الحركات والقوى الإسلامية في المجتمع الفلسطيني في لبنان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحركات والقوى الإسلامية في المجتمع الفلسطيني في لبنان
النشأة – الأهداف – الإنجازات


تأليف :رأفت فهد مرة

إهداء

إلى والدي الحبيب الذي علمني حب فلسطين.

إلى والدتي المعطاءة التي علمتني حب المقاومة.

إلى إخوتي وأخواتي.

إلى زوجتي الغالية وأولادي الأحبة.

إلى صديقي الشهيد محمد عبد الحليم (أبو تمام)، وصديقي الشهيد منذر (صقر) حليمة، وابن أختي الشهيد نضال طالب مرة.

إلى أبناء الحركة الإسلامية في لبنان، وإلى الإخوة في مخيم برج البراجنة، وإلى كل زملائي في الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين، الذين عملنا وحملنا معا من أجل بناء إطار إسلامي فلسطيني قوي وفاعل، متنور ومنفتح على المجتمع، يمثل الفلسطينيين، ويدافع عن حقوقهم ومصالحهم، ويكون دائما مع الناس ولهم ويسعى لخير الجميع، ويحفظ القيم والأخلاق والمبادئ.

إهداء خاص

أهدي هذا الكتاب إلى شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج وبالأخص في لبنان، وإلى كل أعضاء الحركات الإسلامية في لبنان والعالم.

وإلى كل قيادات وكوادر الحركة الإسلامية، الذين عملوا للإسلام ودعوته، ونشروا الفكر الإسلامي في أصعب الظروف.

وإلى كل أبناء الحركة الإسلامية، الذين ضحوا بدمهم وأرواحهم ومالهم ووقتهم، لتصل الحركة الإسلامية الفلسطينية في لبنان إلى ما وصلت إليه اليوم، وأخص بالذكر أولئك الذين تعرضوا للتعذيب والاضطهاد والظلم، وظلوا على دينهم، وأخلصوا لله.

وأهدي هذا الكتاب إلى الأجيال الجديدة من أبناء الحركة الإسلامية، كي يطلعوا على ماضي حركتهم، ويعرفوا ما مرت به وكيف تطورت وتجاوزت الصعاب حتى يسيروا على الدرب نفسه.  

شكر

أشكر كل الذين أسهموا في إصدار هذا الكتاب، وأخص منهم الدكتور موسى أبو مرزوق، والأستاذ عبد العزيز العمري (عزت الرشق)، والشيخ إبراهيم المصري، والأستاذ عدنان منصور، والشيخ علي عبد الله، والشيخ محمد البجيرمي، والشيخ محمود إبراهيم، والدكتور محسن صالح، والأستاذ معين مناع، والأستاذ أحمد عبد الهادي، والشيخ عبد الله حلاق، والشيخ ماهر حمود والشيخ جمال خطاب، والشيخ أبو طارق السعدي، والشيخ أبو شريف عقل، والأستاذ علي بركة، والشيخ علي اليوسف، والأستاذ طارق عكاوي، والأستاذ مشهور عبد الحليم، والأستاذ سمير عطوي، والأستاذ نزار الحسين (السقا)، والأستاذ أبو عماد الرفاعي، والأستاذ أيمن القادري، والأستاذ ياسر قدورة، والشيخ بسام كايد، والشيخ محمد الحاج، والشيخ محمد سلامة، والشيخ أبو بكر الصديق، الذين فتحوا قلوبهم وأوراقهم وذكرياتهم.

وشكر خاص إلى الزملاء أحمد الحاج علي، وعيد فيراوي، ونادر قدورة، الذين ساعدوا في الصف والتصحيح والإخراج، وتابعوا تفاصيل الإعداد والإصدار.

المقدمة

يتمتع الإسلاميون الفلسطينيون في لبنان بحضور كبير في المستويات الشعبية، وكان لهم أداء مهم وواضح في الجوانب الدينية والاجتماعية والسياسية.

مر العمل الإسلامي الفلسطيني في لبنان بمراحل مختلفة: مرحلة ما بعد اللجوء، ومرحلة الستينيات حيث بدأ النشاط الإسلامي يبرز في اتجاهات مختلفة، ومرحلة السبعينيات التي يمكن وصفها بأنها مرحلة البناء والتأسيس والانطلاق، ثم مرحلة الثمانينيات التي كانت مرحلة الأداء الفعلي المباشر، نظرا لما صاحب هذه المرحلة من تحولات جذرية ومتسارعة طبعت بصماتها في التاريخ الفلسطيني، ونقصد بها الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 ، وحرب المخيمات سنة 1985، وانطلاقة الانتفاضة في فلسطين سنة 1987، وتأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في السنة نفسها، وبروز حركة الجهاد الإسلامي.

في الخمسينيات والستينيات، كان العمل الإسلامي محصورا في دوائر ضيقة، بسبب الظروف الذاتية المتعلقة بالإسلاميين: حيث لم يكن العمل الحركي التنظيمي المؤسساتي قد أخذ شكله الواضح بعد، وبسبب المناخ العام المحكوم بظروف سياسية وأمنية واجتماعية، غير أن الحراك الإسلامي في هذه المرحلة ظل واضحا من خلال الدعوة الفردية والإصلاح والإرشاد.

عوامل عديدة أسهمت في نضوج مسيرة العمل الإسلامي في الستينيات والسبعينيات، منها: النهضة الإسلامية التي عمت العالمين العربي والإسلامي وأثرت على الواقع الفلسطيني، وتطور العمل الحركي المؤسساتي، وبروز الثورة الإسلامية في إيران، واتجاه عدد من الدول العربية للاعتراف بـ "إسرائيل" وتأثير العمل الإسلامي في مصر، وازدياد نشاط المؤسسات الدينية في السعودية ودول الخليج العربي، واتجاه جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين لبناء تنظيم موحد يواصل السير في المشروع الذي حمله الإخوان لمقاومة الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين، وتحشيد الشعب الفلسطيني والأمة في مشروع المقاومة.

المدقق في أعمال القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان، يلاحظ أن لها نشاطا كبيرا وحضورا واسعا على مختلف الصعد، فهذه القوى لها حضور شعبي كبير، وتدير مجموعة كبيرة جدا من المؤسسات التربوية والدعوية والاجتماعية، وهي على علاقة مباشرة بكل شؤون المجتمع الفلسطيني وقضاياه، وهي تحمل مطالبه وتدافع عن حقوقه، وهي مشاركة في أطر إدارة المجتمع الفلسطيني في لبنان، من لجان شعبية وأمنية، ولها قرارها الواضح كمرجعية أساسية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وتعمل للتخفيف من معاناة الناس من خلال التقديمات الاجتماعية المختلفة.

كما أن لهذه القوى رؤية سياسية واضحة تجاه فلسطين والأمة والعدو والتحرير والإصلاح والمشاركة السياسية وإدارة المجتمع، وهي متابعة للشأن السياسي العام ومتفاعلة معه، ولها موقف محدد من مختلف التطورات السياسية المحلية والإقليمية.

وفي الجانب العسكري، فإن القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان لها أداء عسكري حاضر، أو كان لها في الماضي، وارتبط هذا الأداء بل نشأ أصلا لمقاومة العدو الصهيوني وتحرير فلسطين، أو للدفاع عن المجتمع الفلسطيني في لبنان وحماية المدنيين من الاستهدافات التي مستهم.

وقدمت القوى الإسلامية مئات الشهداء على مدى التاريخ الفلسطيني، وشاركت ببسالة في معارك الدفاع عن الوجود الفلسطيني في لبنان، وعن الهوية الوطنية الفلسطينية.

أزمة كبيرة تعاني منها كافة القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان، وهي أن معظم أعمالها وإنجازاتها غير موثقة، وغير مسجلة، وليست محفوظة بأي شكل من الأشكال، وهذا يرجع إلى عدة أسباب، أهمها: فهم خاطئ بعدم الحديث عن الإنجازات وأن الأعمال لله، وأن الحديث عن الأعمال يكون من باب الرياء، ولا شك أن هناك سببا آخر هو أن الإسلاميين لا يرغبون في التحدث عن أنفسهم، ويتركون للآخرين التحدث عنهم، وهذا خطأ واضح، إضافة إلى أسباب أمنية، وأخرى تتعلق بضعف بالاهتمام من حيث المبدأ بالتوثيق والأرشفة والتأريخ ودور الإعلام.

هذا الكتاب يحاول – بتواضع – أن يسلط الضوء على القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان؛ كيف نشأت ولماذا؟ ما هو فكرها واستراتيجيتها؟ كيف تعمل وتتحرك؟ ما أبرز التحولات في تاريخها؟ وأهم الأعمال التي قامت بها على مختلف الصعد؟

هذا الكتاب ليس تأريخا لهذه القوى، بل هو محاولة للدفع بهذا الاتجاه، وهو إسهام في إيجاد مرجع لكل مهتم ومتابع، ولو كان يمثل الحد الأدنى لتاريخ القوى الإسلامية ولدورها ولأبرز أعمالها.

إن هذا الكتاب لا يهدف إلى الحديث عن كل قضايا الحركة الإسلامية، ولا عن نشوئها خارج لبنان، ولا عن ارتباطها بتنظيماتها الأساسية إن وجدت، كما أن هذا الكتاب لا يهدف إلى الحكم على تاريخ هذه الحركات، ولا إلى نقد هذه المسيرة، ولا إلى الحديث عن علاقة الإسلاميين بالثورة الفلسطينية، ولا إلى دراسة كل الحالات الإسلامية الفلسطينية في لبنان، إنه يبرز تأسيس هذه القوى في لبنان وأهم التحولات التي حصلت فيها، وأهم المراحل التي عايشتها، وأهم الأعمال التي سجلتها.

لعل هذا يسهم في دعم الحضور الإسلامي في لبنان، ونعتذر سلفا عن أي خطأ أو أي معلومة مغلوطة وردت، أو عن أي إساءة وهي غير مقصودة طبعا، كما نأمل أن يكون هذا الكتاب دافعا للقوى الإسلامية للتعبير مباشرة عن ذاتها.

إنه محاولة متواضعة، لكنه عمل أقرب إلى الشهادة التاريخية، وكل ذلك من أجل الله ثم فلسطين وشعبها والشهداء، ولصالح العمل الإسلامي مجتمعا، ولصالح مستقبل الإسلام المنير والواعد.

والله من وراء القصد.

رأفت فهد مرة

بيروت في 18/ 12/ 2008

التمهيد

أولا: من فلسطين إلى لبنان ... مراحل البناء الأولى

البداية من فلسطين

وصل سنة 1948 إلى لبنان 110 آلاف لاجئ فلسطيني، قدم معظمهم من المناطق الشمالية لفلسطين، من الجليل ومدن عكا وحيفا ويافا وصفد وأقضيتهم، حاملين معهم الأمل بالعودة القريبة إلى وطنهم وديارهم ومزارعهم.

فترة اللجوء الأولى كانت مثقلة بهموم الإقامة والعمل وتحسين ظروف المعيشة، وكان اللاجئون الفلسطينيون من مناب ثقافية وسياسية ووطنية مختلفة، لكن غالبيتهم كانت متأثرة بدور مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وقائد الثورة الشيخ عز الدين القسام، وتأثروا بجهاد القائد عبد القادر الحسيني، وسرت في أجسادهم الروح الإسلامية التي حركت أبطال ثورة البراق سنة 1929 والثورة الكبرى سنة 1936 للجهاد والنضال ضد الاستعمار البريطاني وطلائع المستوطنين اليهود وعصاباتهم المنظمة التي بدأت المشروع الصهيوني في فلسطين.

الصحوة الدينية في الصهيوني تأثرت بعدة اتجاهات؛ أبرزها الدور الكبير الذي لعبه قادة الثورة والمجاهدين ضد الاحتلالين البريطاني والصهيوني، والدور الذي لعبه علماء الأمة ومشايخها وحركاتها الإسلامية في الدفاع عن فلسطين وشعبها، ودور أبناء الأمة الإسلامية الذين جاؤوا من مصر وسورية والعراق والمغرب والأردن ويوغسلافيا ولبنان، للمشاركة في الجهاد إلى جانب المجاهدين في فلسطين، وما رافق ذلك من نشاط سياسي وشعبي وإعلامي واجتماعي قامت به حركة الإخوان المسلمين في مصر وسورية والأردن وأكثر من قطر عربي إلى جانب علماء الأمة ومؤسساتها الدينية، مما أوجد مناخا إسلامية أحاط بالقضية الفلسطينية من كل جانب، وطبع بصمات أساسية على الحراك العسكري والسياسي ضد مشروع احتلال فلسطين.

وفي أثناء حرب 1948 شارك الإخوان المسلمون ال مصر يون من خلال ثلاث كتائب من المتطوعين تحت راية الجامعة العربية بقيادة كل من عبد الجواد طبالة ومحمود عبده وأحمد عبد العزيز، كما كانت للإخوان المصريين قواتهم المتطوعة الحرة بقيادة الشيخ محمد فرغلي، وأرسل الإخوان في الأردن فرقة بقيادة عبد اللطيف أبو قورة، والإخوان في سورية فرقة بقيادة رئيسهم مصطفى السباعي، وشارك الإخوان العراقيون بفرقة بقيادة محمد محمود الصواف.

قبل النكبة، كانت فلسطين على موعد مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث أرسل الإمام حسن البنا المرشد العام لجماعةالإخوان المسلمين في مصر سنة 1935 إلى فلسطين شقيقه عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم اللذين التقيا الحاج أمين الحسيني، وسنة 1936 عقد الإخوان المسلمون مؤتمرا خاصا لدعم الثورة الشعبية في فلسطين، وأسسوا اللجنة المركزية العامة لمساعدة فلسطين، واستطاعوا الوصول إلى المناطق التي سيطرت عليها جماعة القسام.

غير أن التحول الأبرز في علاقة الإخوان المسلمين بفلسطين كان سنة 1943، عندما أسس الإخوان في القدس جمعية المكارم التي انضووا تحت لوائها، وفي الفترة ما بين 19431944 تأسس فرع للإخوان في غزة، وشهدت هذه الفترة افتتاح فروع للإخوان في يافا واللد والرملة.

تمحور عمل الإخوان المسلمين في فلسطين في التصدي للمشروع الصهيوني، ودعم المجاهدين، والتحريض الشعبي، وتنمية الوعي السياسي والوطني والتعبئة الشعبية.

وفي 1946 عقد الإخوان المسلمون في فلسطين مؤتمرا دعت مقرراته إلى "اعتبار حكومة فلسطين مسؤولة عن الوضع السياسي المضطرب، وتأييد الجامعة العربية ... وتأييد المشاريع التي ترمي إلى إنقاذ البلاد، وعدم الاعتراف باليهود الطارئين على البلاد".

وشارك الإخوان المسلمون في فلسطين في العمل العسكري ضد الاحتلال الصهيوني، وخاصة في يافا والقدس وقرى رام الله وسلواد، وأسهموا في عمليات التدريب، والتزويد بالأسلحة، وتوفير الأموال لشراء السلاح، ونقل السلاح للمجاهدين.

مرحلة صعبة

هموم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كانت متعددة، تتراوح ما بين تحمل آلام النكبة من جهة والاستقرار في مجتمع جديد، وبناء حياة جديدة، ومواجهة التعقيدات التي أفرزتها حالة اللجوء، وبالأخص توفير المنزل والعمل والتعليم من جهة أخرى.

كانت الظروف السياسية غير مواتية لأي عمل إسلامي، فجزء من الأرض الفلسطينية سقط العصابات الصهيونية، وأعلن عن قيام "دولة إسرائيل" في أيار/ مايو 1948، والأنظمة العربية خسرت الحرب، واتهمت الجيوش العربية بالتواطؤ، والشعوب العربية شعرت بنوع من الإحباط، والنظام السياسي في لبنان بدأ يتخوف من تأثير انتقال آلاف اللاجئين الفلسطينيين إليه، والملاحقات الأمنية اللبنانية للفلسطينيين بدأت في وقت مبكر، والخلافات الداخلية الفلسطينية تعمقت بعد النكبة، والإمام حسن البنا، المرشد العام لجماعةالإخوان المسلمين في مصر، اغتيل في شباط/ فبراير 1949، وحلت جماعةالإخوان المسلمين في مصر، كان للإخوان دورهم الرئيسي في ثورة الضباط الأحرار، وإنهاء الملكية في مصر، غير أنه سرعان ما ارتفعت حدة الخلاف والصدام بين الإخوان المسلمينوقادة الثورة المصر ية برئاسة جمال عبد الناصر مما أدى إلى موجة من الاعتقالات والإعدامات في صفوف الإخوان، كما برزت في هذه الآونة التيارات اليسارية، وحضر التيار القومي بقوة، مستفيدا من سطوع نجم جمال عبد الناصر، الذي أمم قناة السويس، وواجه العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.

لكل الأسباب السابقة أخذ العمل الإسلامي في لبنان طابع الوعظ والإرشاد والدعوة، وانحسر الاهتمام في شؤون التدريس وبناء مساجد في المخيمات، والتحق بعض الشباب المسلم بجماعة عباد الرحمن التي تأسست في لبنان سنة 1951، ومن ثم أسهم فلسطينيون في قيام الجماعة الإسلامية في لبنان التي تأسست سنة 1964، منهم مديح الشامي، الذي أقام في مدينة طرابلس في شمالي لبنان، وتعرف إلى الشيخ فتحي يكن أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية.

أول تنظيم إخوان ي فلسطين ي

في سنة 1964 وصل إلى لبنان عبد الله محمد أبو عزة، للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهو من قيادات الإخوان المسلمين، ومن قيادة تنظيم الإخوان المسلمين في قطاع غزة.

كان أبو عزة مكلفا من الإخوان المسلمين بالاتصال ب الإخوان المسلمين الفلسطينيين المقيمين في لبنان وسورية، وبجمعهم في إطار تنظيمي تحت قيادة تنظيم الإخوان المسلمين في قطاع غزة، وهذا ما كان، غير أن هذه المحاولة لم تكتمل على ما يبدو.

كان عبد الله أبو عزة شخصا قياديا مثقفا، شغل عدة مراكز داخل جماعة الإخوان المسلمين، من بينها أمانة سر المكتب التنظيمي للإخوان، الذي تأسس في بيروت سنة 1964، وهو يضم التنظيمات الإخوانية في العالم العربي، وترأسه عصام العطار القيادي في تنظيم الإخوان المسلمين في سورية.

أعيدت هذه المحاولة سنة 1968، حين أرسل الإخوان الشيخ غازي التوبة، وهو قيادي من حركة الإخوان المسلمين في سورية إلى بيروت، للتواصل والتعامل مع الإخوان المسلمين الفلسطينيين، الجماعة الإسلامية في لبنان تجاوبت مع الطلب، وقامت بفرز الفلسطينيين الذين انضموا لها، وصار الإخوان الفلسطينيون في جنوب لبنان يتبعون لهذا التشكيل الجديد، الذي لم يطل أمده، إذ انتهى أيضا إثر الانقسام الذي حصل داخل صفوف جماعةالإخوان المسلمين في سورية.

فعاد الإخوان المسلمون الفلسطينيون المقيمون في لبنان إلى حضن الجماعة الإسلامية مجددا.

يقول الشيخ إبراهيم المصري، نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية، إن:

الأداء الإسلامي الفلسطيني كان مكملا وموازيا للأداء الإسلامي ال لبنان ي على الساحة ال لبنان ية، وكان الإخوة الفلسطينيون وجزءا من الهم الإسلامي دون النظر إلى أية خلفية إقليمية، لكن لم تكن هناك أية ساحة للأداء بالنسبة للشأن الفلسطيني إلا في الإطار الفكري والسياسي، أما الممارسة في الإطار الذي كان يسمى العمل الفدائي فكان في إطار عمل الفصائل ذات التوجه الوطني واليساري.

فقامت الجماعة الإسلامية بإجراء حوار مع الشيخ رزق بهدف ترشيد حركته وتكريس الحضور الإسلامي من حيث المبدأ، وحاولت الجماعة الإسلامية تأمين مرتبات شهرية للشيخ رزق ومن معه، وأمنت له إقامة في بيروت، ثم ساعدته على السفر إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، حيث عاد إلى لبنان من جديد، واستقر في مخيم نهر البارد شمالي لبنان.

الشيخ حامد أبو ناصر

للاستفادة من النهضة الإسلامية التي بدأت ملامحها بالظهور في المخيمات الفلسطينية في لبنان، دعت الجماعة الإسلامية حركة الإخوان المسلمين إلى إرسال وفد منها لدراسة الأوضاع الإسلامية في المخيمات، وللوقوف على تجارب عدد من المجموعات، منهم مجموعة الشيخ رزق.

فكلفت حركة الإخوان المسلمينالشيخ حامد أبو ناصر بذلك، وهو قيادي فلسطيني كانت له علاقات واسعة مع أكثر من إطار إخواني، وله مشاركة في الجانب العسكري للإخوان، ولكن الشيخ حامد أبو ناصر لم يستطع التعامل مع ظاهرة الشيخ رزق، وكانت الهوة بين الرجلين كبيرة، فأجرى أبو ناصر اتصالات كثيرة مع أكثر من مجموعة إسلامية فلسطينية ومع شباب مسلمين، إلى أن تمكن سنة 1975 من تشكيل الحركة الإسلامية المجاهدة، دون أن تكون جماعة الإخوان المسلمين موافقة على هذا التشكيل، الأمر الذي دفع الشيخ أبو ناصر دائما للتصرف على أساس أنه تنظيم إسلامي مستقل.

واستفاد أبو ناصر من مجموعة من الفرص والتناقضات التي كانت قائمة في الساحة الفلسطينية في لبنان، وخاصة من حيث استيعاب بعض الشباب المسلم، أو تدريب كوادر عسكرية، أو الحصول على أسلحة من عدة مصادر، فعلى سبيل المثال، سعى الضابط الليبي المسؤول عن القوات الليبية المشاركة في قوات الأمن العربية، التي وصلت إلى لبنان سنة 1976، إلى ترك سلاح قواته في لبنان قبل رجوعها إلى ليبيا إثر انتهاء مهمتها، فسلم الضابط الليبي سلاح قواته إلى الحركة الإسلامية المجاهدة، لأنه كان حريصا على تسليم السلاح إلى جهة غير إخوانية.

العلاقة مع فتح

اتسمت علاقة الإخوان المسلمين الفلسطينيين في لبنان مع حركة فتح بالحذر، ذلك أن حركة فتح أكبر الفصائل الفلسطينية في لبنان، ولها بنية سياسية وأمنية ومالية واجتماعية، وتتمتع بقدرات تنظيمية كبيرة بسبب العناصر المتوفرة لديها، إضافة إلى علاقاتها السياسية الواسعة مع الجهات اللبنانية والعربية والدولية، وتأثيرها على الشأن العام في لبنان.

كان يصعب تجاوز فتح أو تجاهل نفوذها والتصادم معها، لكن في الوقت نفسه كان من الصعب على الإخوان المسلمين الفلسطينيين بناء علاقة جيدة وطبيعية مع حركة فتح في لبنان.

فلحركة فتح علاقة تاريخية مع الإخوان المسلمين، ففتح تأسست في أجواء إخوانية، وعدد من قياداتها ومؤسسيها الأوائل كانوا من جذور إخوانية، ثم إن حركة الإخوان المسلمين في مصر دربت عددا من الكوادر العسكرية الفلسطينية، والتحق كثير من هؤلاء فيما بعد بحركة فتح، ومنهم ياسر عرفات نفسه، الذي تلقى تدريبا على يد قيادي من الإخوان يدعى أبو المكارم عبد الحي.

لكن حركة فتح لم تكن قادرة، ولا حتى راغبة، في بناء علاقة متينة واستراتيجية وثابتة مع الإخوان المسلمين، فالحركة لا تريد الذهاب باتجاه تيار إسلامي، ولا تريد إثارة مشاكل مع الأنظمة العربية الكثيرة، التي كانت علاقاتها مضطربة أو تصادمية مع الإخوان المسلمين، وحركة فتح أيضا كانت تعمل من أجل الإمساك بالقرار الفلسطيني، ولا تريد أن يشاركها فيه أحد، وتعزيز دور الإخوان المسلمين الفلسطينيين في العمل الفلسطيني قد يؤدي إلى إضعاف حركة فتح، وانحياز الرأي العام العربي والإسلامي إلى جانب الإسلاميين، كما أن هناك عاملا خارجيا يتعلق بالعلاقات الدولية مع المعسكر الشرقي، الذي كانت فتح قد بدأت بنسجها، والذي يعد عاملا أساسيا في تحجيم علاقة فتح بالإسلاميين، إضافة إلى اعتماد عدد من الفصائل الفلسطينية النهج الماركسي، وتغلغل الفكر الشيوعي بين كوادر القوى الفلسطينية.

يمكن وصف علاقة فتح بالإسلاميين الفلسطينيين في لبنان بأنها علاقة الحد الأدنى، أو الأمر الواقع ف ياسر عرفات لم يكن حريصا على نسج علاقة قوية مع هؤلاء، وظلت علاقته معهم بسيطة ومتواضعة، وكان يترك هذا الملف لخليل الوزير (أبو جهاد)، وإن كان عرفات يحرص باستمرار على الالتقاء بسيف الإسلام البنا (ابن الإمام حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر)، الذي كان يزور بيروت في أوقات مختلفة، وكان عرفات على علاقة جيدة مع عمر بهاء الدين الأميري، وهو قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وسفير سوري سابق، وكلما توترت العلاقة بين فتح والإخوان كانت قناة الأميري – عرفات تتحرك.

في سنة 1975 قدم ياسر عرفات للجماعة الإسلامية في لبنان كمية من السلاح مع بدء الحرب التي عرفت بحرب السنتين، وكانت الجماعة الإسلامية وعدد من الحركات الإسلامية في لبنان يستفيدون من تدريب عناصرهم في معسكرات تابعة لحركة فتح في لبنان، وإن كانت عملية التدريب هذه تتم بشكل محدود جدا، وعلى فترات متباعدة.

وكان أن طلبت الجماعة الإسلامية في لبنان ذات يوم من ياسر عرفات دورا تنسيقيا أكبر، وعرضت عليه رعاية مجموعة إسلامية فلسطينية خاصة، غير أن أبو عمار رفض وقال "أعطوني مائتي مقاتل أو ثلاثمائة، وأنا أعتبرهم مثل أي مجموعة في فتح".

خليل الوزير، أبو جهاد، كانت علاقته مع الإخوان المسلمين أفضل حالا، لكنها لم تتجاوز أيضا السقف الذي كان يضعه ياسر عرفات، فأبو جهاد الوزير من جذور إخوانية، وتوطدت علاقته بهم في السعودية والكويت، وكانت الخلفية الإسلامية لأبي جهاد معروفة في الوسط الفلسطيني، لكنه في الوقت نفسه كان حريصا على علاقة بسيطة مع الإخوان المسلمين، وحريصا في التعامل مع الإسلاميين بالمعايير نفسها التي تتبعها حركة فتح، وكان مهتما بعدم إثارة التيار اليساري داخل حركة فتح، الذي كان له حضور جيد في كافة الأطر القيادية للحركة.

وبشكل عام كان أبو جهاد الوزير يحرص على استمرار الخطوط مع كل العناصر الإسلامية الفلسطينية واستيعابها قدر الإمكان، فقد بنى علاقة جيدة مع الكتيبة الطلابية التي تشكلت من عناصر إسلامية وكان لها مواقع ومعسكرات خاصة، ومعظم عناصرها من المثقفين، وظلت علاقة أبو جهاد مع رموز هذه الكتيبة جيدة إلى ما بعد خروجه من لبنان.

ومن رموز الكتيبة الطلابية الشيخ سليم اللبابيدي، وسمير الشيخ، الذي صار قياديا في حركة التوحيد الإسلامي، واغتيل في نهاية الثمانينيات في بيروت.

ثانيا: مناخ سياسي مضطرب

مر الفلسطينيون في لبنان بأحداث وتطورات صعبة، نشأت أو نتجت عن أعمال ومحطات سياسية وعسكرية حدثت في المنطقة.

ففي 2/ 5/ 1973 وقعت اشتباكات بين الجيش اللبناني والفدائيين الفلسطينيين، امتدت إلى مخيم تل الزعتر ومحيط مخيم شاتيلا ومنطقة الفاكهاني ومخيم نهر البارد، وطوق الجيش اللبناني خمسة مخيمات وتجمعات فلسطينية في بيروت بالدبابات، وانتقلت الاضطرابات إلى مدن لبنانية منها صيدا وطرابلس، وتعرضت قواعد الفدائيين والمخيمات للقصف، واستخدم الجيش اللبناني الطائرات ضد مخيمات نهر البارد وبرج البراجنة وتل الزعتر.

وحصل توتر سياسي داخلي في لبنان، وخرجت المظاهرات الرافضة للاقتتال، واضطر رئيس الوزراء اللبناني أمين الحافظ يوم 8/ 5/ 1973 لتقديم استقالته للرئيس سليمان فرنجية، واضطر الطرفان لتوقيع اتفاقية ملكارت في 17/ 5/ 1973 لوقف الاقتتال.

وفي 6/ 10/ 1973 شنت مصر وسورية هجوما على الكيان الصهيوني، فيما عرف بحرب أكتوبر أو تشرين التحريرية، وأوصلت هذه الحرب المنطقة والفلسطينيين إلى مناخات سياسية جديدة، دفعت منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف) إلى تبني "برنامج النقاط العشر" في الدورة الـ 12 للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في 1 – 8/ 6/ 1974 في القاهرة، هذا البرنامج أطلق مشروع التسوية والاعتراف بالكيان الصهيوني بشكل واقعي في مؤسسات منظمات التحرير الفلسطينية، وكرس نظرية بناء سلطة فلسطينية، وردت القوى الفلسطينية الرافضة لمسار التسوية في 29/ 9/ 1974 بإعلان جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية.

وفي 13/ 4/ 1975 هاجمت عناصر من الكتائب ال لبنانية في محلة عين الرمانة حافلة تنقل فلسطينيين إلى مخيم تل الزعتر، فقتل 27 فلسطينيا وجرح 29، فأطلق هذا الحادث الحرب الأهلية في لبنان، التي كان من أبرز ضحاياها في الجانب الفلسطيني سقوط مخيم ضبية في 3/ 1/ 1976، وسقوط مخيم جسر الباشا في 30/ 6/ 1976، ومن ثم سقوط مخيم تل الزعتر في 12/ 8/ 1976، بعد مجازر بشعة ضد المدنيين الفلسطينيين، وحصول توتر سياسي وأمني كبير، وحمل الفلسطينيون المسؤولية عن اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وصار الفلسطينيون متهمين بالوقوف وراء المعارك في لبنان، وتدمير بنية الدولة، وتخريب الأمن، ونشر الفوضى، وهي تهم ظلت تلاحق الفلسطينيين إلى اليوم.

إلى التسوية

نتائج حرب 1973 دفعت الرئيس المصري أنور السادات ليقوم في 19/ 11/ 1977 بزيارة إلى مدينة القدس المحتلة، والاجتماع بقيادة الكيان الصهيوني، وإلقاء كلمة في الكنيست الصهيوني، ليصل مشروع السادات هذا في 17/ 9/ 1978 إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و"إسرائيل" التي أبعدت مصر عن الصراع، وأخرجتها من المواجهة مع الكيان الصهيوني، وباتت القضية الفلسطينية أسيرة تجاذبات سياسية حادة جديدة.

في العام ذاته، وبالتحديد في 14/ 3/ 1978 قام الكيان الصهيوني باجتياح جنوب لبنان إثر عملية لحركة فتح بتاريخ 11/ 3/ 1978 قادتها دلال المغربي، هذا الاجتياح وضع الفلسطينيين في لبنان في مواجهة جديدة مع الاحتلال، وهجر عائلات كثيرة من منطقة جنوب لبنان باتجاه بيروت والبقاع الشمالية، وازدادت معاناة الفلسطينيين في مخيمات الجنوب في ظل استمرار قوات الاحتلال بقصف مخيمات صور، ومواقع الفدائيين في جنوب لبنان والتي تعرضت لموجات قصف صهيونية كبيرة وخاصة في سنوات 1974 و 1979.

سنة 1979 افتتحت سياسيا في 26/ 3/ 1979 بتوقيع مصر والكيان الصهيوني معاهدة السلام ال مصر ية الإسرائيلية، حيث حددت الحكم الانتقالي الذاتي لخمس سنوات في الضفة الغربية وقطاع غزة كأساس لحل المشكلة الفلسطينية، على أن تنسحب القوات العسكرية الإسرائيلية بعد إجراء انتخابات سلطة الحكم الذاتي، ويتفاوض الأردن مع "إسرائيل" حول الحكم الذاتي بمشاركة فلسطينية، ويكون الانسحاب الإسرائيلي على شكل إعادة تمركز في مواقع أمنية معينة.

وفي تموز/يوليو 1981 شن الطيران الصهيوني غارة بشعة على منطقة الفاكهاني في العاصمة ال لبنان ية فقتل العشرات، وردت المقاومة بصواريخ وجهتها نحو أهداف صهيونية، فقامت الطائرات الصهيونية بقصف مكثف على جنوب لبنان، ودمرت الجسور، وتعرضت المستوطنات الشمالية لرشقات كثيفة من الصواريخ الفلسطينية، وسجل الفلسطينيون انتصارا مهما في هذه الحرب التي عرفت باسم حرب الجسور، لأن العدو الصهيوني قبل بوقف لإطلاق النار، لأنه استشعر قوة النيران الفلسطينية.

الاجتياح الصهيوني

التوجه العربي نحو السلام لم يمنع الاحتلال الصهيوني من تنفيذ حزمة من أهدافه الأساسية، ومنها القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وإبعاد الفدائيين الفلسطينيين عن الحدود الفلسطينية – اللبنانية، وإنشاء سلطة لبنانية متعاونة مع الإسرائيليين.

فقام العدو الصهيوني بتاريخ 4/ 6/ 1982 بقصف جوي عنيف لأهداف فلسطينية ولبنانية في بيروت والنبطية والناعمة، وبدأ الاجتياح الصهيوني البري للبنان صباح الأحد 6/ 6/ 1982، وبدأت مواقع منظمة التحرير الفلسطينية تنهار موقعا تلو الآخر، وبدأت قيادات المنظمة بالانسحاب من أرض المعركة، وكان من أبرزها آمر قوات القسطل الحاج إسماعيل جبر، الذي غادر يوم 7/ 6/ 1982 مصطحبا معه كمال الشيخ، آمر كتيبة شهداء أيلول، وسبقهما غازي عطا الله، آمر قوات الكرامة التابعة لفتح، الذي غادر يوم 6/ 6/ 1982 موقعه في القطاع الشرقي.

لكن مخيم الرشيدية في جنوب لبنان قاوم الاجتياح الصهيوني، واشتبك أبناء المخيم من اللاجئين الفلسطينيين مع قوات الاحتلال في معركة بطولية استمرت ستة أيام، وظل مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا صامدا ومقاوما حتى 14/ 6/ 1982، وظل يتصدى للاحتلال لعدة أسابيع، وصمد الفلسطينيون في مثلث خلدة حتى اليوم ذاته أيضا، وقام فلسطينيون يقيمون في منطقة الدامور بالتصدي للاحتلال، فقتلوا الجنرال الصهيوني يكتوئيل آدم.

عاش الفلسطينيون في بيروت أجواء حصار استمرت نحو ثمانين يوما، كانت حافلة بالقصف والتدمير والتهجير، واضطرت منظمة التحرير الفلسطينية في 20/ 8/ 1982 إلى الموافقة برعاية الموفد الأمريكي فيليب حبيب، على انسحاب قوات الثورة الفلسطينية من لبنان، وبالفعل غادرت في 21/ 8/ 1982 الدفعة الأولى من المقاتلين، وفي 30/ 8/ 1982 غادر ياسر عرفات عبر البحر ووصل إلى اليونان.

وفي 10/ 9/ 1982 غادرت القوات المتعددة الجنسية لبنان، وتم اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل عصر الثلاثاء 14/ 9/ 1982، فقام على إثرها جيش الاحتلال الصهيوني باجتياح بيروت، ودخلت ميليشيات القوات اللبنانية مدعومة من جيش الاحتلال الصهيوني مخيمي صبرا وشاتيلا بتاريخ 16/ 9/ 1982، وارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا، التي سقط فيها مئات الشهداء من الفلسطينيين واللبنانيين، واحتلت القوات الإسرائيلية بيروت، غير أن عمليات المقاومة أرغمت "إسرائيل" على الانسحاب في 27/ 9/ 1982.

كان اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات الفلسطينية في لبنان بدأوا بتسليم أسلحتهم قبل المجزرة للجيش اللبناني، الذي استطاع بعد ذلك الدخول إلى بيروت الغربية وإلى المخيمات الفلسطينية في بيروت، وقام بعمليات دهم للمكاتب والمقرات والمؤسسات الفلسطينية، واعتقل نحو ألف إلى ألفي فلسطيني بتهمة الانتماء للثورة، ووضع هؤلاء في مراكز الجيش اللبناني في اليرزة وبدارو وفرن الشباك، ودخل الفلسطينيون في لبنان مرحلة جديدة من المعاناة الأمنية والسياسية والاجتماعية.

