الشيخ حسين حلاوة: مسلمو أوروبا يحفظون الذات ويكوِّنون المؤسسات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ حسين حلاوة: مسلمو أوروبا يحفظون الذات ويكوِّنون المؤسسات

[15-10-2003]

مقدمة

في حوار مع الشيخ "حسين حلاوة "أمين المجلس الأوروبي للفتوى:

نسعى لتحقيق معادلة (محافظة بلا انغلاق.. واندماج بلا ذوبان).

أنشأنا مدارس (الويك إند) للحفاظ على اللغة العربية والهوية الإسلامية.

تجاوز المسلمون في الغرب مرحلة الجاليات، وصاروا أقليات مؤسسية محترمة.

تجديد الخطاب لا يعني تقديم الإسلام المستأنس أو حذف الجهاد من التعليم.

فتاوى المجلس خاصة بمسلمي الغرب وتراعي التيسير ومقتضيات الواقع.

مستقبل المسلمين في أوروبا مرتبط بتخلصهم من بعض العيوب الملازمة لهم، ويتعلق بتشبثهم بالتكتلات المحلية دون الاندماج مع بعضهم بما يحول دون فاعلية دورهم المستقبلي، كما يتوجَّب عليهم تقديم الصورة الحقيقية عن الإسلام والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، لا سيما أن بعضهم يركِّز أهدافَه على جمع المال بالوسائل، سواءٌ من خلال الزواج بغير مسلمات- بغرض الحصول على الإقامة الشرعية- أو السعي للحصول على الضمان الاجتماعي الذي تقدمه بعض الحكومات الأوروبية دون وجه حق!

وتتمحور مشكلات المسلمين في أوروبا حاليًا حول ظروفهم الاقتصادية السيئة، كما أن أكبر المشكلات التي تواجههم هي مشكلة التغريب، وعدم تحقيق المسلم الاندماج والذوبان الكافي في المجتمع الأوروبي؛ مما يسبِّب مشكلات اجتماعية كبيرة له.

هذا ما يؤكده الشيخ "حسين أحمد حلاوة"- الأمين العام للمجلس الإسلامي الأوروبي للفتوى والبحوث، وإمام المركز الإسلامي بدبلن بإيرلندا- في الحوار التالي حول أوضاع المسلمين في أوروبا وما حقَّقوه في أوروبا، وطبيعة التحديات التي تواجههم، فضلاً على أنشطة المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث.

محافظة واندماج

  • بدايةً: نودُّ التعرُّف على أحوال المسلمين في أوروبا بعد أحداث11 سبتمبر؟
مرت أحوال المسلمين بأوروبا بتحديات عدة، فقبل أحداث سبتمبر كانت أوضاعهم تتَّجه ليصبحوا أقليات وليس جاليات؛ نظرًا لتغلغلهم في مناحي الحياة الأوروبية كافة، وأنتجوا أجيالاً ثانية وثالثة مثلما حدث في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، كما وصل عددهم إلى5 ملايين في تلك الدول، وكانت هذه الأقليات تطالب بحقوقها وتفاعلت معها مؤسسات الدول الأوروبية ومؤسسات المجتمع المدني.
ولكن بعد أحداث سبتمبر أصيب المسلمون في دول أوروبية عدة ببعض الانتكاسات، ولكن صحوة المسلمين في أوروبا حدت بهم لتكوين المؤسسات التي تحفظ هويتهم وتساعدهم على أن يعيشوا بإسلامهم في وسط المجتمع الكبير من حولهم، غير مفرِّطين في أصولهم ولا منعَزلين عن مجتمعاتهم.
  • أشارت تقارير معتبرة إلى أن إقبال الغربيين على الإسلام زاد بعد أحداث سبتمبر على غير المتوقَّع؟
في حقيقة الأمر فإن مِنَح الله تأتي في وسط المحن، والمحنة التي خرج بها المسلمون من أحداث سبتمبر، أن الشعوب الأوروبية لا تعرف المسلمين جيدًا، ثم بدأت تقبل على الإسلام بقوة، لدرجة أن مبيعات الكتب خلال الستة أشهر بعد أحداث سبتمبر تكاد تعادل مبيعات سنوات عدة سابقة، وبدأت المراكز الإسلامية تمتلئ بالسائلين عن الإسلام، كما أنَّ عدد الذين دخلوا في الإسلام عقب أحداث سبتمبر يزيد بمراحل على أضعاف من دخلوا في الإسلام قبل ذلك.
ويحضرني موقف حدث معي: جاءت الأم ومعها بنتان، وقالت إن أباهما مات وقد كبُر سني، وأثِق في المسلمين أن يحفظوا ابنتيَّ ويربوهما تربية رشيدة، وأنا أخاف عليهم من ذئاب الغرب، وهذه أموالهم التي ورثوها عن أبيهم، وكنا في دبلن يأتينا يوميًا آلاف الزهور والرسائل التي تعتذر لنا عما يذيعه الإعلام الغربي، انطلاقًا من وعي الشعوب الأوروبية بحقيقة الإسلام.

