الدورة الرابعة للبرلمان المصري.. نظرة تقويمية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدورة الرابعة للبرلمان المصري.. نظرة تقويمية


2004-06-07

تحقيق- عبد المعز محمد

مقدمة

مجلس الشعب المصري

- د. محمد مرسي: الإخوان تعاملوا مع كل القضايا دون استثناء

- فؤاد بدراوي: الحكومة تقف للمعارضة بالمرصاد

- عبد الأحد جمال الدين: على الأقلية احترام رأي الأغلبية!!

- د. وحيد عبد المجيد: ضعف نواب المعارضة انعكاس لضعف أحزابهم

منذ أيام انتهت الدورة الرابعة ومعها كثير من الحسابات والإشكاليات السياسية بين الحكومة ومعارضيها، ورغم أن الدورات الأربع كانت الأكثر في تقديم الأسئلة، وطلبات الإحاطة، والبيانات العاجلة للحكومة في تاريخ مجلس الشعب- حيث تجاوزت الأسئلة، وطلبات الإحاطة، والبيانات العاجلة، والاقتراحات برغبة، ومشروعات القوانين رقم السبعة آلاف آلية، وحقَّق الاستجواب أعلى معدلاته في هذه الدورات 90 استجوابًا- إلا أنه رغم كل ذلك فقد استمر أداء النواب باهتًا وبعيدًا عن الصدامات.

فطبقًا لما جاء في التقرير التحليلي السنوي لأداء مجلس الشعب فإن أكثر من50% من الأسئلة التي تقدم بها أعضاء مجلس الشعب كانت متعلقةً بمشاكل داخل دوائرهم.. كالصرف الصحي، وانقطاع الكهرباء، وباقي الخدمات المحلية، بينما كان30% فقط من مجموع الأسئلة طوال الدورات الأربع مختصةً بالقضايا الهامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونصفهم على الأقل كان عبارة عن قضايا يفجرها النواب من خلال مصادرهم الخاصة، مثل الأسئلة المتعلقة بالأسمدة الفاسدة، وانهيار شركات الحديد والصلب، واستيراد قمامة الولايات المتحدة لتصنيع الورق، ومشاكل المعاشات، وارتفاع أسعار الكهرباء، بينما اعتمدت النسبة الباقية على ما تنشره الصحف وتنقله وكالات الأنباء، وكان معظمها عن القضايا المحلية الإقليمية.

أما النسبة الباقية من الأسئلة وهي20% فكان معظمها عن أسئلة مكررة للنواب في الاستجوابات والبيانات العاجلة، أو أنها معادة من الدورات السابقة، والنسب قد تختلف قليلاً في طلبات الإحاطة.. إلا أنها في النهاية تصبُ في مشاكل الدوائر المحلية، أما البيانات العاجلة، وهي آلية استحدثها الدكتور فتحي سرور في القضايا الهامة والعاجلة، فقد كانت الدورة الأولى والثانية الأكثر من حيث استخدام هذه الآلية من نواب المعارضة والمستقلين، بينما انخفضت النسبة للنصف تقريبًا في الدورات الثالثة والرابعة، وفيما يتعلق بمشروعات القوانين فقد تفوَّق النوابُ المستقلُّون على نواب المعارضة في تقديم مشروعات القوانين.

ويكفي أنه في الدورة الثانية- على سبيل المثال- قدم النواب المستقلون 36 مشروع قانون من إجمالي 78 مشروعًا قدمها كل نواب المجلس، في حين كان نصيب نواب المعارضة أربعةَ قوانين بواقع قانون لحزب التجمُّع وثلاثة لحزب الوفد.. بينما لم يتقدم ممثلا الحزب الناصري وحزب الأحرار بأي مشروع قانوني، والنسبة لم تختلف كثيرا في الدورات التالية؛ حيث احتل المستقلون المرتبة الأولى 40% من إجمالي مشروعات القوانين، وبقيت نسبة الأحزاب كما هي، مع الوضع في الاعتبار أن حزب الأحرار لم يَعُد له ممثل بعد إبطال عضوية رجب هلال حميدة، وفي الدورة الرابعة انخفضت نسبة مشروعات القوانين على حساب نسبة الاقتراحات برغبة، التي اهتم فيها النواب بخدمات الدوائر، خاصةً مع اقتراب انتخابات 2005م.

