الحركة الإسلامية في مصر من (1928–1993) رؤية من قرب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحركة الإسلامية في مصر من 1928 – إلى 1993 ... رؤية من قرب


بقلم / د. محمد مورو


الفصل الأول : دعوة للتحرر

الحركة الإسلامية هي طليعة الأمة، وليست بديلا عنها، هي محاولة لاستنهاض الأمة في مواجهة التحديات المختلفة من استعمار وصهيونية وتخلف وتبعية واستبداد سياسي وظلم اقتصادي واجتماعي، هي محاولة لوضع الأمة الإسلامية من جديد على طريق الوحدة والجهاد وأداء رسالتها الكبرى في تحرير العالم كله من الظلم والقهر والطغيان.

والحركة الإسلامية تستجيب للتحديات ولا تتجاهلها أو تتعالى عليها، فما دامت الأمة الإسلامية في حالة تخلف وتبعية وهزيمة حضارية وتجزئة وانتهاك استعماري مباشر وغير مباشر فإن المهمة الأولى لتلك الحركة هو حشد الأمة كل الأمة على صعيد المواجهة الحضارية واستنهاضها وإيقاظها.

الحركة الإسلامية إذن ليست حركة مجموعة من الأمة بل حركة كل الأمة وليست أيضا فرقة دينية جديدة أو قديمة ولا شيء متميز من الأمة في العقائد أو السلوك على حد سواء.

والتأكيد على هذا الأمر يحل الكثير من المشاكل التي تواجهها الحركة من الداخل أو من الخارج على السواء ويعطيها مساحة واسعة جدا من التأييد الشعبي والجماهيري ويحصنها من الكثير من المؤامرات والضربات ولا يسمح للقوى المعادية بالمزايدة عليها أو حصارها.

ولدينا الآن مثل واضح جدا في هذا الصدد، فعندما قامت حكومة العدو الصهيوني بإبعاد 413 فلسطينيا في أواخر عام 1992 إلى المنطقة العازلة بجنوب لبنان، أراد رئيس وزراء العدو الصهيوني أن يكسب التأييد الدولي والعربي الحكومي لهذا الإجراء فنبه إلى أن هؤلاء المبعدين ينتمون جميعا إلى حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، أي هم بلغة الغرب ينتمون إلى الأصولية الإسلاميةالتي يريد الغرب القضاء عليها وبلغة الحكومات العربية ينتمون إلى الجماعات المتطرفة المستهدفة للضرب والتصفية والملاحقة من هذه الحكومات، ومع ذلك وبرغم ذلك لم يجرؤ أحد من الحكومات العربية أو الدول الغربية على تأييد هذا الأمر أو مباركة الخطوة الإسرائيلية رغم أنهم في قرارة أنفسهم يتمنون ذلك، بل أكثر من هذا أن الحكومات العربية اضطرت إلى الاحتجاج على إسرائيل وتأييد قضية المبعدين برغم كونهم متطرفين أو أصوليين، وهذا يرجع إلى أن الحركة الإسلاميةفي فلسطين هي بالضرورة حركة مقاومة ضد الصهيونية وحركة لتحرير الأرض والعرض والشرف، لأن أرضها محتلة وشعبها منتهك وبالتالي فيصعب التعامل معها على أنها متطرفة أو أصولية أو غيرها من المصطلحات الملفقة التي تستخدم في الهجوم على الحركة الإسلاميةعموما.

وهكذا فإن التأكيد على جانب التحرر، ومناهضة الاستعمار والصهيونية، وتبني قضايا الجماهير يجعل من العسير جدا على القوى المعادية أن تناهض الحركة أو تضربها أو تتهمها بالتهم التقليدية كالتطرف والإرهاب.

وإذا لم يكن هناك فائدة أخرى سوى هذه الفائدة المترتبة على إبراز الوجه التحرري والنضالي للحركة الإسلاميةلكان هذا كافيًا مبررا من الناحية الشرعية والعملية لإبراز هذا الوجه للحركة الإسلامية.

وفي الحقيقة فإن كون الحركة الإسلاميةحركة تحرر ومناهضة للاستعمار والصهيونية والتأكيد على الذات والهوية ومواجهة التحديات أمر أصيل في تلك الحركة، بل قل أنه عمودها الفقري انطلاقا من فهم منهج الإسلام أولا وظروف الأمة ثانيا وطبيعة هذه الحركة ثالثًا وليس فقط من أجل الخروج من دائرة الحصار والمزايدات.

فبحكم منهج الإسلام، وبحكم الرسالة الملقاة على عاتق المسلمين وبحكم ظروف الأمة وبحكم الواقع وبحكم طبيعة التحديات فإن الحركة الإسلامية هي طليعة الأمة من أجل النهوض والتحرر والإقلاع.


الإسلام دعوة للتحرر

الإسلام دين الفطرة، هذه حقيقة يعرفها كل مسلم أيا كان مستواه العلمي أو الفقهي، والفطرة لكي تعمل بصورة صحيحة يجب ألا يكون هناك موانع من أي نوع – كالقهر والظلم أو غيرهما – تمنعها من العمل المباشر، والقاعدة الشرعية تقول ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وهكذا فإزالة القهر والظلم والاستبداد فريضة إسلامية لكي تحقق للفطرة الظروف الملائمة لعملها.

والله تعالى أودع في الإنسان "معرفة الله تعالى" وأخذ عليه ميثاقا بذلك.

" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" " الأعراف 172، 173 "

فالإنسان يعرف الله تعالى قبل أن ينزل على الأرض، ولكنه يغفل عن هذا، والغفلة هنا تأتي من الشوشرة على التفكير الإنساني الحر أو منع الإنسان من التأمل الذاتي والاستماع إلى وجدانه بحرية أو تقليد الآباء.

والواجب الإسلامي هنا يقتضي منع الشوشرة، وتحقيق الظرف الملائم للتأمل الذاتي والاستماع إلى الوجدان وهذا بالطبع لا يتحقق إلا بالقضاء على الظلم والاستبداد والقهر ورفض التقليد الأعمى والتعصب للآباء.

إذن ف الإسلام دين الفطرة، والإنسان يعرف الله من داخله عن طريق الميثاق المودع فيه، ليس هذا فحسب بل إن الله تعالى صمم الكون والإنسان بطريقة فذة تجعل أي إنسان يستطيع أن يدرك وجود الله تعالى إذا ما استخدم عقله بحرية وتأمل في الآفاق أو فى النفس، وهذا بالطبع يحتاج إلى حرية التفكير والقضاء دون أي عوائق تحول دون الإنسان والتأمل بحرية والتفكير والتدبر في آيات الله تعالى، وسواء كان الإنسان بسيطا في معارفه أو كان غزير العلم في أي مجال فإن التدبر في الآفاق وفي النفس كفيل بأن يقود الإنسان إلى معرفة الله تعالى، بل وكلما زاد التقدم العلمي في أي مجال من المجالات كالفلك أو الهندسة أو الطب أو الطبيعة أو الكيمياء أو الأحياء أو الجيولوجيا أو غيرها من العلوم لكان هذا أكثر مدعاة للإيمان ومعرفة الله تعالى.

  • ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)" فصلت 53 "
  • ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) " فاطر 27 – 28 "

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ ) " آل عمران 190"

(وَاللهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا) " فاطر 11 "

  • ( فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) " الواقعة 75 – 76 "
  • ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) " الإسراء 12"
  • (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) " يونس 5 "
  • ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ ) السجدة 7

"

  • ( أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) " الروم 8 "

وهكذا فكل شيء في الكون يثبت – وببساطة شديدة – الإعجاز الإلهي وكلمة الخالق فضلا عن وجوده، بدءًا من تركيب الكون وعلاقات النجوم وإمساك الكواكب والنجوم وتجهيز الأرض وخلق الجنين وهندسة الجسم الإنساني واختلاف الألسنة والألوان وأسرار الجبال والنبات والتوازن البيولوجي.. إلخ أي أن في كل شيء حكمة تثبت وجود الخالق العظيم وقدرته.

وبالتالي فإن معرفة الله تعالى والإيمان به أمر بسيط جدا، فالفطرة تقود إليه، والميثاق الداخلي المركوز في الإنسان يقود إليه، والكون والنفس يقودان إليه وكل شيء يقود إليه، والمطلوب فقط تحقيق الظرف الملائم لعمل الوجدان والفطرة والعقل وحرية التفكير والتأمل وهذا واجب الأمة الإسلامية تجاه البشر.


مكر الليل والنهار

وعلى الجانب الآخر، فإن القوى الشيطانية لا تريد أن يكون هناك تفاعل حر بين الإنسان ونفسه ووجدانه وفطرته، وبين الإنسان وعقله وآيات الكون من حوله، وهناك في هذا الصدد أكثر من طريقة تستخدمها الشياطين وأتباعهم، فهناك الوسوسة وهذه يتخلص منها الإنسان بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وهناك الأفعال المادية التي يقوم بها أتباع الشيطان للحيلولة دون التعامل الحر بين الإنسان ووجدانه وعقله وآيات الكون من حوله. ومهمة المسلمين هنا القضاء على تلك الوسائل التي تحول دون هذا التفاعل الحر.

القوى الشيطانية تدرك أنه إذا امتنعت الضغوط، وإذا فكر الإنسان بحرية وإذا تناقش الناس بحرية فإنهم يصلون إلى الله ببساطة، وهكذا فلابد من الضغط على الإنسان ومنعه من التفكير الحر ومنع الحوار الحر بين البشر وذلك عن طريق الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي والتعصب للأسرة أو الوطن أو القومية أو غيرها من أنواع التعصب.

فعن طريق الاستبداد السياسي تمنع الناس من حرية التفكير وحرية الحوار ولا يستمعون إلا إلى رأي واحد يقدمه لهم أتباع الشيطان عن طريق وسائل الإعلام المختلفة انظر إلى فرعون مثلا يقول:

  • ( مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ)" غافر 29 "
  • ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ )" غافر 26"
  • ( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ )" الأعراف 123 "

أي أن فرعون وكل القوى الشيطانية تجمع الناس على رأي واحد بالقهر والإعلام المزيف وتمنع حرية التفكير والدعاة الصادقين بالاضطهاد أو الاتهامات المختلفة.

والقوى الشيطانية أيضا تخضع الإنسان لضغوط اقتصادية واجتماعية هائلة عن طريق الحرمان والظلم الطبقي وغيرها وذلك لتحول بين الإنسان وبين الاستماع لوجدانه أو الاستماع لعقله أو وجود فرصة لالتقاط أنفاسه، أليس في صارع دائم من أجل توفير لقمة العيش وتلبية حاجاته الاقتصادية التي لا يعمل عقل الإنسان أصلا ولا جسده إلا بعد حصوله على الطاقة اللازمة من الغذاء والأمن النفسي بالملبس والمسكن.

والقوى الشيطانية أيضا تزرع في الإنسان التعصب – حتى لا يفكر بحرية – التعصب للقبيلة، للأسرة، للآباء، للتقاليد، للوطن، للقومية... إلخ.

وإزاء ذلك فواجب الأمة الإسلامية– بما أنها تحمل منهج الله الحق – أن تحقق للإنسان حرية الاختيار عن طريق القضاء على الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي والتعصب ثم ترك الناس ليختاروا عقائدهم بحرية. ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ). ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) وبديهي أن الناس تختار الإيمان و الإسلام لأنه دين الفطرة ولأن الوجدان والعقل وآيات الكون تقود إلى هذا ببساطة أي أن مهمة الأمة الإسلامية ليست إكراه الناس على الإسلام وإلا كانت تنفذ مخطط الشيطان دون أن تدري، بل مهمتها الجهاد من أجل رفع الطغيان والظلم الاقتصادي والاستبداد السياسي والقضاء على التعصب، أي رفع كافة القيود والضغوط التي تحول بين الإنسان ووجدانه وفطرته وعقله، والتي تحول بين الإنسان والتفاعل الحر مع الآيات الكونية، وبكلمة واحدة القضاء على مكر الشيطان وأعوانه. ولنتأمل معا هذه الآيات القرآنية:

( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) " سبأ 33 "

لاحظ هنا أن هناك أمرًا بالكفر، أي استبدادا سياسيا وأوامر، ولاحظ أيضا أن مكر الليل والنهار لا يكون بمجرد الدعوة إلى الكفر بدون إكراه، بل استخدام الوسائل المختلفة من قهر واستبداد ومؤامرات لتحقيق هذا، وإلا ما هو المكر الذي يستدعي التفكير وحبك الخطط التي تستغرق الليل والنهار، وكلمة المكر نفسها تعني نوعا من الخطط والحيل.

ولاحظ أيضا أن هذه الآية على لسان المستضعفين ردًّا على المستكبرين الذين قال لهم في الآية التي قبلها من نفس السورة:

  • ( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُم مُّجْرِمِينَ ) " سبأ 32 " أي أن المستضعفين يردون على زعم المستكبرين بأنهم اختاروا الكفر بدون ضغوط من المستكبرين، فرد عليهم المستضعفون بل كان هناك ضغوط ومكر بالليل والنهار وأوامر بالكفر، ولكن هذا طبعا لا يعني عدم مسئولية المستضعفين في هذا الصدد فكان الواجب عليهم الرفض والثورة فإما شهادة وإما انتصار.
  • ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) " الأنفال 30 " وهذه الآية توضح وسائل القوى الشيطانية في الإكراه، فإما الردة عن الدين الحق، وإما القتل، وإما التهجير القسري.
  • ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ) "الأنعام 123 "
  • ( اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ) " فاطر 43 "
  • ( قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا "نوح 21، 22 "
  • ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) " إبراهيم 46 "

وهكذا فإننا إزاء قوى شيطانية تمكر بالليل والنهار مكرا تزول منه الجبال وعلينا أن نقضي على هذا المكر وأن نناضل لإنقاذ الناس من هذا المكر.


ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

لنتأمل معا الآيات القرآنية:

  • (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) " الأنعام 11 "
  • ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) " يوسف 109 "
  • (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا )" الحج 46 "
  • (_قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ )" آل عمران 137 "
  • (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ )" العنكبوت 20"

وهناك الكثير من الآيات القرآنية تدول حول نفس المعنى مثل الآية ( 9 ) من سورة الروم، الآية ( 44 ) من سورة فاطر الآية ( 21 ) من سورة غافر، الآية ( 82 ) من سورة غافر، الآية ( 10 ) من سورة محمد، الآية ( 36 ) من سورة النحل، الآية ( 69 ) من سورة النحل، الآية ( 42 ) من سورة الروم، وغيرها وهذه الآيات موجهة للإنسان عموما وتفرض عليه السير في الأرض والنظر والتدبر في التاريخ وبدء الخلق وسنن الأمم السابقة واستخلاص العبر، وهذا يقتضي بالطبع أن تكون حرية التنقل مكفولة لجميع البشر وكذا حرية تداول المعلومات وأيضا حرية التفكير، لأنه لا يمكن تحقيق هذا الأمر بدون تلك الحريات، وبالتالي فإن الإسلام يفرض على الأمة الإسلاميةأن تعمل جاهدة وحرية النظر والتفكير والتدبر واستخلاص العبر، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما تقول القاعدة الشرعية المعروفة. ولنتأمل أيضا الآيات القرآنية:

  • ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) " البقرة "
  • ( وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )" المؤمنون "
  • (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )" الروم "
  • (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )" البقرة "
  • (_لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ )" يوسف "
  • (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )" البقرة "
  • (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )" آل عمران "
  • (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ )" الأنعام "
  • ( يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
  • (أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ )
  • (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )
  • (أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ )" الأعراف "
  • قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )" يونس "
  • (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ )" سورة ق "
  • ( أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ )" الغاشية "
  • ( وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )" البقرة "

وهناك الكثير جدا من الآيات التي تدعو إلى التذكر أو التعقل أو التفكير وغيرها من المعاني التي تؤكد على أن التفكير فريضة إسلامية وأن تحقيق الظروف الملائمة لحرية التفكير فريضة إسلامية أيضا، والآيات هنا تقول أن معرفة الله تعالى من خلال التفكير في آياته أمر ميسور، وأن التفكير ليس ترفا ولا نافلة بل فريضة وبالتالي فإن على الأمة الإسلامية أن تحقق للناس كافة حرية التفكير وذلك بإزالة العوائق التي تحول دون هذه الحرية من ظلم واستبداد وقهر وتعصب.

ولنتأمل أيضا الآيات القرآنية التي تنص على التعصب والتقاليد البالية:

  • (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا )" البقرة "
  • ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ )" المائدة "
  • ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) " الأعراف "
  • ( قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) " الشعراء "
  • (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُون) "الصافات"
  • ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإخوانكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ )"التوبة "
  • (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) " الزخرف "

وهذه الآيات توضح أن التعصب للآباء أو العشيرة وقياسًا عليها التعصب للأسرة أو للوطن أو للقومية أو غيرها من أنواع التعصب يحول دون الإنسان، وحرية التفكير وبالتالي الوصول إلى الحق، ويترتب على هذا أن الأمة الإسلامية مطالبة بالنضال ورفض كافة أنواع التعصب تحقيقا لتحرير التفكير من أسر التقاليد أو آراء الآباء أو تضييقه من خلال التعصب للوطن أو القومية أو غيرها.

المهمة الخطيرة ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) كثيرة هى المهام الملقاة على عاتق أمة الإسلام باعتبارها الأمة التي تحمل رسالة الله تعالى، وأخطر هذه المهام هي الجهاد من أجل تحقيق حرية الاختيار لكل البشر وإزالة كل سلطة طاغوتية مستبدة أو ظالمة تحول دون هذا.

والمسألة كما فصلنا من قبل تأتي انطلاقا من فهم حقيقة أن الإسلام دين الفطرة، وأن معرفة الله تعالى مركوزة في الوجدان، وأن العقل والتدبر والتفكير في آيات الله تعالى ومعجزاته في الكون والإنسان تقود إلى الإيمان.

والمسألة أشبه بطريق واضح المعالم، وضع الإنسان في أول هذا الطريق ووجهه إلى الاتجاه الصحيح وهناك الكثير من العلامات الإرشادية على هذا الطريق، ومن الطبيعي والبديهي أن يسير الإنسان في الطريق الصحيح، ولكن هناك قوى تريد أن تمنع هذا الإنسان بالقوة والإغراء والإكراه والخداع عن السير في الاتجاه الصحيح وبالتالي يضل هذا الإنسان ويتوه، ومهمة الأمة الإسلامية هنا هو الضرب على يد هذه القوى الشيطانية التي تفرض على الإنسان وتبعده عن الطريق الصحيح.

المسألة إذن أن الإنسان بوجدانه وفطرته وعقله يصل إلى الطريق الصحيح ولكن القوى الشيطانية عن طريق الاستبداد السياسي أو الظلم الاقتصادي أو التعصب تحول بين الإنسان وتفاعله الحر مع نفسه ووجدانه وفطرته وعقله، وعلى الأمة الإسلامية أن تزيل هذه العوائق وبالتالي فمن أهم مهماتها النضال والجهاد ضد الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي والتعصب وتحقق للإنسان في كل مكان وزمان حرية الاختيار وتتركه يختار ما يشاء وبالتالي يحاسبه الله تعالى على اختياره الحر أي إقامة الحجة على الناس بتحقيق ظرف الاختيار الحر أمامهم.

يقول الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ )أي قاتلوهم حتى يكفوا عن إكراه الناس على الكفر فإن كفوا عن هذا فلا مشكلة.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )

ويقول الله تعالى أيضا: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيرًا )" النساء 74 "

وعمر بن الخطاب يقول: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )

والله تعالى يحذرنا أيضا من إكراه الناس على الإسلام، بل مهمة أمة الإسلام تحقيق حرية الاختيار للآخرين، ولو أكرهنا الناس على الإسلام لكنا ننفذ مخطط الشيطان دون أن ندري.

( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )" البقرة 256 "

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )" يونس 99 " أي أن مهمتك ليست إكراه الناس حتى يكونوا مؤمنين بل تحقيق حرية الاختيار لهم وترك هدايتهم على الله تعالى.

(فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )

والقاعدة الشرعية تقول لا طلاق لمكره ولا بيعة لمكره، بل لا إيمان لمكره على هذا الإيمان.

وفي إطار التأكيد على ضرورة الانتصار للمظلومين يقول الحديث القدسي فيما يروى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه:

(وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله أو آجله وأنتقمن ممن رأى مظلوما فقرر أن ينصره فلم يفعل )

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

( لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما فإن اللعنة تتنزل على من حضر حين لم يرفعوا عنه، ولا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تتنزل على من حضره حين لم يرفعوا عنه ) ( من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بقول أو عمل كان على الله أن يدخله مدخله )

ويقول الله تعالى:( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )

إذن فمهمة أمة الإسلام هي القضاء على القهر والظلم والإكراه في أي مكان وزمان، وكذلك فمن مهمة المسلم داخل المجتمع المسلم أيضا الدفاع عن المظلومين والتصدي للاستبداد السياسي والظلم والقهر وغيرها.

ومن العوائق التي تستخدمها القوى الشيطانية للحيلولة دون حرية الاختيار وإكراه الناس على الكفر، الظلم الاقتصادي والطبقي وذلك بأنه تكون هناك طبقة مترفة فاسدة تحتكر الثروة وطبقات محرومة لا تنال حقها في الحياة الكريمة وتلبية ضرورات الحياة، والطبقة المترفة هنا فضلا عن أنها فاسدة أخلاقيا فإنها تتعمد نشر الفساد الأخلاقي والجهل وإكراه الناس على الكفر ومنعهم من التفكير بحرية وسد الأبواب والنوافذ أمامهم للتحرر والإيمان، والطبقة المترفة تفعل هذا لإدراكها أن الدين الحق يجعل الناس لا تخاف إلا الله ويجعل الناس أكثر قدرة على فهم حقوقها التي أعطاها الله لها والتي اغتصبتها هذه الطبقة المترفة، ومع معرفة الناس لحقوقهم من خلال الدين الحق ومع عدم خوفهم إلا من الله فإن الثورة على الأوضاع الاقتصادية الجائرة أمر حتمي وبالتالي تهدد ثروات المترفين والبديهي هنا أن الطبقة المترفة ومن أجل الحفاظ على الثروة تكره الناس على عدم الإيمان وتصر على منع التفكير الحر وتحرص على نشر الجهل والخرافة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الإنسان المحروم غير قادر على التفكير الحر مع وجدانه أو عقله أو الكون من حوله، وبالتالي فإن مهمة الأمة الإسلاميةهنا هو القضاء على هذا العائق أي الجهاد والنضال من أجل عالم بلا فقراء وبلا محرومين وتلبية الحاجات الإنسانية الاقتصادية واستثمار الكون استثمارا صحيحا يحقق الكفاية وتوزيع الثروات بالعدل.

وإذا تأملنا الآية الكريمة:(الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ )

نجد أنها تقرر أن الأمن والشبع ضرورتان إنسانيتان وبدونهما يختل هذا الإنسان فالجائع والخائف لا يستطيع أن يفكر بحرية.

ويدخل في هذا الأمر – ضرورة التأكيد على أن الله تعالى خلق من الثروات ما يكفي ويزيد لإطعام البشر جميعا

( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )

أي أنه ليست هناك مشكلة ندرة في الموارد كما يتشدق بعض الاقتصاديين، بل هناك وفرة تحتاج إلى حسن استغلالها بعد كفرانها وهذا معنى كفار أي لا يحسن استغلال الثروة المتاحة – وتحتاج إلى حسن توزيعها وهذا معنى ظلوم أي سوء توزيع الثروة المتاحة، والجدير بالذكر هنا أنه من خلال العلوم المتاحة حاليا فإن الأرض تكفي لإطعام 200 مليار نسمة أي أربعين ضعف ما هو موجود بها حاليا والأمر مفتوح لأكثر من هذا بالطبع مع التقدم العلمي، والمجاعات التي تحدث حاليا جاءت بسبب سوء استخدام الدول المتقدمة للخامات وسوء توزيع الثروات وعمليات النهب التي تمارسها تلك الدول على ثروات العالم بأسره. والمفاهيم الإسلامية تدعونا إلى النضال ضد الظلم الاقتصادي وتدعو إلى العدل الاجتماعي ( كي لا تكون دولة بين الأغنياء ليس منا من يأتي شبعانا وجاره جائع ) والجار هنا قد يكون فردًا أو أسرة أو مدينة أو دولة أو قارة أو حتى كوكبا .. وهكذا " إذا جاع الناس فلا مال لأحد " " لأخذت فضول أمول الأغنياء فرددتها على الفقراء " " ما متع غنى إلا بما حرم منه فقير " " من كان عنده فضل مال فليعد به على من لا مال له .. من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ومن كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له... ... وهكذا "

وحقوق الناس في الشريعة الإسلاميةهي حق الحياة وحق العمل وحق المسكن وحق الملبس وحق المأكل وحق الدابة، وحق الحرية.. وهكذا كما فصلها الفقه الإسلامي.

ومن العوائق التي تحول دون حرية التفكير والاختيار أيضا الجهل، وأمة الإسلام مدعوة لنشر العلم ونبذ الجهل والخرافة، فنشر العلم وتحصيله وتداوله فريضة وحجب العلم جريمة، ومداد العلماء يوزن يوم القيامة بدماء الشهداء. طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وكذا مناهضة السلطات أو الدول التي تحجب العلم أو تنشر الجهل والخرافة فريضة أيضا، ولا شك أن نشر العلم يؤدي إلى امتلاك الوسائل لترقية أحوال الإنسان وتلبية حاجاته وهي أيضا تحقق للإنسان المزيد من القدرة على معرفة آيات الله في الكون وفي نفسه وبالتالي سهولة وصوله إلى الإيمان بالله وب الإسلام.

ومن العوائق أيضا التي تحول دون الإنسان وحرية الاختيار والتفكير والتعصب والعنصرية، والقوى الشيطانية تسعى إلى نشر التعصب للآباء والأجداد أو للأسرة أو للقبيلة أو للوطن أو للقومية أو للون أو للجنس ليصبح هذا التعصب حائلا دون حرية التفكير وبالتالي حرية الاختيار وبالتالي أيضا سهولة الوصول إلى الحق.

والأمة الإسلامية مطالبة بالنضال ومناهضة التعصب في كافة صوره ومطالبة بالنضال ومناهضة العنصرية. (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى )(كلكم لآدم وآدم من تراب ) ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )

(إن الله لا ينظر إلى صوركم وألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )

وهكذا فإن المهمة الأخطر لدى أمة الإسلام هي إزالة كل صور الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي والتعصب والجهل والعنصرية من كل مكان وفي كل زمان من أجل تحقيق الظروف الصحيحة لحرية التفكير وحرية الاختيار لدى البشر، وبعد ذلك فليختار الإنسان ما شاء دون ضغط أو إكراه أو خوف أو جوع أو تعصب أو جهل أو عنصرية.


من العام إلى الخاص "خصوصية الزمان والمكان"

قامت أمة الإسلام – منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولمدة طويلة – بأداء مهمتها التي حددنا معالمها فيما سبق، ولحكمة لا يعلمها إلا الله أصبحت الأمة الإسلامية الآن في حالة من التخلف والتراجع الحضاري والهزيمة الحضارية والتبعية والاختراق والاستلاب والتجزئة لا تسمح لها بالقيام برسالتها. ولن تستطيع هذه الأمة استعادة دورها الرسالي ما لم تنفض عنها غبار الجهل والتخلف والهزيمة والتبعية وتستعيد عافيتها الحضارية، وعلينا أن نسأل كيف يمكن تحقيق ذلك، ومن يقوم بهذا الدور؟ وكيف وصل الحال بهذه الأمة إلى هذا المستوى؟ وما التحديات التي تواجهها؟

بدأ المنحنى الحضاري الإسلامي منذ الرسول صلى الله عليه وسلم في الصعود ولبث هذا المنحنى في حالة الصعود فترة ثم في حالة ثبات بعد ذلك لفترة أخرى تم بدأ في النزول واستطاعت الأمة الإسلامية أن تصل إلى حالة من السيادة الحضارية تجاه الآخرين بحيث يمكن لها أن تؤدي رسالتها وخاضت في هذا الصدد صراعا ناجحا ضد العديد من القوى وانتصرت عليها وحققت بالتالي تحرير الإنسان وحرية الاختيار وقدمت أيضا إبداعها الحضاري المتميز كمًّا ونوعا، وتميزت هذه الفترة بإعلاء قيم الوحدة و الجهاد، ثم بدأ المنحنى الحضاري في النزول، ولم تعد الأمة قادرة على أداء رسالتها وعلينا هنا أن نحدد الأولويات، فنحن أمام ظرف خاص، وهو ظرف الهزيمة الحضارية ونزول المنحنى الحضاري، وبالتالي فالمهمة الأولى أمامنا هي أولا تقليل سرعة النزول في المنحنى ثم تثبيت هذا المنحنى ثم إحداث انقلاب في هذا المنحنى تمهيدا للصعود، ثم الصعود مرة أخرى إن شاء الله ثم الوصول بالمنحنى الصاعد الجديد إلى حالة التعادل الحضاري مع الآخرين أو السيادة الحضارية عليهم وبالتالي القدرة على أداء رسالتنا التحريرية من جديد وإنقاذ العالم من القهر والظلم والنهب.

والبداية الصحيحة في هذا الصدد أن نفهم ماذا حدث وما القوى الحضارية التي تناوئنا أو التي نحن في حالة هزيمة أمامها، والواقع أننا بصدد هزيمة حضارية أمام الحضارة الغربية وعلينا أن نعرف طبيعة هذه الحضارة وقيمها التي تهددنا، الحضارة الأوربية هي حضارة وثنية إغريقية ذات قشرة مسيحية، وعصر النهضة الأوربية المعاصرة بدأ في القرن السادس عشر بالتأكيد على القيم الإغريقية الوثنية وبعث الفنون الإغريقية والتقاليد الرومانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد أفرزت الحضارة الغربية العديد من المنظومات الفكرية والسياسية كالقومية والوطنية والرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية والشيوعية والفاشية والنازية، وكلها إفرازات لنفس الأرضية الثقافية والقيمية للحضارة الأوربية، وبالتالي فهي تعكس نفس القيم الثابتة للحضارة الغربية من قهر وعنف ووثنية ونهب وعنصرية وازدواج معايير ومنفعة لا أخلاقية يستوي في هذا الرأسمالي والاشتراكي والنازي والفاشي والشيوعي والديمقراطي.

وفي مسيرة الإسلام الطويلة، خاضت أمة الإسلام صراعا مريرا مع الحضارة الغربية الأوربية استمر في الزمان والمكان، ففي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم هناك أربع مواقع من الصراع مع الحضارة الأوربية ممثلة في الدولة البيزنطية أو حلفائها وهي موقعة مؤتة وغزوة تبوك، ودومة الجندل، وبعث أسامة بن زيد الذي بدأه الرسول صلى الله عليه وسلم وأكمله خليفته الصديق رضي الله عنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلينا أن نلتقط هنا تلك الإشارة النبوية في الاهتمام بالصراع مع الحضارة الأوربية وإصراره مثلا على إنفاذ بعث أسامة فكان صلى الله عليه وسلم كلما أفاق من مرض الموت أوصى بإنفاذ بعث أسامة، وكأنه ينبهنا إلى خطورة هذا الصراع وأثره الممتد على أمة الإسلام.

واستمر الصراع بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا وفي البداية نجح المسلمون في تحرير الشام وشمال أفريقيا ووصلوا إلى الأندلس وجنوب فرنسا غربا، وفي هذه البقعة من العالم أي المغرب العربي والأندلس استمر الصراع بلا توقف منذ الفتح وحتى اليوم، الصراع في المغرب العربي قبل فتح الأندلس وأثناء الحكم الإسلامي للأندلس وبعد سقوط الأندلس وحتى احتلال المغرب العربي فرنسيا، وحتى بعد رحيل فرنسا وإلى اليوم.

وفي البحر المتوسط نجح المسلمون في تحرير العديد من الجزر وأصبح المتوسط بحيرة عربية ووصلت سفنهم وجيوشهم إلى إيطاليا وهددوا روما أكثر من مرة.

وفي الشرق تم تحرير الشام وتهديد الدولة البيزنطية إلى أن تم تحرير القسطنطينية على يد محمد الفاتح 1453، بل ونجحت الدولة العثمانية في توحيد المسلمين وإدخال الإسلام إلى قلب أوربا والوصول إلى فيينا وروما.

ومن ناحية أخرى قامت أوربا بحملة صليبية استمرت 200 عام من 1908: 1295 واندحرت هذه الحملة، ولكن أوربا اكتشفت أن الصدام المباشر مع المسلمين لن يجدي وعليها محاصرة المسلمين بحريا، فلجأت إلى الكشوف الجغرافية وكانت هذه خطة لويس التاسع ملك فرنسا التي وضعها أثناء أسره في دار ابن لقمان بالمنصورة، وشاء الله تعالى أن يتم اكتشاف أمريكا، وتصبح أمريكا جزءا لا يتجزأ من الحضارة الغربية فتجدد شباب تلك الحضارة ولكنها تحمل نفس القيم المنحطة للحضارة الغربية وهي الوثنية والقهر والعنف والمنفعة اللاأخلاقية والعنصرية وازدواج المعايير، بل لعلها أسوأ أشكال تلك الحضارة حيث قامت أساسا من خلال جريمة إبادة شعب تلك البلاد وهم الهنود الحمر أي أنها نشأت من خلال جريمة وكان سكانها الأوربيون المهاجرون هم حثالة أوروبا أي أسوأ ما فيها من مغامرين وأفاقين فأضافت سوءات خاصة إلى السوءات العامة للحضارة الأوربية، وأضافت أيضا أنها ترعرعت وازدهرت على يد السود من خلال تسخير العبيد السود وممارسة التفرقة العنصرية، وهكذا فهي تمثل أسوأ تطورات الحضارة الأوربية التي هي سيئة أصلا.

وعودة إلى الصراع الممتد في الزمان والمكان بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، فعندما تم فتح القسطنطينية وعندما نجحت الخلافة العثمانية في إدخال الإسلام بكثافة إلى قلب أوربا وهددت فيينا وروما شعرت أوربا بالخوف والهلع لأن قيم الإسلام من القوة والصحة والنظافة ما يكفل لها الانتصار السلمي ودخول الأوربيين في هذا الدين وعندئذ تحركت القوى الشيطانية في أوربا وأفرزت حركة الاستشراق بهدف معرفة الإسلام وأصله من أجل تشويهه في عقول الأوربيين حتى لا ينتشر بينهم، ثم تطورت حركة الاستشراق إلى دراسة أحوال الإسلام والمسلمين والبحث أو زرع نقط الضعف في الجسد الإسلامي ونقل العلوم العربية والإسلامية إلى أوربا تمهيدا للنهضة الأوربية، ثم تطور الأمر إلى محاولة زرع القيم الغربية في الجسم الإسلامي حتى تصاب الحضارة الإسلامية بالسوس في داخلها وكذلك التركيز على كل ما يضعف ويمزق المسلمين من قضايا خلافية ثم جاء التبشير والاستعمار وتم احتلال البلاد الإسلامية واحدة بعد الأخرى، ولم يكن الاحتلال بالجيوش العسكرية فقط بل وبالعلماء والمستشرقين والأفاقين والمرابين بهدف زرع ثقافة الغرب وقيمه وإفقاد الأمة الإسلامية تميزها الحضاري والثقافي وربطها برباط التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية بأوربا، وتم بناء مؤسسات العلمانية والتغريبية وكذا الصحف والمدارس الفكرية والمذاهب السياسية من يمين ويسار ديمقراطي واشتراكي وشيوعي ورأسمالي وليبرالي وقومي ووطني، وكلها تعكس حالة الاستلاب الثقافي وتقوم بمهمة الطابور الخامس في داخل الجسد الإسلامي.

ولكن الجسد الإسلامي قاوم واستطاع مجاهدون من أمثال عبد القادر الجزائري، عبد الكريم الخطابي، علال الفاسي، عمر المختار، عمر مكرم، الأفغاني، النديم، مصطفى كامل، محمد فريد، حسن البنا، عز الدين القسام، المهدي، آية الله الشيرازي، وغيرهم إشعال الكفاح الإسلامي وتنظيم المقاومة الشعبية الإسلامية وكان دور هؤلاء تقليل سرعة الانحدار والوصول إلى الهاوية، إذ رغم عدم انتصار هؤلاء أمام قوات الاستعمار إلا أن المقاومة التي فجروها نجحت في إشعال فتيل الحضارة الإسلامية في الوجدان وزيادة التمسك الشعبي بهذا الفتيل وتقليل سرعة الانحدار، ولولاهم لوصل المنحنى الحضاري الإسلامي إلى النقطة الحرجة أي النقطة التي يستحيل بعدها إحداث انقلاب في المنحنى وبدء عملية الصعود. على أية حال كانت نتيجة تلك المرحلة، أو الحملة الصليبية الثانية أنه تم تجزئه العالم الإسلامي، وانهيار الخلافة الإسلامية وزرع مدارس التغريب والثقافة الغربية في الجسد الإسلامي ولكن ذلك كله لم ينجح في إطفاء شعلة الحضارة الإسلامية التي بقيت متقدة في القلوب وتحت الرماد، ومع تصاعد النضال الجماهيري الإسلامي ودخول أوروبا في صراع مع بعضها في حربين عالميتين طاحنتين رحل الاستعمار عسكريا ولكنه سلم السلطة إلى عملائه من علمانيين وخونة، وكان على الأمة أن تواصل نضالها من أجل التأكيد على الذات والهوية والقضاء على التبعية الثقافية والاقتصادية وتحقيق الاستقلال بمعناه الحضاري الشامل.

ودخل الصراع في مرحلته الثالثة التي مازلنا فيها والتي نطلق عليها الحملة الصليبية الثالثة، على أساس أن الحملة الأولى بدأت في 10981296 والثانية في 1798 ثم احتلال الدول الإسلامية واحدة بعد الأخرى، والثالثة التي نحن بصددها بدأت بحرب الخليج ودخول القوات الأمريكية، إلى الصومال وانهيار الشيوعية والتفرغ الأوروبي والأمريكي بالتالي للمسلمين في أكثر من مكان وخاصة في البوسنة والهرسك وارتفاع نبرة اليمين الأوروبي ضد المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا.

وهناك حالة – لعلها الأهم – بدأت في نهاية الحملة الثانية واستمرت وتصاعدت في الحملة الثالثة وهي قيام إسرائيل 1948 والاستعداد لتوسعها لتحقيق إمبراطورية اليهود من النيل إلى الفرات التي بدأت ملامحها في عام 1967 وما بعدها، وهذه الحالة هي إحدى وأخطر مواقع الصراع، ذلك أن الصراع الطويل بين الإسلام وأوروبا يتجسد الآن في إسرائيل، وعلينا أن نلاحظ أن هناك تحالفا استراتيجيا وليس تكتيكيا بين الحضارة الأوربية واليهود بدأ منذ القرن الماضي فقط كحالة جديدة وتمخض عن قيام إسرائيل وحصولها على الدعم الغربي الكامل من فرنسا ثم انجلترا ثم أمريكا، وإذا كان اليهود قد تعرضوا للاضطهاد طويلا في أوروبا فإن أوروبا أرادت أن تتخلص منهم كحثالة بشرية في أوروبا والكيد بهم للإسلام والمسلمين في نفس الوقت، واستغل اليهود هذا الأمر وتحرك فيهم حقدهم القديم على الإسلام ونفذوا المهمة بحماس رغم أنهم يعرفون مدى الاضطهاد الذي لاقوه في أوربا والتسامح الذي عاشوه في ظل حضارة الإسلام وعلى كل حال فإن النبوءة القرآنية قد تحققت ونقصد بها الصعود الإسرائيلي، ونقصد بها أيضا التحالف بين النصارى واليهود الذي لم يحدث إلا في هذه الفترة فالآية القرآنية تقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) " المائدة 51 "

وكان المفسرون يحتارون في تفسير هذه الآية، ويلجئون إلى تفسيرها في إطار أن الكفر ملة واحدة أي تفسيرا جماليا دون ذكر تفاصيل محددة لهذه الموالاة، بل العكس كان موجودًا فحتى 1944 كان اليهود يتعرضون للاضطهاد والإبادة على يد الألمان مثلا، أما الآن فقد تحققت النبوءة القرآنية، فالتحالف الاستراتيجي بين الغرب وإسرائيل واضح جدا سواء في ازدواج المعايير الدولية فيما يخص إسرائيل أو في الدعم الهائل الذي تلقته إسرائيل من الغرب لدي قيامها وحتى الآن وانتهاء بظهور ما يسمى بالأصولية الإنجيلية التي تجعل دعم قيام إسرائيل الكبرى واجب مسيحي على أساس أن ذلك شرط لظهور المسيح ووقوع معركة مجدون كما يرى دعاة هذا التفسير المزيف للإنجيل المحرف وكذلك وصل الأمر إلى حد تبرئة الكنيسة الكاثوليكية لليهود من دم المسيح وحتى بابا الفاتيكان يعلن أنه لا يمانع في الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل بشرط حرية الأماكن المقدسة، وحتى أسبانيا التي طردت اليهود مع المسلمين منذ 500 عام اعتذرت رسميا عن ذلك لليهود فقط ولم تعتذر للمسلمين بالطبع. إذن فالتحديات أمامنا تتمثل في تحالف أوروبي إسرائيلي، تواجد عسكري أمريكي في أكثر من مكان، توحد الغرب بعد سقوط الشيوعية على أساس أن العدو هو المسلمون، التبشير بما يسمى بالنظام العالمي الجديد والذي يعني الخضوع طوعا أو قهرا لقيم الحضارة الغربية، الأمر الذي يهدد الوجود الحضاري الإسلامي برمته، نواجه أيضا الاستبداد السياسي لأنظمة حكم تابعة للغرب، نواجه اختراقا سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا، نواجه حالة من التخلف والتمزق والتجزئة، نواجه محاولة إسرائيلية مستمرة للتوسع ومحاولة غربية مستمرة لإدماج إسرائيل في المنطقة في إطار الخضوع الكامل منا ومنها للحضارة الغربية في صورتها الأمريكية، نواجه مكرا إسرائيليا متقلبا يقدم اليوم نفسه إلى الغرب كمغرزة متقدمة لضرب الأصولية الإسلامية، أي ضرب أية محاولة للنهوض الإسلامي والصحوة الإسلامية أو أية محاولة للانعتاق من أسر التبعية الغربية سياسيًا أو اقتصاديا أو عسكريا أو ثقافيا، نواجه تطهيرا عرقيا ومذابح للمسلمين في كل مكان وآخرها البوسنة والهرسك، وبكلمة واحدة نحن نواجه الآن محاولة إبادة حضارية كاملة تستهدف وجودنا الحضاري ذاته.


حاجتنا إلى فقه الإقلاع

نحن الآن في خطر ماحق، نواجه كافة الإبادة الحضارية أو الذوبان الحضاري، أو الضياع، أو الإلحاق الحضاري أو حتى الإبادة الشاملة لكل ما هو مسلم حتى ولو استسلم لقيم الحضارة الغربية، الخطر يمس كل مسلم، فالبعض يعدوننا جهارا نهارا بالقتل والإلقاء في المزبلة لأن المسلمين في نظرهم هم زبالة العالم على حد قول بعضهم في الشبكة التليفزيونية الأمريكية C.N.N ونحن أيضا في حالة تجزئة واختراق، وبالتالي فنحن في حالة لا يصح معها إلا المواجهة أو الموت، الاستسلام يعني الموت، والمواجهة أيضا قد تعني الموت ولكنها قد تعني الحياة أيضا، ونحن نثق في قدرتنا على الصمود والمواجهة، والله تعالى بشرنا بذلك في القرآن الكريم:

( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) وهذا النصر على إسرائيل هو بالضرورة جزء من النصر على الغرب وحسم الصراع الحضاري لصالحنا فلا داعي لليأس، البعض يقول لا داعي للمواجهة نحن أضعف من أن نواجه، أمريكا قوية والغرب قوي، هناك عدم تكافؤ هائل في السلاح والإمكانيات وإلى هؤلاء نقدم الآية القرآنية التي تخص حالتنا والتي تتحدث عن الحالة التي نحن بصددها وهي حالة التحالف الذي حدث لأول مرة في التاريخ بين اليهود والنصارى تقول الآية القرآنية:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ )

الآية إذن تتحدث عن الحالة التي نحن بصددها وهي الموالاة، والتحالف بين اليهود والنصارى، وتقول لنا ألا نتخذهم أولياء، أما الذين في قلوبهم مرض، وهم هنا دعاة السلام مع إسرائيل ودعاة عدم مواجهة الغرب الذين يقولون لا نقدر على إسرائيل لا نقدر على الغرب، سيدمروننا بأسلحتهم، فالله تعالى يقول لهم بل عليكم أن تثقوا في الله تعالى مالك الكون كله، فهو قادر رغم عدم التكافؤ في السلاح والإمكانيات على أن ينصرنا بإراداته المباشرة على هؤلاء.

وهكذا فإن الموقف الصحيح هو المواجهة، والمواجهة تكون طبعا برفض الاندماج في حضارة الغرب، والتأكيد على الذات والهوية الحضارية لأمتنا، ومقاتلة إسرائيل، وحشد الأمة كل الأمة لمناهضة الاستعمار والصهيونية، وتحقيق الوحدة وإعلاء قيم الجهاد، ونحن نرى أن الحركة الإسلامية هي خميرة النهضة في جسد الأمة، وعليها بالتالي أن تؤدي دورها في إنهاض الأمة، وبعث قيم الجهاد والوحدة، وحشد كل الطاقات لمناهضة الاستعمار والصهيونية والاختراق السياسي والثقافي والاجتماعي والعسكري والتبعية الاقتصادية، أي التصرف بمنطق وفقه الإقلاع، وكلمة فقه الإقلاع هنا ليست من قبيل الفذلكة اللفظية ولا محاولة لاستخدام مصطلح جديد أو طريف بل هو يمثل حاجة ضرورية.

وإذا أدركنا أن الاجتهادات الإسلامية تستند أساسا على نصوص القرآن والسنة وهذه النصوص ثابتة، وكذلك تدرس الواقع الموضوعي من خلال تلك النصوص فتقدم الاجتهاد المكافئ لهذا الواقع من خلال تلك النصوص التي يتم التعامل معها بمنطق المنهج وليس مجرد نصوص ممزقة بلا رابط، فالفقه لا يعمل في الفراغ، وتغير الأحكام والاجتهادات بتغير الزمان والمكان أمر يعرفه كل الفقهاء، فالإمام الشافعي مثلا غير الأحكام والاجتهادات في مصر عنها في العراق مثلا، والفقه الإسلامي المعروف والذي أبدعته اجتهادات العلماء تم كله إما في حالة الصعود الحضاري والسيادة الحضارية أو في حالة التعادل الحضاري، وكان هذا الفقه عظيما ومناسبا ومستجيبا ومدركا لظرف السيادة الحضارية الإسلامية التي ظهر في إطارها، أما اليوم فنحن في ظرف مختلف زمانيا ومختلف نوعيا، نحن لسنا في حالة سيادة حضارية أو حتى تعادل حضاري، بل في حالة هزيمة حضارية وعلينا الاعتراف بهذا أولا وألا نتجاهله، نحن في حالة اختراق سياسي وثقافي وعسكري واقتصادي، نحن أمام تحديات تهدد وجودنا برمته، نحن أمام كيان إسرائيلي يريد التوسع على حسابنا، وأمام تحالف بين الغرب وإسرائيل وأمام أمة تعاني من كثير من الأمراض، وعلينا أن نراعي هذا كله في تقديم اجتهاد مكافئ لهذا الظرف وأخذا له في الاعتبار ونحن نطلق عليه اسم فقه الإقلاع.

نحن نريد إيقاف الانحدار في المنحنى، ونحن نريد إحداث انقلاب في هذا المنحنى باتجاه الصعود، ومن المعروف علميا أن الطاقة اللازمة لإحداث انقلاب في أي منحنى أكبر كثيرا جدا من الطاقة اللازمة لرفع هذا المنحنى من نقطة الصفر أو البداية، وعلى ذلك نحن نريد اجتهادات تكافئ كمًّا ونوعا هذه الحالة، اجتهادات تحقق الإقلاع الحضاري.. نحن في حالة لم تمر علينا من قبل لا في حالة الصعود ولا في حالة الثبات الحضاري ولا حتى في حالة النزول الحضاري، نحن في حالة إقلاع تقتضي فقها جديرا بالإقلاع ومكافئا لإحداث الانقلاب في المنحنى الحضاري.

وإذا تأملنا الآية الكريمة: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )

لفهمناه في إطار نحن فيه على أن الأمة الجديدة تختلف ليس في السلوك وحده عن الأمة السابقة بل في الوسائل والأساليب وأدوات البحث وبالتالي في أسلوبها وفقهها وأولوياتها.

