السلام في فكر حسن البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السلام في فكر حسن البنا


إخوان ويكي

مقدمة

ربطت الشريعة الإسلامية حياة المسلمين بكل معان وحقائق وأوصاف السلم، ونادى على كل من ينتسب إلى الإسلام بالدخول في السلم في قوله تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً" (البقرة: 208).

والإسلام كله سلام فهو دين المرحمة ودين السلام ما فى ذلك شك، لا يخالف فى هذا إلا جاهل بأحكامه، أو حاقد على نظامه، أو مكابر لا يقتنع بدليل، ولا يسلم ببرهان، فاسم الإسلام نفسه مشتق من صميم هذه المادة مادة السلام. وحقيقة هذا الدين ولبه: الإسلام لرب العالمين ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ "البقرة: 112".

يقول الأستاذ حسن البنا:

وتحية أهل الإسلام فيما بينهم "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وختام الصلاة عندهم: سلام على اليمين، وسلام على اليسار، وسلام فى الأمام إن كانوا يصلون خلف إمام؛ كأنهم يبدءون أهل الدنيا من كل نواحيها بالسلام، بعد أن فارقوها بخواطرهم لحظات انصرفوا فيها لمناجاة الله الملك العلام. (1)

وتختلف نظرة المسلمين إلى السلام عن نظر الدول الغربية – خاصة ساستها – حيث يعتبر مصطلح السلام من أكثر المصطلحات التي تتداولها ألسنة السياسيين في العالم، والتي تُتخذ أداة – وخاصة من قبل الدول الاستعمارية – لكسب الرأي العالم محلياً ودولياً، ولتبرير أعمال سياسية أو عسكرية معينة يقوم بها هؤلاء حين يتطلب الأمر، ومثال ذلك ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك تدخل أميركا في الصومال وهاييتي، وتدخل الأمم المتحدة في البلقان، كل هذا باسم إحلال السلام.

ولقد انساق ورائهم كثير من الساسة المسلمين بل وبعض علماء المسلمين الذين نادوا بأن الإسلام دين السلام وقدموا التنازلات في دينهم حتى وصل ببعضهم أن أحل السلام مع مغتصب الأرض كالسلام مع الصهاينة (إسرائيل).

حيث يقول حسام الدين المقدسي:

السلام لا يتحقق إلا إذا تحقق العدل بين البشر وهذا العدل لن يتحقق في يوم من الأيام طالما ساد العالم أنظمة تخالف فطرة الإنسان، ودول تنطلق من دوافع غريزية بحتة لا من فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة تظهر في صحيح سياستها.
والسلام العالمي ليس مشكلة العالم بل المشكلة هي في سيطرة الدول الاستعمارية علية والتي تعمل على استغلال الشعوب وإشعال الحروب وإيجاد المشاكل الدولية لتركز سيطرتها على العالم فتخلف الشقاء والتعاسة للإنسانية.

حيث يوصف الأستاذ البنا هذا الداء بقوله:

ومثل هذه المزاعم الباطلة إنما هى نزوات من غرور الإنسان وطيش الوجدان لا يمكن أن تستقر على أساسها نهضات، أو تقوم على قاعدتها مدنيات، وما دام فى الناس من يشعر بمثل هذا الشعور لأخيه الإنسان فلا أمن ولا سلام ولا اطمئنان حتى يعود الناس إلى علم الأخوة فيرفعونه خفاقًا، ويستظلون بظله الوارف الأمين، ولن يجدوا طريقًا معبدة إلى ذلك كطريق الإسلام الذى يقول كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِننْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ "الحجرات: 13". ويقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من دعا إلى عصيبة، وليس منا من مات على عصيبة" (رواه أحمد من حديث جبير بن مطعم) (2)

دعوة الإخوان دعوة سلام

جاءت دعوة الإخوان المسلمين بما جاء به الشرع الحنيف بحيث قامت على قاعدة شاملها كتبها الشيخ حسن البنا – مؤسس الجماعة – بقوله: الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا.

