الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الشغب والرئيس»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(أنشأ الصفحة ب''''<center>الشعب والرئيس.. من يستحق الآخر!</center>''' '''بقلم: أ.إبراهيم عيسي''' الشعب المصري يبدو الآن ج...')
 
ط (حمى "الشغب والرئيس" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
 
(لا فرق)

المراجعة الحالية بتاريخ ٢١:٢٥، ١٣ نوفمبر ٢٠١٠

الشعب والرئيس.. من يستحق الآخر!


بقلم: أ.إبراهيم عيسي


الشعب المصري يبدو الآن جالسا في محطة قطار ينتظر قطارا لا يعرف موعده ولا إلي أين يتجه كما أنه لا يعرف هل هذه هي المحطة أصلا؟

مشهد الشعب المنتظر والمترقب علي رصيف المحطة الخاطئة يجعلنا نسأل سؤالنا الرئيسي هنا : هل يستحق الشعب المصري الرئيس مبارك؟ المثل الشهير يقول إن الناس علي دين ملوكهم، والدين هنا هو الطباع والسلوك ومنهج الحياة والتفكير، فهل ينطبق هذا المثل علي مصر حيث الشعب علي دين الرئيس؟

لن أبذل جهدا في شرح دين الرئيس الآن ولكنني معني بالبحث في دين الشعب ومسئوليته عما وصل إليه؟ ممكن تسألني وصل لإيه، ما هو زي الفل، طيب يا سيدي تعالي نشم هذا الفل شوية!

أرجو أن تتذكر أنني فلاح من قويسنا ولست مستشرقا ولا حتي أجيد اللغة الإنجليزية وأشبه جدتي حين كانت تشاهد فيلما أمريكيا ولا تجيد قراءة الترجمة فتسألني كل شويه همه بيقولوا إيه يا إبراهيم؟ أنا كذلك أسأل ابني يحيي وهو يشاهد الكارتون الناطق بالإنجليزية همه بيقولوا إيه يا يحيي، أحكي هذا فقط كي تعرف أنني علي باب الله مثلك بالضبط، لكن اعتبرني طبيبك في عيادة جمعية الشبان المسلمين وأكشف عليك وأعطيك روشتة وبعض عينات الدواء المجانية، نعود إلي الفل اللي الشعب زيه فأحكي لك عن قريب لنا في البلد جاءته أزمة صحية شديدة خاصة بالكلي، والدكاترة هنا في القاهرة نقلوه للمستشفي وطلبوا نقل دم له بسرعة وفوراً لإنقاذ حياته، تليفون محمول من البلد أرسل رسالة كلمني شكرا، رد عليه شقيق قريبي قالهم الدكاترة عايزين متبرعين بالدم، في أقل من ساعتين جاءت سيارة ميكروباص محملة بثلاثة عشر راكبا من أقاربنا ليتبرعوا بالدم، تاني يوم الصبح نادي الدكتور شقيق قريبنا وقال له بمنتهي البساطة ثلاثة منهم فصيلة دم مختلفة وأربعة منهم عندهم فيروس سي وواحد عنده فيروس إيه ومحتاجين علاجا فوريا!

هذه الحكاية عن شعب مصر المريض والمعتل والذي يكاد لا يعرف أنه مريض ونكاد لا نعرف له طبيبا لكن انظر للجانب الإيجابي وهو أننا شعب جدع نُستَغَاث فنغيث أحيانا.. زي الفل، دبلان صحيح لكن ريحته فيه!

