الخاسر والكاسب في عفو الرئيس عن إبراهيم عيسى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الخاسر والكاسب في عفو الرئيس عن إبراهيم عيسى



بقلم:محمود الخضيري

بعد صدور العفو الرئاسي عن العقوبة المحكوم بها على إبراهيم عيسى فيما عرف بقضية صحة الرئيس جال بخاطري ما ترتب على هذا الحكم والعفو من آثار على نفسية الناس، وبعبارة أخرى جال بخاطري حساب المكسب والخسارة في هذين الأمرين ومن الذي ربح في النهاية ومن الذي خسر؟

لقد أطلعت على القضية والحكم الصادر فيها من محكمة أول درجة وكذلك على المذكرة التي أعدها الأخ الصديق المحامي سمير حافظ بشأن الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم اتصال المحكمة بها اتصالاً قانونياً وكذلك طلب وقف الدعوى للطعن بعدم دستورية المادة المطلوب تطبيقها لمعاقبة إبراهيم عيسى وما ساقه المحامي من أسانيد لذلك وحين رفضت المحكمة الدفع والطلب وقر في يقيني وفي يقين غيري من رجال القانون أن هناك اتجاه قوي لإدانة إبراهيم عيسى وكان الحديث يدور عما إذا كانت محكمة ثان درجة ستسابق محكمة أول درجة في مقدار العقوبة أم أنها ستكتفي بالتأييد وكان تخفيف العقوبة هو أقل الاحتمالات المطلوبة والسبب في ذلك أن أسباب الأخذ بأحد الدفعين كانت متاحة أمامها لكنها رفضتها، أما أسباب البراءة فكانت متوافرة في القضية إذا لم يكن هناك اتجاه للإدانة ثم كان الحكم بتخفيف العقوبة والنزول بها إلى شهرين لإنذار إبراهيم عيسى ومن يسير في طريقه أن هناك قانون له أنياب ومخالب ورجال يعملون على سن هذه الأنياب لكي تلتهم كل من تسول له نفسه أن يتعدى الخطوط الحمراء التي وضعها أنصار النظام بإطلاق أعوانه بطريقة قانونية قضائية لها احترامها وتقديرها في نظر الناس.

بعد صدور الحكم وإعلان إبراهيم عيسى استعداده تنفيذه كانت المفاجأة بإعلان عفو الرئيس عن إبراهيم عيسى يوم 6 أكتوبر، وهو نفس اليوم الذي حققت فيه مصر نصر أكتوبر المجيد وهو ذات اليوم الذي اختارته الحملة الشعبية لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني موعداً لسير قافلتها الثانية إلى رفح والتي يعلم الشعب المصري والعربي بل والعالم كله المقاومة التي عانتها هذه الحملة من السلطات المصرية لمنع تحركها من القاهرة وعودة المشاركين فيها من حيث أتوا ، بعدها علمت بالعفو الرئاسي عن إبراهيم عيسى وجال بخاطري سؤالان الأول عن لماذا العفو الرئاسي الآن وبعد صدور الحكم ولم يكن ذلك فور تقديم البلاغ أو أثناء نظر القضية وقبل صدور الحكم والسؤال الثاني عن الكاسب والخاسر في هذه القضية؟ وللإجابة على السؤال الأول أقول أنه كان في إمكان الرئيس أن يطلب عدم السير في القضية منذ تقديم البلاغ وكان في إمكانه أيضا أن يتنازل عنها أثناء نظرها وقد كان ذلك أجدى بالرئيس واكرم لأن هذا يدل حقيقة كما جاء بأسباب العفو أن الرئيس لا يحب أن يكون بينه وبين أحد من الكتاب أو الصحافيين خصومة شخصية، أما أن ينتظر الرئيس حتى صدور حكم في الدعوى ويصير نهائياً واجب التنفيذ ثم يصدر العفو الرئاسي عن العقوبة فهذا له معنى أخر وهو أن الرئيس ومن حوله يريدون القول أن ما فعله إبراهيم عيسى خطأ لا ينبغي لإبراهيم عيسى أو غيره الوقوع فيه ومن يقع فيه سيتعرض لمثل ما تعرض له إبراهيم عيسى أو أكثر وأن هذا سيف مسلط على كل صاحب قلم وهذا أجدر من إلغاء عقوبة الحبس من قانون الصحافة لأن هذا يجعل جميع الكتاب والصحافيين تحت رحمة الرئيس في كل وقت، كما أن هناك معنى أخر أشد خطراً وهو ضمان صدور حكم في مثل هذه القضايا وأن أعتقد أنه لو كان في تقدير القائمين على هذا الأمر شك في عدم صدور حكم بالإدانة في هذه الدعوى لسارعت بطانة الرئيس بالتنازل عنها لأن نتيجة حكم البراءة ستكون نصراً مجيداً لكل صاحب كلمة حرة، وهذا يوصلنا إلى السؤال الثاني الذي أثارته هذه القضية وقرار العفو وهو من الكاسب والخاسر فيها؟ وبمقياس المكسب والخسارة الذي يمكن أن يقيم به أي أمر أقولها صراحة أن الكاسب الوحيد في هذه القضية هو السيد رئيس الجمهورية الذي قيل في سبب عفوه أنه لا يحب أن يكون بينه وبين أحد من الكتاب أو الصحافيين خصومة شخصية رغم أن هذا المعنى كما سبق أن قلت كان يوجب أن يبادر الرئيس بالتنازل عن الشكوى قبل أو أثناء تحقيقها أو عن الدعوى أثناء سيرها ودون أن ينتظر حتى يصدر حكم فيها بالإدانة ويصدر نهائيا ثم يعفو بعد ذلك، أما الخاسر الوحيد في هذه القضية فهو القضاء المصري الذي أصبح في نظر الناس مطية يمكن استعمالها في البطش بكل صاحب رأي حر يدافع فيه عن حرية وأمن الناس ومصيرهم وهو أمر خطير يهز ثقة الناس في القضاء وهو ما نبهت إليه كثيرا وقلت أن ثقة الناس في القضاء لا تهتز لأن القضاة وقفوا بالأوسمة أمام ناديهم وعلى سلم دار القضاء العالي في منظر مهيب اهتزت له قلوب الناس ولا يكون بإعتصامهم في ناديهم دفاعا عن استقلالهم حتى يتمكنوا من أن يقولوا كلمة الحق في الناس بغير خوف ولا وجل ولا طمع، وقد تعاطف الناس معهم وكان الهتاف العالي بحياة القضاة ومطالبتهم بأن يخلصوا الشعب من الطغاة، أما إحساس الناس بأن القاضي الجالس على المنصة العالية ليس هو صاحب القرار أو الحكم الذي يصدره أو أنه عندما يصدر حكمه أو قراره إنما يصدره خوفاً أو طمعاً فهذه هي الكارثة وبعد صدور الحكم بحبس إبراهيم عيسى ومن قبله براءة صاحب العبارة تغير هتاف الناس وأصبح ضد القضاة بعد أن تغير شعورهم نحوهم سلباً، وقد رأيت دموع الأسى في عيون شباب القضاة مما يحدث والحسرة على مصير مصر إذا استمر الحال على هذا الوضع لأن خسارة الناس في القضاء معناه ضياع الوطن الذي أصبح الناس فيه يفتقدون الأمن والأمان ولا يجدون أمامهم سوى يد الأمن الغليظة تنهال عليهم بلا رحمة تجعلهم يتذكرون ما تفعله إسرائيل مع إخوانهم في فلسطين.