أدى الاجتياح الإسرائيلي إلى تدمير ما لا يقل عن 20% من مخيمات الجنوب وبيروت، وقالت الشرطة اللبنانية إن 17.825 شخصا قد قتلوا و 30.203 أشخاص قد خرجوا، وارتفعت نسبة البطالة في صفوف الفلسطينيين في لبنان، بعد أن توقف مئات الموظفين عن العمل في المؤسسات الفلسطينية، وأوقفت الثورة الفلسطينية تسديد المرتبات لعناصرها المقاتلة الذين بقوا في لبنان.

سبق مجزرة صبرا وشاتيلا إعلان الرئيس الأمريكي رونالد ريغان مبادرة للسلام في 2/ 9/ 1982 التي من أهم بنودها: إقامة حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة"لإدارة شؤون الفلسطينيين"، ومدة انتقالية من خمسة أعوام، والسلام لا يتحقق بإنشاء دولة فلسطينية، والولايات المتحدة لا تؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة، والولايات المتحدة تعارض أي اقتراح يعرض أمن "إسرائيل" للخطر، والتزام أمريكا بأمن "إسرائيل" راسخ لا يتزعزع.

وأعلن الزعماء العرب، في قمتهم المنعقدة في مدينة فاس المغربية، في 6/ 9/ 1982 بيان فاس للسلام، الذي دعا إلى انسحاب "إسرائيل" من المناطق المحتلة سنة 1967 وإزالة المستعمرات وتعويض من لا يرغب من اللاجئين في العودة.

وفي 15/ 9/ 1982 أطلق الرئيس السوفيتي ليونيد برجينيف Leonid Brezhnev "مبادئ السلام العادل والراسخ في الشرق الأوسط" وركز على حق شعب فلسطين في تقرير مصيره، وإقامة دولة مستقلة في الضفة وقطاع غزة بما فيها القدس الشرقية ودعا إلى تأمين حق جميع دول المنطقة في الوجود والتطور السلميين الآمنين، وإنهاء حالة الحرب، وإحلال السلام بين الدول العربية و"إسرائيل".

أزمة تولد أزمات

إن التوجه العربي الدولي الجديد للتسوية مع الكيان الصهيوني، ونتائج الاجتياح الإسرائيلي للبنان وتداعياتها على الفلسطينيين والمنطقة عادت وخلطت الأوراق مجددا على الساحة الفلسطينية.

ففي 9/ 5/ 1983 انشقت مجموعة كبيرة من حركة فتح على ياسر عرفات، ومن بين هؤلاء العقيدة سعيد مراغة (أبو مرسي)، والعقيد موسى العملة (أبو خالد العملة)، ونمر صالح (أبو صالح) المسؤول التنظيمي الأول في حركة فتح، وسميح أبو كويك (قدري) مسؤول حركة فتح في الأردن، واندلعت مواجهات عسكرية في البقاع، وطردت سورية ياسر عرفات في 24/ 6/ 1983، لكن عرفات ظهر فجأة في طرابلس في 16/ 9/ 1983، فامتد الاقتتال الفلسطيني إلى مخيمات الشمال ومدينة طرابلس، وتقدم المنتفضون على جماعة ياسر عرفات الذي اضطر في 20/ 12/ 1983 إلى مغادرة طرابلس مع مجموعة من مقاتليه، بعدما شهد مخيم نهر البارد معركة محدودة بين الموالين لعرفات والمنتفضين عليه، لكن مخيم البداوي شهد معارك قاسية أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى وحدوث دمار هائل في المخيم.

خروج عرفات بشكل نهائي من لبنان سنة 1983 دفعه للتحرك باتجاه التسوية، فعزز علاقاته مع الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني الحسين بن طلال، وتوصل الزعيمان عرفات وحسين في 11/ 2/ 1985 إلى توقيع اتفاق عمان، الذي أعلن استعداد الطرفين للسلام مع "إسرائيل" وإقامة اتحاد كونفيدرالي فلسطين ي – أردني، وتشكيل وفد أردني – فلسطين ي مشترك للتفاوض مع الاحتلال الصهيوني.

وردت الفصائل الفلسطينية في دمشق بتاريخ 25/ 3/ 1985 بإعلان جبهة الإنقاذ الفلسطيني، التي تشكلت من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة، وجبهة النضال، وترأسها رئيس المجلس الوطني الفلسطيني خالد الفاهوم.

لقد شهدت سنة 1983 انحدارا سياسيا في الأداء السياسي العربي، وسجلت اختراقا صهيونيا للواقع العربي حين وقعت الحكومة اللبنانية مع الكيان الصهيوني في 17/ 5/ 1983، بعد مفاوضات صعبة، اتفاقية عرفت باسم اتفاقية "17 أيار" استفاد منها الكيان الصهيوني سياسيا وأمنيا، لكن هذه الاتفاقية أدخلت لبنان في صراع سياسي وتجاذبات حادة، أنتجت فيما أنتجته انتفاضة القوى الوطنية ال لبنان ية على حكم الرئيس أمين الجميل وسياسته فيما عرف بانتفاضة 6 شباط/ فبراير 1984، كما سمحت بعودة تدريجية لمقاتلين فلسطينين إلى لبنان، كانت قد بدأت قبل ذلك بفترة، مع اندلاع الاشتباكات في الجبل في أيلول/ سبتمبر 1983 بين مقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية.

نزاع في المخيمات ... وعليها

الاضطراب السياسي والأمني في المنطقة، والخلافات الفلسطينية السورية على المفاوضات، والصراع على العودة للإمساك بالورقة الفلسطينية في لبنان، وبالورقة اللبنانية بعد اجتياح سنة 1982، أشعل حرب المخيمات في 20/ 5/ 1985، حيث هاجمت مجموعات حركة أمل مخيمي برج البراجنة وشاتيلا في بيروت، ثم انتقلت المعارك إلى مخيم عين الحلوة والمية ومية في صيدا، وإلى مخيم الرشيدية قرب مدينة صور في 27/ 11/ 1986، واستهدف مخيم برج البراجنة بهجوم جديد منتصف آب/ أغسطس 1985، وبهجوم آخر أواسط أيلول/ سبتمبر من العام نفسه نتج عنه سقوط 53 قتيلا، وقتلت عناصر أمل في حارة حريك في منتصف أيلول/ سبتمبر، 19 لاجئا فلسطينيا، ثم تجددت الاشتباكات بين أمل والفلسطينيين في تشرين الأول: أكتوبر 1986.

لم تنته حرب المخيمات إلا في 17/ 1/ 1988، عندما أعلن رئيس حركة أمل نبيه بري توقف الاقتتال، ورفع الحصار عن الفلسطينيين كهدية للانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت في فلسطين في 8/ 12/ 1987، وقدرت حصيلة الضحايا الفلسطينيين في حرب المخيمات بحوالي 700 شهيد وألف جريح، وتشرد على إثرها 32 ألف لاجئ.

وفي أيار/ مايو 1987، دفع الفلسطينيون المقيمون في لبنان ثمنا سياسيا وأمنيا كبيرا، حين ألغي المجلس النيابي اللبناني اتفاق القاهرة، الذي وقع في 3/ 11/ 1969 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية، والذي عرف باتفاق تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان، وتنظيم العمل الفدائي.

وكان هذا الاتفاق ينص على "حق العمل والإقامة والتنقل للفلسطينيين المقيمين حاليا في لبنان، وإنشاء لجان محلية من الفلسطينيين في المخيمات لرعاية مصالح الفلسطينيين، ووجود نقاط للكفاح المسلح الفلسطيني داخل المخيمات تتعاون مع اللجان المحلية لتأمين حسن العلاقة مع السلطة اللبنانية".

الانتفاضة ... الأمل

عاش الفلسطينيون في الثمانينيات مرحلة صعبة، فقد خسروا أوراقا سياسية كثيرة ومهمة، فقد خرجوا من لبنان، وتوترت العلاقة مع الأردن وسورية، وتراجعت القضية الفلسطينية في اجتماعات القمة العربية، ولم يحدث تطور ملموس في مسار التسوية الذي راهن عليه عرفات، وعلق الأردن في شباط/ فبراير 1986 اتفاق عمان مع منظمة التحرير، ونزلت القوات السورية إلى بيروت، وانتشر مراقبون سوريون حول المخيمات الفلسطينية في لبنان، واستطاع المنتفضون على عرفات ضم كوادر عسكرية وتنظيمية كبيرة إلى صفوفهم.

لكن الفلسطينيين عادوا وأمسكوا بزمام المبادرة، ونقلوا الاهتمام إلى قضيتهم ... ففي 25/ 11/ 1987 هاجم خالد أكر، المقاتل في الجبهة الشعبية – القيادة العامة، بطائرة شراعية انطلقت من لبنان معسكرا للجيش الصهيوني، بعدما هبط داخل المعسكر، وأطلق الرصاص على الجنود فقتل أربعة وجرح آخرين.

وفي 9/ 12/ 1987 اندلعت انتفاضة شعبية عارمة في فلسطين، إثر دهس مستوطن الصهيوني عمالا فلسطينيين مما أدى إلى استشهادهم على الفور، وفي 14/ 12/ 1987 أعلن عن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين.

أعادت الانتفاضة الشعبية وبروز حركة حماس الأولوية للقضية الفلسطينية، وذكرت العالم بمطالب الفلسطينيين وأهدافهم الأساسية المتمثلة بالتحرير والعودة وإقامة الدولة ذات السيادة، وازداد التضامن الدولي مع الفلسطينيين، وخسر الاحتلال الصهيوني سياسيا وإعلاميا ودبلوماسيا واقتصاديا أمام الانتفاضة، التي أبرزت نهجا فلسطينيا مغايرا للمشروع السياسي الذي كان يتداول، عادت منظمة التحرير للالتفاف على الانتفاضة، فأطلقت في 15/ 11/ 1988 مبادرة السلام الفلسطينية، وأعلنت قيام الدولة الفلسطينية، وفتحت الباب أمام مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين، أفرزت في 13/ 9/ 1993 اتفاق أوسلو، الذي كان أهم ما فيه الاعتراف بشرعية الاحتلال الصهيوني، والتعهد بحماية أمنه، وإسقاط حق العودة للاجئين، والدخول في مفاوضات على قضايا الأرض والحدود، وإقامة سلطة للإدارة الذاتية.

انطلاقة فاعلة للإسلاميين

إذا كانت فترة الستينيات والسبعينيات تعتبر في عرف الإسلاميين فترة الإعداد والتربية والبناء وإن صاحبها أعمال مهمة، فإن فترة الثمانينيات تعد الانطلاقة الفعلية للإسلاميين.

ففي سنة 1976 أسس الإخوان المسلمون المجمع الإسلامي في غزة، الذي نشط في النواحي التربوية والرياضية، وفي سنة 1978 تم تأسيس الجامعة الإسلامية في غزة.

وتعد سنة 1980 السنة الفعلية لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وفي 26/ 11/ 1981 شارك الإسلاميون في قطاع غزة في إضراب للجمعية الطبية، وساروا في التظاهرات المنددة باعتداء مستوطنين يهود على المسجد الأقصى في نيسان/ أبريل 1982، واستشهد شابان من الكتلة الإسلامية من جامعة بيرزيت في التظاهرات التي سارت في حزيران/ يونيو 1986.

وفي سنة 1982 أسس الشيخ أحمد ياسين "المجاهدون الفلسطينيون" التي كانت عبارة عن الجناح العسكري للإخوان المسلمين، وسنة 1983 أسس الشيخ أحمد ياسين منظمة الجهاد والدعوة (مجد) في غزة، وسنة 1986 أسس الشيخ صلاح شحادة "المجموعة 44" و "المجموعة 101" لقتال المستوطنين وجنود الاحتلال.

وفي سنة 1983 اعتقلت سلطات الاحتلال الصهيوني الشيخ أحمد ياسين على خلفية تشكيل مجموعة مسلحة، وأطلقت سراحه بتاريخ 20/ 5/ 1985 في عملية التبادل مع الجبهة الشعبية – القيادة العامة.

وأسهمت هذه المجموعات في تنفيذ عدد من العمليات العسكرية ضد الاحتلال، مثل قيام مجموعة مجاهدي المغراقة بقيادة يحيى الغول باستهداف شاحنة عسكرية في شهر رمضان سنة 1985، وقيام الجهاد الإسلامي بمهاجمة جنود صهاينة عند حائط البراق سنة 1986.

صراع على الحطام

الأحداث المؤلمة عادت وتجددت داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، ففي 5/ 5/ 1988 هاجمت جماعة فتح – ياسر عرفات العناصر التابعة لفتح الانتفاضة في مخيم شاتيلا، واستولوا على المخيم بأكمله، وفي 9/ 6/ 1988 ردت فتح الانتفاضة بهجوم معاكس على فتحعرفات في المخيم، وتمكنوا في 28/ 6/ 1988 من إخراج فتحعرفات من المخيم بالكامل.

واندلعت مواجهات قاسية بين الطرفين في مخيم برج البراجنة، حيث شهدت طرقات المخيم وأزقته مواجهات شرسة، وتعرض المخيم لقصف عنيف بالمدفعية الثقيلة والصواريخ والقذائف من عيار 160 ملم، وخرجت في 6/ 7/ [[1988[[ عناصر فتحعرفات أيضا من المخيم بالكامل.

استمرت الخلافات الفلسطينية الداخلية في لبنان، متأثرة بالأجواء السياسية المعقدة، وبالتحولات والصراعات التي تعيشها المنطقة، فاندلعت اشتباكات عنيفة بين فتحعرفات وفتح – المجلس الثوري، التي يتزعمها صبري البنا (أبو نضال)، بين شهري حزيران/ يونيو و أيلول/ سبتمبر 1990، في مخيمي الرشيدية وعين الحلوة، أدى ذلك إلى تعزيز سيطرة حركة فتح– عرفات على المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان، بعدما باتت المخيمات الفلسطينية في بيروت والبقاع وشمالي لبنان خاضعة لسلطة الفصائل الفلسطينية المعارضة لعرفات، والمتحالفة مع دمشق.

انعكس التوتر الفلسطيني الداخلي في لبنان على المجتمع الفلسطيني في لبنان، وكان ذلك في المحاور التالية:

  • أثر توجه منظمة التحرير الفلسطينية نحو التسوية، والاعتراف بـ "إسرائيل"، وانهزامها في الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 على شعبية منظمة التحرير، وعلى قناعة الفلسطينيين بخطها السياسي، وبنهجها في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
  • تخلت منظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها من لبنان بشكل واضح وملموس عن دورها كهيئة مسؤولة عن الفلسطينيين في لبنان، وظهرت أنها غير قادرة على تمثيل مصالح الفلسطينيين وعلى حمايتهم، وبينت حرب المخيمات مع حركة أمل وما جرى خلالها، والمعارك الداخلية بين فتحعرفات والمنتفضين عليها مدى الصعوبات التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان كما ظهرت مخاوف من أن تقوم حركة فتح بقيادة عرفات بتوظيف نفوذها في لبنان لتقوية وضعها التفاوضي في مسار التسوية الذي ظهر بشكل واضح في مؤتمر مدريد 1991 ثم في اتفاقية أوسلو 1993.
  • ازدادت معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان نتيجة الاجتياح الصهيوني للبنان، ونتيجة حروب المخيمات والمعارك الداخلية، ودمرت البنية التحتية، وتضررت المستشفيات، كما فقدت مخيمات بيروت مصادر المياه، وازداد الشرخ الفلسطيني اللبناني، وصارت المخيمات أكثر عزلة، وارتفعت وتيرة إصدار السلطات اللبنانية لمراسيم منع الفلسطينيين من العمل، وسحب السلاح الفلسطيني، وأصبحت المخيمات أكثر عرضة للاختراق الأمني، ولعمليات التخريب، والتفجير المنظم.
  • استمر مسلسل التدهور فازدادت البطالة، وترجع مستوى التعليم، وتراجعت الأجور في المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير، وصار مرتب الطبيب في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني 97 دولارا، ومرتب عاملة التنظيف 33 دولارا و"أمر عرفات في كانون الأول/ ديسمبر 1991 بتسريح 5.000 من عناصر فتح المتفرغين في لبنان، وتعرضت المخصصات، التي تصرفها مؤسسة الشؤون الاجتماعية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية على أسر الشهداء أو الأسرى أو الجرحى في لبنان، والتي قدرت بـ 280 مليون ليرة لبنانية شهريا لخفض حاد، والإبطاء شديد ودفع هذا المناخ جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان، ومنظمة الأونروا إلى تقليص خدماتها للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتراجع دور اللجان الشعبية في المخيمات، وتضرر الحوار الفلسطيني واللبناني، وانقطع لفترات طويلة.
  • في بداية التسعينيات وبعد توقيع اتفاق أوسلو ازداد تمسك اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالعودة إلى وطنهم، وأعلن عن تأسيس جمعيات ومؤسسات، للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وللتمسك بحق العودة، وأشارت كل هذه التحولات إلى تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، وأصبح الفلسطينيون في لبنان على قناعة بوجود تباين كبير بين برنامجهم المتمسك بالتحرير والعودة، وتحسين ظروفهم في لبنان، وبين البرنامج الذي تعتمده منظمة التحرير، والهادف إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإسقاط حق عودة اللاجئين.

الفصل الأول :الحركة الإسلامية في المخيمات الفلسطينية في لبنان

أولا: مخيم الرشيدية: رافعة العمل الإسلامي

ينقسم مخيم الرشيدية (خمسة كيلو مترات إلى الجنوب من مدينة صور) جغرافيا إلى قسمين: القسم القديم، وشيد على تلة مرتفعة نسبيا، أقام فيها اللاجئون الفلسطينيون منذ سنة 1949، وفي هذا المخيم مسجد وكنيسة، وكان يقيم فيه اللاجئون الأرمن قبل ذلك الوقت، أما القسم الجديد فنقل إليه اللاجئون الفلسطينيون سنة 1964 من منطقة بعلبك وثكنة غورو، وأقيم هذا المخيم في مكان منبسط.

مخيم الرشيدية يقع وسط سهل صور الزراعي الجنوبي، تحيط به بساتين الليمون والسهول المزروعة بأنواع الخضار، والتي أصبحت ملجأ لأسراب العصافير، وتمر عبره أقنية المياه، وتتوسط ساحات منازله أشجار التوت والتين والزيتون، وترتفع فوق سطوحه أشجار العنب، التي حولها اللاجئون إلى ما يشبه الخيم يستظلون بها من أشعة الشمس في ساحات منازلهم الداخلية.

استغل اللاجئون خصوبة التربة وعذوبة المياه، فزرعوا في حدائق منازلهم الورد الجوري والحبق والفتنة والياسمين، فشوارع المخيم وساحاته تعبق دائما بروائح الأزهار، وفي فصل الربيع تنتشر في سماء المخيم لأسابيع عديدة رائحة زهر الليمون الصادرة من البساتين المحاذية.

في المخيم مجموعة من البرك وعيون المياه العذبة، التي استغلها الأولاد للسباحة أو لمطاردة الأسماك الصغيرة، وفي الطرف الغربي يبسط المخيم قدميه على شاطئ البحر الذي كان مكانا للراحة وللهو وموردا للرزق، وكان شاطئه متنفسا للطلاب الذين يريدون مذاكرة دروسهم في جو هادئ.

هذا المخيم أقرب المخيمات الفلسطينية إلى فلسطين، وهو مفعم بأجواء الشاعرية والجمال قبل أن يحيله الاحتلال الصهيوني وحرب المخيمات إلى منطقة تصعب الحياة فيها، كان له دور بارز في العمل الإسلامي، وأرسى تجربة كبيرة في العمل الحركي، ولعب شبابه دورا بارزا في الدعوة الإسلامية، وبدت بصماتهم واضحة في المشروع الإسلامي الفلسطيني الذي امتد لاحقا إلى أكثر من مخيم، لدرجة أن أصول عدد من أبرز رموز الدعوة الإسلامية الفلسطينية في لبنان تعود إلى مخيم الرشيدية، إذ أن الشباب المسلم من مخيم الرشيدية، الذين هاجروا إلى بيروت وصيدا، نقلوا تجربتهم الدعوية والإسلامية إلى هاتين المنطقتين، وأسهموا في تشكيلات حركية تأسست لاحقا كالرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين، والرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين.

حالة التدين في المجتمع الفلسطيني – وإن كانت قليلة إلى حد ما فيما مضى – انتقلت مع اللاجئين الفلسطينيين القادمين إلى الرشيدية، الذين شيدوا مسجدا في المخيم القديم، شغل الإمامة فيه عدد من أهالي المخيم، بينهم الحاج دليل العبد وهو من بلدة الكابري، وفي نهاية الستينيات شيد الأهالي مسجدا جديدا في المخيم الجديد.

ويعود النشاط الإسلامي الدعوي والتربوي في المخيم إلى مجموعة من الأشخاص، أبرزهم الحاج موسى طعان علي، الذي يصفه الإسلاميون في المخيم بأنه الأب الروحي للعمل الإسلامي، وبأنه "دينامو" الدعوة الإسلامية، كان من المجاهدين مع الشيخ عز الدين القسام في فلسطين، واشترك في مواجهات مع العصابات الصهيونية وأصيب برصاصة استقرت داخل جسده، وظل يعاني منها.

الشيخ موسى كان في الخمسينيات والستينيات يرسم ملامح العمل، ويفتح الأبواب على الأنشطة الدعوية، ويترك آلية التنفيذ للآخرين من أبناء الدعوة الإسلامية، وقد اشتغل الشيخ موسى في التربية، فكان يحث الناس على تأدية الصلوات والالتزام بالدين والتحلي بالأخلاق، وكان يحرص على تنظيم الدروس العامة، وتجميع الشباب للالتزام بالدين في قسمي المخيم.

مع جماعة عباد الرحمن

تأثر الشيخ موسى بدور جماعة عباد الرحمن، وهي جماعة إسلامية تأسست في لبنان سنة 1949، وأبرز قادتها الشيخ محمد عمر الداعوق، وكان أن انضم عدد كبير من شباب المخيم إلى جماعة عباد الرحمن، وانخرضوا في أنشطتها التربوية والدعوية.

وفي أواخر الخمسينيات افتتحت الجماعة مقرا لها في مخيم الرشيدية، وأسست فرقة كشفية في المخيم نظمت، من بين أنشطتها العديدة، مخيما كشفيا على شاطئ البح، أخذ يعلم الشباب الجرأة والحراسة وألعاب القوة، إضافة إلى تعليمهم تعاليم الدين، واستمر نشاط الشباب مع جماعة عباد الرحمن، فشارك أبناء المخيم مع الجماعة في أنشطة صيفية في منطقتي سوق الغرب وبرمانا في جبل لبنان.

لكن العلاقة مع جماعة عباد الرحمن أخذت تتراجع بعد ارتفاع وتيرة الأحداث السياسية والأمنية إثر بدايات العمل الفدائي الفلسطيني في لبنان سنة 1965، واتساع معارضة اللاجئين الفلسطينيين للسلطات اللبنانية التي كانت تضيق على المخيمات، وإثر وصول الفدائيين إلى لبنان عقب اندلاع المواجهات في الأردن بين الثورة الفلسطينية والسلطات الأردنية.

وفي سنة 1969 نظم أهالي مخيم الرشيدية مسيرة اعترضوا فيها على سياسات السلطات اللبنانية تجاههم، التي اتهموها بالظلم والقهر ومنع النشاط السياسي، فقام جنود لبنانيون بإطلاق النار على المسيرة فقتلت الفتاة سعاد خليل اليوسف من المخيم، وترافق هذا التوتر مع توترات في المخيمات الأخرى، مما دفع السلطات اللبنانية إلى منع الفلسطينيين من المشاركة في أنشطة جمعيات لبنانية، فتراجعت علاقة أبناء المخيم مع جماعة عباد الرحمن.

وفي نهاية الستينيات التقى عدد من الشباب الإسلامي، منهم فيصل ناصر وفارس صليبي وتلفاح يونس ومحمود إبراهيم، واتفقوا على ضرورة تأسيس عمل دعوي إسلامي هدفه نشر الفكر الحركي "الإسلام دين ودولة سيف ومصحف".

نحو الإخوان المسلمين

يروي الشيخ كامل غضبان، في حوار أجري معه في 4/ 11/ 2008 كيف انضم شباب مخيم الرشيدية إلى الإخوان المسلمين فيقول:

منذ بداية 1968 بدأ مخيم الرشيدية يشهد تجمعا شبابيا، يلتقي على فكرة الإسلام الحركي، يهدف إلى نشر الدعوة الإسلامية في أوساط الشباب والناس، تشربت هذه المجموعة الإسلام من الشيخ موسى طعان علي، الذي يتسم بالحيوية والغيرة على الإسلام، والعمل الدؤوب من أجل نشر تعاليم الدين.

الشيخ موسى، كان يربينا على قيم الإخلاص لله في القول والعمل، ويدعونا إلى نشر الخير بين الناس، لإنقاذهم من جور الجاهلية إلى عدالة الأحكام والتشريعات الإسلامية، وكان دائما يكرر على مسامعنا: أنتم الذين ستقودون الأمة نحو طريق الهداية، وأنتم الذين ستخلصونها من براثن الجهل، ويؤكد:

بأن هذا الدين بحاجة لكم أيها الشباب، وعليكم المعول.

تكونت المجموعة الأولى من: محمد موسى، وخالد سليمان، ودياب الأحمد، وأحمد ديب، وفيصل ناصر، وكامل غضبان، وكان قد انبرى الشيخ كامل غضبان للعمل الدعوي مبكرا، ففي سنة 1968 وهو في الـ 16 من العمر، تقدم للخطابة في المسجد، وإلقاء الدروس والتحدث في المناسبات الدينية.

وبدأت هذه المجموعة تحركها مباشرة نحو العلاقات الجماهيرية والعمل العام، فقد شكل شهر رمضان المبارك سنة 1968 بداية العمل، عندما ألقى الشيخ كامل غضبان خطبة الجمعة، وأتبعها بعد صلاة العصر بإلقاء كلمة في المسجد إحياء لذكرى غزوة بدر، وكانت مناسبة لتحريك المشاعر الدينية في أوساط الشباب والفتيان، وحركت أيضا نزعة الغضب لدى الفصائل الفلسطينية التي كانت تحمل الفكر الماركسي.

لم يكد الشيخ كامل ينهي كلمته في ذكرى غزوة، بدر، حتى انطلقت مكبرات الصوت التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لتذيع بيانا يصف كلام الشيخ بأنه رجعي، وبان المتكلم هو من عملاء الأمريكان والإنجليز، استفزت هذه التهمة الشيخ، وقرر الذهاب إلى مقر الجبهة، فتبعه عدد من الشباب، وطلب مقابلة مسؤول التنظيم الذي جرى معه نقاش حاسم، كانت نتيجته أن فسر المسؤول ما قيل في بيان تنظيمه بأنه غير موجه للشيخ ولا للشباب المسلم في المخيم، قبل الشيخ كامل هذا التفسير ودعاه إلى حوار هادي إن رغب، ويقول الشيخ كامل: "يعد هذا الموقف هو فاتحة طريق الدعوة نحو أهالي المخي وجميع الشباب فيه، وبالأخص منهم الحزبين، وشهدت الدعوة بعدها إقبالا شعبيا وشبابيا ملحوظا".

لم يكن الحوار داخل مكتب الجبهة الشعبية كله كلاما، بل تخلله تهديد، حيث انبرى أحد العناصر ووجه بندقيته نحو الشباب، وكان عم الشيخ كامل أحد الحاضرين في المكتب، فانبرى هو الآخر للتصدي لهذا العنصر مرددا: إنهم يتحاورون بالكلام، فإن لم تسحب سلاحك سوف أطلق عليك النار، وانتهى بذلك مشهد التهديد.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد بلغت أخبار هذا الموقف للشيخ رزق: الذي كان يتولى مسؤولية قوات التحرير الشعبية، وكان له دور يشبه حاكم ولاية، كما يصفه الشيخ كامل نفسه، وكان صاحب أمر ونهي في المخيم، أرسل الشيخ رزق خلف مسؤول الجبهة الشعبية، فذهبت قوة عسكرية وحاصرت مكتب الجبهة، وجلبت المسؤول قصرا وأوقفته أمام الشيخ رزق، فزجر الشيخ مسؤول الجبهة في الرشيدية، وحذره من تكرار المحاولة، وقال له: "إن الشباب هم أفضل منك، ويحق لهم قول ما يشاؤون وفعل ما يريدون، إنهم يعرفون حدود الشرع والأدب، وكل ما يصنعونه هو لخير الدين والناس".

على هذه الخلفية انطلق ركب الدعوة الإسلامية في أرجاء مخيم الرشيدية، ومنه إلى باقي المخيمات الفلسطينية في لبنان.

مع الثورة والشيخ رزق

يقول الشيخ كامل غضبان:

رضعنا حب فلسطين مع حليب أمهاتنا، وكان من الطبيعي أن نلتحق بكتائب الثورة الفلسطينية منذ وصولها إلى مخيم الرشيدية، كان ذلك في عام 1965، عندما التحقت بحركة فتح، لأنها كانت الأقرب إلى طبيعة الإنسان الفلسطيني العادي، وعندما فهمنا الفكر الإسلامي الحركي، وشكلنا المجموعة الأولى رأينا أن بقاءنا داخل أطر فتح لم يعد يتلاءم مع فهمنا وأفكارنا في تلك الفترة، أي مع بداية عام 1968، كان نجم الشيخ رزق قد بدأ يلمع، وسمعنا باسمه وبانتمائه الإسلامي، ذهبنا إليه وتعرفنا على شخصيته، ثم عرضنا عليه أن نلتحق بمجموعات قوات التحرير الشعبية التي كان يتولى قيادتها، وفعلا انتمينا إلى هذه القوات "متطوعين" انشغلنا بالتدرب على المهارات القتالية، وكان الشيخ رزق عسكريا، فتعب علينا: تعلمنا منه الشؤون العسكرية، وفي نفس الوقت وبموازاة ذلك، استمرينا في نشر الدعوة بين المقاتلين، وحرصنا على أن نجعل من تصرفاتنا وسلوكياتنا قدوة لجميع عناصر قوات التحري الشعبية، كنا نسدي لهم النصائح، قررنا تجاوز اختلافنا الفكري معهم، وتجاوز أخطائهم السلوكية، وقررنا محبتهم وجلب الخير لهم ودفع الضرر عنهم، لعل هذه الدوافع هذه السيرة التي انتهجناها في التعامل معهم، دفعتهم ليحبوننا ويستجيبوا لدعوتنا والوقوف إلى جانبنا في مواقف كثيرة، كان آخرها وأهمها، عندما قررنا الانفصال عن قوات التحرير.

شكل وصول الشيخ رزق علامة فارقة في تاريخ مخيم الرشيدية، فقد بدأ الشيخ يمارس فهمه للإسلام مستندا إلى القوة العسكرية التي يسيطر عليها، فقد كان مسؤولا لقوات التحرير الشعبية وجهاز الكفاح المسلح، بالتعاون والتنسيق مع قائد جهاز الكفاح المسلح أبو طعان، ومساعده خضر عباس، وهما ضابطان كبيران في حركة فتح، ولهما ميول إسلامية، وهما من أبناء مخيمات لبنان، الأول من مخيم عين الحلوة، والثاني من مخيم الرشيدية، حتى إن الشيخ رزق بدأ بتنفيذ العقوبات البدنية وإقامة الحدود على الأشخاص الذين يرى فيهم أنهم ارتكبوا ذنوبا كبيرة كالسرقة والزنا والعمالة، اعترضت المجموعة الإسلامية على تصرفات الشيخ هذه باسم الإسلام، وأخبروه بأنه لا يجوز له إيقاع العقوبات من غير بينة أو دليل، وعلى أي حال لا يجوز استباحة دم امرئ مسلم لمجرد الخطأ، مطلق خطأ، اقترحوا عليه أن يشكل محكمة من أشخاص يتمتعون بالعلم والنزاهة، هم يتولون استيضاح الأمور ويحكمون بين المتخاصمين، وفعلا تم اختيار الأستاذ المرحوم أحمد الجشي، والأستاذ حسن الشولي، والأستاذ عبد الكريم كانوا من أهل السمعة الطيبة والسيرة الحسنة، بدأوا ينظرون في الخصومات وسعوا بالصلح بين الناس، فأثمر مسعاهم، وأنجزوا مصالحات عديدة بين الناس، فاستتب الأمن بين الناس واشتهرت الرشيدية بهن حتى إن عددا من الأشخاص من خارج المخيم من أهل الجوار لجأوا إلى هذه اللجنة ليتقاضوا عندها لاشتهارها بالحكم العادل بين الناس، خصوصا أن القضايا كانت تنتظر طويلا على رفوف المحاكم اللبنانية المختصة.

هذه الجو الإسلامي بشكل عام، أسهم في جعل مخيم الرشيدية بيئة مساعدة لظهور حالة إسلامية متعافية، استطاعت التمدد إلى خارج المخيم حتى وصلت إلى غالبية مخيمات اللاجئين في لبنان. التحرك إلى مخيمات لبنان:

إن شخصية الشيخ كامل غضبان القيادية، وطبيعته الحيوية، جعلته لا يركن ضمن حدود مخيم الرشيدية فقط، ولعل ذهابه وباقي أعضاء المجموعة للدراسة في معهم سبلين للتدريب المهني أسهم في تمكينه من نقل الفكر الإسلامي الذي اعتنقه إلى باقي المخيمات، عبر شباب المخيمات الذين كانوا يدرسون في معهد سبلين في الأعوام الدراسية نفسها 19701971.

انتقل العمل الإسلامي الدعوي إلى مخيم نهر البارد، وتشكلت هناك حلقة دعوية، كانت تضم الشيخ شرقية، ومعه مجموعة مؤلفة من عشرة أشخاص اشتغلوا في نشر الدعوة والدروس المسجدية، والتربية على مفاهيم الفكر الإسلامي الوسطي.

يقول الشيخ كامل: كان مخيم تل الزعتر يعيش في أجواء بؤس منذ أوائل سنة 1970، عندما زرناه، وكررنا زياراتنا للمخيم، وأجرينا اتصالات مع عدد من أبناء المخيم، استطعنا ضم ثلاثة أفراد إلى حلقة دراسية، استمرت الاجتماعات معهم، ولكن لم ينتظم أي واحد منهم في العمل الإسلامي الحركي.

بينما أثمر العمل الإسلامي في منطقة بيروت، كما يقول الشيخ كامل: واستطعنا تشكيل مجموعة دعوية في مخيم شاتيلا، ثم انتظمت هذه المجموعة، واستمرت في عقد حلقات العلم وإدارة نشر الدعوة في المخيم والمحيط، وكان الشيخ عاطف كامل يتولى مسؤولية العمل الإسلامي هناك.

وكان للجامعة العربية نصيب وافر من الاهتمام الدعوي، حيث يقول الشيخ كامل غضبان: ": من الطبيعي أن نهتم بالجامعة لأنها تخرج المثقفين والمتخصصين، وهذه النخبة هي الأقدر على حمل الفكر الإسلامي، وتحمل أعباء الدعوة إلى الله، وهم الأقدر على تقديم الخدمات لأبناء شعبهم وأهلهم في المخيمات "فتم تشكيل حلقة دراسة في الجامعة ضمت خليل ابحيص، وهو من شباب قطاع غزة حضر إلى لبنان بهدف استكمال الدراسة الجامعية، والشيخ الشهيد فيصل، وانتشر العمل الإسلامي في مخيم عين الحلوة، إذ يوجد في مخيم عين الحلوة الشيخ إبراهيم غنيم، صحيح أنه لم يكن من سكان المخيم إلا أنه كان يتولى الإمامة والخطاب في أحد مساجده، وكان موجودا في المخيم الشيخ فضل عباس، الذي يعد من كبار علماء الدين في الوسط الفلسطيني عموما، وكان يتولى الإمامة والخطابة في أكبر مساجد المخيم، وكان مشهورا عنه أنه من الإخوان المسلمين.

اشتغلنا في العمل الدعوي، كما يقول الشيخ كامل غضبان، وتمكنا من تشكيل حلقة دراسة انضم إليها عبد المنعم عباس، والأستاذ شحادة عباس، والمرحوم الأستاذ محمد عبد الهادي أبو الهيثم، وعدد آخر.

ويوجد عدد لا بأس به من الفلسطينيين المقيمين في مدينة صيدا، يقول الشيخ كامل غضبان: "تواصلنا معهم، وتبادلنا الحوار حول العمل للإسلام والدعوة له، فتوافقنا على تشكيل نواة عمل إسلامي في المدينة، وفعلا تشكلت حلقات دعوية التحق بها الشهيد فوزي آغا وعدد آخر".