قلنا إن الحركة الإسلامية هي خميرة النهضة في جسد الأمة وقلنا إننا في حالة جد مختلفة لم تمر بالأمة من قبل، وبالتالي فلو تصرفت تلك الحركة بمنطق الفرقة الدينية أو حركة الإصلاح الاجتماعي أو الوعظ الأخلاقي، أو تصورت نفسها بديلا عن الأمة أو شيئا مختلفا أو منفصلا عنها لكان هذا تكريسا للتخلف ونذيرا بانهيار الأمة والحركة معا، الحركة الإسلامية إذن هي خميرة في جسد يريد الإقلاع، عليها استنهاض طاقات هذا الجسد كله بلا استثناء وحشد كل قوى الأمة في المواجهة واستبعاد وتأجيل كل ما يبعث على التفرق والتشرذم والتجزئة، أو التركيز على قضايا جانبية مهما كانت مهمة، نحن أمام تحديات الإقلاع نحن أمام حالة تريد اجتثاث حضارتنا ووجودنا من الجذور وأولويات الإقلاع هنا هي التأكيد على الثقافة الذاتية والهوية الحضارية ورفض الإلحاق الحضاري ومواجهة الاستعمار والصهيونية والتخلف والتجزئة والتبعية الاقتصادية والتأكيد على قيم الجهاد والحرية والوحدة، واعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، والتصرف بمنطق الطليعة وليس الفرقة وعدم إثارة قضايا من أمثال جاهلية المجتمع أو فتح الخلافات حول العقائد أو الأحكام الفقهية فيما يخص هذه الحالة الجزئية أو تلك، لأن الأمر لا يحتمل هذا الترف، فإذا كانت الأمة الإسلامية قد تحملت ظهور الفرق الإسلامية فيما سبق فذلك كان أيام صعودها، أما الآن ونحن فيما نحن فيه من تحديات تهدد وجودنا، لابد أن نقدر أن ظروفنا لا تحتمل ظهور فرقة جديدة أو بعث الخلافات حول الفرقة القديمة أو التعامل مع المجتمع بمعزل عنه أو التعالي عليه أو اتهام هذا المجتمع أو ذاك.. هذا الفرد أو ذاك بالجاهلية أو غيرها، لسبب بسيط هو أن هناك أولويات وضرورات، ولسبب آخر أن هذا الفرد و ذاك المجتمع في حالة الهزيمة الحضارية لا يتصرف بصورة مستقلة تماما عن التحديات وبالتالي فهو ليس في حالة الاختيار الحر وهي شرط ضروري لإطلاق الحكم وإصدار الفتاوى على هذا الفرد أو ذاك المجتمع، عندما نصل إلى حالة السيادة الحضارية، عندما تنتهي التحديات التي نواجهها أي عندما نكون في حالة الاختيار الحر، عندها فقط يمكن أن نطبق الأحكام بشأن جاهلية المجتمع أو عدم جاهليته، لأن المجتمع هنا يختار بحرية أما ونحن ومجتمعاتنا في حالة هزيمة حضارية أمام الغرب، ونحن ومجتمعاتنا خاضعون شئنا أم أبينا لإرداة الغرب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بل والعسكرية، فالأولى بنا أن نعمل للانعتاق من هذا الخضوع والتبعية بدلا من أن ننشغل بتوصيف الحكم الشرعي لهذه المجتمعات استنادًا إلى اجتهادات ظهرت في حالة مختلفة كميًّا ونوعيا عن حالتنا، أي ظهرت في حالة السيادة الحضارية الإسلامية.

حالة الإقلاع تقتضي حشد كل القوى وأيا كانت درجة تقواها لمواجهة الاستعمار والصهيونية والتبعية وتحقيق الانعتاق الحضاري وإحداث الانقلاب في المنحنى وتأمين صعوده، وعلى رأس هذه الأولويات تأتي قضية فلسطين باعتبارها التجسيد الأخطر للتحدي الغربي وباعتبارها القضية المركزية للأمة الإسلامية وباعتبار أن الجهاد والكفاح والنضال في سبيلها أولى شروط الإقلاع الحضاري وحسم التحديات الكبرى التى نواجهها الآن لصالحنا.


من العام إلى الخاص إلى الأخص " الحركة الإسلامية في مصر "

نحن إذن من حيث العموم أمة ذات رسالة تحريرية، ولكننا الآن في ظرف خاص يقتضي اجتهادا خاصا، ومن العام إلى الخاص نصل الآن إلى حالة مصر.

ومن خلال فهم وإدراك رسالتنا كأمة، ومن خلال فهم ما وصلنا إليه الآن وحالة أمتنا في هذه اللحظة يمكننا أن نقيم الحركة الإسلامية في مصر كجزء من حالة الصحوة الإسلامية ومع إدراك أن الظرف الزماني والمكاني يجعل لكل حركة في أي بلد خصوصية أخص.

في إطار الصراع المستمر بين الحضارة الإسلامية والحضارة الأوربية وفي إطار الحملة الصليبية الثانية تعرضت مصر لغزو فرنسي في عام 1798، وكانت البنية السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في مصر في ذلك الوقت تسمح بالمقاومة، فلم يكن التغريب قد فعل فعله القبيح فينا وبالتالي كان الشعب يقاوم الحملة الكافرة ببساطة وإيجابية، وكانت هناك علاقة صحيحة بين علماء الإسلام في الأزهر وبين الجماهير، فقام العلماء بدور التحريض وقيادة الثورة، وهذا شرط لازم لنجاح أية مقاومة لأن الأمة لا تتحرك إلا من خلال وجدانها الديني وبقيادة علمائها الشرفاء وبالفعل نجحت المقاومة الشعبية في هزيمة الفرنسيين ورحيلهم عن مصر سنة 1801، وكانت هذه المقاومة من السعة والقوة والانتشار والإيجابية بحيث إنها غطت كل مصر، القاهرة و الإسكندرية، والوجهين البحري والقبلي، وقد شارك فيها الرجال والنساء وحتى الأطفال، شارك فيها الفلاحون والحرفيون وأبناء البلد وعلماء الدين، بل والتجار، أكثر من هذا أن الثوار نجحوا في تصنيع المدافع والبارود إبان ثورة القاهرة الثانية سنة 1800 .

وتصاعدت الحركة من مقاومة للاحتلال الأجنبي إلى رفض استبداد الولاة، فاندلعت ثورة كبرى سنة 1805 نجحت في إزاحة الوالي والحصول على وثيقة تؤكد إرادة الشعب، وعدم إصدار أي قرار من الولاة إلا بالرجوع إلى زعماء الشعب وأعيان البلد ورؤساء الحرف المهنية وعلماء الدين أي برلمان الشعب ونجحت هذه الحركة أيضا في هزيمة الحملة الإنجليزية بقيادة فريزر سنة 1807 .

ومعنى هذا أننا أمام صحوة شعبية إسلامية هائلة نجحت في صد غزوتين استعماريتين في أقل من عشر سنوات، ونجحت في تفجير ثورة شعبية ضد استبداد الولاة وحصلت على وثيقة تؤكد على الشورى والحكم الجماهيري ورفض الديكتاتورية، وكان من الممكن من خلال هذه الصحوة أن تحدث حركة النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ونلاحظ هنا أن الثوار الذين نجحوا في صناعة المدافع والبارود أكدوا بذلك على أن التقدم الصناعي والثورة الصناعية يمكن أن تحدث في مصر، فمن الناحية العلمية فإن نجاح الثوار في صناعة المدافع والبارود يعني أن العلم موجود والخبرات موجودة لهذه النهضة الصناعية بل إن التمويل كان موجودا أيضا حيث شارك في الثورة كبار التجار من أمثال السيد أحمد المحروقي كبير تجار مصر في ذلك الوقت.

ولكن محمد علي نجح في إجهاض هذه الثورة ونجح في القضاء على البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أفرزتها، فمن ناحية قلص دور الأزهر والعلماء فأفسد الشرط الأساسي للمقاومة وهو العلاقة بين الجماهير والعلماء، ومن ناحية ثانية قضى على زعماء الشعب من أمثال السيد عمر مكرم، ومن ناحية ثالثة احتكر الصناعة والزراعة والتجارة، وبرغم أنه حقق إنجازات صناعية كبيرة، إلا أنه ربطها بشخصه وبجيشه فلما انهار محمد علي سنة 1840 انهار معه المشروع الصناعي وبذلك امتص محمد عليالطاقات المهنية والعلمية والاقتصادية في مشروعه وأجهضها مع هزيمة سنة 1840، ولو تركها للتفاعل الحر بعيدا عن شخصه لتطورت بشكل يصعب ضربه أو القضاء عليه.

أكثر من هذا أن محمد علياستخدام موارد مصر الهائلة في الصدام مع الخلافة العثمانية فأضعفها وأضعف معها مصر وبذلك قلص دور الخلافة العثمانية في التصدي للدول الأوربية داخل أوربا ومهد لإسقاطها فيما بعد، وحرم مصر من مواردها وإمكانياتها التي ضاعت في الصدام مع الخلافة العثمانية وبالتالي حرمها من التطور ومهد الطريق لسقوطها ومعها الشمال الأفريقي بل كل أفريقيا فيما بعد في قبضة الاستعمار الأوربي.

ولو أن محمد عليتجنب الصدام مع الخلافة العثمانية واستفاد بموارد مصر وجيشها في فتح أفريقيا لكان قد حقق عدة أهداف في وقت واحد، كان قد حقق النهضة الصناعية في مصر وأفريقيا بإمكانيات مصر العلمية والبشرية وبموارد أفريقيا الهائلة، ولكانت تلك القارة قد أصبحت أعظم القارات تقدما، ولكانت أفريقيا المسلمة هي الناهضة الآن وليس أوروبا، ولا ننسى في هذا الصدد أن النهضة الأوربية الحديثة قامت بثروات أفريقيا وبسواعد العبيد الأفريقية أيضا.

ولكان قد ترك الخلافة العثمانية قوية تستطيع مواجهة أوروبا ومنعها من السيطرة على العالم وأفريقيا، وربما كانت انتصرت على أوروبا وأنهت النهضة الأوربية من جذورها، وفي أقل الأحوال كانت الخلافة العثمانية قبل أن يضعفها محمد علي قادرة على إلهاء أوروبا وشغلها ومنعها من عرقلة مشروع محمد عليالأفريقي.

ولكن شاء الله تعالى أن يخطئ محمد عليالخطأ القاتل فيضيع موارد مصر ويفتح الطريق أمام أوروبا إلى مصر وأفريقيا، وأن يتسبب في إضعاف الخلافة العثمانية فيجعلها لا تصمد أمام أوروبا وتسقط في النهاية وتفتح الطريق بالتالي أمام الاستعمار الأوربي لاحتلال العالم الإسلامي وتجزئته ونهبه.

مع عام 1840 ومع سقوط مشروع محمد عليانفتحت مصر أمام النفوذ الثقافي والاقتصادي الأوروبي، وجاء المرابون وأصحاب البنوك والأفاقون والمغامرون من كل حدب وصوب إلى مصر فأغرقوها في الديون، وسيطروا على كل القطاعات الاقتصادية والتجارية فيها، ولم يسمحوا للمصريين إلا بالعمل في القطاع الزراعي على أساس تكوين أرستقراطية زراعية تحقق لهم زراعة المحاصيل التصديرية " الخامات " اللازمة لعجلة الصناعة الأوربية، وفي نفس الوقت تمتص تلك الأرستقراطية الزراعية فوائض الأموال المصرية فتنفقها في الترف أو في المضاربات العقارية وبذلك لا تصل إلى القطاع الصناعي ولا تساهم في نموه ولا تتحول إلى برجوازية صناعية.

وفي مواجهة ذلك اندلعت حركة إسلامية بقيادة الأفغاني والنديم لمواجهة النفوذ الأجنبي والاستبداد الخديوي، الأمر الذي أدى إلى ظهور الثورة العرابية، وقد حاول برلمان تلك الثورة أن يستقل بالسوق المصرية ويدعم الصناعة الوطنية فقرر تقليل المساحات المنزرعة بالسلع التصديرية كالقطن وزيادة المساحات المزروعة بالغلال، وكذا وجه النظر إلى ضرورة فرض حماية جمركية وتشجيع الصناعة الوطنية، وعلينا أن نلاحظ أيضا أن التمويل كان جاهزا لأن كبار التجار ساهموا في تلك الثورة من أمثال السيد حسن موسى العقاد والسيد حسن الشمسي وغيرهما، بل كان هؤلاء من قيادات الثورة وصدرت ضدهم أحكام إبان محاكمة زعماء الثورة.

ومع انهيار الثورة العرابية ودخول الإنجليز مصر سنة 1882 انهار مرة أخرى المشروع النهضوي المصري، وكرست سلطات الاحتلال الإنجليزي سياسة منع قيام الصناعة المصرية ومنع ظهور طبقة متوسطة مصرية تحمل أعباء التحول الصناعي وفرضت رسوما باهظة على أية صناعة مصرية في حين أنها ألغت أي قيود جمركية على استيراد السلع الصناعية من أوروبا، وكذلك فرضت ضريبة على الحرفيين المصريين تسمى " ضريبة الباطنطا " للحيلولة دون تحول الحرفيين المصريين إلى نواة للصناعة المصرية وفي نفس الوقت احتمت سلطات الاحتلال بزيادة الرقعة الزراعية المصرية ومشروعات الري ودعمت الأرستقراطية الزراعية المصرية بهدف امتصاص فوائض الأموال المصرية بعيدا عن القطاع الصناعي، وفي نفس الوقت الحصول على الخامات الزراعية اللازمة للمصانع الإنجليزية.

ومرة أخرى تندلع حركة النضال الوطني بقيادة مصطفى كامل و محمد فريد وتناهض المشروع الاستعماري وتدعو إلى الصناعة الوطنية وإنشاء المدارس الصناعية والحرفية، ونجحت في إنشاء النقابات العمالية وروابط الخريجين، بل واهتمت بالتعاونيات، وكان عمر باشا لطفي أحد زعماء الحزب الوطني هو رائد حركة التعاون المصرية في ذلك الوقت، وقد نجح الحزب الوطني كذلك في بعث روح المقاومة واليقظة في الأمة، ووصلت خلايا الحزب إلى كل مكان في مصر في 1910، وتم التمهيد لاندلاع الثورة، ولكن الإنجليز نجحوا في إبعاد محمد فريد عن مصر، وعندما اندلعت الثورة التي جهز لها الحزب الوطني وبكوادر الحزب سنة 1919 نجحت المؤامرة الإنجليزية في فرض زعامة تابعة لها على تلك الثورة وهي سعد زغلول، فأضاع الثورة وسار بها في مسارات جانبية.

ومع فشل ثورة 1919, وسقوط الخلافة سنة 1924، وتعرض مصر لحالة من الاختراق السياسي والثقافي والاقتصادي والعسكري ظهرت عدة حركات للنهضة هي حركة الجمعية الشرعية، التي دعت إلى مقاطعة البضائع الأجنبية وحاولت إقامة صناعة نسيج وطنية وكذلك شاركت في ثورة 1919 وإضرابات العمال بعد الثورة وكذلك كان من أعضائها قيادات عمالية وكذا عناصر نشيطة في اغتيال الجنود الإنجليز في شوارع القاهرة وخاصة اغتيال السردار الإنجليزي، واهتمت هذه الحركة أيضا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي أصبح يواجه في ذلك الوقت الهجرة اليهودية والتآمر الإنجليزي والدولي بهدف قيام إسرائيل وظهرت أيضا حركة مصر الفتاة بقيادة أحمد حسين التي ركزت على مناهضة الاستعمار ومناصرة الفقراء والمستضعفين والدعوة إلى مشروع القرش لتجميع المدخرات الوطنية اللازمة لتحقيق صناعة وطنية، وظهرت أيضا سنة 1928 حركة الإخوان المسلمين بقيادة الإمام الشهيد حسن البنا، وكانت حركة قوية وإيجابية ونشيطة في مناهضة الاستعمار والصهيونية ونشر التعليم وتحرير المرأة بصورة صحيحة وتفجير الانتفاضات العمالية والفلاحية والتأكيد على الثقافة الإسلامية في مواجهة التغريب، ونظمت تلك الحركة نضالا يوميا واسعا ضد الإنجليز انتهى باندلاع العمل المسلح ضد الإنجليز في شوارع مصر واغتيال جنود الاحتلال، وكذلك انتهى بحركة كفاح مسلح واسعة ضد الإنجليز في سنة 1950، 1951 ، 1952 على ضفاف القناة، وكذلك نظمت الحركة تضامنا شعبيًا واسعا مع قضايا العالم الإسلامي في مواجهة الاستعمار والتجزئة والتخلف، واهتمت اهتماما فذا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني على مستوى المظاهرات والمهرجانات والصحافة وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني وتوجت هذا العمل العظيم بإرسال المتطوعين إلفلسطينى سنة 1948، وقام هؤلاء بالعديد من الأعمال البطولية والفدائية أشاد بها الجميع بمن فيهم قيادات الجيش المصري في ذلك الوقت، وكذلك نظمت الحركة المطالب الشعبية لحقوق العمال والفلاحين وخاصة في قرى بهوت وكفور نجم وميت فضالة.

ومن ناحية أخرى ظهر طلعت حرب، الذي جمع المدخرات الوطنية وأقام العديد من الصناعات المصرية، وبالطبع تعرض الرجل للحرب من الإنجليز وعلمائهم، ولكن جاءت الحرب العالمية الثانية لتقدم نوعا من الحماية الجمركية غير المقصودة للصناعات المصرية، بسبب النشاط البحري الحربي للمتحاربين والذي منع عملية الاستيراد ووصول البضائع الصناعية إلى مصر من أوروبا، بل أكثر من هذا اضطرت إنجلترا لشراء المنتجات الصناعية المصرية لتلبية حاجات جيوشها، وخرجت الصناعة المصرية بعد الحرب العالمية الثانية قوية وقادرة على التطور والنهضة.

وهكذا ومع بداية الخمسينيات، كان النظام السياسي المصري قد وصل إلى ذروة الأزمة سياسيًا واجتماعيًا، وكانت الحركة الشعبية ممثلة في الإخوان المسلمين و مصر الفتاة قد حركت الجماهير في كل مكان ووصل الأمر إلى عشرات الإضرابات العمالية والانتفاضات الفلاحية وامتلكت هذه الحركات القدرة والسلاح والتدريب من خلال المشاركة في حرب فلسطين أو تنظيم الاغتيالات لجنود الاحتلال في شوارع القاهرة أو تنظيم الكفاح المسلح في القناة سنة 1951 ، 1952 ، وكان معنى هذا أننا بصدد ثورة شعبية إسلامية حقيقية يمكن أن تضع مصر على طريق النهضة، ولكن القوى الشيطانية دبرت أمرها بليل، فاغتالت الإمام الشهيد حسن البنا، وأجهضت الثورة الحقيقة بثورة مزيفة هي حركة عبد الناصر سنة 1952، وقامت هذه الحركة بالقضاء على الوعي الشعبي تماما، وقتلت أو سجنت أو اضطهدت كل القوى الشعبية، وحرمت الجماهير من المشاركة الشعبية تماما، وفصلت السودان عن مصر حتى تفقد مصر عمقها الاستراتيجي وتصبح حياتها ممثلة في منابع النيل تحت رحمة القوى الأخرى، كما أنها أجهضت الصناعة المصرية عن طريق ربط كل الصناعات والنشاط الاقتصادي بالنظام وسلمت تلك القطاعات الاقتصادية إلى مجموعة من المديرين الفاسدين، الذين سرقوا ونهبوا هذه القطاعات الصناعية والتجارية، وانتهى الأمر بإجهاض المشروع برمته مع انهيار النظام سنة 1967، وبعد ذلك جاء دور الانفتاح فأكمل المسلسل وتم تصفية كل الصناعات الوطنية تقريبا في السبعينيات والثمانينيات، بل وصل الأمر إلى حد ضرب الزراعة المصرية اللازمة لغذاء الشعب مثل الغلال والقصب لصالح مزروعات مثل الفراولة والكنتالوب، أي ربط مصر صناعيا وزراعيا بالسوق العالمي وفتح السوق المصري تمامًا أمام التجارة الدولية، وبديهي أن الخضوع لآليات السوق العالمية محفوف بالمخاطر ويعرض البلاد لضياع إرادتها السياسية فضلا عن الخسائر الاقتصادية المتوقعة بسبب تحكم الكبار في آليات هذا السوق لصالحهم وعلى حساب الشعوب الفقيرة.

في مواجهة هذا، ناضلت الحركة الإسلاميةالمصرية ضد عبد الناصر في 1954 ، 1965 ، وظهرت حركة الجهاد الإسلامي سنة 1958 ونجحت في الاختفاء عن أعين النظام لمدة طويلة، وشاركت عناصر هذه الحركة في القتال ضد إسرائيل في منطقة الثغرة سنة 1973 كما نظمت جمعية شباب محمد بقيادة الشيخ حافظ سلامة عملية الصمود المذهل في مدينة السويس أثناء حصارها في أكتوبر 1973 .

ومع ظهور كامب ديفيد وسياسة التصالح والتطبيع مع الكيان الصهيوني أظهرت الحركة الإسلامية ممثلة في الإخوان المسلمين والجماعة الإسلاميةوالجهاد رفضا واسعا لتلك العملية وأكدت على ثوابتها الخاصة بضرورة استمرار الكفاح ضد إسرائيل وتحرير كل فلسطين وعدم القبول بسياسة الأمر الواقع وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، وقامت عناصر من تنظيم الجهاد باغتيال السادات سنة 1981 بسبب تصالحه مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد كما نظمت النقابات التابعة للإخوان المسلمين مثل نقابة المهندسين والأطباء والصيادلة وغيرهم العديد من المؤتمرات والمهرجانات وإصدار البيانات تضامنا مع الشعب الفلسطيني ورفضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بل وأصدرت تلك النقابات قرارًا حرمت فيه على أعضائها زيارة إسرائيل أو التعامل معها الأمر الذي قلل كثيرا من سلبيات التطبيع وحجم هذا التطبيع، كما قدمت هذه النقابات العديد من أشكال الدعم للانتفاضة الفلسطينية، وكذلك قامت صحف الإخوان أو صحف التحالف الإسلامي بإبراز مساوئ التطبيع وكشف الأساليب الإسرائيلية في اختراق المجتمع المصري ونشر الإيدز والمخدرات والدعارة وإفساد الزراعة المصرية والبيئة المصرية وقام التحالف الإسلاميبين العمل والإخوان أي بين الامتدادات الصحيحة لمصر الفتاة " عادل حسين و مجدي حسين " وبين الإخوان باتخاذ العديد من المواقف السياسية للتأكيد على التضامن مع الشعب الفلسطيني ورفض مؤتمر السلام فى مدريد، ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإبراز أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، وأنه لا سبيل هناك إلا الكفاح المسلح لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ومن الجنوب إلى الجنوب.

كما قامت الجماعة الإسلاميةبالعديد من المظاهرات تأييدًا للشعب الفلسطيني خاصة في جامعات الصعيد التي تسيطر عليها، ونظمت هذه الجماعة العديد من المؤتمرات الشعبية تأييدا ودعما للانتفاضة الفلسطينية ووزعت الجماعة الكثير من البيانات والمنشورات بهذا الصدد رغم أنها تتعرض لملاحقات أمنية قاسية.

وأفرزت الحركة الإسلاميةفي مصر العديد من المجاهدين أمثال سليمان خاطر ، سيد نصير ، أيمن محمد حسن الذين وجهوا الرصاص إلى صدور اليهود في سيناء أو داخل الأرض المحتلة أو حتى في أمريكا.


الصاعدون والهابطون

إذا أدركنا أننا الآن أمام منحنى تاريخي، وأن أمامنا تحديات ضخمة من استعمار وصهيونية وتبعية اقتصادية وتخلف وتجزئة.

وأن كياننا الحضاري ووجودنا ذاته في خطر، لكان علينا أن نقدم اجتهادا وسلوكا مكافئًا لهذا الظرف، ولاشك أن كلا من الإخوان المسلمين ، و حزب العمل، والجماعة الإسلاميةوالجهاد تعي بصورة أو بأخرى بطريقة أو بأخرى هذا الظرف، وتعمل في هذا الإطار من خلال مساحة واسعة من حركتها وتختلف هذه المساحة من حركة لأخرى إلا أن تلك القوى في مجملها أو في الجزء الرئيسي من حركتها تعمل في هذا الإطار وبالتالي يمكن أن نضعها تحت خانة الصاعدين وهناك على الجانب الآخر، حركات وجماعات صغيرة ومتناثرة وهي في طريقها إلى الزوال أو زال بعضها بالفعل لا تدرك هذا الظرف ولا تأخذه في اعتبارها مثل جماعة التكفير والهجرة، القطبيين، جماعات الشيعة التي ظهرت مؤخرا، وكل من جماعة التكفير والهجرة والقطبيين يطرحون قضايا لا تلائم الظرف مثل جاهلية المجتمع، تكفير الناس، العزلة الشعورية، المفاضلة، وبصرف النظر عن الجدل الفقهي حول هذه القضايا والذي لن نساهم فيه، فإن النتيجة الحتمية لمثل هذه الأفكار هو تحول الحركة الإسلاميةإلى فرقة دينية ذات عقائد وسلوك مختلف عن عموم الأمة، وهذا يجعل الأمة والحركة في حالة جدل بلا طائل في وقت نتعرض فيه للإبادة الحضارية ونتعرض فيه لتحديات كبرى، وإذا كانت الأمة الإسلامية قد تعرضت لظهور الفرق أيام صعودها الحضاري واحتمل بنيانها الاجتماعي هذه الفرق لأنها كانت صاعدة وسائدة حضاريا فإن واقعنا الآن لا يحتمل ظهور فرقة جديدة، ولا يحتمل أيضا بعث خلافات الفرق القديمة، وخطأ هؤلاء أنهم لم يدركوا الظرف الذي نعيشه ولم يدركوا أن الأحكام الفقهية لا تعمل في الفراغ وليست مطلقة بل هي نتاج فهم النصوص كمنهج وتطبيقها على واقع محدد، والواقع الذي أفرز هذه الأحكام كان واقعا مختلفا كمًّا ونوعا عن واقعنا وبالتالي فهذه القضايا ليست قضايانا وواقعنا لا يحتملها ولا يبررها.

وصحيح أن البعض قام مشكورًا بمناقشة هذه الأفكار ودحضها مثل المرحوم المستشار حسن الهضيبي في كتابه دعاة لا قضاة إلا أن الصحيح والعملي أن نقول لهؤلاء نحن لا دعاة ولا قضاة ولكن حركة إقلاع حضاري ومواجهة تحديات.

أما بخصوص ظهور بعض الداعين إلى التشيع في المجتمع المصري وهم قلة قليلة فهؤلاء في الحقيقة دعاة فتنة يسيئون إلى السنة والشيعة وإلى الحركة الإسلامية في مصر وإلى الثورة الإسلامية في إيران أيضا، وبصرف النظر أيضا عن الخلافات المعروفة بين السنة والشيعة، فإن الموقف الصحيح أن نعترف بوجود خلافات وأن تتعاون رغم هذه الخلافات لأن التحديات التي تواجهنا لا تفرق بين سني وشيعي، وأن ندرك أن هذا الظرف ليس ظرف نشر هذا المذهب أو ذاك، فالداعون إلى التشيع في المجتمع المصري لن يحققوا نجاحا أولا، وسوف يستفزون الناس تجاه الشيعة ثانيا، ويضيعون وقت الناس وطاقتهم في مناقشة الخلافات، ثم هم يجعلون الناس في حالة عداء مع الثورة الإسلامية في إيران نتيجة للاستفزاز تجاه الدعوة إلى التشيع، وأظن أنه لا الثورة الإسلامية في إيران ولا أي مخلص للإسلام السني أو الشيعي يريد حدوث فتنة من هذا النوع في بلد مثل مصر في ذلك الوقت، وأن أعداء الأمة هم المستفيدون وحدهم من أمثال تلك الدعوة في هذا الظرف.

الفصل الثاني : حسن البنا (19281948)النهضة والإقلاع.. الدعوة إلى الإسلام والعمل حركة تجمع ولا تفرق

كانت الخلافة العثمانية الإسلامية قد سقطت رسميا سنة 1924 بعد أن عانت طويلا من الضعف والتفكك، وكان معنى هذا أن المنحنى الإسلامي قد هبط بشدة بعد أن فقدت الأمة آخر أشكال الوحدة، وكان لهذا الأمر أثره الكبير على المسلمين كميًا ونوعيًا، وكانت معظم أفكار العالم الإسلاميقد باتت مجزأة وخاضعة للاستعمار وتتعرض لعملية اختراق سياسي واقتصادي وثقافي تستهدف القضاء على ثوابت الإسلام وملامح الحضارة الإسلامية، وكان الاستعمار قد نجح في زرع العديد من المؤسسات العلمانية التي راحت تبشر بقيم الاستعمار وتدعو إلى التخلي عن المبادئ الإسلامية في السياسة والاقتصاد والاجتماع، بل وتدعو إلى ترك الكفاح ضد هذا الاستعمار بالإضافة إلى تواجد مكاتب المؤسسات التبشيرية التي راحت تبشر بقيمة الحضارة الغربية تحت اسم التبشير بالمسيح مستخدمة في ذلك أحط الوسائل التي تعتمد على حاجة الناس للدواء والمساعدة أو تحت ستار التعليم والعمل الاجتماعي ووصل الأمر إلى حد أن الأمور المعلومة من الإسلام بالضرورة كالخلافة و الجهاد أصبحت بدورها هدفا لحملات التشكيك فأصدر علي عبد الرازق كتابه " الإسلام وأصول الحكم " الذي زعم فيه أن الإسلام لا يعرف نظاما للحكم وأن الإسلام دين وليس دينا ودولة وبدأ بدعة أنه لا سياسية في الإسلام "

وكان الحزب الوطني الذي حمل راية الكفاح ضد الاستعمار والذي خاض المعارك من أجل التأكيد على القيم الإسلامية كالحجاب مثلا، حيث دخلت صحيفة اللواء الناطقة بلسان الحزب الوطني هذه المعركة ضد قاسم أمين وصحافة حزب الأمة التابع للاستعمار الإنجليزي، بل وكان مصطفى كامل نفسه طرفا في هذه المعركة الثقافية حيث دافع عن الحجاب باعتباره أحد قواعد الإسلام وأحد قواعد التميز في الهوية والانتماء ورفض السلوك الغربي والقيم الغربية، كان الحزب الوطني والذي فجر في الحقيقة ثورة 1919 وتم سرقة هذه الثورة لصالح زعامة علمانية معروفة بعلاقاتها الحسنة بسلطات الاحتلال الإنجليزية وهو سعد زغلول ، كان هذا الحزب الوطني قد وصل إلى حالة من الضعف بحيث إن الأمر كان يستدعي أن تظهر قوة شابة وصاعدة تحمل الراية وتكمل مسيرة مصطفى كامل ومحمد فريد، وتواجه أعباء التخلف والجهل والتبعية والاختراق السياسي والثقافي والاقتصادي الأوروبي للعالم الإسلاميعموما ولمصر خصوصا، وهكذا ظهرت حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 ، وحركة مصر الفتاة سنة 1933، فأما حركة الإخوان المسلمين فقد نشأت على يد الإمام الشهيد حسن البنا سنة 1928 وخاضت معاركها ضد الاستعمار والصهيونية والجهل والتبعية والانحياز إلى الفقراء والمستضعفين وناضلت ضد الاستبداد السياسي وحققت الحركة انتشارا واسعا في صفوف الجماهير ووصل عدد المنتمين إليها إلى مليوني عضو في الأربعينيات وقد اعتمدت الحركة على أسلوب التربية لبناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، وكانت بحق بمثابة خميرة النهضة في جسد مصر والأمة الإسلامية ومازالت هذه الحركة حتى اليوم تقوم بأعباء النهضة والإقلاع ومواجهة التحديات التي تطورت فأصبحت اختراقا أمريكيا واستبدادًا حكوميا وتوسعا إسرائيليا.

وأما حركة مصر الفتاة التي نشأت على يد مؤسسها وزعيمها المرحوم أحمد حسين فإنها ركزت على العمل السياسي المباشر، وناهضت الاستعمار والاستبداد وانحازت إلى الفقراء ودافعت عن حقوق الشعب، ولكنها لم تصل في قوتها وانتشارها إلى المدى الذي وصلت إليه حركة الإخوان المسلمين ، كما أن فكرتها الإسلاميةلم تكن خالية من الشوائب، وعلى أية حال فإن مصر الفتاة وأحمد حسين قد أديا ما استطاعا من الواجب، ويمكن اعتبار مصر الفتاة بكل امتداداتها أحد روافد الحركة الإسلاميةالصاعدة، وجدير بالذكر أن تلك الحركة قد امتدت حتى الآن متمثلة في عادل حسين، مجدي حسين اللذين قادا مسيرة حزب العمل في الاتجاه الإسلامي ونجحا في النهاية في تحقيق التحالف مع الإخوان المسلمين منذ عام 1987 . حسن البنا حلقة من حلقات الكفاح حركة الإخوان المسلمين التي ظهرت سنة 1928 هي امتداد طبيعي وعضوي لحركة الكفاح الإسلامي المصري استطاعت أن تدرك المتغيرات وأن تستجيب لظروف الزمان والمكان وأن تلتقط الراية من الحزب الوطني قبل أن تسقط فهي إذن حلقة من حلقات الكفاح المصري الذي بدأ في مواجهة الحملة الفرنسية 1798 والحملة الإنجليزية 1807 بقيادة عمر مكرم ثم في مواجهة النفوذ الأجنبي بقيادة جمال الدين الأفغاني وعبد الله النديم الأمر الذي أدى لاندلاع الثورة العرابية 1881، ثم في الكفاح ضد الاستعمار الإنجليزي على يد مصطفى كامل و محمد فريد ثم ثورة 1919، وهي الثورة التي شارك فيها حسن البنا بنفسه رغم صغر سنه في ذلك الوقت حيث يذكر الإمام الشهيد في كتابه مذكرات الدعوة والداعية، أنه شارك في المظاهرات الطلابية التي اندلعت إبان ثورة 1919 عندما كان طالبا بمدرسة المحمودية الإعدادية، وكذلك عندما انتقل إلى مدرسة المعلمين بدمنهور كان من قيادات حركة الإضراب والمظاهرات والاشتباك مع البوليس، يقول الإمام الشهيد في مذكرات الدعوة والداعية: " كنت بحسب العقيدة أعتقد أن الخدمة الوطنية جهاد مفروض لا مناص منه وكنت بحسب وصفي بين الطلاب ملزمًا بأن أقوم بدور بارز في هذه الحركات وكذلك كان " ( 1 )

ويقول " ولست أنسى أستاذنا الشيخ الدسوقي موسى ناظر المدرسة الذي كان يخشى هذه التبعات كثيرا، وقد أخذ بيدنا إلى مدير البحيرة آنذاك محمود باشا عبد الرازق، وألقى مسئولية إضراب الطلاب علينا وقال أن هؤلاء الطلاب هم الذين يستطيعون أن يقنعوا زملاءهم بالعدول عن الإضراب، وعبثا حاول محمود باشا أن يقنعنا بالوعد والوعيد والنصح ثم صرفنا على أن نتدبر الأمر، فكان تدبيرنا أن أوعزنا إلى الطلاب جميعا بالتفرق في الحقول المجاورة طول اليوم، وكان هذا يوم 18 ديسمبر ذكرى الحماية البريطانية " ( 2 )

ويقول أيضا: " ولست أنسى يوم أضرب الطلاب في يوم من الأيام الثائرة وأصبحت اللجنة الطلابية في مسكننا وداهم البوليس المجتمعين فخرجت إلى الضابط وناقشته بحماس، وقلت له أن واجبه الوطني يفرض عليه أن يكون معنا، لا أن يعطل عملنا ويقبض علينا، فاستجاب الضابط لهذا القول فخرج وصرف عساكره وانصرف معهم بعد أن طمأننا " ( 3 )

ويذكر حسن البنا أنه قد ألف ديوانا من الشعر الوطني تأثرا ب ثورة 1919 إلا أن ذلك الديوان قد ضاع بعد ذلك، وقد ذكر حسن البنا جزءا من قصيدة كان قد كتبها في محمد فريد يقول فيها:

أفريد بالأمن. والإيمان .. أفريد لا تجزع على الأوطان.

أفريد تفديك البلاد بأسرها.............. ( 4 )

وفي الحقيقة فإن حركة الإخوان نفسها اعتبرت نفسها في ذلك الوقت امتدادًا لحركة الكفاح الإسلامي في مصر من أجل النهضة وفي مواجهة الاستعمار مع إدراك ضرورة ربط مصر بالعالم الإسلامي وفهم المتغيرات على الساحة التي طرأت في ذلك الوقت، فمن ناحية فقد حرصت الجماعة على الاحتفال بذكرى مصطفى كامل واعتبرته المجاهد الإسلامي الذي فهم أن الإسلام أمة واحدة وحرص على الدعوة للجامعة الإسلامية، وباعتباره مجاهدا عن حقوق مصر باعتبارها جزءا من الوطن الإسلامي الأكبر ( 5 )

ويقول حسن البنا: " كان مصطفى كامل ورجاله يريدون إعداد الأمة لكفاح طويل تتحرر فيه نفوسها وأخلاقها فلا يلين لها قناة، وتعلم مكان الخداع والكيد فلا تقع في مهواة الردى " ( 6 )

" وكان جمال الدين ومحمد عبده والكواكبي يسيرون بالناس دينيا وخلقيا إلى ناحية مثمرة " ( 7 )

ويقول الأستاذ محمود عبد الحليم وهو المؤرخ المعتمد لدى جماعة الإخوان المسلمين عن السيد جمال الدين الأفغاني : " هو رائد الدعاة في هذا القرن وأحد أفذاذ العلماء وأئمة الدعاة، نشأ في القطاع غير العربي من العالم الإسلامي وحمل لواء الفكرة الإسلاميةإلى كثير من الأقطار الإسلاميةوغير الإسلامية" ( 8 )

ويقول محمود عبد الحليم عن مصطفى كامل " أنشأ مصطفى كامل الحزب الوطني الذي تقوم فكرته الأصلية على أساس الفكرة الإسلامية وقد عاش مصطفى كامل، ما عاش ملتزمًا بتلك الفكرة " ( 9 )

وهكذا فإن جماعة الإخوان المسلمين كانت امتدادًا عضويا للحركة الإسلاميةالمناهضة للاستعمار في مصر، ولكنها أضافت عليها وطورتها حسب مقتضيات الزمان والمكان واستجابت للخدمات المستجدة على الساحة، ويجب على الإخوان المسلمين حديثًا أن يدركوا هذا الأمر، فيدركون التغيرات على الساحتين الدولية والمحلية والتي حدثت بعد وفاة الإمام الشهيد حسن البنا والتي حدثت بعد ذلك وحتى الآن وأن يطوروا الوسائل والأساليب ويستجيبوا للتحديات المستجدة على الساحة أيضا ولو كان الإمام الشهيد حيًّا لفعل الشيء نفسه ولطور نفسه أيضا وأدرك المستجدات في إطار الثوابت.

ويلخص الأستاذ محمود عبد الحليم هذا الأمر قائلا "إن حسن البنا عاش بعض هذه الحركات في صغره وقرأ عن البعض الآخر، ودرس هذه وتلك دراسة عميقة واعية، بعقلية الداعية الموهوب فعرف موطن القوة في كل منها، وألم بمواطن الضعف، وأخذ بعد ذلك في تحديد خطته مستلهمًا توجيه القرآن الكريم وخطوات النبي صلى الله عليه وسلم، غير متجاهل الأوضاع العالمية وواقع الشعب الذي يعيش فيه، فتجنب في خطته التي رسمه مواطن الضعف في تلك الدعوات وأخذ بنواحي القوة فيها " ( 10 )

ويصل الأمر في هذا الصدد إلى أن الإمام الشهيد حسن البنا يصرح بأن " العمل في الإخوان المسلمين كالعمل في الحزب الوطني " ( 11 )، كما اتخذ حسن البنا من مكتب رئيس اللجنة العليا لشباب الحزب الوطني مركزا يستقبل فيه أنصاره بعد قرار حل الإخوان المسلمين سنة 1948 " ( 12 ). ويرى الدكتور زكريا سليمان بيومي أن الحزب الوطني هو الحزب السياسي الوحيد الذي دعا إلى الخلافة الإسلامية، وظل يدعو لها حتى بعد إلغائها، كما دعا إلى الحفاظ على التقاليد المتوارثة والتصدي لموجة الإلحاد والإباحية والدعوة لتحرر المرأة وتصدى لتيار الخلافة العربية والقومية المصرية وهذا ما دعا إليه الإخوان المسلمون، ويضيف د. زكريا بيومي أن الحزب الوطني عارض أسلوب المفاوضات واعتبرها سبيلا مضيعا للجهود، ولا يحقق الكسب إلا للاحتلال وأصر على شعار لا مفاوضة إلا بعد الجلاء، وأنه الحزب الوحيد الذي رفض معاهدة 1936 وهذا هو عين موقف الإخوان المسلمين، وأن عددا من كبار أعضاء الحزب الوطني هم الذين أسسوا جماعة الشباب المسلمين التي كان حسن البنا عضوا فيها وبقي مشتركا فيها حتى وفاته ( 13 )

وهذا كله يطرح قضية لماذا لم يدخل حسن البنا الحزب الوطني ويستغل قدراته الهائلة في التنظيم والحشد لتقوية هذا الحزب، والصحيح أن البنا لو فعل هذا لكان مخطئًا في التكتيك السياسي، لأن الحزب الوطني الذي قاد الكفاح ضد الاستعمار في ظلال الخلافة العثمانية الإسلامية وبأساليب تتفق مع بدايات القرن العشرين، كان من الطبيعي أن يسير إلى الضعف الشديد مع انهيار الخلافة سنة 1924 ، وكان من الطبيعي والضروري في مثل هذه الحالة أن يظهر تجمع جديد يستجيب لهذا المتغير النوعي الخطير ويكشف أساليب ووسائل جديدة في الكفاح تقتضيها ظروف المرحلة، وهكذا ظهرت جماعة الإخوان المسلمين ، وهكذا استطاع حسن البنا أن يحمل الراية بعد الحزب الوطني الذي استمر ولكن بعد ضعف شديد، وأحسن البنا في ذلك إذ أنفق جهده في بناء حركة جديدة تستجيب من حيث الوسائل والمضامين لظروف المرحلة، بدلا من إنفاق هذا الجهد في تقوية وترميم بناء كان لابد سائرًا إلى الانهيار بعد أن انهار العمود الفقري لحركته وهو الخلافة العثمانية الإسلامية، كانت اللحظة تقتضي جيلا جديدا يحمل أعباء البعث والنهضة بناء على روح إسلامية واضحة المعالم لأن ظرف سقوط الخلافة يقتضي التركيز على إسلامية الحركة، والحزب الوطني الذي كان يعمل في ظل الخلافة لم يكن ملزما بالتركيز على هذا الجانب لأنه بديهي ولم تكن قد حدثت الاستقطابات الحادة باتجاه العلمانية والتغريب بعد سقوط الخلافة. وهكذا فالموقف الصحيح هو ما فعله حسن البنا وهو الاستجابة الواعية لظروف ذلك الزمان وتغير التحديات بطريقة حادة بعد سقوط الخلافة، الأمر الذي استدعى التأكيد على ما كان بديهيًا من قبل.

حركة للنهضة والإيقاظ والإقلاع وليست فرقة دينية أو مذهبية

أكد حسن البنا منذ اللحظة الأولى لحركته، أنها حركة للنهضة ومحاولة لإيقاظ الأمة ومواجهة تحدياتها وأنها لا تمثل فرقة دينية قديمة أو جديدة ولا تنقد لرأي أو مذهب فهذا ليس شأنها، وإنما شأنها العام والخاص هو محاولة التصدي للسلبية والتخلف والتجزئة والفرقة والاستعمار والصهيونية والجهل، أي محاولة لإنهاض الأمة من جديد وحرص حسن البنا سواء في أقواله أو أفعاله أو سلوك الحركة ومواقفها وأعمالها على التأكيد على هذا الأمر تماما، فكان لابد والحالة هذه ترك كل المسائل الخلافية، وحشد الأمة جميعها لمواجهة التحديات، ودراسة الواقع المحلي والعالمي حتى يمكن معرفة أسباب انحطاط الأمة وتخلفها لتجاوز هذا الانحطاط والسير في طريق النهضة، ولو كانت حركة الإخوان فرقة دينية أو مذهبية لكانت قد حرصت على عقائد خاصة وفقه خاص ولاهتمت بالمسائل النظرية الفكرية على حساب المسائل العملية، ولكن العكس كان صحيحا تماما فيمكن أن تجد داخل الحركة السلفي والصوفي، الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي والظاهري دون أن يحدث هذا أية معضلات أو حساسيات داخل الحركة، لأنها كما ذكرنا حركة نهضة تريد إيقاظ الأمة ومواجهة التحديات وبالتالي تريد استنهاض كل أبناء الأمة لهذا الأمر بمن فيهم السلفي والصوفي، الشافعي والحنفي، والحنبلي والظاهري، العامل والفلاح والموظف، عالم الدين والرجل البسيط، المثقف وغير المثقف، الجامعي وغير الجامعي، الرجل والمرأة على حد سواء ولكل دوره في عملية النهضة بالطبع.

يقول حسن البنا " هذا الخور أو النسيان أو الغفلة هو الذي جعلنا نحاول أن نوقظ قومنا المحبوبين " ( 14 )

لاحظ هنا أن الهدف هو " أن نوقظ " ونوقظ من؟ قومنا المحبوبين، أي أنه يثق في الأمة وإسلامها وحسن استجابتها ويقول حسن البنا " إننا نعمل على جمع كلمة الناس على غرة الإسلام والعمل على إعادة مجده " ( 15 )

ويقول " أعتقد أن من واجب المسلم إحياء مجد الإسلام بإنهاض شعوبه وإعادة تشريعه وأن راية الإسلام يجب أن تسود البشر " ( 16 )

ويقول " فليجتهد الشرق في العودة إلى الإسلام والتمسك بتعاليمه فذلك هو السبيل الوحيد للنهوض الصحيح " ( 17 )

ويقول " اعلموا أيها الإخوان أن الإسلام والوطن الإسلامي العام يدعوكم لإنقاذه " ( 18 ) ويقول " الإخوان المسلمون يخلصون لكل الهيئات الإسلاميةويعتقدون أن الحب بين المسلمين هو أصلح أساس لإيقاظهم " ( 19 )

ويقول مخاطبًا الإخوان " هل أنتم مستعدون لتموتوا وتحيا أمتكم وهل أعددتم أنفسكم بحق لتكونوا القربان الذي يرفع الله به هذه الأمة إلى مكانتها " ( 20 )

ويقول " إنكم دعاة تربية وعماد انتصاركم إفهام هذا الشعب وإقناعه وإيقاظ شعوره من كل نواحيه على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام ومبادئ الإسلام ( 21 ).

ويقول " ونحب كذلك أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء أفضل وأن تزهق ثمنا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الفناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم يوما من الأيام " ( 22 )

وإذا حللنا النصوص السابقة من أقوال الإمام الشهيد نجد أنه يحدد النهضة واليقظة والتحرر وغيرها من المترادفات كهدف، ويرى أن الناس جميعا في بلادنا هم المدعوون للقيام بتلك اليقظة والنهضة والتحرر وأن الإخوان المسلمين هنا هم بمثابة الخميرة أو القربان من أجل هذه اليقظة، وهم ليسوا بديلا عن الناس بل هم مجرد خميرة للنهضة أو قربان أو وسيلة لإيقاظ المسلمين من غفلتهم وتشيع أيضا من كلمات الإمام حسن البنا رابطة الحب لجماهير الأمة والثقة فيها في نفس الوقت يقول حسن البنا " كل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين " ( 23 )

ويقول حسن البنا في إطار حوار مع الشيخ يوسف الدجوي " الشعب معكم في الحقيقية لو واجهتموه لأنه شعب مسلم وقد عرفته في القهاوي وفي المساجد وفي الشوارع فرأيته يفيض إيمانا " ( 24 )

ويقول " يا الله ما أطيب قلوب هذا الشعب، وما أعظم مبادرته إلى الخير متى وجد الداعية المخلص البريء " ( 25 )

ويقول " إنني لا أريد أن تكون الحركة محصورة في نفر من المسلمين ولا في ناحية واحدة من نواحي الإصلاح الإسلامي" ( 26 )

وتأتي تسمية الحركة باسم الإخوان المسلمين لتؤكد على هذا المعنى حيث التسمية نشأت من الإقرار " بأننا أخوة في خدمة الإسلام فنحن إذن الإخوان المسلمون " ( 27 )

ولعل إدراك حسن البنا لهذا الأمر جعله يتوجه بخطابه إلى رواد المقاهي قبل رواد المساجد، وأن تضم حركته جميع قطاعات الشعب على حد سواء من طلاب، خريجي جامعات، موظفين وعمال فلاحين.

