الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العمل الجماعي .»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(أنشأ الصفحة ب''''<center><font color="blue"><font size=5>العمل الجماعي .</font></font></center>''' == تقديم == '''<center> الناشر والفهرس سلسلة ت...')
 
لا ملخص تعديل
 
(مراجعة متوسطة واحدة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة)
سطر ٢: سطر ٢:




'''بقلم : الأستاذ مصطفى الطحان '''
== تقديم ==
== تقديم ==
   
   

المراجعة الحالية بتاريخ ١١:٣٣، ١٤ مارس ٢٠١٦

العمل الجماعي .


بقلم : الأستاذ مصطفى الطحان

تقديم

الناشر والفهرس

سلسلة توحيد المفاهيم

المفاهيم الدعوية

رقم (3)

العمل الجماعي أهميته ومشروعيته

مصطفى محمد الطحان

اتحاد المنظمات الطلابية

بسم الله الرحمن الرحيم

) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (.

آل عمران – 103

توحيد المفاهيم

العمل الطلابي عمل رائد، يمثل ذروة الوعي بقضايا الأمة، وطليعة كل تحرك إيجابي لمصلحتها.. ولذا وجب العناية به وتسديده وإرشاده.

وكما هو الحال دائما، فإن العمل الصحيح ينطلق من مفاهيم قويمة وأفكار ناضجة، تهدي العاملين إلى الطريق الصحيح وتقوم أي إعوجاج وتجبر كل تقصير..

غير أن الامتداد الكبير للعمل الطلابي عبر الزمان والمكان، وانتشار كوادره في أرجاء الدنيا وفي أجيال متتابعة، بالإضافة إلى صعوبة التواصل بين الكوادر العاملة في العمل الطلابي.. هذا الامتداد الواسع والصلات الصعبة أتاح الفرصة لتباين الآراء واختلاف المصطلحات وتنوع المفاهيم، بحيث أصبحت هذه الظاهرة خطرا حقيقيا يحيق بالعمل الطلابي على مستوى العالم.

وحتى لا يترك هذا العمل الهام لاجتهادات محلية قد تصيب وقد تخطئ، أو لتجارب مبتسرة قد تعبر عن كامل الصورة وقد تقصر.. وحتى لا تخضع المفاهيم الأساسية في العمل لتفسيرات متباينة، فينشأ الخلاف وتتسع رقعته.. حتى لا يحدث ذلك كله، كان لا بد من العمل على توحيد المفاهيم الأساسية بين العاملين.. والاتفاق على تعريفات واضحة لما يطلق من كلمات ومصطلحات وأقوال، قد يفهمها الجميع بشكل متباين، حسب الثقافات والمجتمعات والبيئات المختلفة.

سلسلة توحيد المفاهيم

وعليه فقد بادر اتحاد المنظمات الطلابية إلى إصدار سلسلة من الكتب تحت مسمى (سلسلة توحيد المفاهيم)، وتم تقسيم المفاهيم المراد توحيدها بين العاملين في المجال الطلابي إلى أربع مجموعات يتضمن كل منها عددا من المفاهيم:

أولا- المفاهيم الدعوية

  • بين الحق والباطل: وهو بحث في سنة الله الكونية في التدافع بين الحق والباطل وكيفية تسخير هذه السنة لصالح العمل (صدر الكتاب).
  • • العمل الجماعي - أهميته ومشروعيته (صدر الكتاب).
  • • دور الشباب في نهضة الأمة.
  • • الشورى: أهميتها ومجالاتها وتطبيقاتها الحديثة (صدر الكتاب).
  • • الدعوة: مراحلها وأهدافها وفنونها والآفات على طريقها.
  • • المرأة ودورها في المجتمع.

ثانيا- المفاهيم التربوية

  • • آداب الحوار والاختلاف: كيف نتحاور ونختلف دون أن يفسد ذلك للحب قضية.
  • • التغيير: سنة كونية في الإنسان وبيئته، كيف نغير أنفسنا ومجتمعاتنا إلى الأفضل.
  • • الحب: العاطفة الكبرى التي تفجر الطاقات وتحرك الأفراد والمجتمعات.
  • • القدوة: وسيلة الدعوة والتغيير الأولى.
  • • تطوير الذات: استشعار المسؤولية ووجود الدافع والتعرف على الذات والتعايش معها والعمل على تطويرها.

ثالثا- المفاهيم الإدارية

  • • إدارة الوقت.
  • • العملية الإدارية.
  • • القيادة.
  • • إدارة الاجتماعات.
  • • العمل المؤسسي.

رابعا- المفاهيم السياسية

  • • القدس والتحدي الحضاري (صدر الكتاب).
  • • الدولة الإسلامية.
  • • التعددية.
  • • العولمة.
  • • الأقليات.
  • • العمل النقابي.

العمل الجماعي (أهميته ومشروعيته)..

لهذا الكتاب أهمية خاصة.. فالشباب الإسلامي في أنحاء الدنيا.. أدركوا بعد تردد: أن العمل الفردي مهما كان جيداً ومتميزاً إلا أنه يبقى في إطار الفرد، ولا يتجاوز نفعه حدود دائرة ضيقة تحيط بذلك الفرد.. ولهذا يُقبل هؤلاء على العمل الجماعي في إطار الحركات الإسلامية وغيرها من التجمعات القومية والوطنية والفكرية.

أما العمل الجماعي في إطار الإسلام.. فتواجهه بعض الشبهات.. بعضها يتعلق بالداعية.. وبعضها يتعلق بالمدعو.. وبعضها يخص مشروعية العمل الجماعي..

لهذه الأسباب.. فقد حققت أمنية خاصة.. عندما عكفت على كتابة هذا البحث. لقد تناول العديد من الكتاب هذا الموضوع.. ولكني لم أكن مقتنعاً بأن أحدهم استوفى الموضوع.. وتناوله من كل جوانبه..

والشباب والطلاب على وجه الخصوص.. يحتاجون وهم يُقبلون على العمل الجماعي.. من يقنعهم بالأسلوب العقلي والشرعي.. وأعتقد أن هذه الرسالة ستجيب على تساؤلاتهم.

واللهَ أدعو أن يجعل هذا العمل من أجله وفي سبيله.

والحمد لله رب العالمين

المؤلف مصطفى محمد الطحان

8/5/2002 م

العمل الجماعي أهميته ومشروعيته

أوضاع المسلمين

يمر العالم الإسلامي منذ أكثر من مائة سنة بأوضاع عصيبة، قلبت الأمور، وغيرت المفاهيم، وأسقطت الأمة في أيدي أعدائها، فلم يتركوا جزءا من كيانها إلا ومسخوه وأسقطوه، وبإمكاننا بهذا الصدد أن نلاحظ مجموعة من المحطات الهامة في مسيرة هذه الأمة.

• المحطة الأولى كانت في مؤتمر بال الثاني الذي عقد في سويسرا عام 1898م والذي قرر إسقاط السلطان عبد الحميد الثاني رضي الله عنه بعد أن رفض أن يتنازل لليهود عن فلسطين ليقيموا دولتهم على أنقاض شعبها المسلم.. ونفذت دوائر الغرب والحركة الصهيونية والمحافل الماسونية المؤامرة.