مشكلات اجتماعية لا سياسية

  • وماذا عن واقع المسلمين وطبيعة المشكلات التي يتعرضون لها في مجالات التعليم والمجالات السياسية والاجتماعية؟
تتمحور مشكلات المسلمين في أوروبا حول ظروفهم الاقتصادية السيئة؛ حيث إن غالبيتهم نزحوا إلى أوروبا للدراسة أو تحصيل المال وطلب المعيشة الكريمة، وبقوا في أوروبا مكونين أجيالاً عدة من المسلمين، ولكن بفضل التكاتف ومساعدة إخوانهم المسلمين من الشرق لهم، نجحوا في إقامة مؤسسات ومعاهد ومنظمات فاعلة في المجتمع الأوروبي.
وأكبر المشكلات التي تواجه المسلمين في أوروبا مشكلة التغريب؛ لأنه حتى يحقق المسلم الاندماج وعدم الذوبان في المجتمع الأوروبي يحتاج ذلك منه جهدًا كبيرًا.
وهناك مشكلات اجتماعية كبيرة تواجه المسلمين، منها ما يتعلق بما ينتج عن الزواج المختلط بين المسلمين وغير المسلمين، وكذلك فقدان معاني وقيم الحياة الاجتماعية التي يعيشها مسلمو الشرق، فالاهتمام بالتربية والتوجيه ضعيف جدًا من قبل الأسرة؛ حيث تنفك الروابط الاجتماعية للأسر والعائلات، وأيضًا علاقة الزوج بزوجته التي تعاني من مشكلات عدم الاستقرار والتآلف بسبب طبيعة الحياة المادية في الغرب عمومًا، والتي تبتلع جزءًا كبيرًا من وقت الإنسان دون قدرة منه على التوقف عن طاحونة العمل لمواجهة مطالب الحياة العالية في الغرب، بما يخلق ضغوطًا عدة على الأم في تربية الأبناء.

مدارس "الويك إند"

كما تواجه العملية التعليمية لمسلمي أوروبا إشكالية الهوية بما تحمله من ضغوط حادة عليهم؛ حيث يندر وجود المدارس التي تعلم التربية الاسلامية واللغة العربية .
فمعظم المدارس يتبع نظامها نظام البلد الموجودة به، بما يسهل على الابن نسيان دينه ولغته وهويته الأصلية.
ولمواجهة تلك التحديات أنشأت الأقليات الإسلامية نماذج مختلفة من المدارس، فأنشأنا مدارس إسلامية كاملة في بريطانيا وألمانيا، وهناك مدارس "الويك إند" في نهاية الأسبوع التي تدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية للحفاظ على وجودنا كمسلمين في أوروبا، لكن هذه المدارس تعاني قلة المختصين؛ حيث يدرس فيها بعض المهندسين أو الأطباء أو غيرهم من غير أهل الاختصاص لتغطية العجز.
وفي فرنسا أنشأ المسلمون كلية الدراسات الإسلامية التابعة للمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية التي تمنح درجة البكالوريوس في الشريعة وفي اللغة العربية، وتعلم اللغة العربية لغير العرب.
لكن المشكلة التعليمية تكون قاسية في حالة زواج الأب بغير مسلمة أو غير عربية؛ إذ تعلم الأبناء لغتها ودينها في ظل غيبة الأب عن المنزل ومنح القوانين الأوروبية الأمَّ حق تربية وتعليم الأبناء.
  • وماذا عن مشكلة حجاب بعض المسلمات في فرنسا اللائي يعملن في مجال التعليم؟
هذه مسألة تختلف من دولة إلى أخرى، وفي فرنسا هي مسألة شد وجذب، وتحركها بعض القوى السياسية وجماعات الضغط، ولكن المسلمون نجحوا في استصدار أحكام قضائية تثبت حقهم في ارتداء الحجاب، كما نجح مسلمو فرنسا في تشكيل اتحاد إسلامي لهم، منتخب من المنظمات الإسلامية كافة، واجتمع بهم وزير الداخلية الفرنسية مؤخرًا لمناقشة قضاياهم، بما يفعل دور مسلمي فرنسا كقوة ذات وزن كبير على الساحة السياسية الفرنسية.
ومشكلة الحجاب أن بعض الجهات تحمله اتجاهات معينة متطرفة؛ أي يعني بالنسبة لتلك الجهات أن من ترتدي الحجاب فإنها تنتمي لتيار معين، وقد وجه المجلس الأوروبي نداءات للحكومات الأوروبية وللحكومة الفرنسية خاصة بأن تطبق عليهم علمانية الدولة التي تتيح للجميع ممارسة عباداتهم دون المساس بحرية الآخرين.