وجنود وضباط، وعلماء دين... إلخ، وكذلك استخدام أسهل وأبسط الأساليب في خطبه وأحاديثه لتصل إلى قلوب وعقول أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب.

يقول حسن البنا " أشار على الرجل أن ألقي درسا في المسجد أو مصلى على البحر يجتمع فيه الناس فاخترت أن ألقي الدرس في القهوة وقد كان " ( 28 )

ويقولحسن البنا " من أجل هذا يجب أن تعد البلاد التي تود النهضة مدرسة طلبتها كل المواطنين " ( 29

إذن فعماد النهضة هو كل المواطنين في رأي حسن البنا، وليس الإخوان المسلمين وحدهم بل هم بمثابة خميرة للنهضة أو طليعة لها.

أكثر من هذا يحكي حسن البنا أنه تقبل نصيحة من الشيخ سعيد العرفي وهو مجاهد إسلامي من سوريا تقول النصيحة " كان يقول لي دائما اسمع لا تتحرج أبدًا من أن تضم إلى الدعوة المقصرين في الطاعات المقبلين على بعض المعاصي الخسيسة مادمت تعرف منهم خوف الله واحترام النظام وحسن الطاعة فإن هؤلاء سيتوبون من قريب إن الدعوة مستشفى فيه الطبيب للدواء " ( 30 )

وطالما كانت الحركة حركة لليقظة والنهوض ومواجهة التحديات، فكل من لديه عاطفة إسلامية ويريد المشاركة في إنهاض الأمة أو مواجهة التحديات فهو جندي في تلك الحركة، بل إن جهاده من أجل أمته وفي مواجهة أعدائها هو طريقه إلى التوبة إن كان عاصيا " والذين جاهدوا فينا لتهدينهم سبلنا وهو درس بليغ، لأن خوض معارك الأمة لا يكون قاصرا على الملتزمين فقط، بل إن الطريق الصحيح للهداية والالتزام هو دفع الناس للجهاد ضد أعداد الأمة ومادامت الحركة الإسلامية هي مجرد طليعة للأمة من أجل نهضتنا أو هي خميرة لتلك النهضة فالطبيعي أن تكون العلاقة بين الحركة " الخميرة " والأمة " جسم النهضة " علاقة حميمة وعضوية، وقد رأينا كيف أن حسن البنا يؤكد على علاقة الحب بين الحركة والأمة وعلى الثقة التي كان يضعها في الشعب ومدى تفاؤله بالمستقبل ومن الطبيعي أن يكون المطلوب من عضو الحركة أو أحد أفراد الطليعة أو الخميرة أن يكون سبيلا إلى إسعاد أسرته وأقاربه وأصدقائه ( 31 ) وأن يعمل على مساعدة الفقراء والمحتاجين والسعي في الصلح بين المتخاصمين وبث روح الحب والتعاون بين الجميع ( 32 ) وأن يعمل كل ما فيه سعادة ومصلحة مجتمعهم وأن يفهموا هذا المجتمع جيدا وأن يكون " عظيم النشاط مدربا على الخدمات العامة تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغيرك من الناس، فتقود المريض وتساعد المحتاج وتواسي المنكوب وتبادر دائما إلى الخيرات" ( 33 )، وأن تكون " رحيم القلب كريما سماحا تعفو وتصفح وتلين وتحلم وترفق بالإنسان والحيوان جميل المعاملة حسن السلوك مع الناس جميعا، محافظا على الآداب الإسلاميةالاجتماعية، فترحم الصغير وتوقر الكبير وتفسح في المجلس ولا تتجسس ولا تغتاب ولا تصخب وتستأذن في الدخول والانصراف ... إلخ " ( 34 )

ويقول حسن البنا أيضا " هؤلاء هم قومنا الأقربون الذين نحن إليهم ونعمل في سبيلهم ونفتديهم بالنفس والمال " ( 35 )

وهكذا تكون العلاقة بين الحركة والأمة، الخميرة والجسد وإذا كان حسن البنا يؤكد على أن الإخوان المسلمين هم حركة البعث والإنقاذ والنهضة لدرجة أنه يضع هذا العنوان " دعوتنا دعوة البعث والإنقاذ " ( 36 ) في إطار رسالة " بين الأمس واليوم "، وفي الحقيقة فإن وضوح هذا الأمر كان وضوحا شديدا فكان من الطبيعي أن يؤكده كل من انتمى لحركة الإخوان المسلمين ، فها هو مؤرخ الحركة الأستاذ محمود عبد الحليم يقول " ولما كان الإخوان المسلمون هم الفئة التي قامت لتوقظ المسلمين من نومهم وتنبههم من خدرهم وتكمل صورة الإسلام الحي القوي الشامل أمام عيونهم " ( 37 )

وهكذا فالأستاذ محمود عبد الحليم يؤكد على أن الإخوان المسلمين حركة للإيقاظ والتنبيه، ثم هو يؤكد على أن تلك الحركة مجرد طليعة للأمة أو خميرة للنهضة قائلا "الإخوان المسلمون ليسوا المجتمع الإسلامي الوحيد، ولكن المجتمع الإسلامي العام يتسع لمئات من المجتمعات كلها مجتمعات إسلامية بدرجات متفاوتة ومطلوب من الإخوان المسلمين وغيرهم من المجتمعات الإسلاميةالتفاعل مع المجتمع الإسلامي العام تفاعل المحبة والود وتقوية الوشائج والأواصر، أما انطواء المجتمع الإخواني على نفسه، وتفاعله تفاعلا داخليا فحسب وانعزاله عن المجتمع العام فهو فهم يتنافى مع طبيعة الإخوان " ( 38 ) والأستاذ محمود عبد الحليم هنا يصر على أن الإخوان المسلمين أو الحركة الإسلاميةهي طليعة الأمة أو خميرة النهضة لا تعمل بمعزل عن الأمة ولا بديلا لها، بل أكثر من هذا نرى الأستاذ محمود عبد الحليم يؤكد على الثقة في الأمة قائلا " إن شعوبنا شعوب فطرت على التدين، قد ترى الرجل منهم يقصر في أداء عباداته، وقد تغلبه شهوة فينحرف ولكنه مع ذلك يحمل في أعماق وجدانه شعورا ملتهبا لا يخبو أبدًا ينطلق هذا الشعور الملتهب دون إرادته شواظا من نار إذا أحس بأن إنسانا مس دينه " ( 39 ) ويضيف الأستاذ محمود عبد الحليم " هذه الطبيعة هي التي كان على الإخوان إيقاظها، وهذه الطبيعة إذا استيقظت لن يقف أمامها شيء " ( 40 )

إذن فالأستاذ محمود عبد الحليم يحدد دور الإخوان أو الخميرة في الإيقاظ، وأن الذي سيقوم بالمواجهة هي الأمة كلها وليس الإخوان وحدهم لأنه إذا استيقظت هذه الأمة فلن يقف أمامها شيء على حد قول الأستاذ محمود عبد الحليم .

أما الأستاذ صالح عشماوي فيقول " إن دعوة الإخوان ترمي إلى تجديد الإسلام في القرن الرابع عشر، وترمي إلي تحرير كل شبر فيه نفس يردد لا إله إلا الله محمد رسول الله وأخيرا نشر الإسلام ورفع راية القرآن في كل مكان حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ( 42 ) أي أن مهمة الإخوان هي تحرير العالم الإسلامي أولا، ليقوم هذا العالم الإسلامي أو الأمة الإسلامية بدورها الطبيعي في الجهاد وإنقاذ العالم كله من القهر والشرك والكفر والوثنية.

ونفس الرأي يقرره الأستاذ مصطفى مشهور في مقدمة كتابه رسائل الإمام الشهيد حسن البنا حيث يقول" إن حركة الإخوان المسلمين أوقدت جذوة الإسلام في النفوس من جديد "


الدعوة إلى الإسلام والدعوة إلى العمل من أجل إيقاظ وإنهاض أمة الإسلام

الدعوة إلى الإسلام واجب شرعي بمختلف الوسائل، والأصل أن يقوم بهذه الدعوة أمة الإسلام، ولا مانع من أن يقوم فرد أو جماعة بهذا الأمر، وبديهي أن الدعوة إلى الإسلام توجه لغير المسلمين وهذه نقطة مهمة يجب إدراكها، فأما الدعوة بين المسلمين فتكون إلى العمل ب الإسلام أو إلى إيقاظ النفوس وشحذ الهمم من أجل النهضة ومواجهة التحديات والتخلي عن السلبية ويجب عدم الخلط بين الأمرين، لأن الخلط يصيب الحركة في مقتل ويفتح بابا واسعا للخلاف والاختلاف، ويجعل الحركة غامضة لدى الناس، ويبرر للمتربصين بها اتهامها بشتى الاتهامات.

وإذا أدركنا أن أمتنا في حالة هزيمة حضارية وتفكك وسلبية وتجزئة واختراق سياسي واقتصادي واجتماعي، لكان من الطبيعي أن يكون الهدف الأول هو إيقاظ تلك الأمة ومواجهة تحدياتها وبعد ذلك يمكنها أن تقوم بمهمتها في الجهاد والدعوة.

ونحن في حالتنا هذه من الهزيمة والتجزئة والاستعمار والتبعية لا نمانع في أن يقوم فرد أو جماعة بالدعوة إلى الإسلام لغير المسلمين ولكن يظل الهدف الأول إيقاظ الأمة حتى تضطلع بالواجب وهو تحرير العالم كله والدعوة إلى الإسلام في كل مكان، نحن نريد أن نفرق بين الأمرين، وألا نخلط بينهما فالدعوة إلى الإسلام تكون لغير المسلمين والدعوة داخل الأمة الإسلامية تكون باتجاه الإيقاظ والإنهاض ومواجهة التحديات، لأن الأمة الإسلامية مؤمنة ب الإسلام وغيرة الناس على الإسلام قوية جدا إلى حد قول الإمام حسن البنا والأستاذ محمود عبد الحليم وهو أيضا رأينا بل ونرى أن هذا هو الواقع الحقيقي للأمة، ف الإسلام مازال قويا في النفوس وحالتنا تقتضي بعث العاطفة وترشيد الجهود من أجل النهضة والإقلاع ومواجهة التحديات.

والإمام حسن البنا كان مدركا لهذا الأمر أيما إدراك حيث قال " إن الإخوان المسلمين يرون الناس بالنسبة إليهم قسمين قسم اعتقد ما اعتقدوه من دين الله وكتابه وآمن ببعثه ورسوله وما جاء به أي المسلمون، وهؤلاء تربطنا بهم أقدس الروابط، روابط العقيدة وهي عندنا أقدس من رابطة الدم ورابطة الأرض، فهؤلاء هم قومنا الأقربون الذين نحن إليهم ونعمل في سبيلهم ونذود عن حماهم ونفتديهم بالنفس والمال، في أي أرض كانوا ومن أية سلالة انحدروا، وقوم ليسوا مسلمين ولم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط، فهؤلاء نساعهم ما ساعونا ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا، ونعتقد أن بيننا وبينهم رابطة هي رابطة الدعوة، علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه " الإسلام " لأنه خير الإنسانية كلها، وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدد لها الدين نفسه من سبل ووسائل ( 43 )

وهكذا وبتقسيم واضح جدا جعل حسن البنا الدعوة تكون لغير المسلمين وأن الرباط الذي يربطنا بالكفار هو رباط الدعوة إلى الإسلام بوسائل الدعوة المقررة شرعا، أما ما يربطنا بالمسلمين فليس رباط الدعوة، بل رباط العقيدة، وهم قومنا الأقربون الذين نحن إليهم ونعمل في سبيلهم ونذود عن حماهم ونفتديهم بالنفس والمال ولو أدرك أبناء الحركة الإسلامية هذا الأمر بتلك الصورة الناصعة التي حددها حسن البنا، لكفوا أنفسهم وغيرهم وحركتهم وأمتهم الكثير من الأخطاء بل والخطايا! و حسن البنا المعروف بدقته الشديدة عاد وقسم المسلمين أنفسهم إلى أقسام حسب العمل للإسلام دون أن يتهم أحدا بالكفر أو يصفه به، ف حسن البنا أولا يقول إن الإسلام في نفوس الناس بخير وإنهم شديدو الاستجابة لمن يدعوهم إلى العمل لنهضة الإسلام وإن كل من نطق بالشهادتين فهو مسلم بشرط ألا يقول كلمة الكفر أو ينكر معلوما من الدين بالضرورة أو يكذب صريح القرآن أو يفسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر، وأنه يجب ألا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أو معصية " ( 44 )

وتحت عنوان أصناف أربعة، يصنف حسن البنا الناس تصنيفا عمليا فهم إما عامل للإسلام أو متردد " وعلينا أن نزيل أسباب تردده" أو نفعي أي يقدم منفعته الشخصية على منفعة أمته وعلينا أن نقعنه بضرورة تقديم منفعة الأمة على منفعته الشخصية، أو متحامل وعلينا أن نحاول إزالة أسباب تحامله ونظل نرجو له الرشد وهكذا فإن حسن البنا ينطلق من أن الإسلام مازال حيا في النفوس وأن على الحركة تحويل تلك العاطفة إلى عمل، ولم يتطرق حسن البنا إلى تكفير الناس أو التوقف في الحكم عليهم أو غيرها من المصطلحات التي أدخلها البعض بغباء وجهل في قاموس الحركة الإسلامية. وبالطبع هذا لا يمنع من وجود بعض المنافقين في أمتنا، وهؤلاء نأخذ بظاهرهم ونترك حسابهم على الله ونحترس ونحذر منهم طبعا.


حركة تجمع ولا تفرق

وانطلاقا من إدراك حسن البنا لمهمته ومهمة حركته في الإيقاظ والإنهاض ومواجهة التحديات، وأن الحركة الإسلامية مجرد طليعة للأمة وليست بديلا عنها وهي ليست شعب الله المختار، ولا تتصور نفسها هي وحدها على الصواب وغيرها على الخطأ، وكذا إنها تعمل في ظرف لا يحتمل الخوض في الخلافات والتحزب للفرق أو الآراء أو هذا الاجتهاد أو ذاك، بل العمل من خلال الثوابت المتفق عليها واتساعها واتساع العمل أمام الجميع برغم خلافاتهم الفقهية أو المذهبية وخشية من حسن البنا أن تنزلق الحركة إلى هذه الأمور وتفقد بالتالي دورها الأساسي كحركة للنهضة والبعث ومواجهة التحديات فإنه اهتم أيما اهتمام بالتأكيد من خلال القول والعمل على ضرورة التجميع ونبذ الفرقة يقول حسن البنا " إن دعوى الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه، ونود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر، فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان تحب الإجماع وتكره الشذوذ، وإن أعظم ما مني به المسلمون الفرقة والخلاف وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، هذه قاعدة أساسية وهدف معلوم لكل أخ مسلم، وعقيدة راسخة في نفوسنا نصدر عنها وندعو إليها، ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لابد منه ضرورة، ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والمذاهب لأسباب عدة منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه وإدراك الدلائل والجهل بها والوقوف على أعماق المعاني وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلابد من خلاف، ومنها سعة العلم وضيقه، وأن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك والآخر شأنه كذلك، وقد قال مالك لأبي جعفر، إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة، ومنها اختلاف البيئات حتى أن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي رضي الله عنه يفتي بالقديم في العراق ويفتي بالجديد في مصر، وهو في كليهما أخذ بما استبان له وما اتضح عنده لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما، ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها فبينا نجد هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسه وتطيب بالأخذ عنه نراه مجروحا عند غيره لما علم عن حاله ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل الناس مقدما على خبر الآحاد وذلك لا يقول معه به وهكذا، كل هذا جعلنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل بل هو يتنافى مع طبيعة الدين وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشي الأزمان، وهو لهذا سهل مرن هين لين لا جمود فيه ولا تشديد، نعتقد هذا فنلتمس العذر كل العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبدا حائلا دون ارتباط وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدود وأوسع مشتملاته، ألسنا مسلمين وهم كذلك، ألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون ذلك، وألسنا مطالبين بأن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا؟ ففيم الخلاف إذن ولماذا لا يكون رأينا مجالا للنظر عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا لا نتفاهم في جو الصفاء والحب إذا كان هناك ما يدعو إلى التفاهم، وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخالف بعضهم بعضا في الإفتاء فهل أوقع ذلك اختلافا بينهم في القلوب؟ وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم، اللهم لا، وما حديث صلاة العصر في قريظة ببعيد، وإن كان هؤلاء اختلفوا وهم أقرب الناس عهدا بالنبوة وأعرفهم بقرائن الأحكام، فما بالنا نتناحر في خلافات تافهة لا خطر لها، وإن كان الأئمة وهم أعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله قد اختلف بعضهم مع بعض وناظر بعضهم بعضا فلم لا يسعنا ما وسعهم، وإن كان الخلاف قد وقع في أشهر المسائل الفرعية وأوضحها كالأذان الذي ينادى به خمس مرات في اليوم الواحد ووردت به النصوص والآثار فما بالك في دقائق المسائل التي مرجعها إلى الرأي والاستنباط، وثَمَّ أمر آخر بالنظر، إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى الخليفة وشرطه الإمامة فيقضي بينهم ويرفع حكم الخلاف، فأما الآن فأين الخليفة، وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر، يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدرا مع مخالفيهم ويرون أن مع كل قوم علما، وفي كل دعوة حقا وباطلا، فهم يتحرون الحق ويأخذون به ويحاولون في هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم، فإن اقتنعوا فذاك، وإن لم يقتنعوا ف إخوان في الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية، ذلك منهاج الإخوان المسلمين أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله يمكن أن أجمله لك في أن الإخوان يجيزون الخلاف ويكرهون التعصب للرأي ويحاولون الوصول إلى الحق، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب" ( 46 )

ويقول حسن البنا أيضا " وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم " ( 47 )

ويقول " الخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره " ( 48 ).

ويقول " وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا " ( 49 )

ويقول أيضا " أهم ما يجب أن تتوجه إليه همم المسلمين الآن توحيد الصفوف وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا والله حسبنا ونعم الوكيل " ( 50 )

ويقول أيضا " إن اجتماع الكلمة على خلاف رأينا أفضل من اختلافها وافتراقها وتشتتها " ( 51 )

ويقول حسن البنا " المسائل الخلافية اختلف فيها المسلمون مئات السنين ولا زالوا مختلفين والله تبارك وتعالى يرضى منا بالحب والوحدة ويكره منا الخلاف والفرقة فأرجو أن تعاهدوا الله أن تدعوا هذه الأمور الآن وتجتهدوا في أن نتعلم أصول الدين وقواعده ونعمل بأخلاقه وفضائله العامة وإرشاداته المجمع عليها، ونؤدي الفرائض والسنن وندع التكليف والتعمق حتى تصفو النفوس ويكون غرضنا جميعا معرفة الحق لا مجرد الانتصار للرأي وحينئذ نتدارس هذه الشئون كلها معا في ظل الحب والثقة والوحدة والإخلاص وأن تكون وجهتنا التعاون وخدمة الإسلام الحنيف والعمل له يدا واحدة وطرح معاني الخلاف واحتفاظ كل برأيه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا " ( 52 )

وانطلاقا من فهم حسن البنا لدور حركته في النهضة، وأنها ليست فرقة دينية، وأن العصمة هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وأن الخلاف في الرأي لا يحول دون التعاون فإنه أهاب بالناس أن ينقدوه إذا أخطأ وأن يقوموا أخطاء الحركة إذا ما وجدت قائلا للغيورين من أبناء الإسلام " إن وجدتم فينا صالحا شجعوه وإن وجدتم اعوجاجا قوموه " ( 53 ) ويقول " ولقد أعجبني من صديق دعوته إلى جماعتنا أنه كان يراجعني في كل كلمة ويقف أمام كل عبارة ويناقش كل وسيلة " ( 54 )

ويقول " والإخوان المسلمون يفرحون بكل من يأخذ بفكرتهم إلى وسائل العمل الصحيح " ( 55 ) ويقول " وإن لم يجدها كذلك حملها بوضوح شخصيته وقوة تأثيره على ما يجب من وسائل العمل " ( 56 ).

ولأن حسن البنا كان يدرك أن جماعة الإخوان المسلمين ليست شعب الله المختار وليست فرقة دينية بل هي حركة للنهضة فإنه كان يدعم ويشجع أية حركة أو جماعة أخرى تعمل من أجل نهضة أمة الإسلام عموما ومصر خصوصا، فهو يشيد بذكر من سبق من دعاة النهضة أمثال الأفغاني و مصطفى كامل و محمد فريد ( 57 ) وهو يشيد ب طلعت حرب قائلا " وكم كنا نحتاج ونعرى لو لم يلهم الله طلعت حرب – عليه الرضوان – أن يتقدم بمشروعاته الناقصة" ( 58 )، وقد اشترك حسن البنا بنفسه في جماعة الشبان المسلمين التي أنشأها بعض رجال الحزب الوطني وظل عضوا بها حتى وفاته، وكان يلقي الخطب في مقرها العام ويشجع على الانتماء إليها ( 59 )، وكانت جماعة الإخوان المسلمين قريبة من الحزب الوطني، وكان حسن البنا يرى أن يعمل ب جماعة الإخوان المسلمين كالعمل ب الحزب الوطني " ( 60 ).

كما أن الجماعة شاركت الحزب الوطني في حركة مقاومة عامة ضد البريطانيين " ( 61 )

وكان عزيز المصري على علاقة طيبة ب الإخوان المسلمين كما كان أعضاء الحزب الوطني يشتركون في المظاهرات التي كانت تدعو إليها الجماعة، وعندما أصدر النقراشي قرار حل جماعة الإخوان المسلمين أعلن الحزب الوطني القديم وكذلك اللجنة العليا لشباب الحزب احتجاجهم على هذا القرار، كما اتخذ حسن البنا من مكتب رئيس اللجنة العليا لشباب الحزب الوطني مركزا يستقبل فيه أنصاره بعد إغلاق مركز الإخوان في أعقاب حل الجماعة " ( 62 )

كما اعتبرت صحف الإخوان أن ممارسات مصر الفتاة محمودة وقالت صحيفة النذير "أنها تحمد ل أحمد حسين موقفه وتتمنى أن يتابع السير في هذه الطريق التي اختطها لنفسه، وطالبت الصحيفة أن توجه لها نفس التهم التي وجهت ل أحمد حسين عندما استدعته النيابة للتحقيق معه بتهمة محاولة قلب نظام الحكم عندما كتب عدة مقالات دعا فيها الناس إلى التمسك بالدين والقرآن وإلى جعل نظام الحكم في مصر مرتكزا على الإسلام( 63 ).

وعندما قام بعض شباب مصر الفتاة بتحطيم حانات الخمر أيدت جماعة الإخوان العمل ولكنها اعتبرت أن الوقت ليس ملائما لذلك. ويقول الإمام الشهيد عن مصر الفتاة أنه يؤخذ عليها بعض الأشياء ولكنه " ليسرنا أن يوفق كل عامل إلى الخير وللخير، وأن في ميدان الجهاد متسعا للجميع " ( 64 )

وإذ كنا قد تحدثنا عن أن حسن البنا ظل عضوا بالشبان المسلمين حتى وفاته، فإنه أيضا حدثت الكثير من أشكال التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وجماعة الشبان المسلمين مثل لجنة إعانة منكوبي فلسطين، ويرى حسن البنا " أن الإخوان والشبان وبخاصة في القاهرة لا يشعرون بأنهم في ميدان منافسة ولكن في ميدان تعاون وثيق، وأن كثيرا من القضايا الإسلاميةالعامة يظهر فيها الإخوان والشبان شيئا واحدا وجماعة واحدة إذ إن الغاية العامة مشتركة وهي العمل لما فيه إعزاز وإسعاد المسلمين ( 65 )

الفصل الثالث : الحركة الإسلاميةفي مواجهة أمريكا وإسرائيل (1949 - 1990)

الحركات الفلاحية في قرى مصر

في نهاية الأربعينيات كانت الحركة الإسلامية قد بدأت في دخول الصراع السافر ضد القوى الاستعمارية وذلك بعد أن استطاعت تلك الحركة أن تبني كوادرها وتنظيماتها بشكل جيد وبعد أن حققت إعلاما إسلاميا جيدا على مستوى الجماهير وبدا كأن المستقبل بالكامل لها. بدأت تلك الحركة ونظرا لتطورها تدرك أهمية تحرير الجماهير المسلمة وغير المسلمة من كافة أشكال التسلط والقهر مدركة أن تحرر الجماهير من تلك القيود السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو سبيل أكيد من سبل إقامة المجتمع المسلم لأن الجماهير الحرة المنصوفة اقتصاديا تختار الإسلام ببساطة شديدة وأن القوى الشيطانية في سبيل تغيب الإسلام فإنها تقوم بتكبيل الجماهير وقهرها سياسيا واستعماريا ومن هنا فإن النضال السياسي والاجتماعي جزء لا يتجزأ من الدعوة الإسلاميةوهكذا فإن الحركة الإسلامية تحركت في تلك الفترة على عدة مستويات.

التصدي المسلح للاستعمار في حرب فلسطين سنة 1948 والعمليات الفدائية في القناة والتل الكبير ضد معسكرات الجيش الإنجليزي.

النضال السياسي في الداخل من أجل انتزاع الحريات السياسية للجماهير بالهجوم المستمر على الملك باعتباره حليفا للاستعمار وأحد أوجه الهجمة الاستعمارية.

ـ التصفية الفدائية لعدد من رؤوس أحزاب الأقلية (النقراشي مثلا إثارة الانتفاضات الفلاحية ضد الرأسمالية الزراعية).

وهكذا فإن الحركة الإسلاميةلم تقتصر على التحريض النظري بل تعدته إلى إثارة الانتفاضات الفلاحية في قرى الريف المصري في سخا وكفور نجم وبهوت ميت فضاله ومحلة موسى وقرية أبو الغيط وغيرها، من قرى الريف المصري ( 66 )

وهكذا أدركت الحركة الإسلاميةذلك الارتباط العضوي بين الظلم الاجتماعي سواء للعامل أو الفلاح أو كل الجماهير المطحونة أو تقييد حرياتها وإرهابها واعتقالها وخيانة النظام سواء بالنسبة إلى المحتل الأجنبي أو تجاه الغزوة الصهيونية على فلسطين.

لقد كانت الثورات تبدأ دائما بتقدم الفلاحين بمطالب محددة ضد الإقطاعيين الذين كانوا يردون على ذلك باستدعاء قوات البوليس التي لا تتورع عن إطلاق الرصاص على الفلاحين الآمنين ولقد أدى ذلك إلى استشهاد عدد كبير من الفلاحين مثل الشيخ عناني عواد وكيل شعبة الإخوان في كفور نجم والذي كان قائدا للثورة الفلاحية في كفور نجم والذي صعد المنبر في يوم الجمعة ليعلن أمام الفلاحين أن الأرض ملك لله وبالتالي فهي لهم وليست للأمراء وأسرة الملك. ولقد كانت قيادة الإسلام يين للفلاحين في تلك الثورات ووقوفهم إلى جانبهم في ثورتهم ضد الإقطاع سببا من الأسباب التي أبداها عبد الرحمن عمار كمبرر لحل هيئة الإخوان المسلمين ولقد جاء في المادة ( 11 ) من مذكرته عن هذا الموضوع ما نصه " وفي 26 أبريل سنة 1948 حرض الإخوان المسلمون عمال تفتيش زراعة محلة موسى التابع لوزارة الزراعة على التوقف عن العمل مطالبين بتملك أراضي هذا التفتيش الأمر الذي سجلته تحقيقات القضية المذكورة سنة 1948 مركز كفر الشيخ "

إن ظهور تلك الانتفاضات الفلاحية على امتداد قرى الريف المصري بهذا العدد والكيفية يعطى للوهلة الأولى تلك الدلالات الآتية.

لم تكن تلك الانتفاضات انتفاضات عفوية، بمعنى أنها لم تكن رد فعل عضوي بدليل انتشارها على وجه الريف المصري كله.. وظهور قيادات إسلامية خلف الانتفاضات.

كما أنها لم تكن تلقائية، بمعنى أنها رد فعل منظم بقدر ما كانت حركات مخططة من قبل الإسلام يين وذلك لتصعيد الحملة ضد القوى الاستعمارية الذي يمثل الإقطاع جزءا هاما منها.

إن فهمنا لطبيعة الصراع التاريخي بين الجماهير المسلمة والقوى الاستعمارية في تلك الفترة يثبت تلك الدلالات.

فلقد كانت هناك عدة عوامل أسهمت بشكل أساسي في تصاعد تلك الانتفاضات.

أولا: أزمة نظام طاحنة: بمعنى أن النظام في مصر كان يمر بأزمة طاحنة على كل المستويات.

أزمة سياسية:

فلقد اكتشفت الجماهير خيانة النظام لها وضرب كوادرها المقاتلة في سنة 1948 داخل أرض فلسطين وهكذا ربطت الجماهير بين الخيانة الوطنية والظلم الاجتماعي.

كما أن أحزاب الأقلية من سعديين وأحرار وغيرها قد فشلت فشلا ذريعا في لجم حركة الجماهير وتصفيتها عبر السجون والمعتقلات والأحكام العرفية وانتهت بسقوط تلك الحكومات ولجأ المعسكر الاستعماري إلى الوفد كحل أخير على أن الوفد برغم أنه نجح كثيرًا في استيعاب حركة الجماهير ومصادرتها وتسريبها في غير مجالها الصحيح عبر قنواته وبالتالي نجح كثيرا في تشتيت الهم الجماهيري المندفع ضد الإنجليز والإقطاع والملك والرأسمالية.

على أنه في تلك المرة لم ينجح وذلك بسبب أن التحرك الجماهيري الواسع هذه المرة كان ذا أصول إسلامية لا ينجح معها التشتيت العلماني كما أن حركة المد الجماهيري كانت أوسع من أن يستوعبها وهكذا فشل الوفد برغم كل تراثه في أن يكون مقاولا للجماهير.. لقد اكتشفت الجماهير أن الوفد في النهاية بتوجهاته العلمانية وطبيعته غير الإسلامية ليس في النهاية إلا آخر أوجه المعسكر الاستعماري وبالتالي فقد انحاز الوفد في النهاية ضد الجماهير بعد أن فشل في أن يعمل مقاولا لها ظهر ذلك الانحياز عبر وصول قيادة رجعية ( فؤاد سراج الدين ) إلى منصب سكرتير عام الوفد وهو في النهاية أحد كبار ملاك الأراضي وترتبط أسرته بعلاقات مصاهرة ونسب بكبار العائلات الإقطاعية مثل عائلات البدراوي وغيرها ويرتبط هو شخصيا بكثير من الرأسماليين والاحتكاريين ك أحمد عبود وهكذا تحولالوفد إلى منظمة سياسية لكبار ملاك الأرض ورجال المال.

انحياز الوفد إلى الملك في صراع الجماهير ضده فلقد دافع فؤاد سراج الدين عن حاشية الملك في قضية الأسلحة الفاسدة فذكر فؤاد سراج الدين باسم الحكومة الوفدية.. أن الوزارة قامت بالتحقيق في قضية الأسلحة والذخائر الفاسدة فثبت لها انتفاء مسئولية كل من كان له يد فيها..

بل إن الوزارة الوفدية تأمر بحفظ التحقيق بالنسبة لرجال الحاشية.

كما حاولت تلك الوزارة الوفدية أن تقوم بإلغاء مجلس الدولة لولا معارضة بعض الوزراء من الوفديين المحافظين على بعض تراث الوفد مثل الدكتور محمد صلاح الدينإبراهيم فرجعبد الفتاح إسماعيل. محاولة إصدار سلسلة من التشريعات تقيد الحريات مثل قانون الجمعيات وقانون المشبوهين السياسيين والذي يطلق أيدي الإدارة في تعقب العناصر السياسية النشطة وقانون يحظر نشر أخبار القصر في الصحف إلا بعد الموافقة عليها من جهات الإدارة ولكن فشلت تلك المحاولة أيضا بعد ضغط شعبي هائل. انحياز الوفد إلى الإنجليز: - بوصول القيادات الرجعية الممثلة لطبقة كبار الملاك والرأسمالية إلى قيادة الوفد حزبا وحكومة – لم يجد هذا الاتجاه خيرا من التحالف مع الإنجليز وذلك خوفا من الجماهير على مصالحه الاقتصادية.

وهكذا انحاز الوفد نهائيا إلى المعسكر المعادي للجماهير وفقد بالتالي تدريبه على تخدير تلك الجماهير وتسريب ضغطها إلى قنوات فرعية فكان على الجماهير أن تعمل وتحت قياداتها الإسلاميةالمفروزة من أبنائها.

أزمة النظام الاجتماعية والاقتصادية :

وصلت الأمور الاقتصادية والاجتماعية إلى مستوى خطير من الفساد والانحراف فلقد كان 0.5 % من ملاك الأراضي يملكون 24.2 % من المساحة المزروعة في مقابل 72 % من الملاك يملكون 13.1 % فقط فضلا عن وجود 11 مليون معدم في الريف – وكانت زمامات قرى بأسرها مملوكة لفرد أو لأسرة واحدة مثل عائلة البدراوي عاشور وعائلة سراج الدين في الدلتا وعائلتي سلطان وويصا في الصعيد وغيرهم. وكان الملك من أكبر ملاك الأراضي الزراعية فقد ورث عن أبيه 15 ألف فدان زادها إلى 48 ألف فدان وسيطر على نحو 45 ألف فدان من أراضي الأوقاف بل إن 27 من الأسرة المالكة استولوا على 143 ألف فدان غير آلاف الأفدنة الأخرى من الأوقاف.

كما أن نظام الاستغلال الزراعي الذي كان شائعا هو إيجار الأراضي الزراعية للفلاحين وهو نظام يعطي المالك إيجارا للفدان يزيد عن دخل الأرض فيما لو زرعه المالك ذاته فلقد وصل إيجار الفدان في بعض الأحيان إلى 70 جنيها وهو مبلغ باهظ جدا في تلك الفترة.

ولقد ارتفعت الأسعار في تلك الفترة ارتفاعا هائلا مما خلق عبئا ضخما على كاهل الجماهير وكانت الحكومة بتصرفاتها في مسألة الضرائب تزيد حدة الفوارق الطبقية.

وهكذا فإن هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي فضلا عن انتشار أخبار فضائح الملك وأسرته وكبار الوزراء كان قد وصل إلى مستوى غير طبيعي.

وهكذا فإن الوضع كان عبارة عن أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية محتدمة مع خصوصية تتمثل هذه المرة في عدم قدرة الأحزاب الاستعمارية على احتواء حركة الجماهير الصاعدة.

ثانيا تصاعد المد الجماهيري:

ولقد تصاعد المد الجماهيري في تلك الفترة تصاعدا هائلا – المظاهرات الكاسحة ضد المفاوضات – إضرابات العمال متخطية كل الأطر الحزبية القديمة وفارزة قيادتها الخاصة بها. ولأول مرة فلقد وقع سنة 1950 نحو 49 إضرابا وسجلت الصحف عام 1951 أخبارًا عن إضرابات عمال البيبسي كولا – عمال الشركة المتحدة للغزل والنسيج- شركة شل – مصانع شبرا الخيمة – عمال العنابر – عمال الترسانة والسكة الحديد – المطبعة الأميرية ـ سائقو وعمال السيارات إذ أضربوا فقررت 42 نقابة تمثل جميع عمال النقل المشترك التضامن معهم، كما قرر اتحاد جميع نقابات عمال الحكومة الإضراب في الفترة ذاتها. وأضرب خريجو المدارس الصناعية بالسكة الحديد. والكونستبلات وأضرب المعلمون والأطباء وغير ذلك الكثير كإضرابات طلبة الجامعات وتمزيق صور الملك وإضراب ضباط البوليس وهكذا فإن الحركة الشعبية الجماهيرية قد تخطت كل الأطر القديمة ووقفت وجها لوجه أمام المعسكر الاستعماري تنادي بالكفاح المسلح وبالتأميم وبالجمهورية وبإسقاط النظام الإقطاعي.

وهكذا فلم يعد في مقدور النظام استعمال العصا الغليظة عبر أحزاب الأقلية من سجن واعتقال وتشرد أو استعمال المخدر المستمر في تسريب حركة الجماهير عبر مسارات جانبية على طريقة الوفد.

وهكذا فقد وجدت الحركة الإسلاميةنفسها في ظرف تاريخي خاص يدفعها دفعا إلى الانتفاض.

فلقد كان الظلم الاجتماعي والأزمة الاقتصادية والأخلاقية رهيبة وكانت قوى المد الجماهيري في تصاعد مستمر مما يعطي الحركة الإسلاميةسندًا هامًا في العمل.

وهذان الشرطان قد ساعدا مع وجود عامل آخر هام جدا وهو ازدياد وعي الحركة الإسلامية وتوجهاتها السياسية والاقتصادية.

وللحقيقة فإن موضوع بحثنا يتصل بالحركة الفلاحية وبالتالي فعلينا أن ندرك طبيعة العلاقات الاجتماعية في مصر عامة والريف خاصة وفي إطار ذلك نستطيع أن نحدد لماذا كانت الحركة الإسلاميةهي طليعة الجماهير في مواجهة الإقطاع.

1- في تلك الحقبة كانت الحركة الإسلامية قد تطورت كثيرا باتجاه النضال من أجل حقوق الجماهير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بمعنى أنها طورت من مفهوم الدعوة البسيط إلى كليات الإسلام إلى إفراز مواقف يومية سياسيا واجتماعيا مع حركة الجماهير وكطليعة لها.

2- أن الحركة الإسلاميةبما تملكه من قدرة على مواجهة التركيبة الاستعمارية: إنجليز – ملك – إقطاع – أحزاب عميلة إلخ كانت أقدر على قيادة الجماهير. فالحركة الإسلاميةوحدها بما أنها ليست إفرازا عربيا وبما أنها إفراز الواقع 100% وليس لها أي توجهات غربية فهي وحدها القادرة على مواجهة الهجمة الاستعمارية أما في الأحزاب من وفد وأحزاب أقلية وقيادات ماركسية فليست في النهاية إلا وجه من أوجه الغزوة الاستعمارية فالتيار القومي أو الوطني المصري أو اليساري ليس في النهاية إلا فكر غربي فكيف تنهض ضد الغزاة.

بجمعنا كله وكيف نتحرر ونستقل على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي بغير أن يتوفر لنا أقصى شعور بالهوية والانتماء للتكوين الحضاري والتاريخي الممتد فينا، كيف نقاوم غازيا يصفي هويتنا وتميزنا عنه؟ كيف نقاوم ونحن لا نتميز عمن نقاومه – بل أن نرضى بالتبعية الفكرية والحضارية له؟

3- أن الحوادث المتتابعة قد أثبتت للجماهير من الذي يتصدى للحركة الصهيونية ويقدم الشهداء على أرض فلسطين. من الذي يقوم بأعمال الكفاح المسلح ضد الإنجليز– من الذي يقدم أطروحة مستقلة تماما عن الفكر الغربي في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي – من ليس جزءا من الهجمة الغربية، ومن في النهاية جزء منها.

وهكذا باتت الجماهير تدرك أن الوفد خدعها طويلا وهو في النهاية ينحاز للملك والإنجليز ضدها وأن قوى اليسار الماركسي قد استخدمت بشكل بشع من قبل يهود جاءوا على رأس كل تنظيماتها تقريبا لأداء مهمتين أساسيتين: لخدمة التحرك الصهيوني في المنطقة العربية تمهيدا لإقامة دولة إسرائيل.. وتوجه ذلك النشاط الماركسي لضرب التيارات الإسلامية بدعوى الفاشية أو غيرها مع عدم إسهام ذلك التيار الماركسي أية مساهمة فعالة في حركة الجماهير اليومية أو الكفاح المسلح ضد الإنجليز أضف إلى ذلك أن هذا التيار كان محصورًا بين طبقة المثقفين وليس له أي امتداد في الريف المصري.

ولقد كان التوجه الأجنبي في الحركة الشيوعية المصرية بمناسبتين كما يقول الأستاذ طارق البشري في كتابه " الحركة السياسية في مصر ( 45 – 1952 ) الطبعة الثانية صـ 18

الأولى: هي النشاط الصهيوني في فلسطين خاصة والبلاد العربية عامة منذ العشرينيات ثم ثورة فلسطين 1936، وفي الأربعينيات، والمناسبة.

الثانية: هي استعداد مصر للهيمنة الكاملة على سيادتها التشريعية والقضائية مع إلغاء الامتيازات الأجنبية سنة 1937 ، الأمر الذي جعل الأجانب المقيمين في مصر يتوجسون الحذر من الأنشطة المصرية بسائر فصائلها على وجودهم وامتيازاتهم الاقتصادية والاجتماعية. ويسعون إلى أن يكون لهم دور إما في الحركة السياسية المصرية، وحسبهم من الحركة الشيوعية أن تكون ركيزة شعبية وفكرية لمقاومة التيارين الإسلامي والقومي وهما تياران شعبيان وأن تكون بوتقة لتذويب الشعور المصري والقومي بالتميز والاختلاف عن الأجنبي والغربي.

هذا مع ملاحظة أن جزءا من الصراع السياسي داخل الشيوعية، كان مصدره فيما يبدو سعي الأجانب لاستبقاء سيطرتهم عليها.

وهكذا كانت الحركة الشيوعية محصورة بين الأجانب والمثقفين المصريين ولم تضرب عمقا في التربة المصرية وبالتالي لم تكن قادرة على التوجه إلى الفلاحين فضلا عن قيادتهم ( 67 ). 4- أن انحياز الوفد للملك والإنجليز وفشله في أداء دوره كمقاول للجماهير. وعدم قدرة الحركة الشيوعية على الوصول إلى الفلاحين نظرا لظروفها السابقة جعل الحركة الإسلاميةهي وحدها القادرة على تحريك الفلاحين. وفضلا عن زيادة الوعي لدى الفلاحين وتلك التراكمات الطويلة التي تركها الإسلام يون في وجدانهم عن حقوقهم وواجبهم تجاه قضيتهم وربط الإقطاع بالاستعمار، والدأب المستمر من قبل الإسلام يين على محو الأمية في الريف وإنشاء التجمعات الفلاحية وانتشار شعب الحركة الإسلامية في كل قرى الريف المصري تقريبا، وقيام ذلك الشعب ببث الوعي السياسي والاجتماعي. كل ذلك جعل حركة الفلاحين في اتجاه الانتفاض أمرًا طبيعيًا وهكذا غطت وجه الريف المصري في تلك الفترة انتفاضات الفلاحين المستمرة ضد الإقطاع.


انتفاضة الفلاحين في كفر البرامون

وهكذا بات على الجماهير المسلمة أن تتصدى للإقطاع، انتفض الفلاحون في كفر البرامون وزمام كفر البرامون، 750 فدانا يملكها جميعا الأجانب ما عدا 120 فدانا يمتلكها 3000 فلاح.

وكان الأجانب يسيمون الفلاحين أسوأ أنواع الظلم، لا يقبلون إلا بأن يعمل الفلاحون عندهم كأجراء يبيعون لهم قوت عملهم مقابل ثمن بخس ومستغلين الإدارة والعمدة في إرغام الفلاحين على العمل لدى الأجانب بشروطهم وعلى إثر ذلك الاضطهاد والظروف السيئة التي لاقاها الفلاحون قاموا بمظاهرة تهتف – ضد العمدة والأجانب – هتافات عدائية فاستنجد العمدة برجال البوليس وحضرت قوات البوليس وأطلقت النيران على الفلاحين فقتل اثنان منهم.

كفور نجم :

وكفور نجم قرية مصرية من قرى الشرقية ويرجع اسمها إلى أحد المجاهدين المسلمين التي تسمت القرية على اسمها حينما نزل بها أثناء بعض المعارك في فتح مصر.

وهكذا فإن القرية التي يرتبط حتى اسمها ب الإسلام الذي عرفنا فيما سبق رأيه في مسألة الملكية الزراعية والعلاقة الاقتصادية الخاصة بالأرض.

وهكذا نشأ في القرية كما نشأ في كل القرى شعب للإخوان المسلمين وكان وكيل شعبة الإخوان في كفور نجم هو الشهيد عناني عواد، وعناني عواد، فضلا عن كونه وكيل شعبة الإخوان في كفور نجم فقد اشترك ضمن كتائب الإخوان في حرب 1948 في فلسطين وكان أيضا على علاقة شخصية ب أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة ذي التوجهات الإسلامية.

وهكذا فإن عناني عواد أدرك بوعيه الإسلامي وبخوضه الحرب المقدسة ضد اليهود ذلك الارتباط الذي لا ينفصم بين الجهاد في فلسطين والوقوف ضد الإنجليز وكان الشهيد عناني عواد يجمع السلاح ويشتريه لصالح الإخوان تمهيدا للكفاح المسلح ضد الإنجليز والجهاد ضد الإقطاع وهكذا بدأ الشهيد في بث روح الوعي الإسلامي عامة ومقاومة الظلم كفريضة إسلامية خاصة مستشهدا بآيات من كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتكونت حول الشهيد مجموعة بدأت تخطط لرفض الإقطاع في كفور نجم وبدأ الفلاحون يرفضون تسديد الإيجارات الزراعية للأمير محمد عليالذي كان يملك 7000 فدان في كفور نجم وكان الفلاحون يرددون بأن الأرض لمن يزرعها وهذا هو رأي الإسلام وأن هذه الأرض أرضهم لأن تلك الأرض صارت بالفتح الإسلامي ملكية عامة وكل ما طرأ عليها بعد ذلك هو عمل استعماري باطل شرعا وليس لأحد غيرهم حق في هذه الأرض. واستفز الأمير ورجاله ذلك الوعي من الرجال فأمر البوليس بمهاجمة منازل الأهالي والاعتداء عليهم وعلى ما يملكون وقام رجال الأمير بمنع الفلاحين من أخذ قمحهم الذي زرعوه وتم تخزين كل القمح في مخازن الأمير.

وكان رد الشيخ عناني عواد أنه قاد الفلاحين وتم استرداد القمح المسروق منهم ولما اتهمه الأمير بالسرقة رد بأنه أي الأمير هو الذي يسرق الفلاحين ويسرق قوتهم، وأن يسترد حقوق هؤلاء. وقام الشيخ عناني بعمل بارع جدا في ضرب صميم العمل الإقطاعي، إذ قام بحرق المحاصيل في الأجران وسرقة السواقي وتعطيلها وهكذا فقد أفسد الأداة الإقطاعية مطالبا في كل ذلك بتخفيض الإيجارات الزراعية.

وهكذا فإن الشهيد الشيخ عناني عواد قد أسهم في إثراء العلم الثوري الجماهيري ليس فقط على مستوى مصر ولكن – في رأي – مستوى العالم أجمع وأضاف إضافة خطيرة إلى التجارب الثورية في العالم. ولم يجد الأمير محمد عليوالإدارة عموما أمام هذا الثائر الفذ إلا اعتقاله وتيسير مصرعه ساعة الإفراج عنه بأن يقوم بالاعتداء عليه مجموعة من عملائهم.

وهكذا سقط الشهيد ليحفر بدمه طريقا خاصا في العمل الإسلامي الثوري ضد الإقطاع.

ملاحظة: كان الشهيد يستعمل المسجد في إدارة صراعه ضد الإقطاع وكان يقوم في خطب الجمعة بتوعية جماهير الفلاحين!! وهكذا فإن القوى الاستعمارية حين رأت خطورة ربط الثورة ب الإسلام وفهم الإسلام على هذا المستوى الفذ فقد كان لابد من تصفية ذلك الشهيد جسديا.


" بهوت " ثورة ضد الإقطاع

لعل أهمية ثورة بهوت تأتي في كونها تمثل امتدادا شعبيا رأسيا، فالقرية كبيرة وزمام العائلة الإقطاعية حوالي 30 ألف فدان وعدد سكان القرية يزيد على 10 آلاف نسمة في وقتها والأهمية تأتي أيضا من كون هذه القرية بالتحديد تمتلكها أكبر العائلات الإقطاعية في الدلتا. ثم تأتي أهمية تلك الثورة في النهاية في أحداثها وما صاحب تلك الأحداث من نتائج.