ومع إسقاط السلطان عبد الحميد عام 1909م.. حكم الدولة العثمانية حزب الاتحاد والترقي التركي الطوراني المعادي للفكر الإسلامي الموالي للغرب المشبع بأفكار اليهود.. وبدأ الحزب يعمل على تتريك الشعوب المختلفة في الدولة العثمانية، مما جعل الأمة الواحدة شعوبا وقبائل يحارب بعضها البعض الآخر.

• المحطة الثانية كانت في لندن عندما عقدت الدول الاستعمارية الغربية مؤتمر كامبل عام 1909م، الذي اتخذ قرارات على غاية من الأهمية. طرح المؤتمر فكرة أن الخلافة الإسلامية على وشك السقوط.. فكيف نحول دون قيامها مرة أخرى.. ولاحظ المؤتمرون أن المنطقة العربية هي المؤهلة لصحوة إسلامية تقاوم الاستعمار وتستخلص الحقوق.. وعليه فلا بد من تشديد قبضة الاستعمار على هذه الشعوب. وكإجراء استراتيجي قرر المؤتمر إنشاء إسرائيل بين آسيا العربية وأفريقيا العربية كمحطة غربية وقاعدة عسكرية تضبط منها وبها سلوك المنطقة.

• المحطة الثالثة كانت أن فرض حزب الاتحاد والترقي على الدولة العثمانية دخول الحرب العالمية الأولى عام 1914م.

ونتيجة لهذه الحرب تحطمت الدولة العثمانية، وتمزقت دولة الإسلام، وسقطت الخلافة، وكانت معاهدة لوزان عام 1923 التي شكلت الوثيقة الرسمية لإبعاد الإسلام عن أمور الدولة.

سقوط الخلافة

كانت مرحلة عصيبة، فلأول مرة تجد الأمة المسلمة نفسها بلا خليفة.. الأمر الذي دفع بقيادات المسلمين في مصر والحجاز والهند وأفغانستان وغيرها إلى عقد المؤتمرات لانتخاب خليفة بديل عن الخليفة العثماني. ولقد سارع الشريف حسين زعيم مكة فأعلن نفسه خليفة للمسلمين.. بينما عقد علماء الأزهر المؤتمرات ورشح بعضهم الملك فؤاد ليكون الخليفة.. وقامت في الهند جمعية الخلافة التي جمعت الأموال لمساعدة الخليفة.. وتحرك الإنكليز ليتخذوا من الآغاخان (أحد عملائهم) خليفة للمسلمين.. وتحركت الأقلام بعضها تدعو إلى سرعة اختيار الخليفة، وانبرت أقلام في اتجاه آخر مثل علي عبد الرازق في مصر تشكك في الخلافة.. وشرعيتها.. وتدعي بأن الخلافة لم تجر على الأمة إلا المصائب.

في هذه الفترة العصيبة التي تلت الحرب العالمية الأولى.. وقعت جميع بلدان المسلمين تحت حكم الدول الاستعمارية الغربية. حكمت هولندا اندونيسيا، وحكمت انكلترا مصر والسودان وجزءا من الصومال والعراق والخليج العربي واليمن الجنوبي وفلسطين والأردن وماليزيا، وحكمت فرنسا الشمال الأفريقي وسوريا ولبنان وجزءا من الصومال، وحكمت إيطاليا اثيوبيا وجزءا من الصومال وليبيا. واستخدمت الدول الاستعمارية في احتلالها أعلى درجات العنف. جزّأت البلاد وزرعت الفتن، وألغت المدارس والجامعات الإسلامية، وأقنعت الكثيرين أن الدين مجرد علاقة شخصية بين المرء وربه.. وأن المساجد مفتوحة لمن أراد الصلاة.. أما العلوم والسياسة والحياة الاجتماعية والقانونية والاقتصادية فلا سبيل لها إلا عن طريق الفكر الغربي، فالغرب لم يتقدم إلا يوم نبذ الدين وأقصى الكنيسة عن ميادين الحياة.

تخريب البنية الأساسية في الأمة

عمل الغرب أثناء مكثه الطويل في بلادنا على تخريب البنية الأساسية لهذه الأمة.

أولا- في الجانب السياسي

قامت سياسات الاستعمار على:

• اللادينية

أطلقوا الأقلام الخارجية والداخلية تروج للحضارة الجديدة، كوك ألب وخالدة أديب في تركيا، طه حسين وعلي عبد الرازق في مصر، أحمد خان في الهند، وغيرهم هنا وهناك يكتبون على استحياء في البداية وبانطلاق بعد ذلك بأن الدين عبارة عن علاقة بين الشخص وخالقه.. ولا علاقة له البتة بما وراء ذلك.. وأن الأمة إذا أرادت أن تنفض عنها غبار الجهل والتخلف فعليها أن تتجاوز المرحلة الدينية - أي مرحلة الخرافات إلى المرحلة العلمية المادية أي مرحلة انبوبة الاختبار، إذا شاء شخص أن يصلي ويدعو الله ويستغيثه فهذا شأنه.. أما ما عدا ذلك فلا دور للدين في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو العلوم أو الآداب أو الفنون أو الأخلاق.

يقول طه حسين (على سبيل المثال): لو وقف الدين الإسلامي حاجزا بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه) [1].

• التجزئة

أول عمل قام به الاستعمار في العالم الإسلامي أن قسم هذا العالم إلى أجزاء ودويلات. في الخطوة الأولى أقنع العرب بأن يثوروا ضد الأتراك باعتبارهم أحق منهم بالخلافة، ومناهم إذا فعلوا بأمبراطورية عربية تضم كل بلاد العرب.. وكانت النتيجة التي أفرزتها الحرب العالمية الأولى أن انعزلت تركيا كيانا محاصرا صغيرا، وتقسمت المنطقة العربية إلى أكثر من عشرين دولة ودويلة، وما زالت تعاني هذه الأجزاء، التي أصبحت دولا مستقلة ذات سيادة، من مشاكل حدود ومطالبات فيما بينها، تركها لهم الاستعمار فتيلا قابلا للانفجار، يتجدد كلما هدأ. والغريب أن بريطانيا وحدت الهند عندما استعمرتها.. فرّقت بلاد المسلمين بعد ما كانت موحدة..

• العنصرية

والقومية التي روجوا لها في بلادنا هي قومية عنصرية علمانية، ولقد نصت الاتفاقات التي عقدت بين الشريف حسين والإنكليز في مراسلاته معهم، أن الدولة العربية المنتظرة هي دولة قومية لا دينية. والقومية عندما تتخلى عن الدين تبحث لها عن شعارات ورموز أخرى تربط بها شعبها، فوُجدت الفرعونية في مصر والآشورية في سوريا، ثم صارت الإقليمية نفسها رموزاً تُحاط بهالة خاصة، فاللبنانية صارت حضارة والأردنية والسورية حضارة والخليجية حضارة والأمازيغية حضارة وهكذا...

• الديموقراطية المزيفة

وهي حكم الشعب للشعب كأسلوب للحكم... ولقد نجح الغرب إلى حد مّا في تطبيق هذا النظام وحصل الإنسان الغربي على الكثير من حرياته في ظله. أما في العالم الثالث فباسم الديموقراطيات ارتُكبت جميع أنواع المظالم، وتحت اسم الديموقراطية تقوم كل أنواع الأنظمة التي تمتهن حرية الإنسان وكرامته.