الكاسب الوحيد في هذا الموضوع هو السيد الرئيس والخاسر الوحيد هو القضاء الذي ينهار الآن بيد الحكومة ومن يعاونها من داخل القضاء أما الأخ إبراهيم عيسى فلا أعتقد أنه ناله مكسب من هذه القضية وإن كان قد ناله بعض الكسب أثناء نظرها تمثل في تأييد ووقوف الناس إلى جواره كأشهر صاحب رأي في نظر الناس أما بعد صدور العفو عن الحكم فلا أعتقد أنه قد كسب لسببين أولهما أن الحكم لم يكن بالحكم القاسي الذي يمكن أن يؤثر عليه فقضاء شهرين في الحبس ليس بالأمر الصعب بل إن الأمر كان سيجلب عليه المزيد من الحب والاحترام والتعاطف لدرجة أني عندما قرأت بعض الآراء تطلب إصدار عفو عن إبراهيم عيسى شرعت في كتابة مقال أحذر فيه من طلب هذا العفو وأحمد الله أنه لم يطلبه لأن الأمر لا يستحق أن يطلب وعلمت أن هيئة الدفاع قد طلبت من النائب العام إيقاف تنفيذ الحكم وهو أمر قانوني لا بأس منه وثاني الأسباب التي تبرر في نظري أن إبراهيم عيسى لم يكسب شيئا من صدور هذا العفو هو تساؤل الناس فيما بينهم عما إذا كان هذا العفو سيؤثر مستقبلاً على طريقة تناول إبراهيم عيسى للنقد وخاصة لسيادة الرئيس ومن يهمه أمرهم، وفيما أعتقد أنه إذا لم يكن هناك تأثير من خوف أو رجاء فقد يكون هناك تأثير من الإحساس بالامتنان وهو أمر وارد لكل إنسان سوي يسدى إليه جميل ومن يفعل غير ذلك يمكن أن يتهم بأنه ناكر للجميل وأعتقد أن هذا هو المعنى الذي أرادت بطانة الرئيس إيصاله إلى إبراهيم عيسى وعلى أي حال يجب علينا ألا نستبق الأمور ولندع الأيام تحكم من الخاسر والكاسب في هذه القضية وكل ما نرجوه ألا يكون الشعب في النهاية هو الخاسر.