أسرة البدراوي تمتلك في القرية وما حولها حوالي 30 ألف فدان يقع منها في القرية 15 ألف فدان . في 22 يونيو سنة 1951 وكنتيجة طبيعية لزيادة وعي الجماهير المسلمة نحو قضاياها نظرًا للنشاط الإسلامي الواسع في تلك اللحظات ونظرًا للحد الجماهيري عموما ونظرا لوقوع النظام في أزمة حالكة. وكان أهالي بهوت جزءا من هذا كله كان أهالي بهوت يتدارسون حقوقهم داخل المساجد وما عليهم أن يفعلوه في مواجهة الإقطاع كله وخاصة أيام الجمع حيث يجتمعون للصلاة. و في 22 يونيو سنة 1951 كان الأهالي كالعادة يجلسون في مسجدهم لأداء صلاة الجمعة ومناقشة مشاكلهم – كما يفرض الإسلام في صلاة الجمعة – وأثناء ذلك يصل خبر اعتداء عبد المجيد بك البدراوي على الفلاحين ضربا بالكرباج. وأصدر المصلون قرارهم لماذا لا ننتفض أليس هذا واجبنا؟ أليست دعوة ديننا من قتل دون مظلمة فهو شهيد. وهكذا ارتفعت الدعوات للانتفاضة؟

وخرجت الجماهير المسلمة الثائرة من المسجد مباشرة إلى قصر البدراوي وأطلق عبد العزيز بك البدراوي النار على الجماهير المسلمة فسقط وكيل شيخ الخفراء شهيدا كما سقط عشرات المصابين. وهاجت الجماهير وتدافعت إلى القصر الذي مثل ظلم حقبة طويلة من انتهاك الأعراض والظلم البشع ومص الأقوات. هاجت وتدافعت في اتجاه رد الظلم.

يلاحظ تضامن الخفراء مع الجماهير لأنهم في النهاية جزء منها ويقع عليهم الظلم مثلها. وأضرموا النيران في أجران القمح.

وجاء البوليس يكمل حلقه الحصار على الجماهير المسلمة وعمل فيها قتلا وذبحا جاء البوليس ليحمي من يدفعون له متناسيا أن هذا الذي يدفع له هو من عرق الفلاحين الذين يوجه إليهم بنادقه.

ولكن الجماهير بما اختزنته من ثوريتها وإسلامها كانت أقوى من البوليس مما اضطر مأمور مركز طلخا الغربي الذي كان يشرف بنفسه على المجزرة أن يختفي خلال المعركة في دورة المياه.

وهكذا ظلت أسرة البدراوي محاصرة داخل البدروم وبينهم كريمة معالي فؤاد باشا حتى انتهت المعركة وتم تهريبهم.

وفي الحال بدأ القبح الإقطاعي والقول السخيف يظهر مرة أخرى، يظهر على يد رجال البوليس الذين جاءوا للتفتيش ثم التحقيق، واستخدم التفتيش وسيلة لتأديب عشرات الفلاحين غير المرغوب فيهم وبالغ البوليس في تحطيم أثاثاتهم وإفساد تموينهم وتمزيق ثيابهم في خلال التفتيش.

وقبض على آلاف القتلى والجرحى حتى بلغ المعتقلون 50 فلاحا بخلاف اثنين أفرجت عنهم النيابة بالضمان المالي.

بل إن إحدى النسوة قد قبض عليها وحبست في سراي آل البدراوي للضغط على زوجها لتسليم نفسه لهم وقد كانت حاملا في الشهر التاسع ووضعت مولودها في السراي فأسمته " الحادث " لعله عندما يكبر يعرف كم قاسى الأهل من ظلم الإقطاع.

وبالطبع قام البوليس بمحاصرة بهوت ومنع الدخول إليها ومنع الصحافة من الوصول إليها. وتم شراء الصحافة لتضليل الرأي العام. واستعملت أسرة البدراوي نفوذها وأموالها في التأثير على القضاء. فكان أن تم نقل المعارضة من مركز طلخا الذي تقع فيه بهوت إلى المنصورة وذلك لمنع جماهير طلخا من إظهار تضامنها مع المعتقلين بالتظاهر أمام المحكمة.

وقامت عائلة البدراوي عن طريق البوليس والهجانة بطرد 12 أسرة من بهوت نهائيا وهذه الأسر هي عائلات محمد حامد البهوتي و محمد أبو النجار و نصر الهلالي و عبد القادر عبد الغفار و عبد اللطيف سلامة ومحمد على النجار و عبد العزيز إسماعيل وقد تم ترحيلهم بالقوة وتحت إرهاب قوات البوليس والهجانة.

وهكذا فإن انتفاضة الفلاحين في بهوت تقودنا إلى النتائج الآتية:

أن الحركة خرجت من مسجد القرية في يوم الجمعة مما يشير إلى ارتباط الانتفاضة بوعي الجماهير الإسلامي.

أن عائلة البدراوي في الحقيقة تمثل النظام كله، بما لها من نفوذ وارتباطات بالبوليس والوزراء والملك، وهكذا فإن الانتفاضة موجهة إلى النظام بالكامل.

أن الوحشية التي عومل بها الأهالي على يد البوليس توضح إلى أي مدي كان النظام منهارا. أن الجماهير خارج بهوت تجاوبت تجاوبا واضحا مع الانتفاضة عن طريق الصحف الشريفة ومحاولة أهل طوخ التظاهر تضامنا مع المسجونين من أهل بهوت.


الانتفاضة الفلاحية في قرية أبو الغيط

كانت الأوقاف في تلك القرية تؤجر أرضها إلى صغار الفلاحين، ثم قررت أن تطرد 500 منهم من الأرض لتؤجرها إلى صهر وزير التموين. فتصدى الفلاحون للأمر. وكالعادة اتصل صهر الوزير بالبوليس فنشبت معركة بين الفلاحين وبين البوليس قتل فيها 12 فلاحا.


الانتفاضة الفلاحية في ميت فضالة

في 5 سبتمبر سنة 1951 نشرت مجلة الدعوة حادثة ميت فضالة مطالبة بالقضاء على الإقطاع وتابعيه بميت فضالة بكفور نجم وبهوت. محذرة بزوال دولة الظلم.

ولقد بدأت انتفاضة ميت فضالة في 17 سبتمبر سنة 1951 حيث أمر طلعت باشا الذي يمتلك 700 فدان في ميت فضالة – وهو عبد اللطيف باشا طلعت كبير أمناء الملك – أمر بأن يجعل ثلاثة قناطير عن كل فدان قطن وحيث إن الأرض لم تغل هذا القدر فقد امتنع الفلاحون عن جني المحصول.

ولما أضرب الفلاحون عن جني القطن هدد مأمور مركز أجا الذي جاء على رأس قوة ليجبر الفلاحين على جني المحصول واعتقل منهم بالفعل البعض، فألقى القبض على تسعة هم طه إبراهيم السيسي و السيد غنيم و إبراهيم السيسي و إسماعيل محمد و محمد عطية و إسماعيل عاشور و المرغني محمد نعاسه وأحمد المناوي و حافظ النجار.

وفي مركز أجا كان الكونستابل رمزي مسيحه يباشر تعذيب المعتقلين ويمنع الطعام والماء عنهم بكل دقة.

ولما أحس البوليس بعدم استجابة الأهالي للإرهاب ورفضهم المستمر للقيام بجني المحصول جرد حملة عليهم بقيادة الملازم أول محمد عبد المنعم جبر بطل حوادث كفور نجم.

وتصل سيارة الطاغية إلى التفتيش ثم يذاع أن البوليس سيقبض على كل من يرفض جمع القطن.

وتجمهر الفلاحون وتظاهروا ضد الإدارة والسراي، فبادر الضابط محمد عبد المنعم فأطلق الرصاص عليهم، وفي ثورة مجنونة كان الفلاحون يهجمون على مبنى التفتيش هاتفين بسقوط دولة البوليس، وهاجم الأهالي القصر واشتد ضغطهم على البوليس.. مما جعل هذا الضابط الهمام يبكي متوسلا إلى ناظر الزارعة لكي يمكنه من الخروج هو ورجاله من البلدة.. وفي ملابس فلاحين كان الضابط ورجاله يهربون ليتصلوا بالمركز طالبين النجدة وبعد ساعة بدت قرية ميت فضالة كميدان قتال.

وبدأت نجدات البوليس تتدفق من المنصورة وميت غمر والسنبلاوين وكان 700 جندي يقودهم البكابشي فريد عبد البديع في طريقهم لتأديب الفلاحين الكلاب.

وبدأت طلقات البنادق والمسدسات تنهال من بنادق الجنود والضباط بينما راحت قوة تقبض على كل من يحاول الهرب من نهر الموت الرهيب.

وفي الصباح كان في كل بيت مأساة، وفي كل شارع جريمة وبدأ الأستاذ نهيدة أبو زهرة وكيل النيابة التحقيق فأفرج عن جميع المعتقلين دون أن يوجه إليهم اتهاما بعد أن ذاقوا في السجن شتى أنواع العذاب مدة 36 ساعة دون أمر من النيابة.

ولما لم يجد مأمور مركز أجا ما يتهم به الفلاحين ولإرضاء سيادة طلعت باشا كبير أمناء الملك أوغر إلى التفتيش بأن يبلغ النيابة بأن على غنام ذكي محمد غنام وأحمد النجار وشحاته النجار وطه العزوني وبدير محمد غنام وإبراهيم عثمان القعلة ومحمود عثمان القعلة قاموا بالسطو المسلح على سراي التفتيش وألقى البوليس القبض عليهم وعاشت ميت فضاله تحت رحمة قوة البوليس عدة أيام. وهكذا فإن وجه مصر قد غطاه سنة 1951 الانتفاضات الفلاحية في الريف، وهكذا انضم الفلاحون لحركة الشعب المسلم ضد الملك والاستعمار والإقطاع والرأسمالية.


البرنامج الزراعي للحركة الإسلامية

تدرك الحركة الإسلاميةبما لها من وعي تاريخي وأيدلوجي أن المسألة الزراعية من أخطر القضايا على الإطلاق ليس لكونها في مصر تمثل قطاعا ضخما هو قطاع الفلاحين فحسب ولكن لأن أبعاد الاستعمار الاقتصادي تصبح غير ذات قيمة لو أننا مارسنا سياسة زراعية مستنيرة. وهكذا فإن برنامجا زراعيا مستنيرا هاما جدا في إطار الاستقلال الوطني.

أن الحركة الإسلاميةوبما أنها تدعو إلى نمط تنمية غير مرتبط بالغرب وغير معتمد على وسائله التكنيكية حتى تستطيع تحقيق الاستقلال الحقيقي فإنها تدرك أن المجال الزراعي هو المجال الأكثر خصبا لتحقيق ذلك الاستقلال. وتحقيق نمط مخالف للنمط الغربي وهكذا فإن الحركة الإسلاميةتدعو إلى:

1- من حق من قام بالزراعة وفلاحة الأرض بالانتفاع بثمرتها في إطار الملكية العامة للأرض. راجع فصل ملكية الأرض في سلام.

2- إسقاط قانون الإيجارات الزراعية بمعنى أن المستأجر هو صاحب الحق في الغلة وحده وبما أن المالك قد امتلك تلك الأرض أصلا بشكل غير شرعي طبقا للشريعة الإسلاميةالتي تمنع بيع وشراء وامتلاك وتوريث الأرض بما أنها ملكية عامة.

3- إذا ترتب على حق الفلاحين في الانتفاع بالأرض دون منازع " وأقصد بالفلاحين الذين يعملون بأيديهم " بعض المآسي الاجتماعية التي أنشأها التراكم الطويل لعدم تطبيق الإسلام بمعنى أن بعض الملاك من الأرامل الأيتام والذين لا يستطيعون العمل وخلافه فيمكن للقوانين الاجتماعية مراعاة ذلك.

4- الاهتمام بالفلاحين اجتماعيا وثقافيا ومحو أمية قطاع الفلاحين والاهتمام بإشراكهم في العمل السياسي.

5- التركيز على زراعة الغلات الغذائية لتحقيق استقلال اقتصادي حقيقي تجاه الغرب وعدم زراعة التي تصدر لنستورد بها شمبانيا وأثاثا فاخرا وأدوات تجميل.

6- إقراض الفلاحين من قبل بنوك التسليف بدون فوائد بما أن هذه الفوائد تمثل عبئا على الفلاحين فيه أيضا عمل لا أخلاقي تجاههم.


مواجهة التحديات

وسعى الإخوان المسلمون دائما إلى تقوية الأزهر ودفعه باتجاه أداء دوره التاريخي في قيادة الأمة نحو النهضة والتحرر ومواجهة التحديات فمجلة النذير تكتب " أن الإخوان لا يرون أنفسهم ولا رسالتهم شيئا غير الأزهر ورسالة الأزهر " ( 68 ) وحسن البنا يقول " الأزهر بطبيعته معقل الدعوة الإسلاميةوموئل الإسلام " ( 69 ).

وحتى الصحافة الإسلاميةغير الإخوانية كانت تحظى بالدعم والإشادة من الإخوان المسلمين ومن حسن البنا الذي يصف مجلة المنار بقوله " كانت مجلة المنار مرجعا من المراجع الإسلاميةالعالمية، وكان صاحبها السيد رشيد رضا رحمه الله رجلا عالما غيورا مخلصا للإسلام وقف حياته لخدمة دينه والأمم الإسلاميةوكان شجاعا في الحق لا يهاب أحدًا ولا يجامل ولا يحابي " ( 70 ) وعندما توقفت المنار اعتبر حسن البنا " أنه يعز على الإخوان المسلمين أن يخبو ضوء هذا السراج المشرق بالعلم والمعرفة وأنها أنجبت الكثير من رجال النهضة الإسلاميةالحديثة " ( 71 ) واعتزم أن يتعاون مع ورثة المرحوم السيد رشيد رضا على إصدار المنار من جديد " ( 72 ).

ويلخص حسن البنا موقفه وموقف جماعته من دعم كل عمل إسلامي ودعم كل الشخصيات والهيئات والصحف والجماعات التي تعمل للإسلام قائلا " الإخوان المسلمون يرون هذه الهيئات على اختلاف ميادينها تعمل لنصرة الإسلام وهم يتمنون لها جميعا النجاح " ( 73 )

ولا مانع طبعا أن يكون هناك خلاف في الأسلوب أو التكتيك أو الاهتمامات وأن يكون هناك بعض الأخطاء ولا مانع من نقدها في إطار الوحدة والتعاون وروح الإخاء.

ظروف الزمان والمكان والأحوال

كان حسن البنا يدرك أن اختلاف الزمان والمكان يقتضيان اختلاف الاجتهاد الملائم لهذا الزمان والمكان وأن هذا من دواعي سعة الإسلام ورحمته وصلاحيته لكل زمان ومكان، يقول حسن البنا " إن تاريخ التشريع الإسلامييحدثنا أن ابن عمر رضي الله عنه كان يفتي في القضية في الموسم برأي آخر، فيقال له في ذلك، فيقول ذاك على ما علمنا وهذا على ما نعلم أو كلاما هذا نحوه، كما يحدثنا أن الشافعي رضي الله عنه وضع بالعراق مذهبه القديم، فلما تمصر وضع مذهبه الجديد نزولا على حكم البيئة وتمشيا مع مظاهر الحياة الجديدة من غير أن يخل ذلك بسلامة التطبيق على مقتضى القواعد الإسلاميةالكلية الأولى، وأصبحنا نسمع قال الشافعي في القديم وقال الشافعي في الجديد، ونرى تغير رأي الرجل الواحد في القضية الواحدة بحسب الزمان تارة كما فعل ابن عمر وبحسب المكان تارة أخرى كما فعل الشافعي، أو بحسبهما معا، كما سمعنا أن عمر رضي الله عنه أمر بعدم القطع في السرقة عام المجاعة " ( 74 ) وانطلاقا من هذا الفهم وتلك الرؤية التي تعكس فهما دقيقا ومرنا في نفس الوقت، فإن حسن البنا الذي أدرك أن مهمة المسلم ومهمة المسلمين ومهمة أمة الإسلام هي تحرير البشر وتعبيدهم لله الواحد القهار بالدعوة أو ب الجهاد أو بغيرها من الوسائل فإنه أدرك أيضا أن هناك الآن ظروف زمانية ومكانية تقتضي الاهتمام بقضية نهضة العالم الإسلاميوتحريره أولا من الاستعمار والتخلف والسلبية، وأنه طالما كنا كأمة في حالة من الهزيمة والاحتلال والتخلف والسلبية فإنه يجب أن تكون مهمتنا الأولى هي الإنهاض والتحرر واليقظة تمهيدا لوضع الأمة الإسلاميةعلى الطريق الصحيح للقيام برسالتها في تحرير العالم وتعبيده لله الواحد القهار.

وهكذا فإن حسن البنا يحدد مهمات حركته كالتالي يقول حسن البنا " شاءت لنا الظروف أن نواجه نتائج أغاليط الماضي ونتجرع مرارتها وأن يكون علينا رأب الصدع وجبر الكسر وإنقاذ أنفسنا وأبنائنا واسترداد عزتنا ومجدنا وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا " ( 75 )، ويقول " كذلك شاءت لنا ظروفنا أن نواجه كل ذلك وأن نعمل على إنقاذ الأمة من الخطر المحدق بها من كل ناحية " ( 76 ) ويقول "إن الغرض الأول الذي ترمي إليه جمعيات الإخوان المسلمين هو إيقاظ الشعور الحي الذي يسوق الأمم إلى الذود عن كرامتها والجد في استرداد مجدها وتحمل كل عنت ومشقة في سبيل الوصول إلى الغاية " ( 77 )

الإسلام دين وحضارة

حدد حسن البنا الهدف من دعوة الإخوان المسلمين في أنها " استرداد عزتنا وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا " كما سبق أن نقلنا عنه، وهكذا فهو يرى أنها أمة ذات حضارة خاصة ينبغي إحياؤها، ولاشك أن المسلمين ينتمون إلى الحضارة الإسلامية بحكم دينهم وتاريخم وجغرافيتهم، كما أن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ينتمون إلى الحضارة الإسلامية بحكم التاريخ والجغرافيا وهذا حسن البنا نفسه يؤكد على ذلك المعنى قائلا " والأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة في كل تعاليمه وأحكامه، هذا الذي يقول كتابه " لا ينهاكم الله عن الذين يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " – الممتحنة – والكلام في هذا المعنى مفروغ منه، وهذا التاريخ الطويل العريض للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعا مسلمين وغير مسلمين يكفينا مئونة الإفاضة والإسراف، فإن من الجميل حقا أن نسجل لهؤلاء المواطنين الكرام أنهم يقدرون هذه المعاني في كل المناسبات، ويعتبرون الإسلام معنى من معاني قوميتهم وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم " ( 78 )

ويحكي حسن البنا كيف أنه أثناء دراسته في مدرسة الرشاد الدينية بالمحمودية ساهم في جمع مبلغ من المال للإنفاق على تكريم زميله الطالب " لبيب إسكندر " شقيق طبيب الصحة الذي نقل إلى بلد آخر فنقل أخوه معه " ( 79 ) ويحكي حسن البنا أيضا قائلا " ولا أزال أذكر أن من هذه العرائض عريضة بتوقيع مسيحي جاء فيها أن هذا المدرس المتعصب الذي يرأس جمعية متعصبة اسمها الإخوان المسلمون يفرق بين أبناء العنصرين في الفصل فيتعمد إهانة التلاميذ من المسيحيين وإهمالهم وعدم العناية بهم ويؤثر الطلاب من المسلمين بكل اهتماماته وأسئلته وتوجيهاته وأن ذلك سيحدث فتنة كبرى إن لم تتداركها الوزارة بنقل هذا المدرس وقد أحدث تحويل هذه العريضة إلى الناظر للرد عليها دويًا هائلا بين مواطنينا المسيحيين بالإسماعيلية الذين استنكروا هذا العمل أشد الاستنكار وجاء وفد عظيم من أعيانهم وعلى رأسه راعي الكنيسة الأرثوذكسية هناك إلى المدرسة معلنا استنكاره وكتب المواطن الفاضل جرجس سوريال أفندي رئيس جمعية الكنيسة، والمواطن الفاضل يعقوب أفندي فرج رئيس جمعية الإحسان القبطية، والمواطن الفاضل فهمي أفندي عطية من كبار الموظفين ومعه أعيان الطائفة وكبارها من رجال وسيدات وكتبت الكنيسة بختمها وتوقيع حضرة الأب راعيها الفاضل عرائض وخطابات استنكار أرفقها الناظر بتقريره الذي ختمه بكلمة أرجو ألا ترهقنا وزارة المعارف بمثل هذه المجهولات وأن تحقق فيها بمعرفتها بعد أن ثبت أنها جميعا أمور كيدية لا يراد من ورائها خير " ( 80 )

وفي خطابات حسن البنا إلى أبيه يقول " الجمعية تسير بخطى موفقة وكانت عندنا بالأمس حفلة كبيرة دعونا إليها كل الطائفة القبطية وعلى رأسها المطران وأقبلوا جميعا لم يتخلف منهم أحد وكانت صفعة قوية لمنافقي المسلمين الذين ينزلقون إلى هؤلاء بالفتنة، ولقد كنت صريحا جدا في لباقة في بسط فكرة الإخوان بصورة حازت إعجاب الجميع والحمد لله وكل شيء على ما يرام وسلام عليكم " ( 81 ) وما زال هؤلاء المنافقون يعملون للإيقاع بين المسلمين والأقباط وإحداث الفتنة حتى اليوم، وما زالوا يحاربون الحركة الإسلامية بحجة التعصب ضد الأقباط وهي تهمة باطلة.

دراسة الواقع ومواجهة التحديات

وما دامت الحركة الإسلامية حركة للنهضة والتحرر والإقلاع ومواجهة التحديات، فلابد لها أولا من دراسة الواقع الذي تعمل فيه ومعرفة أسباب التخلف والهزيمة والبحث عن وسائل الإقلاع الحضاري ومواجهة التحديات، وكان هذا بالضبط ما فعله حسن البنا، فهو شديد الاهتمام بدارسة الواقع الذي يعمل فيه فيحكي عن ذكرياته في الإسماعيلية أنه حرص على دراسة هذا الوطن الجديد من حيث أهله ومناظره وخصائصه وأنه يعرف كثيرا من أبناء الإسماعيلية الدينية وظروفها الاجتماعية " ( 82 )

وما فعله حسن البنا بخصوص الإسماعيلية فعله بخصوص مصر والعالم العربي والإسلامي بل والعالم أجمع، فدرس الواقع المصري والعربي والإسلامي والعالمي، بل وحرص على الاتصال بالناس مباشرة في كل طبقاتهم وهيئاتهم وأحوالهم، ويقول عنه الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر " إن حسن البنا رجل مسلم غيور على دينه يفهم الوسط الذي يعيش فيه ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية ويفقه أسرار الإسلام وقد اتصل بالناس اتصالا وثيقا على اختلاف طبقاتهم وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة " ( 83 )

ونرى الإمام الشهيد يحلل ويدرس أحوال مصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ويقدم الحلول الملائمة لها وقد جاءت هذه الدراسة والتحليل وطرق العلاج في رسالته تحت عنوان مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي واشتملت على تحليله للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر كما أنه درس وحلل أوضاع العالم الإسلامي بالكامل وذلك من خلال دراسة التطورات التاريخية التي مرت بها الأمة الإسلاميةمن الصعود والثبات إلى الهبوط في رسالته بين الأمس واليوم وقد تضمنت تلك الرسالة موضوعات من أمثال الدولة الإسلاميةالأولى، عوامل التحلل في كيان الدولة الإسلامية، دعوتنا دعوة البعث والإنقاذ.. ولم يقتصر على هذا بل تراه يحلل الأوضاع العالمية ويدرس الأحوال في أوروبا، ونطالع موضوعا بعنوان المدينة الغربية الآن في رسالة نحو النور... وهكذا.

وفي الحقيقية فإن دراسة الواقع المصري والعربي والإسلامي والعالمي استغرق الكثير من المساحات في رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، لأنه كان يدرك أن معرفة الواقع وتحديد الأمراض وإدراك الظروف المحلية والعربية والإسلاميةوالعالمية شروط أساسية من شروط النهضة، ومن الصعب طبعا هنا أن نرصد وننقل كل ما قاله حسن البنا في هذا الصدد وسنكتفي بتلخيصه هو لتلك الأوضاع، وهو تلخيص يكشف أنه درس الواقع دراسة فاحصة دقيقة وعرف الأمراض التي تفتك بجسد الأمة يقول حسن البنا في رسالة دعوتنا وتحت عنوان الأعراض " وقد علمتنا التجارب وعرفتنا الحوادث أن داء هذه الأمم الشرقية متشعب المناحي كثير الأعراض قد نال من كل مظاهر حياتها، فهي مصابة في ناحيتها السياسية بالاستعمار من جانب أعدائها والحزبية والخصومة والفرقة والشتات من جانب أبنائها وفي ناحيتها الاقتصادية بانتشار الربا بين كل طبقاتها واستيلاء الشركات الأجنبية على مواردها وخيراتها وهي مصابة من ناحيتها الفكرية بالفوضى والمروق والإلحاد يهدم عقائدها ويحطم المثل العليا في نفوس أبنائها وفي ناحيتها الاجتماعية بالإباحية في عاداتها وأخلاقها والتحلل من عقدة الفضائل الإنسانية التي ورثتها عن الفراعين من أسلافها وبالتقليد الغربي يسري في مناحي حياتها سريان لعاب الأفاعي فيسمم دماءها ويعكر صفو هنائها وبالقوانين الوضعية التي لا تزجر مجرما ولا تؤدب معتديا ولا ترد ظالما ولا تغني يوما من الأيام غناء القوانين السماوية التي وضعها خالق الخلق ومالك الملك ورب النفوس وبارئها وبفوضى في سياسة التعليم والتربية تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها ورجال مستقبلها وحملة أمانة النهوض بها، وفي ناحيتها النفسانية بيأس قاتل وخمول مميت وجبن فاضح وذلة حقيرة وخنوثة فاشية وشح وأنانية تكف الأيدي عن البذل وتقف حجابا دون التضحية وتخرج الأمة من صفوف المجاهدين إلى اللاعبين اللاهين " ( 84 )

ومن الطبيعي أن يواجه حسن البنا هذه الأمراض التي يسميها في رسالة أخرى الموبقات وهي الاستعمار والصهيونية والخلافات السياسية والشخصية والمذهبية، والربا والشركات الأجنبية والتقليد الغربي والقوانين الوضعية والانحلال الخلقي.. وغيرها.

ولابد من البداية الصحيحة وهي بعث الأمل في النفوس ورغم أن داء واحدا من هذه الأدواء يكفي لقتل أمم متظاهرة إلا أن أمة الإسلام رغم انحطاطها فإن بها مناعة وجلادة وشده تحول بينها وبين الانهيار ولولا ذلك لعفت آثارها ولبادت من الوجود ( 85 ) وأنه رغم هذا فإن كل ما حولنا يبشر بالأمل ( 86 ) وأننا لسنا يائسين من أنفسنا وأننا نأمل خيرًا كثيرًا ونعتقد أنه لا يحول بيننا وبين النجاح إلا هذا اليأس فإذا قوي الأمل في نفوسنا فسنصل إلى خير كثير إن شاء الله، لهذا نحن لسنا يائسين ولا يتطرق اليأس إلى قلوبنا والحمد لله " ( 87 )

ولابد من مواجهة القوانين الوضعية بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ومواجهة الانحلال الخلقي بالدعوة إلى مكارم الأخلاق الإسلامية وتربية الرجال على الفضائل والعبادات وزرع الرجولة فيهم ولابد لمواجهة التقاليد الغربية بإثبات زيفها وأن التقاليد والقيم الإسلامية هي الصحيحة شرعًا وعقلا ولابد من التدريب الرياضي والعسكري للقيام بأعباء النهضة والجهاد ضد الاستعمار والصهيونية، ولابد من تحرير الاقتصاد الوطني من السيطرة الأجنبية والقضاء على الربا، ولابد من محاربة الجهل والمرض والخرافات بنشر العلم فقام الإخوان المسلمون بافتتاح المدارس ومحو الأمية والتأكيد على أهمية العقل وأنه لا قاعدة شرعية صحيحة تصطدم بحقيقة علمية صحيحة.

كان حسن البنا يرى أن الاستعمار هو أصل الداء وأبشع شيء ابتليت به الأمة الإسلاميةوأنه لابد من التحرر من هذا الاستعمار، ولا يكون ذلك إلا من خلال الكفاح المسلح ف الإسلام يرى الأمة الإسلاميةأمينة على رسالة الله في أرضه ولها في العالم مرتبة الأستاذية حكم هذه الأمانة، فلا يصح لها أن تذل لأحد أو تستعبد لأحد أو تلين قناتها لغاز أو تخضع لغاصب معتد أثيم " ولن يجعل الله الكافرين على المؤمنين سبيلا " (88 )

ولن تفلح المفاوضات مع الاستعمار، ولا طرح القضية على المحافل الدولية بل لابد من إعلان الخصومة وإلغاء المعاهدات واعتبار أنفسنا في حالة حرب مع الاستعمار وننظم حياتنا على هذا الأساس ( 89 ) والطريق الوحيدة هي الحرية أو الشهادة والشعب مستعد لذلك فهو مستعد ليموت ويناضل ويكافح بأشد أنواع النضال والكفاح " (90 )

وكان من الطبيعي والحالة هذه، أن تمارس جماعة الإخوان المسلمين النضال المسلح ضد الإنجليز، وأن تقوم باغتيال العديد من جنود وضباط الاحتلال في الشوارع، والحواري، وأن ترفض اتفاقية 1936، وأن تصل في النهاية إلى إعلان الكفاح المسلح الشامل على ضفاف القناة 1951، وقد سجل العديد من المؤرخين أمثال محمود عبد الحليم ، حسن دوح و أحمد عادل كمال عشرات العمليات الفدائية التي نظمها الإخوان المسلمون ضد الإنجليز في شوارع القاهرة والإسكندرية وغيرها ثم في القناة.

ولم يقتصر مناهضة الاستعمار على مصر وحدها، بل حرص الإخوان المسلمون على مساندة وتأييد ودعم الحركات المناهضة للاستعمار في أقطار العالم عموما والعالم الإسلامي خصوصا وامتلأت رسائل الإمام الشهيد وكذا مقالات الإخوان بالحديث عن نضال شعوب المغرب أو فلسطين أو أندونيسيا وليبيا وسوريا.. وغيرها ( 91 )

وكانت دار الإخوان المسلمين في مصر مأوى لكل المكافحين ضد الاستعمار أمثال علال الفاسي ، أمين الحسيني، كليم الله صديقي ، شكيب أرسلان ، عبد الكريم الخطابي ، محمد سعيد العرفي ، وغيرهم. وفي مواجهة التحدي الصهيوني لعبت جماعة الإخوان المسلمين دورًا هامًا في التصدي لتلك القضية، فالإمام حسن البنا يرى أنها مؤامرة دولية من الأمريكان والروس والإنجليز على السواء مع الصهيونية العالمية ( 92 ) وأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب و الإسلام الأولى ( 93 )

وأن قضية فلسطين هي قضية كل مسلم ( 94 )، ويقول ريتشارد ميتشيل في هذا الصدد " إن مشكلة فلسطين هي أكثر المشكلات الخارجية إلحاحًا وأهمية بالنسبة إلى الجماعة "

وإذا كان حسن البنا يرى أن قضية فلسطين هي قضية كل مسلم وأنها قضية العرب والمسلمين الأولى، فكان من الطبيعي أن تقوم الجماعة بجمع التبرعات للشعب الفلسطيني، و تأييد مطالبه عن طريق المؤتمرات والندوات والمهرجانات والمظاهرات والبيانات والضغط على الحكومات وغيرها من الوسائل، ولعل أكثر تلك الوسائل إيجابية هي قيام الإخوان المسلمين بالتطوع للقتال في فلسطين إبان حرب 1948، وقد شهد لهم الجميع بالبطولات والأعمال الفدائية الكبيرة التي قاموا بها على أرض فلسطين مما سجله الأستاذ كامل الشريف في كتابه الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، ولعل كتائب الإخوان التي ذهبت وقاتلت في فلسطين وأبلت بلاء حسنا كانت السبب الرئيسي لاغتيال الإمام الشهيد حسن البنا فيما بعد حيث إن اليهود والاستعمار أدركوا خطورة الرجل بعد هذه المشاركة وضرورة التخلص منه.

وفي مواجهة التبعية الاقتصادية فإن حسن البنا دعا إلى تحرير النقد المصري واستقلاله واعتماده على رصيد ثابت من مواردنا ومن ذهبنا لا على أذونات الخزانة البريطانية ودار السلك البريطانية والبنك الأهلي البريطاني ( 95 )، كما دعا إلى القضاء على الشركات الأجنبية وتمصير الشركات وإحلال رؤوس الأموال الوطنية محل رؤوس الأموال الأجنبية وتخليص المرافق العامة – وهي أهم شيء للأمة – من يد غير أبنائها، فلا يصح بحال أن تكون الأرض والمباني والنقل والماء والنور والمواصلات الداخلية والنقل الخارجي حتى الملح و الصودا في يد شركات أجنبية " ( 96 )

ويرى حسن البنا أن هذا البلد ليس فقيرا ولكن الأجانب ينهبون ثرواته فالصناعة والتجارة والمنافع العامة والمرافق الرئيسية كلها بيد هؤلاء الأجانب " ( 97 )

كما دعا حسن البنا إلى مقاطعة البضائع الأجنبية والالتزام بأن يكون المأكل والملبس من صنعنا ومنتجات بلاد الإسلام عموما و مصر خصوصا بل ألزم طلاب المدارس التابعة للإخوان بالالتزام بأن يكون الزي المدرسي من الصناعة المصرية ( 98 ) .

ومن توصيات حسن البنا للإخوان " أن تخدم الثروة الإسلاميةالعامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وأن تحرص على القرش فلا يقع في يد غير إسلامية ولا تأكل ولا تلبس إلا من صنع وطنك الإسلامي" (99 )

ولعل من أهم وأخطر توصيات حسن البنا هي التحول إلى الصناعة فورا لأن هذا من روح الإسلام الذي يقول كتابه:

( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ )
ويقول: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ )
ويقول: ( وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ )
ويقول: ( وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ )
فكيف يكون هذا ثم نهمل ما عندنا من معادن ولا يكون لنا مسبك عظيم ولا مصنع كامل للمعادن حرام هذا كله" ( 100)

وهذه الدعوة إلى الصناعة فورا أمر ضروري للنهضة وقد شفع حسن البنا هذا القول بالعمل فقامت العديد من الشركات والمصانع على يد الإخوان المسلمين ، وذلك للقضاء على الشركات الأجنبية وقطع الطريق على احتكارها، كما كانت المدارس التابعة للإخوان تدرس نظريا وعمليا الحرف والصناعات وتنظم رحلات يومية لطلابها إلى الورش والمصانع للحصول على الخبرة العملية ( 101)

وفي مواجهة التغريب والثقافة الأجنبية اهتم حسن البنا بالرد على موجات الإلحاد والتغريب والدعوة إلى الأذواق الأجنبية ونشر الثقافة الإسلامية، وكان يرى أن الثقافة الإسلامية تدعو لتحرير العقل ورفض الخرافة فهو يقول " و الإسلام يحرر العقل ويحث على النظر في الكون ويرفع قدر العلم والعلماء ويرحب بالصالح النافع في كل شيء والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وأنه لن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة " (102)

وفي مواجهة تحدي التجزئة دعا حسن البنا إلى الوحدة وأكد أن الإسلام يجعلها فريضة ويعتبرها جزءا أساسيا في حياة المجتمع لا يتساهل فيه بحال إذ إنه يعتبر الوحدة قرين الإيمان ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )، كما يعتبر الخلاف والفرقة قرين الكفر كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ )أي بعد وحدتكم متفرقين، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض ) فعبر بكلمة الكفر عن الفرقة والخلاف وأن يضرب بعضهم وجوه بعض " ( 103 )

وفي مواجهة تحدي الاستبداد دعا حسن البنا إلى الحرية والثورة على الظالم لأن الحاكم في الإسلام مسئول بين يدي الناس وهو أجير لهم وعامل لديهم، أبو بكر الصديق يقول " أيها الناس كنت أحترف لعيالي فأكسب قوتهم فأنا الآن أحترف لكم فأقرضوا إلي من بيت ما لكم " وهو بهذا قد فسر نظرية العقد الاجتماعي أفضل وأعدل تفسير، بل هو موضع أساسه فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحكام على رعاية المصالح العامة فإن أحسن فله أجره وإن أساء فعليه عقابه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها ) وقال ( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) ( 104 )

وهكذا فقد كان حسن البنا وكانت جماعة الإخوان المسلمين ، وكانت الحركة الإسلامية طليعة للأمة وليست بديلا عنها ولا تظن في نفسها أنها شعب الله المختار أو أنها معصومة من الخطأ أو أنها فرقة دينية جديدة أو قديمة، بل هي خميرة للنهضة ودعوة لليقظة والإقلاع ومواجهة التحديات.

الاختراق الصهيوني

في نهاية الأربعينيات من هذا القرن " العشرين " – وبالتحديد في الفترة من 1945- 1952 – كانت الحركة الإسلامية في مصر ممثلة في الإخوان المسلمين ، ومصر الفتاة، وشباب محمد وغيرها من الرموز والتشكيلات قد أصبحت من القوة والانتشار والخبرة بدرجة تسمح لها بتفجير الثورة، كانت شعبالإخوان المسلمين قد وصلت تقريبا إلى كل قرية ومدينة في مصر، وكان عدد المنتمين إليها قد جاوز المليونين، وكان معظم الشعب المصري يتعاطف مع برامجها وخاصة بعد أن أفلست القوى السياسيةالعلمانية، وخاصة الوفد، وباتت لا تستطيع إقناع الجماهير في أية قضية وخاصة القضية الوطنية. وكان الشعب المصري عموما قد أصبح يمتلك الوعي والإيجابية، وكانت الإضرابات العمالية والانتفاضات الفلاحية والتظاهرات الطلابية قد أصبحت شيئا يوميا ( 105 )

وكان الإخوان المسلمون و الحزب الوطني و مصر الفتاة يمارسون النضال ضد الاستعمار في شوارع القاهرة والمدن الأخرى عن طريق اغتيال جنود الاحتلال وخاصة أثناء الحرب العالمية الثانية ثم تطور هذا الأمر فيما بعد وخاصة سنتي 19511952 إلى كفاح مسلح شامل على ضفة القناة ( 106 )

كما كان الإخوان المسلمون قد خاضوا المعارك دفاعا عن فلسطين وشاركوا في حرب 1948 ( 107 )

وكان معنى هذا كله أن الشعب أصبح يمتلك الوعي والإيجابية وأن المنظمات الإسلاميةأصبحت تمتلك الخبرة والسلاح والتدريب من خلال المعارك العسكرية والسياسية التي خاضتها، أضف إلى هذا أن النظام المصري كان قد وصل إلى حافة الهاوية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وكذلك كانت بريطانيا كإمبراطورية استعمارية تتجه نحو الغروب بعد الحرب العالمية الثانية، وفي نفس الوقت كانت هناك قوتان تستعدان للسيطرة على المنطقة، قوة عالمية هي الولايات المتحدة الأمريكية، وقوة إقليمية هي إسرائيل، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد وراثة نفوذ الاستعمار القديم والحلول محله، كما كانت إسرائيل التي ظهرت رسميا سنة 1948 تريد أن تكون قوة إقليمية كبرى وتستهدف في النهاية إقامة إمبراطورية يهودية في المنطقة من النيل إلى الفرات.

وكان معنى هذا أننا أمام تحدٍ جديد، وأنه سيحدث سباق وصدام حتمي بين قوتين القوة الإسلاميةالتي تستهدف التحرر والنهضة والإقلاع، والقوى القديمة ممثلة في الملك و الأحزاب العلمانية والإنجليز وفرق جديدة تستعد لوراثة النفوذ وتحقيق مشروعها الدولي والإقليمي.

كانت الظروف الموضوعية والذاتية مهيأة للثورة الإسلامية في مصر، وكان من المفروض أن تبادر القوى الإسلامية بتفجير الثورة وحشد الجماهير والإطاحة بالقوى القديمة ومواجهة تحديات القوى الجديدة، ولكن أضاعت الحركة الإسلاميةالفرصة ولم تمسك بزمام المبادرة، وكانت النتيجة أن القوى الاستعمارية الجديدة هي التي امتلكت زمام المبادرة – للأسف – فتم اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا في فبراير 1949 ، وتم تفجير ثورة مزيفة سنة 1952 وذلك لإجهاض الثورة الحقيقة والتمهيد للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة ( 108 )

كان المطلوب من الثورة المزيفة تحقيق بعض الإنجازات تسمح لها بالحصول على شيء من التأييد الشعبي لكي تصادر فيما بعد حريات الشعب وبالتالي تقضي على إيجابيته ووعيه، وتسمح لها في نفس الوقت بالقضاء على طليعة الشعب وخميرة النهضة وهي الحركة الإسلامية وتمهد لتصفية النفوذ الإنجليزي والفرنسي في المنطقة وإحلال النفوذ الأمريكي محله، والتمهيد للتوسع الإسرائيلي.. وهكذا قامت الثورة المزيفة بقيادة عبد الناصر، بمصادرة الوعي والإيجابية لدى الشعب وممارسة أقسى أنواع الاستبداد السياسي حتى يتم إخراج الشعب من المعادلة، كما تم قتل وتشريد وسجن كل من ينتمي إلى طليعة الأمة وخميرة النهضة في سلسلة قاسية من الإجراءات القمعية ضد الإسلام يين عموما و الإخوان المسلمين خصوصا، وقام عبد الناصر بتسليم الصناعة المصرية لعدد من المديرين المرتشين والجهلاء والفاسدين لتحطيم تلك الصناعة من الداخل ومنع أية رقابة أو مشاركة شعبية في أي عمل سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي.

كان المطلوب الصدام مع انجلترا وفرنسا لحساب أمريكا، وقد كان، وكان المطلوب إضعاف مصر لحساب أمريكا وإسرائيل، وقد كان، فقد قام عبد الناصر بفصل السودان عن مصر بحجة حق تقرير المصير، والأمر أشبه الآن مثلا بفصل الصعيد عن مصر بحجة تقرير المصير! وكان معنى فصل السودان عن مصر حرمان مصر من السيطرة المباشرة على منابع النيل ووضعها بالتالي تحت رحمة من يسيطر على هذه المنابع! وكذلك إفقاد مصر مجالها الحيوي وعمقها الاستراتيجي الطبيعي، وقام عبد الناصر بممارسة كل أنواع الاستبداد والإذلال للشعب المصري حتى لا يكون قادرًا بعد ذلك على مواجهة التحدي الجديد أمريكا و إسرائيل، وأفسد الجيش ومارس كل أنواع الأخطاء والخيانات في حربي 19561967 الأمر الذي يترتب عليه تحقيق إسرائيل للوصول إلى البحر الأحمر وبالتالي أفريقيا سنة 1956 ، والتوسع الرهيب في 1967 حيث ضمت كل فلسطين " الضفة والقطاع وباقي القدس " والجولان وسيناء.

وكان المطلوب في المرحلة الثانية من المخطط الشيطاني، استمرار إضعاف مصر، لأن إضعاف مصر وتفكيكها جزء لا يتجزأ من التوسع الإسرائيلي، لأن مصر القوية المتماسكة تعرقل المشروع الإسرائيلي في التوسع من النيل إلى الفرات.

وإذا كان قد تم في المرحلة الأولى من المخطط فصل السودان وبالتالي ضياع أكثر من 65 % من مساحة مصر، وكذلك السماح ل إسرائيل بالتوسع وهو ما حدث في 1956 و 1967، فإن المرحلة الثانية من المخطط تقتضي إضعاف التماسك الاجتماعي ل مصر وهو ما يتم عن طريق الاختراق الثقافي والسياسي والاجتماعي الأمريكي والصهيوني ل مصر، وبث بذور الفتنة الطائفية، والسيطرة على الاقتصاد المصري عن طريق تصفية الصناعات الوطنية وكذا المزروعات التقليدية المصرية وربط مصر بالسوق العالمية الخاضعة للاستعمار، وقد حدث هذا كله، فالتطبيع مع إسرائيل يكشف كل يوم عن عمليات اختراق وتجسس وإفساد للبيئة والزراعة، وعمليات تهريب المخدرات والعملات المزيفة وغيرها من الأمور التي باتت معروفة للجميع، والشروط الأمريكية للقروض وكذا شروط صندوق النقد الدولي، وعمليات البحث الاجتماعي التي تقوم بها المؤسسات الأمريكية في مصر تكشف كل يوم، بل وللأسف تحقق كل يوم، المزيد من التبعية الاقتصادية والقضاء على استقلال السوق المصري وكذا بث الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، والعمل على فصل النوبة، وغيرها من الأمور المشبوهة التي أصبحت حقائق يومية للأسف الشديد، والمطلوب أمريكيًا وإسرائيليا القضاء على تماسك مصر الاجتماعي وعدم السماح لها بتطوير أي نوع من القوة العسكرية أو الصناعية وإغراقها في الديون والسيطرة على السوق المصرية والتحكم في غذاء الشعب لإفقاد مصر حرية القرار السياسي، لأن من لا يملك قوته لا يملك إرادته السياسية، وإغراق مصر في الفتنة الطائفية لإضعافها أولا والتمهيد لتفكيكها ثانيا وهو مشروع إسرائيلي معروف تحدثت عنه الكثير من المصادر البحثية ويلقى تشجيعا أمريكيا وللأسف أيضا يلقى تشجيعا من بعض الخونة من المسلمين والأقباط على حد سواء.

الحركة الإسلامية في مواجهة التحديات

التحديات التي تواجهها أمتنا أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية وبعد قيام إسرائيل 1948 هي أمريكا وإسرائيل، وتطورت تلك التحديات لتأخذ أشكال مواجهة عملية تفكيك مصر اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وجغرافيا تمهيدا لقيام إسرائيل الكبرى، وكان من الطبيعي أن تواجه الحركة الإسلاميةهذه التحديات، ومن هنا زيادة الكفاءة في مواجهة هذه التحديات.

أدركت الحركة الإسلاميةمنذ البداية أنها أمام تحديات من نوع جديد، وعندما وقع عبد الناصر اتفاقية الجلاء مع الإنجليز وهي الاتفاقية المشبوهة التي أدت إلى فصل السودان عن مصر وإلى الانتقاص من حقوق مصر، وهي اتفاقية أقل كثيرا من كل الاتفاقيات التي عرضت على الحكومات المصرية المختلفة قبل 1952 ورفضتها جميعا، حيث كانت كل المفاوضات تتحطم على صخرة السودان ، وهي العبارة التي أصبحت من كثرة تكرارها قبل 1952 وكأنها جملة تقليدية يبدأ وينتهي بها أي تقييم لمسيرة المفاوضات مع الإنجليز، لأن مسألة وحدة مصر والسودان كانت بديهية ولا تقبل المناقشة أو الطرح على بساط المفاوضات، وكان من الطبيعي – قد قبل عبد الناصر فصل السودان عن مصر – أن تعترض الحركة الإسلاميةوترفض اتفاقية الجلاء، وكان هذا موقفا صحيحا للحركة الإسلاميةفي مصر وإدراكا واعيًا لطبيعة التحديات في المرحلة المقبلة. وكان من الطبيعي أن يحدث صدام بين حركة إسلامية هي ضمير الأمة وخمير النهضة وطليعة الجماهير، وبين ثورة مزيفة جاءت لإجهاض جنين الثورة الحقيقية والتمهيد للنفوذ الأمريكي والتوسع الإسرائيلي، وبدلا من أن تبادر الحركة الإسلامية فتمسك بزمام المبادرة ترددت مرة أخرى وأضاعت الفرصة الثانية وقامت الثورة المزيفة بالتالي والمدعومة أمريكيا وإسرائيليا بامتلاك زمام المبادرة، فوجهت أقسى أنواع الضربات والقمع تجاه الحركة الإسلامية في 1954 ، 1957 ، ولكن الرحم المصري الإسلامي الخصب أفرز حركة إسلامية أو قل أنه برغم غياب الإسلاميين جميعا على أعواد المشانق أو خلف جدران السجون، خرج زرع جديد من البذور تحت التربة وهي البذور التي لا يمكن اجتثاثها لأنها في أعماق التاريخ والجغرافيا والتربة المصرية، وهكذا تجمعت مجموعة من الشباب معظمهم تحت سن الثلاثين حول المرحوم الشهيد عبد الفتاح إسماعيل .

وتشكل منهم تنظيم 1965 ( 108 ) واتخذ هذا التنظيم من الشهيد سيد قطب مرشدا فكريا، وشاء الله أن ينكشف هذا التنظيم، ويتعرض لعملية إبادة أمنية طالت عناصر التنظيم وطالت معهم كثيرين جدا من عناصر الحركة الإسلاميةعموما، رغم عدم مشاركة هؤلاء في هذا التنظيم، ولكن ظهور هذا التنظيم جعل الإسلام يين يدركون أن رحم الأمة خصب، وأن الحركة الإسلامية تضرب بجذورها في التربة المصرية بحيث إنه من المستحيل اجتثاثها، وجعل القوى الشيطانية تشعر بالخوف والاستفزاز لأنها ظنت أنها قضت على خميرة النهضة وطليعة الأمة فإذا بالأمة تنجب وليدا جديدا، وإذا بالخميرة تعمل رغم قسوة الظروف.