نشطت الدعوة في أوساط الشباب، وبين الناس، اهتم الشباب بالدعوة الإسلامية والفكر الإسلامي الوسطي وأبدوا رغبة في التعرف على هذا الفكر، وحمله والالتزام به، تعرفنا على مجموعة لا بأس بها من الشباب، كما بين الشيخ كامل غضبان: "شكلنا مجموعة دعوية استمرت وانتظمت معنا، تولى مسؤولية هذه المجموعة الشيخ أسعد طه، ومعه حوالي خمسة أفراد، تعهدوا جميعا بالعمل المسجدي، ونشر الدعوة الإسلامية وفق المفاهيم الحركية التي أوصلناها لهم".

اطمأن قلب أفراد المجموعة الإسلامية لهذا الفكر الحركي الذي يدعو إلى الشمولية في فهم الإسلام، وتبني المنهج الوسطي في الطرح الفكري، بدأ الشيخ كامل غضبان البحث عن طريق توصه إلى الإخوان المسلمين، فتعرف على الأستاذ إبراهيم المصري نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، كان يومها رئيس تحرير مجلة الشهاب، والتقى بالشيخ غازي التوبة بصفته مسؤول تنظيم الإخوان المسلمين– الجناح الفلسطيني في سورية حينها.

استمر التواصل مع تنظيم الإخوان الفلسطينيين في سورية لغاية خروج الشيخ غازي التوبة من التنظيم، عندها توقفت العلاقة التنظيمية معه، وانتقلت إلى نائبه، الشيخ محمد السعدي، وهو الذي تابع الاتصال بالمجموعة الإسلامية في الرشيدية، بعد سفر الشيخ كامل غضبان إلى أوروبا.

بداية العمل الحركي

فيصل ناصر، شاب فلسطيني من أبناء مخيم الرشيدية، تأثر بالشيخ موسى وب جماعة عباد الرحمن، هو شاب يتمتع بصفات تنظيمية وإدارية متقدمة، دفعته، إضافة إلى عمله في بيروت واطلاعه على العمل الإسلامي في العاصمة اللبنانية، إلى الاتجاه نحو الشباب، فأسس فريق الإصلاح الرياضي سنة 1973، وجمع الفريق الشباب من قسمي المخيم ومسجديه، وضم نخبة نوعية من الشباب، وتحول منزل فيصل ناصر إلى ما يشبه مركزا للعمل.

فريق الإصلاح الرياضي اشتغل في التربية والإصلاح والأنشطة الدينية والمسجدية، وركز على ثقافة الأعضاء، وإن كان هذا الفريق حقق في الوقت نفسه إنجازات رياضية مهمة جعلته من أهم الأندية في منطقة صور، بعدما جهز الفريق ملعبا رياضيا خاصا به في المخيم.

في تلك الفترة بدأ التفكير ينطلق نحو ضرورة العمل الإسلامي الحركي واستقطاب الشباب نحو مشروع إسلامي أكبر وأوسع بعدما أرسيت الدعائم الأولى، وأصبح نادي الإصلاح هو المنبر الدعوي الذي يمثل الخط الإسلامي الملتزم في منطقة صور ومخيماتها.

البعثة الأزهرية

تأثر أهالي مخيم الرشيدية بعدد من علماء الأزهر الذين كانوا يصلون إلى المخيم ويقيمون فيه لأشهر، البعثة الأزهرية كانت تضم عددا من العلماء والوعاظ، بعضهم من هو شيخ تقليدي، وبعضهم من كان ينتمي سرا إلى جماعة الإخوان المسلمين، لعب علماء الأزهر دورا كبيرا في العمل الدعوي في مخيم الرشيدية، فأقاموا الدروس العامة والمحاضرات، وشملت دروسهم النساء والفتيات.

وخلال فترة متقاربة، وصل إلى مخيم الرشيدية عدد من علماء الأزهر، منهم الشيخ محي الدين حسن، والشيخ حامد، والشيخ السيد محمد منصور الحسيني، والشيخ سيد عبد المقصود عسكر، ثم الشيخ سيد سابق.

الشيخ سيد عبد المقصود عسكر كان يتمتع بفهم حركي، وتجربة تنظيمية، فهو كان ينتمي سرا إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر وصل إلى الرشيدية سنة 1972، لكن إقامته كانت في مدينة صور، اهتم السيد عسكر بالشباب، فتقرب منهم، ونظم الحلقات وخصصها للتربية والتعليم والبناء، يقول العارفون إن السيد عسكر ربى الشباب على منهج الإخوان المسلمين دون أن يخبرهم بذلك، كانت الحلقات تعقد في المسجد والمنازل وبعضها على شاطئ البحر، وجزء منها يعقد في منزل الشيخ عسكر في مدينة صور، حيث كان الشيخ ينظر باستمرار من النافذة باتجاه الشارع للتأكد من خلو المنطقة من أشخاص كانوا يراقبون الشباب المسلم، وكي يحمي القادمين إليه من المخيمات.

إلى الجماعة الإسلامية

مرحلة الستينيات وأوائل السبعينيات كانت مرحة التعرف والتثقيف والتربية، امتد النشاط الإسلامي أفقيا، واستقطب المسجدان وفريق الإصلاح الرياضي عددا من أبناء المخيم، وصار النشاط التربوي العام قويا، وبرز دور المسجد وشبابه.

التربية في تلك الفترة كانت الأساس، كان الإسلاميون يتعرضون لهجمات فكرية وثقافية كبيرة من قبل القوميين واليساريين، وكان الشيوعيون المنضمون إلى الفصائل الفلسطينية يحاربون الدين من خلال أفكارهم وثقافاتهم وسلوكهم، وكانوا يلاحقون أي مظهر إسلامي، ويراقبون المساجد وأئمتها ودورهم، ويحضون الشباب والشابات على عدم الالتحاق بالدروس العامة ولعدم الانضمام لأي عمل إسلامي.

التعبئة الدينية لدى الشباب المسلم في تلك الفترة ركزت على مواجهة هذه الأفكار ونقضها، والدفاع عن الدين، وتحصين الشباب والشابات دينيا وخلقيا لمنعهم من الانحراف أمام موجات المد اليساري الذي كانت تمارسه بعض الفصائل الفلسطينية.

المرحلة في تلك الفترة كانت مرحة التعبئة والتثقيف والبناء الفكري الإخواني والرد على الملحدين. كانت بداية العمل التنظيمي الحركي في مخيم الرشيدية مع الأستاذ فارس صليبي، وهو مدرس مادة الدين في مدارس الأونروا، الذي انضم إلى الجماعة الإسلامية.

وتم تشكيل أول بنية تنظيمية للجماعة الإسلامية في مخيم الرشيدية وذلك سنة 1975، وعددها من ستة إلى ثمانية أعضاء، ودورها انصب على التربية والإعداد، أما اللقاءات العامة لجميع أعضاء التنظيم فممنوعة.

شهدت سنة 1976 تحولات لافتة، فقد قام اثنان من أفراد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالتعرض للشيخ السيد عسكر بعد إلقائه خطبة صلاة الجمعية في مسجد المخيم الفوقاني، يومها حصل تلاسن بين هؤلاء والشباب المسلم، الذين هبوا للدفاع عن الشيخ الذي قابل عناصر الجبهة بلطف، غير أن المشكلة حلت في مكتب الكفاح المسلح، وهو القوة الأمنية المسؤولة عن أمن المخيمات، على قاعدة عدم تعرض أعضاء الفصائل الفلسطينية للمسجد وللشيخ وللمصلين بعد ذلك، وقد سبق هذا الهجوم قيام عناصر الجبهة الشعبية بتصويب رشاش من نوع دوشكا على المسجد الفوقاني وقام عناصر الجبهة بالدخول إلى المسجد والاستهزاء بالمصلين.

وفي العام نفسه خطف أمن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأستاذفارس صليبي، المسؤول التنظيمي للجماعة الإسلامية في المخيم، وقد اختطف لأنه من أبرز شخصيات العمل الإسلامي في المخيم، وأراد أعضاء الجبهة الشعبية تخويف الإسلاميين وتوجيه رسالة لهم للتخفيف من نشاطهم، يومها حدثت ضجة شعبية رافضة للاعتقال والأهداف التي من ورائه، فظهر الشباب المسلم في المخيم بشكل مسلح لأول مرة، الأمر الذي دفع قوة الكفاح المسلح في المخيم للتدخل لحل الموضوع، ووجهت هذه الحادثة أكثر من رسالة حول قوة الإسلاميين ودفعت الآخرين إلى وضعهم محل اهتمام.

أول الشهداء

فيصل ناصر وحسني عبد اله وعصام موسى هم أول ثلاثة شهداء من أبناء الحركة الإسلامية في مخيم الرشيدية، ولهؤلاء قصة.

فيصل ناصر الذي كان من رموز العمل الإسلامي في المخيم كان منتظما في الوقت نفسه في صفوف حركة فتح، ومن العاملين مع القائد الفلسطيني المعروف أبو علي إياد الذي استشهد في معارك الأردن سنة 1971.

بعد المعارك التي حصلت في لبنان إثر أحداث 1975 أعلنت فصائل الثورة الفلسطينية حالة التعبئة والتجنيد الإجباري، فالتحق كل من حسني عبد الله وعصام موسى، وهما من الشباب المسلم في الرشيدية، بحركة فتح وتحديدا في الكتيبة الطلابية.

الالتحاق بفتح يكون مبنيا يومها على توجه لدى أبناء الحركة الإسلامية في المخيم بالانضمام إلى فتح بعد موجة من عمليات الاستهداف التي طاولتهم، ومن الاعتداءات التي تعرضوا لها من بعض القوى اليسارية، وحركة فتح يومها كانت الأقرب إلى الإسلاميين، وكانت بحسب توجهها تستوعب كل اللتيارات اليسارية والقومية والعلمانية والدينية.

الشبان الثلاثة شاركوا حركة فتح في معارك العيشية، فاستشهدوا بتاريخ 21/ 10/ 1976، ونظمت لهم في مخيم الرشيدية جنازة مهيبة، وهذه القضية أثرت على أبناء الحركة الإسلامية بسبب فقدان ثلاثة من الشباب المسلم من جهة وعدم قدرة الحركة الإسلامية يومها على تبنيهم لأسباب كثيرة، كما أثرت أيضا في دور الشباب المسلم في العمل العام، وما يليه من عمل عسكري أخذ مساره لاحقا.

الانفتاح على التجارب

استمر العمل الإسلامي في مخيم الرشيدية بالنمو، وبرز في تلك الفترة الأستاذ أحمد فاعور، وهو مدرس في مدارس الأونروا، فنشط في الدروس العامة والتربية والأخلاق، وكان له درس أسبوعي عام عصر كل يوم أربعاء في المسجد التحتاني، والأستاذ تلفاح يونس الذي أدار فريق الإصلاح وبنى علاقات جيدة مع الأهالي، والشيخ محمود إبراهيم الذي تميز بتحصيله الديني والشرعي وإعطاء الدروس.

واتخذ لجنة الرشيدية قرارا بتحويل فريق الإصلاح إلى نادي الإصلاح، ونظم النادي نشاطا رياضيا صباحيا بعد صلاة الفجر، وصل عدد المنضمين إليه نهاية السبعينيات إلى مئتي عضو، بينهم حوالي عشرين كانوا يأتون من مخيم البص ركضا على الشاطئ.

مدرب النادي اتخذ قرارا بتقسيم العدد إلى مجموعات صغيرة، كلفت كل مجموعة بالجري في منطقة من مناطق المخيم، فرأت الفصائل الفلسطينية في هذا العمل استعراضا للقوة، واستفزازا لها.

وتوطدت علاقة أبناء المخيم بالحركات والقوى الإسلامية، فوصل إلى المخيم سنة 1977 مجموعة من الإخوان المسلمين من سورية، ثم تمركزت مجموعة من جند الله، التابعة للحركة الإسلامية المجاهدة، في الطرف الغربي من المخيم وغادرت بعد فترة، وسنة 1978 وصلت إلى المخيم مجموعة من الشباب المسلم من تركيا، أقاموا فترة ورحلوا.

وبعيد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان سنة 1978 وصل إلى المخيم الشيخ عبد الله عزام، الذي كان له دور لاحق في أفغانستان واستشهد سنة 1989 في عملية اغتيال استهدفته، الشيخ عزام زار المخيم ليومين فقط، والتقى الشباب المسلم هناك، وكان هدف زيارته تحريض الناس على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

العمل العسكري

مشاركة الشباب المسلم في مخيم الرشيدية في العمل العسكري بدأت بالتدريج أيضا، فمع انضمام الشباب المسلم من المخيم إلى الجماعة الإسلامية في أواسط السبعينيات، شارك هؤلاء في تنظيم "المجاهدون" الذي استحدثته الجماعة الإسلامية في أثناء ما سمي بالحرب الأهلية في لبنان، التي انطلقت شرارتها في 13/ 4/ 1975، حيث رابط هؤلاء في مناطق الأسواق التجارية ورأس النبع وفي بعض مناطق مدينة صيدا.

وفي أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في 14/ 3/ 1978، شكل أبناء الحركة الإسلامية قوة عسكرية رابطت في شرقي المخيم، واتخذت موقعا لها هناك، لكن لم تحتك هذه القوة بالاحتلال ولم تشتبك معه، لأن الاحتلال الصهيوني لم يواصل تقدمه إلى مشارف المخيم، وظل بعيدا عن منطقة صور.

وحصل أعضاء الحركة الإسلامية على تدريبات عسكرية في أثناء التجنيد الإجباري، أو في أثناء انضمامه للفصائل الفلسطينية، أو من خلال عمليات التدريب التي نظمها بعض الإسلاميين الذين كانوا في صفوف حركة فتح، وكان شباب الحركة الإسلامية ينظمون دورات تدريب لعدد من أفرادهم على شاطئ البحر في مخيم الرشيدية، حيث كان هناك أيضا مركز للحركة الإسلامية المجاهدة.

غير أنه مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران/ يونيو 1982 ، قررت الحركة الإسلامية في مخيم الرشيدية تشكيل قوة عسكرية، استطاعت هذه القوة تنفيذ عدد من العمليات منها: ضرب دورية إسرائيلية على عبارة مياه داخل أحد البساتين، في محيط مخيم الرشيدية، وعملية على مفرق بلدة الطيبة، حيث قتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وعملية إطلاق نار على حافلة صهيونية قرب بلدة البرغلية فيها 16 صهيونيا، واستخدمت فيها المجموعة الأسلحة الرشاشة ورشاش متوسط من طراز بي كي سي BKC، المفارقة في هذه العملية أن الدورية الإسرائيلية هذه كانت تصطحب معها وفدا صحفيا دوليا، يجري تحقيقا حول نجاح الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

تعاونت المجموعات العسكرية للحركة الإسلامية بعد الاجتياح مع عدد من القوى اللبنانية غير أن الدور الأساسي الذي لعبته هذه المجموعات كان في أثناء حرب المخيمات، حيث تصدى المجاهدون للعدوان الذي تعرض له المخيم سنة 1986، وقدمت الحركة الإسلامية عددا من أبنائها للشهادة، ويفتخر أبناء الحركة الإسلامية في مخيم الرشيدية بأنهم قدموا الشهيد علي نمر خليل، الذي كان أحد القادة الميدانيين للمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، والذي استشهد في 9/ 3/ 1986 في معركة عنيفة، وكان صاحب خبرة عسكرية كبيرة ومعرفة ميدانية بالأرض ومداخل الجنوب، ووضع خبرته العسكرية في تصرف حزب الله، في رسالة واضحة على وحدة مشروع المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.

وتعاون أبناء الجماعة الإسلامية في مخيم الرشيدية مع أبناء الجماعة الإسلامية في مدينة صيدا، في الفترة من 19851990 أثناء ما يعرف بأحداث شرقي صيدا، حيث لعب الفلسطينيون دورا في هذه المعارك دفاعا عن مدينة صيدا، واستشهد من أبناء مخيم الرشيدية في معارك شرق صيدا المجاهد نبيل سعد الدين، وذلك في 18/ 3/ 1985، وكان نبيل قد ترك مقاعد الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، والتحق بالمجاهدين: للدفاع عن الفلسطينيين والمسلمين.

حرب المخيمات

ما كاد مخيم الرشيدية يخرج من تحت براثن الاحتلال الصهيوني ونتائجه وأضراره، حتى واجه حربا أصعب وأشد، هي الحرب مع حركة أمل في المخيم، وكانت من أقسى وأصعب المراحل التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيم الرشيدية، نظرا للترابط الجغرافي والاقتصادي مع اللبنانيين.

بعد خروج الاحتلال الإسرائيلي من منطقة صور في 29/ 4/ 1985، بدأ أهاي مخيم الرشيدية يشعرون باندلاع حرب جديدة ضدهم من خلال الممارسات التي كان يقوم بها عناصر حركة أمل، مثل التضييق على الداخلين إلى المخيم والخارجين منه، والاعتداء على النساء، ومنع السيارات من الدخول إلى المخيم في أوقات مختلفة، ومنع إدخال المواد التموينية.

وذات يوم أبلغت حركة أمل الفصائل الفلسطينية بضرورة تسليم السلاح الذي حصلت عليه هذه الفصائل أثناء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وبعد خروج الاحتلال، والذي كان يستخدم لمقاومة الاحتلال.

وذات يوم منع حاجز عسكري لحركة أمل دخول اللاجئين الفلسطينيين من وإلى المخيم لمدة 15 يوما، بحجة إطلاق رصاص من المخيم على مجموعة لحركة أمل.

بدأ أهالي المخيم يستعدون لحصول مواجهة مع حركة أمل، فشرعوا بتخزين الطعام والبنزين والمازوت، أما أبناء الجماعة الإسلامية في مخيم الرشيدية فقد اتخذوا سلسلة قرارات صاغتها شعبة المخيم التنظيمية بالدفاع عن المخيم ضد أي اعتداء وعدم الخروج عسكريا من المخيم، وبتخزين المواد الغذائية والمحروقات وبإقامة دورات للإسعافات الأولية، وقام عناصر الجماعة في المخيم بتصنيع جعب عسكرية (وهو لباس مخصص لحمل الذخائر)، وتم تأمين كمية من الأسلحة.

حين بدأ الهجوم العسكري لحركة أمل على مخيم الرشيدية بتاريخ 27/ 11/ 1986 قسمت المحاور العسكرية بين الفصائل في المخيم، أبناء الجماعة الإسلامية كان لهم موقع في الجهة الشمالية من المخيم لمنطقة الشواكير، وموقع آخر في المخيم القديم يعرف بـ "الدبة" أي التلة.

حركة فتح الانتفاضة التي كانت تملك قوة عسكرية كبيرة يومها في المخيم اتخذت مواقع لها في الجهة الجنوبية, وحركة فتح في جهة البحر – المجلس الثوري والجبهة الديمقراطية اتخذوا مواقع في الجهة الشرقية المعروفة في المخيم باسم "المشروع" وفي مجمع مدارس الأونروا.

قام أبناء الجماعة الإسلامية بدور كبير في عملية الإغاثة أثناء المعارك، في البداية تم تحصين مستشفى الهلال الأحمر وتحصينها، وقدمت الجماعة الإسلامية ملجأ للهلال الأحمر الفلسطيني لاستخدامه في علاج الجرحى وإيوائهم، ووزعت المواد الغذائية على الأهالي المحاصرين والجوعى بالتساوي، لدرجة أنه ولفترات طويلة كان يتم توزيع المواد الإغاثية والسكر والشاي والزيت والملح بكأس صغير من الزجاج يستخدم لشرب الشاي.

واستفاد أبناء الجماعة الإسلامية في المخيم من المواد الإغاثية كانت ترسلها الجمهورية الإسلامية في إيران لأهالي المخيم المحاصرين وكان قرار شعبة مخيم الرشيدية بمنع حصول أفراد الجماعة والمقربين منهم على مساعدات غذائية قبل حصول أهالي المخيم عليها، ما أكسب أبناء الجماعة الإسلامية سمعة جيدة داخل المخيم.

ولعب أبناء الجماعة الإسلامية دورا كبيرا في الجوانب الاجتماعية أثناء الحصار، مثل اللقاءات الاجتماعية مع الأهالي، ورفع معنويات العائلات، والتدخل للإصلاح في المشاكل، وتفقد أحوال الناس وتقديم مساعدات للمرضى أو لكبار السن، والقيام بجولات على مواقع المقاتلين.

دخول الشيخ محرم العارفي (قيادي من الجماعة الإسلامية وداعية إسلامي) والشيخ عيسى الطباطبائي (قيادي إيراني وأحد المسؤولين عن العلاقة مع الفلسطينيين) إلى مخيم الرشيدية للتضامن مع أهله ضد الحصار ولإنهاء الأزمة، قدم مكسبا دعويا واجتماعيا وسياسيا لكل الحركة الإسلامية في مخيم الرشيدية، وبالأخص لأبناء الجماعة الإسلامية، إذ أقام الشيخان في منزل قدمه لهما أبناء الجماعة في المخيم، وهو منزل يقع قرب مجمع الإصلاح التابع للجماعة الإسلامية، وكانا في رعاية أبناء الجماعة، الذين كانوا يحضرون لهما الطعام والمياه، ووضعت الجماعة لهما برنامجا للزيارات وللجولات التفقدية وللالتقاء بالناس ولحل مشاكل الأهالي أو الاستماع إلى مطالبهم وحاجاتهم، كما أن اتصال الشيخين بالعالم الخارجي كان يتم من خلال جهاز لا سلكي خاص بالجماعة.

استفادت الجماعة الإسلامية في مخيم الرشيدية من وجود الشيخين أثناء فترة الحصار، ومن النشاط الدعوي والاجتماعي الذي قاما به، وانعكس ذلك على شعبيتهما وجمهورهما واحترام الناس لهما، بعدما شعروا بصدق التعامل والإخلاص في العمل والتضحية والمساواة.

هذا الدور الإيجابي في المخيم استثمره أبناء الجماعة الإسلامية لاحقا، إثر انتقالهم للعمل باسم حركة حماس بعد التطورات التي أفرزتها الانتفاضة سنة 1987.

حرب المخيمات في مخيم الرشيدية كرست الدور المحوري للحركة الإسلامية في مرجعية المخيم وقراره، خاصة بعد بروز قيادات العمل الإسلامي في المخيم قبل الحصار وأثنائه، مثل الشيخ سليم ناصر والشيخ محمود إبراهيم الذي اشتهر بخطاباته وعلاقاته المنفتحة على الجميع، وثباته على الموقف الإسلامي في أصعب الظروف، وعدد آخر من القيادات الشابة الموجودة في أكثر من موقع سياسي ودعوي وشعبي، كما كرست الحضور الإسلامي في الشأن العام.

قدمت الجماعة الإسلامية في المخيم عددا من الشهداء في معركة الدفاع عن الوجود الفلسطيني، وحماية المخيم الذي هو عنوان اللجوء والعودة، ومن بين هؤلاء منير موسى وهو أحد المسؤولين العسكريين للجماعة، وخالد فهد الذي استشهد وهو يتسلل من المخيم لإحضار مواد غذائية للأهالي المحاصرين، ووليد ذيب الذي استشهد برصاص قناص.

ثانيا: مخيم البص: تجربة غنية وتحول باتجاه إسلامي

على مدخل مدينة صور، وعلى بوابة الجنوب، يقع مخيم البص ... صغير المساحة، لكنه ممتد باتجاهات عدة، فهو ملاصق للمدخل الشرقي لمدينة صور، ومحاذ للطريق الساحلي باتجاه الجنوب الذاهب إلى الناقورة الواقعة قبل فلسطين، وجار للبحر، ولمنطقة الآثارات، وقريب من السهول الزراعية ومن المدينة الصناعية ومن ثكنة الجيش اللبناني الرئيسة في المنطقة، وتقع مستشفى صور الحكومية داخل حدوده، وفي المخيم مسجد أنشئ في الستينيات، وكنيسة قديمة للاجئين الأرمن الذين أقاموا في المنطقة.

والداخل إلى مخيمي الرشيدية وبرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين والخارج منهما يجب أن يمر من أمام مخيم البص. موقع المخيم وبيئته جعلته يعيش حالة من الانفتاح على المحيط ومن التنوع الثقافي والفكري والديني.

كحال كل المخيمات اهتم بعض أهالي مخيم البص في الستينيات وبداية السبعينيات بالعبادة والتربية، والأوضاع التي عاشها مخيم الرشيدية تنطبق إلى حد كبير على أوضاع مخيم البص.

وفي أواسط السبعينيات انضم عدد من أبناء المخيم إلى العمل الإسلامي الحركي فدخلوا في الجماعة الإسلامية، ولطبيعة المخيم ولدور بعد الفصائل فيه ولطريقة أداء بعض الشباب المسلم ورواد المسجد، ظل العمل الإسلامي بوتيرة خفيفة، من أهم أسباب ذلك أن الناس كانوا ينظرون إلى كل ناشط في العمل الإسلامي على أنه يتبع جماعة الإخوان المسلمين، والتي كانت ما تزال تعاني من آثار حملات التشويه ضدها في حقبة حكم جمال عبد الناصر، وفي ظل المد اليساري والقومي السائد تجنب البعض تفعيل نشاطه الإسلامي.

لكن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية أعطت دفعة لتطوير العمل الإسلامي في نهاية السبعينيات، ليصل إلى ما وصل إليه اليوم.

بداية التحول

سنة 1979 احتل الاتحاد السوفياتي أفغانستان، وقامت المجموعات الإسلامية هناك بالتصدي له ومواجهته بالوسائل العسكرية، فأثرت حالة الجهاد هذه على نفوس شبان المخيم، وسنة 1980 أعدم الرئيس العراقي صدام حسين العلامة محمد باقر الصدر، ففتح الباب مجددا على دور الإسلاميين وتأثيرهم السياسي والشعبي في الأمة والمجتمع.

في النصف الثاني من السبعينيات بدأ مخيم البص يعيش حراكا إسلاميا لافتا، فقد وصل إلى المخيم الشيخ محمد شرقية (أبو إبراهيم)، وهو من مخيم برج البراجنة في بيروت، ودفعته الحرب الأهلية في لبنان إلى الرحيل باتجاه الجنوب، فأقام في مخيم البص، وظل يتردد إلى المخيم لاحقا يومي الخميس والجمعة يؤم الناس ويخطب ويصلي يوم الجمعة، لم يكن الشيخ شرقية حركيا، لكنه كان ناشطا في الدروس والتربية والتعليم.

وفي تلك الفترة كان يزور المخيم للوعظ والإرشاد عدد من العلماء أمثال الشيخ إبراهيم غنيم، وهو من أبرز رواد العمل الإسلامي وأنشط المربين، والشيخ ماهر حمود الذي كان في الجماعة الإسلاميةوغادرها، والشيخ أحمد الزين، أحد أركان تجمع العلماء المسلمين لاحقا والقاضي الشرعي في مدينة صيدا، وكان يحضر إلى المخيم مشاركا في الاحتفالات الدينية ومحاضرا أيضا الشيخ محمد علي الغروي، وهو شيخ لبناني من أبناء الطائفة الشيعية في مدينة صور.

في أواخر السبعينيات وصل إلى المخيم الأستاذ فارس صليبي، وهو مدرس مادة الدين في مدارس الأونروا، وأحد مسؤولي الجماعة الإسلامية في منطقة صور، وكان في حينها قد ترك الجماعة، وسكن في منطقة الزراعة المحاذية لمخيم البص.

هذه العوامل مجتمعة أعطت دافعا قويا للنشاط المسجدي، وجددت عمل الشباب المسلم، فازدادت الدروس الدينية، وأنشأت مكتبة إسلامية غنية في المسجد، ووزعت المجلات الإٍسلامية والنشرات، وعلقت اليافطات في الشوارع والساحات، وزادت الدروس الدينية للنساء والفتيات.

تحلق الشباب حول العلماء المترددين إلى المخيم، وحول الأستاذ فارس صليبي، وتقرب عدد منهم من الأخير الذي كان قد انضم حينها إلى الحركة الإسلامية المجاهدة.

الاهتمام بالإسلام دفع شبان مخيم البص إلى الاتجاه نحو منحى آخر، فتعرفوا في ذلك الوقت إلى الشيخ سليم ناصر، وهو من رموز العمل الإسلامي في مخيم الرشيدية ومنطقة صور، وأحد قيادات الجماعة الإسلامية في المنطقة، الشيخ سليم ناصر نظم شبان من مخيم البص على الاتجاه الحركي غير أن الاجتياح الصهيونيللبنان سنة 1982 أخر انضمام عدد كبير من شبان المخيم إلى أي من الحركات الإسلامية، فظل وضع الجماعة الإسلاميةالمجاهدة في المخيم على الحال التي وصل إليها في تلك الفترة، وطغى الاجتياح الصهيوني وآثاره على كافة القضايا، في حين اعتقل الشيخ سليم ناصر والأستاذ فارس صليب واقتيدا إلى معتقل أنصار، حيث امتد التفاعل إلى أرجاء المعتقل، وسط نقاش فكري وديني أدى إلى انضمام بعض شبان مخيم البص في معتقل أنصار إلى حزب التحرير.

الجهاد ضد الاحتلال

بعد مدة من الزمن أعيد تفعيل العمل الإسلامي في مخيم البص، تزامن ذلك مع وصول الشيخ محمد راغب النجار، المعروف باسم محمد ال مصر ي، إلى المخيم، ومحمد المصري هذا هو مواطن مصري كان يقيم في لبنان أثناء الاجتياح الإسرائيلي، وهو مقرب من حركة فتح، وله ميول إسلامية، عرض المصري على شبان المخيم القيام بأعمال مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي فأيدوا الفكرة، لكن المشروع أجهض بسبب بعض الملاحظات والممارسات التي صدرت عن المصري، مما دفع الشباب للابتعاد عنه، إلى أن غادر المصري المنطقة كليا.

بعض الشباب الإسلامي من مخيم البص اعتقلهم الاحتلال الصهيوني في معتقل أنصار، لكن مجموعة أخرى منهم قامت في الخارج بأفضل الأعمال في الإسلام وهي مقاومة الاحتلال الغاصب، حيث استفاد الشباب المسلم في المخيم من مشاركتهم في عدد من الدورات العسكرية التي نظمتها الفصائل الفلسطينية والحركة الإسلامية المجاهدة.

فهاجمت مجموعة من الشباب المسلم دورية صهيونية عند محطة بشور على دوار البص، وعملية أخرى نفذت ضد معسكر للجيش الإسرائيلي قرب ثكنة صور، إذ قصفت المجموعة المعسكر بقذائف الهاون، وأمطرته بالرشاشات، والاشتباك ظل حتى الفجر.

دورية الاحتلال على الطريق الساحلي قرب جوار النخل على مدخل صور الشمالي تعرضت للهجوم من الشباب المسلم في مخيم البص، وفجر المجاهدون كذلك أكثر من عبوة في أكثر من دورية، وحاولوا اغتيال بعض عملاء الاحتلال من الفلسطينيين، لكن لأسباب تتعلق بكيفية تطبيق الأحكام الشرعية بحق هؤلاء لم يتم تنفيذ ذلك. حسم الخيارات:

بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من منطقة صور سنة 1985 عاد النقاش حول استكمال المشروع الإسلامي في المخيم وتطويره، وحسم هذا النقاش بين الشباب باتجاه ضرورة الارتباط مع إحدى الجماعات الإسلامية الحركية. وفي هذه الفترة كان دور الحركة الإسلامية المجاهدة قد تراجع لأسباب كثيرة، وأعاد الشيخ سليم ناصر استكمال حركته الدينية والدعوية، استعرض شباب المخيم (وعددهم في تلك الفترة يتراوح ما بين 25 – 30 شابا)، ويتمتع معظمهم بخلفية ثقافية وفكرية) أسماء الحركات الإسلامية ومشاريعها ومناهجها، وقرروا الانضمام إلى الجماعة الإسلامية، متأثرين بالمنهج الذي تربوا عليه على أيدي الأستاذ فارس صليبي والشيخ سليم ناصر.

ومن بين الذين لعبوا دورا في التحول الإسلامي في المخيم، الشيخ محمد رشيد البجيرمي أحد أبناء المخيم وأبرز رموز العمل الإسلامي فيه، وله نشاط دعوي وسياسي وشغل في الفترة الأخيرة موقعا قياديا في رابطة علماء فلسطين في لبنان، وفي حركة حماس في لبنان.

ونشط في تلك الفترة العمل الدعوي والشبابي، واعتبرت مرحلة ما قبل حرب المخيمات مرحلة تحول في العمل الإسلامي في المخيم.

حرب المخيمات والانتفاضة

في 20/ 5/ 1985 اندلعت ما سمي بحرب المخيمات في بيروت، وسنة 1986 امتدت هذه الحرب إلى مخيمات صور، فتعرض مخيم الرشيدية لقصف شديد وحصار، لم يتعرض مخيما البص وبرج الشمالي لمثل ما تعرض له مخيم الرشيدية لاعتبارات كبيرة، أهمها يتعلق بالموقع، وتأثر المحيط بهذه الحرب ونتائجها، غير أن أهالي البص وبرج الشماي تعرضوا لمضايقات عناصر حركة أمل، فجرى التضييق على حركة الناس واعتقل عدد كبير من الفلسطينيين.

دور أبناء الحركة الإسلامية في المخيم انصب على مواجهة تداعيات حرب المخيمات، حيث كان أبناء الحركة الإسلامية يدركون الاهداف الحقيقية لحرب المخيمات وأبعادها، وكان لديهم خبرات وتجهيزات عسكرية للتعامل مع أي اعتداء، غير أن المصلحة العليا قضت بالابتعاد عن الفتنة، وعدم الانجرار إلى معارك داخلية، والاكتفاء بلعب دور الإغاثة للمتضررين، مع التحرك السياسي في الوقت نفسه باتجاه القوى السياسية والمرجعيات الدينية اللبنانية سعيا لوقف الاعتداء، متألمين لحال أهلهم الفلسطينيين في مخيم الرشيدية القريب منهم وباقي المخيمات.

دور أبناء الحركة الإسلامية اقتصر على الإغاثة، وحين أحرقت مجموعة من حركة أمل بعض المنازل الفلسطينية على أطراف المخيم، بدأ الشباب بجمع الأموال لإيواء هؤلاء، وإمدادهم بالطعام واللوازم المنزلية.

غير أن التأثير الأكبر في مشروع العمل الإسلامي في المخيم أحدثته الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت في فلسطين في 8/ 12/ 1987.

أبناء الحركة الإسلامية في مخيم البص رحبوا بالانتفاضة وتفاعلوا معها، خاصة مع انتشار الأخبار التي تتحدث عن دور كبير لحركة المقاومة الإسلامية حماس فيها.

تفاعل أبناء الحركة الإسلامية في مخيم البص مع انتفاضة الشعب الفلسطيني ومع حماس كان سريعا، إذ رفع هؤلاء اليافطات المرحبة، ونظموا حملات التضامن والمهرجانات ومعارض الصور والكتب، واعتبروا أن الانتفاضة الفلسطينية وحركة حماس تعبر عنهم سياسيا، وتحمل مطالبهم في المقاومة والتحرير والعودة والحفاظ على المقدسات.

ومع إبعاد الاحتلال للفلسطينيين سنة 1992 إلى مرج الزهور، جمع أبناء مخيم البص في يوم واحد سبعة ملايين ليرة لبنانية حملوها سريعا إلى المبعدين، وقاموا بتنظيم زيارات دورية لشباب الحركة الإسلامية إلى مرج الزهور، كما استضافوا في مخيمهم الدكتور محمود الزهار أحد الناطقين الإعلاميين باسم المبعدين، ووزير الخارجية في الحكومة الفلسطينية لاحقا، واستضافوا إسماعيل هنية، الذي صار لاحقا رئيسا للوزراء في فلسطين، ومكث هنية ثلاثة أيام في المخيم.

قبل ذلك وبعده أخذ المشروع الإسلامي الفلسطيني من مخيم البص يتجه نحو تحولات جديدة متعلقة بالمشروع الإسلامي الأساسي، نحو فلسطين.

ثالثا: مخيم برج الشمالي: حراك إسلامي وبحث عن مشروع

على هضبة مرتفعة إلى الشرق من مدينة صور يقع مخيم برج الشمالي، بجوار بلدة لبنانية تحمل الاسم نفسه، أمامه طريق توصل إلى القرى اللبنانية التابعة لقضاء صور، وإلى جواره تنتشر بساتين الليمون والحقول الزراعية، وهو يشرف على منطقتي المعشوق والزراعة.

غالبية أهله من قرى قضاءي صفد وطبريا في فلسطين، وسكانه ممن عشقوا مقاومة الاحتلال، فانضم عدد كبير من أبناء المخيم إلى صفوف الثورة الفلسطينية.

لا يختف الجو الإسلامي في مخيم برج الشمالي في الستينيات وبداية السبعينيات عن باقي المخيمات، فالتدين لم يكن منتشرا، والمصلون في المسجد من كبار السن إلى جانبهم قلة من الشباب، والفكر الإسلامي الحركي لم يكن له أتباع في تك الفترة.