من المساجد إلى المؤسسات

  • كيف ترى وضع المسلمين في أوروبا الآن؛ إلى تقدم أم إلى تراجع؟ وماذا عن مستقبلهم؟
في الحقيقة، وضع المسلمين في أوروبا الآن في تقدم كبير، فبرغم المضايقات التي حدثت للمسلمين مؤخرًا، إلا أنهم في تقدم مستمر.
فمنذ سنوات عدة كان كل هم المسلمين يتمحور في كيفية توفير مكان للصلاة فقط، بينما الآن أصبحت قضيتهم ايجاد المؤسسات والمرجعيات، مثل: المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث لتوفير الاجتهادات الفقهية المناسبة لهم.
وقد بدأ تواجدهم الأوروبي على مستوى الاتحاد الأوروبي نفسه، مثل: اتحاد الأئمة والدعاة، واتحاد الإعلاميين الإسلاميين، ورابطة المدارس الإسلامية؛ وهي مؤسسات تمثل المسلمين وتحمل قضاياهم نظرًا لأن الغرب الآن يسعى نحو التكتلات والاتحادات، ومن ثم طور المسلمون آليات تفاعلهم مع الحياة الأوروبية من خلال تلك المؤسسات، حتى أصبح منهم أعضاء في البرلمانات الأوروبية.
كما أن مستقبل المسلمين في أوروبا سيشهد تطورًا كبيرًا في المرحلة المقبلة؛ إذ طالب اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مؤخرًا في النمسا بفتح فرع لاتحاد مسلمي أوروبا في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، وأبدوا تعاونهم مع مشكلات المسلمين في أوروبا.
ويبقى أن نشير إلى أن مستقبل المسلمين في أوروبا مرتبط بتخلصهم من بعض العيوب الملازمة لهم، وتتعلق بتشبثهم بالتكتلات المحلية مثل المسلمين العرب، والهنود، والأفارقة دون الاندماج مع بعضهم بما يحول دون فاعلية دورهم المستقبلي، كما يتوجب عليهم تقديم الصورة الحقيقية عن الإسلام والدعوة للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.
مستقبل مسلمي أوروبا تحفه أيضًا بعض المخاطر؛ ذلك أن معظم من يهاجر إلى أوروبا في الفترة الأخيرة يركز أهدافه كلها على جمع المال بجميع الوسائل؛ سواء من خلال الزواج بغير مسلمات بغرض الحصول على الإقامة الشرعية، أو السعي للحصول على الضمان الاجتماعي الذي تقدمه بعض الحكومات الأوروبية، بالرغم من أنه يعمل ويكسب المال..وتعد هذه النماذج علامة سيئة في جبين مسلمي أوروبا بما يقدمونه من ممارسات غير لائقة بالإسلام والمسلمين، بما يمهد إلى فشل هذه النوعية من المسلمين.
ولقد أصدر المجلس فتاوى عدة تحرم مثل ذلك الزواج وتلك الممارسات المبنية على التدليس.