وتصاعدت في تلك الفترة عمليات القمع والتعذيب للإسلاميين وأهلهم وكل من يمت إليهم بصلة، ووصل الأمر إلى حد الجنون فعلا في المطاردة والتعذيب وإصدار الأحكام، كما تعرض الإسلام لحملة تشويه واسعة في الصحافة والإعلام الحكومي، الأمر الذي أدى بالعديد من أبناء الحركة الإسلامية داخل السجون إلى التصرف بصورة رد الفعل التلقائي، فبدأ الحديث عن تكفير الحاكم أو تكفير المجتمع أو أحكام الجاهلية أو العزلة الشعورية أو المفاصلة. وبصرف النظر عن التكييف الفقهي لهذه القضايا، فإنها في النهاية تمثل تجاوزًا وإغفالا للتحديات التي تواجهها الأمة، وانزلاقا بطليعة هذه الأمة وخميرة نهضتها إلى مفهوم الفرقة الدينية، وهو أمر يعزلها عن أمتها ويعزلها عن مواجهة تحديات الأمة التاريخية وكان من الطبيعي أن يحدث خلاف واستقطاب حول هذه القضايا التي نرى أنها رد فعل للسجن والتعذيب والإزهاق النفسي في السجون، على أي حال نشأ في ذلك الوقت ما يسمى بتيار القطبيين، وهذا التيار بدوره انقسم إلى عدة تيارات وكفر بعضه بعضا في النهاية ( 109 ) وهكذا فإن إغفال التحديات التي تواجهها الأمة وعدم إدراك الظرف التاريخي وعدم الأخذ في الاعتبار أننا في حالة هزيمة حضارية وأن المنحنى الإسلامي في حالة هبوط، وأن المطلوب إيقاف الهبوط في هذا المنحنى ومحاولة إحداث انقلاب فيه، وأن الأمة كلها – وليس قطاع منها – مسئولة عن إحداث هذا الانقلاب في المنحنى والصعود مرة أخرى، وإدراك طبيعة التحدي الأمريكي والإسرائيلي وغيرها من القضايا التي لو تجاوزناها، لتجاوزنا في الحقيقة الشرط الأول للاجتهاد، وهو دراسة الواقع، ولانزلقنا في أخطاء تقود في النهاية إلي الانزلاق إلى العزلة والتحول إلى فرقة دينية، وفي الحقيقة فإن قيادة الإخوان قد واجهت الأمر، وأصرت على موقفها المبدئي من أنها حركة نهضة وتحرر ومواجهة التحديات، وكتب الأستاذ المرشد حسن الهضيبي بحثا تحت عنوان " دعاة لا قضاة "، اضطر فيه إلى مناقشة هؤلاء بأسلوبهم وصحيح أنه أثبت عدم صحة نظرية التكفير من أساسها من الناحية الفقهية واستنادا إلى النصوص، إلا أن أسلوب البحث كرس الاستقطاب ( 110 )، حيث راح الطرف الآخر يبحث في النصوص وبعضها يحمل تأويلات مختلفة عما يثبت صحة نظره، وكان الأجدى والأفضل لفت نظر هؤلاء إلى أننا لسنا فرقة دينية ولا مذهبا فكريا ولسنا دعاة ولا قضاة بل حركة نهضة وتحرر وطليعة للأمة لمواجهة التحديات وبقدر الإصرار على هذا المفهوم، وبقدر العمل الدائب على مواجهة التحديات تتلاشى مثل تلك الأفكار وتنشغل الحركة ببحث أساليب التحدي والمواجهة ودراسة الواقع ومعرفة العدو واستخدام التكتيك الملائم.

على أي حال ظهر أيضا في ذلك الوقت تيار التكفير والهجرة على يد شكري مصطفى ( 111 ) وكان شكري مصطفى قد انحاز في الخلاف الذي دار في ذلك الوقت حول قضايا التكفير والجاهلية والمفاصلة والعزلة وغيرها إلى التيار القطبي ثم بدأ يتطور بصورة مستقلة خاصة بعد تخلي العديد من القطبيين عن آرائهم ورجوعهم إلى الصفوف الفكرية للجماعة، وأخذ شكري يقرأ في الكتب القديمة والحديثة ويصل إلى نظرية متكاملة تقوم حول رفض الاجتهاد، والأخذ بالحديث مباشرة على طريقة المذهب الظاهري لمؤسسة ابن حزم وضرورة الهجرة ونظرية التوسمات التي تقوم على دراسة الأحاديث الخاصة بآخر الزمان، ومن خلالها تصور شكري أنه لابد أن يهاجر هو وجماعته وأنهم وحدهم المسلمون وأن النصر سيكون حليفهم في النهاية وسيعود شكري بنفسه ليقود جماعته نحو النصر، وتطورت الأحداث فيما بعد إلى أن تم إعدام شكري وهو الذي بشر جماعته بأنه لن يعدم وأنه سيقودهم إلى النصر لأنه هكذا فهم أحاديث آخر الزمان التي تنطبق عليه وعلى جماعته من خلال نظرية التوسمات، وكان إعدام شكري هزة عنيفة لمصداقيته ولجماعته، فانشقت إلى عشرات الجماعات وأصبح هؤلاء يكفرون بعضهم بعضا وظهرت أسماء مثل جماعة تكفير التكفير، والتوقف والتبين وغيرها، وعلى أي حال فكل هذه الأفكار اضمحلت أو في طريقها إلى الاضمحلال.


كان واقع التعذيب والسجون والقسوة والوحشية والهجوم الإعلامي الضاري على الإسلام وعلى الحركة الإسلامية سببا إذن في ظهور بعض الأفكار التي تتجه بأصحابها نحو مفهوم الفرقة الدينية، ورغم تلمسنا العذر لأصحابها نظرا لما كانوا يعانونه ورغم أننا نؤكد إخلاص هؤلاء، إلا أن ذلك كان ضيق أفق، وتجاوزا للمهمة الصحيحة للحركة الإسلاميةوهي أنها طليعة للأمة وخميرة للنهضة ومواجهة التحديات، وبقدر الإصرار والتمسك بتلك المهمة تقل الأخطاء وتكثر الإيجابيات والعكس صحيح تماما. كان الإسلاميون إذن يعانون من المطاردة والسجون والتعذيب وكان الإسلام يتعرض لحملة قاسية من الإعلام الناصري، ولكن رغم ذلك كانت البذور تحت التربة تعمل رغم قسوة الظروف وفي غياب شبه كامل للعناصر الإسلاميةالقديمة، ظهر جيل جديد من الإسلاميين بفضل مباشر من الله تعالي، وكنوع من التأكيد على أن حركة النهضة الإسلاميةليست مرتبطة بهذا الشخص أو ذاك أو هذه المجموعة أو تلك وأن الإسلام في مصر خصب وقادر على العطاء في كل الظروف، ظهرت إذن مجموعات كثيرة من الشباب الجامعي، تحمل الفكرة الإسلاميةوراحت تلتمس طريقها بنفسها وتطورت تطورًا كبيرًا بحيث أصبحت تغطي كل الواقع المصري تقريبا، وأصبح أمامنا الآن جيل جديد من الإخوان المسلمين وجيل جديد من الجهاد والجماعة الإسلاميةوالخلاف بينهما في رأينا لا يعدو أن يكون خلافًا في التكتيك السياسي والأولويات، وهذا خلاف محمود طالما ظل في هذا الإطار وطالما تمت إدارة الخلاف بالحكمة والتمسك بآداب الحوار وآداب العمل السياسي الإسلامي وطالما كان هناك نبل المقصد وإخلاص النية. وفي الواقع الإسلامي متسع للجميع، وعلى أي حال فإن هذا الجيل قد أدرك التحديات وواجهها بالفعل وما زال حتى اليوم يحمل أعباء مواجهة هذه التحديات.

فأما حركة الجهاد الإسلامي، فترجع بدايتها الأولى إلى عام 1958 على يد نبيل البرعي، وتطورت إلى خلية تنظيمية عام 1960، ونشأت في تلك الفترة العديد من الخلايا منبثقة من الخلية الأولى أو بصورة مستقلة عنها.

ونستطيع أن نحدد عددا من المحطات الأساسية في تطور جماعة الجهاد منها تنظيم الفنية العسكرية عام 1973 الذي حاول القيام بانقلاب عسكري على السادات في ذلك الوقت ومنها تنظيم يحيى هاشم. وفي هذا الإطار يجب أن تذكر مشاركة عناصر من تلك الجماعة بقيادة علوي محمد في معركة الثغرة بالدفرسوار سنة 1973 الأمر الذي أدى إلى انخراط عدد من العسكريين في الجماعة، وهم الذين تحولوا إلى الجناح العسكري فيما بعد بقيادة عصام الأمري، وشهدت السبعينيات العديد من القضايا الخاصة بتنظيم الجهاد وانتهى الأمر إلى رافدين هما رافد محمد عبد السلام فرج و رافد سالم الرحال اللذين شاركا في أحداث 1981 .

أما الجماعة الإسلامية فقد نشأت أساسا في جامعات الصعيد من خلال تململ بعض كوادرها الجامعية من أسلوب الإخوان المسلمين في النضال الذي عدوه هادئا وبطيئا، ويمكننا أن نلمس بداياتها الرسمية بدءًا من عام 1978 ، حيث أصبح اسم الجماعة الإسلامية متميزًا عن اسم الإخوان المسلمين الذين كانوا يستخدمون نفس الاسم في بياناتهم حتى عام 1978 ، وخاصة داخل الجامعات، ثم بدءوا يستخدمون اسم الإخوان المسلمين مباشرة فيما بعد، وفي هذا العام 1978 قامت عناصر الجماعة الإسلامية بالسيطرة على اتحاد طلاب جامعة أسيوط حيث قاموا بعزل أمين الاتحاد الموالي للإخوان المسلمين " أسامة سيد " وأحلوا بدلا منه ناجح إبراهيم من الجماعة الإسلامية، وبدأ نفوذ الجماعة يصل إلى خارج الجامعة في الصعيد وكذلك إلى جامعات القاهرة و الإسكندرية والوجه البحري عموما، وكذلك إلى العديد من المدن المصرية، وتطورت الجماعة إلى أن أصبحت تمثل تيارًا كبيرا بقيادة الدكتور عمر عبد الرحمن و كرم زهدي و ناجح إبراهيم ، وقد شاركت تلك الجماعة في أحداث 1981 ( 112 )

وفي الواقع فإن أفكار الجماعة الإسلامية و الجهاد تمثل في هيكلها الأساسي مشروعا للنهضة والتحرر ومواجهة التحديات، وإن كانت تحمل بعض التأثيرات والأفكار الانعزالية، إلا أن ممارسة العمل السياسي والاحتكاك والنضال خلصها من الكثير من تلك الأفكار الانعزالية وأضافها بصورة إيجابية على مجمل حركة النهضة الإسلامية، وما زال أمامها أيضا المزيد من التطور الذي تتوقعه في هذه الاتجاه، وهذا لا يمنع من أنها تمارس بعض الأخطاء وبها بعض العيوب، إلا أنها أخطاء في النهاية تقع في خانة الخطأ السياسي وليس من نوع الأخطاء المروعة التي تؤدي إلى التحول إلى فقرة دينية وتجاهل الواقع والتحديات وفي إطار مواجهة التحديات مثل التحدي الصهيوني. فإن أحد أسباب اغتيال السادات التي قامت به جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية سنة 1981 كانت على حد قول أعضائها في التحقيقات بسبب خضوعه للأمريكان وتوقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل ( 113)

يقول خالد الإسلام بولي في التحقيقات " أنه قتل السادات لأن السادات لم يطبق شرع الله وتصالح مع اليهود وقبض على علماء المسلمين "

ويقول في رسالة تركها لأهله قبل عملية الاغتيال "إننا عقدنا العزم على قتل فرعون مصر لعل الله ينقذها من الضياع في مصادقة الصهاينة " .

وقد عبرت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد دائما عن موقف ثابت من قضية فلسطين يتفق مع الموقف المبدئي الذي تتخذه الحركة الإسلامية عموما من تلك القضية وهو التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين الأولى، وأنه لا حل هناك إلا الكفاح المسلح ورفض مسيرة السلام والخنوع وتأييد الشعب الفلسطيني في كل المناسبات، وقد نظمت الجماعة الإسلامية في الجامعات وفي خارجها العديد من الندوات والمظاهرات والمهرجانات ووزعت العديد من البيانات تأييدًا للشعب الفلسطيني أو شجبا لممارسات إسرائيل أو رفضا لمؤتمرات السلام أو فضحًا للعلاقة بين إسرائيل والغرب وأمريكا أو انتقادًا لسكوت الحكومات العربية.

وكان موضوع القضية الفلسطينية يأتي دائمًا على رأس اهتمامات مجلة صوت الحق، ومجلة الخلافة وغيرها من المجلات التي توزع سرا وتنطق باسم الحركة، ففي العدد الثالث من مجلة الخلافة مثلا نجد أن الكلمة الافتتاحية تحت عنوان فلسطين المسلمة جاء فيها " انتفض الشعب الفلسطيني المسلم في الأرض المحتلة معبرًا عما في عقيدته من حب الجهاد في سبيل الله بعد أن سقطت جميع الأقنعة وانكشفت الستائر وظهرت السرائر واضحة جلية من إفلاس الأنظمة العربية ونفاق منظمة التحرير الفلسطينية... " وتمضي الكلمة لتقول " إن المجاهدين الفلسطينيين مضوا في طريقهم يجاهدون في سبيل الله حتى يكتب الله النصر أو الشهادة " ( 114 )

وفي مقال آخر لنفس المجلة " إن قضية فلسطين ليست قضية شعب وأرض فقط وإنما هي قضية أمة المسلمين جميعا " كما تتكرر في مقالات المجلة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تقول " بوقوع القتال بين المسلمين واليهود قبل قيام الساعة، وكذلك الآيات القرآنية التي تتحدث عن الإفساد الإسرائيلي ومواجهة المسلمين له " ( 115 )

في مواجهة الاختراق الأمريكي الصهيوني

لعبت الحركة الإسلامية عموما، و الإخوان المسلمون خصوصا دورا هاما في مواجهة تحديات المرحلة التي تبلورت في ازدياد النفوذ الأمريكي في مصر وشروط صندوق النقد الدولي، ومحاولات الاختراق الأمريكي الصهيوني ل مصر وتفكيكها وزرع الفتنة الطائفية في ربوعها وغيرها من التحديات، ومنذ أن ظهرت الأجيال الجديدة من الإخوان المسلمين في السبعينيات وانتشارها وتزايدها في الثمانينيات وسيطرتها على النقابات المهنية كالأطباء والصيادلة والمهندسين.. وغيرها فإن تلك القوى تلعب دورا هاما في التصدي لتلك التحديات.. وبداية فإن الإخوان المسلمين قد وقفوا الموقف الطبيعي والمبدئي للحركة الإسلاميةتجاه الصلح مع إسرائيل، فقد رفض الإخوان المسلمون هذا الصلح، ونددت مجلة الدعوة الناطقة بلسانهم بذلك الصلح وحذرت من مخاطره ويحكي الأستاذ عمر التلمساني في كتابه ذكريات لا مذكرات قائلا " لقد أبينا على السادات معاهدة كامب ديفيد، منذ أن بدأت نذر شؤمها في الآفاق أنكرنا عليه مبادرة القدس ، ولم ينكرها عليه أحد في مصر إذ ذاك، وأنكرت عليه وثيقتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام أنكرنا كل هذا في جرأة وشجاعة ووضوح ورمانا كتابه السياسيون بالأمية السياسية وكراهية السلام، لقد وقفنا في وجه التطبيع وذكرت في إحدى افتتاحيات مجلة الدعوة أن التطبيع شر كله، وقدمت ما يزيد على العشرين سببا لذلك" ويضيف عمر التلمساني " إن الإسلام يرفض أن يعترف المسلم لغير المسلم باغتصابه أرضا مسلمة، لأنه إذا ديست أرض المسلمين وجب على كل مسلم ومسلمة أن يخرجوا للجهاد حتى المرأة بغير إذن زوجها والعبد بغير رضاء سيده"

وفي مواجهة التحدي الأمريكي يرى الأستاذ عمر التلمساني ، أن أمريكا تمثل حربًا صليبية جديدة على الإسلام ، وإذا كانت الحروب الصليبية القديمة انتهت منذ تسعة قرون فإنها بدأت الآن وبطرق غير الطرق المألوفة، وأمريكا لا هدف لها إلا القضاء على الدعوة الإسلامية الداعية إلى التحرير السياسي والفكري والاقتصادي " ( 116 )

ويحذر الأستاذ عمر التلمساني من محاولة احتواء الإسلام وجعله إسلاما على الطريقة الأمريكية – قائلا " إن أعداء الإسلام يسعون إلى احتواء الدعوات الإسلامية لتجعلها إسلاما أمريكيًا أو شيوعيا " ( 117 ) ويحدد عمر التلمساني طبيعة الحركة الإسلامية في أنها دعوة إيقاظ وإنهاض قائلا " ستظل دعوة الإخوان المسلمين تنفخ في بوق الحياة حتى يتحرك كل خامل ويستيقظ كل نائم ويجد كل كسول " ( 118 )

ومن ناحية أخرى فإن النقابات المهنية التابعة للإخوان المسلمين مثل الأطباء والصيادلة والمهندسين وغيرها قامت بمجهود كبير في التصدي للاختراق الأمريكي والإسرائيلي، وتأييد قضايا العرب والمسلمين وخاصة القضية الفلسطينية، فقد أصدرت النقابات قرارًا إلى أعضائها بالامتناع عن زيارة إسرائيل وعدم التعاون مع إسرائيل بأي شكل من أشكال التطبيع وهددت من يخرج على ذلك بالشطب من عضوية النقابة التابع لها وكان لهذا القرار أثر كبير في تقليل حجم التطبيع وتقليل آثاره السلبية، كما اهتمت تلك النقابات بإصدار البيانات، وعقد المؤتمرات وإقامة المهرجانات التي تشرح طبيعة القضية وتكشف التحالف الأمريكي الإسرائيلي وكذلك ازدواج المعايير الأمريكية و الغربية، وكذلك تأييد الشعب الفلسطيني وشجب ممارسات إسرائيل، كما قدمت تلك النقابات من خلال لجنة الإغاثة الإنسانية العديد من الدعم العيني والمادي للشعب الفلسطيني.

كما قامت تلك النقابات بتنظيم الدراسات والأبحاث التي تستهدف تحرير الاقتصاد المصري والمحافظة على السوق المصرية ودعم الصناعات الوطنية في القطاعات المختلفة وخاصة في قطاعات الدواء والقطاعات الهندسية المعمارية والميكانيكية، وعمدت على إحلال خامات محلية وأساليب محلية في الأعمال الهندسية للتخلص من النفوذ الأمريكي والغربي.

ونجحت نقابة المهندسين في إنشاء تجمع هندسي يجمع المهندسين من مختلف البلاد الإسلامية، وهو اتحاد المنظمات الهندسية في العالم الإسلامي وذلك لتبادل الخبرات والسير بالعلوم الهندسية في اتجاه يخدم الصناعة الوطنية ويقطع خيوط التبعية للغرب وأمريكا في تلك المجالات.

ومن ناحية ثالثة لعبت صحف التحالف الإسلامي مثل الشعب، ولواء الإسلام والمختار الإسلامي وغيرها دورا كبيرا في فضح الآثار الخطيرة للتطبيع مع إسرائيل ونبهت إلى أن إسرائيل تستخدم هذا التطبيع في عمليات التجسس والتخريب، وتهريب المخدرات إلى مصر وكذلك نشر الإيدز والانحلال الخلقي في الشعب المصري وكذلك ضرب اقتصاده عن طريق تهريب العملات المزورة وإفساد البيئة وتدمير المنشآت الحيوية مثل الشُعب المرجانية والمحميات الطبيعية، وكذلك ما فعلته إسرائيل بخصوص تسريب بذور مريضة للقضاء على الزراعة المصرية، واهتمت تلك الصحف أيضا بإبراز ممارسات إسرائيل القمعية والاهتمام بأخبار الانتفاضة الفلسطينية، وإثبات وتعرية المواقف الأمريكية والغربية المزدوجة تجاه القضية الفلسطينية ، كما نبه التحالف الإسلامي دائما من خلال اجتماعاته وندواته وصحفه على خطورة شروط صندوق النقد الدولي والضغوط الأمريكية بشأن تصفية الصناعات الوطنية، وربط السوق المصري بالسوق العالمي الخاضع للغرب وأمريكا، وكذلك إفساد الزراعة المصرية بالقضاء على المحاصيل الغذائية والتقليدية كالقمح و الشعير والذرة والقطن والقصب واستبدالها بالسلع الكمالية كالتفاح والكنتالوب والفراولة، وهو الأمر الذي يهدد بخضوع غذاء الشعب للتحكم الأمريكي والأجنبي يهدد بخضوع السوق الزراعية المصرية لتعليمات السوق العالمية الخاضعة للتوجيه السياسي والاقتصادي للغرب وأمريكا وحظي يوسف والي بنصيب الأسد من هجوم صحف التحالف عليه لضلوعه وتنفيذه لتلك المؤامرة من خلال عمله كوزير للزراعة في مصر.

كما حذرت النقابات المهنية وصحف التحالف على حد سواء من سرقة إسرائيل المياه وخطورة قضية المياه على المستقبل، ونظمت نقابة المهندسين على سبيل المثال ثلاث دورات بحثية حول هذه القضية معتبرة أننا بصدد ما يسمى بحرب المياه.

في مواجهة الفتنة الطائفية

عرفنا أن تفكيك مصر اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وجغرافيا هدف أمريكي وإسرائيلي ثابت، لأن مصر القوية ومهما كان موقفها من إسرائيل ستظل عقبة في طريق إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وهكذا فإن مصر مستهدفة إسرائيليا وأمريكيا للإضعاف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وتأتي الفتنة الطائفية كسلاح خطير يستخدمه الغرب وإسرائيل في تحقيق هذا الهدف، وكان الدكتور حماد ربيع قد نشر وثيقة أوضحت أن إسرائيل ضالعة في إحداث فتنة طائفية في مصر بهدف إقامة ثلاث دويلات في مصر إحداها للمسلمين في الوجه البحري والأخرى للأقباط في الصعيد والثالثة في النوبة وتستخدم إسرائيل وأمريكا لهذا الغرض جيشا من الجواسيس والعملاء تحت ستار البحوث المشتركة، وكذلك تستخدم عددا كبيرا من الكتاب والصحفيين والأحزاب العلمانية التي تقوم بإذكاء نيران الفتنة الطائفية عن طريق تجسيم الحوادث والنفخ فيها وإظهار الأقباط بمظهر المعتدى عليه والمضطهد، لدفعهم كأقلية باتجاه العزلة وكذلك إخراجهم عن موقفهم التقليدي في الحفاظ على وحدة الوطن والانتماء إلى الإسلام كحضارة ووطن وهو المبدأ الذي جسده مكرم عبيد بقوله " إنني مسلم وطنا مسيحي دينا "

ولا شك أن التصدي لأخطار الفتنة الطائفية يعد من أهم التحديات التي تواجهها الحركة الإسلامية في هذه المرحلة، وقد قام الإخوان المسلمون وكذا النقابات والكتاب الإسلاميون وصحف التحالف بالتصدي لهذا الخطر أولا بأول، مؤكدة على العلاقة التاريخية بين المسلمين والأقباط ومؤكدة على الأصابع الأمريكية والإسرائيلية وراء تلك الأحداث الطائفية وفاضحة للمخطط العلماني وخاصة في حزب التجمع وصحيفة الأهالي في إذكاء نيران الفتنة الطائفية تحت ستار الدفاع عن الأقباط، وعلى سبيل المثال نجد أن النقابات المهنية مثل المهندسين والأطباء قد نظمت اللقاءات بين مسلمين وأقباط لدرء هذا الخطر والتأكيد على الوحدة الوطنية، كما كرمت العديد من الرموز القبطية وأبرزت ذلك لإثبات أنه لا طائفية هناك في الحركة الإسلامية، وكذلك شارك العديد من المفكرين الأقباط الشرفاء في النشاطات الفكرية التي تنظمها تلك النقابات مثل ندوة "التحيز " التي نظمتها نقابة المهندسين بالاشتراك مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي وشارك فيها من الرموز القبطية د. رفيق حبيب، د. نبيل مرقص ، وكذلك نجد صحيفة الشعب تفسح صفحاتها للمفكرين الأقباط أمثال جمال أسعد و رفيق حبيب وغيرهما، كما قام التحالف الإسلامي بترشيح عدد من الأقباط على قوائمه في انتخابات 1987 مثل الأستاذ جمال أسعد وكذا على قوائمه في انتخابات المحليات لسنة 1992. وفي برنامج النقاط العشر للتحالف الإسلامي المنشور سنة 1987 وكذا في البرنامج الانتخابي لانتخابات المحليات سنة 1992 نجد التأكيد على الوحدة الوطنية وأن الأقباط جزء لا يتجزأ من الحضارة الإسلاميةوشركاء كاملون في الوطن والحضارة والثقافة، وفي البيانات الرسمية، أو افتتاحيات الصحف التابعة للإخوان أو في أقوال المرشد نجد التأكيد دائما على تلك المعاني وقطع دابر الفتنة الطائفية، ففي افتتاحية مجلة لواء الإسلام عدد رمضان الموافق أبريل 1990 كتب المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ حامد أبو النصر قائلا " على مدى قرون تعرضت مصر لأكثر من محنة وأكثر من فتنة ووقف أبناؤها قبط ومسلمون جميعا صفا واحدا وفي خندق واحد يواجهون الأعداء، فخلال الزحف الصليبي والزحف التتري والزحف الفرنسي والحملة الإنجليزية والاحتلال البريطاني كان المسلمون والأقباط يكافحون كل ذلك ويؤكدون على دورهم الحضاري الأصيل، وأنه طوال انشغالنا بالعمل الإسلامي من خلال الإخوان المسلمين ، وجدنا جماعة الإخوان من خلال فهمها الدقيق للإسلام تجمع ولا تفرق وتؤكد على الحب والود بين الأقباط والمسلمين "

وفي تعليق لمجلة لواء الإسلام على أحداث الفتنة الطائفية أشارت إلى الأصابع الصهيونية التي تريد زرع الفتنة في مصر وأن مسلسل الأحداث يؤكد أن مصر في ظل التطبيع مع اليهود تتعرض لأساليب جديدة ودنيئة في الهدم والتخريب " ( 119 )

وقد أصدر الإخوان المسلمون بيانا بمناسبة أحداث أبو قرقاص في مارس 1990 نددوا فيه بالفتنة الطائفية واتهموا فيه الأصابع الصهيونية بأنها الفاعل الحقيقي لها، وأهابوا بأبناء الأمة أن يعضوا بالنواجذ على وحدتهم الوطنية وأن يتحد المسلمون والأقباط في خندق واحد في وجه أعداء الوطن " ( 120 )

وكتب الأستاذ عادل حسين رئيس تحرير جريدة الشعب الناطقة بلسان التحالف الإسلامي مقالا دعا فيه إلى الالتقاء بين المسلمين والأقباط على أرضية الانتماء للحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية وحذر من هؤلاء الذين يريدون جر الأقباط إلى خندق التغريب والتبعية ومعاداة المشروع الحضاري للأمة " ( 121 ) وفي نفس الإطار كتب الأستاذ صلاح عبد المتعال عضو التحالف الإسلامي مقالا في جريدة الشعب تحت عنوان " المسلمون والأقباط شعب واحد " يدعو فيه إلى الوحدة، ويرى أن الفتنة من صنع الاستعمار والصهيونية وأن مصر الإسلاميةلم تر المنازعات الطائفية إلا منذ ظهور الاستعمار ( 122 )

الفصل الرابع : الحركة الإسلاميةفي مصر و القضية الفلسطينية

فرق كبير جدا بين الموقف الشعبي المصري من الكيان الصهيوني وبين الموقف الحكومي أو الرسمي، ذلك أن الموقف الشعبي المصري تحكمه العقيدة والوجدان أما الموقف الحكومي فتحكمه مجموعة من العوامل والمعادلات مختلفة تماما.

وبديهي أنه ما دامت الحكومات المصرية المتعاقبة- على اختلاف توجهاتها السياسية والاجتماعية – لم تخرج من رحم الشعب المصري بطريقة شرعية، أي لم يتم اختيارها بحرية، بل فرضت فرضا على ذلك الشعب واغتصبت السلطة بطريقة أو بأخرى، أي أنها في النهاية لم تكن تعبيرا عن هذا الشعب ولا ممثلة له فإن علينا أن نتوقع اختلافا جذريا في النظرية والسلوك تجاه الكيان الصهيوني وسوف نتتبع في إيجاز بعض جوانب الكفاح الشعبي المصري ضد الكيان الصهيوني مع الأخذ في الاعتبار أن هذا موضوع كبير وثري ولا يمكن أن يحيط به جهد باحث ولا دفتا كتاب.


منهج لفهم الصراع

الصراع مع الكيان الصهيوني، صراع حضاري يمتد في الزمان والمكان. وهو جزء من ذلك الصراع الطويل والممتد بين الحضارة الإسلامية بما تمثله من حق وعدل وتوحيد والحضارة الغربية بما تمثله من قهر ونهب ووثنية. ذلك أن الإسلام – باعتباره الدين الخاتم، ومنهج الله تعالى للبشر لإقامة عالم بلا ظلم ولا استكبار ولا وثنية – دخل في صراع طويل وقاس مع مختلف المنظومات الحضارية في العالم واستطاع أن يبسط هيمنته وظلاله الوارفة عليها وأن يحسم الصراع لصالحه في أجزاء كثيرة من العالم في ذلك الوقت في آسيا حتى الهند والصين وسيبيريا وفي أفريقيا وفي أجزاء من أوروبا ذاتها.

وإذا كانت الحضارات القديمة مثل الفارسية والهندية والصينية وغيرها قد خضعت للنفوذ الحضاري الإسلامي، وأصبحت شعوب تلك البلاد جزءا لا يتجزأ من المنظومة الحضارية الإسلاميةدينيًا وثقافيًا أو ثقافيًا فقط، فإن الحضارة الغربية وحدها هي التي صمدت حتى الآن واستعصت على الخضوع. وهكذا فإن الصراع بين الحضارة الإسلاميةوبين الحضارة الغربية شغل مساحة واسعة جدا في التاريخ والجغرافيا منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم ففي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ هذا الصراع من خلال اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال الرسائل إلى هرقل الروم يدعوه فيها إلى الإسلام وكذلك في غزوة تبوك، ثم إصرار الرسول صلى الله عليه وسلم على بعث أسامة بن زيد، وحتى في مرض الموت ظل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول من وقت لآخر أنفذوا بعث أسامة، أنفذوا بعث أسامة، وهو الأمر الذي وفى به خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، واستمر الصراع أثناء حكم الخلفاء الراشدين مع الدولة البيزنطية في الشام وشمال أفريقيا ثم في أثناء الحكم الأموي والعباسي في الشام وشمال أفريقيا وجزر البحر الأبيض المتوسط والأندلس حتى جنوب فرنسا. ثم أخذت أوروبا المبادرة وقامت بالهجوم في الشرق من خلال الحملات الصليبية 10971295 وقبل الحملات الصليبية على الشرق وفي أثنائها وبعدها استمر الصراع في الأندلس وشمال أفريقيا، وتعرضت بلاد المغرب العربي عموما والجزائر خصوصا لعشرات الحملات الصليبية قبل سقوط الأندلس وبعدها من شتى دول أوروبا " البرتغال – أسبانيا – فرنسا – انجلترا وغيرها ". ومع صعود الدولة العثمانية استطاعت تلك الدولة الفتية أن تمد حدود الإسلام داخل أوروبا حتى أسوار فيينا وقضت تمامًا على الدولة البيزنطية وفتحت القسطنطينية 1453 م ثم خاضت صراعا طويلا دفاعا عن الإسلام ضد أوروبا في الشرق والغرب، ومع ضعف وتفكك الدولة العثمانية استطاعت أوروبا أن تستعيد المبادرة مرة أخرى وأن تشن على العالم الإسلامي حملات متواصلة انتهت بسقوط معظم دول العالم الإسلامي في قبضة الاستعمار الأوروبي. ومع تصاعد حركات الكفاح الإسلامي الشعبي ضد الاستعمار، استخدم الاستعمار الأوروبي تكتيكا جديدا في الصراع، ألا وهو استخدام الحلم اليهودي في إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين لتحقيق هدفين في نفس الوقت، الأول هو استخدام اليهود وأموالهم وأطماعهم التاريخية في الصراع ضد العالم الإسلامي بهدف القضاء عليه أو إضعافه على الأقل، والثاني هو التخلص من اليهود كنفاية بشرية غير مرغوب فيها في أوروبا وأمريكا.

وهكذا فإن الصراع مع الكيان الصهيوني ليس إلا حلقة من حلقات الصراع الطويل والمتميز بين الحضارة الإسلاميةوالحضارة الغربية، وهو صراع بين التوحيد والوثنية، بين الحق والباطل، بين العدل والنهب، وبديهي أنه صراع لا يمكن حسمه إلا بسيادة حضارة على حضارة، وسوف تسود الحضارة الإسلامية بإذن الله، لأنها حضارة الحق، والحضارة الغربية ، التي هي وثنية إغريقية في جوهرها لم تفتأ تحاول منذ أمد طويل القضاء على الحضارة الإسلامية، وما إقامة إسرائيل إلا جزء من هذا الصراع الطويل، ومادام الأمر كذلك فإن علينا أن ندرك أن الصراع سيستمر ويتشعب بهدف إنهاء الحضارة الإسلاميةوعلينا بالطبع انطلاقا من ذلك أن نعمل لحسم الصراع لصالح الإسلام وإدراك أننا لسنا في صراع مع اليهود وحدهم بل مع الحضارة الغربية برمتها، وبالتالي فإن الحديث عن المفاوضات أو الحلول الوسط، أو استخدام المنطق ومخاطبة الضمير الغربي والأمم المتحدة أو اللعب على التناقضات الدولية والتوازنات الإقليمية وغيرها ما هو إلا ضياع للوقت وتشتيت للجهد، لأنه مادام الصراع هو حلقة من حلقات صراع طويل وممتد مع الحضارة الغربية فلا أمل في مخاطبة الضمير الغربي – لأنه بلا ضمير أصلا – ولأنهم الأعداء الأصليون أيضا، و لا أمل بالطبع في الأمم المتحدة لأنها صناعة غربية ولا أمل إلا في استخدام قوانا الذاتية من أجل حسم الصراع لصالحنا.

ومادام الصراع صراعا حضاريا – يمتد في التاريخ والجغرافيا – ويستهدف وجودنا ذاته فليس هناك إذن أي هامش للاتفاق أو المفاوضات أو الحلول الوسط، فإما نحن وإما هم، إما حضارتنا وإما حضارتهم إما سيادة التوحيد أو سيادة الوثنية.

يجب علينا أن نستعد لصراع طويل وقاسٍ وألا نقع في وهم المفاوضات أو إمكانية الحصول على بعض حقوقنا من خلال المساومة، فليس هناك طريق إلا البندقية وليس هناك بديل للصراع.

والنبوة القرآنية ذاتها، تؤكد هذه الحقيقة ولا تدع مجالا للشك حولها باعتبار القرآن صدقا مطلقا لأنه من عند الله تعالى .

يقول الله تعالى في سورة الإسراء ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا، إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا، عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) صدق الله العظيم

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الفرقد فإنه من شجر اليهود " رواه الشيخان البخاري ومسلم

نلاحظ إذن أن هناك منهجين في مواجهة الكيان الصهيوني، المنهج الأول هو منهج العلماء والجماهير، وهذا المنهج يرى أن الغزوة الصهيونية ما هي إلا حلقة من حلقات الصراع التاريخي بين القوى الربانية والقوى الشيطانية – المتمثلة هذه المرة في الاستعمار والصهيونية – ويدرك أبناء هذا المنهج أن حضارة الأمة ووجودها هو المستهدف هذه المرة تمهيدًا لتصفية الكيان الحضاري لأمتنا وتوجهاتها الربانية في تحرير العالم وبالتالي فإن الصراع يمتد في الزمان والمكان ليأخذ أبعادًا عميقة ودرامية عبر التاريخ كله وعبر العالم بأسره، ومن هنا فإن التناقض لا يمكن حله إلا عبر المسلح طويل المدى – لإنهاء الحقبة الاستعمارية بكاملها وتدمير الكيان الصهيوني تماما وبلا أدنى فرصة في اللقاء على أية أرضية كانت.

ويؤمن أبناء هذا المنهج، أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، وأن العقيدة الإسلاميةوحرب التحرير الشعبية طويلة المدى هي الحل لهذه القضية.

أما أصحاب المنهج الثاني – وهو منهج الحكومات والوجهاء والأحزاب العلمانية – فإنه منهج المفاوضات والحلول الوسط، وأصحاب هذا المنهج يخافون على مصالحهم الضيقة ويبحثون عن صيغة اتفاق مع الكيان الصهيوني تحقق للطرفين مصالحهما، وهم لا يجدون مبررا لمواجهة إسرائيل مواجهة شاملة ويرون إمكانية التعايش معها لأنهم إما وجهاء يخافون على مصالحهم أو علمانيون لا يجدون في عقيدتهم مبررًا للمواجهة الشاملة لأنهم إفراز لنفس الشيء الذي أفرز الكيان الصهيوني " الحضارة الغربية" وبالتالي فالتناقض بين هؤلاء وبين الكيان الصهيوني تناقض ثانوي يتسع ويضيق حسب معطيات ومعادلات الصراع في المنطقة، وطبيعي أن هذه القوى مترددة تقاتل بشكل جزئي – إذا ما قاتلت – لتحسين ظروف التفاوض ليس إلا.

والشعب المصري في عمومه ينتمي إلى المنهج الأول، والحكومات المصرية المتعاقبة تنتمي إلى المنهج الثاني.

الوجدان الشعبي في مصر

الوجدان الشعبي في مصر وجدان إسلامي تماما، فالشعب المصري شديد التمسك ب الإسلام في كل قطاعاته الاجتماعية والمهنية والثقافية على السواء، وأنه فيما عدا النخبة المغتربة – وهي قليلة العدد جدا لدرجة لا تكاد تذكر – فإن الإسلام يرسم كل شيء في مصر، الحياة، الموت، الفرح، الحزن، السلوك، الانتماء، العلاقات الاجتماعية، العلاقات الاقتصادية غير الحكومية.. إلخ بل نكاد نقول أن الإسلام هو المعيار الشعبي الوحيد المعمول به في مصر، وأن الوجدان الإسلامي يرتفع كثيرا في الأوساط الشعبية في القرى والمدن من خلال الارتباط بالمساجد والاحتفال بالمناسبات الدينية.

والثقافة الشعبية في مصر إسلامية تماما في الشكل والمحتوى، فالجميع يبدأ يومه بالصلاة ولا يأكل طعامه حتى يقول بسم الله الرحمن الرحيم ولا ينهيه حتى يقول الحمد الله، وكذلك عادات النظافة والمعاشرة الزوجية وكل شيء صغيرا كان أو كبيرا يستمد قيمته وشكله ومضمونه من الإسلام، بل وحتى فترات اللهو والمرح تأخذ بعدا دينيا مثل انتشار الألعاب في المناسبات الدينية والموالد – وحتى لو كان هناك اعتراض شرعي على مثل هذه الممارسات إلا أنها في مضمونها الأخير تعكس مدى الارتباط بين كافة نواحي النشاط الاجتماعي بما فيها اللهو واللعب بالوجدان الإسلامي، ولأن الشعب المصري لا يفهم ولا يتحرك إلا من خلال الإسلام فإن كل القوى السياسية في مصر تحاول أن تأخذ غطاء شرعيا إسلاميا سواء كانت صادقة أم كاذبة وبديهي أن يكون فيها الصادق والكاذب- ولكن هذا الخطاب الإسلامي الذي تقول به كل القوى السياسية يدل دلالة واضحة على مدى تغلغل الوجدان الإسلاميلدى المصريين.

وإذا انتقلنا إلى الثقافة الشعبية في مصر تجاه اليهود عموما و إسرائيل خصوصا نجد أن هذا الوجدان الشعبي يرى أن اليهود هم أعدى أعداء المسلمين وأن هؤلاء اليهود قد تآمروا على الإسلام دائما بل تآمروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى الوجدان الشعبي أيضا أن فلسطين هي أرض الإسراء وأن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين وأن الدفاع عن تلك الأراضي المقدسة واجب شرعي وإسلامي، وأن ظهور إسرائيل جاء نتيجة تآمر غربي صليبي مع اليهود ضد الإسلام بهدف القضاء على الحضارة الإسلامية، وأن الصراع مع إسرائيل أمر حتمي وسيستمر إلى أن تزول إسرائيل بإذن الله، لأن زوال إسرائيل حتمية قرآنية أكدتها نصوص القرآن والسنة – راجع هذه النصوص في الفصل السابق – وبالتالي فإن رفض السلام مع الكيان الصهيوني يستند إلى نصوص دينية وإن الجهاد ضد إسرائيل واجب شرعي للقضاء على الإفساد الإسرائيلي وتحرير كامل الأراضي المغتصبة.

ويستمع المصريون كثيرا من خلال المساجد.. وخاصة في ذكرى الإسراء والمعراج إلى الآيات التي تؤكد بركة فلسطين و القدس و المسجد الأقصى :

  • ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا )الإسراء آية (1) وهذه الآية الكريمة تقول أن المسجد الأقصى وما حوله أي القدس وفلسطين أرض مباركة.
  • وفي سورة الأنبياء:( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء الآية ( 71 )
  • وفي سورة سبأ:( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ) سبأ الآية ( 18 )
  • وفي الحديث الشريف:(لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا والمسجد الحرام، و المسجد الأقصى )رواه البخاري ومسلم
  • وفي العهدة العمرية – أي العهد الذي أعطاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند فتح القدس – " أن لا يسكن إيلياء " القدس " أحد من اللصوص واليهود "
  • إذن ف فلسطين أرض مباركة، و المسجد الأقصى هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و القدس ممنوع على اليهود سكناها وفقا للعهدة العمرية وكل هذا يتكرر كثيرا في الدروس الدينية الشعبية وخاصة في ذكرى الإسراء والمعراج.
  • وهذا بالطبع يجعل الوجدان الشعبي المصري في حالة الإيمان بواجب الجهاد ضد إسرائيل.

وعن أخلاق اليهود يسري في الوجدان الشعبي في مصر من خلال النصوص الدينية أن اليهود قساة القلوب – يغدرون بالعهد – قتلة للأنبياء جبناء .. إلخ

  • يقول الله تعالى:( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) سورة النساء الآية ( 155 )
  • ويقول تعالى:( لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ) الحشر الآية ( 14 )
  • ثم إنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا:(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )المائدة الآية ( 82 )
  • وهم يتطاولون على الله تعالى:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ )

المائدة الآية ( 64 )

  • وأنهم دائما يريدون إشعال الحروب وأنهم مفسدون في الأرض :( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) المائدة الآية ( 64 )


الاهتمام والتضامن منذ اللحظة الأولى وحتى عام 1948

منذ البدايات الأولى للغزوة الصهيونية الاستعمارية - أظهر الشعب المصري اهتماما مبكرا وكبيرا، وهذا يعبر عن حقيقتين، هما شدة اهتمامه بتلك القضية ووعيه الفذ في نفس الوقت، بحيث أدرك مخاطرها الكبيرة قبل أن تتضح تلك المخاطر تماما.

فالجمعية الشرعية ومثلا، قامت بإرسال كمية من المنسوجات إلى فلسطين لتوزيعها على المنكوبين سنة 1930، يقول د. حامد الخطاب ( 123 ) أن تلك المنسوجات أرسلت عن طريق سكة حديد مصرفلسطين – وتلقى مجلس إدارة الجمعية رسالة محررة في 17 رجب 1349 هـ الموافق 8 كانون الأول " ديسمبر " 1930 موقعا عليها من رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ب فلسطين وهو الشيخ محمد أمين الحسيني يشكر الجمعية على تبرعها وتضامنها مع العالم الإسلامي، ويضيف د. حامد خطاب أن الشيخ الإمام مؤسس الجمعية الشرعية " الشيخ محمود خطاب السبكي " كان يشير في خطبه ودروسه إلى خطورة الصهيونية على العالم الإسلامي وضرورة التضامن ومساعدة الشعب الفلسطيني، وأن أعضاء الجمعية الشرعية كانوا يحملون الدفاتر في الأماكن العامة للتبرع للشعب الفلسطيني كما شاركت الجمعية في المظاهرات الصاخبة التي شهدتها القاهرة عقب الإعلان عن قيام دولة إسرائيل سنة 1948 مع غيرها من الجمعيات والهيئات الشعبية الإسلامية.

و الإخوان المسلمون اهتموا منذ اللحظة الأولى ب القضية الفلسطينية باعتبارهم أنفسهم هيئة عالمية إسلامية تهتم بقضايا المسلمين في كل مكان – فما بالك بأن هؤلاء هم أهل فلسطين – أرض الإسراء ومكان المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين – وفي الحقيقة فإن القضية الفلسطينية كانت القضية المحورية والأولى في تفكير الإخوان المسلمين وحركتهم

يقول الإمام الشهيد حسن البنا " وفلسطين تحتل من نفوسنا موضعا روحيا قدسيا فوق المعنى الوطني المجرد، إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقيين ومهد السيد المسيح عليه السلام " ( 124 )

ويقول " ولقد فهم المسلمون الأوائل ذلك وحققوه عمليا في خلافة عمر وعلى مسلمي اليوم أن يفهموا من هذه الآية: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ )

وأنه يجب عليهم حماية المسجد الأقصى وحراسته حتى يظل مسجدا إلى يوم القيامة ولا يعد معبدا يهوديا في يوم ما " ( 125 )

وفي عام 1938 حذر حسن البنا المصريين بقوله "أنهم سيضطرون إلى أن يدفعوا عن أنفسهم في المستقبل غائلة الخطر اليهودي الصهيوني بعد أن ترسخ قدمه على قيد خطوات من الحدود المصرية وحينئذ لا تنفع الجهود ويصدق علينا المثل القائل " أكلت يوم أكل الثور الأبيض " ( 126 )

وفي اجتماع لقيادات الإخوان عام 1945 قال البنا " ونريد أن نؤمن حدودنا الشرقية بحل قضية فلسطين حلا يحقق وجهة النظر العربية ويحول دون تغلب اليهود على مرافق هذه البلاد، نحن نطالب بهذا لأنه تأمين لحدودنا 127 ومصلحة مباشرة لنا " ( 127 )

ويقول حسن البنا " إن الإخوان المسلمين يعارضون الهجرة اليهودية إلى فلسطين لأنها تنطوي على خطر سياسي واقتصادي وحقنا أن تكون فلسطين عربية " ( 128 )

ويقول أيضا " إن القضية الفلسطينية أعادت الجهاد إلى الواقع مرة أخرى وقد سرت روح الجهاد من الحرم المقدس إلى المسلمين والعرب في بغداد ودمشق والقاهرة وغيرها " ( 129 )

وفي عام 1946 حذر حسن البنا الحكومة المصرية من خطورة المخطط اليهودي على سيناء وطالبها بالعمل على توطين المصريينفيها بإقامة المصانع والجامعات وتقوية شوكتها على حدود فلسطين " ( 130 )

ويعتقد الإخوان أن الصراع بين المسلمين واليهود صراع له طبيعة خاصة تفرده عن سائر الصراعات الدولية. فمن هنا هم لا يجعلون من بين رسائل الحل ذلك الحل السلمي لأن الصراع في حقيقته، صراع بين الإسلام واليهودية منذ قيام الدولة الإسلاميةالأولى " ( 131 )

" إن التيار الإسلامي هو الذي قاد حركة الجهاد والمواجهة ضد العدو الصهيوني ومنذ بداية ظهوره على أرض فلسطين " ( 132 )

يقول الأستاذ كامل الشريف " أخذ الإخوان يعقدون المؤتمرات ويبينون للشعوب حقيقة هذا الخطر الذي يهدد كيانهم ومستقبلهم حتى نجحوا في إشراك العالم الإسلامي كله في القضية الفلسطينية، وباتت قضية فلسطين هي قضية المسلمين والعرب لا قضية الفلسطينيين فقط. وحين قامت القلاقل في فلسطين أخذوا يمدون المجاهدين بما يقع في أيديهم من مال وسلاح حتى كانت ثورة 1936 حين نجح عدد من شبابهم في التسلل إليها والاشتراك مع الثوار في جهادهم وخاصة في مناطق الشمال حيث عملوا مع المجاهد العربي الكبير " الشيخ عز الدين القسام ". وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية أخذ الإخوان يعملون للقضية عملا إيجابيا فأرسلوا وفودًا من دعاتهم وشبابهم يؤلبون العرب ويستحثونهم للكفاح، ويتولى نفر منهم تدريب الشباب الفلسطيني تدريبا عسكريا ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد حتى أصبحت شعبهم ودورهم هي مراكز لقيادة وساحات التدريب، ولا يزال أهل فلسطين يذكرون للداعية الإسلامي سعيد رمضان مواقفه الكريمة وأثره البالغ في توجيه الشباب العربي وجهة صالحة ويذكرون بالفخار والإكبار جهود الأساتذة عبد الرحمن الساعاتي وعبد المعز عبد الستار وعبد العزيز أحمد وغيرهم من كرام الدعاة والمدربين " ( 133 )

ولعل مقال الكاتبة الصهيونية " روث كاريف " ( 134 ).المنشور في صحيفة " الصنداي ميرور " في مطلع عام 1948 والذي نقلته جريدة المصري في نفس الوقت يبين مدى الجهود التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين من أجل القضية الفلسطينية، تقول كاتبة المقال " إن اليهود في فلسطين هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين، ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان، وقد قام أتباعهم بهدم أملاك اليهود ونهب أموالهم، وأنه يجب على العالم التدخل للقضاء على الإخوان المسلمين وإلا قامت إمبراطورية فاشية إسلامية تمتد من شمال أفريقيا إلى الباكتسان ومن تركيا إلى المحيط الهندي "


وفي الحقيقة فإن جهود الإخوان المسلمين في مصر من أجل القضية الفلسطينية قد شملت كل مجال تقريبا بدءا من دروس الإمام الشهيد وتصريحاته ومرورا بحملات التوعية للشعب من خلال المساجد والصحف والمجلات وانتهاء بمد يد العون المادي والأدبي للشعب الفلسطيني، وفي هذا الصدد فإن مفتي الإخوان الشيخ سيد سابق – وهو عضو مجلس الإرشاد – قد أفتى بتأجيل فريضة الحج وتقديم المال والنفس للجهاد في فلسطين " ( 135 )

وفي تلك الحرب – أي حرب 1948 – قام الإخوان بالضغط على الحكومة المصرية لدخول الحرب من ناحية، كما قاموا بالدعوة للتطوع والتبرع وتم إنشاء معسكرات التدريب كما تم إرسال المتطوعين إلى فلسطين الذي قدموا أروع الأمثلة في الشجاعة والفدائية وحققوا العديد من الإنجازات، ولولا خيانة الحكام العرب لكان الوضع مختلفا.