الشيخ حمود جمعة هو إمام مسجد مخيم برج الشمالي وخطيبه، كان يمنع الشباب المتدين على قلته من أي نشاط في المسجد، وكان يتأثر بالتحريض الذي تمارسه بعض الفصائل الفلسطينية ذات التوجه الشيوعي ضد الإسلاميين.

لكن كان في المسجد شخص آخر يعرفه الناس باسم الحاج أبو حسن، وهو من رواد المسجد الدائمين، كان يدعو أحد شباب المسجد ليقرأ أحاديث نبوية من كتاب رياض الصالحين، وكان يشجع شباب المسجد على النشاط ويساندهم.

الجو العام في المخيم كان تحريضيا ضد الالتزام الإسلامي، فبعض القوى اليسارية تحرض ضد الدين، والتهم بالانتماء للإخوان المسلمين تلصق فورا بأي شخص يلتزم بالصلاة في المسجد، وشبهات كثيرة تطلق باتجاه الإسلام وتعاليمه، وشباب المسجد ملاحقون ومراقبون وتكتب فيهم التقارير الأمنية التي ترفع لأكثر من جهة. البداية:

ثمة عاملان أسهما في الدعوة الإسلامية في مخيم برج الشمالي، وهما: نشاط العلماء، ونشاط أبناء المخيم وإرادتهم وإقبالهم على الدين.

في أواسط السبعينيات زار المخيم المبعوث الأزهر الشيخ سيد عسكر، الذي أقام في مدينة صور، وجال على المخيمات الفلسطينية في منطقة صور، وبدأ بنشر الفكر الإسلامي الحركي.

الشيخ عسكر بدأ في مخيم برج الشمالي بتنظيم الدروس العامة، وخصص حلقات تدريس للنساء، وأطر حوه مجموعة من الشبان بينهم وليد عبد الله، الذي تميز بعمق فكره وحيويته.

لعب الشيخ وليد عبد الله دورا كبيرا في ضم شبان من المخيم للعمل الإسلامي، واستطاع استقطاب مجموعة من الشباب بين سنتي 1975 و 1976، وأخذ يعلمهم ويربيهم على الأخلاق الإسلامية وتأدية العبادات، وصار وليد عبد الله يدرس الشباب دروسهم المدرسية كالرياضيات والفيزياء، وسنة 1977 أسس الشباب المسلم في مخيم برج الشمالي فريق النور لكرة القدم، وجرى تفعيل الدروس العامة في المسجد، وذلك بعدما انضم الشيخ محرم العارفي (من مدينة صيدا) إلى العمل الدعوي في المخيم، فزاد إقبال الشباب على المسجد، وارتفع الإقبال على مكتبة المسجد، وتم التركيز حينها على التوعية الدينية والفكرية، وشرح أحكام الدين، والرد على الشبهات.

انضم وليد عبد الله إلى العمل الحركي، وانتمى إلى الجماعة الإسلامية، وبذلك أخذ العمل الإسلامي الحركي دوره في المخيم، ولكن في سنة 1978 توفي وليد عبد الله أثناء إجرائه عملية للقلب في بريطانيا، فاستمر الشباب على وتيرة العمل نفسها، وكان من أبرز المتأثرين بنشاط وليد عبد الله وحركته وإخلاصه للدين شقيقه علي عبد الله، الذي كان من بين الشباب الذين استقطبهم وليد وعرفهم إلى الإسلام، والذي أصبح لاحقا من أبرز رموز الحركة الإسلامية في منطقة صور.

احتكاكات وتهديد

إقبال الشباب على المسجد، واتساع دائرة النشاط الديني، وانضمام فتيات ونساء من المخيم إلى الدعوة الإسلامية، أثار استياء بعض الشخصيات الشيوعية والقوى المعارضة للعمل الإسلامي وغضبها.

في بداية الثمانينيات حصلت بعض الاحتكاكات مع أصحاب الاتجاه المذكور، لكن قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 بأسبوعين اجتمع عدد من مسؤولي الفصائل في مخيم برج الشمالي عند جبهة النضال الشعبي، التي يقودها سمير غوشة، وناقشوا العمل الإسلامي في المخيم، محمود الرواغ (أبو علاء)، أحد قادة جيش التحرير الفلسطيني في المخيم، وهو شيوعي، اقترح تصفية بعض الشباب واعتقال الآخرين وتسليمهم للسلطات السورية.

الحضور أجمعوا يومها على ازدياد النشاط الإسلامي في المخيم، مما دفع أبو علاء إلى القول "صاروا حوالي 35 شابا، ومعهم عدد من الفتيات والنساء، وسوف يتكاثرون ويفتحون 35 منزلا" وتم وضع قائمة من 32 شخصا لتصفية بعضهم واعتقال الآخرين.

هذه المعلومات وصلت في اليوم نفسه إلى الشباب المسلم، الذين اتخذوا بعض التدابير للحماية، وغيروا من أساليب عملهم، وأطلعوا بعض الجهات الفلسطينية على هذه المعلومات، لكن هذه الخطة لم يتم تنفيذها بسبب الاجتياح الإسرائيلي في 4/ 6/ 1982، والمفارقة كانت أن قادة الفصائل الفلسطينية في برج الشمالي اعترفوا بذلك للشباب المسلم في معتقل أنصار، والمفارقة الثانية أن أحد الشباب المسلم دخل إلى منزل أبو علاء الرواغ أثناء الاجتياح ووجد القائمة ووضعها في جيبه، وهي كانت سببا أساسيا لاعتقال هذا الشاب يوم الثلاثاء 8/ 6/ 1982 من قبل دورية صهيونية أوقفته وفتشته ووجدت القائمة.

العم الجهادي

في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في آذار/ مارس 1978 شكل الشباب المسلم في مخيم برج الشمالي مجموعة عسكرية لمقاومة الاحتلال، لم تحصل المواجهة يومها، لأن الاحتلال لم يصل إلى المخيم، بل ظل في منطقة البازورية.

الاجتياح الإسرائيلي الثاني للبنان بدأ بقصف شديد يوم الجمعة 4/ 6/ 1982 لعدد من المواقع الفلسطينية، صباح السبت 5/ 6/ 1982 أصر الشيخ علي عبد الله (شقيق وليد عبد الله)، الذي كان من نشطاء العمل الإسلامي على العودة من بيروت، حيث كان يعمل، إلى مخيم برج الشمالي ليكون مع أهله وإخوانه أثناء العدوان، شكل الشباب المسلم يومها مجموعات عسكرية أخذت سلاحا من حركة فتح، هو عبارة عن أسلحة فردية (بنادق)، ورفض مسؤولو فتح تسليمهم قاذفات صاروخية، هذه المجموعات تصدت مع الفصائل الفلسطينية للدبابات الإسرائيلية، التي بدأت تهاجم من عدة جهات اشترك الشباب المسلم مع فتح في التصدي لقوة صهيونية على مقربة من مدخل المخيم، وحين نزلت قوة صهيونية من الجهة الشرقية تصدى لها أبناء المخيم أيضا، ومعهم الإسلاميون الذين أخذوا مواقع مشتركة.

مجموعة فلسطينية مشتركة أطلقت قذيفة صاروخية باتجاه دبابة للاحتلال، فأصبت جنزير الدبابة وتوقفت، فقام اثنان من الشباب المسلم باقتحام الدبابة، وتمكنا من قتل جندي صهيوني.

يومي الأحد والإثنين 6 – 7/ 6/ 1982 استمر القصف الصهيوني على المخيم، واستمر التصدي للدبابات، ووقعت أكثر من مجزرة في المخيم نتيجة غارات الطائرات الصهيونية على حي لوبية، وملجأ نادي الحولة، ومغارة المغاربة.

سقط المخيم ونفذ الاحتلال الصهيوني حملة اعتقالات، وجرى اعتقال مجموعة من الشباب المسلم، منهم: الشيخ علي عبد الله، ووليد نوح، وعي بركة الذي أصبح لاحقا مسؤول العلاقات السياسية في حركة حماس في لبنان، أخذوا إلى فلسطين ثم أعيدوا إلى معتقل أنصار كتب علي بركة سور قرآنية على أوراق ووزعها على المعتقلين، وفي شهر رمضان المبارك أدى المعتقلون الصلاة جماعة، ومصير الثورة الفلسطينية، ودور المقاومة.

النقاشات أظهرت حالة من الضعف والهزيمة عند قيادات الفصائل الفلسطينية بعد احتلال الجنوب بهذه السرعة، ووصل العدو الصهيوني إلى بيروت، وخروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان.

خرج بعض الشباب المسلم من معتقل أنصار، جمعوا أنفسهم وأعادوا تنظيم صفوفهم وقرروا البدء بمقاومة الاحتلال، مجموعة من الشباب لم تعتقل وظلت في المخيم، حرصت على جمع الأسلحة التي تركتها الفصائل الفلسطينية، فكلفوا بعض الشبان بالتجوال على البساتين المجاورة لجمع السلاح الذي ألقي هناك، أو خلفته وراءها المجموعات المنسحبة، السلاح كان يجمع في مكان، ثم ينقل ليلا إلى منزل داخل المخيم.

وفي بداية سنة 1985 قرروا تنفيذ عمليات ضد الاحتلال، بعدما قطعوا شوطا في التحضير والاستعداد، حيث جرى استطلاع مكان تمر به دورية صهيونية، وحدد موقع زرع العبوة، وأعدت العبوة ونقلت إلى منزل داخل أحد البساتين ... غادر علي بركة منزله ليلا متجها إلى المنزل مكان انطلاق المجموعة وهو يحمل رشاشه، وقبل أن يصل إلى المنزل بمئتي متر، سمع صوت انفجار، أدرك أن شيئا ما حصل، رابط خلف صخرة وانتظر لعشر دقائق، لم يسمع خلالها ما يظهر أن الإسرائيليين سمعوا صوت الانفجار أو هم قادمون إلى المكان، مشى علي بركة باتجاه المنزل فوجد الشيخ علي عبد الله مصابا بجرح بليغ في فخذه، وباقي أفراد المجموعة يضمدون جراحه، إذ انفجر الصاعق عن طريق الخطأ، لكن العبوة لم تنفجر، أصبح أفراد المجموعة في حيرة من أمرهم، فنقل الشيخ عي عبد الله إلى أي مستشفى سيكشفه للاحتلال ... اتجه علي بركة إلى مخيم برج الشمالي حذرا، وطرق باب منزل أحد الممرضين العاملين في الهلال الأحمر الفلسطيني، فقام هذا الممرض بمعالجة الشيخ علي عبد الله، إصابة الشيخ كانت حرجة، فنقلته مجموعة من برج الشمالي إلى منطقة قرب نهر الليطاني على جسر القاسمية، وهناك عبروا به النهر، ونقل إلى مدينة صيدا للعلاج.

لكن المجموعة قررت استئناف العمليات، فرصدوا موقعا صهيونيا قرب محطة الكهرباء في المعشوق، وخططوا لنسفه، أثناء الليل تحركت المجموعة غربا باتجاه الموقع، غير أن موقعا إسرائيليا قرب مدخل مدينة صور الشمالي بدأ بإطلاق النار عشوائيا باتجاه الشرق في عملية تمشيط لناحية البساتين ومخيم برج الشمالي مما أدى إلى إلغاء العملية مجددا.

تواصل الشباب المسلم في مخيم برج الشمالي مع بعض قيادات حزب الله، وجرى التعاون في بعض الأعمال قبل الانسحاب الإسرائيلي من منطقة صور في نيسان/ أبريل 1985، وأسهم الشباب المسلم في المخيم في الدفاع عن مدينة صيدا متعاونين مع الجماعة الإسلامية هناك، وكان من هؤلاء شابان استشهدا شرق صيدا بعد دخول الجيش اللبناني سنة 1990، وهما إبراهيم كايد وهيثم شريدي، وثار جدل واسع حول أسباب استشهادهما وكيفية مقتلهما، وخاصة أن قيادة الجماعة والجيش اللبناني، كانا يناقشان كيفية تسليم المواقع، ولم يبلغ الشابان بالانسحاب.

انتعاش العمل

بعد الاجتياح الإسرائيلي نشط العمل الإسلامي في مخيم برج الشمالي، وفعلت الحركة الإسلامية المجاهدة حضورها عبر عدد من البرامج، الدكتور حسين أبو الهيجا أحد قيادات حزب التحرير برز في المحاضرات والدعوة العامة، والإقبال على الدين زاد لدى أبناء المخيم، وعمر المساجد ودبت الحركة في صفوف الفتيات والنساء، وأقبل الشباب على الحلقات والدروس العامة، كما كثرت زيارات العلماء إلى المخيم، أمثال الشيخ محرم العارفي، والشيخ صلاح الدين أرقه دان، والشيخ غازي حنينة، وقد شكل أبناء الحركة الإسلامية في المخيم لجنة دعوية أسهمت في توجيه الأهالي نحو الدين، وتنظيم الاحتفالات الدينية داخل الأحياء.

غير أن مجموعة من العوامل والمتغيرات طرأت على الساحتين اللبنانية والفلسطينية دفعت العمل الإسلامي لأخذ مناح تجددية، وهذه العوامل هي:

1 – حرب المخيمات سنة 1985.

2 – انطلاق الانتفاضة أواخر سنة 1987.

3 – توقيع اتفاق الطائف في لبنان سنة 1989 الذي أنهى الحرب وحل الميلشيات.

4 – انتشار الجيش اللبناني في الجنوب سنة 19901991.

5 – المتغيرات التي أثرت على دور الجماعة الإسلامية في مقاومة الاحتلال.

6 – بروز حركة حماس داخل فلسطين.

7 – رغبة أبناء الحركة الإسلامية في برج الشمالي في الانضمام إلى مشروع إسلامي فلسطيني كبير يتبنى الدعوة الإسلامية إلى جانب مقاومة الاحتلال، والدافع لدى هؤلاء هو البحث عن مشروع وطني فلسطيني بهوية إسلامية.

انطلاق الانتفاضة سنة 1987 وتأسيس حركة حماس أعطى دافعا للعم الإسلامي مجددا، وجرت نقاشات وسط أبناء الحركة الإسلامية في منطقة صور، حول مستقبل العمل الإسلامي وكيفية التعبير عنه فلسطينيا، بعض الشباب طرح فكرة تأسيس تنظيم فلسطيني إسلامي جديد، والبعض دعا للعمل وفق صيغة (الجماعة الإسلامية/ مخيمات صور) لإعطاء إشارة متميزة نوعا ما عن عمل الجماعة الإسلامية بعد دخول الجماعة في العمل السياسي ال لبنان ي بشكل أكبر، وتوجه الفلسطينيين أكثر نحو العمل الفاعل في المخيمات، هذه الصيغة جربت لفترة بسيطة لكنها لم تكن مقنعة، غير أن النقاشات أخذت طابعا فاعلا بعد اتساع دائرة النقاش والحوار والتواصل مع حركة حماس، التي كانت قد بدأت حينها بفتح خطوط مع الفلسطينيين في لبنان.

رابعا: مخيم عين الحلوة: الدعوة والسلاح

يعد العمل الإسلامي في مخيم عين الحلوة نموذجا مختصرا، أو حالة معبرة عن العمل الإسلامي في كل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، خصوصا وأن تجربة العمل الإسلامي أو مسيرة العمل الإسلامي في مخيم عين الحلوة اتسمت بالنشاط والجهد والمثابرة، والانتقال في سنوات قصيرة من الحالة الإسلامية التقليدية والعادية، إلى العمل الإسلامي المنظم الهادف المؤطر في أطر تنظيمية وأعمال عسكرية ولجان تنسيق، وهذا الأمر يظهر بوضوح من خلال انتقال مخيم عين الحلوة من حالة تتقاسم التبعية فيها الاتجاهات اليسارية والعلمانية والقومية في أواسط السبعينيات إلى حالة تؤثر والفترة التي لحقتها.

قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، كان الحضور الإسلامي في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صيدا حضورا عاديا وتقليديا.

في الستينيات والسبعينيات كان التدين محصورا في الأغلب بكبار السن، يؤدون صلاتهم في مساجد النور والجميزة والصفصاف، بعضهم يتبع طرقا صوفية أو فرقا تقليدية، وجزء آخر انتمى إلى حزب التحرير، ومنهم من كان ينتمي قديما إلى جماعة عباد الرحمن.

النشاط الإسلامي كان يقوم به بشكل أساسي شيخان: الشيخ فضل عباس، مكث في المخيم لسنوات ثم غادره إلى الأردن، ودرس اللغة العربية والدين في المدارس، كان يخطب الجمعة ويعطي الدروس الدينية في مسجد النور، وعرف بأنه ينتمي إلى الإخوان المسلمين، أسس الشيخ عباس حالة إسلامية محدودة، وكان الناس يستفتونه في القضايا العامة والمعاملات وأحكام الإسلام، والتف حوله عدد من كبار السن، أما الشباب في تلك الفترة فقلة منهم كانت ملتزمة بالدين.

أما الشيخ الثاني فهو إبراهيم غنيم الذي كان خطيبا لمسجد الجميزة، وينطلق من هناك في عملية الوعظ والإرشاد والتوجيه، وكان الشيخ ميالا إلى الجهاد، واستقطب شبانا أطلقوا فيما بعد أعمالا جهادية ضد الاحتلال الصهيوني وعملائه، وكان ه دور في تأسيس الحركة الإسلامية المجاهدة.

انتماء بعض أبناء مخيم عين الحلوة إلى الجماعة الإسلامية في لبنان تم في الستينيات، وفي مقدمة هؤلاء الشيخ محمد عبد الهادي (أبو الهيثم)، الذي كان له دور كبير في التوعية الدينية في مخيم عين الحلوة وفي الخطابة في مسجد النور، لكن دور الشيخ خارج المخيم كان أوسع وأهم.

عوامل كثيرة أسهمت في إحداث نقلة دينية في مخيم عين الحلوة في النصف الثاني من السبعينيات، منها: تأسيس فريق نهاوند لكرة القدم سنة 1978، الذي بدأ بتأطير الشباب من المساجد وضمهم إلى حلقات حركية، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979.

ومن العناصر التي أسهمت في تطوير العمل الإسلامي العام والتنظيمي للجماعة الإسلامية في مخيم عين الحلوة، انتقال معين مناع، أحد كوادر الجماعة من مخيم الرشيدية قرب مدينة صور إلى مخيم عين الحلوة، إثر الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان سنة 1978، وكان مخيم الرشيدية قد شهد عملا إسلاميا منظما وقويا أسهم مناع في بنائه في الرشيدية، وفي نقله إلى مخيم عين الحلوة، من خلال الخطب التي كان يلقيها في مساجد المخيم إلى جانب الدروس والمحاضرات والعلاقات والزيارات الاجتماعية.

في هذه الأوقات كان فريق نهاوند لكرة القدم يكبر ويحقق إنجازات كروية سهلت لأعضائه الانتشار في المخيم، وبناء سمعة حسنة للمنتمين إليه، وزاد عدد أعضائه في وقت قليل عن مائة وانتشرت سمعته في المنطقة، وعب الشيخ أبو الهيثم دورا في تأسيس الفريق وإطلاقه.

التصدي للاحتلال وللقوات اللبنانية

يرى أحمد عبد الهادي، أحد كوادر العمل الإسلامي في مخيم عين الحلوة الذي أصبح لاحقا عضو قيادة حركة حماس في لبنان، أن الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، والمعارك التي عرفت باسم "معارك شرق صيدا " أسهمت بشكل كبير في إحداث نهضة في العمل الإسلامي في مخيم عين الحلوة، ما دفع الإسلاميين إلى المقاومة والتصدي، فانفتحت أمامهم أبواب الاستقطاب لدرجة عجزوا فيها عن استيعاب الشباب.

أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 قصف مخيم عين الحلوة بشدة، فبقي الشباب المسلم من شتى الاتجاهات في المخيم، وقاوموا الاحتلال بشراسة، بعضهم كان ينتمي إلى فصائل فلسطينية غادر قادتها المخيم بسرعة، وخلفوا كل شيء وراءهم.

الإسلاميون استعدوا للمواجهة منذ بداية الاجتياح، حيث خرجت مجموعة من الشباب المسلم من المخيم ورابطت عند جسر الأولي، ثم تحركت في جولة التفافية ناحية تلال شرحبيل ومنطقة عبرا، وعادت للمرابطة على مشارف المخيم.

ابن الشيخ إبراهيم غنيم قاد مجموعة من الشباب أمطرت الإسرائيليين بالقذائف على تخوم المخيم، ولقد صمد الإسلاميون في المخيم طيلة 15 يوما، مما اضطر الصهاينة للبحث عن الشيخ إبراهيم غنيم لمفاوضته من أجل وقف المعارك.

نفر من الشباب المسلم بقيادة (س. م) شكلوا محكمة داخل المخيم، أطلقوا عليها اسم "محكمة الشعب" لتصفية العملاء، استطاعت إنزال أحكام قتل بحق عدد من عملاء الاحتلال، الذين أصبحوا ينبتون كالفطر.

شدد الاحتلال قبضته على الإسلاميين في المخيم، فاعتقل الشيخ هشام شريدة والشيخ معين مناع، وقيادات إسلامية كثيرة، من حزب التحرير والحركة الإسلامية المجاهدة، فنشطت داخل معتقل أنصار الحركة الدينية، دروس ومحاضرات وعمل دعوي، كما أن خطبة وصلاة العيد الأولى كانت جماعية، ووجهت ضد الاحتلال ورفضا له.

بدأ خروج الشباب المسلم من معتقل أنصار سنة 1982، تلك الفترة وحتى بدء الانسحاب الإسرائيلي من صيدا ومحيطها في شباط/ فبراير 1985 كانت فترة أمنية بامتياز، الاحتلال وعملاؤه يكثفون المراقبة، والإسلاميون يركزون على مقاومة الاحتلال وجمع الأسلحة والاتصال بالمجموعات. حدث تنسيق قبل ذلك مع الجماعة الإسلامية، وبالأخص مع الشهيد جمال حبال (من قوات الفجر)، ومجموعته، فدارت لقاءات واجتماعات من أجل مواجهة الاحتلال، الأمر الذي أنتج تبادلا للمعلومات، وتزويدا بالأسلحة مكن المجموعات العسكرية من تنفيذ أكثر من عملية.

ما إن انسحب الاحتلال الإسرائيلي من صيدا بتاريخ 16/ 2/ 1985، حتى ظهر تحد جديد، وهو ما سمي بمعارك شرق صيدا، فبتاريخ 29/ 3/ 1985 حاولت القوات اللبنانية اقتحام مخيم المية ومية، فقتلت 40 مدنيا، ثم قامت بقصفه هو ومخيم عين الحلوة فأصيب 110 أشخاص بجراح.

تصدى الشباب الإسلامي لمحاولات القوات اللبنانية اقتحام مخيمي عين الحلوة والمية ومية، والبلدات المجاورة لهما، مثل منطقة سيروب والفوار وغيرهما، والتف عموم شباب مخيم عين الحلوة حول قيادة الشباب الإسلامي، ومنهم معين مناع وهشام شريدة، كانت الجماعة الإسلاميةهي العنوان الإسلامي الأهم الذي انضم إليه الغالبية العظمى من أبناء المخيم.

تحت قيادة الجماعة وأنشأت المواقع العسكرية، وتوزيع الشباب على مناطق المراقبة والدفاع، وتولت هذه القيادة مهمة التعبئة والتوجيه والتدريب، وتسيير الدوريات، وتنسيق الجهود، ودعم باقي مواقع المواجهة في المناطق الأخرى، مثل القياعة ومكسر العبد والهلالية.

يرى أحمد عبد الهادي أن معارك شرق صيدا أسهمت في تقريب شباب كثر إلى الإسلاميين، ذلك أنه في سنة 1985 لم يكن للفصائل الفلسطينية تشكيلات عسكرية، لأنها لم تنظم صفوفها بعد الاجتياح الإسرائيلي، فانضم أكثر من 500 عنصر في مجموعات عسكرية تابعة للجماعة الإسلامية.

ومن العوامل التي أسهمت في المجتمع.

1 – حالة التدين المنتشرة في المجتمع.

2 – التحدي العسكري الرابض أمام مخيمي عين الحلوة والمية ومية.

3 – خوف الفلسطينيين من تكرار مجازر صبرا وشاتيلا.

الشيخ هشام شريدة لعب دورا فاعلا في الأداء العسكري للإسلاميين، حيث انضم الشيخ شريدة إلى الجماعة الإسلامية قبل الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982، وهو صاحب شخصية مؤثرة، واعتقل في أنصار وأشرف على عدة مواقع عسكرية في محيط مخيم عين الحلوة.

الشباب المسلم في مخيم عين الحلوة شاركوا في الانتشار العسكري مع الجماعة الإسلاميةدفاعا عن مدينة صيدا، في مواجهة القوات اللبنانية التي كانت تهدد المخيم والمدينة، انتشرت مواقع الجماعة الإسلامية من محلة مكسر العبد إلى بلدة درب السيم، والقرار كان بالتصدي للقوات اللبنانية، وآليات العمل شملت التسليح والتدريب وتوفير الخدمات اللوجستية.

استطاع الشباب المسلم في مخيم عين الحلوة، تحقيق النتائج العسكرية التالية:

1 – منع تقدم القوات اللبنانية.

2 – تثبيت خطوط الانتشار والمواجهة.

3 – اقتحام مواقع مهمة.

4 – محاصرة موقع درب السيم القريب جدا من مخيم عين الحلوة.

5 – قيادة ساحة المواجهة في هذه المواقع.

وبتاريخ 31/ 3/ 1985 شن الفلسطينيون هجوما معاكسا على مواقع القوات اللبنانية حول المخيمين، وفي 20/ 4/ 1985 تمكنت المجموعات من إخراج عناصر القوات اللبنانية بالكامل من المناطق المحيطة بعين الحلوة والمية ومية وإبعادهم إلى الشرق.

حرب المخيمات مع حركة أمل

ما إن انتهت المواجهات مع القوات اللبنانية التي اضطرت للانسحاب إلى مشارف مدينة جزين، حتى أطل شبح جديد على الفلسطينيين في منطقة صيدا، فقد اشتعلت حرب المخيمات بين الفلسطينيين وحركة أمل اللبنانية في 20/ 5/ 1985، تخوف الإسلاميون في عين الحلوة من هذه المعارك، فهم للتو خرجوا من مواجهات مع الاحتلال وعملائه، ويخشون من مشاريع ومخططات تستهدف الفلسطينيين، وتضر بوجودهم وتهدد مصير قضيتهم، كما لم تكن قد تمت أية ترتيبات تطمئن الفلسطينيين على أمنهم وحمايتهم وحقوقهم المدنية، والمعارك مع حركة أمل اللبنانية مؤلمة، ولها تواجد في محيط مخيم عين الحلوة، القريب هو أيضا من الخط الساحلي الواصل بين مدينة صيدا وباقي قرى ومدن جنوب لبنان.

موقف القوى الإسلامية في مخيم عين الحلوة كان ضد حرب المخيمات، وضد المعارك مع حركة أمل، لكن كانت هناك عوامل مؤثرة من الصعب تجاوزها، فالمعارك كانت تستهدف الفلسطينيين المدنيين في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة، وعمليات اختطاف الفلسطينيين على حواجز حركة أمل كانت أخبارها تصل إلى الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة، فكان ذلك دافعا لتأجيج المعارك في عين الحلوة ومحيطه، لكن القرار ظل مع تجنب المواجهة.

في سنة 1986 زادت عمليات القنص على مخيم عين الحلوة من بلدة مغدوشة المرتفعة والمطلة على المخيم، وزادت بعدها عمليات القصف العشوائي اشتعال المعارك في مخيمات بيروت في شهر تشرين الأول / أكتوبر 1986 وازدياد التعديات على مخيم عين الحلوة، دفع بعدد من القوى الإسلامية والفلسطينية في المخيم إلى شن هجوم قوي على مواقع حركة أمل في بلدة مغدوشة، فسقطت كلها بسرعة ثم انسحب الإسلاميون، وسلموا مواقعهم للفصائل الفلسطينية، التي انسحبت مجددا أمام هجوم آخر لحركة أمل.

عناصر الجماعة الإسلامية في مخيم عين الحلوة والمية ومية، لم يشاركوا مباشرة في القتال مع حركة أمل، لكن كان لهم انتشار عسكري (مرابطة) في المواقع حول المخيم، وشاركوا في الاتصالات التي أجرتها الجماعة الإسلامية في جنوب لبنان مع قيادة حركة أمل، والفاعليات في صيدا والجنوب، من أجل إنهاء المواجهات بين حركة أمل والفلسطينيين، واستضاف الإسلاميون في مخيم عين الحلوة بعض المهجرين من مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة، وأمن هؤلاء مساعدات عسكرية مباشرة لأبناء الحركة الإسلامية في مخيم الرشيدية، الذي حاصرته وهاجمته حركة أمل، وكانوا على اتصال عسكري مباشر مع قيادة الحركة الإسلامية في مخيم الرشيدية.

قدم الإسلاميون في مخيمي عين الحلوة والمية ومية تضحيات كبيرة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، ويسجل التاريخ قيام شباب من مخيمي عين الحلوة والمية ومية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، قدم الإسلاميون فيها عددا من الشهداء، منهم:

• الشهيد محمد ديب شبلي، من مخيم المية ومية، مواليد سنة 1971، استشهد في عملية على الحدود الفلسطينية – اللبنانية في 22/ 3/ 1989.

• الشهيد سمير إبراهيم ناجي (أبو حمزة) – مواليد سنة 1967، استشهد في 22/ 3/ 1989.

• الشهيد زكريا حجير (أبو نوح)، مواليد سنة 1968، استشهد في 22/ 3/ 1989.

• الشهيد فهد أحمد معروف (أبو جعفر)، استشهد في 23/ 6/ 1990.

• الشهيد توفيق جوهر، مواليد فلسطين 1948، استشهد في 15/ 4/ 1985.

• الشهيد فؤاد السهلي، مواليد فلسطين 1939، استشهد في 9/ 5/ 1985.

• الشهيد حسن سلمان، مواليد عين الحلوة 1961، استشهد في 20/ 12/ 1985.

تحولات

الأحداث الجسام التي عصفت بمخيم عين الحلوة لم تمنع من التفكير والعمل لاستشراف المستقبل، والبدء في إرساء حالة تنظيمية صلبة بعيدة عن الضغوط العسكرية والسياسية التي عاشها المخيم والمحيط، وأثرت في أجوائه، لكنها بدأت ترخي بذيولها على الوضع الفلسطيني عموما والإسلاميين في المخيم خصوصا.

أولى نتائج توقف المواجهات العسكرية مع القوات اللبنانية في شرق صيدا كان خروج الشيخ هشام شريدة من الجماعة الإسلامية، فالشيخ هشام رفض قرار الجماعة بوقف النار مع المحيط، واستمر في قيادة حالة عسكرية مع قرى شرق صيدا، فغادر الشيخ شريدة الجماعة، ومعه مجموعة من أنصاره ومؤيديه، لكنه بقي على علاقة جيدة بالجماعة وقيادتها.

حدث آخر أسهم في حالة من الفرز داخل المخيم، وهي مطالبة الشيخ محرم العارفي، عضو قيادة الجماعة الإسلامية، من الفصائل إخلاء بلدة مغدوشة والانسحاب إلى المخيم، دون تأمين حماية حقيقية للمخيم، هنا حصل انفصال حقيقي في الرؤية بين المصلحتين اللبنانية والفلسطينية، داخل الإطار الإسلامي الواحد.

كانت الجماعة الإسلامية تعارض اقتحام بلدة مغدوشة التي اتخذتها أمل مقرا لإطلاق نيران مدفعيتها على الفلسطينيين، وكانت الجماعة الإسلامية مع سياسة الدفاع عن النفس فقط.

الفترة ما بين 1985 و 1990 كانت فترة عسكرية بامتياز، طغى عليها الجو الجهادي، لكن مع دخول الجيش اللبناني إلى صيدا والجنوب سنة 1990 انحسر الوضع العسكري داخل المخيم، واتسع العمل الدعوي، وساد نوع من التنافس بين القوى الإسلامية على الاستقطاب، وانطلق حوار العمل الديني وأولوية العمل الدعوي، وإن كانت الفصائل الفلسطينية بدأت ببناء جسمها التنظيمي بعد انتهاء الأحداث والمعارك، وأخذت تتبلور صورة مشاريع وصراعات جديدة مع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية سنة 1987، وبدء مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991، وتمدد حزب الله في جنوب لبنان سنة 1990، وانتشار الجيش اللبناني حول عين الحلوة والمية ومية في 4/ 7/ 1991.

أعضاء الجماعة الإسلاميةفي مخيم عين الحلوة كانوا يعيدون بناء أنفسهم في تلك الفترة كان ذلك يتم على إيقاعات جديدة، فأول لجنة تنظيمية تابعة للجماعة الإسلامية في مخيم عين الحلوة تكونت سنة 1985، ليشكل بعدها مكتب إداري تنظيمي للمنطقة سنة 1990، غير أن الأحداث والنتائج عادت لتخلط الأوراق من جديد.

ففي تموز/ يوليو سنة 1990 دارت اشتباكات عنيفة بين حركة أمل وحزب الله شرق صيدا، وفي إقليم التفاح، بدعوى أن الحزب بدأ يتمدد نحو جنوب لبنان، العنصر الفلسطيني دخل على الخط، فقد قام ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، بإرسال قواته لتقف إلى جانب حركة أمل هذا الأمر استدعى من الشيخ هشام شريدة وجمال سليمان (أحد ضباط حركة فتح سابقا وأمير جماعة أنصار الله لاحقا) مهاجمة مواقع حركة فتح والوقوف إلى جانب حزب الله، مما أدى إلى سقوط ما لا يقل عن مئة قتيل من أبناء المخيم في المعارك التي زجت فتح نفسها فيها.

ثم دارت معارك عنيفة بعد ذلك بين حركة فتح– المجلس الثوري وحركة فتحياسر عرفات، أدت إلى سقوط عشرات الضحايا، في معارك لها ارتباطات خارجية، وأخرى تتعلق بالإمساك بالقرار الفلسطيني والتوجه الفلسطيني نحو التسوية والاعتراف بالكيان الصهيوني، وأفرزت هذه الاشتباكات وقائع سياسية وأمنية وميدانية مختلفة داخل مخيم عين الحلوة، وأثرت في توجه بعض الفصائل والقوى، وأسهم ذلك في التأثير على تفكير الإسلاميين في المخيم من أبناء الجماعة الإسلامية نحو المشروع الفلسطيني.

مثل نماذج أخرى، بدأ النقاش داخل صفوف الشباب المسلم في مخيم عين الحلوة، حول ضرورة بناء مشروع إسلامي فلسطيني، يأخذ مساحة كبيرة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 وحرب المخيمات سنة 1985، وفي ذلك العام بدأ أبناء الحركة الإسلامية في مخيم عين الحلوة يشعرون أن الاعتبارات الدعوية والتنظيمية والعسكرية والإدارية تتعارض مع برنامج الجماعة الإسلامية، وأن الواقع الفلسطيني مختلف في جوانب كثيرة عن الواقع اللبناني.

حين طرحت على أبناء الحركة الإسلامية في عين الحلوة فكرة ومشروع الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين سنة 1985، والتي عمل تحتها أبناء الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة، قبلها أبناء عين الحلوة من حيث المبدأ، لكنهم وجدوها أقل من المطلوب، ولم تكن هناك دواع عاجلة تسرع عملهم تحتها، فكان أن تبناها أبناء برج البراجنة.

انطلاقة الانتفاضة المباركة في فلسطين سنة 1987 كان لها صدى كبير في مخيم عين الحلوة، وحظيت الانتفاضة بدعم وتأييد الفلسطينيين في المخيم وبالأخص أبناء الحركة الإسلامية الذين تفاعلوا مع الانتفاضة ونظموا المسيرات والاحتفالات والمعارض، لا بل إن الحركة الإسلامية في مخيم عين الحلوة أرسلت مجموعات عسكرية نفذت عمليات ضد الاحتلال، واشتبكت معه، وسقط أكثر من شهيد.

ظهور وولادة حركة المقاومة الإسلامية حماس في 14/ 12/ 1987 أعطى زخما للمشروع الإسلامية في مخيم عين الحلوة، وأسهم ذلك مع الانتفاضة في إحياء الرابط مع فلسطين، وعودة اللحمة مع الشعب الفلسطيني في الداخل، التي تأثرت بفعل بعض الممارسات، وأدت الانتفاضة وتأسيس حماس إلى إيجاد توجه لدى أبناء الحركة الإسلامية في مخيم عين الحلوة دفعهم لأن يكونوا جزءا من مشروع إسلامي فلسطيني قوي، وعاملا أساسيا في أي مشروع، ورافعة لمشروع إسلامي فلسطيني يتبنى المقاومة والتحرير والعودة، ورأوا أن هذا المشروع يجب أن يضم كل الإخوة الفلسطينيين أبناء الحركة الإسلامية في لبنان، ويخدم مشروع اللاجئين، ويستوعب قدرات الفلسطينيين في لبنان في التصدي للاحتلال، إلى جانب إحداث نهضة حقيقية في المجتمع الفلسطيني في لبنان، تشمل النواحي الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والتربوية.