أما نسبة الاستجوابات بين المعارضة والمستقلين، ففي الدورة الرابعة- على سبيل المثال- باعتبارها أكثر الدورات التي شهدت استجوابات في تاريخ الحياة النيابية (53 استجوابًا) تفوَّقَ النواب المستقلون أيضًا على نواب المعارضة، سواء من حيث تقديم الاستجوابات، أو من حيث موضوعاتها، ثم من حيث مناقشتها؛ حيث قدموا 38 استجوابًا منهم 11 استجوابًا بات لنواب الإخوان، والباقي موزعون على 6 نواب، بينما قدم نواب المعارضة 12 استجوابًا، وكان من نصيب حزب التجمع 6 استجوابات، يليه الوفد أربع استجوابات، وكلها لنائب واحد وهو محمد عبد العليم، ثم تقدم الحزب الناصري باستجوابين.

أما موضوعات استجوابات المستقلين فقد تناولت قضايا الدَّين العام، والفساد بالجهاز المصرفي، وشركات المحمول، ومشروعات القمح والأغذية الفاسدة، ورغيف الخبز، والقوانين السرية، وتضارب القرارات الوزارية، وإهدار مال عام في شركة النصر للملاَّحات، وحادث سقوط عمارة مدينة نصر، ومشروع فوسفات أبو طرطور، والأسرى المصريين في حروب 56 و67، وكارثة الألغام في العلمين، وتعذيب المواطنين بأقسام الشرطة، بينما تناولت المعارضة قضايا الخصخصة، وبحيرة البرلس، وارتفاع الأسعار، والفساد في بعض الشركات، واتفق الفريقان في قضايا التأمينات وارتفاع الأسعار.

وجاءت نسبة مناقشة الاستجوابات حتى الآن 1:3 لصالح المستقلين أيضًا، وربما يرى البعض أن زيادة أعداد المستقلين هي التي تضعهم في المقدمة؛ لأنهم حوالي40 نائبًا، في حين أن نواب المعارضة 14 نائبًا، إلا أن واقع بيانات الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة وحتى مشروعات القوانين يؤكد على أن النواب المستقلين- الذين استخدموا هذه الآليات- لا يتجاوزون 12 نائبًا في مشروعات القوانين (5 إخوان و7 اتجاهات مختلفة)، و13 نائبًا في الاستجوابات (7 إخوان و6 اتجاهات مختلفة)، والنسبة نفسها لا تختلف كثيرًا في طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة؛ مما يجعل العدد في النهاية متكافئًا.

أما القضايا التي تناولها نواب المعارضة والمستقلون بشكل عام- سواء في المناقشات العامة أو في ردودهم على بيان الحكومة- فهي في معظمها قضايا اقتصادية وخدمية، مثل قضايا تراجع قيمة الجنيه، وانتشار الفساد في القطاع الحكومي والشئون الخارجية وخاصةً المتعلقة بفلسطين والعراق، وقضايا الإصلاح الاقتصادي والطوارئ، ومن واقع ردود نواب المعارضة والمستقلين يتبيَّن عدة نقاط هامة في نوعية القضايا التي يتناولونها، فحزب الوفد يؤكد على التحرر الاقتصادي، إلا أنه في الوقت نفسه يعيب على الحكومة سياستها في تنفيذ برامجها الاقتصادية، كما يهتم الحزب بشكل أو بآخر بقضية تغيير الدستور من أساسه، مؤكدًا أنه لم يعُد يناسب مرحلة الانفتاح والسوق الحر، بينما كانت القضايا السياسية المتعلقة بقوانين الطوارئ ومباشرة الحقوق السياسية قضايا عامة في طرحها، ولم يقدم الحزب رؤيةً كاملةً مفصلةً لهذه الأمور.

أما حزبا التجمُّع والناصري فلم يختلف برنامجهما السنوي في الردِّ على بيان الحكومة، مع التركيز على أخطاء الحكومة الاقتصادية، والمطالبة المتكررة بإلغاء الطوارئ، ومنع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.

وفيما يتعلق بنواب الإخوان فإن عدَدَهم في البرلمان أتاح لهم فرصةَ تقسيم الرد على بيان الحكومة على نوابهم، أما باقي النواب المستقلين فلم تختلف القضايا التي يطرحونها عن قضايا المعارضة، حتى إنه في كثير من الأحيان ما يَقتبس نائبٌ عباراتٍ وفقراتٍ بأكملها من نائب آخر أثناء رده على بيان الحكومة.

