الصراع الفلسطيني - الفلسطيني

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الصراع الفلسطيني الفلسطيني من الشخصنة إلى لعبة المصالح


مقدمة

شعار الحملة.jpg

قد يرى البعض أنه لا مجال لمثل هذا الحديث الآن وسط ما يجري في غزة إلا أنه على الرغم مما يحدث في غزة فهذا هو الوقت المناسب لهذا الحديث؛ فالخوف على الفلسطينيين من الفلسطينيين أنفسهم أكبر من الخوف على الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي. الخوف أن يحدث لغزة من فصيل فلسطيني كما حدث من قبل في لبنان ونجد غزة بدون سلاح لتقاوم به الاحتلال. في وقت لم يبق للفلسطينيين سوى أنفسهم؛ فلن يحرر فلسطين سوى الفلسطينيين أنفسهم؛ فإن لم يتحدوا ويُلقوا خلافاتهم جانباً فلن تقم لفلسطين قائمة وستضيع حتماً القضية والدولة والشعب، وما ينطبق على الفصائل الفلسطينية قد ينطبق بالضرورة على فصائل عربية أخرى. المخاوف التي تطرحها هذه المقالة هي ألا يصبح الصراع الفلسطيني - الفلسطيني صراع أفكار وإنما يُصاب بثلاثة أمراض قاتلة أولها شخصنة الصراع وثانيها أن يصير صراع هوية والثالث صراع المصالح الشخصية.


شخصنة الصراع

تعني شخصنة الصراع ببساطة شديدة أن يأخذ المرء الأمر بصفة شخصية فينزع عنه أسبابه الفكرية ليصبح صراعاً بين الشخص "أ" والشخص "ب" وليس صراعاً بين فكر وفكر آخر. ولنعطي مثلاً واضحاً:


لو فرضنا أن شخصاً قام بمقاضاة رئيس الجمهورية أمام المحاكم هنا تكون القضية المنظورة أمام المحكمة ضد رئيس الجمهورية بصفته وليس بشخصه بمعنى أنه لو ترك رئيس الجمهورية منصبه ستظل القضية مرفوعة أمام المحكمة. إن مقاضاة رئيس الجمهورية لا ينتقص شيء من قدر ه ولكن لو فرضنا أن رئيس الجمهورية قد اعتبر أن مقاضاة مواطن له إنما هي إهانة له ولشخصه، ومن ثم قام بالتنكيل بهذا المواطن المسكين هنا يكون رئيس الجمهورية قد أخد الأمر على منحى شخصي. تنتبه الثقافة الأوربية لمأزق شخصنة الصراع لهذا نجدهم يقولون "لا تأخذ الأمر على نحو شخصي" وحقيقة إنّ أخذ الأمر على منحى شخصي هي آفة مصابٌ بها الكثير في دول العالم الثالث. فصراع حماس وفتح من المفترض فيه أنه صراعٌ إيديولوجيّ بالدرجة الأولى فكل طرف يرى مصلحة الشعب الفلسطيني من منظور معين، قد يختلفان ولكن لا يمكن لهما أن يتقاتلا؛ فعرفات والشيخ ياسين رحمهما الله كلٌ كانت له وجهة نظر مغايرة ولكن لم يقم أي منهما بالتجريح في الأخر فكلاهما كان يحترم الآخر، ولم يصبح الصراع بينهما هو صراع عرفات – الشيخ ياسين. وهذا أفضل نموذجاً لصراع الأفكار.


صراع الهوية لدى الفلسطيني

هناك مفهوم نفسي يطلق عليه "تقدير الذات" والذي يعني ببساطة أن هناك مقومات يمتلكها الفرد والتي يقدر نفسه على أساسها، وهذه المقومات هي التي تضمن له وجوده وتحفظ له هويته وتخلق له انتماءاته، كأن يبنى تقدير الشخص لذاته على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو الانتماءات السياسية أو الصفات الشخصية التي يمتلكها الشخص ويقدرها في نفسه وعندما تختل هذه المقومات فإنّ الشخص يعيش أزمة هوية قد تصل في شدتها إلى أزمة وجود.