هذه الخصوصية بدأها أبناء الحركة الإسلامية في مخيم عين الحلوة منذ النصف الثاني من الثمانينيات، وذلك لأهداف إسلامية وطنية عالية تسهم في مشروع التحري والعودة، وتنهي حالة الازدواجية التي عاشها أبناء الحركة الإسلامية في مخيم عين الحلوة، منهم من يعيشون في مجتمع فلسطيني وبيئة فلسطينية، ويحملون هما فلسطينيا واضحا، لكنهم ينتمون إلى حركة إسلامية (الجماعة الإسلامية) مصنفة على أنها قوة سياسية لبنانية، وذلك ما حال دون دخول أبناء الحركة الإسلامية إلى اللجنة الشعبية في المخيم، وظل المسؤول السياسي للجماعة في المخيم يتواصل مع كافة القوى، لكن دون أن ينضم إلى أي إطار سياسي.

وعلى الرغم من مشاركتهم في الانتشار الأمني مع فصائل فلسطينية في المخيم للمحافظة على أمن الأهالي واستقرار المجتمع، إلا أن الانتماء لجهة لبنانية ظل عقبة في وجه عدد من الأعمال السياسية أو تلك المتعلقة بشؤون الناس العامة، وهو ما دفع بأبناء الحركة الإسلامية إلى العمل لإنشاء إطار "القوى الإسلامية" داخل المخيم، الذي انضمت له كل القوى الإسلامية، والذي أسهم في تنسيق جهود الإسلاميين، وتوحيد موقف القوى الإسلامية في القضايا الفلسطينية العامة، وفي التعامل مع الفصائل الفلسطينية، وتفعيل دور الإسلاميين دعويا، وتعزيز حضورهم في المجتمع ووقف التنافس بينهم، والتخفيف من حدة مواقف بعض الجهات الإسلامية، ثم أسهمت الحركة الإسلامية في المخيم في تشكيل لجنة المتابعة الفلسطينية، التي تجمع كل القوى الفلسطينية في المخيم، من فصائل منظمة التحرير والقوى الإسلامية وفصائل تحالف القوى الفلسطينية، ويعمل هذا الإطار دائما لصياغة موقف فلسطيني موحد تجاه الأحداث والتطورات. مع حماس:

انضمام أبناء الحركة الإسلامية في مخيم عين الحلوة إلى حركة حماس عمل على تعزيز دورهم في العمل الإسلامي وفي العمل الوطني، ظهر الاهتمام أكثر في التفاعل مع اهتمامات وقضايا المجتمع الفلسطيني في لبنان، وقرب القوى الإسلامية إلى أهداف وقواسم مشتركة كثيرة، وعزز الحضور السياسي للتيار الإسلامي المقاوم داخل المخيم. أسهمت حماس في مخيم عين الحلوة بتأسيس إطار لجنة المتابعة الفلسطينية، التي تضم ممثلين عن القوى الإسلامية ومنظمة التحرير ومنظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى الفلسطينية، ومهمة هذا الإطار خدمة المخيم ورعاية قضايا الناس، ومعالجة الخلافات وحلها، ووضع تصور موحد للقضايا العامة.

خامسا: مخيم المية ومية: تضحيات أثبتت الوجود

يقع مخيم المية ومية على تلة مرتفعة، إلى الشرق من مدينة صيدا، المخيم صغير وجميل، يشبه القرية، طرقاته واسعة ومتعرجة، والأشجار تحيط بالمخيم، أو نجدها مزروعة في طرقاته وفي حدائق عدد من المنازل، الشمس تلامس المخيم من جميع الجهات، والهواء العليل يرطب أجواءه.

المخيم يطل على البحر وعلى مخيم عين الحلوة، ولأنه في مكان مرتفع فهو يشرف على قرى وبلدات لبنانية كثيرة منها: سيروب ومغدوشة وتلة مارلياس وثكنة الجيش اللبناني في صيدا، وعدد كبير من حارات وشوارع المدينة.

المخيم تأسس بعد نزوح اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان سنة 1948 على أرض يملكها مسيحيون لبنانيون، لكن موقع مخيم المية ومية الاستراتيجي تحول إلى نقمة على أبنائه، مما جعلهم يدفعون ثمنا غاليا لتمركزهم في هذه المنطقة، ويعيشون أجواء صراعات ومعارك كانت أكبر من طاقتهم وقدراتهم.

بداية العمل الدعوي

الدعوة الإسلامية في المخيم بدأت بشكل عادي وتقليدي، لكنها تطورات لاحقا، ففي بداية الخمسينيات، نصب اللاجئون الفلسطينيون في المخيم خيمة خصصت للصلاة، صارت أشبه بمسجد المخيم، الخيمة هشة وضعيفة مثل كل منازل اللاجئين الفلسطينيين في ذلك الوقت، فاقتلعتها الريح أكثر من مرة، استبدل الأهالي الخيمة بمسجد بني من اللبن، بمساحة 5× 7 م 2 ظل المسجد على هذه الحال سنوات طويلة، ورمم ووسع أحيانا إلى أن تم بناء مسجد جديد في المخيم في السبعينيات، وعرف باسم مسجد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وفي تلك السنوات، كان المسجد مخصصا للصلوات الخمس اليومية، أما صلاة الجمعة فقد كان المصلون يؤدونها في مساجد مدينة صيدا، حيث لم يكن في المخيم إمام وخطيب.

في أوائل السبعينيات تعرف شباب من المخيم، منهم الشيخ محمد سلامة وشخص من آل كروم، على الحركة الإسلامية في مدينة صيدا، فبدأ الشيخ غازي حنينة، أحد قياديي الجماعة الإسلامية في المدينة، يخطب ويصلي صلاة الجمعة في المسجد، وبدأ يتردد إلى المخيم أيضا الشيخ محمد عمار (أبو آمن) والشيخ علي عمار والشيخ موفق الرواس.

الدروس الدينية في المسجد بدأت مع الشيخ محرم العارفي، ثم تبعه الشيخ خليل الصيفي، وأفرز هذا النشاط الدعوي عددا من شباب المخيم للعمل الدعوي، منهم الشيخ محمد سلامة الذي بدأ يخطب الجمعة عند غياب الخطباء، ويعطي دروسا عامة في المسجد في حال غياب العارفي والصيفي.

استقطبت الدروس الدينية عددا من شبان المخيم، فسارع الشباب في المسجد سنة 1975 إلى تأسيس كشافة الإيمان، التي ضمت عند تأسيسها ثمانين شابا، بدأت تعطي لهم الدروس الدينية والمحاضرات، وجرى تأطيرهم في حلقات، وبدأ يتم تعليم هؤلاء الشباب فنون القتال والتدريب العسكري، فخرجت كشافة الإيمان مجموعة من الشباب الذين أبلوا بلاء حسنا لاحقا في المعارك التي شهدها المخيم.

وسنة 1980 تشكلت المجموعة الدعوية الأولى، والتي منها الشيخ محمد سلامة، والشيخ عيد مرعي، وبدأت بدراسة الأصول الدينية والمنهج الحركي.

الاجتياح الإسرائيلي

مع بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 قرر الشباب المسلم في المخيم التصدي للاحتلال فذهبوا إلى محمد الرباني (أبو يوسف) مسؤول حركة فتح في المخيم، للحصول على أسلحة فرفض الرباني طلبهم، وقال للشباب: "هل أنتم مجانين لتقاتلوا الجيش الإسرائيلي".

دخل الجيش الإسرائيلي إلى المخيم، سارع الشيخ محمد سلامة إلى مستوصف الهلال الأحمر الفلسطيني في المخيم حيث كان يعمل، وأتلف سجل المرضى الذي كان يحتوي على أسماء أبناء المخيم من مقاتلي الثورة الفلسطينية وأرقامهم العسكرية وانتماءاتهم الفصائلية.

الجيش الصهيوني اعتقل أكثر من خمسين شابا من أبناء المخيم واقتادهم إلى معتقل أنصار، وفي أنصار نشط إسلاميو مخيم المية ومية بالوتيرة نفسها التي نشط فيها إسلاميو المخيمات الأخرى، درس ديني يومي للمعتقلين، الصلاة جماعة، صيام النوافل، وخلال 27 يوما ارتفع عدد المصلين في مربع هذه المجموعة من 2 إلى 151، وقرر هؤلاء فتح الخيم على بعضها وإزالة الأسلاك الشائكة بينها، ليسمع الدروس أكبر عدد ممكن من المعتقلين، الشيخ هشام شريدة (مؤسس عصابة الأنصار لاحقا) ساعد الشباب في فتح الخيم، وإزالة الأسلاك.

استقطاب الشباب المسلم في معتقل أنصار لعناصر من الفصائل الفلسطينية قسم هذه الفصائل في اتجاهين: بعض الفصائل بدأ يتململ من نشاط الإسلاميين، وبعض الفصائل ساند الإسلاميين ودعمهم مثل جبهة التحرير الفلسطينية، التي كان عناصرها يدافعون عن الإسلاميين ضد ما يستهدفهم، لكن عناصر حركة فتح طلبوا مساعدة من الإسلاميين بعد مواقف حادة تعرض لها هؤلاء من عناصر فلسطينية داخل المعتقل، اعترضت على أداء حركة فتح السياسي والعسكري الذي أدى إلى نتائج الانهزام أمام الكيان الصهيوني أثناء الاجتياح، وسقوط المخيمات، وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.

في شباط/ فبراير 1983 خرج بعض الشباب المسلم من معتقل أنصار، وبدأ العمل الإسلامي يتفاعل ويتطور داخل المخيم.

تم إنشاء مستوصف طبي تابع للمسجد، وقد نفع هذا المستوصف أهالي مخيم المية ومية كثيرا بعدما أغلقت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني مستوصفها في المخيم كان المستوصف يعالج الأهالي، وضمن علاج 36 عائلة مجانا بشكل دوري، وكان يوزع مساعدات غذائية على الفقراء في المخيم، كما تم تنظيم دورة عن الدفاع المدني، ودورة عن الإسعافات الأولية وأخرى عن التمريض، بالإضافة إلى تنظيم دورة للتدريب العسكري لتأهيل الشباب المسلم للدفاع عن المخيم في وجه التهديدات التي بدأت تبرز في المنطقة وتم شراء 13 إطفائية وزعت في كافة أرجاء المخيم.

هذه الأعمال أدت إلى التفاف شعبي كبير حول الشباب المسلم في المخيم وحول الإسلام، فزاد عدد المصلين، وارتفعت أعداد الحلقات، وارتفع عدد الشباب الأساسيين في العمل الإسلامي في المخيم إلى 22 شابا، من غير أعضاء الكشافة والملتحقين في دورات.

حرب من نوع مختلف

في 16/ 2/ 1985 انسحب الجيش الصهيوني من منطقة صيدا، فبدأت القوات اللبنانية بالتحرش بأهالي مخيم المية ومية، بهدف طردهم من المخيم وإزالة مخيم فلسطيني يعتبر متداخلا مع المناطق المسيحية في شرقي صيدا، وبهدف السيطرة على تلة المية ومية المرتفعة المشرفة على مدينة صيدا وباقي البلدات، وذلك من ضمن مخطط القوات للتمركز في شرقي صيدا، في إطار انتشارها العسكري هناك، المتصل بجبل لبنان وبمناطق جنوبي لبنان.

عناصر القوات اللبنانية صعدوا من الوادي وتسللوا إلى المخيم وقتلوا الطفلة هدى زيدان (عشر سنوات)، وأطلقت النيران بشكل متواصل من مواقع القوات على المخيم، فأصيب يوسف زيدان، وأعادت هذه الاعتداءات الذاكرة إلى ما بعد الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 ، حيث قامت عناصر من ميليشيا سعد حداد وأخرى من القوات اللبنانية باقتحام أحد أحياء المخيم، واعتقلوا الأهالي واحتجزوهم في مكان واحد، وضربوهم بالعصي والكرابيج، ثم أحرق الحي بالكامل، وجرى تهجير ثلاثة آلاف نسمة من سكانه، بعدما سرقت ممتلكاتهم، ثم قامت جرافات بتجريف الحي بالكامل.

حتى لا يتكرر هذا السيناريو مرة ثانية، بدأ الشباب المسلم بتحضير أنفسهم لصد عدوان جديد على المخيم، وخاصة أن القوات اللبنانية بدأت في المناطق المحاذية للمخيم بتدشيم مواقعها، ونصب أسلحة رشاشة، وبناء متاريس وحفر أنفاق، كما أن المخيم ضعيف ومحاصر من الناحية العسكرية، ومواقع القوات مشرفة عليه من أكثر من ناحية، وطرق الإمداد للمخيم صعبة وخطرة.

أعلن الشباب المسلم الاستنفار في صفوفهم، وجرى تشكيل مجموعات عسكرية، وتم تأمين 19 بندقية حربية، وقاذفين من نوع آر بي جي مع ست قذائف، وصندوقي قنابل وبندقية واحدة من نوع فال أو ناتو، ثم اتصل الشباب المسلم في المخيم بعين الحلوة، فقدم لهم الإسلاميون هناك بعض المساعدات وجرى وضع خطة مشتركة للمواجهة. حاول الجيش اللبناني منع امتداد الاقتتال، الذي اندلع في أكثر من منطقة لبنانية إلى محيط مخيم المية ومية، فأرسل الجيش قوة رابطت أمام المخيم، وعملت على ضبط الأمن ومعالجة الاستفزازات التي يقوم بها عناصر القوات.

كلف الجيش اللبناني ضابطا من آل طباجة بالتنسيق والارتباط مع الحركة الإسلامية في المخيم من خلال الشيخ محمد سلامة، ثم كلف ضابطا آخر من آل زيدان، كانا يلتقيان وقت الأزمات بالشيخ سلامة ويتصلان بالفاعليات في المنطقة لمنع انتقال المواجهات.

وذات يوم أطلقت النيران من مواقع القوات اللبنانية على المخيم بكثافة، فدخل ضابط من الجيش اللبناني من آل نعماني إلى المخيم، واتصل بالقوات اللبنانية وبمواقع الجيش اللبناني، رافقه الشيخ محمد سلامة في جولته على المحاور، وصلت مساعي الضابط نعماني إلى طريق مسدود، وقال للشيخ سلامة ما معناه "إنها الحرب ولينتصر الأقوى"، في إشارة منه إلى فشل مساعيه، وإلى أن القوات تريد حربا، وإذا كنتم أقوياء ستنتصرون.

تعرض مخيم المية ومية لقصف شديد، وكان يوم 29/ 3/ 1985 يوما مشهودا، تساقطت القذائف على المخيم، أكثر من ألفي قذيفة، واستمر إطلاق الرصاص، سقط في اليوم الأول أحد عشر جريحا، عولجوا في مستوصف المخيم، لأن طريق المخيم تتعرض لقصف ولقنص من المواقع المقابلة، استمرت المعركة 36 يوما صمد الشباب المسلم في المخيم، القوى الإسلامية في مخيم عين الحلوة أرسلت مجموعة من عشرين مقاتلا تسللت إلى مخيم المية مية وشاركت في الدفاع عنه، وعناصر من مجموعة إسلامية محلية اسمها "الكتيبة الخضراء" يقودها شيخ من آل الحايك وصلوا إلى المخيم ودافعوا عنه.

أصيب خمسة عناصر من الحركة الإسلامية، وأصيب الشيخ هشام شريدة بقنبلة سقطت قربه، وأصيب معه شاب آخر من المخيم، وشاب من تنظيم الصاعقة، واستشهد أسعد السهلي بقذيفة آر بي جي استهدفته قرب بناية آندراوس، واستشهد توفيق جوهر، وهو من مجموعة عين الحلوة، في المكان نفسه.

ضراوة المعركة جعلت عددا من عناصر الفصائل يغادرون المخيم دون أن يكون لهم دور مهم في عملية الدفاع عنه، لكن دخلته عناصر من فصائل أخرى منهم الشهيد جهاد جبريل الذي دخل إلى المخيم ومعه رشاش (عدد 2) مضاد للطائرات من عيار 23 ملم، ومدفع مباشر من عيار 106 ملم ومجموعة من العناصر.

اتفقت القوى الإسلامية الفلسطينية واللبنانية على شن هجوم موحد ضد مواقع القوات اللبنانية، لكن ذلك لم يحصل، إذ غادر مقاتلو القوات اللبنانية مواقعهم فجأة، وذلك بعدما انهارت مواقعهم في جبهات أخرى.

في حرب المخيمات التي اندلعت مع حركة أمل لم يتدخل مخيم المية ومية في هذه المعارك، حيث لا وجود لحركة أمل قرب المخيم، ولا المخيم كان راغبا في معركة جديدة، والشباب المسلم في المخيم أعلنوا الاستنفار للدفاع عن المخيم فقط في وجه هجوم محتمل، وليس للهجوم على حركة أمل، وقد شارك الشباب المسلم في مخيم المية ومية في إغاثة المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان التي حاصرتها حركة أمل، وتمكنوا من إدخال مواد غذائية وطبية إلى مخيم الرشيدية قرب صور.

بناء المشروع الإسلامي

أداء الشباب المسلم في مخيم المية ومية في المجالات الاجتماعية والدينية والشعبية، ودفاعهم عن المخيم في أصعب أزماته، وانفتاحهم على الفصائل ومحيطهم اللبناني أكسبهم مكانة جيدة في قلوب الأهالي وموقعا أساسيا في العمل العام في المخيم وثقة أبناء المخيم.

وصار الإسلاميون مرجعا للناس في شؤون حياتهم، ومحلا للثقة، وتبوأ الإسلاميون في المخيم مكانة دعوية واجتماعية ورمزية عامة، مثل الشيخ عيد مرعي، الذي برز في المجالات التربوية والإصلاح بين الناس والعمل العام.

في منتصف سنة 1985 دخل الإسلاميون في المخيم إلى اللجنة الشعبية، حاولت بعض الفصائل منعهم، لكن هذا المنع لم يؤد إلى نتيجة، عمل الإسلاميون من خلال اللجنة الشعبية على نشر قوة أمنية لحماية أمن واستقرار المخيم، وضربت هذه القوة نموذجا في الاستقرار الأمني والاجتماعي في المخيم، وعمل الإسلاميون على إزالة ركام المنازل المدمرة أثناء المواجهات، ووزعوا مساعدات اجتماعية على الأهالي.

بروز الانتفاضة في فلسطين سنة 1987 أعطى العمل الإسلامي دفعة إلى الأمام، وقرب شباب الحركة الإسلامية في المخيم إلى حركة حماس، وقد أيد شباب الحركة الإسلامية في المخيم مبعدي حركة حماس الأربعة (العلمي والقانوع والزهار واللداوي)، الذين أقاموا في أحد منازل المخيم عدة أشهر، قضوها في التدريس والتعليم والزيارات وإلقاء المحاضرات السياسية وخطب الجمعة.

وقام وفد من المخيم بزيارة بزيارة مخيم المبعدين في مرج الزهور، كما استقبل المخيم وفدا ضم 13 مبعدا من مرج الزهور، ونظم الإسلاميون في المخيم بالتعاون مع الأهالي المهرجانات والاحتفالات السياسية، والتي تمجد المقاومة والانتفاضة، وتوثقت عرى التفاهم مع حركة حماس، حتى بات للحركة دور كبير في العمل الشعبي والسياسي داخل المخيم، ولها أنصارها ومؤيدوها وأعضاؤها.

سادسا: مخيم برج البراجنة: السباق في حسم الخيارات

تميز العمل الإسلامي في مخيم برج البراجنة بالانفتاح والجرأة والقوة لدرجة أن الشباب المسلم في المخيم كانوا يرددون في بداية الثمانينيات المقولة التالية: إن الإسلاميين في برج البراجنة يطبقون قاعدة "علانية التنظيم وسرية الدعوة" وذلك بعكس القاعدة التي أرساها الإمام الشهيد حسن البنا في نهج حركة الإخوان المسلمين"سرية التنظيم وعلانية الدعوة".

إن لفت النظر إلى هذه الطرفة ينبع من قوة الإسلاميين في مخيم برج البراجنة وتماسكهم ونشاطهم الدعوي المبكر من منتصف السبعينيات، وإلى وأهمية الدور الذي أعطي للمسجد، والعدد الكبير للشباب المسلم في ذلك الوقت، هذه العوامل أعطت قوة للإسلاميين في المخيم في ذروة وجود الثورة الفلسطينية وفصائلها، التي كان أعضاؤها يسخرون من المتدينين ويضايقون المصلين والمترددين من الشباب على المسجد في أوقات الصلوات الخمس، لكن لم يجرؤ أحد من هؤلاء على الاعتداء عليهم.

مخيم برج البراجنة يقع إلى الشرق من طريق مطار بيروت الدولي، تحده من جهاته الثلاثة أحياء بلدتي برج البراجنة وحارة حريك، قربه من مدينة بيروت منحه مميزات عديدة، كالانفتاح على المجتمع اللبناني، والتواصل مع عدد من التجارب السياسية والاحتكاك بقيادات فلسطينية من مختلف الاتجاهات، وتأثر الإسلاميون في مخيم برج البراجنة بالدور الثقافي لبيروت، وبانفتاحها الإعلامي، وبالحرية السائدة في الخطاب والعلاقات العامة والتواصل الإنساني.

لا يختلف حال العمل الإسلامي في مخي برج البراجنة عن غيره من المخيمات، لكن أوضاع المخيم تميزت بثقل الفصائل الفلسطينية، وبارتفاع مستوى تواجدها في المخيم، وبانتشار مراكزها في كافة أرجائه، فالمخيم كان محاطا بعدد من المراكز العسكرية للفصائل، كمدرسة القتال التي كان يديرها الضابط في فتح أبو العبد خطاب، وهناك انتشار كثيف للأندية الرياضية والكشفية التابعة للفصائل، مثل فريق حيفا الكشفي التابع لفتح، ونادي طبريا لجبهة التحرير العربية، ونادي القدس (نابلس قبل سنة 1984) للجبهة الديمقراطية وأندية طولكرم والكرمل.

المستوى الاجتماعي للفلسطينيين في مخيم برج البراجنة كان أفضل حالا من باقي المخيمات، والتعليم أيسر في العاصمة، وفرص العمل أكبر، والمرتبات تؤمن نفقات العائلة، والفصائل استوعبت مئات من أبناء المخيم في مراكزها العسكرية ومؤسساتها المدنية.

مع الحركة الإسلامية

النشاط الإسلامي في مخيم برج البراجنة بدأ في مسجدين مسجد فلسطين في المخيم، ومصلى الروضة داخل حي الأكراد المحاذي للمخيم، والذي تحول إلى مسجد كبير سنة 1981.

النشاط الديني في مسجد فلسطين كان تقليديا يتمحور حول الدروس العامة والتربية، لكن مواظبة مجموعة من أبناء المخيم على الصلاة في مصلى الروضة أوجدت لهم علاقة مع الجماعة الإسلامية، وكان لإمام مصلى الروضة الشيخ محمد العمري دور كبير في الدعوة الإسلامية في المنطقة، وكان المصلى – على صغر مساحته – ينشط في استقبال العلماء وإحياء المناسبات الدينية والعمل الاجتماعي.

من مصلى الروضة تعرفت مجموعة من أبناء المخيم إلى الجماعة الإسلامية، فانضم عدد منهم إلى الجماعة سنة 1978، ثم انضمت دفعة ثانية سنة 1979، وشكلت في ذلك العام لجنة تنظيمية لمتابعة شؤون العمل الإسلامي في المخيم.

نشطت المجموعة الأولى في الدعوة إلى الله، وتقريب الشباب، وتفعيل المحاضرات والدروس الدينية، وتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم، وكان عدد من الشباب المسلم في المخيم من طلاب مدرسة مبرة الملك فيصل، الواقعة في محلة المنشية، والتي أسستها وأدارتها سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت، وهذه المدرسة كانت تضم من 300 إلى 400 طالب في المرحلتين المتوسطة والثانوية، ويتمتع هؤلاء بمستوى علمي جيد، نظرا لنظام التدريس، ونظام الإدارة المتبعين في المدرسة.

تأثر ما يزيد عن ثلاثين طالبا من طلاب المدرسة بالشباب المسلم في المخيم، فزادت الدروس الدينية والمحاضرات، وارتفع عدد الحلقات، وقويت شوكة الإسلاميين في المخيم، لأن هؤلاء الشباب ينتمون إلى أهم البلدات والعائلات في المخيم، مثل كويكات والكابري وترشيحا، بحيث وجدت الفصائل الفلسطينية المعارضة للمد الإسلامي صعوبة في مواجهته، واقتصر رفضها على العبارات اللفظية والاتهامات والتضييق على المصلين عند مفارق الطرق.

ولعب المستوى العلمي لهؤلاء الشباب من خلال مدرستهم، دورا في تطوير أفكار ووسائل العمل الدعوي، فأصدروا لوحة حائط تميزت بمستواها العلمي ومواضيعها التربوية وشكلها الفني، وأنشأوا مكتبة كبيرة، ونظموا الدروس الخصوصية لتقوية الطلاب في دروس الرياضيات والفيزياء والكيمياء، والرحلات إلى البحر والجبل، وتمت هذه الأنشطة في مسجد الروضة بمبناه الجديد الواسع المؤلف من طابقين، وبرز في الجوانب الدعوية والتربوية في المخيم في ذلك الوقت (خ. ع) وسمير (أ .ع) وأحمد (ق) وعادل (د) ومصطفى عبد الحليم وبسام غنوم وموفق قدورة وحسين (س)، ومما أسهم في تعزيز العمل الإسلامي والدعوي في برج البراجنة وصول شباب إسلاميين من مخيم الرشيدية بين سنتي 1977 و 1979، حيث أقاموا في المخيم أو كانوا يترددون إليه باستمرار، وأرسوا مفاهيم مهمة في العمل الحركي والدعوي.

نادي الأقصى الإسلامي

اتساع دائرة النشاط والإقبال المتزايد للشباب على المسجد والدروس الدينية، دفع القيمين على العمل الإسلامي في المخيم إلى تأسيس نادي الأقصى الإسلامي سنة 1981.

وقد وزع النادي اهتماماته على قضايا الاستقطاب والتربية والتوعية والتثقيف، ونشط في المجال الرياضي، فتشكلت في الفترة من 1981 إلى 1985 أربع فرق من اللاعبين، ضمت حوالي مئتي لاعب من مختلف الأعمار، واتسعت دائرة المساندين للنادي من أبناء المخيم وعائلاته، ووصلت قائمة مسددي الاشتراكات بشكل شهري للنادي إلى 400 عضو، ونافس النادي أهم الفرق الفلسطينية على البطولة في الدوري الفلسطيني، لكرة القدم، ورشح النادي سنة 1985 عددا من أعضائه إلى منتخب فلسطين لكرة القدم.

ضمت إدارة النادي في ذلك الوقت، وتحديدا بعد سنة 1983 مجموعة من النخبة المثقفة في المخيم، وشملت مهندسين ومعلمين وتربويين وعاملين في الحقل العام، ولم يكن كل أعضاء الهيئة الإدارية للنادي من أبناء الجماعة الإسلامية بل كان رئيس النادي من غير المنتسبين إلى الجماعة، مما يدلل على حالة انفتاح العمل الإسلامي وتنوعه.

انفتاح نادي الأقصى على كافة الشرائح والاتجاهات والعائلات داخل المخيم، ساعده في تأطير أعداد كبيرة من الشبان، فزاد الحراك الإسلامي في المخيم، واستطاع الشباب المسلم في المخيم بقيادة نادي الأقصى الإسلامي تنظيم حملة شاملة، إثر اندلاع انتفاضة شباط/ فبراير (6/ 2/ 1984) في بيروت، وهي انتفاضة القوى الوطنية اللبنانية ضد اتفاق "17 أيار" بين لبنان والكيان الصهيوني هذه الحملة شملت تنظيف الملاجئ في المخيم، وإزالة الأوساخ والردميات منها، وإضاءتها وطلائها بمادة "الكلس" وتوزيع الروضة، وتنظيم دورات تقوية للطلاب بسبب إغلاق المدارس.

وبموازاة العمل الدعوي في مسجد الروضة على أطراف مخيم برج البراجنة، اتسع العمل الدعوي في مسجد فلسطين، الذي تأسس سنة 1950 داخل المخيم، وازداد إعطاء الدروس المسجدية وتنظيم الحلقات.

وفي سنة 1983 تم تأسيس "فريق الإيمان في مسجد فلسطين، بهدف استقطاب الشباب عبر العمل الرياضي، وبلغ عدد أعضاء الفريق حينها ا يقارب ثمانين شابا.

البناء والإعداد

اعتبرت مرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 مرحلة للإعداد التربوي، والبناء الجهادي في المخيم.

مع اتساع دائرة الملتزمين بالإسلام في المخيم، اتسعت دائرة النشاط الدعوي، فنظمت في مسجد الروضة محاضرات ودروس عامة واحتفالات دينية شارك فيها كل من الشيخ فيصل مولوي، الأمين العام للجماعة الإسلامية، وآية الله السيد محمد حسين فضل الله والشيخ خليل الميس مفتي البقاع لاحقا، والشيخ سليم اللبابيدي، واستفاد الشباب المسلم في المخيم من قدوم عدد من قيادة الحركة الإسلامية في صيدا أثناء الاحتلال الإسرائيلي إلى بيروت، فنظمت دروس عامة وخطب جمعة لكل من الشيخ محمد عمار (أبو آمن)، والشيخ ماهر حمود، والشيخ موفق الرواس، وأسهم الأستاذ إبراهيم المصري في عدد من المحاضرات التثقيفية والسياسية، التي كان يجري فيها تحليل للوضع العام.

العمل العسكري في برج البراجنة

بدأ العمل العسكري للشباب المسلم في مخيم برج البراجنة مع بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982.

كان عدد من الشباب المسلم في برج البراجنة قد تلقى دورات عسكرية أو تدريبات خاصة مع فصائل الثورة الفسلطينية، في جنوب لبنان أو في بيروت، ومنها دورات التعبئة العامة التي كانت تنظمها حركة فتح لطلاب المدارس المتوسطة والثانوية، واستقبلت هذه الدورات عددا من الشباب والطلاب الذين التحقوا بالعمل الإسلامي.

مساء يوم الأحد 6/ 6/ 1982 دعي عدد من أبناء الحركة الإسلامية في مسجد الروضة، الذي يقع في حي الأكراد على الطرف الشرقي من المخيم، إلى لقاء في المسجد، وكان محور اللقاء – الذي حضره ما يقارب الثلاثين شابا بينهم مسؤولون في لجنة المخيم - البحث في كيفية التصدي للاجتياح الإسرائيلي الذي بدأ قبل يومين. بعد نقاش قصير تم الاتفاق على التصدي للاجتياح الإسرائيلي الذي لم يكن قد وصل إلى منطقة بيروت بعد، لكن مقدماته بدأت من عصر يوم الجمعة 4/ 6/ 1982 من خلال الغارات الجوية التي استمرت طوال يومي السبت والأحد.

السؤال الجوهري الذي طغى على النقاش هو من أين يحصل الشباب المسلم في برج البراجنة على السلاح والذخيرة، إذ إن سلاح الإسلاميين في المخيم لا يكفي لحرب طويلة، فقد كانت مسألة التصدي للاحتلال مبدئية ومحسومة، وانتهى الحوار بالاتفاق على الاتصال بجيش التحرير الفلسطيني، الذي كن له مركز في المخيم، بجوار ساحة ما تزال تعرف إلى اليوم باسم ساحة جيش التحرير، واختيار جيش التحرير كمورد للسلاح كان لعدة أسباب، أهمها أن معظم عناصر هذا الجيش متدينون، وعدد منهم كان يؤدي الصلاة في مسجد الروضة، وأن قيادة المركز لن تضع شروطا على مد الإسلاميين بالسلاح.

وبالفعل حصل اتصال مع قيادة جيش التحرير الفلسطيني في المخيم، أدى إلى استلام أبناء الحركة الإسلامية سلاحا فرديا خفيفا (من بينها – للطرفة – بارودة تشيكية تعود للحرب العالمية الأولى، كانت محل غضب الشاب الذي كلف بحملها) وأدى التنسيق إلى خروج عدد من أبناء الحركة الإسلامية في دوريات ليلية مشتركة مع جيش التحرير، وبالتحديد في منطقة الرمل العالي على طريق مطار بيروت الدولي، حيث كانت تتعرض تلك المنطقة لقصف جوي ليلي مكثف، وكانت إحدى المناطق المحتملة لإنزال جوي ليلي إسرائيلي فيها.

بعد ذلك جرى اتصال مع قيادة تنظيم حركة فتح في برج البراجنة، أدى إلى الاتفاق أيضا على مشاركة مجموعة من أبناء الحركة الإسلامية مع أبناء فتح في تشكيلات عسكرية للتصدي للاحتلال، وبالفعل انضم ما يزيد عن 15 شابا من أبناء الحركة الإسلامية إلى قاعدة عسكرية استحدثتها فتح، تقع قبالة مدرسة الآداب شرقي مخيم برج البراجنة، ومن هناك بدأت الحركة الإسلامية مع فتح بتسيير مجموعات إلى حي الليلكي الذي يقع على خط التماس ع بيروت الشرقية، وكان موقع الليلكي يتعرض لقصف إسرائيلي متواصل، واستمر وجود أبناء الحركة الإسلامية مع أبناء فتح في حي الليلكي فترة طويلة إلى قبيل خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وأسهم الشباب المسلم من ذلك الموقع في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، الذي كان يحاول التقدم باتجاه بيروت من محوري حي السلم – الليلكي، وخاض الشباب هناك مواجهات عنيفة.

بعد انسحاب "إسرائيل" من بيروت وانتشار الجيش اللبناني وقبل وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا في 16/ 9/ 1982، جرت وساطات ونقاشات من أجل تأمين انتشار سليم وآمن للجيش اللبناني في محيط مخيم برج البراجنة، ولعب بعض وجهاء المخيم دورا في هذا المجال، وكان مسجد الروضة مكانا لتبادل الآراء والحوارات حول هذا الموضوع، واتفق أهالي المخيم على دعوة أبناء المخيم إلى تسليم سلاحهم، وبالفعل بادر عدد من أبناء المخيم إلى تسليم سلاحهم وإلقائه على مدخل مسجد الروضة، وضم السلاح المسلم إلى لجنة الأهالي قاذفات بي – 7 (B – 7) وقنابل وبنادق ومسدسات، ولكن خطط الشباب المسلم في المخيم لأخذ كمية كبيرة من هذه الأسلحة وإخفائها، وقد أخرجت هذه الأسلحة من مخبئها بعد انتفاضة شباط/ فبراير سنة 1984 وبروز مؤشرات لصدام في محيط المخيمات.

سنة 1983 شارك أبناء الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة بكثافة في إحياء صلاة العيد التي دعا إليها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، والتي أقيمت في المعلب البلدي، كما شاركوا بفاعلية كبيرة في مسيرة جماهيرية حاشدة أقيمت لإحياء الذكرى السنوية الأولى لمجزرة صبرا وشاتيلا، حيث وصلت المسيرة إلى المقبرة، وألقيت هناك الكلمات.

وفي سنة 1984سجل أبناء الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة إنجازا مهما في تاريخهم للحفاظ على أمن المخيم وسلامة أبنائه، حيث انتشرت في بيروت شائعة عن قيام عناصر من القوات اللبنانية باقتحام أحياء إسلامية في بيروت الغربية، وإن هذا المجموعات وصلت إلى مشارف مخيم شاتيلا، فاجتمع الشباب المسلم في مسجد الروضة بالمخيم، قسموا أنفسهم إلى مجموعات انتشرت ليلا في أكثر من ثماني نقاط مراقبة حول المخيم، ظلت طوال الليل تحرس المخيم وأهله، كان بعض هذه المجموعات يتسلح بالسكاكين والعصي، وحمل بعض الشباب منها سلاحا خفيفا بشكل سري، وكلفت مجموعة من الإخوة بالقيام بجولات مستمرة على كل المجموعات المرابطة حول المخيم، لتبادل المعلومات، وللتأكيد من جهوزيتها واستعدادها، وبقيت هذه المجموعات في أماكنها حتى الفجر، وظهور حقيقة الشائعة التي كانت عبارة عن قيام عناصر لبنانية بقتل أحد العلماء المسلمين في بيروت الغربية، الأمر الذي أدى إلى توتر أمني كبير.

بداية سنة 1984 اتخذت لجنة العمل في مخيم برج البراجنة قرارا بتأهيل الحركة الإسلامية عسكريا، وهذا ما حصل، من خلال الاستعانة بكوادر فلسطينية ولبنانية، وكان دافع القرار عدم تكرار الاجتياح الإسرائيلي ومجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبتها ميليشيا القوات اللبنانية وقوات الاحتلال الصهيوني في أيلول/ سبتمبر 1982، حيث قتل فيها المئات من الفلسطينيين واللبنانيين العزل في المنازل والأزقة.