يقول اللواء فؤاد صادق قائد القوات المصرية في حرب 1948 " كان الإخوان المسلمون جنودا أبطالا أدوا واجبهم كأحسن ما يكون " ويقول اللواء الموادي في شهادته " كان الإخوان المسلمون ينزعون ألغام اليهود وينسفونهم بها في صحراء النقب " ( 136 )

وقد جفلت سجلات حرب فلسطين 1948 بالكثير من بطولات وشخصيات الإخوان المسلمين مثل معركة كفار ديروم 14 أبريل 1948، ومعركة صور باهر، والتبة 86 وغيرها من المواقع، وكذلك الدفاع عن بيت لحم والخليل وبيت المقدس وغيرها، كما لمعت أسماء مثل أحمد عبد العزيز وعبد اللطيف أبو قوره وعبد الجواد طباله ومحمود عده وغيرهم من المقاتلين والشهداء.

كما نظمت الجماعة العديد من العمليات ضد المصالح اليهودية في مصر وخاصة ضد ممتلكات هؤلاء اليهود الذين أبدوا التأييد والدعم لإسرائيل ( 137 )

ففي يونيو 1948 اشتعلت النيران في الحي اليهودي وحينما ألقت الطائرات الإسرائيلية قنبلة على أحد أحياء القاهرة الآهلة بالسكان في يوليو 1948. وقع انفجار بعده بيومين في محلين تجاريين مملوكين لليهود " شيكوريل وأوركو " وتبع ذلك حوادث مماثلة مثل جاتينيو وبنزايون وغيرها ( 138 )

وقد اتهمت دوائر الإخوان هؤلاء اليهود المصريين بأنهم يهربون السلاح إلى يهود فلسطين عن طريق القواعد الإنجليزية في القناة ( 139 )

وفي الحقيقة فإن الإخوان وبسبب حماسهم الكبير وإسهامهم الهائل في دعم القضية الفلسطينية في ذلك الوقت قد دفعوا ثمن هذا حيث ضغطت القوى الدولية على الحكومة المصرية لحل جماعة الإخوان، بل واعتقل المجاهدون الإخوان الذين كانوا في فلسطين وقتها وأعيدوا إلى مصر مقيدين بالأغلال المصرية، بل وتم اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا للسبب ذاته في عام 1949 ( 140 )


الكفاح الشعبي المصري ضد الدولة اليهودية

بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 نتيجة أخطاء أو خيانات القادة العرب، لم ينقطع الكفاح الشعبي المصري ضد الكيان الصهيوني، وأخذ هذا الكفاح أساليب ووسائل جديدة إلا أن أهدافه ظلت ثابتة. فقد استخدمت جماعة الإخوان المسلمين قطاع غزة – الذي أصبح تابعا للإدارة المصرية عقب حرب 1948 – مركز الانطلاق للعمل الفدائي ضد الكيان الصهيوني يقول الدكتور عبد الله أبو عزه " كانت هناك رابطة قوية بين جماعة الإخوان في مصر وجماعة الإخوان في قطاع غزه قبل سقوطه في يد اليهود عام 1967، وكان القطاع يضم ثماني شعب للإخوان هي المكتب الإداري – الرمال – الشجاعية والنصيرات والبريج ودير البلح وخان يونس ورفح. وكانت الشعب كلها تتبع المكتب الإداري " ( 141 )

ويضيف الدكتور عبد الله أبو عزه " وكان القطاع يستقبل الدعاة من حين لآخر وكانت ثمة صلة قوية مع الإخوان في العريش ومما قوى هذه الصلات وزاد من أهميتها أن الأستاذ كامل الشريف كان من أبرز الشخصيات الإخوانية في العريش كما كانت إحدى الشخصيات المرموقة لدى القيادة العليا للإخوان في القاهرة، ونظرا لأنه سبق له أن قاد الإخوان المسلمين في حرب فلسطين فقد كان على صلة وثيقة بعدد من رجال القطاع ( 142 ) " ويحكي الأستاذ أبو عزه عددا من العمليات الفدائية التي نظمها إخوان مصر بالتعاون مع إخوان قطاع غزه مثل زرع الألغام ضد وسائل النقل الإسرائيلية المدنية والعسكرية، واستمرت تلك العمليات بعد 1952 إلا أن الحكومة المصرية حاولت محاصرتها ومنعها مما أدى إلى انفجار المظاهرات ضد الحكومة المصرية في قطاع غزه ( 143 )

وفي أثناء حرب 1956 طلب عدد من الإخوان المسلمين الموجودين في السجون المصرية التطوع للقتال ضد اليهود إلا أن طلبهم رفض مع أنهم تعهدوا بالعودة إلى السجون بعد انتهاء المعركة، بل أكثر من هذا تمت عملية فصلهم في مكان واحد وإطلاق الرصاص عليهم فيما بعد في 1 – 6 – 1957 فيما يعرف بحادث طره ( 144 )

ومع التقييد المستمر لحركة الشعب المصري عن طريق الديكتاتورية والقمع في الخمسينيات والستينيات ضعف الكفاح الشعبي المصري ضد الكيان الصهيوني مؤقتا وانتهى الأمر بهزيمة 1967 التي لعبت الخيانة والإهمال دورهما في حدوثهما ومع انفراج الأوضاع نسبيا بعد سنة 1971 ظهر الكفاح الشعبي المصري ضد الكيان الصهيوني من جديد، فكان مطلب الحرب على رأس مطالب الحركة الطلابية المصرية، كما نشط علماء الدين الشرفاء من أمثال الشيخ المجاهد حافظ سلامة في عمل قوافل التوعية الدينية لقوات الجيش والتركيز على بعد الجهاد وأهميته وفضل المجاهدين، مما كان له أكبر الأثر على الأداء الرائع للجيش المصري سنة 1973، وفي ذلك الوقت – أي قبل حرب 1973 – كان يوجد تنظيم مسلح يقوده فلسطيني هو الدكتور صالح سريه يعمل في مصر ويضم العديد من طلاب المدارس والكليات العسكرية وبعض المدنيين ويهدف هذا التنظيم إلى القيام بانقلاب مسلح في مصر. باعتبارها أحد دول المواجهة وإقامة نظام إسلامي فيها يحقق تحرير فلسطين. وقد انكشف هذا التنظيم فيما بعد سنة 1974 فيما عرف بتنظيم الفنية العسكرية وقد تمت محاكمة أعضائه وإعدام قادتهم ( 145 )

وفي أثناء حرب 1973 أظهر الشعب المصري الكثير جدا من التضامن مع الجيش بأكثر من صورة. فتوقفت جميع أنواع الجرائم تلقائيا كما تبرع جميع الأهالي تقريبا بالمال والمؤن للجيش وكذلك التبرع بالدم لدرجة أن بنوك الدم لم يعد بها مكان خال للمزيد من الدم ( 146 )

وعندما حدثت الثغرة – في الدفرسوار – قررت جماعة الجهاد – وهي جماعة سرية لم يكن أحد يعرف عنها شيئا حتى ذلك الوقت – الذهاب إلى منطقة الدفرسوار وقتال اليهود باعتبار ذلك واجبا شرعيا وقد اشتركت عناصر هذه الجماعة مع أفراد الجيش في القتال في تلك المنطقة مما أدى فيما بعد إلى انخراط العديد من العسكريين في صفوف الجماعة مثل عصام القمري وغيره ( 147 )

وتعد معركة السويس من أهم المشاركات الشعبية المصرية في حرب 1973، وكانت القوات الإسرائيلية قد نجحت في الوصول إلى مشارف السويس يوم 22 أكتوبر 1973، ولو نجحت في دخولها لكان معنى ذلك أن حبلا قد التف حول رقبة الجيش الثالث في سيناء وأن مسدسا قد أصبح مصوبا للقاهرة عن طريق القاهرة – السويس، إلا أن شعب السويس قرر الصمود والقتال ونجح في منع القوات الإسرائيلية من دخول المدينة – وقد قاد تلك العملية الشيخ المجاهد حافظ سلامة وكان مسجد الشهداء بالسويس هو مركز قيادة المعركة، وقد استطاع المجاهدون من شعب السويس تحقيق الكثير من البطولات على مشارف السويس ويداخلها في أيام 22، 23، 24، 25، 26 أكتوبر 1973، وبرزت أسماء شهداء مثل إبراهيم محمد سليمان وإبراهيم محمد يوسف وأشرف عبد الدايم وسجلت يوميات معارك السويس معارك حي الأربعين ومعركة مسجد الشهداء التي حاول اليهود فيها السيطرة على المسجد باعتباره مقر القيادة إلا أن تلاحم شعب السويس حال دون ذلك، وقد اضطرت إسرائيل في النهاية إلى إلغاء العملية بعد أن وجدت أن تكاليفها باهظة ( 148 )


تفاصيل بعض عمليات الكفاح المسلح في حرب فلسطين الأولى

أيقن الإخوان المسلمون في سنة 1947 أن المخطط الصهيوني بالتواطؤ مع الإنجليز قد أصبح وشيك التحقيق لإقامة إسرائيل وهكذا كان لابد من الإعداد للجهاد والمعركة.. وبدأ الإخوان المسلمون يجمعون السلاح ويقيمون معسكرات التدريب ويدعون الشعب للتطوع والتدريب على السلاح، كما نجح عدد من عناصر الإخوان في الدخول إلى فلسطين والمشاركة في حرب العصابات قبل بدء معركة 1948. وكان نشاط الإخوان في التسلل إلى فلسطين وتنظيم حرب العصابات ذا أثر كبير لدرجة أن اليهود كانوا يعتبرون الإخوان " مجرمي حرب " وعلى ذلك لم يكن اليهود يعاملونهم معاملة أسرى الحرب بل كانوا يقتلونهم ويشوهون أجسادهم. ويحكي الأستاذ كامل الشريف الذي كان قد تسلل إلى فلسطين أنه شاهد بنفسه اليهود يمسكون بالمجاهد الكريم " مختار منصور " من إخوان القاهرة في إحدى المعارك التي دارت حول مدينة يافا ويقذفون به إلى إحدى مصفحاتهم ثم يطلقون عليه الرصاص ( 148 ) ولم يكن حال الإنجليز تجاه المجاهدين المسلمين بأحسن من حال اليهود فقد كانت سلطات الاحتلال الإنجليزية في مصر وفلسطين على حد سواء تقوم بمطاردة المجاهدين وتمنع وصولهم إلى فلسطين أو تقبض على من وصل منهم إلى فلسطين وتحاكمه؟

وما إن تم إعلان قيام الدولة اليهودية في عام 1948 حتى كان الإخوان يبادرون إلى إدخال أفواج من المجاهدين إلى فلسطين.

وبرغم أن حكومة النقراشي رفضت طلبا للإخوان لمرابطة مجاهديهم في الجزء الشمالي لصحراء النقب إلا أن الإخوان نجحوا بالحيلة والتسلل في اختراق الحدود والوصول إلى فلسطين. وقد وصل الفوج الأول من المجاهدين في فبراير 1948 وبدأ هذا الفوج القتال الفعلي مع اليهود في صحراء النقب فأخذ يهاجم المستعمرات اليهودية بعناد وصلابة رغم ضعف عدده وعتاده

ومن المعارك الهامة التي خاضها الإخوان المسلمون في فلسطين معركة كفار ديروم الأولى، وهي مستعمرة صهيونية تقع على طريق المواصلات الرئيسي الذي يربط مصر بفلسطين. هاجم الإخوان تلك المستعمرة في صباح 14 أبريل سنة 1948 اجتازوا الأسلاك الشائكة وطهروا الألغام والتحموا في معركة قاسية مع القوات الصهيونية وأوقعوا بها العديد من الخسائر وسقط العديد من شهداء الإخوان بعد أن أبلوا بلاء حسنا، مثل الشهيد عمر عبد الرؤوف والمجاهد عبد الرحمن عبد الخالق. ونجح الإخوان من خلال سلوكهم الطيب وأخلاقهم الرفيعة وشجاعتهم الفائقة أن يكتسبوا ثقة رجال القبائل الفلسطينية وقام الإخوان بتنظيمهم وتوجيه حركتهم وقيادتهم في المعارك ضد اليهود. واستطاع الإخوان أيضا أن يقيموا عددا من التحصينات وأن يصمدوا للعديد من موجات الهجوم اليهود، مثل ذلك الهجوم الذي قام به اليهود على مقربة من " خربة أبو معلق " وأن يوقعوا باليهود هزيمة فادحة ويرغموهم على التقهقر بعد تدمير عدد من المصحفات نظير شهيد واحد خسره الإخوان هو المجاهد سيد حجازي وعدد من الجرحى منهم قائد الموقع في تلك الفترة المجاهد "محمد الفلاحجي " من إخوان الدقهلية.

ومن الشخصيات المميزة في شباب الإخوان المجاهدين الشهيد أحمد عبد العزيز الذي كان يتمتع بجرأة غير عادية وولع شديد بالمغامرة، وقد دخل أحمد عبد العزيز غزة بقواته وهاجم المستعمرات الواقعة فيها وخاض المعارك في خان يونس وكفار ديروم التي نجح في اقتحامها في النهاية وغنم المجاهدون في تلك المعركة خمس عشرة مصفحة ضخمة مشحونة بأحدث طراز من الأسلحة والذخائر ومواد التموين .

أما المجاهد محمود عبده فقد انهمك العدو بغاراته المتواصلة على مواصلاته ومراكزه وأخذ يبعث بالدوريات المسلحة لتجوب الصحراء وتعترض طريق القوافل وترغمهم على الفرار خلفها تاركة الكثير من الأسلحة والمعدات. ولقد حاول اليهود في 7 مايو توصيل بعض المؤن إلى مستعمراتهم المحصورة، وكان الطريق الذي يسلكونه يمر فوق جسر مقام على أحد الأودية العميقة فقرر الإخوان نسف هذا الجسر لحظة مرور القافلة فوقه، وقامت بالفعل قوة من بئر السبع بقيادة المجاهد " علي صديق " وثبتت الألغام تحت الجسر واختبأت داخل الشعاب والمنحنيات القريبة ولم يطل بها الانتظار إذ تقدمت قافلة للعدو وهي جاهلة تماما ما ينتظرها فيما أن توسطت الجسر حتى انفجرت الألغام الهائلة وتطايرت أجزاء الجسر في الهواء وانقلبت المصفحات في الوادي السحيق، وانتهز الإخوان الفرصة فقاموا بحصد أرواح المقاتلين اليهود وأسفرت المعركة عن قتل عدد كبير من جنود الأعداء وأسر عدد آخر وغنم المجاهدون عددا من المصفحات.

وفي إطار معارك الإخوان في فلسطين قام المجاهدون من الإخوان المسلمين بالدفاع المستميت عن مدينة بين لحم وهي مدينة مسيحية مقدسة، وكان العدد الكبير من الإخوان الذي استشهد على أسوارها دليلا على أن الإسلام دين غير طائفي وأن الحركة الإسلامية حركة غير طائفية وأن تلك الحركة – ممثلة في الإخوان المسلمين – ترى أن مسيحيي الشرق جزء لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية في مواجهة الحضارة الغربية.

وحول مدينة بيت لحم سجلت معارك فلسطين قيام الإخوان بعملية جريئة لاقتحام مستعمرة راماث رحيل التي دخلها الإخوان يوم 26 مايو وأبادوا كل من فيها من جنود الهاجاناه وبلغ عدد القتلى اليهود في تلك المعركة حوالي المائتين.

وتكرر الأمر نفسه في مستعمرة تل بيوت حيث هاجمها الإخوان المسلمون بقيادة المجاهد " حسن حجازي " وتم تدميرها تماما وقد سجلت الصحف المصرية أنباء هذه المعركة وأشادت بشجاعة الإخوان المسلمين ( 149 )

ومع دخول الجيش المصري إلى فلسطين قامت عناصر الإخوان بالعديد من العمليات المتميزة لخدمة هذا الجيش مثل التسلل خلف خطوط العدو أو نسف طرق مواصلاته أو غيرها من المهمات الخاصة مثل قطع خطوط مواصلات مستعمرة " بادمرد خاي " في 16 مايو 1948

ومع كل هذه البطولات التي أوجزنا جزءا صغيرا جدا منها – ويمكن مراجعة الباقي في كتاب كامل الشريف، الإخوان المسلمون في حرب فلسطين – صدر قرار بحل جماعة الإخوان، ومع ذلك استمر الإخوان داخل فلسطين يؤدون واجبهم استجابة لنداء حسن البنا الذي قال فيه " أيها الإخوان لا يهمكم ما يجري في مصر، فإن مهمتكم هي مقاتلة اليهود ومادام في فلسطين يهودي واحد فإن مهمتكم لم تنته " ومن المعارك المتميزة التي قام بها الإخوان المسلمون بعد قرار الحل " معركة التبة 86 " ومعركة ديم "دير البلح " وغيرها من المعارك.


معركة السويسأكتوبر 1973

استطاع الجيش المصري وانطلاقا من صيحة الله أكبر والإعداد العسكري والسياسي الجيد أن يحقق نصرا عظيما وأن يعبر قناة السويس ويقيم رؤوس جسور في الضفة الشرقية للقناة، وحاولت إسرائيل الالتفاف حول هذا النصر وتفريغه من مضمونه فقامت بعملية الثغرة في منطقة الدفرسوار ونجحت في الوصول إلى مشارف مدينة السويس، واستهدفت تلك القوات احتلال مدينة السويس لاستكمال حصار الجيش الثالث في سيناء وتهديد القاهرة في نفس الوقت – ولو حدث هذا لا قدر الله لكان نصر رمضان قد تلاشى وأصبح غير ذي موضوع.

كانت القوات الصهيونية قد وصلت إلى مشارف مدينة السويس يوم 22 أكتوبر حيث حاصرت المدنية ومنعت خروج قوافل الجرحي منها وقد أحس أهل السويس بأن مدينتهم محاصرة. فتحركوا بوعي ووجدان إسلامي إلى مسجد الشهداء وهو مسجد تابع لجمعية الهداية الإسلاميةالتي يرأسها الشيخ المجاهد حافظ سلامة – ويتدارك الأهالي الموقف ويبرز الشيخ حافظ سلامة كقيادة طبيعية لهم وبرغم أن الأوضاع التموينية والمعيشية والعسكرية للمدينة كانت سيئة للغاية فإن الأهالي بقيادة الشيخ حافظ سلامة قد قرروا الصمود والقتال حتى النهاية، وبادروا إلى العمل، فأمر الشيخ حافظ سلامة بوضع بعض السيارات المحترقة والقديمة في مداخل المدينة كما قام بإعداد مجموعة من الكمائن حول مداخل المدينة. بدأت القوات الإسرائيلية في التحرك لدخول المدينة يوم 24 أكتوبر وتصدى الكمين الأول لمجموعة من الدبابات الإسرائيلية مكونة من ثلاث عشرة دبابة ويصيب الكمين الأول دبابة وتفر باقي الدبابات ليتصدى لها كمين آخر موجود فوق مقهى أبو حجازية ويصيب منها دبابة أخرى وتفر باقي الدبابات ليتصدى لها كمين ثالث موجود فوق عمارة رونكا مما يجعل الدبابات تفر باتجاه بورتوفيق حيث وقعت في حقل ألغام هناك.

وتحاول مجموعة أخرى من الدبابات والمصفحات دخول المدينة فيتصدى لها الكمين الأول حيث يصيب دبابة ثم توباز مما يشل حركة المجموعة فتفر باتجاه قسم شرطة الأربعين واستطاع اليهود محاصرة ضباط وجنود القسم في الخندق ونجحوا في دخول القسم، ولكن أهالي السويس بقيادة المجاهد إبراهيم سليمان وأشرف عبد الدايم وإبراهيم محمد يوسف عزموا أن يخوضوا معركة كبيرة داخل القسم ويطهرونه من قوات الاحتلال مما اضطر القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب عن طريق سطح القسم بطائرات الهليوكوبتر وتركوا خلفهم 33 جثة يهودية ( 150 ). وفي يوم 25 أكتوبر قدم اليهود إنذارا نهائيا للمدنية بالتسليم، وقد قبل محافظ السويس الإنذار وقرر تسليم المدينة، إلا أن الشيخ حافظ سلامة يرفض هذا الأمر وقرر استمرار المقاومة وأصدر بيانا تاريخيا عن طريق مكبر الصوت التابع لمسجد الشهداء قال فيه " بسم الله الرحمن الرحيم، نداء إلى المواطنين، بعد حمد الله تبارك وتعالى والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله، إن اليهود قد أنذروا المدينة بالاستسلام وأن المدينة قد قررت رفض الإنذار بإذن الله تعالى ومواصلة القتال إلى آخر قطرة من دمائنا، وعلى كل فرد من أفراد المقاومة أن يظل في موقعه ويدافع عنه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، وما النصر إلا من عند الله "

وإزاء هذا الموقف قررت القوات الإسرائيلية السيطرة على مسجد الشهداء باعتباره مركز قيادة المقاومة الشعبية، وتحاصر الدبابات الإسرائيلية منطقة مسجد الشهداء وعملت كردون من سبع دبابات حولها، وثلاث مصفحات وتستطيع مصفحة واحدة منها أن تصل إلى أول شارع الشهداء وتضرب ضربات استكشافية فأصابت واحدة منها المسجد وأصابت بعض الضربات عددا من المنازل، بل واستطاعت دبابة أن تصل إلى منطقة المسجد بينما وقفت أخرى في أول الشارع وثالثة في مدخل شارع سعد زغلول، ولكن شعب السويس تدافع للدفاع عن مقر قيادته ومركز مقاومته واستطاع شعب السويس أن يدمر هذه الدبابات وأن يجبر الباقية على الفرار.

وفي يوم 26 أكتوبر وهو يوم عيد الفطر، كان هناك اتجاهان الاتجاه الأول يرى إقامة صلاة العيد على أساس أن هذا إظهار للتحدي أمام اليهود، والاتجاه الثاني هو عدم الصلاة على أساس أن صلاة العيد سنة وليست فرضا وأن المدفعية والطيران الإسرائيليين يمكنهما أن يصيبا المسجد والمصلين.

وانتصر الرأي الأول – وبدأ التكبير والتحميد وتوافدت الجماهير إلى المسجد لتعلن التحدي، وكذلك جاء أفراد الجيش الثالث لأداء الصلاة وازدحم المسجد وخارج المسجد بالمصلين، وتقام الصلاة والطائرات تحوم وتقصف والمدفعية تطلق ضرباتها دون أن يصاب المسجد أو المصلون بأي أذى لأن الله كان هو الحارس

الله أكبر لا إله إلا الله

الله أكبر ولله الحمد

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا

والله أكبر أعز جنده وهزم الأحزاب وحده.

لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

وفي نفس هذا اليوم – أي يوم العيد – يشتبك المجاهدون أمام مدرسة التجارة الثانوية مع الدبابات الإسرائيلية ويصيبون بعضها ويصاب سور المدرسة ويسقط شهيد.

وعند مصنع الأزرار يشتبك كمين من المجاهدين مع الدبابات الإسرائيلية و يصيب بعضها ويسقط شهيد آخر. وعند وابور المياه يشتبك المجاهدون مع دبابة كانت تريد اقتحام وابور الماء واحتلاله فيدمرها المجاهدون، وكانت الحصيلة 6 دبابات إسرائيلية مدمرة وعشرات القتلى والجرحى اليهود.

وتستمر المدينة في الصمود وتستعصي على القوات الصهيونية، برغم حصار الجوع والعطش، وبرغم الضرب المدفعي وقصف الطائرات المستمر.


عمليات منظمة ثورة مصر

تخلص وقائع الأحداث في منظمة ثورة مصر إلى أن عددا من الشباب الوطني الحريص على العبادات والشعائر الإسلامية( 151 )، وكان عدد منهم من العسكريين السابقين أو الحاليين مثل محمود نور الدين والعقيد محيي الدين عدلي " ضابط بالقوات المسلحة المصرية " والمقدم أحمد على والرقيب أول قوات جوية " أسامة خليل "، والشيخ حامد إبراهيم يوسف " مساعد بالقوات المسلحة " والعميد حسن هوان، والعقيد ممدوح عدلي، ومن المدنيين أحمد عصام، نظمي شاهين، حماده شرف، إسماعيل عبد المنعم إسماعيل، الدكتور حمدي موافي، سامي فيشه، جمال عبد الحفيظ.

وقد قام هذا التنظيم بعدد من العمليات الجريئة ضد العناصر الأمريكية والصهيونية في مصر، ففي 4 – 6 -1985 تم إطلاق الرصاص على زيفي كيدار مسئول الأمن بالسفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وقد نفذ هذه العملية كل من محمود نور الدين، نظمي شاهين، حماده شرف، سامي إبراهيم.

وفي 19 – 3 – 1986 تم تنفيذ عملية المعرض كاحتجاج على المشاركة الإسرائيلية في معرض القاهرة الدولي للكتاب وقد ترتب على هذه العملية جرح أربعة إسرائيليين، وقد نفذ هذه العملية كل من محمود نور الدين،نظمي شاهين، محيي عدلي، أحمد علي، سامي إبراهيم، حمادة شرف الدين، جمال عبد الحفيظ، أحمد عصام.

وفي 26 مايو سنة 1987 تم تنفيذ عملية إطلاق الرصاص على عدد من الأمريكيين العاملين في المخابرات الأمريكية مثل جون هوكي وجون فورد ودينيس ويليافر، وقد نفذ هذه العملية كل من محمود نور الدين، نظمي شاهين، سامي فيشه، حماده شرف الدين.


سليمان خاطر – حادث رأس بركة

في يوم 5 أكتوبر سنة 1985 – قبيل الغروب – كان الجندي سليمان خاطر في خدمته التي بدأت الساعة الثانية ظهرا على نقطة مرتفعة عن الأرض 150 مترًا، في مكان على هيئة صحن. جلس الجندي سليمان خاطر وتحته الخليج، ومعه السلاح الذي كان جاهزًا ومعمرًا كعادة سليمان خاطر دائمًا، صعدت مجموعة من اليهود أكثر من " 7 " إلى المكان الذي كان يحرسه سليمان خاطر، أطلق سليمان النار على اليهود، مات 7 وجرح اثنان، كان القتلى، هم شلاح عامانيوم أميرباري دينجوريفل أبيتاشيلا زيلبلأو فرى توريلشيلاك إيلانا والجريحان هما أجوديوم، موشي يوم ونجا عدد آخر حيث فروا منه وكان السلاح المستخدم في الحادث هو البندقية الآلية رقم 1223408 عيار 7.62 × 39. تمت العملية قبيل الغروب.

ملامح شخصية سليمان خاطر :

سليمان محمد عبد الحميد خاطر- 25 سنة – مواليد سبتمبر 1960 من بلدة أكياد مركز فاقوس، محافظة الشرقية، له خمسة أشقاء هو أصغرهم، من أسرة ريفية متدينة، جند في 4 – 10 – 1982 وانضم إلى قوات الأمن المركزي بسيناء في 1- 6 – 1983، حصل على الثانوية العامة العام 1983 القسم الأدبي، التحق بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، نحيل الجسم، نظيف الملبس في غير تكلف، طويل الجسم وسيم ( 152 )

" وديع – هادئ متدين – معتز بكرامته – صريح وصامت، يؤدي جميع فراض الصلاة في الجامع، يصوم الاثنين والخميس أسبوعيا، يصلي إماما بالناس في الجامع، لا يعرف العلاقات المنحرفة، ودائما متوضئ وعارف ربنا " ( 153 )

" مسلم غيور على دينه وكرامة بلده " ( 154 )

" مواظب على الصلاة وليس له مشاكل مع زملائه وليست له تصرفات مريبة أو شاذة " ( 155 )

" كويس ومؤدب وسلوكه عادي جدا ويصلي كما نصلي جميعا " ( 156 )

" إنني أومن بالله عز وجل ولا أخشى الإعدام، وكل ما أخشاه أن يكون الحكم علي سببا في تردد أو تخاذل الجنود لأنهم يخشون حسابًا جائرا على أداء الواجب " ( 157 )

" طول عمرنا نعرف أن اليهود أعداء الله والرسول وأعداء المسلمين، ولقد فرحت لأن ابني قتل اليهود " ( 158 )

وقد نشرت الصحف بعض الصور لسليمان خاطر، وقد كتب على بعض البراميل في وحدته شعارات مثل الله أكبر ولله الحمد، الله غايتنا والرسول زعيمنا والإسلام ديننا وغيرها من الشعارات الإسلامية( 159 )

هذا وقد تم اغتيال سليمان خاطر في السجن الحربي في ظروف مريبة وادعت الأجهزة الرسمية أنه مات منتحرا، وقد حدث تعاطف شعبي واسع مع سليمان خاطر وانفجرت العديد من المظاهرات الصاخبة في الزقازيق والقاهرة والمنصورة وغيرها من المدن المصرية.

وقد حاولت الدوائر الإعلامية المشبوهة سحب الرصيد السياسي للحادث عن طريق ادعاء أن سليمان خاطر كان مختلا عقليا وهو الأمر الذي لم يثبت على الإطلاق.


سيد نصير – إعدام كاهانا

بينما كان الحاخام مائير كاهانا ( 160 ). يلقي خطابا في نحو ستين رجلا من أنصاره في صالة المؤتمرات في الطابق الأول من فندق هالموران هاوي بحي مانهاتن بمدينة نيويورك في مساء يوم 6 نوفمبر 1990 دخل إلى القاعة شاب نحيف ذو لحية تظاهر بالاستماع إلى محاضرة كاهانا. قال كاهانا كلامه التقليدي الذي يقوله في كل محاضرة " وليس أمام عرب فلسطين إلا الموت أو الطرد " قالها بصوت عال فيه نبرة غطرسة وغرور، بينما قال الشاب النحيف لنفسه بصوت لم يسمعه أحد " فلسطين إسلامية رغم أنف الصهيونية ".

وعندما وقف مائير كاهانا يتلقى بعض الأسئلة من الحاضرين – اتجه نحوه الشاب النحيل " سيد نصير " في هدوء وثبات وكان مبتسما وبادره بإطلاق رصاصتين أصابت إحداهما عنق الحاخام وأصابت الثانية صدره ونقل الحاخام إلى المستشفى الذي أعلن وفاته بعد خمسين دقيقة من وصوله.

خرج سيد نصير من الفندق بعد أن جرح برصاص أحد الزبائن، وبينما كان يستعد لإجبار سيارة أجرة على نقله حاول رجل شرطة – متقاعد تصادف وجوده في المكان في ذلك الوقت – اعتراض طريقة فتبادل معه إطلاق الرصاص وأصيب كل منهما.

انتقل السيد نصير إلى المستشفى، ووضع تحت حراسة مشددة، وعندما علم بموت كاهانا برصاصات مسدسه ابتسم في سعادة، لقد أدى شيئا من واجبه نحو فلسطين، نحو القدس، نحو أمته الإسلامية.


ملامح الشخصية والدوافع : [[ سيد عبد العزيز نصير]] – مواليد بورفؤاد عام 1955، تخرج في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان عام 1978، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 14 – 7 -1981، تزوج من فتاة أمريكية مسلمة. يقول أحد زملائه " إنه ملاك، لا يعرف الكذب والخداع، لم يتغير فيه شيء منذ جاء إلينا، زوجته سيدة فاضلة، إنه إنسان فريد، لا يتكلم كثيرا، لم أر دموعه إلا عندما وصلت إلينا أنباء مذبحة المسجد الأقصى التي دبرها الإرهابيون اليهود " ( 161 )

أما الأب عبد العزيز نصير فيقول " سيد كان تقيا يعرف الله تعالى وكان محبوبا من الجيران- دائم التردد على المساجد. زوجته ترتدي الحجاب وكان مشهورًا بالأدب وحسن السلوك " ( 162 )

ويقول شقيقه محمد نصير " أن سيد فعل هذا دفاعا عن كل المسلمين " ( 163 )

وقد أثبتت التحقيقات الصحفية والحوارات الشخصية المختلفة مع سيد نصير من خلال المحامين المصريين وغيرهم أنه قام بهذا العمل انتقاما لمذبحة المسجد الأقصى التي قام بها اليهود في شهر أكتوبر 1990 أي قبل أقل من شهر على هذا الحادث ( 164 )


أيمن محمد حسن وحادث نقطة البرج

أيمن محمد حسن، من مواليد محافظة الشرقية سنة 1967، مجند بقطاع وسط سيناء للأمن المركزي، متدين هادئ الطباع، يقرأ الكتب الدينية، يحفظ القرآن الكريم، وسيم الشكل والملامح، طويل، قوي البنية، بطل مصارعة سابق ( 165 )

يقول أيمن: إنه نفذ العملية انتقاما للمذابح التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد اليهود وخاصة مذبحة المسجد الأقصى في أكتوبر 1990، وأنه فعل ذلك لإكمال مسيرة سليمان خاطر وسيد نصير، وأن يكون واحدا من هؤلاء المجاهدين في سبيل الله باعتبار الجهاد ذروة سنام الإسلام. ويضيف أيمن أن فكرة الانتقام ظلت تراوده وتلح عليه إلى أن نفذها في النهاية ( 166 )

ويحكي أيمن في تحقيقات النيابة العسكرية، أنه في يوم 21 – 11 – 1990 قرر أيمن أن ينفذ العملية وبدأ بالخطوات العملية لتحقيق ذلك، وفي يوم 24 – 11 -1990 أخذ أيمن يفكر ولم يقبل تناول الطعام وكان يفكر في كيفية دخول الأراضي المحتلة، يقول أيمن " عرفت في ذلك اليوم أنني فرد خدمة على نقطة البرج من الساعة العاشرة مساء إلى الثالثة صباحا وأخذت أفكر كيف أجهز السلاح والذخيرة اللازمة لتنفيذ العملية؟ وقررت أن أعبر الحدود مع أول ضوء وأن أحصل على السلاح والذخيرة الموجودة في غرفة الاتصال، وانتهزت فرصة غياب فرد خدمة غرفة الاتصال وقمت بدخول الغرفة وحصلت على 12 خزنة من الخزن الصالحة للبندقية الآلية التي كانت معي، وقد حصلت على تلك الخزن على دفعات وكنت أقوم بإخفائها في إحدى الصخور في مكان الخدمة بمنطقة البرج، وعندما اطمأننت إلى عدم اكتشاف الأمر أغلقت صندوق الذخيرة وأخذت المزيد من الطلقات حتى أصبح لدى 250 طلقة بالإضافة إلى 25 طلقة هي عهدتي علاوة على خزن زميلي عيسى راغب وكان بها 25 طلقة كان قد تركها بغرفة الاتصال وكانت الذخيرة من عيار 7.62 + 39

ويضيف أيمن في تحقيقات النيابة العسكرية

" كنت قد أفرغت مخلتي من المهمات حتى أضع فيها الذخيرة، وسبق ذلك أثناء وجودي بغرفة الاتصالات أن قمت بفتح الشباك من الداخل ووضعت الذخيرة على أفريز الشباك ثم أغلقت الشباك من الداخل ثم خرجت من الغرفة والتفتت حول العنبر وأخذت معي المخلة الخاصة بي ثم قمت بوضع الذخيرة بها وتوجهت إلى مكان الخدمة بالبرج وبدأت أثناء وجودي بالبرج تعمير الخزن بالذخيرة، وفي حوالي الساعة الثانية صباح يوم 25 – 11 – 1990 جاء لي الجندي عيسى وقال لي " ألن تنزل لتسلم الخدمة للجندي سعيد؟ فقلت له: اتركه فهو تعبان وأنا أمسك الخدمة مكانه، وكنت قد أخفيت الخزن والذخيرة حتى لا يرتاب أحد في أمري، وبعد ذلك رأيت فرد خدمة الاتصال ويدعى عاطف فذهبت إليه بحجة شرب الشاي معه فلما طلب مني إيقاظ الجندي سعيد استجبت له حتى يقوم سعيد بالجلوس معه ليشغله عني، وعملت شايا وكاكاوا وقعدنا نتكلم مع بعضنا ثم تركتهم وطلعت إلى مكان خدمتي بالبرج، واستكملت تعمير باقي الخزن ثم نزلت إليهما وصليت معهما الفجر في جماعة ثم استاذنت منهم لتغيير ملابسي بحجة أنها مبللة وبالفعل قمت بتغيير الملابس ولبست بدلة من البدل الصوف أفرول خفيفا وبدل البيادة كوتش وشراب ملكي حتى أصبح خفيف الحركة أثناء تنفيذ موضوع ضرب اليهود. كما لبست حزاما على وسطي وقايش أيضا استعرته من أحد الزملاء وذلك حتى أستخدم كلا من الحزام والقايش في ربط الخزن حول وسطي. ثم عمرت البندقية رقم 31 بالذخيرة وتركتها على وضعها ولم أقم بسحب الأجزاء حتى لا تحدث صوتا ثم توكلت على الله ونزلت واتجهت إلى طريق الحدود الدولية وعبرت الحدود وتوغلت مسافة 300 متر وعبرت الطريق الأسفلتي إلى الجهة الأخرى وتخيرت كمينا صالحا للضرب عبارة عن زوايا حديدية مثبتة وعليها ألواح حديدية طولها 15 مترا كما أخذت المكان بحيث يشرف على منحدر بالطريق ساترا لي حتى لا يراني القادم من إسرائيل وأخذت الوضع راقدا، ووضعت البندقية على الأرض بين الزوايا الحديدية في منطقة تقع بين العلامة 81 حـ والعلامة 79 شن، وكانت الساعة قد تجاوزت السادسة بقليل، وجاءت سيارة إسرائيلية نصف نقل من اتجاه العلامة 81 حـ متجهة إلى العلامة 79 ش أي من الجنوب إلى الشمال، وما إن اقتربت العربة مني على مسافة 50 مترا حتى أطلقت عليها الرصاص إلا أن العربة استمرت في السير وبعد فترة بسيطة حضرت عربة جيش إسرائيلية من الاتجاه العكسي أي من الشمال إلى الجنوب فأطلقت عليها الرصاص في اتجاه سائق العربة الذي أصيب وتوقفت العربة أمامي فقمت بالالتفاف حولها وأطلقت الرصاص على السائق مرة أخرى فقتل في الحال ثم عدت إلى وضعي السابق وغيرت خزن السلاح، وجاءت على الفور سيارة أوتوبيس إسرائيلية من الجنوب إلى الشمال فأخذت الوضع راقدا ونشنت على السائق وهو قادم على مسافة حوالي 70 مترا فانحرف الأتوبيس ونزل السائق من باب الركوب وانبطح أرضا فقابلته بمزيد من الرصاصات. وفي تلك الأثناء جاء أوتوبيس آخر سياحي من الجنوب إلى الشمال فأخفيت السلاح وتظاهرت بالوقوف على الطريق وعندما هدأ الأوتوبيس من سرعته أطلقت الرصاص على مقدمته ثم تبادلت الرصاص مع الكمساري حيث إن كل الكمسارية في إسرائيل يحملون سلاحا، وأنا كنت أعرف هذا من قبل، ثم أخذت ساترا وأخذت أتبادل إطلاق النار مع الكمساري والسائق وأخذت أحاول الانسحاب إلى داخل الحدود المصرية لأنه من الطبيعي أن يكونوا شعروا في إسرائيل بكل ذلك ولابد أن تتحرك وحدات إسرائيلية لمطاردتي، وبالفعل وقبل وصولي إلى الحدود المصرية وجدت دورية إسرائيلية قادمة من الشمال إلى الجنوب وأطلقوا النار علي إلا أنني أفلت بعون الله واتخذت طريقا ملتويا " زقزاقيا " ولم تصبني أية طلقة وعبرت الحدود المصرية لمسافة 300 متر ووصلت إلى وادي أسفل تبة الصفراء حتى لا أكون في مرمى نيران الجنود الإسرائيليين وجلست تحت شجرة لأستريح وقررت الاتجاه إلى طريق الكونتيلا أو طريق عثمان حتى لا يعرف اليهود أنني من ضمن أفراد نقطة البرج فيقومون بالاعتداء عليها، وتوجهت إلى طريق عثمان فوجدت عربة نصف نقل من طراز تويوتا تحمل جراكن وطلبت من سائقها توصيلي إلى الكونتيلا، فقام بتوصيلي إلى موقع لشركة عثمان أحمد عثمان وجلست بجوار الغفير وكانت بي إصابة طفيفة نتيجة مرور إحدى الرصاصات بالقرب من جبهتي وسألني الغفير عن سبب إصابتي فقلت له تفاصيل الموضوع وأنني قتلت اليهود لأنني أكرههم وطلبت منه أنه يخبر أهلي أنني استشهدت في سبيل الله، وكتبت له عنوان أهلي بالطباشير على الحائط، لعدم وجود أوراق وأقلام وعندما جاء مهندس الموقع قلت له أن يكتب خطابات باسمي إلى أهلي وقمت بإملائه صيغة الجواب فكتبها وطلبت منه أن يسلمها إلى الحاج محمد حسن ثم وقعت بنفسي على الجواب، وقد تم تحرير الخطاب بمعرفة النيابة وهذا نصه " بسم الله الرحمن الرحيم - الوالد الكريم الحاج محمد حسن – ابنكم مات شهيدا في سبيل الله – وأعرفك أنني أحترمكم جدا ولا تندموا على أيمن، لأن الندم لا ينفع بل الصبر وأنا لقيت أجلي والموت حق على كل إنسان، وأكن لكم كل الحب ولا تبكوا على أيمن فقد مات شهيدا ".

وبعد ذلك – والكلام مازال لأيمن – طلبت من المهندس توصيلي إلى وحدتي، فقام بتدبير سيارة وزاملني فيها اثنان من الأمن الخاص بالشركة، وقد أعطاني أحدهما جاكيت صوفا والآخر أعطاني تلفيعة حتى لا أتأثر بالبرد، وبالفعل وصلت إلى وحدتي وسلمت نفسي لقائد المنطقة.

على أي حال، فقد أسفرت تلك العملية وحسب البيانات الإسرائيلية عن مصرع خمسة إسرائيليين بالإضافة إلى أكثر من 20 جريحا إسرائيليا وتدمير ست مركبات إسرائيلية ما بين أتوبيسات سياحية أو عادية أو عربات جيب ( 167 )


إذن فقد كان أيمن قد أعد خطة مسبقة ونفذها بذكاء على عدة مراحل، فهناك القرار ثم الرصد والمتابعة ثم عمل خطة للتنفيذ العملية، والعملية برمتها وبكل مراحلها تدل على ذكاء وكفاءة من حيث اختيار الهدف والتوقيت ومكان الكمين وقرار الانسحاب في اللحظة المناسبة وغيرها.

على أن الجدير بالتسجيل أن زملاء أيمن وكل من قابله من المصريين قد تعاطف معه. فبعضهم ساعده في تحرير الخطاب والبعض الآخر ساعده في الوصول إلى كتيبته، والبعض الثالث أعطاه سترة صوفية أو تلفيعة للوقاية من البرد.

وعلينا أن نلاحظ أن التعاطف الشعبي مع أيمن كان هو نفسه مع سليمان خاطر وسيد نصير، مما يدل على أن هذه الأعمال التي قام بها هؤلاء تعكس الوجدان الشعبي المصري.


في مواجهة نهج التصالح مع الكيان الصهيوني

وانطلاقا من النهج الثابت للشعب المصري الذي يرى من خلال عقيدته ووجدانه عدم إمكانية التصالح والتعايش مع الكيان الصهيوني باعتبار أن الصراع مع الكيان الصهيوني جزء من صراع تاريخي طويل بين الحضارة الإسلاميةوالحضارة الغربية وأنه لا يمكن للصراع أن يحسم إلا من خلال الكفاح المسلح وبالتالي فإن من الخطأ الجسيم الوقوع في حبائل التسوية والتصالح، انطلاقا من هذا النهج استمر الشعب المصري يرفض كل المبادرات والاتفاقيات الحكومية في مصر باتجاه التصالح مع الكيان الصهيوني.

وكان الرئيس السادات قد استغل الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية للشعب المصري في الدعاية للسلام باعتباره طريقا للرخاء، كما أن الشعب المصري كان يعاني – بالفعل – من سوء معاملة العرب للمصريين العاملين في الدول العربية، وركز الإعلام الساداتي على ذلك كثيرا لتبرير قطع الصلة بالقضية الفلسطينية والاتجاه نحو السلام مع إسرائيل، ولكن الشعب المصري الفذ ارتفع فوق كل ذلك وتمسك بمنهجه الثابت في رفض التصالح مع الكيان الصهيوني، رغم تردي أوضاع المعيشة، ورغم تنكر العرب لمصر وشعبها ورغم الممارسات المقززة لبعض القادة الفلسطينيين، وأدرك الشعب المصري أن ممارسات البعض لا تنسحب على الكل وأنه حتى لو تنكر الفلسطينيون أو العرب للقضية فلن يتنكر الشعب المصري لها لأن منطلقاته نحوها إسلامية ووجدانية وثابتة.

وما إن قام السادات بالذهاب إلى القدس عام 1977 وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة 1978 حتى ظهرت المعارضة الشعبية لذلك النهج. فعلى سبيل المثال قامت جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد بإصدار العديد من البيانات المنشورة وغير المنشورة في الصحف أو الموزعة على الجامعات والمناطق السكنية التي ترفض فيها اتفاقية كامب ديفيد وتعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، كما لعبت صحف مثل المختار الإسلامي، الاعتصام والدعوة ولواء الإسلام دورا هاما في هذا الإطار – أي في رفض التصالح والتطبيع والتمسك بتحرير كامل التراب الفلسطيني.