المأزق هنا أن محاولة تعظيم الشعب وتفخيمه والتجاوز عن سلبياته المقيتة هي جزء من استغفال الشعب ومداراة حقيقة نفسه عن نفسه ومن ثم فقدان بوصلة الإصلاح والتنوير، الشعب الفخور بنفسه يقاوم سلب حريته ويستخسر نفسه في الاستبداد والتطرف والفساد وعلة المرض، والشعب الراضي عن نفسه يقنع بفتات حرية وفتات رزق وفتات كبرياء، والحقيقة أننا أكثرنا جدا من الكلام عن الشعب لكننا لم نسأل الشعب رأيه في نفسه إيه بالضبط، تعالي إلي دراسة مدهشة حقا للدكتورة ناهد صالح - أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية- وهي جزء من استطلاع للرأي أجراه قسم بحوث وقياسات الرأي العام بالمركز بعنوان «هموم واهتمامات المواطن المصري» كان أحد موضوعاته صورة المصريين عند المواطن المصري، بمعني المصري شايف نفسه إزاي ولا مؤاخذة «مؤاخذتك معاك »، وهو نمط من استطلاعات الرأي التي تجري بصفة دورية علي فترات زمنية متتالية. ويشمل هذا الاستطلاع الذي نشرته دكتورة ناهد صالح في عدد يناير 2008 من المجلة الاجتماعية القومية، كما قلنا في أحد موضوعاته الخمسة الصورة الذهنية لدي المواطن المصري عن بعض الفئات الاجتماعية، وقد جمعت بيانات هذا الاستطلاع من عينة احتمالية متعددة المراحل، تمثل المواطنين في ثماني عشرة محافظة من محافظات الوجه البحري ومحافظات الوجه القبلي والمحافظات الحضرية، وقد بلغ حجم العينة 3562 مواطناً، بلغت نسبة المقيمين منهم بالحضر51.5% وبالريف 48.5%، نبدأ برصد وصف المواطن المصري للمصريين، أو بقول آخر مجموعة الأوصاف التي يصفهم بها، السؤال الأول هو: لو حبيت توصف المواطن المصري توصفه بإيه؟، وتقول دكتورة ناهد صالح: كان الهدف من طرح هذا السؤال هو معرفة الصورة الذهنية لدي المواطن عن المواطن المصري بصفة عامة، هل هي صورة تغلب علي ملامحها الصفات الإيجابية، أم أنها صورة تبرز الصفات السلبية؟ ولعل أهم من كون هذه الصفات صفات إيجابية أم سلبية، هو معرفة طبيعة هذه الصفات، ولعل أول ما يلفت نظرنا في إجابات المواطنين هو غلبة الصفات الإيجابية علي الصفات السلبية التي وصف بها المواطن المصري، حيث شكلت الأولي ستة وسبعين في المائة من الاستجابات، في حين شكلت الثانية اثنين وعشرين وتسعة من عشرة في المائة، في حين بلغت نسبة الاستجابات غير المحددة 9.0% فقط، كذلك يلاحظ الانخفاض الملحوظ في نسبة المواطنين الذين أجابوا عن هذا السؤال بلا أعرف أو بلا رأي «1%».

إذا نظرنا إلي الأوصاف التي تندرج تحت الأوصاف الإيجابية، نجد أن المواطنين وصفوا المواطن المصري بالطيبة «21.3%» وبالجدعنة «11.9%» وبأنه شخص مكافح «8.5%» وبأنه علي خلق ومخلص وأصيل ومحترم «6.5%» ومسلم وصبور وراض «6.1%» وكريم وخيِّر «5.9%» وشهم وشجاع ونبيل «3%»، وأمين وشريف «2.5%» كما تعددت الصور الإيجابية الأخري التي عبر عنها المواطنون الذين شملهم استطلاع الرأي في وصفهم للمواطن المصري، حيث أصبغت عليه صفات التعاون، وتحمل المسئولية والذكاء والتدين وحبه لوطنه «3.4%» واكتفي حوالي ثلاثة في المائة من العينة بوصف المواطن المصري بأنه أحسن مواطن في العالم، هل تعتقد فعلا أنت بينك وبين نفسك أن هذه هي صفات الشعب المصري! إذن أرجوك قل لنا لماذا يسكت عن الظلم والعطش والصحة العليلة، ولماذا يسكت عن التحرش الجنسي في الشوارع والسرقات العلنية، ولماذا يقتل قتلا بشعا بتمثيل الجثث وحرق الأعضاء وذبح الرقاب؟ ربما الإجابة في الصورة السلبية المحدودة التي رسمها المصريون لأنفسهم في الاستطلاع، إذ قالوا إنه مواطن مورس عليه الظلم والقهر: فهو غلبان ومظلوم ومطحون ومفلس ومهموم بحيث شكلت هذه الصفات جميعها 80% من مجموع الصفات السلبية التي وصف بها المواطن المصري، بجانب هذه الصفات التي تصوره باعتباره مواطناً خاضعاً للظلم وللقهر، فإن البعض ألحق به صفات أخري، منها: السلبية والكسل، وأضيفت إليها صفات سلبية أخري، منها: التواكل، والجبن، والاستغلال، ورغم ذلك يظل الجانب الإيجابي هو الغالب علي صورة المواطن المصري بالنسبة لغالبية المواطنين الذين شملهم استطلاع الرأي، ويظل جانب كبير من الصفات السلبية التي وصف بها المواطن المصري صفات راجعة إلي القهر والظلم الذي مارسه ـ أو يمارسه ـ المجتمع عليه، ويستوقفك في الاستطلاع وصف الفئات الاجتماعية كلها مدرسين وامرأة عاملة وشبابا وعمالا وموظفين بـ «الغلب» كان هو أهم الملامح السلبية السائدة بالنسبة للعديد من الفئات الاجتماعية، فالمواطن المصري غلبان، والمرأة المصرية غلبانة وتعبانة، والمرأة العاملة شقيانة ومطحونة، أما الشباب المصري فهو مظلوم ومغلوب علي أمره، والعامل غلبان ومسكين، وكذلك أيضاً العامل الحرفي، أما موظف الحكومة فهو فقير وعلي قد حاله، ويختلف الوضع بالنسبة لفئات اجتماعية أخري، حيث جاءت في مقدمة الصفات صفة الاستغلال، فالمدرس مستغل وأستاذ الجامعة مادي وجشع أما رجال الأعمال فهم لصوص، فإذا كان التمعن في جميع أبعاد الصور الذهنية لدي المواطن المصري ـ سواء عن المواطن المصري بعامة، أو عن بعض الفئات الاجتماعية من المصريين ـ يبرز في مجمله، قيمة الكفاح والاجتهاد بجانب العديد من السمات أو الصفات الأخلاقية، فإن نفس هذه الصورة الذهنية في جانبها السلبي تسلط الضوء علي مسئولية المجتمع عن العديد من جوانب حالة التردي في أحوال غالبية هذه الفئات، والتي أدت إلي وصف المواطن المصري، لقطاعات عريضة في المجتمع، ولفئات عديدة به بـ «الغلب» في الوقت الذي وصفت فئات أخري بـ «الاستغلال».