ثانيا- في الجانب التشريعي

الجانب التشريعي هو أكثر الجوانب التي اهتم الاستعمار بها.. فكان يرفض الخروج من بلد، حتى يطمئن إلى أن حكومة هذا البلد قد قبلت استبدال الشريعة الإسلامية بالقوانين الغربية.

بمناسبة مرور خمسين سنة على معاهدة لوزان أذاع التلفزيون التركي مقابلة مع عصمت أنينو رئيس الجانب التركي في المعاهدة المذكورة، سأله التلفزيون عن المعاهدة بعد مرور خمسين سنة عليها، فأجاب أنينو: لقد وافق الغرب على مطالبنا بالاستقلال، وسحب قوات الاحتلال من أراضينا، بشروط أهمها إلغاء الخلافة، وطرد جميع آل عثمان من البلاد، واستبدال قوانين الشريعة الإسلامية بالقوانين الأوروبية، واشترطوا أن يرسلوا بعثة تراقب تطبيق البند الأخير من هذه الشروط!.

جميع البلدان التي حصلت على استقلالها السياسي ألغت الشريعة الإسلامية واستبدلتها بقوانين الغرب، وحصرت الأمور الشرعية بما عرف بقوانين الأحوال الشخصية.. وكان ذلك مرحلة أولى ثم جاء من تجرأ فألغى حتى القسم الأخير..

(والقانون له صلة وثيقة بأخلاق الناس ومجتمعهم، فإذا وضع الإنسان قانونا من القوانين فلا بد أن تكون وراءه فلسفة من فلسفات الأخلاق والاجتماع، وأن يكون نصب عينيه صورة خاصة يريد أن يفرغ في قالبها الحياة الإنسانية قاطبة. وكذلك إذا نسخ الإنسان قانونا من القوانين، فكأنه نسخ النظرية الخلقية والفلسفة المدنية التي كان ذلك القانون مستندا إليها، وبدّل صورة الحياة التي كانت مستمدة من ذلك القانون، فلما اقتلع المستعمر ما كانت لدينا من قوانين شرعية واستبدلوها بقوانينهم المدنية، فلم يكن معنى ذلك أنه مضى قانون وحل مكانه قانون آخر فحسب، بل كان معنى ذلك أنه قد أُقتُلع من أرض هذه البلاد نظام للأخلاق والمدنية وأُسس مكانه نظام آخر للأخلاق والمدنية) [2].

ثالثا- في الجانب الثقافي

منذ وطئت أقدام الاستعمار بلاد المسلمين.. حاول تبديل بنيتها الثقافية، فألغى معظم مدارسها الإسلامية، وقلل من قيمة الجامعات الإسلامية العريقة (الزيتونة، القرويين، الأزهر.. إلخ). وأهمل خريجيها، أما الطلبة النابهون فأرسلوا إلى جامعاته ليعودوا بعد فترة مبشرين بثقافات الغرب وآرائه في الحياة والمدنية.. وفي بعض البلدان الإسلامية غُيّرت الحروف التي تكتب بها اللغة من حروف عربية إلى حروف لاتينية في عملية تجهيل كاملة تقطع ماضي الأمة عن حاضرها. واليوم وبعد مضي قرابة القرن، نجد معاهدنا القائمة في بلادنا، وطلابنا الذين هم عدة مستقبلنا، ما زالوا يدرسون ثقافات الغرب ويقرأون نظرياته في الحكم والاقتصاد والاجتماع والتاريخ وتفسير موقع الإنسـان من الكـون والحياة.. ولقد صرّح مفكرو الغرب مرات كثيرة بأننا نعتمد على المعاهد أكثر من اعتمادنا على الجيوش.

في كلمة ألقاها البروفسور الدكتور نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه في تركيا بمناسبة يوم الاستقلال قال: إن أمتنا هزمت جيوش اليونان وأخرجتهم من بلادنا.. ونحن نحتفل سنويا بعيد الاستقلال.. ولكن لا بد أن نعرف أن اليونانيين الذين خرجت جيوشهم، ما زال طلابنا يدرسون فكرهم في الجامعات باعتباره الفكر الأرقى والأعظم.. لا بد أن تدرك الأمة أن الاستقلال الحقيقي يتمثل في خروج جيوش هؤلاء وفكرهم وثقافتهم معا.

رابعا- في الجانب الاقتصادي

ويمكن أن نعدّد بنفس الطريقة أوضاعنا الاقتصادية، وكيف قلبوها إلى معاملات بعيدة عن مصالحنا قريبة من مصالحهم.. تدعم وتقوي الجهاز الاستعماري العالمي بإرادة منا أو بدون إرادة.. وقضية ديون العالم الثالث وعجزه عن الوفاء حتى بفوائد هذه الديون، هي نوع من الاستعمار الجديد الذي ابتكروه حديثا لإيقاع جميع هذه البلدان في حبائلهم[3] .. والأموال التي يملكها العالم الثالث هي مجرد أرقام على شكل ودائع محفوظة عندهم.. فالسادة أقدر على الاستفادة من الأموال (كما يزعمون)!

وحتى ثروات العالم الثالث الاستراتيجية كالنفط وغيره.. هي من حق العالم الأول يستخدمها ويزداد ثراء بها.. ولا يترك لأصحابها إلا مهمة حراستها والقليل القليل من أثمانها. ولقد زاد الطين بلة بالعولمة التي حوّلت العالم إلى قطع شطرنج يلعب بها السيد الأمريكي.

خامسا- في الجانب الاجتماعي

وكذلك أوضاعنا الاجتماعية وخاصة قضية المرأة.. ومحاولتهم إخراج القضية عن طبيعتها وتحميلها ما لا تحتمل. ولقد انساق المسلمون للأسف الشديد في كثير من البلدان وراء الغرب وقلدوه في حياتهم الاجتماعية خطوة خطوة..

لقد حاولوا مسخ الشخصية الإسلامية التي تعتز بنفسها ودينها وتراثها[4].

[1] الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر- محمد محمد حسين 2: 140.

[2] واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم- المودودي، ص- 177.

[3] الاستعمار الجديد- نكروما.

[4] دور الطلبة في إعادة بناء الأمة- مصطفى محمد الطحان.

من يعيد البناء؟

أمام هذه الأوضاع المتردية التي انحدرت إليها الأمة المسلمة.. وهذه التحديات الضخمة التي واجهتها.. انقسم الناس معها إلى عدة فرقاء:

  • • فريق انكفأ على نفسه.. ورأى أن لا قِبَلَ له بإصلاح الأمور، حسبُه أن يصلح نفسه متعللاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).
  • • وفريق ثان.. يتحرك وحده.. قد يكون كاتبا.. يحلل الأمور.. ويقدم الأسباب لنهضة الأمة.. وقد يكون رجلاً خيّراً.. يقدم العون لمن يحتاجه.. وهذه الأعمال الفردية مفيدة.. ولكنها ليست كافية.
  • • وفريق ثالث.. انطلق مع آخرين.. في عمل جماعي..

فقامت تجمعات وطنية لمقاومة الاستعمار.. وقامت تجمعات اشتراكية لمقاومة الرأسمالية.. وقامت بالمقابل جماعات وحركات إسلامية في أنحاء العالم الإسلامي.. تعمل على إعادة بناء الفرد على منهاج النبوة.. وتعيد ثقة المسلم بنفسه وبدينه.. وتعمل على تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي.. وتعمل على إصلاح المجتمع وإقامة دولة الإسلام..