وفي بيانه الختامي للدورة الرابعة أوضح الدكتور فتحي سرور- رئيس المجلس- أن 93 نائبًا لم يشاركوا في مناقشات البرلمان، واحتفظوا بلقب "أبو الهول"، وأشار الدكتور سرور إلى أن الدورة البرلمانية شهدت 18 حالة استقالة لنواب، هم النواب المتهربون من أداء الخدمة العسكرية، وإبطال عضوية نائبٍ من الإخوان المسلمين، و33 حالة رفع حصانة، و29 حالة خلو مكان، سواءٌ بالوفاة أو إبطال العضوية أو الاستقالة.

كما شهدت هذه الدورة شدًّا وجذبًا بين الدكتور فتحي سرور ونواب المعارضة؛ لعدم تقليص دور المعارضة.. سواء في عرض وتقديم الاستجوابات أو في سن القوانين أو حتى في مجرد المشاركة في المناقشات بشكل أكثر فاعليةً، واعترض النواب أكثر من مرة على لائحة المجلس، وطالبوا بتغييرها، كما اعترضوا على الأغلبية الصامتة التي يحركها الانتماء الحزبي حتى لو كان ذلك ضد مصلحة الوطن، ولعل هذا هو ما أدى إلى إقرار قوانين أساءت للمجلس، كما أنها كانت سببًا في ظهور أكثر من20 نائبًا متهربًا من أداء الخدمة العسكرية.

وإن كانت الدورة الرابعة قد شاركت سابقتها في سلق القوانين، ووأد الاستجوابات، وتعطيل الآليات البرلمانية والرقابية للمجلس، بل والمشاركة في مؤامرات الحكومة ضد خصومها، إلا أن هذه الدورة قد تفوَّقت على سابقتها بترسيخ مبادئ حكومية كانت بعيدةً عن المجلس بشكل أو آخر، ولعل أبرزها مخالفةُ أحكام القضاء فيما يتعلق بنوَّاب التجنيد والطعون الانتخابية، فما شهدته هذه الدورة قبل بدايتها- من وجود حكم من الدستورية العليا بإبطال عضوية نواب التجنيد- كان كفيلاً أن يجعل الحكومة تترك المجلس في حاله ولا تتدخل في قراراته؛ حتى لا يفقد مصداقيته في الشارع المصري، إلا أن الحكومة أبت أن يكون أداء المجلس أفضل منها، فأجبرته بأغلبيتها أن يخالف أحكام القضاء في قضية نواب التجنيد، وأن يبتدع فكرة الاستقالات لنواب التجنيد؛ مما يتيح للحكومة فتح باب الترشيح من جديد.

وقبل أن ينسى المجلس فضيحة نواب التجنيد أبى المجلس بأغلبيته الحكومية إلا أن ينهي دورته بفضيحة جديدة، وكان ضحيتها هذه المرة نائب الإخوان المسلمين عزب مصطفى، الذي خرج من المجلس بمؤامرة حكومية شاركت فيها اللجنة الدستورية بالبرلمان، وكالعادة رفع نواب الأغلبية شعار "قلوبنا مع عزب وأيدينا مع كمال الشاذلي" ليفقد الإخوان مقعدًا جديدًا في البرلمان بعد الدكتور جمال حشمت.

وكالعادة أغلق المجلس كل الملفات الشائكة.. سواء التي تم فتحها كقضية التعذيب في السجون، أو صفر المونديال، أو ارتفاع الأسعار، أو التي لم تُفتح من البداية.. كالعلاقات المصرية الأمريكية، وفساد بعض الوزراء، واتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني، وخراب التعليم، وفساد المحليات، واحتكار حديد التسليح، والمغالاة في أسعاره دون حسم، وهو ما دفعنا إلى سؤال رؤساء الهيئات والكتل البرلمانية لأحزاب المعارضة- بمجلس الشعب- عن تقييمهم ليس للدورة الرابعة ولكن للمجلس ككل حتى الآن.

