الرابحون والخاسرون في الحرب على غزة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.

الرابحون والخاسرون في الحرب على غزة


على مدى شهر كامل ونحن نتابع تداعيات الحرب المدمرة التي شنها العدو الصهيوني على أهلنا في غزة، ونرصد نتائجها وما خلفته من آثار.


كانت المتابعة في البداية عن طريق ما يبث في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ثم أتيحت لي فرصة المشاهدة بالعين عندما سافرت إلى قطاع غزة مرافقاً لوفد الاتحاد الدولي للصحفيين، الذي ذهب إلى غزة محققاً في جرائم الحرب التي ارتُكِبَت في حق المدنيين عموماً، والصحفيين على وجه الخصوص.


التجربة كانت ثرية، حيث حرصت على استثمار كل دقيقة قضيتها بغزة في معرفة آثار هذه المحرقة التي أقامها العدو لأهلنا هناك، وتلك الحرب المدمرة التي شنها ضد البشر والحجر والشجر.


خرجت بنتائج هذه الزيارة، وأردت أن أسطر بعضها هنا، لكن في صورة توضح حساب الربح والخسارة في هذه الحرب، وتستشرف مستقبل المقاومة على أرض فلسطين بعد حرب أُريدَ لها أن تقضي على المقاومة، وتغير خريطة القطاع.


الحرب التي شنها الصهاينة علىقطاع غزة جاءت بعد إعداد طويل ربما دام لسنوات، وخُطِّطَ لها كي تكون القاضية، وسبقها وصاحبها حرب نفسية شنها العدو ومن تواطأ معه من أنظمة عربية ودولية؛ بغية القضاء على روح المقاومة وتيئيس الشعب الفلسطيني من جدواها.


ولأول مرة في منطقتنا العربية نشاهد أقلامًا وأصواتًا تجهر بهذه الفجاجة بمعاداة المقاومة وتحرض عليها من جهة، وتبرر للعدو ما أقدم عليه من حرب إبادة وتدمير.


وقد خطط العدو قبل الحرب للتغطية على جرائمه ومنع وصول الحقيقة، خصوصاً إلى المجتمعات الغربية، فمنع دخول الصحفيين ومراسلي القنوات التلفزيونية إلى قطاع غزة قبل الحرب. كما عمد إلى ضرب الصحفيين الموجودين بغزة وإرهابهم، بعد أن قتل خمسة منهم وأصاب العشرات عن سبق عمد وترصد، حتى لا تصل الحقيقة إلى العالم، وهذا ما أكده لنا خليل أبو شمالة - رئيس مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان - في لقائنا معه بغزة، لقد ضرب العدو عددًا من المكاتب الإعلامية، واستهدف عددًا من سيارات المراسلين، كما دمر بالكامل مبنى تلفزيون وفضائية الأقصى .


لقد حاول العدو بحصاره الممتد لعامين، قتل أهالي القطاع بالبطيء فلم يفلح، أقدم على الإجهاز عليهم بطائراته ودباباته وبوارجه الحربية، لكنه بحمد الله فشل فشلاً ذريعاً، لم يشهد التاريخ له مثيلاً.


لقد حاول كسر إرادة المقاومة؛ فإذا بها توقع به الخسائر الفادحة، ولم تنجح ألوية النخبة وجولاني وجلعاد، ولا الفرق العسكرية التي ضمت عشرات الآلاف في أن تحرز النصر، التي وعدت به قيادة العدو.


بل كانت النتيجة لضربات كتائب عز الدين القسام وحدها قتل 80 ضابطاً وجندياً صهيونياً، وتدمير 47دبابة وجرافة وناقلة جنود، وتفجير 79 عبوة ناسفة، ونصب 12 كمينًا للقوات الصهيونية، وقنص 53 جندياً وضابطاً صهيونياً.


حاول العدو تحرير الجندي الأسير «جلعاد شاليط»، إلا أنه فَقَدَ 80 ضابطاً وجندياً قتلتهم المقاومة، وكادت أن تأسر - بالإضافة إلى «شاليط»- ثلاثة آخرين، لولا إقدام طائرات العدو على قصف الجنود الثلاثة مع خاطفيهم من المجاهدين.


وراهن العدو على إمكانية قيام الشعب الفلسطيني بالانقلاب على حماس، وأن يدخل دحلان ورجاله على ظهور الدبابات الإسرائيلية ليحكم غزة من جديد، لكن لا هذا ولا ذاك قد حدث.


خسر العدو ما قيمته مليار وسبعمائة مليون دولار في الاقتصاد، كما خسر عسكرياً ما قيمته ملياري دولار، واستخدم كمية من الذخيرة والقنابل لم يستخدمها في أي من حروبه السابقة.


خسر العدو أخلاقياً باستهدافه للمدنيين، الذين سقط منهم حوالي 1400 شهيد، وأكثر من 5500 جريح، معظمهم من النساء والأطفال، ودمر ما يقرب من 20 ألف منزل ومؤسسة ومقر حكومي ومسجد ومدرسة تدميراً كلياً أو جزئياً بعد أن يئس من الوصول إلى رجال المقاومة ومنصات صواريخهم.