ولذا حملت دعوة الإخوان بين أركانها دعائم السلام وهو ما ظل يؤكد عليه مؤسسها الأستاذ حسن البنا وجميع قادة الجماعة

حيث يقول مخاطبا أنصاره:

أحب أن تتبينوا جيدًا من أنتم فى أهل هذا العصر؟ وما دعوتكم بين الدعوات؟ وأية جماعة جماعتكم؟ ولأى معنى جمع الله بينكم ووحد قلوبكم ووجهتكم، وأظهر فكرتكم فى هذا الوقت العصيب الذى تتلهف فيه الدنيا إلى دعوة السلام والإنقاذ؟. (3)

ويؤكد حسن البنا على أن دعوة الإسلام والسلام ليست لشعب معين لكنها للناس كافة، وهي أيضا نفس المبادئ والمنهاج الذي تقوم عليه دعوة الإخوان

فيقول:

ودعوة الإسلام الحنيف ليست قاصرة على شعب دون شعب، أو قطر دون قطر، فإن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ "سبأ: 28"، ويقول: ﴿تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ "الفرقان: 1"، ويقول: ﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ "إبراهيم: 1"، وذلك أول أساس روحى وعملى، وضع فى هذه الأرض للوحدة العالمية التى يهتف بها الزعماء
وتمهد لها المخترعات، وتتجمع عليها أفكار الأرض، وتتهيأ لها الشعوب والأمم فى هذه الأيام، فمن دعوتكم -أيها الإخوة الأحبة- أن تساهموا فى السلام العالمى، وفى بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم، وتجلية مبادئه وتعاليمه لهم، وتقديمها إليهم بعد هذا الظمأ القاسى الذى التهبت به أكبادهم فى هذه الحياة المادية الميكانيكية القاسية.
تلك هى مقاصد دعوتكم، وأغراض هيئتكم، كلها من الإسلام الحنيف لا تخرج عنه قيد شعرة و﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ﴾ "الأعراف: 43" (4)

ويضيف:

ونعتمد كذلك على التطور فى التفكير العالمى، وهذه اليقظة فى الضمير الإنسانى، ويا ويح الدنيا إذا كانت ستسودها وتصرفها من جديد الأفكار الرجعية، وتتحكم فيها المطامع الاستعمارية، وإذا كانت الدول المنتصرة تظن أن فى استطاعتها أن تقود الدنيا من جديد بالحديد والنار، فما أبعد هذا الظن وأعرقه فى الوهم والخيال، فإن موجة اليقظة التى أحدثتها هذه الهزات العنيفة لا يمكن أن يقف تيارها حتى يصل إلى غايته ويبلغ مداه، ولن يستقر بعد اليوم فى الأرض السلام إلا إذا أدركت الدول الكبرى هذه الحقيقة، واعترفت لغيرها من الأمم والشعوب بحقه فى الحياة والحرية والاستقلال. (5)

السلام من رحم الجهاد

انفرد الإسلام بميزة العموم قال تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا" (سبأ: ٢٨) ، وقال سبحانه: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" (الأعراف: ١٥٨) ، ولذا فهو صالح لكل زمان ومكان، كما أن أحكامه - كليّات ومعاني مشتملة على حكم ومصالح - صالحة لأن تتفرع عنها أحكام مختلفة الصور محددة المقاصد.

وطالما أن الإسلام نزل للناس كافة فهو صالح للجميع، وليس لأمه أو زمان معين، لكن إذا أحسن تطبيقه بما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

يقول الدكتور علي محمد الصوا:

اتصفت أحكام الإسلام وتعاليمه بالشمول لشعب الحياة الإنسانية جميعها، سواء في النواحي التعبدية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الدولية، وهذا فرع كمال الإسلام قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة: 3)، وذلك حتى يتوفر للبشرية دستور شامل عادل محكم محقق لمصالح الناس الضرورية، والحاجية، والتحسينية. (6)

ويضيف:

والجهاد كلمة جامعة تشتمل جميع أنواع السعي وبذل الجهد للتغير العقلي والفكري، بالدعوة والحوار، وباللسان والقلم، وبكل وسيلة سلمية، واعتبر ذلك من أنواع الجهاد، كما أن استخدام القوة متى وجدت دواعيها يعدّ من الجهاد، وكذا مكابدة الشدائد والصبر عليها.
والذي يتطلبه الإسلام أنه إذا قام فرد أو جماعة أو دولة ببذل وسعها وطاقتها لإعلاء شأن الإسلام ونصرة مبادئه وتكوين نظام جديد وفق الفكرة الإسلامية، فإن عليهم أن يتجردوا عن الأغراض، وأن تبرأ أفعالهم من الهوى والنزعات الشخصية في كل ما تبذل في سبيل غايتها من نفس أو نفيس، ليبقى الهدف الرئيس لكل مجاهد تأسيس نظام عادل يقوم بالقسط والحق بين الناس، ولا يخطر ببالهم، إلا ذلك قال تعالى: "الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذي كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت" (النساء: ٧٦).
فالجهاد وسيلة لا غاية وإن كان ذروة سنام الإسلام وانه وسيلة سواء كان في يد الفرد، أو الجماعة، أو الدولة، مرتبطة بغاية ملازمة له، هي شرط مشروعيته، أن يكون في سبيل الله ولإعلاء كلمته، إذا تجرد المنفذون لأحكامه عن الأغراض والنزعات الشخصية. (7)

ولم يحل الإسلام التذرع بمعنى الجهاد – كما يفعل البعض – من أجل أهواء شخصية أو منفعة تعود على البعض فقط، لأن الجهاد شرع في الإصل لإشاعة معنى السلام الحقيقي وأن يعيش الجميع في سلام دون اعتداء من الأخرين تحت أى مسمى.

وهو المعني الذي ساقه الأستاذ حسن البنا في تحقيق السلام حيث قال:

هم الآن يعترفون بأن الاستعداد هو أضمن طريق للسلام. فرض الله الجهاد على المسلمين لا أداة للعدوان ولا وسيلة للمطامع الشخصية، ولكن حماية للدعوة وضمانًا للسلم، وأداء للرسالة الكبرى التى حمل عبئها المسلمون، رسالة هداية الناس إلى الحق والعدل، وإن الإسلام كما فرض القتال شاد بالسلام فقال تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ "الأنفال: 61" (9)

ويؤكد على ذلك بقوله:

القاعدة الأساسية التى وضعها الإسلام للحياة، هى - ولا شك - الطمأنينة والسلام والاستقرار، ولكن الإسلام مع هذا دين يواجه الواقع ولا يفر منه، وما دامت فى الدنيا نفوس لها نوازع وأهواء ومطامع، وما دام هناك هذا الناموس الذى يطبق على الأفراد والجماعات على السواء، ناموس تنازع البقاء
فلابد إذن من الاشتباك والحرب، وحين تكون الحرب لردع المعتدى، وكف الظالم، ونصرة الحق، والانتصاف للمظلوم تكون فضيلة من الفضائل، وتنتج الخير والبركة والسمو للناس، وحين تكون تحيزًا وفسادًا فى الأرض، واعتداء على الضعفاء تكون رذيلة، وتنتج السوء والشر والفساد فى الناس. (9)

وهى المعاني والمبادئ التي نادى بها الشيخ حسن البنا من أجل إشاعة السلام العالمي وليس الانهزامية أمام القوى الاستعمارية

حيث يقول في موضع أخر:

إثبات أن الخير للإنسانية كلها أن يتجه المسلمون إلى العودة لدينهم، وأن ذلك سيكون أكبر دعائم السلام على الأرض، وأن الدافع إلى ذلك ليس التعصب الأعمى، ولكن الاقتناع التام بفضل ما جاء به الإسلام، وانطباقه تمام الانطباق على أرقى ما كشف عنه التفكير العصرى السليم من قواعد الاجتماع الصالحة، ودعائم نظمه القوية الثابتة. والله يقول الحق، وهو يهدى السبيل. (10)

لقد ربى حسن البنا أنصاره وحاول غرس روح السلام بين أفراد المجتمعات وفق ما جاء في شرائع الإسلام نفسها بعيدا عن معاني السلام الذي يحاول الاستعمار فرضه من أجل تحقيق مصالحه فقط دون غيره من الشعوب

وهي المعاني التي وصفها الأستاذ البنا بقوله:

وليست فى الدنيا شريعة دينية، ولا نظام اجتماعى فرض السلام تدريبًا عمليًا، واعتبره شعيرة من شعائره، وركنًا من أركانه كما فرض الإسلام رياضة النفس على السلام بالإحرام فى الحج، فمتى أهل المسلم به، فقد حرم عليه منذ تلك اللحظة أن يقص ظفرًا، أو يحلق شعرًا، أو يقطع نباتًا، أو يعضد شجرًا، أو يقتل حيوانًا، أو يرمى صيدًا، أو يؤذى أحدًا بيد أو لسان حتى لو وجد قاتل أبيه وجهًا لوجهه لما استطاع أن يمسه بشىء ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى الْحَجِّ﴾ "البقرة: 197" فهو بهذا الإحرام قد أصبح سلمًا لنفسه، سلمًا لغيره من إنسان أو حيوان أو نبات. (11)

لكن مع ذلك لم يرب الإسلام في أتباعه روح الضعف والإستسلام تحت شعار الركون للسلام، فيعتدى على الإسلام وأهله وأوطانه، لكن السلام مع من أراد السلام، فإن حدث اعتداء فالواجب الدفاع

يقول الإمام البنا:

وفى الوقت الذى يقرر الإسلام فيه هذا الواقع، يحرم الحرب ويسمو بها ولا يدعو إليها أو يشجع عليها إلا لهذه الأغراض الأساسية السامية العالية الحقة:
  1. رد العدوان والدفاع عن النفس والأهل والمال والوطن والدين. وفى ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ "البقرة: 190".
  2. تأمين حرية الدين والاعتقاد للمؤمنين، الذين يحاول الكافرون أن يفتنوهم عن دينهم.
  3. حماية الدعوة حتى تبلغ إلى الناس جميعًا ويتحدد موقفهم منها تحديدًا واضحًا؛وذلك أن الإسلام رسالة اجتماعية إصلاحية شاملة تنطوى على أفضل مبادئ الحق والخير والعدل، وتتوجه إلى الناس جميعًا.
  4. تأديب ناكثى العهد من المعاهدين أو الفئة الباغية على جماعة المؤمنين التى تتمرد على أمر الله، وتأبى حكم العدل والإصلاح.
  5. إغاثة المظلومين من المؤمنين أينما كانوا، والانتصار لهم من الظالمين.

ويضيف في نفس الرسالة:

المسلم لا يحارب إلا مكرهًا على القتال، بعد استنفاد وسائل المسالمة جميعًا، وحين تلوح بارقة أمل فى السلم يوجب عليه الإسلام أن ينتهزها، وألا يدع الفرصة تفلت من يده، وعليه أن يعمل على إطفاء نار الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
فإذا كانت الحرب ولابد، فإن المسلم يضرب فيها أروع المثل على الرحمة والتفضل ومراعاة أعلى آدابها الإنسانية، فإذا رجحت كفة المسلمين على أعدائهم، وظهرت الغلبة لهم، فإن عليهم بحكم القرآن الكريم أن يكفوا عن القتل، ويكتفوا بالأسر ليمنوا على الأسير بعد ذلك بحريته. (12)

حسن البنا والسلام

لم يدعو حسن البنا إلى العنف أو الحرب أو الاقتتال سواء الداخلي أو الخارجي إلا للدفاع عن الدين والوطن، وغرس في أتباعه معاني السلام الحقيقية التي شرعها الدين الحنيف والتي تحمل في طياتها السلام للناس كافة دون انهزامية أو ضعف أو خذلان أو تقاعس عن نصرة الدين والوطن أو الركون لما يسعى إليه محبي الحرب، لأن الإسلام لم يكره الناس على الإيمان بالسيف، ولم يضعه على رقابهم ليشهدوا بشهادته، أو يدينوا بعقيدته، لكنه أشار إلى القتال والحرب والجهاد كوسيلة لحماية الحق مثله مثل غيره من الشرائع السماوية السابقة.

فما بالك بمبادئ وأفكار دعوة الإخوان التي يدلس البعض بأنها تنشر العنف وعدم السلام دون أن يسوقوا دليل حقيقي واحد. لقد نادى الإمام البنا إلى السلام ودعى إليه مثلما دعى إليه الإسلام ووفق تعاليمه وشرائعه، وأكد أن المسلمين دعاة حب وإخاء وسلام لا حرب مثلما تفعل الدول الاستعمارية والتي تكذب حينما تتدعى أنها تغزو الشعوب لفرض السلام، أو لتحقيق السلام في منطقة أو بلد، وتصف من يدافع عن حق دينه ووطنه بنعوتا كثيرا كالإرهاب أو أنهم دعاة حرب

فيقول الأستاذ حسن البنا:

فأين خطوات زعماء هذا العصر وساسته وعلمائه ومشرعيه وفلاسفته من هذه النظرات؟! وماذا صنعوا لإقرار السلام على الأرض؟! وقد شهدت الدنيا فى ربع قرن حربين عالميتين طاحنتين أكلتا الأخضر واليابس، وقامت بعد الحرب الأولى "عصبة الأمم" لإقرار السلام فكتب لها أن تموت قبل أن تولد، ووأدها الذين شهدوا مولدها بالأهواء السياسية والأطماع الاستعمارية، فلم تستطع أن تعالج قضية واحدة من قضايا الخلاف بين الأمم التى اشتركت فيها ووقعت ميثاقها، ولم تلبث إلا ريثما تهيأت الأمم والشعوب للحرب من جديد، وقيل: إن سبب فشلها خلو ميثاقها من النص على العقوبة العسكرية للمخالفين.
وعقب الحرب العالمية الثانية قامت هيئة الأمم المتحدة، وأنشئ مجلس الأمن واستكمل النقص التشريعى فى بناء عصبة الأمم الموءودة، ومضى على ذلك وقت طويل، ولا زال الخلاف يشتد أثره ويقوى مظهره، ولم تنجح الهيئة ولا المجلس إلى الآن فى علاج قضية أو تسوية خلاف. فهل تفىء الإنسانية الحيرى إلى الله وتتلقى دروس السلام قلبيًا ونظريًا وعمليًا عن الإسلام دين المرحمة والسلام؟. (13)

إن الفرق بين الإسلام وما ينادي به والتعاليم التي قامت عليها الحضارة الغربية كبير، حيث أن الإسلام يدعو إلى السلام دائما مع وجوب دحر المعتدي، في حين تسعى الحضارة الغربية نشر المادية والبعد عن شرائعهم السماوية وتقديم المنافع الشخصية والمصالح الذاتية على مصالح جميع الشعوب، ومن ثم انطلقت إلى استعمار واضطهاد البلاد الضعيفة والسطو على ثرواتها ومواردها من أجل الاستئثار بها.

وهو ما عبر عنه الأستاذ حسن البنا بقوله:

إفلاس الأصول الاجتماعية التى قامت عليها حضارة الأمم الغربية، فحياة الغرب التى قامت على العلم المادى والمعرفة الآلية والكشف والاختراع وإغراق أسواق العالم بمنتجات العقول والآلات، لم تستطع أن تقدم للنفس الإنسانية خيطًا من النور أو بصيصًا من الأمل أو شعاعًا من الإيمان، ولم ترسم للأرواح القلقة أى سبيل للراحة والاطمئنان. (14)

إن حسن البنا تعلم مبادئ السلام ودعى إليها من خلال التعاليم الإسلامية التي تعلمها من الكتاب الكريم والسنة المطهرة وأعمال السلف الصالح، وهي التعاليم التي نادى بها الإمام حسن البنا، وأسس جماعته لنشر هذه الخصال الحميدة مع الأخذ بالقوة أمام كل معتدي، فمن جنح للسلام فالإخوان يمدون إليهم أيديهم بالسلام إنطلاقا لقول الله تعالى: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ" (الأنفال 61).

أما المستعمرين والمعتدين الذين لا يفهمون لغة القوة لابد أن تسعد الأمم الإسلامية وتتحد لمجابهة هذا العدوان وإحلال السلام.

المراجع

  1. حسن البنا: رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي، مجموعة رسائل الإمام البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006، صـ758
  2. حسن البنا: دعوتنا في طور جديد
  3. حسن البنا: رسالة المؤتمر السادس.
  4. حسن البنا:رسالة مؤتمر رؤساء المناطق والشعب، صـ614.
  5. المرجع السابق: صـ624.
  6. علي محمد الصوا: أثر الجهاد في تحقيق السلام (نظرة مقاصدية)
  7. المرجع السابق.
  8. حسن البنا: رسالة الجهاد.
  9. حسن البنا: رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي، مرجع سابق، صـ764.
  10. المرجع السابق.
  11. المرجع السابق: صـ759.
  12. المرجع السابق: صـ771.
  13. المرجع السابق: صـ785.
  14. المرجع السابق: صـ785، وانظر كتاب السلام في الإسلام لحسن البنا، دار الفكر الإسلامي، ب ت.