العسكرية عهد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
العسكرية عهد

بقلم الإمام الشهيد حسن البنا

الإمام الشهيد-يستعرض-فريقًا-من-جوالة-الإخوان

عدة الأمة الناهضة (2)

(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (التوبة: 111).

يومَ أراد اللَّه تبارك وتعالى أن يُسعِدَ الإنسانيةَ وأن يعم العالم برحمته ويقدم للناس كافة نظاماً كاملاً يضمن لهم سعادة الدارَين، بعث إليهم رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه كتابه ومنحه أستاذية الدنيا جميعاً، وجعل كلَّ مسلم معه أو بعده صلى الله عليه وسلم حارساً على هذا الكَنْزْ ووارثاً لهذه الأستاذية الكبرى وقائماً بحق هذه المهمة العظيمة.

فليس عجيباً بعد ذلك أن يعقد الحق تبارك وتعالى بينه وبين هؤلاء الحراس من المؤمنين ذلك العقد المحكم، فيكون هو المشتري وهم البائعين، والسلعة: النفس والدم والروح، والجزاء: الجنة، وكيفية التسليم: جهاد في سبيل الحق وفناء في أداء هذه الحراسة القدسية للكنز الثمين. وهل تؤدَّى مهمةُ المؤمن الحق بأقل من هذا الثمن؟ كتب هذا العقد المحكم على صفحات التوراة والإنجيل والقرآن وشهد عليه عيسى وموسى ومحمد وجبريل، وليس أحد أوفى بعهده من اللَّه. فما أَربَحها من تجارة، وما أجزَله من ثواب، وما أقدَسها من بُشْرَى: (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم).

قالوا: إن هذه الآية حين نزلت فرح بها عامةُ الصحابة فرحاً شديداً، ووجد خاصتُهم في أنفسهم شيئاً: إذ قالوا أيشتري الله منا ما هو ملك له..؟ وكيف يشتري المالكُ مِلْكَهُ..؟ أوَقَدْ غلب علينا العقوق حتى لا نسلم للَّه وديعته إلا بثمن؟! فما أغلى هذا المشهد .. وما أسمى هذا المقام.

قال محمد بن كعب القُرَظيّ: لما بايعت الأنصارُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفساً أو اثنان وسبعون نفساً وامرأتان قال عبد اللَّه بن رواحة: يا رسول اللَّه، اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال: (أشترط لربي عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم) قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: (الجنة) قالوا: رَبِحَ البيعُ لا نَقيلُ ولا نَستقيلُ. فنزلت الآية.

تُرى في أية طريقة ولأية غاية يقدم المؤمنُ نفسَه للقتل..؟ لظلم وعدوان.. ! لمال ومُلْك وجَاه.. ! لاهتضام شعب واحتلال أرض وعبث بأمْن وانتقام لوهْم واعتزاز بجنس أو عصبية ..!

اللَّهم لا شيء من ذلك. . يتقدم المؤمنون إلى هذه الميادين، ولكن ليعلُو الحق ويسود العدل وتخفق راية السلام وتكون كلمة اللَّه هي العليا، وليقولها خليفتهم داويةً قوية جريئة ملءَ الأرض والسماء: متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟

أيها المسلمون:

إن نفوسكم ليست ملكاً لكم ومع هذا فقد اشتراها اللَّه منكم، وإن مهمتكم وإيمانكم وعزتكم لا تكمل بغير إنفاذ هذا البيع وتسليم الأمانة مهما حاولتم، وإن الأمانة ستُسْلم طَوْعاً أو كَرْهاً: (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) (النساء: 78) ولن يمنعها القعود من القتل إن كتب عليها، ولن يحدوها الإقدام إليه إن منحها اللَّه إياه، ففيم القعود إذن؟

ليتَ شِعْري! أي جزاء سيقدمه (موسولينى) لجنود الفاشية؟ لعل قطعة من طرابلس المهضومة أو من سهول الحبشة حيث يذوق أهلُها مر العذاب وينعم بعذابهم الفاتحون. وليت شعري أي جزاء سيقدمه (هتلر) لجنود النازية؟ لعله ُيمنِّيهُم اليوم بالكَمِرُون وذهبها أو بإفريقية الشرقية ومَطَّاطِها وغاباتها؟ وليت شعري! أي جزاء يُمنِّي به (ستالين) جنود البلاشفة الحمر؟ أظنهم سيقتسمون أنقاض الحمراء أو قصر طُلَيطلَة بإسبانيا.

أيها المسلمون:

أين هذا الجزاء مما أعده اللَّه لجنود الإسلام الفضلاء من جنة عرضُها السماوات والأرض، أكلها دائم وظلها، تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار. أفبعد هذا أيها المسلمون يغلبكم القوم بعسكرية طائشة على هذه العسكرية الفاضلة؟ حياكم اللَّه يا أبطالَ فلسطين وأحيا في المسلمين جميعاً همماً كهممكم.

جريدة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية السنة الرابعة العدد 26

في20 رجب 1355 هـ - 6 أكتوبر 1936م


المصدر:

رسالة الإخوان 2 - 10 - 2009 13 شوال 1430 هـ العدد 610