الرسالة السادسة الإمام الشهيد.. الداعية والمربي والمجدد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الرسالة السادسة: الإمام الشهيد.. الداعية والمربي والمجدد

بقلم فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب*

أيها الأحباب جميعًا.. هذا تاريخكم فاعرفوه، وهذه دعوتكم فتمسكوا بها، وحافظوا عليها، وطبقوها في بيوتكم وعلى أنفسكم، رغّبوا الناس فيها.

وصية أوصى الإمام البنا إخوانه وأبناءه حينما اشتدت الأزمات في سنة 1948م فقال رحمه الله:

أيها الإخوان المسلمون اسمعوا... أردت بهذه الكلمات أن أضع فكرتكم أمام أنظاركم، فلعل ساعات عصيبة تنتظرنا يحال فيها بيننا وبينكم إلى حين، فلا أستطيع أن أتحدث معكم أو أكتب إليكم، فأوصيكم أن تتدبروا هذه الكلمات، وأن تحفظوها إذا استطعتم، وأن تجتمعوا عليها، وإن تحت كل كلمة لمعانٍ جمّة.

أيها الإخوان.. أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًّا، ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت مدوٍ يعلو مرددًا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإذا قيل لكم: إلامَ تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا الإسلام، ولا نعرف هذه الأقسام.. وإن قيل لكم: أنتم دعاة ثورة! فقولوا: نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به، فإن ثرتم علينا، ووقفتم في طريق دعوتنا؛ فلقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا، وكنتم الثائرين الظالمين.. وإن قيل لكم: إنكم تستعينون بالأشخاص والهيئات! فقولوا: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ (غافر: من الآية 84)!! فإن لجوا في عدوانهم فقولوا: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص: من الآية 55).

لقد قضت حكمة الله عز وجل أن يكون للحق دعاة، وأن يكون للمعرفة رواد من بني الإنسان، تصنعهم عناية الله ورحمته؛ ليكونوا الدليل والحادي في حياة الأمم يأخذون بأيديهم إلى الله، ويصلونهم بهذا الحق ويدعونهم إليه.

والإسلام علَّمنا أنه لا تقديس لمخلوق بل تقدير للعاملين المخلصين من الدعاة الأبرار، وبيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة، حينما وقف أمامه رجل وقد بدت عليه الرهبة، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "هون عليك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة".

وكان الرجل يأتي إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجد الرسول صلى الله عليه وسلم وحوله الصحابة لا فرق بين واحد وآخر.. لا علامات ولا مراكز- فيحتار الرجل ويقول: (أيكم محمد) فيُشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول أحد الصحابة: فبنينا له دكانًا من الطين، كان يجلس عليه صلى الله عليه وسلم تيسيرًا على الغريب ليعرفه.

وحين هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واستقبله الأنصار، جلس تحت ظل شجرة وبجواره أبو بكر، فانجفل الناس إليه وهم لا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر حتى ذهب الظل، وجاءت الشمس فقام أبو بكر رضي الله عنه يظلل رسول الله بثوبه، فعلم الناس أن الجالس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الذي يظلله بثوبه هو أبو بكر الصديق.

ونحن نقدر الرجال الأوفياء الذين خدموا الإسلام، ورفعوا رايته، وبذلوا أرواحهم في سبيل الله، بل وأعطوا حياتهم كلها لله وفي سبيل الله، ولا يختلف اثنان على ظهر الأرض أن الإمام البنا على رأس هؤلاء؛ فهو المربي والقائد والداعية الموفق المسدد رضي الله عنه وأرضاه.

هؤلاء الأعلام واجب علينا أن نقدِّرهم في جميع العصور ونحتفي بهم، والإمام البنا لا يزال صوته ودعوته وجماعته وأبناؤه هم طليعة العمل الإسلامي والبعث الإسلامي- إن شاء الله- يقابلون السيئة بالحسنة، ويدعون إلى الله بحكمة بالموعظة الحسنة، لم يطلبوا ولن يطلبوا- إن شاء الله- من أحد أجرًا، فالآخرة والثواب عند الله.

وهم يفهمون جيدًا، بل ويطبقون قوله تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (6)﴾ (العنكبوت)، ولذلك ينظرون مع غيرهم من الأبرار إلى الثواب لا من مخلوق ولا من هيئة ولا من دولة، إنما ينتظرونه من الله وحده ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)﴾ (العنكبوت)، فالأجر هناك.. فوق الدنيا وفوق الأشخاص- وأكبر من الدول- في جنات النعيم في رضوان الله؛ ولذلك فهم بحمد الله يصبرون الصبر الجميل، ويتحملون الأذى والافتراء من هنا وهناك؛ لأنهم واثقون أن الله عز وجل لن يضيع أجرهم وحاشاه سبحانه وتعالى.

يقول أحد الدعاة- رحمه الله-: (إن الأستاذ حسن البنا أمة واحدة وقوة كنت أنشدها في نفس المؤمن، فلم أجدهما إلا يوم أن عرفته وكنت ابْنُ صَنْعَتِه يوم اكتشفت بيني وبين نفسي حاجة الإسلام إلى هذا الداعية القوي الصابر المثابر الذي يعطي الدعوة من ذات نفسه، ما هي في حاجة إليه من قوة ومرونة وجلد وصبر وثبات إلى النهاية).

ما أشبه الليلة بالبارحة

إن التاريخ يعيد نفسه، فلقد كانت الأيام والأعوام التي ظهر فيها الإمام البنا ودعا الناس إلى الدعوة إلى منهج الله تشبه تمامًا هذه الأيام وهذه السنوات العجاف التي نعيش فيها.

وعلى سبيل المثال، فقد ظهر في أيامه 1925م عقب إلغاء الخلافة التي كانت بلا شك تجمع الأمة وتوحدها تحت راية واحدة هي راية الإسلام، ظهرت أمراض في هذه الحقبة من الزمن منها- ونكتفي بالعناوين فقط- تجزئة الإسلام فهو عندهم دين بغير دولة أو دولة بغير دين، تدمير البطولات وإحياء الأساطير كبديل عن تاريخ الإسلام، التشكيك في القرآن، مصادرة الدور العظيم الذي أداه الإسلام للعالم وإبعاده، الاهتمام بالأدب المكشوف، تغريب التعليم، وكان الهدف الأساسي الذي اهتمَّ به هؤلاء ترك الشريعة الإسلامية، وإحلال القوانين الوضعية محلها.

كل ذلك وغيره واجهه الإمام البنا ومن معه من الرجال الأوضياء الأبرار الذين حملوا الراية قبل أن يسقطها الاستعمار واستطاع الإمام- بتوفيق الله عز وجل وبإخلاصه له- أن يجعل هذه الموجات التي تهب على ديار الإسلام بين فترة وأخرى تنحسر، والحق إذا تحرك انحسر الباطل وانكشف وهرب ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾ (الإٍسراء).

رد الإمام البنا الأمة إلى كتابها.. إلى قرآنها المجيد، إلى سنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وتربية الرجال وإعدادهم، فأقبل عليه من وفقه الله وهداه إلى الطريق المستقيم؛ فرباهم على أن القيم الحقيقية عند المسلم والمسلمة ليست في المال وليست في الجاه، فكلها قيم زائفة وقيم زائلة، وجميع القيم تحتاج إلى التصحيح بميزان العقيدة، وترد إلى الإيمان والعمل الصالح، ولقد رباهم على الأخوة والصيام والقيام والصبر، وهذا هو منطق القرآن الذي تحوَّل في حياة الناس إلى واقع قال تعالى: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)﴾ (آل عمران)، وقال تعالى في وصف المؤمنين أيضًا: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112)﴾ (التوبة).

سئل أحد الدعاة هذا السؤال: حركة الإخوان حركة عالمية، لا تكاد تخلو بقعة من بقاع الأرض من آثارها؛ فماذا يعني هذا بالنسبة لكم؟

فأجاب: الإمام البنا قال: (إن دعوة الإخوان المسلمين هي دعوة الإسلام، ولا شيء غير الإسلام، ولما كان الإسلام للناس كافة؛ فقد عمّ الآفاق، وانتشر بالتجار وبالدعاة، وبكل الوسائل المشروعة، وليست من بينها أبدًا الإكراه أو القهر أو الحيلة والخداع، فهذه تليق بتجار السوء لا بالدعاة الأبرار؛ لكن هذه الدعوة وصلت إلى العالم من خلال السلوك الحسن والقدوة الطيبة والصدق في القول والعمل، قال تعالى في سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سبأ: من الآية 28).

ويقول صلى الله عليه وسلم: "وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت للناس كافة".

لقد استطاع الإمام البنا بصدقه وإخلاصه وتجرده أن يوقف دعوات التغريب وشبهات المستشرقين، ويفضح أعداء الإسلام، ويحارب الاستعمار، ويربي الأجيال التي تحمل هذا الحق لا على أنه نظرات أو أماني أو أحلام؛ لكن على أنه رسالة الحق التي يجب أن تسود ودعوته الخالدة التي يجب أن يؤوب إليها الجميع.

والحمد لله رب العالمين


المصدر

إخوان اون لاين