شرعية العمل الجماعي

وأمام ادعاء البعض أن مثل هذا العمل هو مجرد بدعة.. فلابد عندئذ من طرح هذا السؤال: هل العمل الإسلامي الجماعي مشروع؟ وما دليل مشروعيته؟

أولا- الدليل من القرآن الكريم

  • • الدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة الرسل، قال تعالى: )ولقد بعثنا في كل أمة رسولا، أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت( [1].
  • • وإن هذه المهمة انتقلت إلى الأمة المسلمة من بعد الرسل، قال تعالى: )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله( [2].
  • • وإن الدعوة إلى الله هي واجب كل مسلم ومسلمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) [3].

فالمسلم القائم على أمر الدعوة الذي تمنعه ظروفه من أن يجاهد الظلم والمنكر بيده أو بلسانه.. يلجأ إلى أضعف الإيمان فيجاهده بقلبه، وهذا النوع من المجاهدة لا يعني مطلقا مجرد الإنكار القلبي والاستكانة بعد ذلك.. بل يعنى أن يتحوّل هذا الإنكار إلى فكرة يبثها المنكر بقلبه بين أقرانه، يجمّع عليها جميع المنكرين بقلوبهم، حتى يتكوّن منهم تيار غالب يقوّى أفراده بعضهم بعضا، بحيث تصبح لهم قوة مادية يستطيعون بها أن ينكروا بألسنتهم أو بأيديهم. وهؤلاء هم الذين يكوّنون الجماعة المسلمة، هدفها: تجميع القوى المتناثرة التي تؤمن بالتغيير ولكنها لا تستطيع منفردة القيام به.. فتجمّع قواها لتصبح تيارا غالبا وقوة مادية تتغلب على المنكر وأهله.

(والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الخصيصة الأولى التي تميزت بها الأمة المسلمة. قال تعالى: )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله() [4].

قدم ربنا عز وجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الذكر على الإيمان. فالإيمان مشترك بين الأمم الكتابية جميعا.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضيلة هذه الأمة) [5].

• وهذا هو معنى النداء الرباني: )ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون( [6].

قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: (والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهـذا الشـأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه. فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

• وهو معنى قوله تعالى: )واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون( [7].

قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: (ولا تفرقوا أي أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة. ولقد ضمنت لهم الآية العصمة عند اتفاقهم) [8].

• وهو معنى قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم( [9]. قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: (يد الله مع الجماعة) [10].

• وهو معنى قوله تعالى: )واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا( [11]. أي إن لم يوال بعضكم بعضا كما يفعل أهل الكفر حدثت الفتنة، ووقع الفساد لتناصرهم وتخاذلكم، واجتماعهم وتفرقكم.

• وهو معنى قوله تعالى: )قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني( [12].

قال ابن القيم في تفسير هذه الآية: قال الفراء: (أنا، ومن اتبعني يدعو إلى الله كما أدعو).

إن الخطاب الإلهي للأمة المسلمة خاصة في التكاليف الشرعية وفي إقامة شريعة الله على الأرض لم يكن إلا خطاباً جماعياً )يا أيها الذين آمنوا(.

• ومن الشبهات التي تثار حول مشروعية العمل الجماعي: الفهم الخاطئ للآية الكريمة: )يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم( [13].. ولقد ردّ ابـن تيمية هذه الشبهة فقال:

قوله تعالى: )عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم( لا يقتضي ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا نهياً ولا إذناً. كما في الحديث المشهور عن أبي بكر رضي الله عنه أنه خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) [14].

ومن الشبهات أيضا: أن البعض ينصرف عن العمل الجماعي خوفاً من بطش الحكومات.. وهو يرى ما تفعله هذه الحكومات بأبناء الحركات الإسلامية من قتل وسجن وتشريد.. أما الصابرون المحتسبون فيتذكرون دائماً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).

ثانيا- شواهد السنة

• الحديث عن زيد بن ثابت مرفوعا قال: (ثلاث لا يفل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) [15].

• والحديث عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) [16].

• وحديث الحارث بن الحارث الأشعري مرفوعا: (وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) [17].

• وحديث معاذ بن جبل: (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية وإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة) [18].

• وكان منهاجه عليه الصلاة والسلام في تشييد صرح دولة الإسلام أنه حرص لأول وهلة على الظفر والانحياز إلى جماعة تؤيده وتؤازره وتعينه على أمره، وكان يقول للناس في المواسم - وهو يعرض نفسه عليهم- : (هل من رجل يحملني إلى قومه لأبلغ رسالة ربي، فإن قريشا منعوني أن أبلغ رسالة ربي) وما زال كذلك حتى قيض الله له رجالا من الأوس والخزرج حملوه إلى المدينة وبذلوا المهج والأرواح لنصرة دعوته(.

والاقتداء به في منهج الدعوة واجب كالاقتداء به في سائر التكاليف الشرعية الأخرى {واتبعوه لعلكم تهتدون {[19] [20].

ثالثا- آثار السلف

• عن جابر بن سمرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في خطبته المشهورة التي خطبها بالجابية: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) [21].

• وروى محمد بن سيرين عن أبي مسعود الأنصاري أنه وصّى من سأله لما قتل عثمان رضي الله عنه: (عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة) [22].

• وقال الشافعي: (ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أُمر بلزومها، وإنما تكون الغفلة في الفرقة) [23].

• وفي تأصيل شرعية العمـل الجماعي المنظم يقول الإمام ابن تيمية: (وأما لفظ الزعيم، فإنها مثل الكفيل والقبيل والضمين، قال تعالى: )ولمن جاء به حِمل بعير وأنا به زعيم( [24] فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يقال هو زعيم. فإن كان تكفل بخير كان محمودا على ذلك، وإن كان شرا كان مذموما على ذلك.

وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزبا. فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك أو نقصوا، مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والاعتراض عمن لم يدخل حزبهم سواء على الحق أو الباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان) [25].

• وهذا المعنى وعاه الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين وعيا كاملا، فلم يكتفوا بالدعوة الفردية، وإنما أسسوا الجماعات للدعوة إلى الله، وعملوا عملا جماعيا.

منهم الصحابي هشام بن حكيم بن حزام القرشي رضي الله عنه، قال الزهري: (كان يأمر بالمعروف في رجال معه) [26] فهو قد كوّن جماعة آمرة، ودلل على أن الأمر بالمعروف لا بد له من عصبة، ومتى كانت عصبة كانت دعوة[27].

• ولقد استنكر السلف على من اعتزل العمل الجماعي بحجة الفتنة.

يروي التابعي الكوفي عامر الشعبي، أن رجالا خرجوا من الكوفة، ونزلوا قريبا يتعبدون، فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأتاهم، ففرحوا بمجيئه إليهم، فقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد. فقال عبد الله: لو أن الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا[28].