أداء متنوع

في البداية نفى الدكتور محمد مرسي- رئيس كتلة البرلمانية لنواب الإخوان في مجلس الشعب- الاتهامات التي يُطلقها البعض من أن نواب الكتلة يضعون وزراء بعينهم في بؤرة اتهاماتهم، مؤكدًا أن نواب الإخوان تعاملوا مع كل القضايا بدون استثناء، وأنهم قدموا العديد من الاستجوابات الهامة عن قضايا بعيدة كل البعد عن الثقافة والفن والتعليم، مثل استجواب انهيار عمارة مدينة نصر، واستجواب قطار الصعيد، واستجواب شركة النقل والهندسة، واستجواب عن مدينة بور سعيد، واستجواب عن بحيرة المنزلة، ثم استجواب الدَّين العام.. بالإضافة لمشروعات قوانين هامة جدًّا، منها مشروع قانون أتاح لطلاب الثانوية الأزهرية الالتحاق بكلية الشرطة، ومشروع قانون لإنشاء كلية للثروة السمكية، ومشروع قانون لإنشاء المحكمة الاقتصادية، وقوانين أخرى كثيرة.

وقال مرسي: ماذا يُطلب منا ونحن نفقد كل دورة نائبًا من نواب الكتلة؛ من خلال لعبةٍ حكوميةٍ يشارك فيها المجلس، مشيرًا إلى أن الإخوان هم- وليس سواهم- الذين اعترضوا على عدم تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بعدم فتح باب الترشيح في انتخابات نواب التجنيد، رغم أنه لم يكن للإخوان في هذا الموضوع ناقةٌ ولا جملٌ، مؤكدًا أنهم من خلال هذه المواقف يبرهنون على برنامجهم السياسي والاقتصادي عمليًّا، كما أنهم يقدمون رؤيةً شاملةً كل عام لعلاج أخطاء الحكومة من خلال ردِّ الكتلة على بيان الحكومة.

وأشار الدكتور مرسي أنه لا يجب أن نتناسى أيضًا أن نواب الإخوان يمثِّلون ما يعادل 4% تقريبًا من نواب المجلس، مؤكدًا أنه يجب تقييم أدائهم وفقًا لمعايير محددة، منها مدى استخدامهم للأدوات الرقابية البرلمانية المتاحة، وحرصهم على حضور جلسات المجلس، والتفاعل مع ما يعرض وما يناقش من مقترحات ومشروعات، ومدى قيامهم بدورهم الرقابي والتشريعي داخل المجلس في حدود كونهم أقليةً، ومدى تفاعلهم مع القضايا الوطنية، ومدى اهتمامهم بمناقشة وإثارة القضايا الخارجية ذات البُعد العربي والإسلامي، مثل الممارسات الصهيونية العدوانية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، والاحتلال الأمريكي للعراق الشقيق، وأخرى مثل توجُّه فرنسا لحظر الحجاب على المسلمات، وغيرها من القضايا المهمة، ثم مساهمتهم في تطوير أداء المجلس، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في تسهيل عمل النواب، وتوفير أوقاتهم.

مؤكدًا أنه في ضوء هذه المعايير فإنهم- أي نواب الإخوان- قد استخدموا كل أدوات الرقابة البرلمانية المتاحة أمام النواب.. من سؤال، وطلب إحاطة، واستجواب، وطلب مناقشة، وبيان عاجل، واقتراح مشروع قانون، حيث بلغ عدد الأسئلة وطلبات الإحاطة أكثر من خمسة آلاف سؤال، وطلب إحاطة واستجواب وبيان عاجل منذ عمل المجلس في نوفمبر 2004م، هذا من ناحية الكمِّ..

أما من ناحية الكيف فقد استدل د.مرسي بالاستجوابات، التي تمت مناقشتها خلال الفترات السابقة، موضحًا أن هناك استجوابات أخرى بعضها متعلق بقضايا اقتصادية، مثل استجواب عن شركة الملاحات، واستجواب عن تدهور الزراعة المصرية، مؤكدًا أن بعض وسائل الإعلام وبعضَ الكتاب والمحلِّلين- الذين لهم مواقف مخالفة للجماعة- هم الذين يروِّجون لهذا الكلام، موضحًا أن الإخوان ليسوا ضد الإبداع ولا ضد الفن، إلا أن ما أثاروه واعترضوا عليه لم يكن إبداعًا ولم يكن فنًّا، وهو ما شهد به الجميع، ونفى الدكتور مرسي أن يكون هدف نواب الإخوان من هذه الاستجوابات هو إحراج الحكومة، مشيرًا إلى أنهم من خلال هذه الآليات يحاولون محاصرة بؤر الفساد بالقانون؛ لإعطاء الفرصة لفاعليات العمل المدني أن تعمل في جو صحي.