عندما يهتز وجود الفلسطيني ويقتصر وجوده ومقوماته التي يقدر نفسه على أساسها أن يكون منتمياً فصيل بعينه كأن ينتمي إلى فتح أو حماس هنا تظهر عصبية أقرب ما تكون إلى العصبية القبلية وقد ينتهي الأمر في سعي الفلسطيني للحفاظ على وجوده في مقابل الآخر أن يقتل أخيه الذي ينتمي للفصيل الآخر. ولا يخفى على أحد أنّ الكيان الصهيوني تعاني على مستوى الدولة من أزمة الوجود هذه ولهذا تذهب الدولة الإسرائيلية إلى أكثر الأمور دموية وإبادة للشعب الفلسطيني. دائماً ما يسقط في صراع الوجود على هذا النحو العوام والبسطاء، فلا يوجد في عقل الفلسطيني البسيط عندما يقتل أخيه الفلسطيني من فصيل آخر سوى الحفاظ على وجوده ذلك أنه يعاني في الأساس من أزمة وجود. فعندما يقتتل المسيحي والمسلم أو السني والشيعي أو الفتحاوي والحمساوي لا يعكس ذلك سوى أزمة وجود، فالهــوية لدى أي منهم لا ترتكز سوى على الصفة كونه مسيحي أو مسلم أو سني أو شيعي أو فتحاوي أو حمساوي.


لعبة المصالح الشخصية

يسعى في صراع المصالح الشخصية كل طرف من أطراف الصراع إلى تحقيق مصلحة شخصية تعود على أشخاص بعينهم والتي قد تصل إلى مجرد الحفاظ على الكرسي أو حتى مصالح بزنس خالصة، وما أكثر هؤلاء من قادة في عالمنا العربي. فهؤلاء دائماً يدّعون ما ليس لهم به من صلة فيعلنون أهدافاً نبيلة للصراع والحقيقة غير ذلك. هؤلاء القادة يتلاعبون بعقول شعوبهم ومناضليهم الشرفاء ليزجوا بهم في أعمال قتال مع خصومهم قتال في واقع الأمر لا ناقة لهم فيه ولا جمل.


يتلاعبون بعقول البسطاء ليجعلوا الصراع لديهم يتسم بالشخصنة بل ويُصعّدوا الأمر ليأخذ شكل الدفاع عن الوجود، ولكن الحقيقة غير ذلك. لقد أضاع اللبنانيون سنوات طويلة في حرب أهلية لم يذهب ضحيتها سوى البسطاء هم الذين تم قتلهم وتم تشريدهم وبقي القادة في حصونهم ولم يمسسهم سوء، وقع البسطاء في فخ الحفاظ على الهوية الذي نصبه لهم قادة النزاع.


وقد يصل الأمر بالمصالح الشخصية إلى امتهان الدعارة السياسية، فإذا كانت مهنة الدعارة هي تلك العملية التي يتم فيها بيع الجسد نظير مقابل مادي تحصل عليه من تبيع جسدها ممن استمتع بهذا الجسد وقد يقوم القواد بالوساطة بينهما في مقابل أن يحصل هو أيضاً على مقابل مادي من أي من الطرفين أو كليهما. يجوز على هذا المنوال الحديث عن دعارة سياسية يبيع فيها الشخص شرفه الوطني نظير مقابل مادي يحصل عليه ممن استخدم هذا الشرف لمصلحته الخاصة وكثيراً ما يوجد الوسيط بين الطرفين. وكما أنّ هناك تسعيرة لكل داعرة تتفق ومستوى الجمال والأداء والثقافة وغيرها من المقوّمات، أيضاً هناك تسعيرة في عالم الدعارة السياسية تتفق ومستوى الداعر السياسي الذي يبيع شرفه، فقد نجد داعر بدرجة مدير أو من هو أقل ليصل لمستوى داعر يهتف في موكب الوزير أو داعر أعلى بكثير جداً من درجة المدير. إذا صحت هذه المقارنة فأخشى أن أقول إننا الآن نعيش الآن ظاهرة "الدعارة في زمن العولمة" وأنّ هذه الظاهرة صارت تلون الكثير من ممارساتنا السياسية والكثير أيضاً من الصراعات في عالمنا العربي. أمثال هؤلاء القادة من قوادي السياسة وداعريها والمنتفعة أعمالهم الخاصة وحساباتهم في البنوك يجب أن يرحلوا ويتركوا القيادة للشرفاء.


تجيد إسرائيل اللعب على وتر المصالح الشخصية لدى القادة العرب ودائماً ما تكشف عن لعبة المصالح هذه؛ فعندما يحدث اتفاق للمصالح في اجتماعات سرية تخرج إسرائيل لتكشف عن هذه الاجتماعات وهي تهدف من ذلك إسقاط هذه القيادات لدى شعوبها، ولتحولهم من ممارسين للدعارة السياسية في الخفاء إلى متبجحين في العلن. تعرف إسرائيل جيداً كيف تستغل الغباء والطمع العربي وانشغال تلك القيادات في تحقيق مصالحها الشخصية لتحقق هي مصالحها الأيديولوجية حتى في أصعب المواقف التي تواجه فيها إسرائيل الخسارة العسكرية فتسارع بالقيام بأي عمل من شأنه تحسين صورتها أو إعطائها أية مكاسب تتفاوض عليها، فكما فعلت في حرب 73 وقامت بثغره الدفرسوار، فعلت الشيء نفسه في حربها مع المقاومة في جنوب لبنان فقامت بتطويل أمد الحرب والادعاء بأنها لن تنهيها لتحصل بذلك على أكبر مكسب ممكن على طاولة التفاوض.