• وهذا عبد الله بن المبارك الداعية المجاهد.. ينكر على رفيقه الزاهد العابد الفضيل بن عياض.. اعتزاله ومجاورته في مكة.. وتركه الجهاد.. فبعث إليه يقول:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب جيده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضب

رابعا- العمل الجماعي عند الدعاة المعاصرين

• يقول الداعية سيد قطب (رحمه الله):

إن نقطة البدء الآن هي نقطة البدء في أول عهد الناس برسالة الإسلام.. أن يوجد في بقعة من الأرض ناس يدينون دين الحق، فيشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.. ومن ثم يدينون لله وحده بالحاكمية والسلطان والتشريع، ويطبقون هذا في واقع الحياة.. ثم يحاولون أن ينطلقوا في الأرض بهذا الإعلان العام لتحرير الإنسان[29].

• ويقول الإمام المودودي (رحمه الله): (إن إقامة الإمامة الصالحة في أرض الله، لها أهمية جوهرية وخطورة بالغة في نظام الإسلام، فكل من يؤمن بالله ورسوله ويدين دين الحق، لا ينتهي عمله إلا بأن يبذل الجهد المستطاع لإفراغ حياته في قالب الإسلام.

ثم إذا لم يكن من الممكن تحقق هذا المقصد الأسمى إلا بالمساعي الجماعية، لم يكن بد من أن تكون في الأرض جماعة صالحة تؤمن بمبادئ الحق، وتحافظ عليها، ولا تكون لها غاية في الحياة إلا إقامة نظام الحق وإدارة شؤونه بغاية من الاهتمام والعناية. ولعمر الحق انه ولو لم يكن على وجه الأرض إلا رجل واحد مؤمن، لما جاز له أن يرضى على نفسه بتسلط نظام الباطل. ولا يكون أمامه إلا طريق واحد. وهو: أن يدعو الناس كافة إلى منهاج الحياة الذي يرضى به الرب تعالى فإن لم يجب لدعوته أحد، فإن قيامه على الصراط المستقيم، واستمراره في دعوة الناس حتى يلقى ربه خيرٌ له ألف مرة من أن يتنكب الصراط الحق ويهتف بنعرات تهش لها وتفرح بها الدنيا المتسكعة في بيداء الضلالة والغواية) [30].

البشير الإبراهيمي يغادر الجزائر ليستقر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة فيلحق به صديقه عبد الحميد بن باديس فيسأله:

من يحرر الجزائر إذا بقيت هنا؟

ومن يقاتل العدو إذا اعتزلتم.. صرخة مؤمنة في وجوه الهاربين من الميدان لعلها تعيدهم إلى الكفاح.. فلا بد من تحرك ومبادأة وغدو ورواح.. وليس بالقعود والتمني يصل المسلم إلى الغاية المرجوة.

• الداعية الإسلامي شكيب أرسلان (رحمه الله) كتب في مجلة (المسلمون) يخاطب أبناء فلسطين: (تأتيني كتب كثيرة من المغرب وجاوا ومصر وسورية والعراق وفلسطين، مقترحاً أصحابها عقد مؤتمر إسلامي أو انتخاب خليفة وما أشبه ذلك، ويكون جوابي دائما: يجب أن نؤسس من تحت. يجب أن نربي الفرد).

ثم يتابع فيقول: أما أن نعقد مؤتمراً مجموعاً من ضعفاء ليس لهم إرادة مستقلة وهم لا يقدرون أن ينفذوا قراراً، فما فائدة ذلك؟ أتريد أن نجمع أصفاراً) [31] ؟

• أما حسن البنا الذي عاش في فترة عصيبة من حياة الأمة المسلمة.. سقطت فيها الخلافة.. وعاث المستعمر فسادا في بلاد المسلمين.. : لم يكن أمامه إلا أن يؤسس حركة إسلامية.. تجتمع فيها القوى الإسلامية.. تستعيد ثقتها بنفسها وبدينها.. وتعمل على تحرير الأوطان.. وإقامة دولة الإسلام.

إن أول ما نبه إليه هو: وجوب الجد والعمل، وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه، والتأسيس بعد التدريس. ثم شرح ذلك فقال: إن كل دعوة لا بد لها من مراحل ثلاث:

• مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة، وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب.

المنطلق- محمد أحمد الراشد، ص- (172-173).

• ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين.

• ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج.

وكثيرا ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يعمل وينفذ كذلك.. ولكن لا شك في أن الغاية الأخيرة، أو النتيجة الكاملة، لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار ومتانة التكوين[32].

خلاصة الأمر

1- إن هذا الدين ليس مجرد وصايا نظرية يؤمن بها المسلم.. ومن ثم يترك سبيل إدارة المجتمع للآخرين. إن طبيعة الإسلام أن ينشئ تجمعا عضويا حركيا يؤمن بعقيدة الإسلام.. ويتحول من فوره إلى جماعة تبذل الوسع لإقامة شرع الله. وإذا كانت إقامة الإسلام واجبا.. فالجماعة المسلمة التي هي وسيلته.. واجب كذلك، على قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

2- والجماعة الإسلامية المطلوبة.. هي جماعة راشدة، مستسلمة لربها، تقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مؤتلفة ذات شخصية متميزة، لها هدف محدد، ويحكمها نظام واضح ومحدد.. قال تعالى: )ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون( [33].

جاء في تفسير المنار: (إن الأمة أخص من الجماعة، فهي الجماعة المؤلفة من أفراد لهم رابطة تضمهم، ووحدة يكونون بها كالأعضاء في بنية الشخص الواحد).

3- والاعتصام بالجماعة.. عصمة من الاجتماع على ضلالة.. قال ابن مسعود رضي الله عنه: (عليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة)...وعصمة من الفشل والتنازع )ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم( [34].

4- والجماعة لا بد منها، أمام هذا الحشد الهائل لأعداء الدين.. وأمام هذه التجمعات التي تحارب الإسلام بإمكانات كبيرة.

ومهما أوتي الفرد من قدرة فإنه لا يستطيع النهوض بتبعات الدين وتكاليفه ليبلغ بها الأهداف المرجوة والآمال المبتغاة[35].

[1] النحل - 36.

[2] آل عمران - 110.

[3] رواه مسلم.

[4] آل عمران - 110.

[5] ملامح المجتمع المسلم- د. يوسف القرضاوي، ص- 57.

[6] آل عمران - 104.

[7] آل عمران - 103.

[8] تفسير ابن كثير 1: 39.

[9] الأنفال- 46.

[10] الترمذي 4: 466.

[11] الكهف- 28.

[12] يوسف- 108.

[13] المائدة- 105.

[14] فتاوى ابن تيمية 41: 479.

[15] الترمذي 5: 34، وأحمد في المسند 5: 183.

[16] البخاري 13: 35.

[17] أحمد في المسند 4: 202.

[18] أحمد في المسند.

[19] الأعراف- 158.

[20] أضواء على الأصول العشرين- عصام أحمد البشير، ص- 9.

[21] مسند الإمام أحمد 1: 230.

[22] فتح الباري 13: 37.

[23] الرسالة- الإمام الشافعي، ص- 475.

[24] يوسف- 72.

[25] فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11: 29.

[26] المنطلق- محمد أحمد الراشد، ص- (149- 150).

[27] المنطلق- محمد أحمد الراشد، ص- (149- 150).

[28] الزهد- عبد الله بن المبارك، ص- 290.

[29] في ظلال القرآن- سيد قطب 10: 191.

[30] الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية - أبو الأعلى المودودي، ص- 18.

[31] المسلمون 2: 363.

[32] مجموعة رسائل الإمام (المؤتمر الخامس).

[33] آل عمران- 104.