اللوبي الإسلامي والمنظمات الصهيونية

  • وهل يمكن ايجاد لوبي إسلامي للدفاع عن قضايا العرب والمسلمين استغلالاً لتلك الأرضية التي يتربع عليها مسلمو أوروبا؟
نجح بعض المنظمات الإسلامية في كسب تأييد عدة مؤسسات وفاعليات أوروبية لمناصرة قضايا فلسطين والعراق، وحركنا دعوات قضائية عدة ضد اتهامات بعض المغرضين للمسلمين بالإرهاب والتطرف.
  • وما تقويمكم لدور المنظمات اليهودية والصهيونية في ذلك الإطار قياسًا على دوركم؟
في الحقيقة، هذه المنظمات واسعة الانتشار، وقوية التأثير في المجتمع الأوروبي؛ وهي تعرف ماذا تريد؟ وتتحرك لتحقيق أهدافها بشتى الوسائل.
وهنا أفرق بين اليهود والصهونية، فلنا في أوروبا علاقات مع بعض اليهود في أمريكا وأوروبا.. وقد التقيت مع حاخام يهودي، وأبدى تجاوبًا مع قضايا فلسطين وحقهم في دولتهم، لكن إشكالياتنا مع العنصرية والصهيونية التي تساعد الاحتلال والاستيطان في الأراضي الإسلامية.
  • ولكن- وأنتم في أوروبا- كيف ترون قضية العقول المهاجرة التي دفعت الغرب نحو التقدم وتراجع المسلمين في الشرق؟
هذه العقول حينما خرجت من أوطانها تركت خلفها فراغًا كبيرًا أدى إلى تراجع المسلمين في تلك الدول التي أصبحت في حاجة لاستيراد أصناف التكنولوجيا والسلع كافة، وحتى العقول لإدارة مشروعاتها!
إلا أن الظروف الاقتصادية في الدول العربية والإسلامية حالت دون تفعيل دور تلك العقول المهاجرة في دولها، فكان لزامًا عليها أن تهاجر لإتمام ما بدأته من تفوق ونبوغ، إلا أننا في المجلس أصدرنا فتاوى عدة حول ضرورة نقل الخبرات والاختراعات إلى دولنا الإسلامية لدفع حركة المسلمين والإسلام نحو التقدم والتكنولوجيا كفريضة عصرية تتحقق من خلال الحوارات والزيارات والسعي لتوطين التكنولوجيا في أوطاننا.
وأدعو الحكومات الإسلامية إلى تهيئة المناخ لتلك الأمور، ولتحقيق التواصل والتعاون بين الشرق والغرب.