يقول المرشد العام للإخوان المسلمين " إن التفريط في شبر أو التنازل عن شبر من أرض فلسطين خيانة، والرضا بكيان دخيل يقاسمنا أرضنا هو أفدح من الخيانة والبحث عن شعارات غير شعارات الإسلام نتحرك تحتها في مواجهة عدو يحتل أرضنا وينتهك ويسفك دماءنا أو البحث عن مسارات أو دروب كمسار المؤتمر الدولي ومنطلقه أو التسكع في دهاليز الهيئات الدولية ننتظر الفتات بعد الفرار من المعارك والإعراض عن المواجهة وتولية الأدبار وقت الزحف، وأن الخيار العسكري هو الخيار الصحيح " ( 168 )

ويقول أحد بيانات الجماعة الإسلامية" ألا فليسمع الجميع – قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله ) ( 169 )

وقد نشطت الحركة الطلابية التابعة للإخوان والجماعة الإسلاميةفي إقامة المعارض والندوات وأسابيع التضامن مع الشعب الفلسطيني كما قامت النقابات المهنية- وهي في معظمها تابعة للاتجاه الإسلامي بإصدار العديد من البيانات التي تندد بالتصالح وتدعو إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني. كما أصدرت النقابات المهنية قرارا بمعاقبة أي عضو ينتمي إليها يقوم بزيارة إسرائيل أو التعامل المهني وغير المهني معها، كما نظمت العديد من مؤتمرات التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية في مقر تلك النقابات مثل مؤتمرات نقابة الأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم.( 170 )

وتعد عملية اغتيال الرئيس السادات في حادث المنصة سنة 1981 ذات صلة مباشرة بقيام السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، حيث قرر القائمون بهذه العملية أن أحد أسباب اغتيال السادات ترجع إلى توقيعه صلحا مع العدو التاريخي للأمة الإسلامية وهو اليهود ومحاولاته تصفية القضية الفلسطينية ( 171 )

يقول خالد الإسلامبولي في رسالة تركها لأهله " إننا عقدنا العزم على قتل فرعون مصر لعل الله ينقذها من الضياع في مصادقة الصهاينة " ( 172 )

وقال خالد في تحقيقات النيابة العسكرية " أنه قتل السادات لأنه لم يطبق شرع الله وتصالح مع اليهود وقبض على علماء المسلمين " ( 173 )

ولعله من الجدير بالتسجيل هنا أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين التي ظهرت في أوائل الثمانينيات كانت عناصرها القيادية فكريا وتنظيميا قد ارتبطت بحركة الجهاد في مصر وأخذت عنها فكرها السياسي والحركي وتأثرت فكريا وتنظيميا بالعديد من المصريين، بل نكاد نقول أن الهيكل الفكري لحركة الجهاد الفلسطيني قد صاغه مصريون أساسا وهو الأمر الذي سجلته تحقيقات القضايا 46 لسنة 1981، 295 لسنة 1984، 401 لسنة 1987.

وعلى صعيد الرفض المسلح والمشفوع بالدم سجل الكفاح الشعبي المصري العديد من العمليات المتميزة مثل عمليات منظمة ثورة مصر ثم حادث رأس بركة الذي نفذه الشهيد سليمان خاطر عام 1986 وعملية إعدام كاهانا التي نفذها المصري سيد نصير في نيويورك سنة 1990، وكذلك عملية الجندي المجاهد أيمن حسن الذي تسلل عبر الحدود المصرية الإسرائيلية وعمل عدة كمائن وأطلق الرصاص وقتل وجرح أكثر من 20 إسرائيليا ونفذ أيمن العملية في 17 ديسمبر 1990.

الفصل الخامس :الحركة الإسلامية وقضايا الواقع المعاصر

الحركة الإسلامية في مواجهة العنف والإرهاب

تعد قضايا العنف والإرهاب من أهم القضايا التي شغلت الرأي العام المصري والعالمي في الآونة الأخيرة، خاصة أن الظاهرة بدأت تستفحل ويمتد أثرها إلى كافة جوانب المجتمع، بل وبدأت تمس مقدراته الاقتصادية الأساسية والنبوية، من هنا كان من الطبيعي أن تشغل هذه القضايا محور اهتمام الحركة الإسلامية خاصة أن هذه القضية أثيرت بصدد العنف المتبادل بين النظام وبعض فصائل الجماعات الإسلامية كالجهاد والجماعة الإسلامية وتنظيم طلائع الفتح والشوقيين، وبعيدا عن البحث في المتسبب في هذه الحوادث وأن هناك ملاحظات كثيرة تؤخذ على الطرفين ( النظام والجماعات ) إلا أن القضية الأساسية والجدير بالبحث والرصد هي أن مبدأ العنف والإرهاب مبدأ مرفوض وتلفظه الحركة الإسلامية متمثلة في طليعتها النهضوية وخميرة نهضتها وهي جماعة الإخوان المسلمين التي أبدت مواقف مضيئة ومستنيرة تحسب للحركة الإسلامية– التي هي حركة بناء وتحضر – في مواجهة ما ابتليت به الأمة من ردة حضارية قادتها إلى جعل العنف والإرهاب وسيلة للتعامل بدلا من الحوار والعقلانية، ولكي نقف على حقيقة موقف الحركة الإسلامية، فمن الأهمية بمكان أن نعرض لأهم حوادث العنف والإرهاب التي شهدها المجتمع المصري في الآونة الأخيرة وبيان موقف الحركة الإسلامية منها.


يوميات العنف والإرهاب

  • ضبط تنظيم إرهابي يعمل على ضرب السياحة في مصر وبحوزته أسلحة ومتفجرات. ( 3 /10 / 1992)
  • الهجوم على أتوبيس سياحي قرب مدينة ديروط يؤدي لمصرع سائحة بريطانية وإصابة آخرين.

( 24/10/92)

  • إطلاق النار على باخرة سياحية عند نجع حمادي دون إصابات واعتقال 70 متطرفا. ( 30/10/92)
  • أربعة ملثمون يطلقون الرصاص على أتوبيس سياحي بقنا وإصابة ست سائحات وسائقين. (14/11/92)
  • هجوم على سيارة بقنبلة مولوتوف في إمبابة (18/1/1993)
  • انفجار بميدان التحرير. ( 30/1/93)
  • تعرض أتوبيس سياحي ألماني للهجوم عند منفلوط وضبط متفجرات ومصانع سلاح. ( 20/2/1993)
  • انفجار مروع في ميدان التحرير يدمر مقهى ( وادي النيل ) ويسفر عن مصرع سائحين وإصابة عشرين.

( 1/3/1993)

  • أنباء عن بداية وساطة بين الحكومة والمتطرفين على يد علماء ومفكرين إسلاميين مستقلين ( جماعة الإصلاح )( 14/4/1993)
  • محاولة اغتيال وزير الإعلام صفوت الشريف، تسفر عن إصابة طفيفة بيده وجروح خطيرة لسائقه وحارسه. ( 21/4/1993 )
  • أحكام عسكرية بالإعدام ضد 7 متطرفين وسجن 25 في قضية ضرب السياحة المصرية. ( 22/4/1993)
  • الحكم بإعدام 6 والأشغال الشاقة لـ 3 وبراءة اثنين في قضية محاولة اغتيال وزير الإعلام. (27/5/1993)
  • محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء/ حسن الألفي أمام مقر وزارة الداخلية. ( 18/8/1993)
  • مقتل عميد شرطة في أسوان. (18/9/93)
  • المحكمة العسكرية تقضي بإعدام 3 متطرفين في تنظيم طلائع الفتح. ( 14/10/1993)
  • بعد رصد هذا الكم الهائل من الحوادث ورغم منهج الانتقائية في الرصد ماذا عن موقف الحركة الإسلاميةإزاءها؟ الواقع يشهد أن الحركة الإسلاميةفي مصر متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين قد لعبت دورا بارزا في مواجهة أحداث العنف والتطرف ليس فقط في الآونة الأخيرة وإنما منذ بدأت صيحات التكفير تنطلق داخل السجون والمعتقلات، وهو الأمر الذي جسده كتاب المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي ( دعاة لا قضاة ) الذي يعد وثيقة تاريخية إسلامية تحسب في ميزان الحركة الإسلامية.
  • كما أن الجماعة لم تفتأ في الدعوة إلى الحوار ونبذ العنف والإرهاب وفتح القنوات الشرعية مع النظام وذلك عبر البيانات المختلفة التي أصدرتها أو من خلال اللقاءات والمؤتمرات والأحاديث الصحفية التي شارك فيها رموزها.
  • وفي هذا الصدد نتخير ثلاثة بيانات أصدرتها الجماعة عبر فترات مختلفة تبرز فيها موقفها – كحركة إسلامية مستنيرة – من بعض القضايا التي تتعلق بالعنف والإرهاب.

إننا لا نقر العنف أيا كان مصدره وأيا كانت صورته، كما لا نقبل بل ونستنكر الإرهاب بجميع أشكاله، وأن الأجنبي الذي يأتي لبلادنا – سائحا كان أو غير سائح – هو مستأمن لا يجوز المساس بأمنه وطمأنينته وإن ما حدث من عدوان على بعض السائحين وإرهاب لهم.. بغي لا يقبل شرعا ولا عقلا ولا إنسانية.

ومن ثم أصدرنا هذا البيان الممنهج الصادق لنا والعقيدة التي لا نحيد عنها أبدا، والمسلك الذي التزمنا به بدقة، وأثبتت كل التحقيقات التي أجريت في القضايا التي حدثت في الأشهر الأخيرة بل وعلى مدى عشرين سنة مضت دقة التزامنا به.

  • إن العنف والإرهاب خروج عن الشرعية وعن الفهم الإسلامي الصحيح، ولا يؤديان إلا إلى اشتداد التوتر والضعف باستقرار الأمة وأمنها ولدخولها في دوامات من الاضطرابات والبلبلة لا تكسب من ورائها شيئا، بل تعوق حركة تطورها إلى الأفضل كما تعوق مسيرة الدعوة الإسلامية.
  • إن دعوتنا مستمرة بإذن الله، ملتزمين فيها بقول الحق تبارك وتعالى:( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وفي هذا الفلاح والنجاح بعون الله وهو سبحانه يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل.

المرشد العام للإخوان المسلمين

بيان من الإخوان المسلمين بخصوص التفجيرات المتتالية للعبوات والقنابل في مصر

[ في 19 /6 / 1993 ]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد.

فإن الإخوان المسلمين الذين أكدوا ويؤكدون على الأمن والأمان للوطن ولكل مواطن واستنكروا ويستنكرون العنف أيا كان شكله وأيا كان مصدره، وعاهدوا ويعاهدون الله على العمل الدؤوب لصالح هذا البلد وأمنه واستقراره، ووحدة صفوفه.. ليستنكرون الجريمة البشعة التي وقعت في شارع شبرا – وبتفجير قنبلة موقوته وسط الجماهير الآمنة فأودت بحياة الأبرياء، وأصابت الأبرياء، دون ذنب أو جريرة.

والإخوان المسلمون وقد هزهم الحادث المروع ليطالبون الحكومة بسرعة الكشف عن مرتكبيه، وسرعة الوصول إلى الجهة التي تعددت تفجيراتها المشابهة وسط الآمنين الأبرياء.. ويناشدون شعب مصر الأبي أن يقف صفا واحدا في وجه شتى أشكال ومصادر العنف. مواصلا السعي والعمل من أجل إحلال الأمن والأمان والحرية والاستقرار لتشمل أجواؤها كل ربوع هذا البلد الطيب.

نسأل الله أن يحفظ مصر وشعبها ويجعلها وسائر بلاد العرب والمسلمين...

الآمنة المطمئنة، العزيزة القوية.

الإخوان المسلمون

بيان من الإخوان المسلمين حول محاولة اغتيال الدكتور عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء المصري

[ في 26/11/1993 ]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه.. وبعد فإن الإخوان المسلمين تلقوا بكل أسف نبأ محاولة اغتيال الدكتور عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء، وذلك بواسطة قنبلة تم تفجيرها بميدان عام، وأودت بحياة أشخاص آخرين، وإصابة العديد من الناس من بينهم صبية وأطفال، كما أدت إلى ترويع الآمنين، خاصة وقد وقع الحادث إلى جوار مدرستين تكتظان بالتلاميذ الصغار.

وهذا عمل إجرامي لا يمكن أن يجيزه شرع أو قانون أو عقل أو حتى مجرد الشعور بالإنسانية.

ونحن نؤكد ما سبق تقريره في مرات سابقة من أننا نرفض هذا الإجرام.. وندينه بكل شدة .. وندعو كل الأمة للتكاتف والوقوف صفا واحدا في مواجهته..

محمد حامد أبو النصر

المرشد العام للإخوان المسلمين.

البرنامج الإسلامي

من الشبهات الغريبة المثارة حول الإسلاميين أنهم يكتفون بكلمة مثل ( الإسلام هو الحل ) أو ( بالقرآن دستورنا) وأنهم لا يقدمون البرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي لحركتهم، وهذه الشبهة من كثرة تردادها والإصرار عليها أصبحت في حكم المسلمات التي يبدأ بها الكتاب العلمانيون كتبهم ومقالاتهم وينتهون بها أيضا، وكلما جاء ذكر الإسلاميين ذكرت عبارة أين البرنامج. وفي الحقيقة والواقع فإنني لم أجد كذبة كبرى أكبر من هذه الكذبة في الإصرار عليها والتمسك بها رغم وجود عشرات البرامج التي قدمها الإسلاميون على مدى نضالهم الطويل.

وعلى سبيل المثال لا الحصر قدم الإمام الشهيد حسن البنا برنامجا متكاملا لحركة الإخوان في الثلاثينيات تحت عنوان " مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي" كما قدم برنامجا عمليا في نقاط محددة تحت عنوان " بعض خطوات الإصلاح العملي في الناحية السياسية والإدارية والقضائية، والناحية الاجتماعية والعلمية والاقتصادية ".

وقدمت جماعة الإخوان سنة 1952 برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد نشره الأستاذ محمود عبد الحليم في الجزء الثالث من كتابه ( الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ في الصفحات من 118 – 125 ) وفي انتخابات 1987 قدم التحالف الإسلامي برنامجا باسم برنامج النقاط العشر وفي انتخابات المحليات 1992 قدم التحالف الإسلامي برنامجا انتخابيا بهذه المناسبة تحت عنوان برنامج مرشحي حزب العمل والتحالف الإسلامي في القوائم والدوائر الفردية للانتخابات المحلية جمادى الأولى 1413 هـ نوفمبر 1992.

برنامج الإمام الشهيد حسن البنا وما جاء في مذكرات الدعوة والداعية

بعض خطوات الإصلاح العملي

يا صاحب...

بعدما أوضحا ما يجب أن يسود الأمة في نهضتنا الجديدة من شعور روحي، نحب أن نعرض ختما لبعض المظاهر والآثار العملية التي يجب أن يمليها هذا الشعور، وسنذكر هنا رؤوس موضوعات فقط ونحن نعلم تمام العلم أن كل مطلب من هذه المطالب يحتاج إلى بحث فسيح واسع دقيق تتوافر فيه جهود الأخصائيين وكفايتهم، كما أننا نعلم أننا لم نستقص بعد كل حاجيات الأمة ومطالبها ومظاهر النهضة جميعا ولسنا نعتقد أن تحقيق هذه المطالب من الهينات بحيث يتم في عشية أو ضحاها، كما أننا نعلم أن كثيرا منها أمامه من العقبات المتشعبة ما يحتاج إلى طول الأناة وعظيم الحكمة وماضي العزيمة كل ذلك نعلمه ونقدره، ونعلم إلى جانبه أنه إذا صدق العزم ووضح السبيل، وأن الأمة القوية الإرادة إذا أخذت في سبيل الخير فهي لابد واصلة إلى ما تريد إن شاء الله تعالى، فلتتوجهوا والله معكم. أما رؤوس مناحي الإصلاح المرتكز على الروح الإسلاميفهي:

أولا: في الناحية السياسية والقضائية والإدارية:

1- القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية في وجهة واحدة وصف واحد.

2- إصلاح القانون حتى يتفق مع التشريع الإسلاميفي كل فروعه.

3- تقوية الجيش والإكثار من فرق الشباب وإلهاب حماستها على أسس من الجهاد الإسلامي.

4- تقوية الروابط بين الأقطار الإسلامية جميعا وبخاصة العربية منها تمهيدا للتفكير الجدي العملي في شأن الخلافة الضائعة.

5- بث الروح الإسلامية في دواوين الحكمة بحيث يشعر الموظفون جميعا بأنهم مطالبون بتعليم الإسلام.

6- مراقبة سلوك الموظفين الشخصي وعدم الفصل بين الناحية الشخصية والناحية العملية.

7- تقديم مواعيد العمل في الدواوين صيفا وشتاء حتى يعين ذلك على الفرائض ويقضي على السهر الكثير. 8- القضاء على الرشوة والمحسوبية والاعتماد على الكفاية والمسوغات القانونية فقط.

9- أن توزن كل أعمال الحكومة بميزان الأحكام والتعاليم الإسلامية، فتكون نظم الحفلات والدعوات والاجتماعات الرسمية والسجون والمستشفيات بحيث لا تصطدم بتعاليم الإسلام، وتكون الدوريات في الأعمال على تقسيم لا يتضارب مع أوقات الصلاة.

10- استخدام الأزهريين في الوظائف العسكرية والإدارية وتدريبهم.


ثانيا: في الناحية الاجتماعية والعلمية:

1- تعويد الشعب احترام الآداب العامة، ووضع إرشادات معززة بحماية القانون في ذلك الشأن، وتشديد العقوبات على الجرائم الأدبية.

2- علاج قضية المرأة علاجا يجمعه بين الرقي بها والمحافظة عليها وفق تعاليم الإسلام، وحتى لا تترك هذه القضية التي هي أهم قضايا الاجتماع تحت رحمة الأقلام المغرضة والآراء الشاذة من المفْرِطين والمفَرِّطين.

3- القضاء على البغاء بنوعيه السري والعلني. واعتبار الزنا مهما كانت ظروفه جريمة منكرة يجلد فاعلها.

4- القضاء على القمار بكل أنواعه من ألعاب ويانصيب ومسابقات وأندية.

5- محاربة الخمر كما تحارب المخدرات، وتحريمها وتخليص الأمة شرورها.

6- مقاومة التبرج والخلاعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون، والتشديد في ذلك بخاصة على المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن في حكمهن.

7- إعادة النظر في مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان وفي كثير من مراحل التعليم.

8- منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات، واعتبار خلوة أي رجل بامرأة لا تحل له جريمة يؤخذان بها. 9- تشجيع الزواج والنسل بكل الوسائل المؤدية إلى ذلك، ووضع تشريع يحمي الأسرة ويحض عليه أو يحل مشكلة الزواج.

10- إغلاق الصالات والمراقص الخليعة وتحريم الرقص وما إلى ذلك.

11- مراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة.

12- تهذيب الأغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك.

13- حسن اختيار ما يذاع على الأمة من المحاضرات والأغاني والموضوعات واستخدام محطة الإذاعة في تربية وطنية خلقية فاضلة.

14- مصادرة الروايات المثيرة والكتب المشككة المفسدة والصحف التي تعمل على إشاعة الفجور وتستغل الشهوات استغلالا فاحشا.

15- تنظيم المصايف تنظيما يقضي على الفوضى والإباحية التي تذهب بالغرض الأساسي من الاصطياف.

16- تحديد مواعيد افتتاح وإغلاق المقاهي العامة، ومراقبة ما يشتغل به روادها، وإرشادهم إلى ما ينفعهم وعدم السماح لها بهذا الوقت الطويل كله.

17- استخدام هذه المقاهي في تعليم الأميين القراءة والكتابة، ويساعد على ذلك هذا الشباب المتوثب من رجال التعليم الإلزامي والطلبة.

18- مقاومة العادات الضارة اقتصاديا أو خلقيا أو غير ذلك، وتحويل تيار الجماهير عنها إلى غيرها من العادات النافعة، أو تهذيب نفسها تهذيبا يتفق مع المصلحة وذلك كعادات الأفراح والمآتم والموالد والزار والمواسم والأعياد وما إليها، وتكون الحكومة قدوة صالحة في ذلك.

19- اعتبار دعوة الحسبة، ومؤاخذة من يثبت على مخالفة شيء من تعاليم الإسلام أو الاعتداء عليه كالإفطار في رمضان وترك الصلاة عمدا أو سب الدين أو أمثال هذه الشؤون.

20- ضم المدارس الإلزامية في القرى إلى المساجد، وشمولهما معا بالإصلاح التام من حيث الموظفين والنظافة وتمام الرعاية، حتى يتدرب الصغار على الصلاة ويتدرب الكبار على العلم.

21- تقرير التعليم الديني مادة أساسية في كل المدارس على اختلاف أنواعها كل بحسبه وفي الجامعة أيضا.

22- تشجيع تحفيظ القرآن في المكاتب العامة الحرة، وجعل حفظه شرطا في نيل الإجازات العلمية التي تتصل بالناحية الدينية واللغوية، مع تقرير حفظ بعضه في كل مدرسة.

23- وضع سياسة ثابتة للتعليم، تنهض به وترفع مستواه وتوحد أنواعه المتحدة الأغراض والمقاصد، وتقرب بين الثقافات المختلفة في الأمة، وتجعل المرحلة الأولى من مراحله خاصة بتربية الروح الوطني الفاضل والخلق القويم.

24- العناية باللغة العربية في كل مراحل التعليم، وإفرادها في المراحل الأولى عن غيرها من اللغات الأجنبية.

25- العناية بالتاريخ الإسلامي والتاريخ الوطني والتربية الوطنية وتاريخ حضارة الإسلام.

26- التفكير في الوسائل المناسبة لتوحيد الأزياء في الأمة تدريجيا.

27- القضاء على الروح الأجنبية في البيوت من حيث اللغة والعادات والأزياء والمربيات والممرضات إلخ، وتصحيح ذلك كله وبخاصة في بيوت الطبقات الراقية.

28- توجيه الصحافة توجيها صالحا وتشجيع المؤلفين والكاتبين على طرق الموضوعات الإسلامية الشرقية. 29- العناية بشؤون الصحة العامة من نشر الدعاية الصحية بمختلف الطرق والإكثار من المستشفيات والأطباء والعيادات المتنقلة وتسهيل سبل العلاج.

30- العناية بشأن القرية من حيث نظامها ونظافتها وتنقية مياهها ووسائل الثقافة والراحة والتهذيب فيها.


ثالثا: في الناحية الاقتصادية:

1- تنظيم الزكاة دخلا ومنصرفا بحسب تعاليم الشريعة السمحة، والاستعانة بها في المشروعات الخيرية التي لابد منها كملاجئ العجزة والفقراء واليتامى وتقوية الجيش.

2- تحريم الربا وتنظيم المصارف تنظيما يؤدي إلى هذه الغاية، وتكون الحكومة قدوة في ذلك بإلغاء الفوائد في مشروعاتها الخاصة، بها كبنك التسليف والسلف الصناعية وغيرها.

3- تشجيع المشروعات الاقتصادية والإكثار منها، وتشغيل العاطلين من المواطنين فيها واستخلاص ما في أيدي الأجانب منها للناحية الوطنية البحتة.

4- حماية الجمهور من عسف الشركات المحتكرة وإلزامها حدودها والحصول على كل منفعة ممكنة للجمهور.

5- تحسين حال الموظفين الصغار برفع مرتباتهم واستبقاء علاواتهم ومكافآتهم وتقليل مرتبات الموظفين الكبار.

6- حصر الوظائف وخصوصا الكثيرة منها، والاقتصار على الضروري، وتوزيع العمل على الموظفين توزيعا عادلا والتدقيق في ذلك.

7- تشجيع الإرشاد الزراعي والصناعي، والاهتمام بترقية الفلاح والصانع من الناحية الإنتاجية.

8- العناية بشئون العمال الفنية والاجتماعية، ورفع مستواهم في مختلف النواحي الحيوية.

9- استغلال الموارد الطبيعية كالأرض البور والمناجم المهملة وغيرها.

10- تقديم المشروعات الضرورية على الكماليات في الإنشاء والتنفيذ.


وبعد فهذه رسالة الإخوان المسلمين، نتقدم بها، وإنا لنضع أنفسنا ومواهبنا وكل ما نملك تحت تصرف أية هيئة أو حكومة تريد أن تخطو بأمة إسلامية نحو الرقي والتقدم.

نجيب النداء ونكون الفداء، ونرجو أن نكون قد أدينا بذلك أمانتنا وقلنا كلمتنا والدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وحسبنا الله، وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى..

حسن البنا

برنامج التحالف عام 1987

بسم الله الرحمن الرحيم

البرنامج الانتخابي على قائمة حزب العمل

" وبالنجم هم يهتدون "

من الإيمان والأخلاق والفضائل.. سيبدأ حل المشكلة الاقتصادية

برنامجنا في سطور

  • في الحريات : نطلب إلغاء حالة الطوارئ والقوانين المقيدة وضمان نزاهة الانتخابات الشريعة
  • نظام متكامل للحكم ولكل نشاط اجتماعي
  • الأقباط مواطنون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.
  • إشاعة الفضيلة
  • لابد أن تكون القيادات قدوة في طاعة الله
  • ولابد من إغلاق منافذ الكسب الحرام وعقاب صارم للمنحرفين
  • حلول شاملة وأصيلة لمشاكل الإسكان والعلاج والتعليم
  • أجهزة الإعلام : نطلب التزامها بالصدق ونطلب فتحها أمام كل الآراء
  • الثقافة : لابد من تجديد فكري وفني يرد الأمة إلى أصولها الثقافية العربية والإسلامية
  • عدم الانحياز ضرورة للنهضة الإسلامية والصهيونية عدونا المباشر
  • نرفض العلاقات الخاصة مع أمريكا سياسيا وعسكريا واقتصاديا
  • الأمن المصري يتطلب تكاملا عربيا وتعاونا مع الدول الإسلامية.
  • الحاجات المعيشية : لابد من مقاومة الغلاء وزيادة الأجور مع ارتفاع الأسعار ولابد من الإبقاء على دعم السلع الأساسية.

تعيش مصرنا العزيزة مرحلة من أشد المراحل في تاريخها كله. ولو أردنا أن نسمي هذه المرحلة باسم شامل لمظاهرها كافة لسميناها مرحلة انحسار القيم وانهزامها. فأسباب معاناة الأمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تعود في التحليل النهائي لها إلى غيبة القيم الصالحة البناءة عن توجيه سلوك الأفراد والجماعات عن معاهدة تعليم النشء – وعن مؤسسات التنمية الاجتماعية كالأندية والجمعيات وغيرها وإلى انعدام القدوة التي لا ينتقل الخير والفضل والخلق القويم من جيل إلى جيل إلا بها. وإذا كانت البيئة الاجتماعية المصرية مازالت بفضل الله وحدة متماسكة بتأثير بقايا الأجيال التي تجعل المصلحة العامة فوق النفع الشخصي، وتعطي لموجهات السلوك المستمدة من تقاليدنا الصالحة وزنها، وتجعل إيمانها الديني مصدرا رئيسيا لإقرار سلوك أو إنكاره، فإن ذلك لا يستمر إلا بعودة الأزمات الخانقة والأحداث الجسيمة لتخرج منها أكثر قوة وأشد صلابة.

وكان أمل المتطلعين للإصلاح كبيرا في أن تستجيب الحكومات التي توالت على الحكم منذ الانتخابات الماضية ( 1984 ) إلى هذه المشاعر الصادقة، وإلى تلك الرؤية العميقة المبنية على تأمل صحيح في واقع الحياة المصرية وماضيها ومستقبلها.

ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، فشرع الله لم يطبق، وشاع الكسب الحرام دون رادع، ومع شيوع الفساد زاد نفوذ المفسدين في الأرض وأصحاب المصالح المشبوهة، وانحدرت قيمة العمل وتخلف أداء الواجب واحترام القانون. وقد أخفقت الحكومات المتعاقبة في اتباع سياسة عامة متكاملة للإصلاح بسبب تراجعها أمام المجموعات القوية من أصحاب المصالح، كما تزايد النفوذ الأجنبي في تقرير سياستنا وفي الدوائر الحكومية، وبين رجال الأعمال المصرييننتيجة الاعتماد المتزايد على القروض والمعونات الأجنبية التي أدت إلى ربط عجلة الاقتصاد القومي بالمصادر المقرضة وتدخل المنظمات الدولية في توجيه أمورنا مستفيدة من تراكم أعباء خدمة الديون الخارجية، وتعثرنا في سدادها.

لقد أدت سياسات الحكم وما صحبها من مظالم إلى تفجرات متتالية، ولجأت السلطة إلى مواجهة ذلك بالأساليب القمعية، فلم تعالج الأسباب الحقيقية للتذمر واستمر الاستبداد واستمر ارتكاب جرائم التعذيب البدني والنفسي التي تشكل عدوانا صارخا على مبادئ ديننا، كما أنها تشكل وصمة عار في سمعة مصر لمنافاتها لكرامة الإنسان المصري وآدميته.

واستمر سريان الأحكام العرفية المسماة بحالة الطوارئ منذ اغتيال الرئيس السابق السادات، وستتم الانتخابات الحالية في ظل الشبح المخيف الذي تمثله حالة الطوارئ هذه، والذي يجرد المواطن من الحقوق والحريات التي كفلها له الدستور، وبقيت ترسانة القوانين السالبة والمقيدة للحريات، وأضيف إليها النظام الجديد للانتخابات بالقوائم الحزبية المطلقة والنسبية المشروطة التي تقضي على مزايا التعدد الحزبي الذي حل محل تنظيم الحزب الواحد.. وقد تم حل مجلس الشعب السابق توقعا لصدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون الذي انتخب على أساسه ولكن صدر قانون جديد لم تحرص الحكومة التي أصدرته على أن يأتي خاليا من العيوب.

وإذا كان إصلاح الحال يتطلب مناخا ديمقراطيا، فإن الديمقراطية لا تمنح ولكن يستحقها من يسعى إليها ويجاهد في سبيلها.

ولذلك فإن المرشحين على قائمة حزب العمل اجتمعوا على ضرورة أن يحموا الحرية وأن يتصدوا لكل من يحاول تزوير الانتخابات، وهم يلتزمون بالعمل متضامنين من خلال مجلس الشعب من أجل تطبيق برنامج متكامل يحقق لهذه الأمة خيرا كبيرا بإذن الله..

ونحن نطلب ثقة الناخبين وفق هذا الالتزام، ونعاهد الله تعالى، ونعاهد شعبنا المصري الأبي، على الدعوة إليه والاستمساك به ....


القسم الأول : إصلاح نظام الحكم بالديقراطية الصحيحة

إن أساس الإصلاح في مصر اليوم هو تحقيق الحكم الديمقراطي السليم الكامل، وذلك يكون في تقديرنا – باتخاذ الوسائل الآتية .

1- إعادة النظر في الدستور

أ- مراجعة الدستور عن طريق جمعية تأسيسية تنتهي من مهمتها خلال مدة محددة لتحقيق الاتساق بين أحكامه وبين تغيير النظام السياسي للبلاد من نظام شمولي على تنظيم سياسي واحد إلى نظام ديمقراطي قائم على تعدد الأحزاب.

ب- انتخاب رئيس الجمهورية ونائبه انتخابا مباشرا من بين أكثر من مرشح لمدة خمس سنوات، وجواز إعادة انتخابهما لمدة واحدة ثابتة ويجب أن يوقفا نشاطهما الحزبي أثناء توليهما منصبيهما، ويكون رئيس الجمهورية حكما بين السلطات.

ج- تتولى السلطة التنفيذية حكومة تحظى بثقة أغلبية الشعب وتعتبر مسئولة أمامه. وإذا سحب المجلس ثقته من الحكومة تعين استقالة الوزارة وإذا سحبت الثقة من أحد الوزراء يتعين عليه الاستقالة.

د- تقرير الحق الكامل لمجلس الشعب في تعديل الموازنة العامة دون تعليق ذلك على موافقة الحكومة.

هـ- إلغاء المادة 74 من الدستور وإزالة كل آثار قرارات سبتمبر 1981 الصادرة استنادا إليها.

و- اختبار رؤساء المدن والأحياء والقرى عن طريق الانتخاب الحر المباشر.

2- إلغاء القوانين والممارسات المنافية للديمقراطية

أ- رفع حالة الطوارئ عن جميع المعتقلين وتقديم المتهمين منهم إلى المحاكمة بلا تأخير أمام القضاء العادي.

ب- إلغاء القوانين سيئة السمعة السالبة والمقيدة للحريات العامة والشخصية والمناقضة للدستور وحقوق الإنسان، وما تسلل إلى القوانين العادية من نصوص مماثلة كالنص الوارد بقانون العقوبات لتقييد حرية العلماء في نقد تصرفات الإدارة وقرارات السلطة العامة داخل دور العبادة.

ج- تقرير الحق في تكوين الأحزاب السياسية دون الحاجة إلى الحصول على إذن بإنشائها اكتفاء بإخطار وزارة الداخلية عن قيامها بما يسمح لكافة الاتجاهات السياسية بالتعبير عن نفسها من أية جهة سوى ما يحكم به القضاء إذا انحرفت عن الطريق المشروع.

د- إلغاء صور الخلط بين مؤسسات وأجهزة الدولة وبين تنظيمات الحزب الحاكم بما يضمن أن تكون الدولة للجميع ولا يكون هناك تمييز بين المواطنين بسبب العقيدة السياسية.

3- سلامة الانتخابات العامة

أ- توفير الضمانات التي تكفل حيدة الانتخابات العامة وحريتها يجعل جداول الناخبين مطابقة لسجل الأحوال المدنية بحيث يقيد به اسم كل من يبلغ 18 عامًا دون أن يكون به سبب يؤدي إلى وقف مباشرة حقوقه السياسية أو حرمانه منها، وإجراء الاقتراع بموجب البطاقة الشخصية أو العائلية دون الحاجة لاستخراج بطاقة انتخابية خاصة.

ويشترط توقيع الناخب بإمضائه عند الإدلاء بصوته للتأكد من حضوره بشخصه، ويتولى الإشراف على العملية الانتخابية بأكملها هيئة قضائية مستقلة يشكلها مجلس القضاء الأعلى مع جعل عقوبة تزوير الانتخابات جناية لا تسقط بالتقادم.

ب- إلغاء نظام الانتخابات بالقوائم الحزبية على أساس الأغلبية المطلقة في المجالس المحلية ونظام الانتخابات بالقوائم الحزبية مع التمثيل النسبي المشروط لمجلس الشعب.

جـ- أن يتم تمثيل العمال والفلاحين عن طريق مرشحين تعترف بصفتهم النقابات العمالية والتعاونيات الزراعية حيث أصبح يندرج تحت هذه المسميات من لا يعتبرون منهم.

د- جعل اختصاصات الفصل في الطعون الانتخابية لأعضاء مجلس الشعب للسلطة القضائية نهائيا.

4 – استقلال القضاء

أ- استكمال دعم القضاء يجعل كافة أموره من اختصاص مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه رئيس محكمة النقض وتشترط موافقته على كل ما يتعلق بشئونه وعدم الاكتفاء بأخذ رأيه وإلغاء جميع المحاكم الاستثنائية، وإزالة الازدواج الموجود بين النيابة العامة وبين المدعى العام الاشتراكي بإلغاء هذا المنصب.

ب- حظر ندب رجال القضاء والنيابة للقيام بأعمال السلطة التنفيذية حفاظا على استقلال السلطة القضائية.

جـ- إحالة اختصاص إبداء الرأي والفتوى في الإدارات القانونية بالوزارات والمصالح الحكومية والهيئات العامة إلى قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة وإلحاق أقسام التحقيقات بهذه الإدارات بالنيابة الإدارية.

د- تقرير حق الطعن بالطريق المباشر بعدم دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية العليا وعدم قصر هذا الحق على الطعون المقدمة بمناسبة الدعوى المطروحة أمام المحاكم الأخرى.

ز- جعل السجون تابعة لوزارة العدل لوضع حد لجرائم التعذيب التي تتم داخلها وإلغاء الحبس الاحتياطي المطلق.


القسم الثاني : تطبيق الشريعة الإسلامية

1- إن تطبيق الشريعة الإسلامية واجب ديني وضرورة وطنية، فلا يجوز أن يكون ذلك مجالا للموافقة أو المعارضة بل يتعين على كل مسلم الاستجابة إلى أمر الله تعالى بتحكيم شريعته، ولذلك فنحن ندعو للبدء فورا في تطبيق الشريعة الإسلامية اتساقا مع أحكام الدستور، ومع تسليمنا بأن الأمر يتطلب مرور فترة زمنية من أجل إكمال التطبيق على النحو المرجو، فإن ما نطلب الإسراع فيه هو الإقرار بالمبدأ فعلا لا قولا، مع البدء في التنفيذ.

2- ويجب أن ينصب التعديل في المرحلة الأولى على التشريعات المخالفة صريحة وشاملة لأحكام الشريعة أو المعطلة لنصوصها الصريحة فتلغى فورا أو تحل محلها نصوص مأخوذة من الشريعة الإسلامية أو متفقة في أحكامها معها.

3- التشريع المستمد من الشريعة الإسلامية لا يمكن إلا أن يمضي على سنة الاجتهاد الإسلامي الحميد، وذلك هو الطريق الذي يمكن الأمة من تطوير نظامها القانوني تطويرا متفقا مع الشريعة الإسلامية يحقق مصالحها المتجددة ويستجيب لحاجاتها المتطورة.

4- العمل الكبير المطلوب في هذا الاتجاه ليس مهمة المشروع وحده، بل هو مهمة متكاملة يحمل جانبا منها المشرع ويحمل جوانب أخرى الفقهاء وأساتذة القانون والعلماء المتخصصون في الاقتصاد والمشتغلون بالتجارة والصناعة وغيرهم، وهؤلاء مطالبون بتقديم جهد علمي دقيق في بصر حاد بظروف العصر وحاجات أهله.

5- المفهوم المتكامل للشريعة يتجاوز بطبيعة الحال مسألة الحدود، بل يتجاوز القوانين المدنية والجنائية، فسياسة الإعلان مثلا أو التعليم لا تقل خطرا، وكذلك فإن ما يتعلق بالنظام الاقتصادي وبالأوضاع الدستورية هو من الأصول الأولى. ولذا فإن كل ما نطرحه في برنامجنا هذا يعتبر تطبيقا لنظرتنا الشاملة فيما يتعلق بموضوع الشريعة.

6- الأخوة الأقباط وأهل الكتاب عامة مواطنون في الدولة الإسلاميةالمستهدفة، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. وإذا كان الإسلام دين الغالبية العظمى من المصريين، فإن ما أنشأه من حضارة وتاريخ هو ملك لكل من شارك في العمران في ظل الدولة الإسلامية، وكل من يعيش على أرض مصر هو وارث لذات التقاليد والأعراف والفنون وأمين عليها وهذا هو الأساس في روح الأخوة المصرية التي أظلت على مر القرون أبناء الدينين الكبيرين في مصر، وهذا الأساس للعمل المتكامل لبناء مستقبلهم، وهذا هو الأساس الذي يتغلب به المصريون جميعا على الدسائس والفتن التي تستهدف وحدتهم وأمنهم واستقرار وطنهم.

القسم الثالث : إشاعة الفضيلة وإغلاق أبواب الفساد

1- يجب أن تحرص الحكومة وكافة المسئولين بها على أن يكونوا قدوة حسنة الاستمساك بتعاليم الإسلام وبالفضائل الدينية في كل التصرفات الشخصية حتى يتوافر المظهر الكريم لدولة عريقة تحكمها الشريعة الغراء.

2- لا أخلاق بغير دين وكل إمكانات التثقيف والتربية ينبغي أن تتضافر معا في تنشئة الأجيال الجديدة وفي تنمية القيم النبيلة ويقع على الأسرة عبء كبير، ولكن يجب أن تتعاون في أداء الرسالة المدرسة وأجهزة الإعلام والتثقيف من سينما وتلفاز ومسرح وموسيقا.. إلخ، فكل هذه الإمكانات ينبغي أن تسخر لنشر القدوة الطيبة وللحض على مكارم الأخلاق وللنهي عن كل ما حرم الله.

3- يجب أن تتضافر الجهود الرسمية والشعبية على دعم دور العبادة وحمايتها وينبغي أن تعود المساجد إلى أداء رسالتها الجامعة ويرتبط هذا بإطلاق حرية الدعاء وإعادة الحياة إلى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف على أن يكون انتخاب شيخ الأزهر بينهم ويقتصر القرار الجمهوري الذي يصدر بتعيينه على تسمية من العلماء للمشيخة.

4- إغلاق المصانع التي تملكها الدولة لتصنيع الخمور وتحريم المراهنات وألعاب القمار وعدم الترخيص بوجود دور اللهو الحرام باسم السياحة أو تحت أية ذريعة أخرى.

5- سد المنافذ التي يتسرب منها المال الحرام إلى الأفراد فيفسد الذمم ويؤثر على علاقاتهم وروابطهم أخدا في الاعتبار أن الأجانب والصهاينة الذين لا يريدون لنا الخير بارعون في استخدام هذه الأساليب. 6- يرتبط بذلك إعادة النظر في قانون الكسب غير المشروع وتحريم قبول الهدايا وكافة المنافع المعنوية والمادية لمن يتولى وظيفة عامة في الدولة أو القطاع العام فيما عدا الأشياء الزهيدة التي توزع على الكافة.

7- منع الواسطة لإنجاز المعاملات وإلغاء جميع الاستثناءات في كافة القوانين ووجوب تسبيب رفض أو قبول العطاءات وعدم إسنادها بالأمر المباشر.

8- رفع السرية عن تقارير الأجهزة الرقابية في الدولة وبصفة خاصة الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية وإبعاد كل من يثبت عليه الانتفاع أو الاستغلال أو الانحراف من مراكز المسئولية ووضع الضوابط لضمان نزاهة الوظائف العامة.


القسم الرابع : الثقافة والإعلام

الحياة الثقافية المصرية تعاني من ركود ونضوب لعلهما لم يسبق لهما مثيل منذ فجر النهضة الوطنية المصرية ولا يقتصر ذلك على المضمون الذي يقدم للناس في وسائل نشر الثقافة ووسائل الإعلام المختلفة، بل يتعداه إلى شكل من الوسائل وأنواعها فهي تدل على تخلف بعيد عن تقنيات العصر الثقافية والإعلامية.

إن البلاد في أمس الحاجة إلى حركة إحياء ثقافي وتجديد فكري ترد الأمة إلى أصولها الثقافية العربية والإسلامية، وترد عنها مظاهر التغريب والفرنجة الوافدة من كل بقاع العالم تقريبا.

كما أن الإعلام المصري الرسمي بحاجة إلى تقويم جاد وموضوعي يهدف إلى إعادة الثقة باعتباره المعبر عن الكلمة الرسمية للدولة المصرية.

وفي سبيل ذلك فإننا نرى على سبيل المثال - لا الحصر – ضرورة ما يأتي:

1- التزام الدولة بالعمل على نشر الوعي الثقافي بين المواطنين وتوفير السبل والإمكانات اللازمة لذلك.

2- تشجيع النشاط الثقافي الخاص فرديا كان أم جماعيا بصورة كافية، وإزالة جميع المعوقات الإدارية والقانونية التي تمنع انطلاق النشاط الثقافي في مختلف المجالات وعلى الأخص في مجال ترسيخ القيم الدينية الصحيحة ونشرها وتدعيم الالتزام بها سلوكا وعقيدة بين مختلف قطاعات الشعب.

3- رفع جميع القيود المقررة في القوانين واللوائح والقرارات الإدارية الخاصة بالنشر والإنتاج الثقافي والتوزيع فيما عدا القيود الخاصة بحماية القيم الدينية والحفاظ على الأخلاق.

4- إلغاء القيود المفروضة على تصدير الكتاب المصري إلى جميع أنحاء العالم.

5- وضع القواعد والأسس الكفيلة بالتزام أجهزة الإعلام الرسمية الصدق المطلق في التعامل مع الخبر الذي تقدمه أو التعليق الذي تبثه في جميع الموضوعات وتحت كل الظروف ومحاسبة المسئولين الذين يثبت خروجهم عن هذه القاعدة.

6- تحويل الإعلام الرسمي المصري إلى إعلام قومي يتعرف الشعب من خلاله على الخريطة الواقعية للمجتمع المصري الدولي بجميع عناصرها الثابتة والمتغيرة بدلا من الوضع الحالي له الذي لا يزيد فيه على كونه جهازا حكوميا يتغنى بأمجاد الحكومة.

ويتضمن الإصلاح المنشود في هذا الاتجاه تأكيد استقلالية هيئة الإذاعة والتليفزيون لضمان حق الأحزاب المتكافئ في التعبير عن رأيها من خلال الإذاعة والتليفزيون.

7- وبالنسبة للصحافة ينبغي إلغاء ملكية الصحف القومية للدولة وإشراف مجلس الشورى عليها وإلغاء المجلس الأعلى للصحافة، وتحويل الصحف المسماة بالقومية إلى شركات مساهمة يكتتب في أسهمها المواطنون بحيث تكون الأولوية للعاملين فيها ولا يمتلك أي فرد أكثر من عدد معين من الأسهم.

8- تقرير حرية إصدار الصحف وإلغاء قانون سلطة الصحافة واللائحة التنفيذية له وتعديل قانون المطبوعات بما يوفر حرية التعبير وحق الشعب في الاطلاع على آراء كتابه ومفكريه.

9- العمل على إحياء حركة نشر التراث وتيسيره للمثقفين بأسعار زهيدة في طبعات تجمع بين التحقيق العلمي وجودة الإخراج الفني.

10- العمل على نقل التقنية العصرية المتقدمة في مجالات الطباعة والنشر والمسرح والسينما والإذاعة المسموعة والمرئية، والعمل على تطوير صناعة محلية مصرية متقدمة في هذه المجالات جميعها.


القسم الخامس : معالجة المشاكل المعيشية

تعاني جماهير الشعب من مشاكل عديدة تؤثر في حياتها اليومية ومستوى معيشتها، وينعكس أثرها على عملهم وإنتاجهم، وتتجلى بصفة خاصة في الغلاء المتصاعد وعدم التناسب بين مستوى الأسعار والأجور، وفي ازدحام وسائل النقل العام، ومشاكل المرور والمواصلات، وفي تلوث البيئة والأغذية والعلاج الطبي، وفي التعليم، وقضايا الشباب. وفي مواجهة كل ذلك نطالب بحلول أصيلة وعلمية ونرفض توجيهات وكالة التنمية الأمريكية وصندوق النقد الدولي التي تقضي على استقلال الدولة وتؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية

1- حدة الغلاء وعدم التناسب بين الأجور والأسعار

لإيقاف هذا التيار المتصاعد للغلاء ولتحقيق العدل الاجتماعي لابد من:

(أ‌) القضاء على التضخم النقدي كسبب رئيسي للغلاء ويقتضي هذا وقف الاعتماد على الإصدار النقدي ( أي طبع أوراق نقدية جديدة ) لسد ما قد يوجد في موازنة الدولة من عجز.

(ب‌) ضغط الإنفاق العام الحكومي بمنع الإنفاق على أبهة الحكم ومظاهره وتخفيض نفقات المهرجانات والاستقبالات، ومراجعة نفقات السيارات، والاستراحات، والأبنية الحكومية، وخفض نفقات التمثيل الخارجي، ووضع الضوابط لسفر الوفود الرسمية، والتخلص من المنشآت العامة الاقتصادية الخاسرة والأجهزة الرسمية عديمة الجدوى كالمجالس القومية المتخصصة، ومواجهة حرائق وحدات الإنتاج التي تلحق بالاقتصاد القومي أفدح الأضرار، وعمليات تأخير تفريغ البواخر بميناء الإسكندرية تفاديا لدفع غرامات التأخير، وعدم التوسع في نفقات العلاج بالخارج خاصة بالنسبة لما هو متوافر في مصر، وتخفيض نفقات الإعلانات والعلاقات العامة في الوزارات والهيئات والشركات العامة.

(ج ) إنشاء إدارة متخصصة للأسعار تتولى متابعتها، ودراسة الظروف التي تطرأ عليها، وما يقتضي تسعيره من سلع ومنع الوسطاء بين المنتجين والمستهلكين بما يتسبب في تضخم الأسعار ويخلق مجالات للتحكم والتلاعب والكسب الحرام.

( د ) إصلاح النظام الضريبي في مصر بزيادة التركيز على الضرائب المباشرة التي تفرض على الدخول الكبيرة التي لا تتفق على الإنتاج حتى لا يؤدي اتفاقها الكبير على الاستهلاك إلى زيادة الأسعار، وفرض ضريبة على مظاهر الإنفاق الترفي المعبر عن هذه الدخول الخفية المصدر، مع زيادة الضرائب المباشرة، وتخفيض غير المباشرة بالنسبة لمحدودي الدخل تحقيقا للعدل الاجتماعي.

(هـ) رفع الحد الأدنى للأجور ومستوى الأجور في الدولة والقطاع العام، والأخذ بنظام يقضي بالزيادة التلقائية لفئات الأجور والمعاشات بما يتمشى مع زيادة التضخم والارتفاع تحت إشراف مجلس قومي – وليس حكوميا بحتا – للأجور والأسعار يختص برسم ومتابعة تنفيذ سياسات الأجور والأسعار ويراعى أن تمثل فيه النقابات العمالية.