[34] الأنفال- 46.

[35] أضواء على الأصول العشرين- د. عصام البشير، ص- 16.

الحركات الإسلامية

من هذا المنطلق قامت الحركات الإسلامية في مختلف بلدان المسلمين. بعض هذه الحركات محلي النشأة والأهداف، وبعضها عالمي النظرة والتطلعات. فما أن تتدهور أوضاع الأمة المسلمة، فتفقد وحدتها وقوتها، وينال منها أعداؤها، أو يتحكم فيها حكام يشيعون الظلم ويهادنون العدو.. حتى يتصدى لهذه الأوضاع رجال ربانيون يتعاهدون على إعادة الأمور إلى نصابها، وإعادة الأمة إلى دينها.

ففـي مصر قامت حركة الإخوان المسلمين عام 1928م على يد الإمام حسن البنا، وفي شبه القارة الهندية قامت الجماعة الإسلامية عام 8391م بقيادة الإمام أبي الأعلى المودودي، وحزب النظام الوطني وحزب السلامة والرفاه في تركيا بدأ العمل بهما عام 9691م بقيادة البروفسور الدكتور نجم الدين أربكان، وحزب ماشومي في أندونيسيا.بقيادة الدكتور محمد ناصر.. وأعداد كبيرة من الحركات الإسلامية الأخرى التي تمت بصلة فكرية أو تنظيمية لواحدة من هذه الجماعات.

إن نقطة البدء اليوم هي نقطة البدء في أول عهد الناس برسالة الإسلام.. أن يوجد في بقعة من الأرض ناس يدينون دين الحق.. ثم يحاولون أن ينطلقوا في الأرض بهذا الإعلان العام لتحرير الإنسان.. إنه لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمضي في الطريق. هذا هو أسلوب الطلائع في تحقيق البعث الإسلامي لتحقيق المنهج الرباني [1].

عناصر الحركة الإسلامية

ولا بأس أن نقف ولو باختصار عند هذه العناصر التي تقوم عليها الحركات الإسلامية، نحللها ونعدد اختلاف وجهات النظر حولها، فقد يكون في ذلك بعض الفائدة.

التنظيم

تطلق كلمة التنظيم على كل تجمع من الناس، يسعون نحو هدف محدد، يجعلون عليهم رئيسا هو القائد، ينظمون أمورهم حسب لوائح يتفقون عليها، ولا تشذ التنظيمات الإسلامية عن هذا النمط، وإن كان التنظيم الإسلامي يضبط وجوده، وأهدافه، وعلاقات القائد بقاعدته، بالتعاليم الإسلامية، مقتفيا في ذلك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف أطوار دعوته، وبقدر تعدد الاجتهادات والتفسيرات لتصرفات القائد محمد صلى الله عليه وسلم فإننا نجد تعدد أشكال التنظيمات وأهدافها بالقدر نفسه.

• فمنهم من يرى أن التنظيم ينبغي أن يضم عناصر قليلة، منتقاة، صاحبة علم وثقافة، وخلق ومركز اجتماعي، وقدرة على خدمة الدعوة والارتقاء بها، وقيادة الجماهير بعد ذلك نحو الهدف المنشود. وهو ما يشبه المجموعة الطليعية في زماننا هذا.

• ومنهم من يرى أن التنظيم هو إطار شامل يضم الناس جميعا، يتلقون فيه مقدارا معينا من الإعداد والتربية، ويزداد حجم التنظيم بازدياد نشاط أعضائه في ضم المزيد من العناصر.

والتنظيمات الإسلامية تضم كلا النوعين.. ففي الوقت الذي تتشدد فيه الجماعة الإسلامية في باكستان بشروط العضوية، ولا تقبل في صفوفها إلا النخبة كأعضاء عاملين.. تتساهل حركة الإخوان المسلمين في هذه الشروط ولكلا الطريقتين مزاياهما.. وعيوبهما.

والأمر الأمثل فيما يبدو هو الجمع بين الطريقتين، فلا ينشغل التنظيم بالأعداد الضخمة المتزايدة ومشاكلها حتى لا يغرق فيها، ولا يقتصر بالمقابل على المجموعة الطليعية وحدها فتنقطع صلته بالجماهير.. والتغيير في كل الظروف لا تحدثه الجماهير وحدها ولا النخبة وحدها.. إنما تحدثه النخبة الواعية التي تتفاعل مع الجماهير.

أهداف التنظيم

يشترط في العمل الجماعي الصادر عن الجماعة المنظمة وفق منهاج معين، أن يراد به تحقيق هدف معين تسعى إليه الجماعة. وهدف الحركات الإسلامية: إصلاح الفرد المسلم، وإصلاح الأسرة المسلمة، وصبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية، وإقامة الحكومة الإسلامية التي تطبق شرع الله.

بين الدين والسياسة

والدعوة إلى فصل الدين عن السياسة قديمة.. غير أنها استقرت عرفا سياسيا في القرن الماضي والقرن الحالي.. والدعوة في أصلها غربية كنسية ينسبونها إلى قول السيد المسيح: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وهذا النوع من الفهم لا يعرفه الإسلام ولا يقره. فالإسلام دين شامل يتناول جميع مظاهر الحياة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما فيها الجهاد والعبادات والعقائد.. ولا يعرف مثل هذه التقسيمات. والدول الغربية التي تآمرت على المسلمين.. وأسقطت دولة الخلافة، واحتلت بلاد المسلمين، فرضت عليهم أوضاعا ثقافية وسياسية وقانونية لا يقرها الإسلام ولا تخدم غير أغراض المستعمر.. ومنها هذه الفرية (فصل الدين عن السياسة).. وللأسف الشديد فإننا نجد بعض التنظيمات الإسلامية تسير في الاتجاه نفسه، وتزعم لنفسها مسارا بعيدا عن السياسة.. ونستطيع أن نقول: إن الغاية الرئيسة للتنظيمات الإسلامية هي إقامة الحكومة المسلمة وتطبيق الشريعة الإسلامية.. وكل ابتعاد عن هذا الهدف يعتبر انحرافا عن الإسلام. والدعوة الإسلامية الأولى لم تحاربها قريش من أجل توحيد الآلهة بإله واحد.. إنما حاربتها لأنها أرادت أن تقيم سلطان الإسلام مكان سلطان قريش!

بين السرية والعلنية

وهذه قضية أخرى ، تعاني منها التنظيمات السياسية بعامة والتنظيمات الإسلامية بخاصة.. جميع الحركات الإسلامية بدأت علنية تدعو الناس أن يمارسوا حقهم المشروع في عملية التغيير بالوسائل السلمية، فقد ضمنت القوانين وحقوق الإنسان والشرائع الدينية للإنسان حريته في القول والكتابة والتجمع. ولكن الإرهاب بكل أنواعه الذي مورس بحق الإسلاميين جعلهم يحوّلون عملهم الدعوي إلى تحت الأرض في بعض الأماكن.

والأمر الطبيعي أن ينظر الإسلاميون إلى السرية على أنها طارئة، يعملون على تخطيها والعودة إلى العلنية .. ولكن بعض التنظيمات استمرأت الأمر، واعتبرت السرية هي الأصل في التنظيم.. وهو أمر مخالف لطبيعة الدعوة. والسرية كما أنها أسلوب مرفوض إلا للضرورة.. فإن أجواءها غير صحية.. ولقد تاهت كثير من الحركات والمنظمات والأفكار والعقائد بسبب السرية.