تجديد الخطاب الديني

  • يثار في الآونة الأخيرة موضوع تجديد الخطاب الإسلامي في عصر العولمة.. ما رأيكم في تلك القضية؟
في الحقيقة.. خطابنا الإسلامي في عصر العولمة بحاجة ملحة إلى تغيير وتطوير، وهذا لا يعني تغيير الثوابت والأهداف الاسلامية، بل تغيير أساليب الدعوة وفنون التعليم؛ وذلك لأننا تعودنا الحديث إلى أنفسنا، وأن لا يسمع غيرنا صوتنا، أما الآن فما يقال في مكان ينتقل في الوقت نفسه إلى العالم كله؛ لذلك فإننا بحاجة إلى خطاب يجمع بين روحانية المتصوف وتمسك الأثري، وعقلانية المتكلم، وعلمية الفقيه يأخذ من كل صنف خير ما عنده، ونحتاج في خطابنا أيضًا إلى مراعاة الانتقال من الشكل الغوغائي والمظهر إلى الحقيقة والجوهر ومن الكلام والجدل إلى العطاء والعمل، ومن العاطفية إلى العقلانية العلمية، ومن الفروع إلى الأصول، ومن التعسير والتنفير إلى التيسير والتبشير ومن الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد، ومن التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق، ومن الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال ومن الاختلاف والتشرزم إلى الائتلاف.
وتتبلور منهجية الخطاب الديني كما رسمه القرآن الكريم في وجوب الدعوة إلى الله على كل مسلم، وربانية الدعوة إلى الله لا لقوم أو عصبية، ودعوة المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة بما تحمله من استيعاب الأدلة العلمية والمقنعة والرفق والتدرج، وترتيب الأصول والأولويات، وحوار المخالفين بالحسنى.
كما يستلزم التمسك بالثوابت والأصول في عرض الإسلام، فليس من تجديد الخطاب الديني تقديم الإسلام المستأنس مكسر الجناح منزوع السلاح، أو تقديمه على أنه علاقة شخصية بين العبد وربه فقط، وليس منهج حياة كامل للفرد والأسرة والمجتمع، أو ليس منه حذف بعض الآيات عن بعض المخالفين لنا، أو حذف الحدود من النظام الجنائي أو حذف الجهاد من العلاقات الدولية أو حذف الغزوات من السيرة.
أما عن خصائص الخطاب الديني الإسلامي في عصر العولمة، فينبغي أن يراعي مكان المخاطبين وزمانهم وظروفهم، ولابد أن يكون خطابنا مؤمنًا بالوحي ولا يغيب العقل، يحرص على المعاصرة ويتمسك بالأصالة، ويدعو إلى الجد والاستقامة، ويدعو للروحانية وألا يهمل المادية، ويتبنى العالمية ولا يغفل المحلية، ويستشرف المستقبل ولا يتنكر للماضي، ويصون حقوق الأقلية ولا يظلم الأكثرية، وينادي بالاجتهاد ولا يتعدى الثوابت، وينصف المرأة ولا يجور على الرجل مع فتح الصدر لخطأ الآخرين، ومن ثم فإن تغيير اسلوب الخطاب الإسلامي ضرورة فقهية معاصرة لتقريب الشاردين والمخالفين إلى منهج الإسلام وثوابته العقدية والاخلاقية، ولكي نزيل الشبهات العديدة التي أدى الخطاب المستفز إلى تحامل الآخرين علينا بسببها.
  • ولكن ما رأيكم في الدعاوى والهجوم الشرس في الغرب ضد الإسلام باتهامه بالإرهاب وتبني العنف.. لدرجة وصلت إلى حرمان طلاب العلم المسلمين من إكمال دراستهم؟
بعيدًا عن تلك المعاني التي يروج لها منظمات واتجاهات معادية للإسلام، فقد أصدر المجلس في دورته الأخيرة بالسويد أكد فيها أن أساس علاقة المسلم بغيره هى علاقة رحمة وبر وتعايش سلمي، ويرتبط بهذه العلاقة مفهوم الجهاد الذي أُسيء فهمه وتطبيقه في بعض الأحيان.
وللجهاد معان عدة، منها: جهاد النفس بتزكيتها، والجهاد بالمال والقلم واللسان والعلم والتقنية، بل والدعوة بالقرآن نفسه بإبلاغه للناس، ومن الجهاد كذلك الجهاد في ميدان المعركة.
وقد أجمع الفقهاء على مشروعية الجهاد لمقاومة شتى أنواع الاضطهاد والاحتلال العسكري لأراضي المسلمين.
وهذا الصنف من الجهاد أمر وثيق الصلة بالحقوق المشروعة والإنسانية لسائر البشر، ولا يكون القتال إلا آخر خيار بعد استنفاد الوسائل السلمية، ويلاحظ أن شروط وقيود استخدام القوة ينطبق على الخلافات التي تقع بين المسلمين، فإن الأصل في ذلك هو الجهاد السلمي والمدني الذي تكلفه القوانين المعاصرة كالغضرابات والاعتصامات والمسيرات السلمية، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما ما يقوم به الصهاينة في فلسطين فهو إرهاب للمسلمين يستوجب رده؛ لأن الكفاح المسلح يكون مشروعًا في تلك الحالة.