ونفي رئيس كتلة الإخوان أن يكون اهتمام كتلته بقضايا التعليم موجهًا ضد الدكتور حسين كامل بهاء الدين شخصيًّا، مشيرًا إلى أن كل البيوت المصرية تعاني من نظام التعليم، وأن هناك أصواتًا كثيرةً جدًّا تطالب بإصلاح حقيقي للتعليم وإنقاذه من الانهيار الذي يشهده في ظل الوزير الحالي، وقال إنه ليس أدل على ذلك من التخبُّط الذي شهدته الأسر المصرية في مسألة عودة الصف السادس الابتدائي.

أداء باهت

أما النائب أبو العز الحريري- نائب رئيس حزب التجمع ونائب رئيس هيئته البرلمانية- فقد اعترض على اتهام المعارضة بالتقصير أو الضعف، مؤكدًا أن مجلس الشعب كله باهت وضعيف، والجماهير لا تشعر به، وأرجع الحريري ضعف أداء المعارضة إلى أغلبية الحزب الوطني الكاسحة، والتي وصفها الحريري بأنها هي المتحكِّمة في قرارات المجلس وتوصياته وجدول أعماله.

ولم ينفِ الحريري أن العراك الذي يشهده المجلس بين المعارضة من جانب والحكومة وأغلبيتها من جانب آخر لا يتعلق باختلاف السياسات في أغلب أوقاته، وإنما في خلافات بين النائب والوزير، أو لانفعال النائب مثلاً في قضيةٍ ما.. إلا أن الحريري أكد أيضًا أن فرصة طرح الرؤى السياسية لكل اتجاه داخل المجلس ضعيفةً، مشيرًا إلى أن 80% من الاستجوابات وطلبات الإحاطة التي يقدمها نواب المعارضة والمستقلون تدور حول أداء الحكومة وتقصيرها فيما التزمت به أمام النواب، سواءٌ في قضايا الخصخصة، أو فشلها اقتصاديًّا، أو خسائر الشركات، وارتفاع معدلات البطالة، وأشار الحريري إلى أنه إذا كانت مثل هذه القضايا المشتركة- والتي تهم الجميع- وغيرها عندما تطرحها المعارضة تتكسَّر على عتبة الأغلبية فما بال القضايا الأخرى التي تتكلم عن السياسات والبرامج؟!

وتساءل الحريري إذا كانت المعارضة بأقليتها مقصرةً في أداء دورها.. فأين نواب الحزب الوطني صاحب الأغلبية؟ وأين الحكومة من الحقائق التي يقدمها النواب وتعرضها الصحافة؟ مؤكدًا أن الحكومة تتعامل مع مجلس الشعب باعتباره مجلسًا "ملاكي" لها.. لا تعيره اهتمامًا؛ لأن أغلبيتها هي المتحكِّمة في كل شيء، وقال الحريري أليس من الغرائب أنه منذ بدأت الحياة البرلمانية الحديثة وكل الاستجوابات التي شهدها البرلمان المصري طوال ثماني فصول تشريعية تنتهي بجدول الأعمال ولا يتم محاسبة المسئول؟ متسائلاً: هل كل الاستجوابات كانت "فشنك" والحكومة دائمًا مجني عليها؟!

وعاد الحريري ليؤكد أن تقييم أداء المجلس والمعارضة فيه مرتبط بأداء الأغلبية الموجودة والتي جاءت من خلال انتخابات غير حقيقية، أما المعارضة فقد أدت دورَها بشكل أو بآخر، ولكن الأغلبية هي التي تحبط أداءها، وضرب الحريري مثالاً باستجواب القروض، وفساد الأداء المصرفي، ورفض الحكومة مناقشته؛ حتى لا يفضح أمرنا، وتهرب الاستثمارات الأجنبية.. وقد صوتت الأغلبية على ذلك، واستمر مسلسل الهروب سواء المتعلق بالقروض أو الاستثمارات.. وفي النهاية من هو المسئول؟ هل هم نواب المعارضة أم نواب الأغلبية؟

وقال الحريري إنه بالإضافة للأغلبية التي تقف أمام نواب المعارضة فهناك أيضًا اللجنة العامة لمجلس الشعب، وهي لجنة وصفها الحريري باللجنة الحكومية؛ لأن تشكيلها تسيطر عليه الحكومة.. من خلال رؤساء اللجان، ووكيلي المجلس، بالإضافة لرئيس المجلس.. في الوقت الذي يشكل رؤساء الهيئات البرلمانية أقليةً في اللجنة، مؤكدًا أن هذه اللجنة وبهذا التشكيل هي مطبخ قرارات المجلس.