معنى القيادة

(لا بد لكل جماعة من رئيس، تلك حقيقة قررتها الشريعة وأمرت بها، ويؤيدها الواقع ويدركها العقل السليم، وفي الحديث الشريف: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا عليهم أحدهم). يقول الإمام ابن تيمية تعليقا على هذا الحديث: (فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولايتم ذلك إلا بالقوة والإمارة) [2].

وتقوم القيادة

• بإدارة الجماعة.

• وإقرار الخطط لها.

• وإقرار الأهداف المرحلية والنهائية.

• وإقرار الوسائل المناسبة لهذه الأهداف.

• والإشراف على تنفيذ الخطة.

• وتشكيل الأجهزة التي تشرف على متابعة التنفيذ.

• وتحسن قراءة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية[3]، قراءة تمكنها من رسم السياسات المستقبلية ووضع الخطط الاستراتيجية.

فإذا تصورنا أن جميع هذه المهام تقع على عاتق القيادة الحركية في التنظيمات الإسلامية.. فمعنى ذلك أن القيادة يجب أن تكون على درجة عالية من الكفاءة، ليس في الجوانب الشرعية فحسب، بل وفي مختلف جوانب المعرفة.

فعلى القيادة مثلاً أن تعرف الكثير عن علوم الإدارة

• كيف تختار العناصر المناسبة، وتكتشف مواهبهم.

• كيف تُعدّهم، وترفع باستمرار مستوى أدائهم ، وتحسن توجيههم حسب قدراتهم وتحفزهم.

• كيف تنظمهم وتحفزهم.

• كيف يمكن الاستفادة منهم وتحقيق أهدافها من خلالهم.

• أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

• وأن تمنح الثقة وتعطي الصلاحيات وتحاسب على الإنتاج فالقدرات تبنى بالمسؤوليات.

ومن واجبات القيادة

• أن تتابع العمل ولا تكتفي بالتقارير.

• القيادة الإسلامية لا بد أن تكون على درجة عالية من الكفاءة والثقافة الإسلامية والعلوم العصرية المتنوعة..

• وعلى القائد الإسلامي أن يكون حارسا للمبادىء أمينا على المفاهيم والتصورات التي يدعو لها.

• وعلى القائد الإسلامي أن يكون قدوة صالحة، راجح العقل، شجاعاً، حليماً، عفواً، رفيقاً، متثبتاً، وفياً للعهد، صادقاً، ذكياً، حاضر البديهة، سليم الصدر، لا يقبل السعاية والنميمة.

• وعلى القائد الإسلامي أن يتخذ البطانة الصالحة.

• وعليه قبل كل شيء أن يتأكد من تطبيق الشورى في جميع مواقع اتخاذ القرار.

• والقائد مسؤول عن عمله، يحاسب إن قصر أوأخطأ [4].

ولا بد من القول أن القيادة على الرغم من أنها عنصر واحد من عناصر العمل الإسلامي.. إلا أنها أهم العناصر..

فجميع القرارات الهامة في التاريخ مرتبطة بقائد ناجح. والقائد ليس الذي ينجح إذا تيسرت له فرص النجاح، ولكنه الرجل الذي يحوّل اليأس إلى أمل والعسر إلى يسر والإحباط إلى تفاؤل.. والهزيمة إلى نصر..

البيعة

في حالات كثيرة يكون الخلط بين قائد الجماعة المسلمة أيا كان اسمها.. وبين الخلافة أو قيادة الدولة الإسلامية.

وإذا كان خروج الفرد المسلم على الدولة الإسلامية يعتبر كبيرة من الكبائر.. فإن الأمر في حالة الجماعة الإسلامية ليس كذلك.. ولقد بالغ بعض الكتاب الإسلاميين عندما عرّفوا البيعة بأنها عهد على الطاعة، كأن يعاهد الرجل أميره (في الجماعة المسلمة) على أن يسلّم له النظر في نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره[5].

ونحن نعتقد أن البيعة تكون على الإسلام، وتكون على الجهاد، أما البيعة التي يعطيها الفرد في التنظيم الإسلامي لقائده، فهي عقد يوكله بموجبه بتصريف أمور التنظيم ضمن الضوابط الشرعية والقانونية التي تشملها لوائح التنظيم. فإن وفى القائد بهذا العقد كان له على الأفراد حق السمع والطاعة بالمعروف.. والوفاء بالبيعة واجب والغدر بها حرام، والتحلل منها جائز، ويكون بأن يطلب المبايع من الأمير أن يحلّه من بيعته حتى يتحلل من لوازمها[6].

أركان البيعة

في جميع الحركات الإسلامية أركان البيعة واحدة.. قد تختلف الألفاظ أو بعض التعريفات، ولكنها في الجوهر واحدة.

جاء في رسالة التعاليم للإمام حسن البنا (رحمه الله) حول البيعة فقال إن أركانها عشرة: الفهم، الإخلاص، العمل، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الأخوة، الثقة.

وهذا يعني أن الفرد في الجماعة قد بايع القائد على هذه الأركان، وعليه أن يلتزم بها فهما وعملا وجهادا.. ولا يجوز له أن يتجاوزها.. إلا إذا انفصل عن الجماعة.. وطلب من الأمير أن يحرره من بيعته.

الشورى والعدالة

والشورى هي أساس العلائق بين المسلمين.

والعدل هو شرط لإقامة علاقة صحيحة بين القائد والأتباع.

والشورى كما أنها أساس قانوني تقوم عليها العلاقات في كل تجمع إسلامي صغر أم كبر، كذلك فهي خلق إسلامي وصفة لازمة للمؤمنين المصدقين المستجيبين لله. قال تعالى: )والذين استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون( [7].

والشورى واجب على الحاكم والمحكوم، ونتائجها تلزم القائم بالأمر، ولا شورى بدون معلومات يقدمها المسؤول للآخرين، والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. أما حجب الشورى.. فهو سبب رئيس لانحدار الأمة والجماعات.

أما العدل الذي ينادي به الإسلام فهو عدل مطلق يساوي بين الناس، قال تعالى: )وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل( [8].

والعدل يوصف به الفرد، كما يوصف به المجتمع، وكما هو أساس الملك فهو أساس التعامل مع الجميع. مع الضعيف قبل القوي، مع الصغير قبل الكبير، مع المعاهد والذمي مثل المسلم سواء بسواء..

وعلى كل من تولى أمراً من شؤون المسلمين.. حاكما أو أمير نفر من المسلمين.. فمن أول واجباته العدل بين من يعول.. وبينهم وبين عامة الناس.