أنشطة.. وفتاوى

  • في الختام، أريد منكم إلقاء الضوء على أنشطة المجلس الإسلامي للفتوى والبحوث؟
يُعتبر المجلس هيئة علمية اسلامية متخصصة مستقلة، ويتكون من مجموعة من العلماء، ويهدف المجلس لإيجاد التقارب والتعاون بين علماء الساحة الأوروبية، والعمل على توحيد الآراء الفقهية فيما بينهم حول القضايا الفقهية المهمة، ويسعى المجلس لإصدار فتاوى جماعية تسد حاجة المسلمين في أوروبا وتحل مشكلاتهم وتنظم تفاعلهم مع المجتمعات الأوروبية في ضوء أحكام الشريعة ومقاصدها، وتعالج الدراسات الشرعية وبحوث المجلس الأمور المستجدة على الساحة الأوروبية بما يحقق مقاصد الشرع ومصالح الخلق.
ويسعى المجلس لترشيد المسلمين في أوروبا عامة وشباب الصحوة الإسلامية خاصة، عن طريق نشر المفاهيم الأصلية والفتاوى الشرعية القويمة.
  • لكن المجلس أصدر مؤخرًا فتاوى عدة أثارت لغطًا شديدًا بين علماء السعودية وعلماء الشرق عمومًا، مثل: فتاوى بقاء الزوجة التي أسلمت مع زوجها غير المسلم، وجواز ميراث المرأة المسلمة من زوجها غير المسلم.
في الحقيقة يعتمد المجلس في إصدار الفتوى على مصادر وضوابط عدة تتركز حول مصادر التشريع الإسلامي المتفق عليها بين جمهور الأمة، وهي: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع، والقياس، ومصادر التشريع المختلف فيها؛ كالاستحسان، والمصلحة المرسلة، وسد الذراع، والاستصحاب، والعرف، ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا، وذلك بشروطها وضوابطها المعروفة عند أهل العلم، لاسيما إذا كان في الأخذ بها مصلحة للأمة.
وترتكز منهجية الفتوى لدى علماء المجلس على اعتبار المذاهب الأربعة وغيرها من مذاهب أهل العلم ثروة فقهية عظيمة، ويختار منها ما صح دليله وظهرت مصلحته، مع مراعاة الاستدلال الصحيح في الفتوى، والعزو إلى المصادر المعتمدة، ومعرفة الواقع ومراعاة التيسير، ووجوب مراعاة مقاصد الشرع واجتناب الحيل المحظورة والمنافية لتحقيق المقاصد.
أما فتوى بقاء الزوجة التي أسلمت مع زوجها فإن المجلس أتى بآراء ثبتت في بطون الكتب، وفرقنا بين زواج المرأة من غير المسلم، وفرقنا بين الحالة في دار الإسلام وفي دار الحرب ) الهجرة(؛ حيث تبقى الزوجة على ذمة غير المسلم ويعرض عليه الإسلام، وقدمنا الآراء الفقهية كافة، ورجحنا بقاءها مع زوجها، خاصة أن النساء في الغرب أكثر إقبالاً على الدخول في الإسلام من الرجال، وهي ظاهرة معروفة.
فإذا كانت المرأة غير متزوجة فلا إشكال إلا من حيث حاجتها إلى الزواج من رجل مسلم، ولكن الإشكال يكمن فيما إذا كانت متزوجة ودخلت في الإسلام قبل زوجها أو دونه، وهي تحبه وهو يحبها، وبينهما عشرة طيبة طويلة، وربما كان بينهما أولاد وذرية. ماذا تفعل المرأة هنا وهي حريصة على الإسلام، وفي الوقت نفسه حريصة على زوجها وأولادها وبيتها؟
إن عامة المفتين يفتون هنا بوجوب فراقها لزوجها بمجرد إسلامها أو بعد انقضاء عدتها منه على الأكثر، وهذا يشق على مسلمة حديثة عهد بالإسلام أن تفعله، فتضحي بزوجها وأسرتها، وبعضهن يرغبن في الدخول في الإسلام بالفعل، ولكن عقبة فراق الزوج تقف في طريق إسلامها.
وقد وردت في تلك المسألة تسعة أقوال فقهية، رجح ابن القيم وابن تيمية بقاء الزوجة تحت زوجها غير المسلم؛ حيث لم يفرق الرسول - صلى الله عليه وسلم- بين رجل وامرأة أسلم أحدهما قبل الآخر أصلاً، وقال مالك: قال ابن شهاب: كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو شهر، أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينًا والطائف وهو كافر، ثم أسلم فلم يفرق النبي بينهما، واستمرت امرأته عنده بذلك النكاح.
وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رد زينب ابنته على أبي العاص زوجها الذي تأخر إسلامه بالنكاح الأول بعد ست سنوات.
كما أنه بالعودة إلى كتب الأصول الفقهية، مثل: مصنف عبد الرازق الصنعاني، ومصنف أبي شيبة، ومؤلفات أبي جعفر الطحاوي، والسنين الكبرى للبيهقي التي أوردت فتاوى الصحابة والتابعين خارج المذاهب؛ إذ روى أبو شيبة عن علي في شأن امرأة اليهودي أو النصراني إذا أسلمت، كان أحق ببضعها؛ لأن له عهدًا، وفي رواية أخرى: هو أحق ببضعها ما داما في دار هجرة، كما خير عمر النصرانية التي أسلمت تحت أنصاري بين البقاء أو الفراق كما ذهب ابن القيم إلى أنها تبقى امرأته ما دامت بقيت المرأة في دارها لم تغادر إلى دار الإسلام، خاصة إذا كن يرتجين إسلام أزواجهن.
وتتبلور أهمية منهجية الفتوى التي يراعيها المجلس في فتواه لمسلمي أوروبا- مصالح الجماعة المقدمة على مصالح الفرد، كما ورد في نص جواز ميراث الرجل المسلم من زوجته غير المسلمة، مخافة أن تذهب تلك الأموال إلى حساب المبشرين والمنصرين، وتستخدم في العدوان على المسلمين في شتى أنحاء الأرض.
  • ولكن اللغط الذي يثار حول فتوى المجلس في النهاية يعود لعدم قراءة أصول الفتاوى والاعتماد في نقدها على نقل وسائل الاعلام لها دون التحقق من أبعادها ومصادرها التي اتمدتها، علمًا بأن الفتوى تتغير بتغير الأمكنة والأزمنة؟!
بعيدًا عن مسائل الفتوى أؤكد أن المجلس يتعاون مع المجالس والمجامع الإسلامية كافة، وأنه ليس بديلاً لأي منظمة أو هيئة إسلامية، كما نشارك في أنشطة تلك المجالس في أمريكا والشرق والهند كافة؛ حيث أشرف بعضويتي في مجمع البحوث الإسلامية في الهند.