لقد استثمرت الخلاف بين القوى الوطنية ومحاولتها تقويض حزب الله وحققت ما تريد وفقاً للبند الثامن من القرار 1701 بجعل المنطقة الواقعة بين ما يسمى الخط الأزرق ونهر الليطاني منزوعة من سلاح المقاومة، كما أدخلت القوات الدولية فيها للتفتيش على هذا السلاح. إن موافقة المفاوض اللبناني على هذا الطلب الذي لا أظنه كان مضطراً له بقدر أنه حقق مصلحة خاصة في صراعه مع قوة حزب الله، فخرجت إسرائيل وقد حققت مكسباً كبيراً ما كان لها أن تحققه لولا الخلاف بين القوى اللبنانية الذي كشف عن نفسه بشكل سافر بعد انتهاء الحرب.


والحال نفسه في حرب 1973 فلو كان السادات قد أخذ برأي الفريق سعد الدين الشاذلي بإبادة الثغرة بمن فيها من جنود مصريين وإسرائيليين، لكان الإسرائيليون استسلموا مع أول قذف للثغرة ولخرجت إسرائيل بأكبر فضيحة عسكرية، ولكن كان للسادات أجندته الخاصة حسبما أظن. والآن نعيش الموقف نفسه في غزة فالخوف من أن يتفق الجميع في صراعهم مع حماس على أن يبيعوا حماس وأهالي غزة لإسرائيل ظناً منهم أنهم بذلك سيقضون على حماس والواقع أنهم لن يقضوا سوى على القوة الضاربة لهم. وقد بدأ يظهر بوادر ذلك في الأفق فيما صرح به بوش بأنّ حماس مسئولة عن محرقة غزة ولا سلام بدون آلية مراقبة تمنع الأسلحة عن القطاع. إنّ في هذا بالضبط تكرار للسيناريو الذي حدث من قبل في جنوب لبنان خاصة وأنّ هناك خبر قد نشر في وسائل الإعلام عن اتفاق مصر والولايات المتحدة الأمريكية على القيام بعمل مشترك تقوم فيها القوات المصرية باستخدام التقنية الأمريكية بمسح الحدود مع غزة لاكتشاف الأنفاق التي يتم تهريب السلاح عبرها. لو حدث واستُصدر قرارٌ من الأمم المتحدة أشبه بالبند الثامن من القرار 1701 فسيكون ذلك أكبر ضربة للقضية الفلسطينية لتحقيق أجندة خاصة للقوى المتصارعة للقضاء على حماس.


في النهاية هل يمكن لهؤلاء البسطاء أن يفيقوا من سباتهم ليدركوا حقيقة الأمر ويتوقفوا عن كونهم مجرد أداة لتحقيق مصالح الآخرين الشخصية؟ هل يمكن لهؤلاء البسطاء أن يجدوا في أنفسهم ما يرتكنوا عليه ويقدرون به ذواتهم وبالتأكيد إنّ لديهم الكثير والكثير بدلاً من الدخول في أزمة وجود سيخرج منها الجميع خاسراً؟ هل يمكن لهؤلاء البسطاء أن يرتقوا بصراعاتهم لتكون صراع أفكار لا يقتل فيه الفلسطيني أخيه؟! هل يمكن لهؤلاء البسطاء أن يلفظوا أمثال هؤلاء القادة الذين لا يسعون لمصلحة فلسطين وإنما عيونهم تنظر دائماً لمصالحهم الشخصية؟ هل يمكن لهؤلاء البسطاء أن يجلسوا معاً الفلسطيني البسيط من فتح يجلس مع الفلسطيني البسيط من حماس وأن يتفقوا أولاً على ما هي المشكلة التي يختلفون عليها ويحددونها ثم يسعون لحلها بدلاً من جلوس كل طرف في مواجهة الآخر؟ هل يمكن لهؤلاء البسطاء أن يجلسوا جنباً إلى جنب في مواجهة المشكلة وفي مواجهة المنتفعين والمتربحين من القضية؟ هل يمكن لهؤلاء البسطاء أن يتناقشوا دون أن ينفعلوا ودون أن يرفض كل منهم الآخر ودون أن يضغط كل منهم على الآخر ودون أن يُصعّد كل منهم الموقف ليصل إلى أن يقتل الفلسطيني البسيط أخيه؟ هل يمكن لهؤلاء البسطاء أن يحولوا المواجهة فيما بينهم إلى تعاون مشترك باعتبار أن لديهم حُسن النية وأنّ هدفهم واحداً.