الطاعة

وللقائد المسلم مقابل أدائه لواجباته، وقيامه بحقوق الآخرين، السمع والطاعة بالمعروف. فمن غير المعقول أن يكون القائد قائما بما عليه لله وللأمة، ثم لا يكون مسموع الكلمة ولا مطاعاً، والطاعة بالمعروف قضية ضرورية في كل المجالات. ففي المصنع مثلاً لا يمكن أن تسير أموره ما لم تكن فيه قيادة مسموعة الكلمة، وفي الجيش لا يمكن تصوره بدون قيادة نافذة... وكذلك الأمر في شتى الأعمال.. ومنها التنظيمات الإسلامية وغير الإسلامية وكذلك شأن الدول والأنظمة. ولقد حث الإسلام على طاعة من يتخذ أميرا.. حتى ولو كان أمير عشرة.. فله عليهم السمع والطاعة ما لم يأمر بمعصية فعندها لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقضية الطاعة تحتاج إلى وقفة متأنية.. تراعى فيها الضوابط الشرعية من ناحية، والمصلحة من ناحية أخرى.. فهي طاعة مبصرة لا طاعة عمياء.. فعلى القائد أن يشرح الأمر لمن يكلف به ويقنعه بأهميته.. فالطاعة المقتنعة المبصرة خير وأدوم من تلك العمياء التي ينفذها الفرد دون أن يفهم.. وهي طاعة متحرية.. تتحرى الحق والصدق والخير والمعروف.. فلا طاعة في منكر ولا طاعة في معصية.. وذلك الصحابي الذي أوقد النار وطلب من جنوده أن يدخلوها.. أثنى رسول الله على موقفهم فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها». تحروّا الحق والمعروف.. وتمردوا على الطاعة العاصية.

وفي الوقت نفسه هي طاعة مستجيبة راضية فإذا كان القائد قائماً بواجباته آمراً بالمعروف، متحرياً للمصلحة والحق.. فعلى الآخرين أن ينفذّوا أمره راضين مستجيبين مطمئنين، فلا تسير الأمور بلا إمارة.. ولا تكون إمارة بغير طاعة.

التربية والتعليم

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجمع - في الأصل - بين عملين:

• عمل الدعوة.

• وعمل التربية والتنظيم.

ويتم هذان العملان بترتيب طبيعي. فيدعو المسلم الناس أولا إلى دين الله، ثم يُعنى بتربية الذين يؤمنون به وتنظيمهم.

وعلى هذه التربية وهذا التنظيم يتوقف نجاح الدعوة أو إخفاقها. فإذا كان التنظيم محكماً موطداً، والتربية سليمة قوية، أفلحت الدعوة، وإلا كان الفشل مصيرها المحتوم.

ولذلك كان بين الدعوة والإرشاد، وبين التنظيم والتربية صلة قوية وارتباط وثيق. فلا توجد التربية والتنظيم بدون الدعوة، كما أنه من المستحيل بلوغ الدعوة إلى غايتها المنشودة من غير تربية وتنظيم.

ومعنى ذلك أن قضية التربية والتعليم هي الجزء المكمل للدعوة والإرشاد في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والتربية والتعليم ضروريان لذلك الإنسان الذي استجاب للدعوة وشرح الله صدره للإسلام، فلا يصح أن يترك لفهمه القديم ولانحرافه السابق، فقد ثبت في السنة المطهرة، أنه عندما أسلم عمير بن وهب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

(فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن) [9].

وإذا لزم الدعاة أن يعلّموا أخاهم الإسلام، فإن عليهم كذلك أن يأخذوا أنفسهم بمزيد من الزاد العلمي وبدرجات رفيعة من التربية الربانية.. ففاقد العلم لا يستطيع أن يعطيه، وفاقد التربية لا يستطيع أن يكون قدوة صالحة لغيره.. ومن هنا فقضية التربية والتعلم مستمرة من المهد إلى اللحد، ضرورية للداعية ضرورتها للإنسان المدعو.

والمناهج التي تضعها التنظيمات السياسية أو الفكرية أو الدعوية الإسلامية هي التي تبني أفـراد هـذه التنظيمات وتوجههم وفق الهدف الذي رسمته لنفسها.

فمناهج الحركات العلمانية، غير مناهج الحركات الإسلامية.. ومناهج الحركات الإسلامية ذاتها تختلف باختلاف توجهاتها. من هنا فإن قضية المنهاج ذات خطر عظيم في نجاح الحركة أو فشلها.

ملاحظات لا بد منها

1- من الغلو اعتبار جماعة ما من الجماعات الإسلامية أنها جماعة المسلمين التي ورد ذكرها والمقصودة بالحديث: (من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).

2- في الساحة الإسلامية عدد كبير من الجماعات الإسلامية.. والأصل في تعامل هذه الجماعات مع بعضها ما ذكره الإمام حسن البنا: (بأنها ليست في ميدان منافسة، ولكن في ميدان تعاون قوي وثيق، فالغاية العامة مشتركة بين الجميع وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق يسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة القائمين عليها وتوجيه جهودهم) [10].

ونلتمس كل العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات، ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبدا حائلا دون ارتباط القلوب، وتبادل الحب والتعاون على الخير[11].

3- ليس مجرد الانتساب إلى جماعة إسلامية هدف في حد ذاته.. بقدر ما هو نفرة في سبيل القيام بالأعمال الكبرى والمصيرية.. التي يحقق الفرد فيها إقامة الدين في نفسه، وفي غيره من المسلمين، وتعليم الآخرين حقوقهم وواجباتهم تجاه دينهم.. وأن يصبر على صعوبة الطريق.. وأن يبتغي في ذلك كله مرضاة ربه.

وليحذر أحدنا من هذا الأمر، وليلحظ مقالة ابن القيم (رحمه الله) في اجتماع الإخوان بالقول: على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها، ولكن فيه ثلاث آفات:

• إحداها تزين بعضهم لبعض.

• والثانية الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.

• والثالثة أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.

كلام عظيم.. يحذرنا فيه ابن القيم أن تتحول لقاءاتنا إلى منتديات أنس أو أن تتحول الجماعة من وسيلة إلى غاية.

[1] في ظلال القرآن- سيد قطب 10: 191.

[2] أصول الدعوة - عبد الكريم زيدان، ص- 464.

[3] القيادة في العمل الإسلامي - للمؤلف.

[4] القيادة في العمل الإسلامي - للمؤلف.

[5] ماذا يعني انتمائي للإسلام - فتحي يكن، ص- 165.

[6] السلوك الاجتماعي في الإسلام- حسن أيوب، ص- 512.

[7] الشورى – 35.

[8] النساء - 58

[9] سيرة ابن هشام 2: 8.

[10] رسائل الإمام البنا، ص- 314.

[11] رسائل الإمام البنا، ص- 4.

مصادر البحث

1- القرآن الكريم.

2- صحيح مسلم.

3- البخاري.

4- مسند الإمام أحمد.

5- الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر- محمد محمد حسين.

6- واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم - المودودي.

7- الاستعمار الجديد - نكروما.

8- دور الطلبة في إعادة بناء الأمة- مصطفى محمد الطحان.

9- ملامح المجتمع المسلم - د. يوسف القرضاوي.

10- تفسير ابن كثير.

11- أضواء على الأصول العشرين- عصام أحمد البشير.

12- الرسالة - الإمام الشافعي.

13- فتح الباري.

14- فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.

15- المنطلق - محمد أحمد الراشد.

16- الزهد- عبد الله المبارك.

17- في ظلال القرآن - سيد قطب

18- الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية- المودودي.

19- مجلة المسلمون.

20- رسائل الإمام حسن البنا.

21- أصول الدعوة - عبد الكريم زيدان.

22- القيادة في العمل الإسلامي - مصطفى محمد الطحان.

23- ماذا يعني انتمائي للإسلام - فتحي يكن.

24- السلوك الاجتماعي في الإسلام- حسن أيوب.

25- سيرة ابن هشام.