الفشل الذريع والسقوط المريع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الفشل الذريع والسقوط المريع
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

هل يدري الفاشلُ بفشله، وهل يحس بخيبة أمله، أظن أنَّ هذا شيءٌ نادر الحدوث، وصدق الله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ(12)﴾ (البقرة)، وهذا يأتي غالبًا: من عماية البصيرة، وسفاهة العقل، وتنكب طريق الجادة، والبعد عن أنوار الهداية.

والغريب في أمر هؤلاء الفاشلين أنهم رغم خيبتهم يظنون أنهم مصلحون، ويؤكدون ذلك تأكيدًا بإصرارٍ ويقين: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ (البقرة: من الآية 11)، وكأنَّ المعايير قد انقلبت في ذاكرتهم، وتبدلت في عقولهم تبدلاً حقيقيًّا، ومقاييس الأشياء والأمور قد اختلت اختلالاً مريعًا، يدعو إلى العجب والاستغراب والتأمل، ليُقال كيف هذا؟!

أيمكن أن يرى الإنسان النورَ ظلامًا، والظلامَ نورًا، وتنقلب في مخيلته الرذيلة إلى فضيلة، والبصيرة العوجاء طريقًا مستقيمًا، وتتبدل الفطر إلى هذا الحد في طبائع الناس ليخسر الإنسان كل هذه الملكات، وينزل إلى كل هذه الدركات؟! وصدق الله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾ (الكهف).

والفشل اليوم قد تطور من عامة الناس إلى خاصتهم، ومن الأفراد إلى الدول، ومن الشعوب البدائية إلى الشعوب التي تدّعي الحضارة والمدنية، وتبلغ من التقدم مبلغ، ولكن هل يعترف الفاشل بفشله؟ قد يعترف ولكن بعد وقوع الكارثة التي تقرع سمعه وتبهر بصره، وعند ثورة الجماهير وارتفاع الأصوات في الشعوب صاحبة المصلحة، وكم رأينا من نظم فاشلة تتهاوى تحت ضغط الشعوب ووقوفها أمام الطغاة، فمثلاً بدأ إقرار المسئولين الأمريكيين واعترافهم بالفشل في غزو العراق ، فقال وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بإن العراق اليوم ليس أكثر أمنًا: مما كان عليه بعد الاحتلال وإسقاط الرئيس العراقي صدام حسين ..

كما قالت شبكة التلفزيون البريطاني "BBC" بعد نهاية الحرب: لقد دمر الكثير من الجيش، وبدأ التمرد وظهرت المقاومة التي ما زالت تقلق الجيش الأمريكي.

هذا فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، أن الجنود الأمريكيين يهربون من الخدمة في العراق ، وأنها ستقاضي هؤلاء الجنود الذين يرفضون العودة إلى العراق ، وقد زاد هذا العدد حتى كاد ينذر بكارثةً، ولهذا حذر "جوزيف بيدن" العضو الديمقراطي في لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي من أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها مضطرة لاعتماد التجنيد الإجباري؛ لتفادي النقص في عدد الجيش الأمريكي الذي تبلغ نسبة المجندين المتطوعين فيه 40%.

وهذا كله ناتج عن الفشل في السياسة الأمريكية التي لم تستطع تقدير الموقف الصحيح والطبيعة الخاصة للشعب العراقي والعربي، ولهذا فهي تزداد كل يوم إحراجًا وقهرًا يضطرها في القريب العاجل إلى خسران الأموال والعتاد والجنود، والوقوع في مصيدة المقاومات العنيدة التي تضطرها إلى الهروب بجلدها من العراق والشرق العربي.

وقد بدأ هذا فعلاً اليوم؛ حيث بدأ نواب من الحزب الجمهوري بالكونجرس الأمريكي يطالبون بالفرار من العراق ، ووضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية بشكلٍ نهائي، فيما أظهر استطلاع جديد للرأي أنًّ عددًا متزايدًا من الأمريكيين يطالبون الإدارة الأمريكية بسحب قواتها، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد جالوب أن حوالي 7 من بين 10 أمريكيين يطالبون الولايات المتحدة بسحب قواتها من العراق، ويقود بعض أعضاء من الحزب الجمهوري الذي يتزعمه بوش حملة لسحب القوات، وقد أعلن وولتر جونز- العضو الجمهوري المحافظ عن ولاية نورث كارولينا- في تصريح لمحطة (ABC) التلفزيونية يوم 12/6/ 2005 م، أنه سيقدم مشروع قانون بالكونجرس لتحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق ؛ لأن قلبه يدمي على نحو 1700 جندي قُتلوا إلى جانب 13 ألف آخرين أُصيبوا إصاباتٍ بالغةٍ في العراق.

وتواجه الإدارة الأمريكية انتقادات من جانب الكونجرس؛ بسبب الفشل في التخطيط لمرحلة الاحتلال وعدم تقدير قوة المقاومة والجماعات المسلحة، هذا الفشل الأمريكي صاحبه فشل أمريكي من نوع آخر، وهو عدم تقدير رغبات الشعوب، والخطأ الكبير في مصادمة عقائدهم وتوجهاتهم المقدسة، فعملت دائمًا على تحريض سلطات المنطقة على ضرب الحركات الإسلامية، فسارعت تلك السلطات إلى طاعة سادتها وكبرائها فأضلوها السبيلا، فوقعت السلطات وسادتُها في خطأٍ فادحٍ؛ لأنه يستحيل مغالبة الشعوب، خصوصًا: إذا كانت تلك الشعوب إسلامية وأصحاب عقائد جهادية تأبى أن تخضع للظلم والقهر والبغي، فنال المحتل وذيوله من الحكام كراهية الشعوب، وتطايرت تلك الكراهية حتى أصابت أمريكا نفسها في عقر دارها وفي مصالحها، وجاء الاعتراف بالفشل.

واعترفت التقارير الأمريكية بأن الحركات والأحزاب الإسلامية ستلعب دورًا بارزًا في منطقة الشرق الأوسط، وطالب التقرير بعدم السماح للحكام العرب بالتذرع بالأمن القومي لقمع المنظمات الإسلامية غير العنيفة، كما طالب بأن تدعم واشنطن المشاركة السياسية لأي مجموعة أو حزب إسلامي ملتزم بقوانين ومعايير العملية الديمقراطية، وضرورة تعزيز واشنطن للإصلاح الاقتصادي والسياسي في العالم العربي.

وحذَّر التقرير من أنَّ الإخفاق في إحراز تقدمٍ نحو الديمقراطية؛ ستكون له انعكاسات وخيمة على المنطقة وعلى الولايات المتحدة.

سبحان الله! أين كان هذا الفكر، ولِمَ كل هذا الفشل وهذا الصراع الذي ورًّث الكراهية والقهر والحروب والعذاب؟ أين كان عقل السلطات العربية التي ما فكرت يومًا في الإصلاح، وفي رعاية شعوبها نفسيًا، ودينيًا، وشعوريًا؟، وسارت من فشل إلى فشلٍ، ومن تهور إلى تدهور حتى أهلكت الكثير من الطاقات وما زالت، فهل تستفيق كما أفاق سادتها؟وهل تتنبه إلى فشلها فتصلحه، وإلى شعبها فترضيه وتنزل على رأيه، أم ستظل هكذا إلى أن تقع الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة؟! وإنَّ غدًا لناظره قريب.. ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)﴾ (الشعراء).

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى