الرسالة السابعة إلى جميع الأحباب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الرسالة السابعة إلى جميع الأحباب

13-02-2010

بقلم: فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب

﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾

جاء في الأثر "ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار.. ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب.. ألا وإنه سيكون عليكم أمراء يرضون لأنفسهم ما لا يرضون لكم إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قاتلوكم.. قالوا وماذا نفعل يا رسول الله.. قال: كما فعل أصحاب عيسى ابن مريم "نُشروا بالمناشير وحملوا على الخشب.. فوالذي نفسي بيده لموتٌ في طاعة خير من حياة في معصية".

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".

تثير بحوث الحريات في الإسلام اهتمامًا خاصًّا لدى كثير من الباحثين؛ إذ إن حرية الإنسان وكرامته تعتبر حجر الزاوية في جميع النظم السماوية والإنسانية على الإطلاق.

والواقع أن الحرية الحقيقية هي قدرة الإنسان على احترام الآخرين لا قدرته على أن يفعل ما يشاء؛ لأن معنى هذا إفساح المجال لأن يفعل الإنسان أي شيء؛ فهو يعتدي على الآخرين، وهو يستهين بكرامتهم وبمصالحهم، ويتحول بذلك إلى طاغوت يضر ولا ينفع، ويؤخر ولا يقدم، ويشتت الأمة ويعطلها عن القيام بواجباتها، فاليد الخائفة المرتعشة تهدم ولا تبني.

وهذا معنى الحرية الحقيقية الذي يقوم عليه الإسلام؛ لأن الإسلام نظام دقيق في كل شيء، وأساسه موافقة التصرف لما يقتضيه التوحيد، والتوحيد هو الحق والعدل بين جميع الناس، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين حاكم ومحكوم ولا بين متعلم وأمي، ولا بين البدوي والحضري، ولا بين ساكن ناطحة السحاب وساكن الكوخ؛ كلهم من أبناء آدم عليه السلام ومن أولاد حواء رضي الله عنها، أولاد تسعة أشهر، وخرجوا من رحم الأم لا يعلمون شيئًا.. ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)﴾ (النحل).

فالنظام الإسلامي خاضع تمامًا لمشروعية عليا ثابتة مؤكدة، وهو الوحيد الذي يؤدي إلى صيانة الإنسان وحفظ حريته والذود عن كرامته، واحترامه، واحترام مشاعره ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا.

ولقد جمع سيد الخلق- صلى الله عليه وسلم- أساسًا نظام الحرية في الإسلام في قوله صلى الله عليه وسلم في مؤتمر عالمي فوق عرفات، يقول بأعلى صوته: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في عامكم هذا".

وهذه هي العصمة الأساسية التي قام عليها نظام المعاملات ونظام الجنايات في الإسلام.

إن للناس جميعًا على اختلاف مستوياتهم حريات وحرمات وكرامات لا يجوز بأي حال من الأحوال، ولا تحت أي مسمى أن تُداس وتنتهك.

ففي مجتمع الإسلام العظيم الذي ننشده ونسعى إلى إيجاده يعيش جميع الناس آمنين على كرامتهم وعلى حرياتهم وعلى مصالحهم وعلى أبنائهم وعلى حرياتهم وعلى عوراتهم وعلى أسرارهم، ولا يوجد مبرر أبدًا بحال من الأحوال لانتهاك أي جهة- أيًّا كانت- لهذه الحرمات المقدسة.

حتى دعوى محاولة تتبع الجريمة أو التحقق منها لا تصلح أبدًا في النظام الإسلامي العالمي ذريعة للتجسس على الناس، فالناس على ظواهرهم، ولا يصح أبدًا بحالٍ من الأحوال أن يفتش عن بواطنهم "لنا الظاهر والله يتولى السرائر"، وليس لأحدٍ أن يحاسبهم إلا على ما يظهر منهم من تصرفات أو مخالفات أو جرائم، وليس لأحد أن يظن أو يتوقع أو حتى يعرف أنهم يزاولون في الخفاء مخالفة ما؛ فيتجسس عليهم ليضبطهم، وكل ما له عليهم أن يأخذهم بالجريمة عند وقوعها وانكشافها، مع الضمانات الأخرى التي ينص عليها بالنسبة لكل جريمة.

روى أبو داود قال: أتى ابن مسعود، فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا. فقال عبد الله: إنا قد نُهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به.

ويقول سفيان الثوري، عن راشد بن سعد، عن معاوية بن أبي سفيان، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم" رواه أبو داود.

يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ (الحجرات: من الآيات 12)، إن هذا النص وغيره من نصوص القرآن الكريم أخذ طريقه في الحياة العملية، وفي النظام الدقيق لحياة المسلمين، ولم يكن أبدًا مجرد وعظ أو إرشاد أو تهذيب لضمير، أو تنظيف للقلب، أو ارتقاء بالمشاعر فقط، لكنه أصبح قانونًا يلتزم به الجميع، ويطبقه الجميع، وصار سياجًا منيعًا حول حقوق الناس وحرماتهم وحرياتهم، فلا تمس من قريب أو بعيد، تحت أي ذريعة أو ستار.

فأين هذه العظمة التي غرسها الإسلام في الأرض فأنبتت طمأنينة الناس، وأنبتت الأدب العالي في حياة المسلمين، وحددت الحدود التي يقف عندها كل إنسان مهما كان؟.

أين هذا من الأبواق التي تزعم الحريات، ويملأ ضجيجها العالم، ويصمّ الآذان؛ لكنها طبول ليس لها إلا أصوات تصمّ الآذان، وجعجعة فارغة تافهة، تنادي بالحريات وتزعم بأن كرامة الإنسان محفوظة، وقد ضيّع الإنسان وضاعت كرامته، أين هذا الأفق السامي العظيم مما تزعمه الديمقراطيات المزيفة، والمؤتمرات التي تزعج الناس بدعاويها الباطلة، ثم يتلفت الناس حولهم فلا يجدون إلا الإهمال، والنيل منهم، والإهانات التي لا تنتهي ولا تكف ويصل الأمر بالأبرار الأحرار إلى سلب حريتهم، بل وإيداعهم السجون والمعتقلات، وهم لم يرتكبوا إثمًا في حق إنسان، ولم يعتدوا على مخلوق.

وهكذا تكون الحريات، وهكذا يكون ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، قسوةً وكيدًا وامتهانًا وترويعًا للأمهات وللأطفال، وتسأل عن السبب فلا إجابة، بل هي كلمات تقال لا معنى لها ولا وزن لها، بل ولا حقيقة لها.

إن الإسلام العظيم يهتف بجميع الناس على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم، يجمعهم تحت سقف واحد، وخلف راية واحدة هي راية الحق، يقول لهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ (الحجرات)، وهنا يرفع راية واحدة يجب أن يقف وراءها الجميع، هي راية التقوى، راية الخوف من الله والرجاء في عدله ورحمته، وفي نعمه التي لا تحصى.

سيدرك ثأر الله أنصار دينه ولله أوس آخرون وخزرج

والله أكبر ولله الحمد


المصدر

اخوان اون لاين