في نهاية سنة 1984 اتخذت لجنة العمل قرارا بتشكيل مجموعات عسكرية من الشباب المسلم، لحماية المخيم من هجمات محتملة بدأ الحديث عنها إثر قيام مجموعات من حركة أمل اللبنانية باغتيال كادرين فلسطينيين من حركة فتح، هما: غازي الخطيب ونبيل حماد، إضافة إلى تصفية شبان آخرين من المخيم، وإطلاق النار على المخيم بشكل متعمد ومقصود، كما حاولت مجموعات من حركة أمل اقتحام المخيم، عبر أكثر من طريق، في هجمات مفاجئة.

في تلك الفترة جرى تشكيل ثماني مجموعات، تتألف كل واحدة منها من ثمانية إلى أحد عشر شابا، وكلفت كل مجموعة منها بالانتشار في ناحية من نواحي المخيم، خصوصا في المواقع الحساسة، وجمعت الأسلحة من مصادر فردية، ومن مخابئ قديمة، ومن سلاح أدخل من مدينة بيروت، وكذلك من مخبأ قديم حفره الإسلاميون بعد خروج الثورة الفلسطينية سنة 1982، وكذلك من مخبأ قديم حفره الإسلاميون بعد خروج الثورة الفلسطينية سنة 1982 ، واحتوى نحو عشرين قطعة سلاح، بينها مدفع هاون عيار 60 ملم.

هذه المجموعات وعبر هذا التشكيل لعبت فيما بعد دورا مهما وأساسيا ونوعيا في الدفاع عن مخيم البراجنة، إثر بدء هجوم حركة أمل على المخيم صبيحة يوم الإثنين 20/ 5/ 1985، بدء حرب المخيمات، حيث كانت عناصر هذه المجموعات من أولى المجموعات التي وصلت إلى أماكنها المحددة، ودافعت عن المخيم منذ لحظة الاقتحام الأولى، وتصدت للمهاجمين، وتسجل ذاكرة أبناء المخيم والوقائع استشهاد عدد من الشباب المسلم في يوم الإثنين، أول أيام الهجوم على المخيم، ومنهم الشهيد فادي أبو هاشم، والشهيد صقر (منذر) حليمة، والشهيد يوسف الخطيب.

في بداية سنة 1985 بدأت الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة بالتعاون عسكريا مع حزب الله، الذي نشأ في نهاية سنة 1982، وكان هدفه مقاومة الاحتلال الصهيوني، كان رأي الحركة الإسلامية في المخيم بضرورة تقديم المساندة لهذا الحزب الإسلامي المقاوم للاحتلال، خاصة وأن قواسم مشتركة كثيرة تجمع الحركة الإسلامية بحزب الله.

لم يكن حزب الله في تلك الفترة يمتلك المقومات البشرية والمادية التي بات يمتلكها الآن، أما فلسفة التعاون فكانت نابعة من نقطة تقاطع في أفكار ومشاريع حزب الله والحركة الإسلامية، وكانت هناك قناة اتصال دائمة بين الجانبين.

سنة 1985 بدأت الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة بإرسال ما يقارب ثلاثين شابا في أوقات مختلفة، وعلى دفعات متعددة، إلى محور محطة المعلم قرب كنيسة مار مخايل الواقعة على خط التماس ع ميليشيات القوات اللبنانية، وكانت هذه المجموعات تخرج سرا من مخيم برج البراجنة، حتى لا تلفت نظر الفصائل الفلسطينية في المخيم، وتنتقل مشيا على الأقدام سالكة طريق حارة حريك – محطة ذياب في بئر العبد باتجاه محطة المعلم قرب كنيسة مار مخايل، وكان يدير ذلك المحور يومها الحاج عدنان حلباوي من حزب الله، والذي استشهد سنة 1985.

كانت هذه المجموعات تتسلم أسلحتها الخفيفة في الموقع وتمارس عمليات الاستطلاع والرقابة، ولم يحدث أن وقع هجوم عسكري أو اقتحام أثناء خدمة هذه المجموعات، باستثناء عمليات القنص، والقصف المدفعي الشديد، وإطلاق النار بغزارة على المواقع المواجهة.

أبناء الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة شاركوا مع مجموعات عسكرية من الجماعة الإسلامية في الانتشار على محور رأس النبع، وانضمت أعداد منهم إلى مجموعات الجماعة الإسلامية، في الانتشار على محور رأس النبع، وانضمت أعداد منهم إلى مجموعات الجماعة الإسلامية، التي انتشرت في مدينة صيدا ومحيطها سنة 1982، بعد الانسحاب الإسرائيلي منها، غير أن الأداء العسكري المميز لأبناء الحركة الإسلامية في المخيم كان أثناء حرب المخيمات، إذ انتشرت مجموعاتها في عدة محاور وهي: بناية هيدوس، وبناية سليم، والبناية البيضاء قرب العنان، والمربع، والبناية الصفراء، والعاملية، والوزان، وبلغ تعداد أفراد هذه المجموعات سنة 1985 نحو تسعين فردا، زودوا بأسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة، وقنابل وأجهزة اتصال لاسلكي.

ظل الإسلاميون في برج البراجنة يقومون بواجبهم الديني والوطني في الدفاع عن المخيم في أحلك الظروف، وبعد توقف حرب المخيمات، شكلت لجنة تنظيمية جديدة أعادت العمل في مساعدة الأهالي، ودفع تعويضات لأسر الشهداء، وكفالة الأيتام وتسيير شؤون المخيم.

وبرز في ذلك الوقت رموز جديدة في العمل الإسلامي في المخيم، منهم مشهور عبد الحليم، الذي أصبح لاحقا المسؤول السياسي لحماس في بيروت، ونزار الحسين (السقا)، ومحمد طافش.

سابعا: مخيما شاتيلا ومار إلياس: صعوبات في العمل الإسلامي

يقع مخيما شاتيلا ومار إلياس في أطراف العاصمة اللبنانية بيروت، ولعب كل من عامل الموقع، والتركيبة السكانية، والواقع الاجتماعي دورا كبيرا في التأثير في تأسيس العمل الإسلامي الحركي ونهضته في هذين المخيمين. فالعمل الإسلامي في مخيم شاتيلا ظل تقليديا حتى أواسط السبعينيات، وكان كبار السن يؤمون مسجد فلسطين، وهو المسجد الوحيد الذي تأسس في المخيم سنة 1953 لأداء الصلاة، وكان خطيب المسجد وإمامه الشيخ محمد حسين عبد الهادي (أبو العبد العمقاوي)، وفي أواسط السبعينيات بدأت الصحوة الإسلامية تنتشر في أوساط مجموعة من الشباب، هم: أحمد عطوات، وعبد الله معتوق، ومصطفى عوالي الذي انتقل إلى مخيم شاتيلا، قادما من مخيم برج الشمالي في جنوب لبنان، حيث كان عوالي قد التزم بالإسلام في برج الشمالي، وتأثر بانتشار العمل الدعوي هناك من خلال الشيخ فارس صليبي، وبدأ عوالي ينشط مع الشباب المسلم في المخيم، وتمكن من تحصيل جانب من العلوم الشرعية، مكنه من تدريس مجموعة من الشباب في مخيم شاتيلا، عدد منهم كان ينتمي إلى حركة فتح، وهم مجموعة من الأشبال في المخيم، يقودهم ضابط يدعى أبو شحتة.

وكان ثمة فريق آخر من الشباب المسلم في المخيم يوجه الناس نحو الالتزام بالإسلام، ومنهم عاطف كامل، الذي حمل الإسلام فكرا إسلاميا حركيا، ولعب دورا مع الحركة الإسلامية في هذا المجال، ومنهم أيضا يوسف زعرورة، وحسين قاسم.

تمكن هؤلاء الشباب جميعا من تجميع ما يزيد عن خمسين شابا، بدأت تنظم لهم إضافة إلى التدريس الديني ألعاب رياضية وأنشطة بحرية.

امتد نشاط هذه المجموعة من مخيم شاتيلا إلى مسجد الدنا في محلة صبرا المحاذية للمخيم، وكانت التربية تعتمد على كتب الشهيد سيد قطب، والشيخ سعيد حوا، والأستاذ محمد قطب، وخطب الشيخ عبد الحميد كشك، وفكر الإخوان المسلمين.

مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975 انضم عدد من هؤلاء الشباب إلى قوات "المجاهدون" التابعة للجماعة الإسلامية، وإلى قوات جند الله التابعة للحركة الإسلامية المجاهدة، لكنهم لم يمارسوا دورا قتاليا مهما في تلك الأحداث، وحتى أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 لم تتمكن عناصر هذه المجموعة من مقاتلة الاحتلال الصهيوني بشكل جماعي، إنما قام أفراد منهم بذلك من خلال بعض القوى والفصائل التي كانت موجودة آنذاك.

تأثر عدد من أعضاء هذه المجموعة بنتائج ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، فتقربوا من اتحاد العلماء المسلمين وتجمع العلماء المسلمين، وهما رابطتان إسلاميتان من العلماء، اهتمتا بعد سنة 1982 بمواجهة الاحتلال الصهيوني، ورفض سياسات حكم الرئيس اللبناني أمين الجميل، وانتشرت بعض عناصر هذه المجموعة في منطقة قصقص على خطوط التماس مع بيروت الشرقية، وجرح عدد منهم في الاشتباكات سنة 1984 بعد انتفاضة السادس من شباط/ فبراير.

لكن الأداء العسكري للشباب المسلم في مخيم شاتيلا كان أفضل أثناء حرب المخيمات سنة 1985، فقد تمكن هؤلاء من إدخال كمية من الأسلحة إلى المخيم قبل بدء الاشتباكات، وأنشأوا مواقع خاصة بهم في أطراف المخيم، ونسقوا مع الفصائل الفلسطينية، وبالأخص مع مجموعة الشهيد علي أبو طوق، وهو من أعضاء الكتيبة الطلابية في حركة فتح، التي كانت تضم عناصر ذات توجهات إسلامية.

مع أواسط التسعينيات أقام في المخيم شباب من الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين، واستطاعوا بناء حالة إسلامية مقربة من حركة حماس، وانضم شبان من المخيم إلى حركة الجهاد الإسلامي، وازداد النشاط الدعوي والسياسي في المخيم، وبدأ التواصل يمتد إلى كافة القوى الفلسطينية وشرائح المجتمع في شاتيلا، وخلال السنوات الأخيرة أنشئ مسجدان في المخيم، هما: مسجد جنين ومسجد التقوى، كما نشطت الرعاية الاجتماعية، وتقديم الخدمات الإنسانية والإنمائية، مثل حفر بئر مياه لتزويد أهالي المخيم بمياه الشرب.

في سنة 2005 خاض الإسلاميون تجربة ناجحة في المخيم، حين دعا إمام المسجد الشيخ بسام كايد، متعاونا مع بعض وجهاء المخيم وفاعلياته، إلى إجراء انتخابات مباشرة لاختيار لجنة شعبية، بعد الفساد الكبير الذي عانت منه اللجنة الشعبية الي تقودها الفصائل الفلسطينية، وسبب هذا التوجه احتكاكا قويا بين الفصائل الفلسطينية والإسلاميين، لكنه كان رسالة واضحة من الإسلاميين في المخيم حول ضرورة الإصلاح داخل مجتمع اللاجئين، والدفاع عن قضاياه الاجتماعية، بعدما فازت اللائحة المدعومة من الإسلاميين ومنهم الحاج حسن عبد الهادي.

أما مخيم مار إلياس فهم المخيم الفلسطيني الوحيد الذي يقع ضمن إطار مدينة بيروت، ويمتاز المخيم بقلة عدد سكانه الذي لا يزيد عن 1.500 نسمة، كان معظمهم حتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان من المسيحيين الفلسطينيين.

بعد تجدد النشاط السياسي الفلسطيني في بيروت في أواسط الثمانينيات، وبسبب اندلاع حرب المخيمات سنة 1985، لجأ فلسطينيون كثر إلى مخيم مار إلياس، وبدأت مختلف القوى الفلسطينية تؤسس لها مكاتب داخل المخيم، حتى بات يطلق على المخيم لقب "العاصمة السياسية للفلسطينيين في لبنان".

كانت قلة من شباب المخيم تنتمي إلى اتجاهات إسلامية لبنانية، لكن سنة 1994 افتتحت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين، التي نشطت في أوساط الطلاب الفلسطينيين والجامعات، مقرا لها داخل المخيم، خصص للأنشطة الطلابية، وسمح هذا المقر بتعزيز العمل الدعوي في المخيم، فقد بدأ بعض أبناء المخيم وساكنيه يؤدون الصلاة في إحدى قاعات المقر، حيث لم يكن يوجد أي مسجد أو قاعة للصلاة في المخيم آنذاك.

واستفاد شباب المخيم من الخدمات الاجتماعية والعلاقات التي نسجتها الرابطة في ذلك الوقت، حيث كانت تنشط سياسيا في القضايا الفلسطينية، وهو ما سمح للرابطة بتأطير عدد من هؤلاء شاركوا في أنشطة دينية وسياسية كانت تقيمها الرابطة.

ولاحقا انضم عدد من شباب المخيم إلى حركة حماس، وتم افتتاح مركز لتحفيظ القرآن الكريم، وأقيمت دروس عامة وخاصة، جزء منها للنساء.

غير أن مخيمي شاتيلا ومارس إلياس ما يزالان إلى اليوم يعانيان من ضعف العمل الإسلامي الحركي فيهما، وهناك أسباب كثيرة منها: الهجرة المستمرة للشباب، والاختلاط السكاني، وخروج العائلات من المخيمين للإقامة في الخارج، وغياب دور فاعل للعلماء، وازدياد التنافس السياسي بين القوى الفلسطينية المختلفة.

وبهذا، لم يستطع الإسلاميون في مخيمي شاتيلا ومار إلياس تطوير عملهم ليكافئ الحضور الإسلامي للفلسطينيين في لبنان عامة، وفي مخيم برج البراجنة القريب منهما بشكل خاص.

ثامنا: مخيم البداوي: العمل الإسلامي تخطى الرقابة الأمنية

ما من مخيم فلسطين في لبنان تعرض فيه الإسلاميون لضغط ورقابة وملاحقة مثل مخيم البداوي، الواقع على مقربة من مدينة طرابلس، حيث أسهمت عوامل كثيرة في هذا المناخ الضاغط على الإسلاميين، أهمها: علاقة الإسلاميين المتوترة مع سورية، وحملة تشويه منظمة قامت بها جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، وممارسات مجموعات فلسطينية يسارية.

في الإطار الزمني لم يتأخر الحراك الإسلامي في مخيم البداوي عن غيره من المخيمات، فأواسط السبعينيات كانت مرحلة انتقالية في أداء الإسلاميين، وهذا ما حصل في مخيم البداوي أيضا، لكن ثمرة هذا الحراك كانت بطيئة جدا، وغير منتجة كفاية، ولم تنقلب هذه المعادلة إلا في نهاية الثمانينيات، وعلى الرغم من كل هذه الضغوط كان الإسلاميون في البداوي يسيرون مع غيرهم من الإسلاميين في المخيمات الفلسطينية في الاتجاه نفسه ونحو الهدف نفسه.

تأثر أهالي مخيم البداوي بخطب الجمعة التي كان يلقيها الشيخ سالم الشهال، مؤسس الحركة السلفية في لبنان، والتي كانت تركز على الوعظ والتربية، ثم تعرف شباب من المخيم على الدكتور عبد الفتاح زيادة، أحد الدعاة في منطقة الشمال، الذي نظم حلقة تدريسية لهم، ثم شهد المخيم قدوم شبان من أبناء الحركة الإسلامية من مخيم الرشيدية كانوا قد هاجروا بفعل القصف الصهيوني، ودرس طلاب من مخيم البداوي في معهد سبلين المهني التابع للأونروا، فتعرفوا هناك على أجواء العمل الإسلامي، واستمعوا إلى تجارب العمل الإسلامي في عين الحلوة والرشيدية وباقي المخيمات.

انتسب شباب من المخيم إلى الجماعة الإسلامية، لكن عمل هؤلاء ظل محدودا على الرغم من كل ما بذلوه، بسبب الملاحقة الأمنية والرقابة اللصيقة، ولكن تأسيس حركة التوحيد الإسلامي أعطى دفعة للإسلاميين في المخيم في البداية، فطريقة تحرك مجموعات حركة التوحيد، وحملها للسلاح، ورفعها للرايات الإسلامية، وإطلاق اللحى، والعصابات السوداء (اللاتي تلف حول الرؤوس)؛ أعطت انطباعا إيجابيا بأهمية العمل الإسلامي وبقوة الإسلاميين.

هذه الصحوة لم تدم طويلا، إذ تأثر العمل الإسلامي في المخيم مجددا بسبب اندلاع معارك عنيفة بين فتح – عرفات ومجموعات فتح الانتفاضة، استخدمت فيها المدفعية والصواريخ، ودمرت أحياء كثيرة، وهاجر غالبية أهالي المخيم، وكان أن عادت الأجهزة الأمنية وشددت الرقابة على المخيم، فخاف الأهالي من الاعتقالات وانحسر العمل الإسلامي.

لكن في سنة 1984 شهد المخيم نموا في العمل الإسلامي، إذ انتسبت مجموعة جديدة من الشباب إلى الجماعة الإسلامية، وانتسبت مجموعة أخرى سنة 1986، ولكن اضطر شباب من أبناء الحركة الإسلامية في المخيم إلى الهجرة نتيجة الظروف الصعبة التي عاشها الفلسطينيون في تلك الفترة، لكن سفر هؤلاء الشباب من الرعيل الأول لم يؤخر العمل الإسلامي أو يعرقله، فما زرعوه بدأ يثمر.

الانتفاضة الفلسطينية سنة 1987 دفعت العمل الإسلامي في المخيم بقوة إلى الأمام، فوزع الشباب المسلم بيانات حركة حماس على الأهالي، وعلقت صور الانتفاضة على لوحات المساجد، وعرضت أفلام عن الانتفاضة، وزيدت الدروس العامة في المسجد، وانتقلت الدروس إلى المنازل بعد محاولات عديدة من الفصائل لمنعها.

عبد الحافظ مصطفى (أبو رياض) أحد أبناء المخيم، فتح منزله لأحد الدروس العامة، الذي استقطب عددا من الشباب، وتعرض أبو رياض لضغوط من جماعات أمنية لإقفال منزله لكنه رفض.

أبو خليل انصيو، ضابط في الكفاح المسلح من أهالي غزة ومقيم في المخيم، له ميول إسلامية، ساعد الشباب في نشاطهم الدعوي، وأبو خليل انصيو هو والد الشهيد القسامي محمد انصيو الذي استشهد أثناء تنفيذ عملية استشهادية بحرية حاول فيها اقتحام مستوطنة دوغيت شمال غرب بيت لاهيا في 4/ 8/ 2002.

بدأ أبناء الحركة الإسلامية ينظمون أنشطة دينية ودعوية عامة، شارك فيها قيادات إسلامية وعلماء.

اتخذ أبناء الحركة الإسلامية سنة 1989 قرارا في المخيم بالعمل تحت اسم حركة حماس، فنظموا الاحتفالات والمسيرات والتظاهرات والمعارض دعما ل فلسطين، واستقبلوا المبعدين الأربعة سنة 1991، وقام شباب المخيم بزيارة المبعدين إلى مرج الزهور، ثم استقبلوا وفدا من المبعدين كان من بينهم عزام سلهب، ومصطفى شاور، وأبو عبد عسيلة، ودارت نقاشات معمقة حول فلسطين والقضية وتكامل الإسلاميين داخل فلسطين وخارجها والعلاقات الفلسطينية الداخلية.

عاد أبناء الحركة الإسلامية وطوروا عملهم الدعوي في المخيم، فنظموا دورات تقوية للطلاب على المناهج الدراسية، وأقاموا دورات شرعية لتعليم الدين، ودورات ومخيمات صيفية استطاعوا من خلالها استقطاب كوادر شبابية للعمل الإسلامي وللعمل العام.

وبرز من رموز العمل الإسلامي في المخيم الشيخ محمود الصديق (أبو بكر)، والشيخ محمود أبو سراج، والشيخ أبو ربيع الشهابي.

تراجع ضغط الفصائل على أبناء الحركة الإسلامية في الداخل، وكانت آخر محاولة سنة 1996، حين حاولت الفصائل منع الإسلاميين من تنظيم مهرجان سياسي، لكن حماس تدخلت وانتهى المنع، وكلما كانت حماس تتقدم بمشروعها السياسي والشعبي والمقاوم في الداخل كانت الضغوط على الإسلاميين في البداوي تتراجع، حتى وصل الأمر بالفصائل إلى الاعتراف الكامل ب حركة حماس كقوة أساسية شاركت سنة 2001 في إطار لجنة التنسيق للفصائل الفلسطينية في شمالي لبنان.

تاسعا: مخيم نهر البارد: نموذج العمل الإسلامي

إن مخيم نهر البارد أبعد المخيمات الفلسطينية في لبنان عن فلسطين، إذ يقع في محافظة لبنان الشمالي، وإلى الشمال من مدينة طرابلس، بمسافة تقارب 15 كيلو مترا.

تقول الحكاية إن اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى لبنان سنة 1948 عاشوا ظروفا إنسانية وصحية واجتماعية صعبة للغاية، فبدأت مجموعات منهم بالرحيل باتجاه سورية، ولما زادت هذه الأعداد شعر السوريون، بالقلق فأغلقوا حدودهم، فاضطر اللاجئون الفلسطينيون سنة 1949 إلى الإقامة في هذه المنطقة بجوار نهر يسمى نهر البارد.

الجغرافيا لم تكن مانعا يحول دون اقتراب مخيم نهر البارد من فلسطين ف فلسطين ظلت حاضرة في نهر البارد من النواحي الوطنية والتراثية، لا بل إن مخيم نهر البارد ظل حتى تدميره سنة 2007 وكأنه قطعة نقلت بالكامل من فلسطين ووضعت في شمالي لبنان، فالأحياء في المخيم قسمت على أسماء البلدات، صفورية وسعسع وغيرها، والعادات الاجتماعية والأعراس والتواصل الإنساني ظل كما كان في فلسطين، واللهجة لم تتأثر إلا قليلا، وحب الزراعة والعمل ظل كما كان في فلسطين، حتى ضرب المثل في مخيم نهر البارد في سرعة تطوره الاقتصادي وامتداده العمراني واتساع أملاك ساكنيه.

الأولوية للدعوة

العمل الإسلامي المنظم في المخيم بدأ سنة 1976، حين قام معلمون من المخيم، يدرسون مادة الدين الإسلامي، بتنظيم درس للقرآن الكريم ليل كل يوم جمعة، ثم تطور العمل ليصل إلى تأسيس مدرسة الآداب الإسلامية في مسجد العودة في المخيم، وهو ثاني مسجد يقام في المخيم وأحد أربعة مساجد فيه.

وفي سنة 1978 بدأ عدد من الشباب المسلم يزداد نتيجة ما تقدمه المدرسة، فتم تأسيس فرقة كشفية رياضية حملت اسم الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي السنة نفسها تم تأسيس نادي الإيمان، وكان الهدف من تأسيسها تعليم الشباب والفتيان أمور دينهم، وتربيتهم تربية صالحة، وإبعادهم عن قضايا الفساد والانحلال الأخلاقي.

أما سنة 1978 فقد شهدت تحولا نوعيا في مسيرة العمل الإسلامي في مخيم نهر البارد، حيث تم تأسيس المكتبة الإسلامية، وهي أشبه بالنادي الاجتماعي الثقافي، وهدفها نشر الثقافة الدينية، واستقطاب المجتمع إلى الإسلام من خلال المحاضرات والدروس الدينية والمسابقات ومعارض الكتب، وكانت المكتبة الإسلامية تصدر لوحة حائط شهرية توزع في مساجد المخيم وفي مدارس الأونروا.

ظل اسم المكتبة الإسلامية عنوانا للعمل العام يستخدمه الشباب المسلم في المخيم حتى بداية التسعينيات، حين بدأوا العمل ضمن حركة حماس.

وكانت الظروف السياسية والأمنية في لبنان وفي منطقة الشمال تحديدا والرقابة الأمنية تحول دون استخدام اسم إسلامي حركي تنظيمي.

نحو العمل العسكري

شهدت سنة 1978 بدايات تحول الشباب المسلم في المخيم إلى العمل العسكري، ففي شهر آذار/ مارس من تلك السنة اجتاحت القوات الصهيونية جنوب لبنان، وكان ذلك دافعا للشباب المسلم للمشاركة في المقاومة، من خلال مجموعة جند الله التي كان يتزعمها كنعان ناجي، فأرسل الشباب المسلم في مخيم نهر البارد إلى جنوب لبنان فرقة من خمسين شابا، انتشرت في مخيم الرشيدية في بلدتي إبل السقي وعربصاليم، ورابطت مجموعة منهم في منطقة السعديات الساحلية بين صيدا وبيروت، وبقيت هذه المجموعات منتشرة في تلك المواقع لأكثر من شهر.

كان التنسيق بين الشباب المسلم ومجموعة جند الله يتم من خلال الشيخ محمد الحاج من مخيم نهر البارد، ومسؤول عسكري من جند الله يدعى عبد السلام المغربي، وكان الحاج والمغربي زميلي دراسة، وقد استشهد المغربي في قصف إسرائيلي على جزيرة الأرانب في طرابلس سنة 1981 أثناء قيامه بتدريب مجموعة عسكرية.

وفي سنة 1980 أطلق الشباب المسلم في المخيم ذراعا جديدة للعمل، فشكلوا رابطة الطلاب المسلمين، التي رعت العمل الطلابي، وساعدت في تأطير عدد من الطلاب.

انتصار الثورة الإسلامية في إيران والغزو الروسي لأفغانستان أعطيا زخما للعمل الإسلامي في مخيم نهر البارد، فزاد النشاط وامتد العمل وتعمقت النقاشات التي كانت تركز حول رد الشبهات عن الإسلام، ودفع الهجمات التي تستهدفه والمسلمين، لتصل إلى عناوين أخرى مثل إسلامية القضية الفلسطينية، وقدرة القيادة الفلسطينية الحالية على تحرير فلسطين، ومدى صوابية نهج الفصائل الفلسطينية، والتباين في أهداف المجتمع الفلسطيني وأهداف عدد من رموز الثورة الفلسطينية.

وفي سنة 1979 وزع الشباب المسلم في نهر البارد بيانا باسم "المسلمون في الشمال" ضد الغزو الروسي لأفغانستان، ووزع في أغلبية مناطق طرابلس وعكار، واستغرب البيان "الصمت على فتك روسيا بالمسلمين الأفغان" هذا البيان أثار ردود فعل الفصائل الفلسطينية، وخاصة اليسارية، والقوات السورية المنتشرة في لبنان، وبدأت التحريات حول من أصدره وهويته.

العلاقة مع الفصائل

كانت علاقة الشباب المسلم بالفصائل الفلسطينية في المخيم هادئة نسبيا، وكان الحوار بين الطرفين يتم من خلال الفكر والنقاش الهادئ والأدلة، وظلت العلاقة قائمة على هذه الوتيرة حتى سنة 1980.

ما بين سنتي 1980 و 1982 توترت العلاقة بين الإسلاميين في المخيم وبين الفصائل الفلسطينية، حيث بدأ حجم الإسلاميين يزداد، ونشاطهم يتسع، ودورهم يمتد، ليشمل النساء والفتيات والمدارس ومختلف شرائح المجتمع، فقامت المجموعات الفلسطينية اليسارية بمحاولات لمنع الإسلاميين من النشاط، وحاولوا عرقلة الدروس الدينية والمحاضرات، ومنع تعليق لوحات الحائط بحجة أنها تفسد عقول الشباب، وتدخلوا لإلغاء احتفال ديني في مسجد الحاووز أقيم سنة 1980 باسم لجان المساجد، وتحدث فيه الشيخ سعيد شعبان، القيادي في الجماعة الإسلامية في ذلك الحين، وأمير حركة التوحيد الإسلامي لاحقا.

ثم حاول اليساريون سنة 1981 منع مسيرة للتكبير صبيحة يوم العيد، وحرضوا أصحاب المحلات في الشارع العام حيث ستمر المسيرة، وفي سنة 1981 أيضا مزقت عناصر من فتح ملصقات على جدران المخيم تحمل عبارات تدعو للخير والفضيلة، ومن هذه العبارات: "إنما أنت رحمة مهداة" و "تراحموا بينكم يرحمكم الله" و "الأيدي المؤمنة هي التي تحرر فلسطين" وقد جاء دخول فتح على الخط المناوئ للإسلاميين بعدما رفض الإسلاميون عرضها بالعمل تحت راية فتح، وبدأت فتح تتهم الإسلاميين بأنهم إخوان مسلمين.

جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 ليعطي دفعا للعمل في المخيم، إذ شكل الإسلاميون في المخيم ثماني مجموعات عسكرية، تعداد عناصرها من أربعين إلى خمسين، انتشرت بسلاحها الكامل في ثمانية محاور بجوار المخيم، وشكلت فرقا اجتماعية، وبدأ العمل الإغاثي يتم بالتنسيق مع الجماعة الإسلامية، نظم الشباب المسلم بهذا الاسم مسيرة شعبية ضد الاجتياح الصهيوني، وأنشأوا مستوصفا في المخيم حمل اسم المستوصف الإسلامي، واستفادوا من علاقات جيدة أقاموها مع الداعية الإسلامي الشيخ فتحي يكن، الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، وجبهة الإنقاذ الإسلامية التي تشكلت في طرابلس، وترأسها الأستاذ محمد علي ضناوي.

مع انتشار خبر مجزرة صبرا وشاتيلا نظم الإسلاميون في المخيم، بالتنسيق مع كافة المساجد، مسيرة حاشدة مستنكرة للمجزرة، رفعت فيها الرايات الإسلامية والعبارات المنددة بالهمجية الصهيونية.

الصراع الداخلي

حين انتفضت مجموعات من فتح على نهج ياسر عرفات في أيار/ مايو 1983 حاول الإسلاميون في المخيم التحاور مع الجانبين لإبعاد المواجهة عن المخيم، لكن الحوار وصل غلى طريق مسدود، وظهرت مؤشرات واضحة على معركة حامية بعد وصول ياسر عرفات إلى طرابلس.

أخذ الإسلاميون في المخيم قرارا بالدفاع عن أنفسهم ومؤسساتهم ومراكزهم إذا ما استهدفوا أو استهدفت هذه المؤسسات، فحملوا السلاح، وانتشروا في مواقع دفاعية.

المنتفضون حسموا المعركة لصالحهم، وانسحبت جماعة ياسر عرفات، بعد ذلك دخلت قوات فتح الانتفاضة إلى قاعة المكتبة الإسلامية، وحاولوا السيطرة عليها، لكن الشباب المسلم منعوهم من ذلك، وتدخلت بعض فعاليات المخيم ومنهم الحاج أبو هشام ليلي (أمين سر اللجنة الشعبية لاحقا)، فاضطرت مجموعات فتح الانتفاضة للانسحاب.

بعد سيطرة فتح الانتفاضة على مخيم نهر البارد اتسعت الرقابة الأمنية على المخيم وعلى نشاط الإسلاميين، وتدخلت المخابرات السورية بشكل أكبر في هذا الجانب، وخاصة أن السوريين أخضعوا مناطق شمالي لبنان لرقابة قوية خلال صراعهم مع الإخوان المسلمينفي سورية 19801982 حيث كانت عناصر إخوانية تلجأ باستمرار إلى شمالي لبنان، أو تستخدم هذه المنطقة لإدخال عناصر إخوانية إلى سورية.

انتماء عدد من شباب المخيم لحركة التوحيد الإسلامي في طرابلس، وسع دائرة الرقابة الأمنية على المخيم، خاصة مع ازدياد تحالف هذه الحركة مع فتح بزعامة ياسر عرفات، واتساع مخاوف دمشق من هذا التحالف، وهو ما أدى إلى معركة شرسة بين حركة التوحيد الإسلامي والقوات السورية لاحقا.

قامت عناصر فتح الانتفاضة باعتقال عدد من شباب حركة التوحيد ومنهم خالد أبو الحجل، وهو شاب من المخيم ينتمي للحركة، ولقد عذب أبو الحجل كثيرا من أجل الحصول منه على اعترافات، ومن الشباب أيضا جمال منصور اعتقلته عناصر فتح الانتفاضة بحجة انتمائه الديني، وتوزيع بيانات إسلامية.

بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان سنة 1985، أرسل الشباب المسلم 12 شابا للمشاركة في الدفاع عن مخيمي عين الحلوة والمية المية من عدوان كانت تستعد له القوات اللبنانية، وأثناء خروج الشباب بالسيارات في الصباح الباكر من الطريق العام في المخيم اعتقلتهم عناصر فتحالانتفاضة، وظلوا قيد الاعتقال حتى المساء، بعد تدخل الجماعة الإسلاميةوالقوى الإسلامية في الشمال، وبعد الإفراج عنهم عاد الشباب وتابعوا طريقهم، ووصلوا إلى الجنوب، وانتشروا في عدة مواقع، وتصدوا للقوات اللبنانية التي كانت تحاول السيطرة على المخيمين.

تابعت عناصر فتح الانتفاضة تهديد الإسلاميين في المخيم وملاحقتهم، فقاموا سنة 1985 باعتقال الشيخ محمد الحاج (أحد أبرز رموز الدعوة الإسلامية في المخيم، وعضو رابطة علماء فلسطين، الذي كان له دور مهم في أزمة نهر البارد في أيار/ مايو 2007، وتعرض لمحاولة اغتيال).

كانت تهمة الشيخ محمد الحاج أنه يجهز مجموعات عسكرية لمهاجمة القوات السورية، فقامت عناصر فتح الانتفاضة بتسليم الشيخ الحاج للسوريين، الذين استجوبوه وأطلقوا سراحه في اليوم ذاته، بعد التحقق من بطلان التهمة.

ومن نتائج هذا الحراك الإسلامي في المخيم أنه أبرز في أواسط الثمانينيات عددا من الدعاة منهم الحاج يوسف عبد المعطي، الذي كان له دور كبير في العمل الدعوي والمسجدي.

حرب المخيمات

عاش أهالي مخيم نهر البارد، ومعهم أبناء الحركة الإسلامية، هموم وتفاصيل الهجمة التي قامت بها حركة أمل ضد المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب، وقام أبناء الحركة الإسلامية في المخيم في ذلك الوقت بعدد من الأعمال منها: تعليق لافتات في المخيم ضد استهداف حركة أمل للمخيمات، ومطالبة الفصائل الفلسطينية الحليفة لسورية بنصرة الشعب الفلسطيني في المخيمات، والطلب من سورية التدخل للضغط على حليفتها حركة أمل، ومطالبة الفصائل الفلسطينية في المخيم بفتح المعسكرات لتدريب الفلسطينيين على السلاح، لمنع اقتحام المخيمات، خاصة أن مجزرة صبرا وشاتيلا ما تزال حية، وأخبار سقوط الضحايا الفلسطينيين في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة تتوارد.

مع الانتفاضة ... والفكرة

في أواسط الثمانينيات ازداد النشاط الدعوي في المخيم من محاضرات وحلقات ودروس دينية، وقمة هذا النشاط كانت سنة 1985، كما نظم أبناء الحركة الإسلامية في المخيم، من خلال المكتبة الإسلامية نشاطا ثقافيا واسعا، شمل محاضرات، ومعارض كتب، وبيع أشرطة كاسيت دينية وأشرطة أناشيد إسلامية، وعروض أفلام فيديو، ووزع الكتاب الذي أصدرته الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين، وتناول شهداءها الذين ارتقوا إلى العلا في مخيم برج البراجنة.

جاء اندلاع الانتفاضة في فلسطين سنة 1987 ليشكل تحولا جذريا في الحراك الإسلامي في مخيم نهر البارد، حيث أثبتت الانتفاضة عمليا ما كان يجول في خاطر رموز الدعوة الإسلامية في المخيم حول إسلامية القضية الفلسطينية، ودور المشروع الإسلامي في فلسطين، وتغيير النهج المعتمد، وخطأ القيادة الفلسطينية في تعاملها عن طريقه نحو فلسطين، ودخلت في مشاريع دولية حول التسوية، وأن قيادة الثورة ترهلت وتراجع زخمها نحو فلسطين.

في سنة 1986 بدأت تتشكل لدى أبناء الحركة الإسلامية في المخيم فكرة تأسيس تنظيم فلسطيني مستقل، وشارك رموز العمل الإسلامي في المخيم في الحوارات والنقاشات التي أجراها رموز العمل الإسلامي الفلسطيني في المخيمات، وكانت تعقد جلسات مطولة في بيروت وصيدا، شارك فيها عدد من رموز العمل الإسلامي في المخيم، كان منهم الحاج عبد الرحيم الشريف، الذي أصبح لاحقا مسؤول العلاقات السياسية لحركة حماس في مخيم نهر البارد وممثلها في اللجنة الشعبية في المخيم.

