السيد منصور فهمى باشا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السيد منصور فهمى باشا


واحد ممن يطلق عليهم "جيل الرواد" الذين أرسلوا فى بعثات إلى أوروبا، من مواليد محافظة الدقهلية 1886م، حصل على الثانوية الفرنسية 1906م، التحق بمدرسة الحقوق وأكمل دراسته فى فرنسا 1908م، يعتبر من مؤسسى مجمع اللغة العربية 1933م، عميد كلية الآداب جامعة الملك فؤاد الأول "القاهرة" 1939م، ومديرًا لدار الكتب 1942م، ومديرًا لجامعة الإسكندرية 1946م، من مؤلفاته "خطرات النفس".

كتب عن الإمام حسن البنا تحت عنوان (الفقيد الشهيد) يقول:

يرحم الله الإمام الشهيد، لقد كان على قدر عظيم من الإيمان والذكاء، ومبشرًا من الصالحين يدعو لوجه الله على أبلغ ما يدعو داعية مؤمن بما يقول، وعلى خير صور التبليغ، الذى يصل به المعلم الممتاز الملهم إلى نفوس تلاميذه وأذهان مريديه، لكى يروضوا أنفسهم فى سبيل الخير، اجتمعت به مرارًا فى المجالس التى تعمل للصالح العام، فكان يلفت نظرى إصغاؤه المتواصل وتتبعه اليقظ لما كان يساق من مختلف الآراء المتشعبة، كأنه الحكم العدل الذى يود تحسن الإدراك وفهم آراء المختلفين.

وكان إذا بدا له أن يسوق رأيًا أو حكمًا كانت الحجج القاطعة تواتيه منتظمة فى فصاحة البلغاء ولباقة الأذكياء الكيسين، وفى تواضع العلماء الراسخين، وفى إيمان الدعاة المخلصين، وطالما سمعته خطيبًا ومحدثًا فى المحافل العامة، فكانت المعانى تواتيه جلية واضحة مرتبة، وتتوالى على لسانه العبارات طيعة سهلة فصيحة، وطالما كان يثبت معانيه وأقواله بقول الله المكين والأحاديث وبالشواهد الأخاذة من أعمال السلف الصالح.

وبمثل فصاحته البليغة الفياضة بحرارة الإيمان، كان يقود الجماهير، ويقيدهم بما يذهب إليه ويدعو له.

لو فهم الناس الدين من منابعه الصافية فى القرآن والسنة الصحيحة والفطرة البشرية السليمة لما تنكر متنكر لدعوة الإمام الشهيد؛ وذلك لأن الحرية السليمة لا تجافى القيود السليمة، فما من حرية نافعة إلا ولها قيود تزيدها قيمة واعتبارًا، وليس من أحد يفهم طبيعة المجتمع البشرى وحاجاته من واجبات آحاد، إلا ويؤمن بأن للحريات قيودًا تفرض لمصلحة الجماعة أو للتسامى للخير والبر، ولكن لما دبَّ السوء فى المجتمع نتيجة التقليد الفاسد، وللتفسخ الذى بدا فيه، وللجهل الفاشى بين أفراده وجماعاته، وللتهاون وللاستهتار بالمبادئ واتخاذ الحريات الرخيصة ولغير ذلك من الرذائل، رأى الشيخ - رحمه الله - ضرورة إصلاح المجتمع بدواء يُستحلَب من بيئة الإسلام نفسه فى طهرها وسلامتها من الشوائب، والإسلامُ فى حقيقته يتحاشى الذلة والجهل والنعومة والترف ويطمح إلى الرجولة والعزة والبساطة النافعة وما إلى ذلك مما يطمح إليه مجتمع راقٍ ناهض.

وعندئذ صرف المرشد نشاطه الدائب المستبسل للدعوة لتحقيق الفضائل الإسلامية وقدر أنه ينبغى أن تحد معاملات المسلم ومساعيه فى هذه الدنيا بعقيدة الإسلام التى يجب أن تتغلغل فى النفس وتفيض آثارها فى مظاهر السعى والمعاملات سواء كانت فردية بين الفرد ونفسه، أو اجتماعية بين الشخص وغيره أو سياسية بين دولة ودولة أو شعب وشعب.

ولقد أخطأ وظلم من توهم أن فى دعوة الفقيد ذرة من التعصب المقيت، يتجلى فى معاداة من ليسوا على دينه وعقيدته؛ وذلك لأن هذا الرجل كان رقيق القلب مهذب النفس، يفهم دينه كما يجب أن يُفهم على حقيقته، ويعلم أن من الأسس التى قامت عليها دعائم الإسلام ألا إكراه فى الدين، وإنى لأعلم علم اليقين أن الفقيد الراحل كان أخًا كريمًا وصديقًا صادقًا للكثيرين من أهل الرأى والفكر مما هم على غير دينه، وكان فى حلقة الجدل والمباحثة يتخلى عن رأى بدا له إلى رأى صائب جاء ممن يغايره فى الرأى أو فى العقيدة، ومثل هذه الصفات التى يتحلى بها الفقيد تتنافى مع ما يلصقه البعض بالدعوة من تهم قامت على التوهم.

أما عن الشطر الثانى من السؤال، فالقول بأن المجتمع الإسلامى لا يساير مجرى الحضارة قول مردود، فالباكستان تضرب مثلا صالحًا لذلك، فهى تقوم على الدين الإسلامى فى نظامها ودستورها، ومع هذا فهى تأخذ من الحضارة النافعة بقسط وافر فى مدة وجيزة، ويسير بها بخطى سريعة موفقة.

ولو أن أنصار الإمام الشهيد جعلوا من أنفسهم وتصرفاتهم وأعمالهم مثلا يطبق على أنفسهم فى ظل أمر من أمور الحياة لوجد الناس فيهم المُثُلَ الجميلة التى تحتذى، ولانقلب الكثيرون من الناس بفضل القدوة إلى أشياع للدعوة الإسلامية، وإلى دعاة لرسالتها.

رحم الله فقيد الإسلام والمسلمين الإمام الراحل، سائلا الله أن يمن على المجتمع بأشباهه فهو يحتاج إلى الكثيرين منهم، ولقد كنت وددت أن أحيى الشهيد يوم وفاته، ولكن حالت أسوأ الظروف دون ذلك، وما وسعنى يومئذ إلا أن أترحم عليه وأقرأ له الفاتحة، واعتبرت هذه التحية جهد المقل.


المصدر: الدعوة – السنة الثانية – العدد (52) – 16جمادى الأولى 1371هـ / 12فبراير 1952م.