أحدث توصيات المجلس الأوروبي للإفتاء

جاءت قرارات وتوصيات الدورة العادية الحادية عشرة للمجلس الإسلامي الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة في مقر الرابطة الإسلامية بالسويد في الفترة من 1 حتى 7 من يوليو 2003م متوافقة تمامًا مع طبيعة التحديات التي تواجه المسلمين في أوروبا بعد أحداث سبتمبر؛ حيث تمحورت توصيات الدورة حول ضرورة التزام المسلمين برعاية الحقوق كلها، وإعطاء الصورة الطيبة عن الإسلام، والالتزام بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وبما أجمع عليه فقهاء الإسلام من وجوب الوفاء بمقتضيات عهد الأمان وشروط المواطنة والإقامة، وما توجبه من احترام قوانين هذه البلاد والحفاظ على أرواح غير المسلمين وأموالهم، وتوافقًا مع طبيعة المرحلة التي وصل إليها مسلمو الغرب.
كما أوصى المجلس جميع مسلمي أوروبا بالسعي الجاد للحصول على اعتراف الدولة التي يقيمون فيها بالإسلام دينًا، وبالمسلمين أقلية دينية على غرار الأقليات الدينية الأخرى في التمتع بحقوقهم كاملة وفي تنظيم أحوالهم الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، مع إنشاء مراكز للتحكيم، ومراعاة الالتزام بالقوانين السائدة.
كما أصدر المجلس فتاوى عدة تتعلق بتحديد مواقيت الصلاة في المناطق الفاقدة للعلامات الشرعية التي رأى المجلس أنه لا مانع شرعيًا من الاستمرار في الاعتماد على الاتجاهات المعمول بها حاليًا في أوروبا، مثل: الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، واعتبار التقدير النسبي الذي يعتمد على درجة 18 للفجر، و17 للعشاء، والمطبق في معظم البلاد الأوروبية، وكذلك الاجتهاد القائم على الاعتماد على 12 درجة لصلاتي الفجر والعشاء المطبق حاليًا في بعض البلاد الأوروبية، وحرم المجلس مسألة الاستنساخ من الزوجين، وذلك بقاء على أصل الحكم بمنع الاستنساخ البشري، ولعدم وجود دليل يبرر الاستثناء، كما حرم المجلس قتل الرحمة بكافة أشكاله "الأوتانازيا" والمساعدة على الانتحار، واستثنت الفتوى تيسير الموت بايقاف أجهزة الانعاش الصناعي عن المريض الذي يعتبر في نظر الطب ميتًا، وذلك لتلف جذع المخ الذي به يحيا الإنسان ويشعر.

المصدر