الأهداف التي رفعتها الانتفاضة في فلسطين، والبرامج التي أطلقتها حركة حماس تماشت مع تطلعات أهالي مخيم نهر البارد وأبناء الحركة الإسلامية فيه، وخاصة من حيث ضرورة الدور الإسلامي الواسع في العمل الفلسطيني، وتشكيل تنظيم إسلامي فلسطيني موحد يعمل من أجل تحرير كامل أرض فلسطين، وعودة اللاجئين، وإزالة الاحتلال الصهيوني، وقبل ذلك يقوم هذا التنظيم في لبنان بتطوير أوضاع المخيمات، والاهتمام بالأحوال الإنسانية للاجئين، وإصلاح أوضاعهم الاجتماعية، وتنمية واقعهم.

تواصل أبناء الحركة الإسلامية مع كل قيادات حركة حماس التي أبعدت إلى لبنان، فأقاموا احتفالا للشيخ خليل القوقا، واستقبلوا المبعدين الأربعة، عماد العلمي ومصطفى قانوع ومصطفى اللداوي وفضل الزهار.

وقام وفد من أهالي مخيم نهر البارد مع رموز الحركة الإسلامية في المخيم بزيارة مخيم مرج الزهور الذي أقام فيه المبعدون سنة 1992، وتم تنظيم دورة لكوادر العمل الإسلامي في نهر البارد في مرج الزهور حاضر فيها الشيخ حامد البيتاوي، رئيس رابطة علماء فلسطين، والشيخ جمال النتشة القيادي في حماس، والدكتور بسام جرار، والمجاهد عز الدين خليل الذي اغتاله الموساد الصهيوني بدمشق في أيلول/ سبتمبر 2004.

واستقبل مخيم نهر البارد، ومعه أبناء الحركة الإسلامية، وفدا من مبعدي مرج الزهور كان من ضمنهم إسماعيل هنية (رئيس الوزراء الفلسطيني لاحقا) الذي أقام في المخيم لمدة ثلاثة أيام التقى خلالها عددا من الأهالي، وجال على أرجاء المخيم، وتعرف مع قيادة حركة حماس على ظروف الحياة فيه.

والتقى أبناء الحركة الإسلامية في المخيم سنة 1990 عبد العزيز العمري، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وأبو أحمد جمال القيادي في الحركة، اللذين زار المخيم وأقاما فيه يومين، لمناقشة الحالة الفلسطينية، والمشروع الإسلامي الفلسطيني، وتأسيس حالة إسلامية فلسطينية مستقلة، وتفعيل دور المجتمع الفلسطيني في الخارج.

عاشرا: مخيم الجليل: إنجازات إسلامية أكبر من الحجم

فعله أكبر من حجمه، هذا القول ينطبق بالكامل على مخيم الجليل للاجئين الفلسطينيين، الواقع في سهل البقاع على مقربة من مدينة بعلبك.

مساحة هذا المخيم صغيرة، لا تتجاوز 42.300 م2 وعدد سكانه 7.709 نسمة، وفق إحصائية وكالة الأونروا لنهاية سنة 2007.

أما الحضور الإسلامي في المخيم والعمل الدعوي، فامتد إلى مساحات واسعة، وشمل مختلف مناحي العمل الإسلامي في جوانبه الدينية والسياسية والاجتماعية، إذ يفتخر أبناء الحركة الإسلامية في مخيم الجليل بأنهم بنوا عملا إسلاميا متطورا وفاعلا من الصفر، وبأنهم قدموا جهدا فكريا ودعويا وجسديا أنتج عملا إسلاميا امتد أفقيا إلى الرجال والشباب والنساء والفتيان والفتيات، وبأنهم أنشأوا مؤسسات إسلامية تحولت إلى منارات، قياسا على ما في المخيمات الأخرى.

يجمع أبناء الحركة الإسلامية في المخيم على أن انتشار العمل الإسلامي في المخيم يعود الفضل فيه، بعد الله سبحانه وتعالى، إلى أربعة رجال من أبناء المخيم، هم الشيخ بسام كايد والشيخ إبراهيم أبو شقرا والشيخ محمد طلوزة والشيخ محمد عبد شحادة، وكل واحد من هؤلاء العلماء ينسب الفضل إلى زملائه الثلاثة ويستثني نفسه، مقللا من أهمية ما قدمه في سبيل الله وخدمة الدين.

لكن أبناء الحركة الإسلامية في المخيم يقرون فيما بينهم بالدور الكبير الذي لعبه الشيخ بسام كايد في الانتقال بالحالة الإسلامية في المخيم من حالة الهدوء والبساطة، إلى حالة تفاعلية نشطة متحركة حققت قفزات نوعية يمكن لأي زائر للمخيم ملاحظتها، كما يمكن لأي مراقب للعمل الإسلامي في المخيم استنتاجها بسهولة.

سافر بسام كايد إلى دمشق ليدرس في قسم الرياضيات والفيزياء في جامعة دمشق، ولم تكن له آنذاك أي ميول إسلامية، لكن في الجامعة تأثر بالنشاط الدعوي للحركة الإسلامية، وأكثر من أثر في تحول الشيخ بسام كايد نحو الالتزام بالإسلام شخصان: الدكتور عبد الغني الطنطاوي مدرس مادة الرياضيات في الجامعة (هو شقيق الداعية المعروف الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله)، والشيخ إسماعيل الكيلاني الذي أهدى بسام كايد مجموعة من الكتب قلبت حياته وغيرت اتجاهه.

وبعد عودته إلى مخيم الجليل، عمل الشيخ بسام كايد والشيخ إبراهيم أبو شقرا جنبا إلى جنب في العمل الدعوي، وكانت أحوال المسجد في مخيم الجليل حينها محزنة، فالمساحة صغيرة، وعدد المصلين لا يتجاوز السبعة، والمسجد بدون إمام أو خطيب دائم معتمد وفي المسجد مكان واحد للوضوء.

العمل المنظم

في يوم جعة من سنة 1977 صعد الشيخ ب سام كايد إلى المنبر، وخطب خطبة صلاة الجمعة، وبعد الانتهاء من الصلاة ذهب المصلون في المسجد إلى منزل الشيخ كايد، وكلفوه بالإمامة والخطابة، ومن هناك بدأت الرحلة، فجمعت التبرعات لتوسعة المسجد وتحسين بنيانه، ونظمت الدروس العامة للتعريف ب الإسلام والتربية، وأنشئ نادي الهدى، الذي اهتم بالمجالات الرياضية والثقافية والاجتماعية، وقد تجاوز عدد أعضاء النادي وقت التأسيس ثلاثين شابا، وضعت لهم برامج دعوية وتربوية، ونظمت لهم جلسات لقراءة وحفظ القرآن الكريم وقيام الليل والصيام والإفطار الجماعي.

كانت علاقة الإسلاميين في المخيم بالفصائل الفلسطينية ودية، وغلب عليها طابع الحوار الفكري والنقاش المعمق الذي كان يسخن ويتوتر أحيانا، لكنه لم يصل في أي يوم إلى التصادم أو الاشتباك، ولكن توتر الوضع ذات مرة بين الإسلاميين في المخيم وفصيل فلسطيني يساري، حين نجح الإسلاميون في دعوة كادر أساسي من هذا التنظيم إلى الإسلام، وبدأ هذا الشاب يواظب على الصلاة في المسجد، والقوى الفلسطينية اليسارية في مخيم الجليل في ذلك الحين كانت مثل نظيرتها في باقي المخيمات، فاتهمت الإسلاميين بالرجعية وبالانتماء للإخوان المسلمين، وهددت وتوعدت.

في سنة 1980 أو 1981 تم تشكيل لجنة للمسجد، وبدأ يراود الإسلاميين الحلم ببناء مجمع إسلامي تربوي ورياضي واجتماعي ضخم على غرار المجمع الإسلامي الذي أسسته الحركة الإسلامية في قطاع غزة سنة 1977، وبدأ حينها يبرز اسم الشيخ أحمد ياسين، وكان الطلاب الفلسطينيون القادمون من غزة للدراسة في جامعات دمشق يرددون اسم الشيخ ياسين، ويتحدثون عن تجربته.

سجل الشباب المسلم في مخيم الجليل مجموعة من الملاحظات على أداء فصائل الثورة الفلسطينية، كانت تتركز على مجموعة القيم التي تفتقد لها الفصائل الفلسطينية، وعلى الأهداف الموضوعة، وعلى الخلل الواضح في تحقيق هذه الأهداف، وأبرز الملاحظات تركزت أيضا على سلوك عناصر هذه الفصائل، خاصة في النواحي الأخلاقية والاجتماعية.

أما في سنة 1979 أو 1980 تعرف الشباب المسلم في المخيم على الحركة الإسلامية المجاهدة، وبايع ثلاثة من هؤلاء الشيخ حامد أبو ناصر أمير هذه الحركة، لكن العلاقة لم تدم طويلا، وانفصل هؤلاء لاحقا عن الحركة.

إثر تداعيات الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 أقام الشباب المسلم في المخيم علاقة جيدة مع حركة أمل، ثم مع عدد من العلماء الذين أسهموا في تأسيس حزب الله، وكانت تجمع الشباب المسلم في المخيم علاقة مميزة بالسيد عباس الموسوي، الأمين العام السابق لحزب الله، والذي اغتاله العدو الصهيوني في شباط/ فبراير 1992، كما أقاموا علاقة جيدة مع الشيخ صبحي الطفيلي، والشيخ محمد يزبك، ومفتي البقاع الشيخ خليل الميس، وعلماء مدينة بعلبك وعائلاتها وهيئاتها الاجتماعية.

حماس ... الأمل

تأثر الشباب المسلم في مخيم الجليل بانطلاقة الانتفاضة الأولى سنة 1987، وبتأسيس حركة حماس في تلك الفترة، واعتبروا أن ذلك يمثل قفزة مهمة في المشروع الإسلامي العام، وبداية لحضور إسلامي فاعل في الواقع السياسي، وأن الإسلاميين في فلسطين حاضرون بقوة، ومؤثرون في التوجهات السياسية.

الانتفاضة في فلسطين وتأسيس حركة حماس أعطيا دفعا قويا للعمل الإسلامي في مخيم الجليل، وعمقا الشعور بالانتماء، ورفعا مستوى التعبئة، فانطلق الشباب المسلم في المخيم لإقامة الندوات والمسيرات، ونظموا الوفود لزيارة مخيم المبعدين في مرج الزهور، ثم استضافوا عددا منهم.

تقاربت رؤية الشباب المسلم في مخيم الجليل مع ما طرحته حماس: البرنامج الإسلامي، ومشروع التحرير، وخيار المقاومة، وإسقاط نهج التسوية، وإصلاح اجتماعي وتربوي، وتنمية اجتماعية، فكل هذه العناوين دفعت الشباب المسلم في المخيم إلى التماهي مع سياسات حماس ومواقفها.

واليوم نجد للحركة الإسلامية في مخيم الجليل نفوذ واضح، يتمثل في شعبيتها داخل كافة شرائح المخيم، وفي استقطابها للفتيان والفتيات، وتمثيلها لآمال الناس وطموحاتهم، وابتعادها عن لغة الصدام والاشتباك، وإصرارها على مواقفها وحدودية تجمع أبناء المخيم وقواه.

عزز الإسلاميون وجودهم في المخيم من خلال العطاء التربوي والإصلاح بين الناس، وتحملوا مسؤولياتهم في المحافظة على أمن المخيم واستقراره، وتمكنوا من تجاوز محطات كثيرة لضرب المسيرة الإسلامية أو تعطيلها أو حرفها عن مسارها.

ومن يزور مخيم الجليل يوم الجمعة، يدرك انتشار الإسلام بين رجال المخيم ونسائه وشبابه، فالحلقات القرآنية وحدها تضم مئات الشباب والشابات.

أشد أزمة يعانيها أبناء الحركة الإسلامية في المخيم هي الأزمة ذاتها التي يعانيها أبناء المخيم ... فالظروف الاقتصادية الصعبة تطغى على كاهل اللاجئ الفلسطيني في المخيم، فالعمل قليل والأجور متدنية، ونفقات الحياة صعبة، والمناخ حار صيفا وبارد جدا شتاء، يحيل حياة الناس إلى جحيم، ويهدر أموالهم على شراء المازوت للتدفئة في أغلب شهور السنة.

هذه العوامل الصعبة تدفع أبناء المخيم إلى الهجرة، والبحث عن فرص عمل، مما يستنزف أبناء الحركة في المخيم، ويضطرهم للهجرة.

لكن هؤلاء يفتخرون في الوقت نفسه أنهم أردفوا العمل الإسلامي في أكثر من دولة في العالم وداخل لبنان بعدد من الكوادر في مختلف المجالات.

تبقى قضية واحدة، وهي أن زائر مخيم الجليل يقف مندهشا أمام صرح إسلامي في المخيم، هو المجمع الإسلامي الذي يضم مركزا لتحفيظ القرآن الكريم، ومستوصفا، ومسجدا، ومشروعا لكفالة أيتام، ومشروعا للقرض الحسن، وقاعة للمسرح، وبرامج الأشغال اليدوية، وهو إنجاز إنساني يفتخر الإسلاميون في المخيم به.  

الفصل الثاني حماس: النهضة والتجديد

أولا: الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين

في أواسط الثمانينيات، توزع الإسلاميون في مخيم برج البراجنة إلى فئتين:

• المنتسبون إلى الجماعة الإسلامية، وهم الفئة الكبيرة والمنظمة، والتي لها امتداد خارجي، ومؤطرة في لجان وبنية تحتية، ولها عمل ثقافي واجتماعي ورياضي وعسكري.

• مجموعة من أبناء المخيم، التزموا ب الإسلام أواسط السبعينيات، وتمتعوا بمستوى أخلاقي وتربوي، لكن ليس لهم بنية تنظيمية، فهم مجموعة من الأصدقاء، وبعضهم كان منضويا مع فصائل الثورة الفلسطينية، لكنهم يمتلكون فكرا إسلاميا وثقافة دينية، ولهم علاقات شعبية جيدة داخل المخيم.

عناصر كثيرة في الثمانينيات أسهمت في تقارب أبناء الجماعة الإسلامية مع المستقلين، منها: الهموم المشتركة، والمصلحة الدعوية، ومساعدة مجتمع المخيمات، والتقارب الفكري والسياسي، وهموم مواجهة الاعتداءات على المخيمات والتصدي لنتائجها، لذلك، طرح أبناء الجماعة الإسلاميةعلى مجموعة الإسلاميين صيغة التقارب في إطار جبهوي موحد، فكانت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين، التي أعلن عنها رسميا أواخر سنة 1985 في مسجد فلسطين في مخيم برج البراجنة، وإن كانت هذه الرابطة قد تشكلت من حيث الدور والمفهوم والغاية في بداية العام نفسه، وصارت الرابطة حاضرة في وعي الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة، وأصبحت الناظم لأعمالها منذ بداية سنة 1985، لكن أحداث حرب المخيمات في 20/ 5/ 1985 ساعدت في ظهورها إلى العلن.

حددت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين الإطار السياسي لمشروعها في مجموعة من المحددات والعناوين، صدرت سنة 1985 في كتيب خاص ووحيد جاء فيه ما يلي:

قضية فلسطين بالنسبة لنا نحن المسلمين ليست مجرد قضية سياسية عارضة، ولا خلاف حدود أو هوية أو نظام ... إنها أرض مقدسة، اغتصبها أعداء الله والإنسانية، والإسلام لا يقبل الاغتصاب ولا يقره.

لذلك فإن تحرير فلسطين لا بد أن يكون مغروسا في وعي كل مسلم، ولا سيما الشعب الفلسطيني المشرد ... على أنه واجب شرعي، هدفنا فيه هو التحرير الكامل، واستعادة الأرض المغتصبة.

انطلاقا من هذا المفهوم، ومن واقع قضيتنا اليوم، وإيمانا بضرورة العمل الجاد من أجل استعادة فلسطين، ومن أجل العمل على إعداد الجيل المؤمن المؤهل عقيدة وفكرا وسلوكا وجهادا في سبيل الله، من أجل هذا كانت رابطتنا، الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين ... الجهاد سبيلنا، والشهادة أمنيتنا، والقدس موعدنا بإذن الله.

تكونت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين من مجلس تنفيذي يضم ثمانية أشخاص، ومجلس شورى من ثلاثين شخصا، وترأس الرابطة الأخ (خ) وهو من أبناء الجماعة الإسلامية، وهو شخصية قيادية وله علاقات شعبية واسعة.

وتشكل إلى جانب هذه الهيكلية التنظيمية (مجلس القيادة ومجلس الشورى) قوة عسكرية من ستين شخصا من أبناء الجماعة الإسلامية والمستقلين، الذين اندمجوا في الرابطة، ومهمة هذه القوة العسكرية حماية الرابطة وقرارها وقيادتها من أي رد فعل قد تقوم به جهة فلسطينية ترى نفسها متضررة من هذا التشكيل الجديد. وفي الهجمات التي شنتها عناصر حركة أمل سنة 1985، دافعت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين عسكريا عن مخيم برج البراجنة، وقاوم أعضاؤها بشراسة، وسقط عدد منهم شهداء في مواجهة تلك الهجمات.

أقامت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين عددا من المراكز العسكرية في المخيم، أهمها ما يعرف بمحور "البناية الصفراء" على طرف المخيم قرب محلة العنان، وعلى محور المهنية العاملية، وعلى محور المدخل الشرقي للمخيم من جهة طريق المطار، وكان للرابطة موقع عسكري فاعل وقوي في بناية سليم على الجهة الشرقية للمخيم.

سجلت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين موقفها من حرب المخيمات، وكيفية التعامل معها، من خلال هذا النص الذي جاء في كتيب خاص ووحيد صدر عن الرابطة بعد حرب الشهر، التي وقعت في أيار/ مايو 1985، وجاء فيه:

في اليوم الأول من شهر رمضان (1406هـ) فوجئت المخيمات الفلسطينية حول بيروت بحصار تضربه مجموعات كثيفة من المسلحين، ثم كانت معارك طاحنة بكل أنواع الأسلحة، الغرض منها اقتحام المخيمات وتركيع سكانها الآمنين.

بدأت المعركة في صبرا وشاتيلا، ثم امتدت إلى برج البراجنة ... وكان الخيار الوحيد أمام الشباب داخل المخيمات هو أن يدافع عن كرامته وأهله والأطفال والنساء الآمنين في المخيمات.

لذلك، فقد تداعى الشباب المؤمن في مخيم برج البراجنة المنتظم في إطار "الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين" للدفاع عن المخيم مع كل أبنائه، فكان أن صمد المخي في وجه الهجمة الشرسة والقصف المدفعي والدبابات، التي دفع بها جيش السلطة إلى المعركة.

وهذه الوريقات ليست تسجيلا لكل بطولات الشهداء في المخيمات، إنما هي جهد متواضع قامت به الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين، وصرخة وفاء لإخوة التقوا على الله، جمعهم المسجد، ثم موقع المواجهة على جنبات المخيم، ومن هذا الموقع كانت ولادة الرابطة، ليست تنظيما جديدا يضاف إلى سجل التنظيمات الفلسطينية، ولكنها محاولة جادة من أجل إعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الحقيقي.

فمن أجل أن يكون لأصحاب القضية الحقيقيين صوت وراية، ومن أجل أن يكون لهم وجود متميز عن كل المحاور المتصارعة المتنازعة، ومن أجل أن يحدد شعبنا المشرد المضطد طريقه إلى التحرير ... كانت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين ... وكان شهداؤنا في برج البراجنة.

إن مسيرتنا بدأت ... ولقاؤنا الأقصى بإذن الله.

أهم أعمال الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين أثناء حرب المخيمات، التي استمرت من 1985 إلى 1988، الدفاع عن مخيم برج البراجنة، والتصدي للمهاجمين، وفرز عناصر ومجموعات إلى محاور المواجهة، والتمدد عسكريا إلى محيط المخيم، واحتلال عدد من المواقع التي استخدمت للهجوم على المدنيين الفلسطينيين، مثل "بناية زبد" على شارع جمال عبد الناصر، و "المربع" (وهو مجموعة من الأبنية المتلاصقة والمرتفعة) قرب محلة العنان، وأعالي التلال المحيطة بالمخيم، من الأعمال التي قاموا بها أيضا حفر خندق تحت الأرض لسحب مادة المازوت من محطة زين الدين شرقي "المربع"، وتزويد مولد الكهرباء في مستشفى حيفا بهذه المادة، حيث كان المولد يستخدم لإجراء العمليات للجرحى، وتوزيع آلاف الحصص الغذائية على المتضررين، وتوزيع مساعدات مالية على أهالي الشهداء والجرحى، وتعويض أصحاب المنازل المهدمة أو المتضررة.

كثير من الناس لا يعرفون أن تأسيس الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين سنة 1985 في مخيم برج البراجنة في بيروت، كان امتدادا لتأسيس روابط ونواد وجمعيات إسلامية فلسطينية في العالم، في إطار التوجه الذي بدأته حركة الإخوان المسلمين في أواسط السبعينيات، لإطلاق المشروع الإسلامي الفلسطيني، الذي كان امتداده حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين، والتي نشأت في 14/ 12/ 1987.

وشهدت الثمانينيات تأسيس وإطلاق مجموعة كبيرة من أذرع العمل الشعبية في العالمين العربي والإسلامي، وفي أوروبا، والقارة الأمريكية.

لم تخل مسيرة الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين في برج البراجنة من أخطاء، فقد رفض الانضمام إليها أبناء الجماعة الإسلامية في بعض المخيمات في جنوب لبنان، لأنهم يريدون صيغة أكثر تمثيلا، وأسهمت حروب المخيمات الكثيرة مع حركة أمل، والحرب بين جماعة فتحياسر عرفات وجماعة فتح الانتفاضة التي يقودها العقيد أبو موسى، والتي اندلعت سنة 1988 في بيروت، والنتائج المؤلمة لكل هذه المعارك، والهجرة من المخيمات في بيروت، في تفكيك الرابطة وانتهاء هذا المشروع، لكن يذكر أهالي المخيم نزول أبناء الرابطة في مسيرة مدنية سلمية للفصل بين جماعتي عرفات وأبو موسى وذلك سنة 1988 إثر المعارك العنيفة التي دارت بينهما في أزقة المخيم، حيث بدأت القنابل تنهمر من الطرفي على الإسلاميين الساعين إلى وقف العنف ووقف إطلاق النار وحماية المدنيين، لكن قرار الحرب لم يكن بيد هذين الفريقين، بل كان امتدادا لنزاع إقليمي ودولي، ظهرت نتائجه لاحقا في سنة 1991 في مؤتمر مدريد وفي اتفاق أوسلو سنة 1993.

ثانيا: الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين

توقفت حرب المخيمات في شهر شباط/ فبراير سنة 1987، بعد رعاية دمشق لوقف إطلاق النار، ودخول القوات السورية إلى بيروت، وسمح لأبناء المخيمات الفلسطينية المحاصرة منذ عامين بالخروج، فأقام معظمهم في منطقتي الروشة والحمرا، وهاجر عدد منهم إلى الدول الأوروبية مثل السويد والدانمارك والنرويج.

اضطر مئات الطلاب الفلسطينيين من كافة مناطق لبنان، بعد انتهاء الحرب، إلى الإقامة في مدينة بيروت، لمواصلة تحصيلهم العلمي، مما ولد حاجة إلى رعاية هؤلاء واحتضانهم، خاصة وأنهم خارجون من حرب منهكة، ويعاون أوضاعا اجتماعية ومالية صعبة، وكانت الظروف في المخيمات بعد الحرب لا تسمح بحياة جيدة، بسبب الدمار، وانقطاع الخدمات، وحالة الألم على فقدان الأقارب والأصدقاء، وظروف المعاناة النفسية وهي الأصعب. توقفت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين بسبب الأوضاع الكثيرة الناشئة، غير أن المشروع الذي دفع لإنشاء وتأسيس الرابطة لم يتغير فالمشروع الإسلامي الفلسطيني كان قد بدأ يتشكل منذ سنوات، ومن الطبيعي أن يمتد إلى لبنان لما يمثل الفلسطينيون فيه من بعد سياسي واجتماعي، فكان توجه الحركة الإسلامية في بيروت يميل إلى الاستمرار في المشروع، والتحول إلى العمل في إطار طلابي جديد لأسباب كثيرة، من أهمها انتقال عدد من كوادر الحركة الإسلامية من الطلاب من مخيمات بيروت ولبنان إلى مدينة بيروت نفسها، والتفرغ للتحصيل العلمي، واستمرارا للأهداف السياسية والدينية التي بدأتها الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين.

طوال شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر من سنة 1987 جرت حوارات ومناقشات مكثفة في منزل الأستاذ إبراهيم المصري، رئيس المكتب العام في الجماعة الإسلامية، ومن ثم انتقلت بعض جلسات الحوار إلى منزل الشيخ فيصل مولوي: أحد قادة الجماعة الإسلامية وأمينها العام لاحقا، وكانت هذه الحوارات تتركز حول تأسيس إطار طلابي فلسطيني، أخذ اسم الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين.

هذه الحوارات حضرها من الفلسطينيين (خ)، وكمال مرة، ونزار الحسين، وسمير عبد الله، وسمير عطوة، ورأفت مرة، وتوصلت إلى وضع صيغة إدارية تنظيمة لهذه الرابطة، التي كانت على تواصل مع الحركة الإسلامية الفلسطينية في الخارج من خلال الأستاذ إبراهيم المصري.

حددت أهداف الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين في "نشر الرسالة الإسلامية عقيدة وسلوكا ومنهج حياة، رفع المستوى التربوي والكفاءة التعليمية للطلبة الفلسطينيين، طرح القضية الفلسطينية طرحا إسلاميا، تنمية روح الأخوة والتعاون والمحبة بين الطلبة، الاهتمام بشؤون الطلبة على حل مشاكلهم، التعاون مع القوى الطلابية الفلسطينية واللبنانية والإسلامية".

كما أدارت الرابطة عددا من البرامج منها:

• البرنامج التعليمي: ويهدف إلى تنظيم دورات تقوية لطلاب المدارس في المرحلتين الثانوية والمتوسطة، وتقديم المساعدات العينية للمدارس العاملة في المجتمع الفلسطيني، وتوعية الأهالي، وتكريم المعلمين.

• البرنامج السياسي: ويشمل متابعة تطورات القضية الفلسطينية، وتوجيه الطلاب والأهالي نحو المواقف السياسية التي تحقق أهداف الشعب الفلسطيني.

• البرنامج الاجتماعي: ويهدف إلى تقديم المنح المدرسية والمساعدات التعليمية للطلاب.

بدأت الرابطة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1987، وبعد شهرين انطلقت الانتفاضة في فلسطين في 8/ 12/ 1987، وأصبح عمل الرابطة يتمحور حول نقطتين، العمل التربوي والتعليمي والنشاط الاجتماعي في صفوف الطلاب، ومساندة الانتفاضة في فلسطين، خاصة وأن الرابطة هي امتداد للحركة الإسلامية التي فجرت الانتفاضة، والتي كانت بحاجة إلى دعم ومساندة في كافة الأٌقطار.

وخلال فترة وجيزة بنت الرابطة لجان عمل في جامعة بيروت العربية، ثم امتدت إلى جامعة بي يو سي BUC ، المعروفة اليوم باسم الجامعة اللبنانية الأمريكية LAU وأسست لجنة للعمل سنة 1988 في الجامعة الأمريكية AUB ، حيث فازت في انتخابات النادي الثقافي الفلسطيني سنة 1990 بأغلبية المقاعد، وبمقعدين من أصل خمسة سنة 1991.

ونظمت الرابطة الأنشطة التربوية والثقافية والسياسية في الجامعات، مما ساعدها على الانتشار في صفوف الطلاب الفلسطينيين، وتحولت إلى مرجع للعمل الطلابي الفلسطيني، وبنت علاقات وثيقة مع مختلف القوى الفلسطينية، والأحزاب اللبنانية، والمرجعيات الدينية في لبنان.

اجتهدت الرابطة سنة 1992 في التحول إلى مؤسسة، فأجريت فيها الانتخابات واختير مجلس للشورى، وجرى التواصل مع أبناء الحركة الإسلامية في مخيمات لبنان، فاتسع عمل الرابطة وامتد إلى صيدا وصور والبقاع وشمالي لبنان، وأدخلت سنة 1994 تعديلات على نظام الرابطة، لضم مسؤولي المناطق إلى الهيئة الإدارية، التي كانت تتشكل من تسعة أعضاء.

على الصعيد التربوي لعبت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين دورا كبيرا في العملية التربوية، فنظمت دورات تقوية لطلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية، وقدمت منحا دراسية لطلاب جامعيين، ووزعت إرشادات لتطوير الأداء التربوي، كما نظمت وشاركت في ورش عمل لتطوير الواقع التربوي الفلسطيني، ونظمت مسابقات دينية وتربوية، وأقامت مخيمات صيفية، وقدمت مساعدات عينية للطلاب المحتاجين ولمدارس الأونروا، وأقامت حفلات لتكريم الطلاب الناجحين، ونظمت رحلات هادفة.

النشاط الأبرز للرابطة كان في المجالين السياسي والإعلامي من خلال الأعمال التي نظمت، وبالأخص رفض مؤتمر مدريد سنة 1991، ورفض اتفاق أوسلو سنة 1993، ودعم المقاومة في فلسطين عبر المسيرات والمهرجانات والمحاضرات والبيانات والإصدارات الإعلامية الكثيرة التي امتازت بها الرابطة.

جرى أول اتصال مباشر بين الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين وحركة حماس في شهر كانون الأول/ ديسمبر سنة 1990، أثناء زيارة قياديين من حركة حماس إلى بيروت هما: عبد العزيز العمري (عزت الرشق)، وأبو أحمد جمال، اللذان التقيا الهيئة الإدارية في الرابطة، واطلعا على أعمالها بالتفصيل، وحددا طبيعة التعاون في المستقبل، واستمرت جولة العمري وجمال في لبنان عدة أسابيع، وشملت المخيمات الفلسطينية، وقيادة العمل الإسلامي فيها.

حظيت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين باحترام وتقدير كافة الجهات الفلسطينية والتربوية والحزبية اللبنانية، واعتبروها واجهة لعمل حماس في لبنان، وجهة تمثل الحركة ومواقفها، خاصة وأن الرابطة استطاعت أن تبرز سياسيا وإعلاميا، وأن تعبر عن تصور حماس ومواقفها من مختلف القضايا المطروحة.

ترأس الرابطة (خ) (19871988) وفي رئاسته أسست الرابطة في الجامعات، وناصر مرة (19881989) وكمال مرة (19891991) وفي رئاسته وضع النظام الداخلي والهيكلية، ورأفت مرة (19912000) وخلال رئاسته برز الدور السياسي والإعلامي للرابطة، وامتدت إلى كافة المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتوثقت العلاقة بشكل مباشر مع حركة حماس وقيادتها، وجرى التفاهم على أكثر من محور للعمل، وبين سنتي 2000 و 2001 أعيدت هيكلة الرابطة، ومن ثم جرى انتخاب أحمد عزام رئيسا لها من سنة 2002 إلى 2005.

وبرز من قادة الرابطة الأساسيين سمير عطوة، وياسر قدورة، وفريد وحيد، وفهد حسين، وفتح شريف، وحسن فريحة، وأحمد إبراهيم، وسمير عبد الله، ومحمد الأسعد.

وأصدرت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين نشرة نصف شهرية باسم "الإسراء"، أشرف على إدارتها ياسر قدورة، وياسر علي.

اتسع التعاون بين الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين وحركة حماس، واستثمرت الرابطة نشاطها السياسي والجماهيري والطلابي، ومساندتها للمبعدين إلى مرج الزهور سنة 1992، ورفض الحرب التي شنت على الانتفاضة في فلسطين بعد دخول السلطة الفلسطينية سنة 1994 إلى قطاع غزة، في مد جسور حركة حماس إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث كان للرابطة دور كبير في تأطير الحضور الشعبي لحماس في لبنان، والذي ازداد بعد انتفاضة الأقصى سنة 2000.

وأسهمت الرابطة بشكل أساسي وفاعل في التواصل ما بين حماس واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، من خلال استضافتها مسؤولي الحركة في أنشطة سياسية ومحاضرات وندوات، ومن خلال نسج علاقة بين اللاجئين و حماس أخذت بعد سنة 2000 أبعادا تنظيمية مختلفة.

ثالثا: الدور السياسي للرابطة وعلاقته بحماس

المدقق في تاريخ الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين يجد أنها ومنذ تأسيسها رفعت شعار "نواة العمل الطلابي الإسلامي من أجل تحرير فلسطين" وأن شعارها الأول يتشكل من كتاب وخريطة فلسطين وبندقية وراية إسلامية.

قد يكون مستغربا وجود بندقية في شعار مؤسسة طلابية تربوية، لكن معرفة الحقيقة تزيل هذا الالتباس، فالرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين، التي تأسست وانطلقت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1987 أتت استكمالا لمسيرة الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين، لا بل إن ميثاق الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين ينص على أن للرابطة عدة أذرع عمل، ويشير إلى أن من أذرع العمل في المستقبل الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين.

والرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين، التي تأسست سنة 1985، كان من المقرر أن تكون إطارا إسلاميا فلسطينيا، يجمع في إطار واحد أبناء الحركة الإسلامية، وكافة المجموعات الإسلامية الأخرى التي تلتقي سياسيا وفكريا على هدف تحرير فلسطين، ومقاومة الاحتلال، وعودة اللاجئين، وبناء قيادة فلسطينية جديدة مغايرة للقيادة التي انحرفت بمسار الثورة الفلسطينية.

لذلك، فإن المشاورات التي بدأها أبناء الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة لتأسيس الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين سنة 1985، شملت قيادات الحركة الإسلامية في المخيمات الفلسطينية في الجنوب (صيدا و صور) ومخيم شاتيلا في بيروت والرموز الإسلامية في منطقة بيروت، وكل هذا حصل في الفترة القليلة التي فصلت ما بين انسحاب الاحتلال الصهيوني من مدينة صيدا في 16/ 2/ 1985، وبدء حرب المخيمات في 20/ 5/ 1985، ولم تكن هذه المدة كافية لإعلان الرابطة بتوافق إسلامي أكبر من الذي حصل، وذلك بسبب التداعيات التي أفرزتها حرب المخيمات على الفلسطينيين في لبنان.

إذًا، المنطلقات التي تحركت في إطارها الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين كانت منطلقات فلسطينية وطنية دينية سياسية عامة، ولم تكن منطلقات تربوية تعليمية فحسب، بل كانت أشبه بما يمكن تسميته بالمرحلة الانتقالية ما بين إطار حالي إسلامي موجود لا يعبر بشكل كاف عن الخصوصية الفلسطينية، وما بين إطار إسلامي فلسطيني موحد، يعمل على بنائه في أطر الحركة الإسلامية في مختلف الدول، هذا الإطار ( حماس ) الذي أعلن عن تشكيله في 14/ 12/ 1987، أي بعد شهرين من تأسيس الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين.

مفاهيم الرابطة

الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين انطلقت من قاعدة أن أرض فلسطين أرض إسلامية، وأن تحريرها هو واجب جميع أبنائها وأبناء الأمة، وأن لا مساومة على موقع فلسطين التاريخي والحضاري والديني، وأن مساحتها الجغرافية وفق حدودها الطبيعية هي حق لشعبها بغض النظر عن موازين القوى السائدة وأن النضال الفلسطيني هو مراحل مستمرة، وهو توالد طبيعي للشعب الفلسطيني الذي أنجب المجاهدين وخاض ثورات متواصلة، التقت كلها على هدف التحرير، ومواجهة المشروع الاستيطاني، وكافة أشكال الاحتلال، وأن الانحراف عن مسيرة تحرير فلسطين يعني المنحرفين فقط، وهو أمر لا يلزم باقي أبناء الشعب الفلسطيني المتمسكين بحقوقهم.

وتحركت الرابطة في إطار الالتزام بالشرعية الإسلامية، والعمل وفق القواعد الدينية ذات المنهج الوسطي، وبهدف التمكين لدين الله، ونشر الدعوة الإسلامية، وبناء المجتمع الملتزم بالإسلام المخلص لله، الذي يسير على هدي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وصحبه الكرام، مع ما يصاحب ذلك من التزام ديني في العبادات والأحكام والمعاملات.

وانطلقت الرابطة من قاعدة ضرورة إحداث نهضة في المجتمع الفلسطيني في لبنان، بهدف إصلاحه وتحقيق تقدمه، ومعالجة أبرز المشاكل التي يعاني منها، وخاصة على الصعد التربوية والاجتماعية والحياتية.

