلوا فلسطين وحرام على الفلسطينيين أن يرموا الحجارة .. معادلات كافرة لا تستحق الاحترام، وازدواجية مقيتة لا تستحق الالتزام، وديون متراكمة تستحق الانتقام، فكيف يمكن أن تجمع المتفرقات وتنسجم المتناقضات، ونفك طلاسم المفاوضات.

أتدافع أوهن الأمم عن نفسها ونغفل عن نفسنا؟ يا لله لأمة العنكبوت حاربت دون بيتها، ولم نحارب دون مقدساتنا (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) "العنكبوت :41" يا لله لأمة الدود، تدفع عن نفسها، وتضحي في سبيل غيرها، وقد تقاعسنا عن أن نضحي في سبيل ديننا ومقدساتنا:

كدودة القز ما تبنيه يهدمها

وغيرها بالذي تبنيه ينتفع

يا لله لأمتنا، ويا لله لخيبتنا ونكستنا، أفعندما يقدم اليهود مجرم مذبحة الحرم الإسرائيلي نقوم بإبعاد قادة حماس بعيدا عن فلسطين، وعندما يقوم اليهود بقصف مخيم قانا نقوم نحن بتقبيل يد أرملة الهالك رابين، وعندما يقوم اليهود بامتصاص الثروة المائية نقوم نحن بتزويدهم بالغاز، وعندما يصنفنا حاخامات اليهود بالأفاعي نصنفهم نحن بأنهم رسل سلام، وعندما يسعى ويخطط اليهود لهدم المسجد الأقصى نقوم نحن بالبناء في أبو ديس، وعندما يقوم اليهود ببناء المستوطنات نقوم نحن بمقاولة البناء، وعندما يعلن اليهود أن دولتهم دينية بالمقام الأول نقوم نحن ببناء كازينوهات القمار والميسر، وعندما يستبيح شارون حرمة الأقصى على جثث ودماء الشهداء نصفق نحن لوجود ورقة رابحة على طالة المفاوضات ؟!

يا لقومي وَيْحَكُم..

قد غدونا في الورا ..

كل يوم نتردى ..

وعدانا في الذرى..