خلل تشريعي

النائب فؤاد بدراوي- نائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد- لم يختلف مع ما سبق، مشيرًا إلى أن الدورة الأولى للمجلس كانت الأفضل للجميع أغلبيةً ومعارضةً، موضحًا أنه كان هناك حماس ورغبة في منافسة بين أعضاء المجلس، إلا أن هذا الحماس بدأ يختفي مع نهاية كل دورة حتى جاءت الدورة الرابعة التي انتهت منذ أيام وهي خالية من أي أداء مميز، ورجع المجلس لعادته القديمة.. فلا حضور من الأعضاء, والمناقشات ميتة وتخلَّى كثير من النواب عن دورهم الرقابي والتشريعي.

وفيما يتعلق بالجانب التشريعي أكد بدراوي أن هناك ظلمًا ضد نواب المعارضة في هذا الجانب، مشيرًا إلى أن دور المجلس التشريعي يتسم بالخلل الشديد لما يجب أن يكون عليه, وهناك العديد من مشروعات القوانين يقدمها الأعضاء وتُبحث في لجان المجلس، ولكنها- للأسف- لا ترى النور، وتظل حبيسةً أدراج اللجان, والأغرب من ذلك- كما يقول بدراوي- أنه عندما يتقدم أحد الأعضاء بمشروع قانون وترى الحكومة أنه جيد أو أنها توافق عليه, فإنها تسارع بإعداد مشروع مماثل له، وتتقدم به حتى لا تعطي فرصةً للنائب, واللائحة أعطت لقانونها الأولوية في المناقشة عما يقدمه النائب.

ونفى بدراوي وجود خلافات بين نواب الوفد، مؤكدًا أن لكل منهم طابعًا معينًا، وأنهم بطريقة أو بأخرى يكملون بعضهم في حدود الإمكانيات المتاحة, ولم ينفِ نائب رئيس الهيئة البرلمانية للتجمع أن أداء نواب الوفد لم يكن معبرًا تعبيرًا كاملاً عن توجهات الحزب وأهدافه، مؤكدًا أن نواب الحزب عبَّروا بقدر معقول عن توجهات الحزب من خلال الأداء، في الرد على بيان الحكومة، والخطة، والموازنة العامة، بل وخلال المناقشات المختلفة.

مؤكدًا أن توجهات حزبه وسياسته وَضُحت أثناء مناقشة هذه القوانين؛ حيث أكدوا حتمية الحرية السياسية، وتعديل الدستور، وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، والاهتمام بالعدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع, كما ركزوا على الليبرالية الاقتصادية، وتأكيد معاني الوحدة الوطنية, مشيرًا إلى أنه من خلال هذه المناقشات لم "يشذ" أحد من نواب الحزب عن هذه التوجهات الرئيسية للحزب، وفيما عدا ذلك قد يكون هناك اختلاف؛ لأن الأداء البرلماني بطبيعته أداءٌ شخصي، ومن المستحيل أن نتفق مع بعضنا في كل شيء, وهو ما يحدُث في كل الأحزاب.

الوطني يرفض الاتهامات

ورفض الدكتور عبد الأحد جمال الدين- رئيس لجنة القانون الدولي الإنساني بمجلس الشعب- اتهام الأغلبية بأنها السبب في ضعف دور المعارضة، مُبديًا في الوقت ذاته سعادته بالممارسة البرلمانية لنواب المعارضة، وطالبهم- باعتبارهم الأقلية- أن يحترموا قرار الأغلبية، كما تحترم الأغلبية رأي الأقلية، وقال إن المعارضة تلتئم مع الحزب الوطني في كثير من القضايا، خصوصًا التي تهم وجه مصر ومصالحها القومية.. مشيرًا إلى ضرورة أن تحرص المعارضة على النظام البرلماني، وأن تمارس كل حقوقها بوطنية.