هذه صورة الشعب المصري عن نفسه أنه عظيم وجدع وطيب ولكن الأهم أنه غلبان ومغلوب!! طبيعي إذن أن تلد هذه الصورة وذلك الواقع مأساة ما نحن فيه والذي يسعي بعضنا لإخراج الشعب من معادلة المسئولية بالمنطق نفسه الذي يبرئ به الشعب نفسه أنه مظلوم وغلبان ومغلوب ولا شك عندي في أنه كذلك فعلا، لكن الأهم من الذي رمي به إلي الغلب والظلم، هل نزلت كائنات فضائية فصنعت منه هذا الشعب المقهور المكلوم أم أنه شارك بقوة ضعفه وبعتو غلبنته في جريمة تدهوره وانحداره؟! الرد هنا لا لي ولا لك ولكن لعالمنا الفذ دكتور جمال حمدان صاحب الكتاب الموسوعة «شخصية مصر» حيث يقول: «ومن جانبنا كوطنيين، فلقد درجنا تقليديا علي أن نبرئ ساحتنا كشعب من مسئولية هذا الواقع المزدوج القاصم لظهورنا، بمقولة أننا ببساطة شعب مغلوب علي أمره مفتري عليه، وأن الفاعل المباشر هو الطغيان والمجرم الأكبر هو الاستعمار، ومن جانبه، فإن الطغيان الداخلي بدوره يزيح المسئولية عن كاهله مسارعا، بكل ترحيب، بإلقائها علي عاتق الاستعمار الآثم الزنيم...إلخ».

والاستعمار ولاشك آفة وأفعي، احتلال وطغيان معا في آن واحد، إلا أنه ليس رأس الأفعي ولا الآفة الوحيدة، كما يروج بعض السطحيين ومنظري عملاء الطغيان، والحقيقة أننا أسرفنا علي أنفسنا في اتخاذ الاستعمار «كمشجب» نعلق عليه كل مآسينا وعيوبنا، ومشاكلنا سياسية وغير سياسية، وبهذا وذاك اصطنعنا لأنفسنا سلما مريحا ومرضيا «ولكنه كما سنري مقلوب رأسا علي عقب» من المسئولية، قمته الاستعمار، وقاعه الشعب نفسه، يأتي بينهما-علي استحياء أحيانا!-الطغيان المحلي.

غير أن الحقيقة التاريخية التي تثبتها مرارا وتكرارا تجربة ألفي سنة مازالت مستمرة معنا حتي اليوم، الحقيقة التاريخية هي أن كبري الآفتين ليست الاستعمار الأجنبي ولكن الطغيان المحلي، ذلك أن الذي مكن للأول غالبا، بل استدعاه واستعداه أحيانا إنما هو الحكم المطلق الداخلي بعجزه عن حماية الوطن فعلا أو بخيانته له علنا ومساومته وتواطئه مع المستعمر ليحفظ لنفسه عرشه أو مركزه، إن الذي أتاح للاستعمارالخارجي أن يدخل ويبقي في كثير من الحالات بصورة غير مباشرة دائما وبصورة مباشرة أحيانا هو الطغيان الداخلي وحده لا سواه، إنه في كثير من الأحيان «وجه مصر القبيح» في الخارج كما في الداخل «تذكر فقط الخديو توفيق».