في حساب الأرباح.. يتضح أن حماس خرجت منتصرة في هذه المعركة، لقد ظن العدو أن الحرب ما هي إلا نزهة لمدة يومين أو ثلاثة، وأنه سيجبر رجال حماس على التسليم والركوع لإرادته، فإذا به يستمر لمدة 22 يومًا، والمقاومة شرسة، والشعب الفلسطيني العظيم صامد لم يسلّم، الأمر الذي دفع العدو إلى التخبط والتمادي في القتل العشوائي والتدمير، الذي استهدف كل شيء.

وبعد قيام الطيران الإسرائيلي بـ 2500 طلعة جوية، وإلقاء مليوني كيلو جرام من القنابل والمتفجرات والرصاص المصبوب، كما قال العدو، إلا أن أهل غزة لم يستسلموا ولم يرفعوا الراية البيضاء للعدو، كما أنهم لم ينقلبوا على سلطة حماس، بل التفوا حولها؛ لسبب بسيط لم يفهمه العدو وحلفاؤه، وهو أن حماس من الشعب، والشعب معها وخلفها.

ربحت حماس تأييد الشارع في الداخل الفلسطيني وفي المنطقة العربية، وفي البلاد الإسلامية، وتحركت المظاهرات المؤيدة لها، وارتفعت راياتها في كل العواصم.


وخرجت المظاهرات المنددة بالعدوان الصهيوني في كل مكان من العالم، بصورة لم يكن العدو يتخيلها، ووجد العدو نفسه في حالة دفاع عن النفس بسبب ما ارتكبه من جرائم.


أحيت هذه الحرب روح التضامن مع الشعب الفلسطيني، وأيقظت الوعي لدى أجيال جديدة لم تكن تعرف حقيقة العدو بالمعنى الكامل بعد أن ضللتها أجهزة الإعلام، وما سمي بثقافة السلام.


وتحركت مئات المنظمات الحقوقية في جمع وثائق الإدانة للعدو لتقديمها أمام المحاكم الجنائية لمحاسبة قادة العدو وجنوده.


إقليمياً ودولياً برز العديد من النجوم ذات المواقف المساندة للمقاومة، في كل المجالات سياسية وإعلامية وفنية، رسمية وشعبية، كما هوت نجوم أخرى بسبب المواقف المتخاذلة من الحرب على غزة وأهلها.

لقد ألحقت هذه الحرب فضيحة أخلاقية بالعدو، أجبرته على وقفها بعد أن خسر الكثير، وفشل في تحقيق أي هدف من أهدافها.


ومع كل هذا نجد بيننا من يهوِّن من نتائج هذه الحرب، أو يشكك في هزيمة العدو، ويحسد حماس خصوصًا، وفصائل المقاومة عموماً على ما حققته من إنجاز، وكأنه للأسف كان يرجو لها الهزيمة.


وصدق الله العظيم القائل: إن تّمًسّسًكٍمً حّسّنّةِ تّسٍؤًهٍمً وّإن تٍصٌبًكٍمً سّيٌئّةِ يّفًرّحٍوا بٌهّا(آل عمران:120). يتباكون على شهداء غزة، وإنهم لكاذبون، فلو ذهبوا لغزة لتعرفوا على حقيقة هذا الشعب العظيم الذي ضحى، ولا يزال على استعداد للتضحية من أجل تحرير الأرض والمقدسات.


الفلسطينيون يدركون جيدًا أن ضحاياهم شهداء وليسوا أمواتاً، سقطوا في معركة الكرامة، لا في معارك الإهمال والفساد، مثلما يحدث في بلادنا، لقد قتل أضعاف ما سقط في الحرب على غزة، في حريق قطار الصعيد، وفي غرق العبارة سقط أكثر مما سقط في غزة، ولكن شتان بين ميتة سببها الإهمال، وميتة سببها الدفاع عن الأوطان.


صمود المقاومة، وثبات أهلنا في غزة أذهل هؤلاء المشككين المنهزمين، وأيقظ وعي الأمة بحقيقة العدو الذي لا يعرف إلا منطق القوة، ولن يرحل عن الأرض والمقدسات إلا بالقوة والمقاومة، فما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها.


أيها السادة، اذهبوا إلى غزة؛ كي تقفوا على حجم الجريمة التي ارتكبها العدو بحق أهلنا هناك، وكي تقفوا أيضًا على حقيقة الشعب الفلسطيني، الذي أصبح أكثر إصرارًا على المقاومة والتفافاً حولها.


اسمعوا من أطفاله وشبابه ونسائه وشيوخه.. ماذا يقولون عن المقاومة.. إنهم معها مهما بلغت التضحيات؛ لأنهم أدركوا أن الركوع للعدو لن يجلب إلا الخسائر تلو الخسائر.


الحرب على غزة خرج منها رابحون وخاسرون، وأول الرابحين كان الشعب الفلسطيني في غزة ومقاومته الباسلة. وفي مقدمة الرابحين قادة وحكومات وشعوب وقفت إلى جانب غزة وأبطالها المقاومين. وأول الخاس`رين كانت حكومات أيدت العدوان وبرّرت له، وحاولت تفويت الوقت حتى تأخذ القوات الصهيونية فرصتها الكاملة في القضاء على غزة والمقاومة، وجاء مع الخاسرين أصحاب أقلام باعوا أقلامهم لأعداء الأمة، فاستحقوا الحفاوة من العدو، والاحتقار من شعوبهم، التي لن تنسى هذه المواقف التي خانت وانحازت للعدو على حساب الدم الفلسطيني.