وقال جمال الدين لا أحد ينكر أن من حق نواب المعارضة أن يعارضوا وينتقدوا الحكومة، لكن عليهم أيضًا ألا يهاجموا الحكومة على طول الخط، وخلص جمال الدين إلى أن هناك قاعدةً مقررةً ديمقراطيًّا تقول: الرأي للجميع والقرار للغالبية, وعليه فكما تحترم الغالبية رأي الأقلية وتستمع له فإن على الأقلية أن تحترم قرار الغالبية.

ضعف الأحزاب

ويعلق الدكتور وحيد عبد المجيد- نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية- على ضعف دور نواب المعارضة في مجلس الشعب بأنه انعكاس لضعف أحزابهم خارج المجلس، مؤكدًا أن نواب المعارضة في المستوى لا يختلفون عن غيرهم من المستقلين والأغلبية، وأوضح عبد المجيد أن تقديم الاستجوابات ليست هي مقياسًا لكل موقف اتجاه الحكومة أو النظام، مشيرًا إلى أنه من خلال متابعة الاستجوابات- التي قدمها النواب- يتبين مدى الفراغ والهوَّة بين ما ينادي به الحزب وبين ما يطالب به النائب الذي يهمه في الأساس أن يسجل موقفًا ليضمن أصوات ناخبيه.

ويؤكد عبد المجيد أن مجلس الشعب حتى الآن لم يشهد مناقشات في السياسات، ولم يقدم ممثلو الأحزاب في مجلس الشعب برامجَهم السياسية؛ لأنهم في الأساس يعتمدون على قاعدة هشَّة.. ليس لها وجود في الشارع السياسي، وتساءل عبد المجيد: عندما يطالب نواب المعارضة بإلغاء قانون الطوارئ فإنهم لم يقدموا حلاًّ للحكومة لمواجهة تجار المخدرات مثلاً، بينما تنحصر كل مطالبهم في الجانب السياسي، هذا بالإضافة إلى أن مبادرات الأحزاب والقوى السياسية- التي من المفترض أنها تقدم البديل للنظام القائم- هي عبارة عن عبارات عامة ولم تقدِّم هي في الأساس منهجًا بديلاً؛ ولذلك فإن عدم ظهورها على يد نواب الأحزاب أمر طبيعي.

وقال عبد المجيد الأهم من تقييم أداء النواب هو هل هؤلاء النواب يرون في أنفسهم أنهم فعلاً نوابٌ، ويمارسون العمل البرلماني بالشكل المفترض أن يكون عليه؟! وعاد ليؤكد أن الإجابة من خلال الواقع هي بالنفي!! وأن المناقشات التي يشهدها مجلس الشعب أو التي تشهدها الأحزاب أشبه بمناقشات المقاهي ومنتديات من ليس له عمل، مؤكدًا أنه لا يوجد حزبٌ من الأحزاب له مركزُ دراسات متخصص يمده بالمعلومات والدراسات، وبالتالي فإن ما يعرضه النائب في مناقشاته واستجواباته عبارة عن كلام مرسل منقول معظمه من الصحف.

وحدد عبد المجيد ضعف الأداء البرلماني بشكل عام والمعارضة بشكل خاص بعدة أسباب، منها: غياب البرنامج الصادق، وعدم وضوحه.. سواء أكان ذلك اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا أو سياسيًّا، وقال إنه حتى إذا وُجد البرنامج فهناك تقصير في عرض ذلك البرنامج بالصورة التي تَحوز إعجاب الجماهير، إضافةً إلى أن أحزاب المعارضة اتبعت سياسة النقد دون عرض البديل.

وهو ما أكده أيضًا عمرو هاشم ربيع- الخبير في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية والمهتم بالشئون البرلمانية- والذي أشار إلى أن التجربة البرلمانية الحالية اختلفت تمامًا من 1984إلى 1987م، ومن 1987إلى1990م، ومن2000م إلى2005م، مطالبًا بمزيد من الإجراءات التي تجعل الانتخابات حرةً ونزيهةً.. من خلال الإشراف القضائي الكامل؛ حيث تشمل التصويت وإعداد الجداول الانتخابية, مشيرًا إلى أنه في هذه الحالة سيدخل المجلسَ نوابٌ لهم ثقلهم التاريخي والسياسي، وستعود للأذهان تجربةُُ برلمان 87 مرةً أخرى.

المصدر