(و) إعادة النظر بصورة جذرية في مرتبات العاملين بالحكومة والقطاع العام لرفعها بما يؤدي إلى تضييق الفروق الشاسعة غير المقبولة للأجور والمرتبات عن الأعمال المتماثلة التي تؤدى فيها وفي كل من القطاع الخاص والاستثماري والمشروعات المشتركة.

(ز) الإبقاء على الدعم للسلع الأساسية مع إلغائه بالنسبة للسلع التي لا ضرورة لاستعمالها وتقريره في المراحل النهائية للإنتاج حتى لا يتسرب لغير مستحقيه خلال المراحل السابقة.


2- الإسكان والعلاج الطبي والتعليم

أ- إيقاف إنشاء أي بناء جديد للإدارات الحكومية عدا معاهد دور العلاج حتى تركز الحكومة طاقات التشييد بأكملها لبناء المساكن المطلوبة للوفاء بحاجات الشباب والأسر التي تقيم في الخيام وفي المقابر.

ب- إلزام المنشآت الصناعية ببناء المساكن المطلوبة اللازمة لعمالها، وتشجيع القطاع الخاص على استثمار أمواله في مجال الإسكان الاقتصادي والمتوسط من خلال خفض لتكلفة البناء عن طريق الدعم الحكومي.

ج- قصر المزايا المقررة للجمعيات التعاونية للإسكان على المخصص منها للإسكان الاقتصادي والمتوسط وتلتزم الحكومة عن طريق شركاتها العامة والحكم المحلي بتوفير بقية ما يلزم في إسكان اقتصادي على أن يتم توزيع الوحدات السكنية وفق قواعد صارمة ومعلنة.

د- توفير أراضي البناء بأسعار رمزية وآجال طويلة ووضع نظام للتوسع الإسكاني في الريف وتحديد كردونات القرى مع مراعاة المحافظة على الرقعة الزراعية ومد تطبيق قوانين تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر إلى الوحدات السكنية في القرى.

هـ- وفي مجالات الصحة لابد من إعطاء الأولوية لنظم الوقاية ويشمل ذلك اتخاذ كافة الاحتياطات لوقاية البيئة من كل عوامل التلوث وأحكام الوقاية الصحية على السلع الغذائية وخاصة المستورد منها.

و- الارتفاع بكفاءة المستشفيات العامة والمتخصصة مع التمسك بمبدأ مجانية العلاج بالمستشفيات الحكومية والوحدات الصحية الريفية.

ز- مضاعفة الجهود للقضاء على الأمراض المتوطنة كالبلهارسيا والانكلستوما والأخذ بأحدث أساليب مقاومة الأوبئة الوافدة ومنع انتشارها في بلادنا.

ح- دعم تصنيع الأدوية محليا ومتابعة أحدث البحوث العلمية في شأنها وتوفيرها بأقل الأسعار باعتبارها خدمة عامة وليس عملية يقصد منها الربح..

ط- وفي مجال التعليم نطلب إحداث تطويرات جذرية في المناهج التعليمية لكي تتلاءم من ناحية مع متطلبات الثورة العلمية والتقنية المعاصرة ولكي تتلاءم من ناحية أخرى مع المتطلبات المتنوعة للبيئات المحلية فالتعليم يجب أن يكون أداة للتكامل مع البيئة المحلية في القرية أو الحي ليخرج التلميذ أكثر ولاء وفائدة لأهله ووطنه.

ى- يجب إعادة الاعتبار للتعليم والتأهيل الفني فالتوازن بين التعليم الفني والتعليم العام أساس للمجتمع الطبيعي ويحقق الزيادة المنشودة في كل أنواع الإنتاج من السلع والخدمات.

ك- يجب أن تكون العربية لغة التعليم في كل مراحله ويجب أن يكون التعليم عملية متواصلة طول العمر ويجب أن يرتبط هذا بحملة قومية لمحو الأمية ويجب أن يكون التعليم خدمة متاحة بالمجان ويجب أن يخدم الأهداف التربوية التي يقصدها المجتمع الإسلامي.


القسم السادس :التنمية الاقتصادية

1- التنمية بالاعتماد على الذات

أ- أي حديث عن النهضة الإسلامية يكون عفوا ما لم يشمل مشروعنا اقتصادا مستقلا ناميا يغنينا عن سؤال أعدائنا، وتأسيسا على ذلك يكون برنامجنا للإصلاح الاقتصادي وفق مبدأ الاعتماد على الذات في الإنتاج في المجالات كافة حسب الأولويات الإسلامية وهي:

الضروريات ثم الحاجات ويتطلب من الحكومة في هذا الصدد عدم إعطاء الموافقة لمشروعات تخرج من نطاق تلك الأولويات كما يتطلب ذلك التركيز على مشروعات الإنتاج الغذائي وأدوات الدفاع والمساكن والملابس الشعبية ومستلزمات الإنتاج المختلفة ومشروعات الطرق والنقل.. ومثلها من المشروعات الضرورية لحاجات الإنسان الضرورية.

ب- هذا التوجه للاعتماد على الذات يتطلب بالضرورة تكامل الاقتصادات العربية ويجب أن تسعى إلى ذلك خاصة في مجال الغذاء وإنتاج الحبوب.

ج- الاقتصاد في الاستهلاك في كافة صوره، وربطه بالإنتاج ويجب على الحكومة اتخاذ جميع الأساليب والإجراءات اللازمة لمنع الإسراف والتبذير والإنفاق الترفي والمظهري واستهلاك المحاكاة والتقليد.

د- تيسير سبل الاستثمار في المجالات المشروعة حسب أولويات الإنتاج وضروريات الاستهلاك ومن أجل ضمان التشغيل الكامل للقوى العاملة المتاحة ويجب على الحكومة في هذا الصدد تحرير استثمار رأس المال الوطني والعربي من القيود المفروضة عليه ومن الوسائل التي نقترحها في هذا الصدد ما يلي:

- جعل المواطن يستشعر أن الاستثمار واجب يفرضه الدين.

- ابتكار وسائل استثمار جديدة ومتنوعة لتتفق مع ظروف مختلف فئات المجتمع.

- دعم حوافز الاستثمار المطبقة حاليا مثل الإعفاءات الضريبية والجمركية.


2- التخطيط والقطاع العام

أ- تحقيق الأهداف السابقة يتطلب تدخلا منظما من الدولة يحدد الأهداف والأولويات والسياسات ويتطلب أن تكون هناك نظرة للأجل الطويل ( 20 سنة مثلا ) توضع في ظلها خطط متوسطة الأجل ( 3- 5 سنوات ) لتحقيق الهدف النهائي في تشكيل اقتصاد قوي مستقل في كل مراحل التنمية وينبغي أن تكون كل سنة من سنوات التنمية خطوة في هذا الاتجاه بإذن الله

ب- ينبغي أن نحذر في كل ذلك من تدخل الأجانب في سياستنا أو في السيطرة على مواقع التوجيه الإنتاجي والاقتصادي.

ج- امتلاك الأفراد للمشروعات حق مشروع ولكن ليس حقا مطلقا إذ إن أصحاب المال مستخلفون فيه ملتزمون بتوجيهه لما ينفعهم وينفع الناس وفضلا عن المفروض والتوجيهات الإسلاميةالتي يلزم بها أصحاب المال كأفراد فإن الدولة مطالبة بتهيئة المناخ الاقتصادي الذي يساعد هؤلاء على تأدية قروضهم الشرعية وفي مقدمة هذا إنشاء جهاز مصرفي لا ربوي وإنشاء جهاز لتمكين الأفراد من أداء زكاة أموالهم ولضمان توجيهها في مصارفها لخير المجتمع كله.

ذ- والدولة مسئولة كذلك عن تحقيق التوازنات الكلية في الاقتصاد القومي، وخاصة في تعاملاتنا مع العالم الخارجي بحيث لا نكون مضطرين إلى الاقتراض من الدول والهيئات التي تعادي آمالنا في النهضة الإسلاميةوالوطنية.

هـ- وفي المواجهة مع عالم اليوم واحتكاراته الدولية الكبرى، ينبغي أن يتساند القطاع الخاص مع القطاع العام من أجل إحداث تنمية مستقلة وعادلة تعتمد على الموارد والإمكانات المحلية. يجب أن يتكامل دور القطاعين في الاستجابة لحاجات المجتمع من المنتجات الضرورية وفي حماية الاقتصاد الوطني من اختراق الأجانب لمشروعاته.

و- في ضوء هذا كله ينبغي دعم القطاع العام المصري وتطويره باعتباره عصب الاقتصاد الصناعي على الأسس التالية:

تحديد المجالات التي تتلاءم مع طبيعته بحيث يتخلى عما عداها للقطاع التعاوني أو المختلط أو الخاص وينبغي كذلك رفع القيود البيروقراطية عن كاهله، ومحاسبة القائمين على المشروعات وفقا للنتائج المحققة، مع إيجاد حلول عملية للشركات الخاسرة تحفظ المال العام وحقوق العاملين. ز- لا بد من تصويب مفهوم الانفتاح الاقتصادي بحيث يكون بابا لتدعيم الاستقلال وليس لفرض التبعية كذلك ليكون طريقا لزيادة القدرة الإنتاجية وليس انفتاحا استهلاكيا لاستيراد السلع الاستفزازية.. ولا بد أن يكون الانفتاح على دول العالم المختلفة، وليس علاقة مع جانب دون جانب آخر.


القسم السابع : الأمن القومي والعلاقات الخارجية

إن ارتباطنا بالوطن المصري وحبنا له لا ينسينا أننا أصحاب رسالة أسمى وأبعد من حدود هذا الوطن، وفي ظل عالم اليوم حيث لا تعيش إلا الكتل الكبرى، تزداد دوافعنا للارتباط بعمقنا التاريخي والاستراتيجي، بأهل أمتنا العربية والإسلاميةالذين فرض عليهم الاستعمار كل صنوف الفرقة، إن مصر جزء من الوطن العربي وإنها مرتبطة به، وهي قلب العالم الإسلاميالنابض، وهي درعها الواقي، ويعني كل ذلك ما يلي:

1- الجيش المصري أداة نحرص على دعمها وتقويتها لتكون درعنا في مواجهة أعدائنا، ولكن هذا الدور لا يكون ناجحا إلا إذا اعتمد على تكامل اقتصادي وعسكري مع الدول العربية والإسلامية، وإلا إذًا ابتعدنا عن نفوذ الدول الكبرى في قراراتنا السياسية وفي توفير مستلزمات الدفاع بأنواعها كافة.

2- لا بد من توحيد الجهود والتنسيق مع كل الدول المستضعفة آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ضد القوى المستكبرة والمهيمنة على النظام الدولي.

ويرتبط هذا بالالتزام بما تفرضه سياسة عدم الانحياز من إقامة علاقات متوازنة بين الشرق والغرب.

3- تحقيق الاستقلال في مواجهة قطبي النظام الدولي ( الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ) يمثل عملية بالغة الصعوبة وتتطلب جهادا وصبرا، ولكننا دون هذا الاستقلال السياسي والعسكري يستحيل أن نحقق مخطط النهضة الإسلامية.. واستقلالنا يبدأ بتعميق إيماننا بعقيدة لا إله إلا الله.. فمن هذا الإيمان وبفضله تبدأ مسيرة الاستقلال في أبعاده كلها.

4- الحذر من العلاقات الخاصة بأمريكا في ضوء اتفاقها الاستراتيجي مع إسرائيل، وموقفها القائم على الانحياز السافر لإسرائيل حتى لا تلحق الضرر بأمننا القومي، وذلك بالامتناع عن إعطائها أي تسهيلات، ومن باب أولى أية قواعد عسكرية لقواتها أو السماح لها بالقيام بمناورات مشتركة على أراضينا أو تمكينها من الحصول على معلومات أو بيانات تحت ستار البحوث العلمية أو أية حجة أخرى.

5- عدم قبول المعونات الأجنبية المشروطة مع الاعتماد على الذات أولا ثم على المصادر العربية الإسلاميةبعد ذلك.

6- وسط الصراعات الدولية المختلفة، يمثل صراعنا مع العدو الصهيوني الميدان الأخطر. إننا نطالب بتجميد اتفاقية كامب ديفيد لانتهاكات إسرائيل المتكررة لها حيث إن التزامات الطرفين متقابلة. ويرتبط هذا بالمقاطعة الشاملة للوجود الإسرائيلي في مصر اقتصاديا وثقافيا لدحر ما تستهدفه من سيطرة على المنطقة.

7- نصرة الجهاد الباسل لإخواننا الفلسطينيين الذين يواجهون مخططات أعدها الأعداء لإبادتهم، وندعم حقهم في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، ونساند كذلك إخواننا في لبنان الذين تهدف المخططات نفسها إلى تشتيتهم فرقا وأشياعًا.

برنامج مرشحي حزب العمل في القوائم والدوائر الفردية للانتخابات المحلية1992

جمادى الأولى 1413 هـ - نوفمبر 1992

الإسلام هو الحل " حزب العمل "

إن يد الشياطين الأمريكان والصهاينة تمسك بمقادير هذا البلد.. وقد وجد شياطين الخارج أعوانا من شياطين الداخل ينفذون تعليماتهم، ويخربون بيوتنا بأيديهم، فبذروا وبددوا.

إن الفساد شاع وانتشر فحل علينا غضب الله. إن المفسدين لا ينمون المال الذي ينهبون. إنهم لا يحيون الأرض بالزراعة ولا يستصلحون، ولكنهم يهلكون أخصب أرض خلقها الله ويجرفونها ويدمرون المحاصيل.. إنهم لا ينشئون صناعة ولكنهم يعطلون القائم ويستعدون لبيع المشروعات للأجانب والصهاينة.. لقد سلطوا علينا فأخذوا يحولون كل ما تصل إليه أيديهم إلى دولارات يهربون بها.. وما هربوه فعلا يبلغ ضعف الناتج الإجمالي الذي تخرجه أرض مصر كلها وسواعد المصريينجميعا.

أتندهشون بعد ذلك إذا انتشر الجوع والفقر والمرض مع الغلاء؟ أتعجبون إذا تحول الشباب إلى يد بطالة؟ إن أسباب الكوارث ظاهرة أيها المواطنون ووجه العجب والدهشة أنكم تتقاعسون ولا تقتلعون هذه الأسباب من الجذور.

ما عذرنا أمام الله؟ هل سنقول لرب العزة يوم الحساب أننا أطعنا حكامنا فأضاعونا؟ ولكن لماذا نطيع هؤلاء في معاصيهم ونرى بالدنية في ديننا؟ " أتخشونهم؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين " أيها الناس جاهدوا في الله حق جهاده واعلموا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. غيروا عباد الله ما بأنفسكم من جبن وتخاذل، وكونوا مؤمنين أقوياء.. ارفعوا رؤوسكم وقبضات يدكم في وجه الطغاة، وساعتها سنحقق النصر عليهم وعدا من الله.

لو عقدنا العزم وولينا من يقيمون دولة الإسلام لتغير الحال.

إن المجتمع المؤمن – الملتزم بالشريعة - لن يكون حكامه من السراق، ولكن سيكون حكامه ومحكوموه ممن يخشون الله في تدبيرهم وسعيهم، وفي قلوبهم وظاهر أعمالهم، فيتحرك أصحاب الأموال والعقول والسواعد في نهضة شاملة.

أبناؤها متكافلون كالجسد الواحد.

ساعتها لن يكون هناك عاطل ذليل ولن يكون هناك مترفون يفسقون لن يكون لدينا شاب لا يجد السكن ولا طفل لا يجد التعليم والعلاج، ولن يوجد كهل يفتقد الرعاية.. سنأكل ونلبس من كد سواعدنا، ولن نمد يدنا لسؤال أعدائنا.. سنكون بأمر الله خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

وأمة الخير هذه ستمتد إلى كل من حولنا فتتوحد كلمة العرب والمسلمين، أشداء على الأعداد رحماء فيما بيننا. ستقام بإذن الله دولة شامخة تبدأ من مصر والسودان ثم تتسع وتتسع في تكامل سياسي واقتصادي وعسكري يبعث الحضارة الإسلامية بقيمها وثقافتها الرفيعة وفنونها.

و.. هذا ما نعنيه حين نقول إن الإسلام هو الحل.

اقترابا من هذا الهدف، شاركنا يوما في انتخابات "مجلس الشعب " بأمل أن نحقق الإصلاح بأقل آلام ممكنة، ولكن المفسدين استكبروا وسدوا كل السبل بتزوير الانتخابات وبفرض الطوارئ والإرهاب.. ولكن مهما كان مكرهم وطغيانهم فإننا سنواصل السعي.

إن إعلاء كلمة الأمة ( عبر انتخابات حرة ) له ثمن غال لابد من دفعه، إن المستكبرين لن يتخلوا عن مواقعهم ومنافعهم طواعية، ولكن ستجبرهم على ذلك وحدة هذه الأمة وإصرارها على الحق.

وقد رأى حزب العمل أن انتخابات المحليات يمكن أن تكون بداية لكل ذلك.

صحيح أن قانون الانتخابات بالقوائم المطلقة باطل وظالم، ولكن يبقى أن الدوائر الانتخابية محدودة بحدود القرية والمدينة، وأن التجمعات الأسرية والسياسية لعشرات المرشحين في كل دائرة تستطيع أن تحمي صناديق الانتخاب من التلاعب عند التصويت وعند الفرز.

إن انتخابات المحليات يمكن أن يكون المدرسة التي نتعلم فيها تحرير الانتخابات العامة، رغم أنف المزورين الطغاة وحين ننجح في هذه التجربة بإذن الله، وتتأكد ثقة الجماهير في نفسها، سننطلق إلى المرحلة الأعلى من اجل تحرير الانتخابات القادمة لمجلس الشعب وانتخابات رئاسة الجمهورية.

وفضلا عن ذلك، فإن المجالس بوسعها أن تحقق الكثير لجمهور المواطنين.. وإذا كان الحكم المركزي فاسدًا أو عاجزا فإن بوسع المؤمنين المخلصين أن يبدءوا الإصلاح من القاعدة ولا ينتظرون حتى يتحقق التغيير عند قمة النظام... وقد دعانا الرسول ( صلوات الله عليه ) إلى القيام بهذا الواجب فقال " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " من هنا كان قرار حزب العمل بخوض انتخابات المجالس المحلية، ليشارك بمرشحيه جماهير الشعب في مواجهة التبعات وتحمل المسئوليات.


القيم التي يلتزم بها مرشحو حزب العمل :

يعاهد مرشحونا في هذه الانتخابات الله والشعب على الالتزام في تنفيذ برنامجنا الانتخابي للمحليات عند فوزهم بإذنه تعالى بالقيم التالية:

أولا: الإيمان العميق بأن الله هو القادر المهيمن، الحافظ الوهاب، المعز المذل، الفعال لما يريد، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.

إن هذا الإيمان يبعث في نفوس مرشحينا الثقة بالنفس دون صلف أو تجبر، وينزع من قلوبهم الخوف والتردد، ويعصم المرء من الخضوع لطواغيت الأرض مهما علوا أو طغوا، ويدفع إلى السمو فوق الذات مما يجعل المتصدي للخدمة العامة إيجابيا، قوي الإرادة، لا يميل مع الهوى، ويذوب في المجموع تحقيقا للصالح العام.

ثانيا: التمسك بما تقضي به الشريعة الإسلامية كما وردت في القرآن المجيد وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام عملا بالحديث الشريف " لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي ".. وهو ما يقضي به الدستور المصري المعمول به. ثالثا: العمل بما جاء في الكتاب من وجوب التقيد بالقاعدة العامة من الالتزام بالشورى ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ).. مما يقتضي أن يحرصوا على صلتهم بناخبيهم ليتشاوروا في كل أمر جديد، وأن يستمعوا إليهم في كل ما يعن لهم من متاعب أو مشكلات.

رابعًا: اعتبار العمل عبادة، وبالتالي لابد من إتقانه امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ".

خامسا: تجنب الوساطة والمجاملة والمحسوبية التي أصبحت داء دفينا يتغلغل في الإدارة الحكومية على المستويين المركزي والمحلي، بينما يأمرنا المولى جل جلاله بالعدل بين الناس حيث يقول في محكم تنزيله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ).

سادسا: الحرص على العفة والنزاهة، والابتعاد عن الكسب الحرام.. ذلك أن هدفنا الأسمى الذي نسعى لتحقيقه هو إقامة مجتمع الفضيلة على أنقاض المجتمع القائم على الفساد والانحراف والإثراء على حساب الشعب .. وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ).

إن تنمية هذه القيم في نفوس مرشحينا وفي نفوس الأمة كلها هو أساس أي إصلاح. وهذه التنمية تتطلب الحرص على العبادات وصيانة أماكن العبادة.

وفي هذا الصدد فإن المواطنين ( تحت إشراف الحكم المحلي) مطالبون بتأمين المساجد والكنائس من أي اعتداءات مشبوهة. إن الإيمان الصادق لدى جمهور المواطنين كفيل بتحقيق هذا، ولكن نظرا لوجود أيد متآمرة، يمكن أن تتولى الرعاية والتأمين في الأحياء والقرى مجموعات مشتركة من الشباب المسلم والمسيحي، لنثبت أن حرية العبادة لا تحتاج في مصر إلى تدخل الشرطة والأسلحة الكثيفة.

ماذا سنفعل لو أعاننا الله ونجحنا؟

1- تعديل القانون ومبادئ أساسية

إن المجالس والأجهزة المحلية تنهض بالوحدات التي تختص بها اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا، وهي مسئولة عن تحسين الإدارة للخدمات والمرافق اللازمة لحماية المواطنين المقيمين بها، ولتيسير سبل الحياة الهانئة لهم ولأسرهم... ونجاح المجالس والأجهزة المحلية في أداء رسالتها يتطلب تعديل قانون الإدارة المحلية بما يغير من تقسيماتها الجغرافية لتضم مساحات جديدة تسمح بالتوسع، وكذلك يجب أن يأتي الحكام المحليون بالانتخاب وليس بالتعيين. ويجب أن يعاد النظر في علاقة الأجهزة المحلية بالحكومة المركزية حتى لا تتعطل مصالح المواطنين بالرجوع إلى القاهرة في الصغيرة والكبيرة من الأمور.

ويجب أن يعاد النظر في اقتسام الموارد حتى لا تستأثر الحكومة المركزية بنصيب الأسد لتنفقه في الكماليات والمظهريات تاركة الأقاليم والريف عاجزة عن توفير الضروريات لأهلها والمقيمين فيها، فالوضع الحالي جعل من الريف والأقاليم مناطق طرد لأهلها الذين يرحلون إلى العاصمة والمدن الكبرى التي ناءت بحملهم، فأصبحت تئن من مشاكلهم، وأفسدت على قاطنيها حياتهم... في حين أن تحقيق تكافؤ الفرص بينها وتوزيع الموارد العامة بينها بالعدل والإنصاف يحل مشاكل الطرفين على السواء. على أنه إذا كان مرشحونا من أعضاء المجالس المحلية سوف يطالبون بتحقيق هذه الإصلاحات النظامية ويضغطون في سبيل إقرارها، إلا أن ذلك لن يصرفهم – عند نجاحهم بإذن الله – عن أداء رسالتهم في ظل القوانين القائمة إلى أن يتم تعديلها.

مشاكلها في حدود الإمكانيات المتاحة.


2- إقامة مجتمع الفضيلة

لكي تتم إقامة مجتمع التقوى والفضيلة ستعمل الإدارة المحلية في عهدها الجديد المنتظر على إلغاء تراخيص بيع الخمور، وستعبئ المواطنين لمطاردة أوكار المخدرات، ولن تسمح بألعاب القمار، وستمنع عرض أفلام الفيديو التي تشجع على الرذيلة والجريمة والانحراف.

ويساعد في إقامة مجتمع الفضيلة تنشيط الإعلام المحلي ( صحفا وإذاعة ) ونشر المكتبات في المدارس ودور العبادة، وعرض أفلام تسجيلية، وسيتم كذلك تشجيع الإبداع الفني والأدبي لشباب الأقاليم... وكل هذا في إطار حرية التعبير، ولتثقيف المواطنين بأمور دينهم، وبتاريخ أمتهم، حفزا للقيم ومكارم الأخلاق.

ويرتبط بذلك عودة المسجد إلى دوره المتكامل في حياة الناس، ويدخل في هذا توسيع دور المناسبات ونشرها ( وفي المساجد والأماكن العامة الأخرى ) لضبط أساليب الاجتماع والاحتفال من حيث النفقات ومن حيث القيم.


3- اللجان الشعبية لحل المنازعات وللدفاع عن حقوق الإنسان.

ورغبة في تحقيق الوئام والصفاء بين أعضاء المجتمع المحلي، وسرعة إنهاء الخلافات التي تنشب بينهم حتى لا تتفاقم وتؤدي إلى اشتبكات تشجع المجالس المحلية تشكيل لجان شعبية للتحكم فيما يحدث من منازعات، وسرعة حل الخلافات بموافقة أطرافها.

وهذا الأسلوب الشعبي الذي عرفته مصر في تاريخها القديم من شأنه أن يخفف من ضغط القضايا الكثيرة التي تطرح على القضاء ويتعطل الفصل فيها ردحا طويلا من الزمن، ويحول دون وقوع حوادث الاقتتال بسبب هذه الخلافات التي يمكن أن يبادر بحسمها الأسلوب الشعبي حفاظا على أمن المجتمع.

وتزيد الحاجة إلى هذا الأسلوب خلال السنوات القادمة مع تزايد المنازعات المحتملة في الريف، ومع الحرص على إرساء تقاليد عادلة للتعامل بين الملاك والمستأجرين في الأراضي الزراعية.

ويدخل في هذا الإطار إدخال تقاليد التعاون بين حكماء الأحياء والقرى وبين رجال الشرطة حتى تتحقق مهام حفظ الأمن في إطار الحرص على حقوق الإنسان برعاية من مجالس الحكم المحلي. وتقع على المحامين مسئولية خاصة في هذا الشأن.


4- الزكاة في خدمة المحليات وفق المصارف الشرعية

فرض الإسلام الزكاة على القادرين واعتبر أداءها ركنا من أركان الدين..ولو أحسن جمعها وتوجيهها في مصارفها الشرعية لأمكنها أن تحل الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المحلية.

ويمكن للوحدات المحلية أن تضع القواعد وتحدد الأولويات لإنفاق حصيلة الزكاة والصدقات والكفارات حتى يمكن تلبية الاحتياجات إقامة للمشروعات وإعانة للمحتاجين. ومعروف أن المسلمين يقبلون من تلقاء أنفسهم وعن طيب خاطر أداء الفريضة المقررة، تحقيقا للتكافل الاجتماعي.

وتزداد الحاجة لتعميق التكافل أمام عجز الحكومة عن مقاومة الغلاء وأمام اتساع البطالة، والتي تمتد قريبا إلى العاملين في القطاع العام.


5- إعادة القرية المنتجة والاهتمام بالصناعات الصغيرة

إن الحاجة أصبحت ماسة للاعتماد على الذات في إعادة الصفة الإنتاجية للقرية المصرية التي كانت تزود المدينة بمنتجات الألبان والبيض والدواجن، وتصدر إلى الخارج القطن الطويل التيلة، ثم تحولت إلى مجتمع استهلاكي يعتمد في توفير غذائه على المدينة، وهجره شبابه للبحث عن العمل في الخارج وأصبحنا نستورد بالديون القمح والفول لتدبير غذائنا اليومي!!

ويمكن أن تتعاون المحليات في إصلاح حال القرية عن طريق:

- تزويد أهل القرى بالمعدات والآلات الزراعية الصغيرة المصنوعة محليا حتى تكون أسعارها في متناول المزارعين، وبآلات التفريخ والحضانات الصغيرة الحجم.

- تشجيع الفلاحين على إنشاء الجمعيات لتسويق منتجاتهم بعيدا عن التسويق الحكومي أو استغلال الوسطاء.. ومن شأن هذا أن يحصل الفلاحون على العائد المجزي من زراعتهم، وكذلك يحصل المستهلك على المنتجات الغذائية بسعر مستقر وعادل.

- توجيه الاهتمام بالثروة الحيوانية والسمكية حسب الوحدات المحلية المختلفة على أن تتملك شركات من سكان الوحدة ما يقام من المشروعات التي تعمل في هذه الميادين.

- دعم الصناعات الحرفية والبيئية التي تستوعب أعدادًا كبيرة من الحرفيين والفنيين، وتعمل على مدها بالمال والخدمات حتى تقف على قدميها ثم تتركها لأصحابها.

- تشجيع المشروعات الصغيرة وتطوير التكنولوجيا المحلية البسيطة لنشر الإنتاج الحيواني( شاملا تربية الدواجن وصيد الأسماك ) على أوسع نطاق وبأقل تكلفة.

- حفز الصناعات الحرفية والبيئية ودعمها بالمال والخدمات، فهذه المشروعات الصغيرة ( في الريف والمدينة ) التي تستخدم التكنولوجيا البسيطة والخامات المحلية، تسد جزءا كبيرا من حاجات الاستهلاك وتستوعب أعدادًا كبيرة من اليد العاملة.


6- الرياضة للجميع

الرياضة حق للجميع وواجب، وإن كان التركيز واجبا على الأطفال والفتيان والشباب. والمحليات بوسعها أن تنهض بهذه المهمة على أوسع نطاق.

فيجب توجيه العناية إلى تطوير المراكز القائمة والنوادي والساحات الشعبية مع المطالبة بنسبة معينة من الأموال الحكومية المخصصة للشباب والرياضة توزع على المحليات وفق عدد سكانها. يجب أن نعتمد أساس على التبرعات المحلية وعلى سواعد الشباب في إعداد الملاعب وصيانتها. ويجب أن تستخدم في تعميم الرياضة كل الأفنية والفراغات المتاحة، بل يجب أن ينظم استخدام الأراضي الفضاء والطرق لهذا الغرض، بحيث تكون مكانا للتدريب والمباريات بأسلوب لا يتعارض مع آداب الطريق ووظائفه الأخرى.


7- صحة المواطنين وتيسير العلاج:

لما كان من المسلم به أن " الوقاية خير من العلاج " فإن الأمر يبدأ بالنظافة وجهود الأسرة والشباب على المستوى المحلي أساس في تحقيق النظافة للأفراد والطرق والمنازل ومختلف الأبنية. ومؤسسات التوعية ( وعلى رأسها دور العبادة ) مسئولة عن ذلك. وكذلك فإن المنافسة مطلوبة بين كل الجمعيات والروابط، وبين كل الأحياء والمؤسسات لتحقيق أعلى درجة من النظافة.

ولأجهزة الحكم المحلي دور الدعم والتنسيق لهذه الجهود من أجل النظافة ومنع التلوث، فعليها أن تستعين بالجامعات ومراكز البحث للتوصل إلى حلول بسيطة وغير مكلفة للصرف الصحي، ولضمان نظافة مياه الشرب. ويضاف إلى هذا الاهتمام بالتشجير وزيادة المساحة الخضراء في المدن وإبعاد المصانع والورش عن المناطق السكنية.

ويجب على أجهزة الحكم المحلي توفير عربات كسح مخلفات الصرف الصحي من المساكن بالقرى والجهات التي لا توجد بها شبكات للصرف ونقلها للتخلص منها بعيدا عن العمران دون انتظار مد هذه الشبكات كما كان عليه الحال من قبل يجب إعداد أماكن بالقرى والأحياء لتجميع قمامة المنازل للتخلص منها بحرقها في مواعيد محددة بصفة دورية.

ويجب إنشاء وحدة طيبة لكل مجموعة قرى متجاورة، ونقطة إسعاف لكل تجمع سكاني يبعد عن هذه الوحدات لتقديم الخدمات الطبية السريعة والقيام بالتطعيم ضد هذه الأوبئة ومقاومة الأمراض المتوطنة كالبلهارسيا والانكلستوما والتوعية المستمرة بكافة الوسائل للحث على مراعاة النظافة العامة وعدم تلويث المجاري المائية.

توفير ارتباط تليفوني دائم بين القرى وبين أقرب مركز لطلب سيارة إسعاف أو مطافئ في الطوارئ لسرعة الإنقاذ.

الارتفاع بكفاءة المستشفيات العامة وتزويدها بالأجهزة والأدوية والخدمة الطبية مع مراعاة التناسب بين عدد الأسرة وعدد السكان في دائرة كل منها، ويمكن تدعيما للموارد المالية اللازمة أن يدفع عائل كل أسرة اشتراكا سنويا ميسورا كتأمين صحي يتيح له العلاج المجاني بها تفاديا لنفقات العلاج الطبي الخاص المكلفة.


8- التربية والتعليم والمدرسون ومحو وصمة الأمية

وللمحليات دورها الأساسي في دعم التربية والتعليم في المدارس والمعاهد الواقعة في دائرتها بمراعاة المعاونة في الاستيعاب الفوري الكامل لجميع الأطفال الذين يبلغون مرحلة التعليم الإجباري لسد منابع الأمية، بتقريب المدارس إلى محال إقامة التلاميذ وذلك عن طريق تدبير الأماكن اللازمة إما في الأماكن العامة غير المستخدمة نهارًا أو بتوفير ما يلزم من مواردها العامة أو من حصيلة الزكاة والتبرعات.

وينبغي عليها أن تعمل على إنصاف المدرسين وتحسين أوضاعهم وتحقيق رغباتهم في الالتحاق بالمدارس القريبة من محال إقامتهم، فإن المعلم هو جوهر العملية التعليمية .. ويراعى أن تكون إعاراتهم إلى الدول الشقيقة وفق النتائج التي يحققونها كثمرة جهدهم، وأن تحرص الإدارة المحلية على جمع شمل أسرة المعلمين حتى تتوفر الراحة النفسية لهم في أداء رسالتهم.

ويجب أن تلغى كافة المصروفات والرسوم الدراسية التي تحصل من تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي لأنها مرحلة إلزامية وتقضي الاتفاقيات الدولية بأن يكون التعليم فيها بالمجان حتى لا تشكل عبئا على أولياء أمورهم وتكون عقبة في استمرارهم في الدراسة.

وينبغي الحرص على أن تتنوع الدراسة – خاصة بعد المرحلة الأساسية- بما يتفق مع الظروف الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية لكل وحدة من الوحدات المحلية، وأن تلحق المدارس الصناعية بالمصانع التي تعمل في تخصصها لتستفيد الخبرات الموجودة فيها والتدرب على الآلات الموجودة.

وإذا كان من العار أن تبقى مصر تعاني من نسبة كبيرة من الأمية ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين، فإن المجالس المحلية الجديدة سوف تأخذ على عاتقها أن تتولى الإشراف على القضاء على الأمية إن شاء الله خلال السنوات الأربع لدورتها، عن طريق الاستيعاب بالشباب المؤهل الموجود بالقرى والطلاب أثناء أجازاتهم مقابل مكافآت تدفع من التبرعات ومن حصة الوحدة الإدارية في الاعتمادات المقررة لعقد محو الأمية.

وتجرى مسابقات بين الوحدات المختلفة داخل كل محافظة حول معدلات النجاح في محو الأمية.


9- الإسكان للشباب والمحتاجين بضوابط عادلة وصارمة

ينبغي تشجيع كل المبادرات والإمكانات للمساهمة في حل مشكلة الإسكان في إطار تخطيط علمي ملزم للمدن، وبتشجيع لاستخدام الموارد المحلية. وتمكينا للأسر الشابة من الحصول على المساكن بطريقة ميسرة بمراعاة ظروفهم، وإنقاذا للمواطنين الذين تنهار مساكنهم وقضاء على وصمة سكنى الجبانات والمقابر، يتعين أن تعود المحليات إلى نظام التأجير بدلا من التمليك لما تقيمه من وحدات سكنية على أن تظل الأرض والبناء مملوكين لها.. وعليها أن تطالب بتخصيص ما يدرج من الميزانية العامة لبناء القرى السياحية على الشواطئ للإسكان الشعبي، بحيث يترك إقامة هذه المنتجعات الترفيهية لشركات المقاولات من القطاع الخاص.

كما توضع القواعد القاطعة لتوزيع ما يقام من مساكن بحيث تعطى الأولوية المطلقة للأسر الشابة الجديدة ولإيواء أصحاب المنازل المنهارة وساكني المقابر، ولا يسمح بحال من الأحوال بالاستثناءات أو المجاملات من أي نوع كان، أو بالمتاجرة في هذه الوحدات السكنية أو التنازل عنها للغير، سدا للطريق على المتلاعبين بأموال الشعب..

وتقوم المحليات بتنظيم عملية مسح شاملة للمساكن القائمة في المناطق التي تعاني من ارتفاع المياه الجوفية والتي تضم المنازل التي تقادم عليها الزمن أو وقعت فيها حوادث انهيارات، للاطمئنان على سلامة المباني الموجودة بها حماية للأرواح، مع تدبير خطة لاستيعاب العائلات المقيمة في المساكن المعرضة للسقوط في العمارات السكنية الجديدة.


10- دعم وسائل النقل والمواصلات والاهتمام بشبكة الطرق الفرعية

وتيسيرا على أهل القرى والعزب في وصول أبنائهم إلى مدارسهم والسفر لقضاء مصالحهم ونقل محاصيلهم، لا يكفي العناية بالطرق الرئيسية الكبرى ويهمل شأن شبكة الطرق الزراعية التي تربط بين القرى.. ومن هنا سوف تعنى المجالس المحلية في عهدها الجديد بإذن الله بإصلاح هذه الشبكة حرصا على الوقت وتيسير الاتصال.

كما تعمل على إيجاد مواقف محددة لطلب سيارات بالأجرة للسفر، مزودة بجهاز تليفوني في كل منطقة تضم مجموعة من القرى، وإجراء التنسيق مع وزارة المواصلات لتيسير انتقال موزعي البريد والاتصال البرقي.

وداخل المدن، ينبغي تخصيص ممرات في الشوارع الرئيسية لاستخدام الدراجات وإعداد الأرصفة للمشاة، وينبغي تخصيص أماكن أو سيارات خاصة للسيدات في المواصلات العامة.


11- تيسير معاملات المواطنين لتكون الإدارة المحلية عونا للمواطنين.

وسوف تعمل المجالس المحلية الجديدة بإذنه تعالى على تبسيط الإجراءات الإدارية اللازمة لقضاء معاملات الناس للحصول على التراخيص والتعاقدات اللازمة، على أن تحدد سلفا وبطريقة معلنة المستندات والأوراق الواجب تقديمها مع الطلبات، وأن تتقرر مدة معينة لإنجاز المعاملة حتى لا يضطر المواطن للتردد على الإدارة المختصة العديد من المرات أو ينقضي وقت طويل قبل البت في طلبه. واحتراما للمتعاملين والمترددين على المكاتب الإدارية ومراكز الخدمات، سوف يتم بإذنه تعالى إنشاء المظلات وتوفير المقاعد اللازمة للانتظار والأماكن الواجب توفيرها لتحرير الطلبات، حتى لا تمتهن كرامة المواطن ولا يعاني أصحاب المعاملات من الانتظار دون مراعاة ظروفهم الصحية والعمرية. ويقتضي الأمر في العاصمة والمدن الكبرى أن يكون كل حي من الأحياء مستكمل الخدمات والمحلات وفروع المكاتب والإدارة حتى لا يضطر قاطنو كل منها للانتقال إلى الأحياء الأخرى، كما يراعى أن يكون العاملون في محالها ومكاتبها من نفس الحي بقدر الإمكان حرصا على الوقت وتكاليف الانتقال وعدم ازدحام وسائل المواصلات.


في ختام هذا البرنامج نؤكد على قضيتين أساسيتين :

الأولى: تتعلق بالمرأة والثانية تتعلق بالأقباط

وفي القضيتين نؤكد أن كل ما جاء في هذا البرنامج لا تحققه إلا المشاركة النشطة من كل المواطنين كل حسب قدرته وظروفه.

إن الإسلام يطلب من المرأة المسلمة أن تكون إيجابية في كل ما يتعلق بدينها وأمتها ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )

إن المسئوليات الأساسية للمرأة في مجتمعها الصغير ( الأسرة ) لا تحرمها من المشاركة في مسئوليات المجتمع الكبير، في حدود الآداب الشرعية. وكثير من المهام الواردة في هذا البرنامج تتعثر على نحو حاد إذا تقاعست المرأة في مجالات التعليم مثلا أو الصحة أو القرية المنتجة والصناعات المنزلية .. إلخ.

أما بالنسبة للإخوة الأقباط فإن حديثنا عن تطبيق الشريعة الإسلامية يعنى من الناحية العلمية والتطبيقية ما سبق ذكره في هذا البرنامج... فأي حرج يرونه في تطبيق أي بند من بنوده؟

إننا ننصح دوما مواطنينا الأقباط بألا يسمحوا لأصحاب الدسائس والفتن. إننا نقول دوما إن الشريعة إذا كانت دينا لأغلبية المصريين، فإنها قيم حضارية، وهي طريق الإصلاح الوطني الأصيل لكل المصريين.

إن الإخوة الأقباط مطالبون بالمشاركة في بناء الوطن الواحد من خلال برنامجنا للمحليات. طالبناكم بالأمس بالترشيح على قوائم حزبنا، ونطالبكم اليوم بانتخاب مرشحينا.

أيها المواطنون.. أيها الناخبون:

إذا قرأتم هذا البرنامج بعناية، فستلحظون أن بوسعنا أن نفعل الكثير..رغم كل الفساد والضياع والهزال في القمة، بوسعنا أن نخفف المعاناة عن أنفسنا، وبوسعنا أن نتقرب إلى الله بكثير من العمل الصالح.

إن الطريق واضح، ولكن السير فيه صعب. إن تنفيذ البرنامج أصعب جدا من الحديث عنه. الأمر يتطلب رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه. ومرشحونا من هؤلاء الرجال وأنتم تعرفون صدقهم. أيها الناخبون: انتخبوا مرشحي التيار الإسلامي( من حزب العمل وخارج حزب العمل ) وأسقطوا الحزب الوطني الكريه .

أيها الناخبون: اليوم نسقطهم في المحليات، وغدا بإذن الله نقصيهم عن الحكم. إذا كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فقفوا بشجاعة إلى جانب ما تعتقدون أنه الحق. وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.

المراجع

(1) و (2) و(3) و (4)، حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية دار التوزيع والنشر الإسلامية ص 33 - 34 (5) مجلة النذير، عدد 15 صفر 1360 هـ - 1940

( 6 ) و ( 7 ) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، صـ 159

( 8 ) و (9) و ( 10 ) محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون، أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، ص 393 – 397

(11 ) و ( 12 ) و ( 13 ) زكريا سليمان بيومي، الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية، مكتبة وهبة.

(14 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة دعوتنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ص 17

( 15 ) إلى ( 21 ) حسن البنا، مذكرات الدعوة، م. س، ص 79 ، 200 ، 265

( 22 ) و ( 23 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، صـ 13 – صـ 29

( 24 ) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، صـ 61

( 25 ) إلى ( 32 ) حسن البنا مذكرات الدعوة الداعية، ص 73 – ص 108

( 33 ) إلى ( 36 ) مجموعة الرسائل، ص 193 و ص 366

( 37 ) إلى ( 40 )، محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون، م. س. ، من المقدمة، جـ 3

( 41 ) مجلة النذير، عدد 6 رجب 1358 هـ - 1939 م

( 42 ) إلى ( 50 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، م. س. ص 357، 359 ، 418

( 51 ) و ( 52 ) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، م. س، ص 123 ، ص 76

(60 ) إلى ( 63 ) زكريا سليمان، الإخوان المسلمون، م. س، ص 232 – ص 235

( 64 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، م. س، ص 149

(65 ) زكريا سليمان، الإخوان المسلمون، م. س، ص 259

(66 ) انظر مجلات الدعوة، الإخوان المسلمون وغيرها، 1948 – 1951

( 67 ) دعت الحركة الوطنية للتحرر الديمقراطي ( حدوتو ) في جريدة الملايين في 24/ 6/ 1951 إلى التركيز على مقاومة الاستعمار بالأساس وأن ما عداه من الإقطاع والطبقات الرجعية ليس مهما.

( 68 ) إلى ( 70)، حسن البنا، مذكرات الدعوة، م. س، ص 288

(71 ) إلى ( 76 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، م. س، ص 69 ، 305، 303

( 77 ) و ( 78 )، حسن البنا، مذكرات الدعوة، م.س، ص 16، ص 102

( 79 ) خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه، دار الفكر الإسلامي، ص 136

(80) و ( 81 ) حسن البنا، مذكرات الدعوة، م. س، ص 71، صـ 289

( 82 ) إلى ( 88 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، م. س. صـ28، صـ 310

(89) زكريا سليمان، الإخوان المسلمون، م.س. ص 202

( 90 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، م. س. ص 298

( 91 ) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، م.س، ص 277

( 92 ) إلى ( 95 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، م. س. ص 338 – 346

( 96 ) حسن البنا، مذكرات الدعوة، م.س، صـ 106

( 97 ) و ( 98 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، م.س، ص 348، ص 367

( 99 ) حسن البنا، مذكرات الدعوة، م. س. ص 106

( 100 ) إلى ( 102 ) حسن البنا، مجموعة الرسائل، م.س، ص 318 – ص 325

( 103 ) د/ محمد مورو، دور الحركة الإسلامية في تصفية الإقطاع، دار البحوث العلمية.

( 104 ) طارق البشري، الحركة السياسية في مصر 1945 – 1952، دار الشروق.

( 105 ) حسن دوح، كفاح الشباب الجامعي على القناة دار القلم.

( 106 ) كامل الشريف- الإخوان المسلمون في حرب فلسطين.

( 107 ) انظر على سبيل المثال، جلال كشك، ثورة يوليو الأمريكية وحسنين هيكل، ملفات السويس، وحسن التهامي في مذكراته ومحمد الطويل في عبد الناصر ولعبة الأمم.

( 108 ) أحمد عبد الحميد. الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965- الزهراء لإعلام العربي.

( 109 ) صالح الورادني- الحركة الإسلامية في مصر – دار البداية.

( 110) إلى ( 113 ) د. محمد موروتنظيم الجهاد جذوره وأسراره – العربية الدولية للنشر والإعلام.

( 114 ) د. محمد مورو جوانب من كفاح الشعب المسلم في مصر ضد الكيان الصهيوني – المختار الإسلامي.

( 115 ) صالح الورداني- الحركة الإسلامية والقضية الفلسطينية – الدار الشرقية.

( 116 ) إلى ( 118 ) عمر التلمسانيذكريات لا مذكرات – دار النشر والتوزيع الإسلامية صـ 192، ص 258 ، ص 260

( 119 ) و ( 120 ) لواء الإسلام، عدد رمضان – أبريل 1990

( 121 ) و ( 122 ) جريدة الشعبٍٍ عددي 18 ، 25 أبريل 1990

( 123) د/ عبد العظيم حامد خطاب، لمحات من تاريخ الإمام الشيخ محمود خطاب السبكي، دار الاعتصام 1985.

( 124 ) د/ عبد الفتاح عويس، تصور الإخوان المسلمين للقضية الفلسطينية.

( 125 ) إلى ( 130 ) انظر مجلة الإخوان المسلمون ومجلة النذير في الفترة من 19381948

( 131) إلى ( 136 ) انظر صالح الورداني، الحركة الإسلامية، م.س، وكذلك كامل الشريف، للإخوان المسلمون، م.س.

( 137 ) إلى ( 140 ) انظر زكريا سليمان، م. س جريدة المصري 194829/7/

( 141) إلى ( 143 ) د. عبد الله أبو عزه، مع الحركات الإسلامية في البلاد العربية دار القلم، الكويت

( 144) د/ محمد مورو، التحدي الاستعماري الصهيوني، وجهة نظر إسلامية، دار الفتى المسلم، 1984

( 145 ) إلى ( 150 ) د/ محمد مورو، تنظيم الجهاد، الأيديولوجية والجذور، الشركة العربية الدولية للنشر.

( 151 ) إلى ( 159 ) وانظر في هذا الخصوص، مصطفى بكري، ثورة الابن كتاب الحرية وكذلك تحقيقات النيابة العسكرية وجريدة الأهالي عدد 198516/10/ والشعب 17/12/1985

( 160 ) إلى ( 164 ) أنظر أخبار اليوم، 199010/11/ والوفد 19909/11/ وكذلك محمد مورو، إعدام كاهانا، الجذور الإسلامية لسيد نصير، دار الروضة، 1991

( 165 ) إلى ( 167 ) د/ محمد مورو، رصاصة في قلب صهيون، دار المختار الإسلامي، 1991. وانظر كذلك دفاعات أيمن حسن أمام المحكمة العسكرية بالسويس.

( 168 ) و ( 169 ) لواء الإسلام، مايو 1987

( 170 ) انظر قرارات الجمعيات العمومية لنقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين.

( 171 ) إلى ( 173 ) د/ محمد مورو تنظيم الجهاد مرجع سابق.