ليس هذا فحسب، كما يقول د. حمدان وإنما الحقيقة بعد هذا أن مسئولية الطغيان الحاكم تتضاءل بدورها أمام مسئولية الشعب نفسه، الشعب -ولا أوهام في هذا-هو المسئول الأول والأخير، الأصلي والأصيل، حتما وبالضرورة، فإذا كان الحكم في مصر مأساة أو ملهاة، كارثة أو مهزلة، فإن سببها الشعب وحده نظريا وعمليا، وكم كان الكواكبي صحيحا صادقا حين قال: «إن مبعث الاستبداد هو غفلة الأمة، ومرفوض هو المنطق الانهزامي المعكوس الذي يعتذر للشعب أو عنه بأنه مغلوب علي أمره لا قدرة له علي الثورة، مكبل أعزل من السلاح....الخ، فالطغيان لا يصنعه الطاغية، وإنما الشعب هو الذي يصنع الطاغية والطغيان معا، والشعب مسئول عن الطغيان مسئولية الطاغية نفسه وزيادة (حلاوتك يادكتور جمال ياجامد)، المثل الشعبي المصري نفسه يقول «يا فرعون من الذي فرعنك؟ قال:لم أجد من يمنعني» والمثل الانجليزي المعروف يقول «القوة المطلقة مفسدة مطلقة، كل سلطة فهي مفسدة، ليست مفسدة فقط، بل مذهبة للعقل أيضا، يمكن للحاكم من خلالها أحيانا أن يري كل حق باطلا وكل باطل حقا، وفي كل شيء عكس ما كان يراه من قبل بغيرها، وهذا وذاك جميعا ما عناه الكواكبي بعبارته النفاذة الثاقبة «الاستبداد أمر طبيعي في السلطان»

ومن هذه الزاوية فإن الشعب لا يعفي من اللوم، وليس له إلا أن يلوم نفسه أساسا، فهو الجاني مثلما هو المجني عليه، الفاعل والضحية، ظالم لنفسه كما هو مظلوم بحاكمه..بل ولعل الأوضاع السيئة التي يتردي فيها وإليها كل يوم أن تكون العقاب الطبيعي المستحق لتفريطه في حق نفسه وتهاونه في الدفاع عن حريته وكرامته وعزته وسيادته، فالحاكم الرديء الطاغية إنما هو عقاب تلقائي وذاتي لشعبه الذي سمح له بأن يكون ويبقي حاكما «وقديما كان قادة التتار والمغول من عتاة السفاحين والطغاة يتوعدون ضحاياهم بقولهم عن أنفسهم إنهم لعنة الله علي الأرض أرسلهم نقمة وعقابا!»

أي أن خير عقاب لمصر دائما علي ما هي فيه، هو ما هي فيه بالفعل، وكأنها بهذا أيضا تعاقب نفسها بنفسها بانتظام، والحديث يقول «كما تكونوا يول عليكم»، بينما يذهب القول الفرنسي المأثور إلي أن لكل شعب الحكومة التي يستحقها وأخيرا وليس آخرا فقل لي من حاكمك، أقل لك من أنت، «قل لي من الحاكم، أقل لك من الشعب».

وينتهي أستاذنا العلامة جمال حمدان إلي الحقيقة الساطعة في رمادية الضباب ويقول: علينا إذن أن نعيد ترتيب أولويات المسئولية: الشعب أولا وكسبب أساسي، الحكم ثانيا وكسبب مباشر، ثم الاستعمار أخيرا كثالثة الأثافي فقط، أما هذا الأخير علي أي حال من حديث التاريخ، وبهذا يبدو الخطر الحقيقي علي مصر، الذي ينبع من داخلها، هو مصر نفسها، أكثر من الآخرين أو الغرباء، هو بطش وعجز الحاكم من جانب ورد فعل الشعب أو سلبيته من الجانب الآخر، هو قضية الديكتاتورية ضد الديمقراطية أو باختصار مشكلة نظام الحكم، وذلك هو التحدي الأعظم الذي كان الشعب المصري يواجهه دائما ليثبت نفسه ووجوده وسيادته.

طبيعي بعد هذا كله أن نتهم جمال حمدان بجلد الذات كما اتهمه آخرون بنفخ الذات لكن الحقيقة أن نجلد ذاتنا كي نصحو، أفضل من أن يجلدنا غيرنا في دول النفط كي ننام علي الذل والمسكنة والغلبنة والهوان! عموما يبقي السؤال يحمل إجابته أينما حل بلا حل.. هل يستحق الشعب المصري الرئيس حسني مبارك؟.. إجابتي: نعم يستحقه ولكن ياريت الرئيس مبارك يقتنع بأنه لا يستحقنا!