واستندت الرابطة إلى شعار الشراكة الفلسطينية الحقيقية بين جميع القوى كأساس لإصلاح الوضع الفلسطيني، وأداة سياسية في مشروع النهوض الفلسطيني في لبنان، الذي يجب أن يتكامل مع المشروع الفلسطيني في الداخل الهادف إلى المقاومة والتحرير.

وانفتحت الرابطة في علاقاتها وأنشطتها وتحالفاتها على كافة القوى الفلسطينية واللبنانية، وتماهت الرابطة بالكامل مع مشروع حركة حماس، الذي يعتمد نهج المقاومة، ورفض التسوية والتمسك بالحقوق، وحشد طاقات الشعب والأمة في مشروع المقاومة والتحرير.

بهذه المفاهيم تحولت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين في لبنان إلى عنصر فلسطيني إسلامي فاعل في المعادلة الفلسطينية، فرض نفسه على الخريطة السياسية، وقدم إنجازات سياسية ووطنية كبيرة، وبنى علاقات مع كافة الأطر الفلسطينية في لبنان، وتحول إلى مرجعية طلابية، وعبر بأكثر من شكل عن مصالح الفلسطينيين في لبنان ومواقفهم وتطلعاتهم، تجاه قضيتهم الأساسية أو اتجاه قضاياهم في لبنان.

وكان من الطبيعي أن تتعرض الرابطة لانتقادات فلسطينية ولردود فعل سلبية، خاصة من جهات فلسطينية تعارض الإسلاميين من حيث المبدأ، أو تعارض تشكل أطر سياسية – شعبية تنافسها أو تعارض خطها السياسي ومواقفها.

ونظرا لما تعرضت له الرابطة من ردود فعل، فقد أصدرت سنة 1993 نشرة خاصة تضمنت عددا من مواقفها الأساسية، وجاء فيها:

تعتبر الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين أن الدعوة للإسلام في سلم أولويات عملها، اعتقادا منها بأن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتم إلا بالإسلام، كما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "تلقاكم يهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا عبد الله، يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله". رواه البخاري. أما الأهداف: فهي منازلة الباطل وقهره ودحره، ليسود الحق، وتعود الأوطان، ويعود الناس والأشياء كل إلى مكانه الصحيح.

وأن:

الوطنية من وجهة نظر الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين جزء من العقيدة الدينية، ليس أبلغ في الوطنية ولا أعمق من أنه إذا وطئ العدو أرض المسلمين فقد صار جهاده والتصدي له فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وإذا كانت الوطنيات المختلفة ترتبط بأسباب مادية وبشرية وإقليمية، فوطنية الرابطة الإسلامية لها كل ذلك، ولها فوق ذلك، وهو الأهم أسباب ربانية تعطيها روحا وحياة، حيث تتصل بمصدر الروح وواهب الحياة، رافعة الراية الإلهية لتربط الأرض بالسماء برباط وثيق.

وحول العاملين على الساحة الإسلامية والوطنية ذكرت الرابطة في نشرتها أن: جميع العاملين على الساحة الإسلامية والوطنية هم إخوة لنا، يجمعنا وإياهم درب واحد محفوف بالشوك والمصاعب، ولا مجال لاجتيازه إلا بالتكاتف والتعاون على الخير، ونبذ كل الخلافات ومعالجتها بالحكمة والروية، من أجل أن تحفظ وحدة شعبنا وأمتنا الإسلامية من المخاطر المحدقة بها، فالرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين تمد يدها إلى كل العاملين والمخلصين، من أجل التنسيق في سبيل تحقيق هذه الأهداف، أما إذا كان الحديث عن مبادئ فليس في وسع الرابطة أن تجعل من مبادئها مادة للمناورة عند أي لقاء مع الآخرين، ولكن الحركات التي لا تتفق مع الرابطة في المبدأ والمنطلقات، فنحن نمتلك أكثر من منطقة تقاطع معها على ساحة العمل الفلسطيني، ولا بد من توسيع هذه المناطق وتعزيزها.

وحول علاقتها بغير المسلمين رأت الرابطة "منهج الإسلام يتسع للبشرية جميعا، وكل فلسطيني له مكان تحت مظلة الإسلام، ففي ظل الإسلام يمكن أن يتعايش أتباع الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، في أمن وأمان، وتعتبر الرابطة الأقليات العرقية والدينية شركاء في الوطن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين ما أخلصوا".

وحول التباين في المواقف مع قوى فلسطينية وعلاقاتها الوطنية، أكدت الرابطة أنها "لا تعتبر من لا يتبنى أسلوبها في العمل من أجل تحرير فلسطين، وتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني، خارجا عن الوحدة الوطنية، كما لا تقبل أن يتهمها أحد بهذه التهمة إن رفضت هي تبني أسلوب غيرها في التعامل مع القضية الفلسطينية". وفي ردها على المتحاملين قالت:

إن البعض يتحامل على الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين متهما إياها بشق الصف، والخروج على الإجماع الوطني تارة، وأنها تطرح طرحا إسلاميا بحتا لا يمكن أن يحقق تطلعات الطلبة الفلسطينيين على مختلف توجهاتهم تارة أخرى، ولا شك أن من يردد مثل هذا هو أحد اثنين: إما مخلص لم يطلع على مبادئ الرابطة، وإما كاره لأي جهد من أجل فلسطين والشعب الفلسطيني يبذل باسم الإسلام، أما الأول فقد وضعنا بين يديه المبادئ الأساسية للرابطة حتى لا يقع في الخطأ نفسه مرة أخرى، وأما الثاني فليس لنا أن نقول له إلا كما كان يقو الرسول عليه الصلاة والسلام، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.

في سنة 1988، نجحت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين، بالتعاون والتنسيق مع الأطر الطلابية للفصائل الفلسطينية في بيروت، بتشكيل تجمع الطلبة الفلسطينيين في لبنان، وهو معني بالدفاع عن مصالح الطلاب الفلسطينيين في الجامعات، وبتنسيق مواقفهم وأنشطتهم السياسية والتربوية، ورفضت الرابطة إبعاد مجموعة فتح الطلابية (بزعامة ياسر عرفات) عن هذا التجمع، غير أن قوى طلابية أخرى تمسكت وتشددت في الرفض بشكل بات يهدد فكرة وأساس وهدف التجمع، وربما كان السبب الأبرز لرفض انضمام طلاب فتح – عرفات إلى التجمع ملاحقة القوات السورية لهم في ذلك الوقت، إضافة للخلافات السياسية الفلسطينية الحادة، التي أحدثت الانشقاق المعروف في جسم حركة فتح سنة 1983.

أهم مواقف الرابطة

بالعودة إلى وثائقها، فقد رأت الرابطة في بيان لها بتاريخ 21/ 1/ 1988 حول انتفاضة الحجارة، أن "المارد الإسلامي انطلق من جديد ... وأن القضية الفلسطينية قضية حية يجب أن تتوحد في سبيلها كل الطاقات المادية والمعنوية ... وأن لغة الجهاد هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الغاصب ... وأنه لا مجال للمعاهدات السلمية الاستسلامية".

وحول إعلان الدولة الفلسطينية من قبل منظمة التحرير سنة 1988، رأت الرابطة الإسلامية أن "إعلان الدولة جاء استجابة لضغوط الدول الكبرى، وبعد تنازلات هامة من قبل منظمة التحرير، التي أعطت بهذا الإعلان صفة الشرعية لإقامة الكيان الصهيوني". ودعت إلى "الاستمرار في طريق الانتفاضة" وأعلنت "رفضها مبادرات السلام مع الكيان الصهيوني".

وعن مؤتمر مدريد للتسوية سنة 1991 أصدرت الرابطة بيانا، بتاريخ 30/ 10/ 1991، جاء فيه:

1 – إن أرض فلسطين إسلامية عربية من البحر إلى النهر ومن الشمال إلى الجنوب، والقدس الشريف عاصمتها التاريخية إلى الأبد، والأٌقصى المبارك عزنا وفخرنا.

2 – رفضنا المطلق للمؤتمر، ومحاربتنا الشديدة لأهدافه مهما كانت الذرائع والبراهين، وندعو جماهير شعبنا إلى رفض هذا المؤتمر جملة وتفصيلا، ومحاربة أهدافه ومقرراته ونتائجه، وندعو إلى الوحدة في هذا الرفض حتى نتمكن من إجهاضه.

3 – إن أرض فلسطين المباركة ليست ملكا لمنظمة ولا لهيئة ولا لوفد مشترك أو غير مشترك، وليس لأحد الحق في بيعها أو التنازل عن ذرة واحدة من ترابها الطاهر، ولا يملك أحد الوصاية على شعبها.

4 – نحذر كل المتنازلين والمساومين على قضيتنا الكبرى – فلسطين – بأنهم لن ينجوا من عذاب الله وعقابه، ولا من لعنة الجماهير وغضبهم.

5 – إن المفاوضين ليسوا ممثلين لشعبنا الفلسطيني المجاهد، وهم لا يمثلون إلا أنفسهم.

6 – ندعو إلى الجهاد في سبيل الله بكافة الوسائل حتى تحرير أرضنا، ونؤكد على وجوب دعم الانتفاضة وتفعيلها بالدم والنار، وستبقى الحرب بيننا وبين العدو المحتل قائمة، والنصر آت بإذن الله.

وإثر الانقسامات والإشكاليات التي أحدثتها قيادة منظمة التحرير في الساحة الفلسطينية من خلال توجهها للاعتراف بالاحتلال وللإقرار بشرعيته، أصدرت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين بيانا بتاريخ 24/ 8/ 1993 رأت فيه:

أن السبيل للخروج من المأزق الذي تواجهه منظمة التحرير يتمثل في الانسحاب النهائي من المفاوضات، والبدء بحوار فلسطيني تشارك فيه جميع القوى الوطنية والإسلامية والهيئات والشخصيات المستقلة، وتشكيل قيادة جماعية تعيد التمسك بالأرض الفلسطينية وبالمقاومة وبالثوابت، وتعمل على إيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها شعبنا.

ورأت أن:

منظمة التحرير الفلسطينية تمثل إنجازا هاما في تاريخ شعبنا، ونحمل القيادة مسؤولية أي انهيار في جسم المنظمة، وندعوها للتنحي جانبا وترك المجال أمام المخلصين لبناء المنظمة وفق أسس ديمقراطية، تتمثل في قيام شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج باختيار ممثليه إلى المجلس الوطني، وإعطائه الصلاحية الكاملة للإشراف على مسيرة الشعب الفلسطيني نحو تحرير أرضه من العدو المغتصب.

وتعليقا على قيام المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1998، الذي عقد اجتماعا في قطاع غزة بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، أصدرت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين بيانا قالت فيه: "لقد تحولت سلطة الحكم الذاتي، ومن يدعون تمثيل الشعب الفلطسطيني، إلى أداة طيعة بيد الاحتلال الإسرائيلي، بحيث صاروا ينفذون إملاءاته ويخضعون لقراراته". وأكدت الرابطة في البيان "تمسكنا بفلسطين، والتزامنا بالمقاومة لتحرير وطننا، والعودة إلى ديارنا وحماية مقدساتنا، والوحدة بين أبناء شعبنا".

ووجهت الرابطة بتاريخ 12/ 2/ 1998 نداء إلى المؤتمر الوطني الفلسطيني، الذي انعقد في دمشق ردا على إلغاء الميثاق الوطني، دعت فيه إلى:

تشكيل لجنة تحضيرية تعمل على تحويل المؤتمر من مؤتمر انعقد في ظروف خاصة ولأسباب خاصة، إلى مؤتمر وطني فلسطيني يؤسس لإحداث نهضة سياسية وشعبية فلسطينية، وصياغة مشروع واضح يقوم على الرفض الكامل لمسيرة التسوية، والعمل على توحيد القوى الفلسطينية، وإعادة تفعيل العمل العسكري المقاوم، وصياغة برنامج نهضوي تثقيفي جماهيري، وإحياء دور مجتمعات اللاجئين والعمل على تنميتها اجتماعيا وتأمين حقوقها، وإحياء دور اللجان الشعبية، ورفض التوطين والتهجير، والتمسك بالعودة.

مع حماس وعنها

نفذت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين سلسلة طويلة من الفعاليات الإعلامية والجماهيرية، صبت جميعها في استراتيجية حركة حماس، ومهدت للترويج لحماس في المجتمع الفلسطيني في لبنان لدرجة أن القوى الفلسطينية والأحزاب اللبنانية كانت تتعاطى مع الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين على هذا الأساس، أي الاسم العملي أو الميداني لحماس في لبنان أو الواجهة التمثيلية لها، ودائما كان حضور الفصائل والقوى والأحزاب لأنشطة الرابطة يتم من زاوية قوتها الطلابية والشعبية، وقربها من حماس وتمثيلها لها.

وضمن هذا السياق أصدرت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين بيانات استنكارية للهجمة الصهيونية على حركة حماس، واستقبلت مبعدي الحركة إلى لبنان، وقام وفد من الرابطة في 19/ 12/ 1992، أي بعد يومين من الإبعاد، بزيارة المبعدين في مرج الزهور، ووزعت تقريرا شاملا عنهم، وشارك هذا الوفد بعد يومين في اجتماع للفصائل الفلسطينية في مخيم مار إلياس في بيروت؛ لتنظيم برامج دعم للمبعدين.

ونظمت الرابطة حملات إعلامية طويلة لإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين وإخوانه من السجون الصهيونية، وسارت الرابطة في مسيرة في أيار/ مايو 1990 بعد مجزرة عيون قارة في 20/ 5/ 1990، وصدرت جريدة السفير اللبنانية بعد ذلك لتقول إن "حماس ظهرت في بيروت" كما شاركت الرابطة في 22/ 12/ 1992 في مسيرة في بيروت استنكارا لإبعاد 415 فلسطينيا، ونظمت ندوات الأحزاب اللبنانية والقوى الفلسطينية في 13/ 9/ 1993 ضد اتفاق أوسلو، والتي سقط فيها شهداء من المواطنين اللبنانيين، إثر إطلاق الرصاص باتجاه المسيرة.

وبالإضافة لذلك نظمت الرابطة معارض صور لدعم الانتفاضة، منها معرض في الجامعة الأمريكية في بيروت في 17/ 12/ 1990، ومعرض في جامعة بيروت العربية في 8/ 12/ 1992.

كما نظمت مهرجانات فنية منها "الانتفاضة إشراقة أمل" في 3/ 12/ 1992 في منطقة الحمرا في بيروت، ومهرجان "الانتفاضة عنوان التحدي" في 5/ 12/ 1993 في برج البراجنة.

حقوق اللاجئين

نشطت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين في العمل لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وفي تبني قضاياهم وهمومهم، وفي الدفاع عن مصالحهم، ففي سنة 1999، نظمت ست دورات لتقوية الطلاب، وسبعة معارض لبيع القرطاسية بسعر التكلفة، وقامت بتوزيع 400 حصة غذائية على طلبة محتاجين، وتوزيع مساعدات مالية على 175 عائلة.

في سنة 1997، أصدرت الرابطة بيانا انتقدت فيه قيام الأونروا بتخفيض نفقاتها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، واستضافت في 10/ 9/ 1997 النائب البريطاني ديفيد اتكنسون، ونظمت له جولة للاطلاع على واقع اللاجئين، وتمسكهم بالعودة، في لقاء عقد مع الأهالي في مخيم برج البراجنة، كما ردت الرابطة على عدة مواقف سياسية ضد الفلسطينيين في لبنان، منها الرد في 28/ 9/ 1997 على وزير الداخلية ميشال المر، الذي رأى أن هناك خطرا على لبنان من 300 ألف فلسطيني.

ونظمت الرابطة جولة صحفية في 15/ 2/ 1992 للاطلاع على حاجات الشباب في مخيمات بيروت، ووجهت كتابا مفتوحا إلى وزير الداخلية اللبناني ميشال المر، بعد قرار للحكومة اللبنانية في 22/ 9/ 1995 منع الفلسطينيين المقيمين في لبنان من السفر إلا بعد حصولهم على إذن من السلطات اللبنانية.

ووزعت الرابطة في سنتي 19981999 إرشادات تربوية للأهالي والطلاب والمعلمين بهدف دعم مسيرة التعليم، مما دفع مدير منطقة بيروت والبقاع في منظمة الأونروا إلى توجيه رسالة للرابطة بتاريخ 23/ 2/ 1999، هذا نصها:

السادة في الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد الاطلاع على ما تقومون به من أنشطة خدمة لأبناء شعبنا الفلسطيني، مما يساعد على رفع مستوى طلابنا الثقافي والديني والاجتماعي، ليكونوا نموذجا صالحا لهذا الشعب الطموح، لا يسعني إلا أن أشد على أياديكم وأبارك خطواتكم سائلا المولى عز وجل أن يبارك أعمالكم لما فيه المصلحة العامة.

وفقكم الله.

وعرضت الرابطة هموم الفلسطينيين في لبنان ومطالبهم، من خلال الزيارات والجولات التي قامت بها على المرجعيات الدينية في لبنان ومسؤولي الأحزاب والنواب والمنظمات الدولية.

وهكذا اكتسبت الرابطة قاعدة طلابية وشعبية واسعة من خلال القواعد الدينية والسياسية التي تحركت من خلالها، ومواقفها تجاه فلسطين وشعبها والمقاومة، ودفاعها عن مصالح اللاجئين في لبنان، وأنشطتها في الجامعات والمدارس والمخيمات، وتكاملها مع الرؤية السياسية والمسار الجهادي لحركة حماس، فقد امتدت الرابطة من سنة 1987 إلى سنة 1997 في معظم الجامعات الأساسية في لبنان، وصار لها أطر طلابية في المخيمات والثانويات، واستطاعت الرابطة من خلال ذلك تشغيل هذه الطاقات، فنشرت فكر حماس ومواقفها، ومهدت السبل أمامها في الانتشار الشعبي، وبناء قواعد جماهيرية وسياسية واجتماعية، ومما ساعد على ذك التزام حماس الإسلامي والوطني ومواقفها الواضحة والصحيحة ومقاومتها الباسلة، وتعبيرها بشكل سليم وصادق عن تطلعات وآمال وأحلام الفلسطينيين، ودفاعها عن الأرض والمقدسات والأمة، وتحملها للملاحقات الأمنية من الاحتلال، ومن ثم سلطة أوسلو، وبالتالي صارت حماس قوة أساسية في لبنان، وانتقلت قيادات طلابية كثيرة من الرابطة إلى حركة حماس لتتسلم مسؤوليات أساسية فيها.

رابعا: جولة ميدانية لقيادات من حماس

من بداية كانون الأول/ ديسمبر 1990 حتى أواسط كانون الثاني/ يناير 1991، قام القياديان في حركة حماس عبد العزيز العمري، عضو المكتب السياسي للحركة، وجمال عيسى (أصبح لاحقا ممثل الحركة في السودان ثم اليمن)، بزيارة إلى لبنان للاضطلاع على أوضاع الفلسطينيين، وللالتقاء بأبناء الشعب الفلسطيني، وللاجتماع بالمسؤولين عن العمل الإسلامي الفلسطيني في لبنان.

زيارة العمري وعيسى شملت كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث أقاما في كل مخيم ما يقارب ثلاثة أيام، التقيا خلالها بعدد من أبناء الشعب الفلسطيني، وتعرفا إلى الواقع الاجتماعي والإنساني مباشرة، واجتمعا بقيادات الحركة الإسلامية في المخيمات، وزارا المؤسسات الاجتماعية والتربوية، وشكلا رؤية واضحة عن ظروف الحركة الإسلامية الفلسطينية في لبنان وطبيعة ومستقبل العمل وآلياته الممكنة وحاجاته المختلفة.

لم تكن زيارة العمري وعيسى هي الأولى للمجتمع الفلسطيني في لبنان، بل كانت حماس مطلعة بشكل كبير على هذا الواقع بكل تفاصيله، من خلال العلاقة التاريخية القديمة بين الإخوان المسلمين والمجتمع الفلسطيني، ومن خلال قيادات الحركة الإسلامية الموجودين في لبنان، الذين أسسوا حماس في لبنان، والذين كانوا على تواصل مع قيادات الحركة، ولاحقا من خلال الزيارات المتواصلة التي قام بها قيادات حماس بعد انتفاضة سنة 1987 إلى لبنان.

وكانت الحركة الإسلامية التي تشكلت من خلالها حماس قد قامت بدور مباشر، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 وحرب المخيمات سنة 1985، في دعم الفلسطينيين في لبنان ومساندتهم سياسيا وإعلاميا ومعالجة آثار الحروب، وفي دعم المؤسسات الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني، وفي دفع تعويضات لأصحاب المنازل المتضررة وأسر الشهداء.

المكتب الإعلامي الإسلامي لفلسطين

زيارة عبد العزيز العمري وجمال عيسى أثمرت سنة 1990 بتشكيل مكتب إعلامي في لبنان للاهتمام بالقضية الفلسطينية ومتابعة تطوراتها، وتنفيذ أعمال إعلامية في لبنان للتواصل مع القوى السياسية والشعبية، وحشد الدعم للانتفاضة.

تشكل المكتب من أربعة أشخاص، هم: رأفت مرة وسمير عطوة وبسام غنوم وسمير عبد الله، وخلال وقت قصير أعاد المكتب طباعة وتوزيع كتابي "عامان على انتفاضة الأقصى" و "ثورة المساجد" وأسس مكتبة إعلامية متخصصة بالقضية الفلسطينية والصراع مع العدو، وأخذ يطبع ويوزع نشرة "الأقصى" الشهرية، التي كانت تصدرها حماس وتأتي من الخارج، وذلك بالتعاون مع الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين التي تتولى التوزيع.

قسم فلسطين

في نهاية سنة 1991، تم بالتفاهم مع حماس، تشكيل أول قسم لفلسطين، وكانت مهمته بدء التحرك السياسي والإعلامي، وفتح آفاق في العمل الجماهيري.

تشكل القسم من ممثلين عن المناطق، ومن قيادات طلابية من الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين، ومن أصحاب خبرة وتخصص.

لكن أسبابا إدارية وتنظيمية عديدة حالت دون إكمال هذا التشكيل، الذي واجه صعوبات في الدور المعطى له، والحاجات المطلوبة منه، مع بدء دخول روافد عمل كثيرة على الخط، ولقد ظل هذا التشكل قائما حتى تم تشكيل إطار أكثر فاعلية عرف باسم مكتب فلسطين، وذلك سنة 1994.

أول مكتب لحماس في لبنان

تطور عمل حماس في لبنان ففي تموز/ يوليو 1992، افتتحت الحركة مكتبا تمثيليا لها في منطقة حارة حريك في بيروت، أداره الشيخ مصطفى القانوع المعروف باسم "أبو محمد مصطفى" وهو مجاهد فلسطيني أبعده الاحتلال الصهيوني، بداية سنة 1991 إلى جنوب لبنان.

ظل أبو محمد مصطفى في عمله هذا حتى سنة 1994، خلفه بعدها مصطفى اللداوي حتى سنة 1997، ومن ثم القيادي في الحركة أسامة حمدان، وتأسس مكتب حماس بعد مشاورات بين قيادة الحركة وقيادة العمل في لبنان.

تركز عمل مكتب حماس على التعبير سياسيا وإعلاميا عن مواقف الحركة في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، اللبنانية والفلسطينية، ولم يكن للمكتب أي دور تنظيمي أو أي صلاحية لتأطير الناس في بنية الحركة، بل اقتصر عمل ممثل الحركة على المشاركة في اجتماعات الفصائل والأحزاب، والتحدث لوسائل الإعلام، وحضور المهرجانات والمناسبات الوطنية، والتواصل مع السفارات العربية والإسلامية والغربية في بيروت، وبناء علاقة مع كافة القوى السياسية والمرجعيات الدينية.

وأطل مكتب حماس على هموم اللاجئين وقضايا المخيمات، وفعل ممثلو الحركة حضورهم الشعبي، من خلال تواصلهم مع فئات المجتمع، ومشاركتهم في المناسبات الاجتماعية، وحل بعض المشاكل، وتلبية المطالب والحاجات الاجتماعية.

دور المبعدين

في 8/ 1/ 1991 أبعدت سلطات الاحتلال الصهيوني أربعة قياديين من حركة حماس إلى لبنان، هم: المهندس عماد العلمي، والشيخ مصطفى القانوع، والأستاذ فضل الزهار، والأستاذ مصطفى اللداوي.

وصول هؤلاء إلى لبنان في ذروة الانتفاضة في فلسطين وثورة المساجد، كان له تأثير كبير على علاقة الفلسطينيين في لبنان بهذه الانتفاضة، وعلى ارتباط الفلسطينيين في لبنان بمشروع المقاومة، وتمسكهم بالحقوق الفلسطينية، وفي التواصل مع الداخل والترابط المصيري والشراكة السياسية.

أقام المبعدون الأربعة في المخيم المية ومية قرب مدينة صيدا، وصار لهم احتكاك مباشر مع مختلف شرائح الشعب الفلسطيني، وشاركوا في مختلف المهرجانات والندوات والاحتفالات التي أقامها الفلسطينيون في لبنان لدعم الانتفاضة.

وأسهمت اللقاءات والحوارات والمناقشات التي تمت بين قيادات العمل الإسلامي الفلسطيني في لبنان، وبين المبعدين الأربعة في تشكيل صورة حقيقية عن واقع حركة حماس ودورها وأهدافها وحجمها ووزنها، وعن دور المجتمع الفلسطيني في الخارج في دعم الانتفاضة، والتكامل مع أهدافها، والعلاقة مع الأمة.

وجود المبعدين الأربعة في لبنان دفع بشكل تلقائي قيادات حركة حماس في الخارج، وبالأخص الأستاذ خالد مشعل، والأستاذ موسى أبو مرزوق، والأستاذ محمد نزال، للقدوم إلى لبنان للتواصل مع المبعدين، وساعد هذا أيضا في تعزيز اللقاءات والحوارات مع قيادة العمل الإسلامي الفلسطيني في لبنان، وفي الاطلاع على الواقع الفلسطيني في لبنان ومستلزمات العمل.

وصول المبعدين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور شرقي لبنان في كانون الأول/ ديسمبر 1992 أعطى دفعة كبيرة لحركة حماس في لبنان، فقد كانت عملية إبعاد 415 فلسطينيا من قبل سلطات الاحتلال إلى منطقة جرداء باردة في ذروة فصل الشتاء عملية إرهابية بشعة، أثمرت تعاطفا شعبيا عالميا مع حماس والمبعدين، وبالأخص من جانب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقد سارع الفلسطينيون في لبنان إلى التضامن مع المبعدين، وأعلنوا رفضهم واستنكارهم للقرار الصهيوني، ونظمت في المخيمات الفلسطينية في لبنان والمدن اللبنانية المسيرات والاعتصامات وحملات التبرع، وقامت وفود سياسية وشعبية من الفلسطينيين بزيارة المبعدين والاجتماع بهم، وإعلان التضامن معهم.

بعد أن استقر المبعدون في ميخيمهم وسط الجبال بدأت الحوارات والنقاشات حول حماس وواقعها، ومستقبل المقاومة، وأضرار التسوية، والمشاركة السياسية، ودور الأمة، وواجب الفلسطينيين؛ تأخذ مداها بين المبعدين وقيادتهم وكوادر العمل الإسلامي في لبنان.

وتوطدت العلاقة بين أبناء الحركة الإسلامية في المخيمات وبين المبعدين، وبدأ المبعدون بتنظيم دورات تثقيفية سياسية ودينية وفكرية وتربوية وتنظيمية لأبناء الحركة الإسلامية، ونظمت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطينمعسكرا صيفيا لطلاب جامعيين في مرج الزهور، حاضر فيه عدد من قيادات حركة حماس، والتقى المشاركون في الدورة بالدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وبالدكتور عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني لاحقا.

ومن ثم عادت الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين ونظمت دورات لكوادرها في بيروت في الصحافة والعمل الإعلامي، كما قامت بتنظيم ورش عمل لتطوير العمل الطلابي الفلسطيني في لبنان، شارك فيها إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني لاحقا، وعدد من قيادات العمل الطلابي الذين كانوا مع المبعدين، وحضرها قيادة الرابطة ومسؤولو الأقسام والجامعات.

وأثناء وجود المبعدين في مرج الزهور نظمت بالتعاون مع المسؤولين في المخيمات جولات ميدانية لعدد كبير من المبعدين للاطلاع على المجتمع الفلسطيني في لبنان وواقعه السياسي والاجتماعي والدعوي، وللتقارب مع هموم الفلسطينيين في لبنان، وشملت الجولات المخيمات الفلسطينية كافة في لبنان، وشارك فيها الأستاذ إسماعيل هنية، والأستاذ أحمد بحر نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني لاحقا، والشيخ سعيد صيام وزير الداخلية لاحقا، وعدد من العلماء وأساتذة الجامعات والتربويين.

وأسهمت هذه الجولات في تقريب التصورات بين أبناء الحركة الإسلامية الواحدة، وفي نسج علاقات وصداقات بين عدد كبير من المبعدين وأبناء الشعب الفلسطيني في لبنان، الأمر الذي كان له إسهام جاد وفاعل في تأسيس وترسيخ مشروع حركة حماس في لبنان.

صيغة متقدمة والشيخ إبراهيم الصديق

في سنة 1994 تشكل مكتب فلسطين، وهو إطار ضم تخصصات إدارية وسياسية وشعبية وإعلامية وطلابية، وترأسه الشيخ إبراهيم الصديق، ولقد أسهمت عوامل عديدة في إنجاح المشروع أهمها: الإصرار على الاستمرار في بناء مشروع إسلامي فلسطيني قوي يتكامل مع مشروع الداخل، والمشاركة من الخارج في التحرير وإصلاح المجتمع.

لعب الشيخ إبراهيم الصديق (أبو منير) دورا إيجابيا للغاية في إنجاح هذا الإطار، والشيخ أبو منير الصديق هو شخصية دعوية، وشخص توافقي، وله علاقة ممتازة مع جميع القياديين، وصلاته قوية جدا بحركة حماس وقيادييها في الخارج، ولأنه ينحدر من عائلة علماء ومشايخ فقد كانت له شعبية كبيرة داخل مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو يحظى بثقة قيادة الحركة الإسلامية داخل لبنان وخارجه، فضلا عن كونه خبيرا تربويا ذا اهتمام كبير بالشؤون العامة.

وجود الشيخ أبو منير الصديق في مدينة صيدا أسهم في تعزيز العمل الإسلامي الفلسطيني في المدينة، ودعمه في ذلك شخصيات فلسطينية إسلامية تربوية منهم: الشيخ علي اليوسف، والحاج طارق عكاوي، والشيخ إياد أبو العردات، والشيخ أبو هشام عطوات، والشيخ محمد العلي.

ولقد ساعد الشيخ أبو منير الصديق في تخطي عدد من الحواجز والعقبات، ودعم بقوة خيار الانضمام إلى حماس، غير أن إرادة الله هي الأقوى دائما، فقد أصيب الشيخ إبراهيم الصديق بمرض عضال وانتقل سنة 1997 إلى الرفيق الأعلى، قبل اكتمال الصورة النهائية، التي تشكلت في وقت لاحق.

تطورات حسمت التوجه

كان الانصهار في مشروع إسلامي فلسطيني موحد حلم يراود كل العاملين الإسلاميين الفلسطينيين في لبنان، لكن صعوبات تنظيمية وسياسية ومتغيرات وأحداث حالت دون ذلك.

في الثمانينيات وأوائل التسعينيات حدثت مجموعة من الوقائع أسهمت في تشكيل وعي وإرادة باتجاه حسم الخيارات، وهي تحولات استراتيجية وجوهرية.

في سنة 1982 وقع الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وأفرز هذا الاجتياح وقائع عسكرية وسياسية، وأدى إلى خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، ووقعت خلاله مجزرة صبرا وشاتيلا في 16/ 9/ 1982، وبقي الفلسطينيون في لبنان بدون جهة قرار، ومن ثم دخل الجيش اللبناني، إلى مخيمات بيروت، وحصل انشقاق داخل حركة فتح في لبنان في أيار/ مايو 1983، ودخل الإسلاميون الفلسطينيون في لبنان بشكل مباشر في مقاومة الاحتلال، وفي التحرك لمعالجة آثار الاجتياح الصهيوني، وخاصة بعدما بدأت ميليشيات القوات اللبنانية تهدد الفلسطينيين، وتعلن هدفها في ترحيلهم من لبنان بالقوة.

وفي سنة 1985 بدأت حرب المخيمات، إثر الهجوم الذي شنته حركة أمل على مخيمات بيروت، والذي أعقب سنة 1986 بهجوم آخر على مخيمات الجنوب، وأدت حرب المخيمات هذه إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى، وتهجير آلاف العائلات، وتدمير نسبة كبيرة جدا من منازل المخيمات وبنيتها التحتية، وأفرزت واقعا اجتماعيا وإنسانيا صعبا، بسبب الحصار وازدياد نسبة البطالة والهجرة إلى خارج لبنان.

أما سنة 1987 فقد اندلعت فيها الانتفاضة في فلسطين، معيدة الأهمية للقضية الفلسطينية، ومؤكدة على خيار الشعب في المقاومة من أجل التخلص من الاحتلال، وكرست الانتفاضة الفلسطينيين في الخارج للتكامل مع أهدافها ومطالبها، وشجعتهم على توفير الدعم السياسي والإعلامي والشعبي للأهداف التي هي أهداف لكل الفلسطينيين.

وفي سنة 1989 توصلت الأطراف المتصارعة في لبنان بدعم عربي وإقليمي ودولي، ومن خلال مجلس النواب اللبناني، الذي انعقد في السعودية إلى اتفاق الطائف، الذي أنهى الاقتتال في لبنان، وأعاد مسيرة الدولة، ووضع حدا للحرب، ونتج عن ذلك بدء الدولة اللبنانية بمسيرة جديدة تهدف إلى حفظ الأمن وحماية الاستقرار والمحافظة على السلم الأهلي وإعادة إعمار ما تهدم، وبدأت السلطات اللبنانية سنة 1990 بنزع سلاح الميلشيات اللبنانية، وامتد ذلك لنزع السلاح الفلسطيني، وانتشر الجيش في محيط عدد من المخيمات الفلسطينية، وحصلت توترات ومعارك بين الجيش وعدد من القوى الفلسطينية في مخيمي عين الحلوة والمية ومية.

وإثر ذلك شكلت الحكومة اللبنانية لجنة الوزيرين شوقي فاخوري وعبد الله الأمين للتحاور مع الفصائل الفلسطينية في قضايا نزع السلاح الفلسطيني، وانتشار الجيش اللبناني، ومنح الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية والاجتماعية.

وفي سنة 1992 أجريت في لبنان أول انتخابات لتشكيل مجلس نيابي جديد، بعد الحرب التي بدأت سنة 1975، وفي سنة 1996 أجريت في لبنان أول انتخابات بلدية بعد الحرب.

على الصعيد الفلسطيني، بعيد الانتفاضة أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1988 الدولة الفلسطينية، وبدأت مسيرة فلسطينية جديدة نحو مشروع التفاوض مع الاحتلال والاعتراف بالكيان الصهيوني، مع ما يعنيه ذلك من تفريط بالحقوق الفلسطينية من التفاف على حلم الفلسطينيين بتحرير كامل التراب الفلسطيني.

وفي سنة 1991 بدأ مؤتمر مدريد للتسوية، وانطلقت مسيرة المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني، التي أفرزت لاحقا اتفاق أوسلو في سنة 1993، أما في سنة 1994 أنشئت السلطة الفلسطينية الجديدة في غزة والضفة الغربية، ووقعت اتفاقيات لاحقا مع العدو الصهيوني وحوصرت الانتفاضة، وضربت المقاومة، وصارت التهديدات تطال الحقوق الفلسطينية الأساسية.

كل هذه العوامل أكدت صعوبة بقاء الفلسطينيين داخل إطار الجماعة الإسلامية في لبنان، فالسلم والاستقرار في لبنان له مضاعفاته ونتائجه، والتطورات الحاصلة في مسار القضية الفلسطينية لها مفاعيلها، فلم يكن بالإمكان العمل باسم الجماعة الإسلامية في لبنان أثناء المعركة مع حركة أمل، ولا أثناء الحوار مع الحكومة اللبنان ية، ولا أثناء ترتيب عملية انتشار الجيش اللبناني في محيط المخيمات، ولا أثناء زيارة الشخصيات الحزبية والرسمية اللبنانية، ولا أثناء تشكيل أطر فلسطينية لمتابعة الشؤون الفلسطينية في لبنان من لجان شعبية ولجان تنسيق ومتابعة، ولا أثناء معالجة المشاكل الاجتماعية والإنسانية التي نشأت في المخيمات بفعل تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وبفعل تقليص خدمات الأونروا، وتمنع الحكومة اللبنانية عن منح الفلسطينيين حقوقهم، كما لا يمكن أيضا مواجهة مدريد وأوسلو ومتابعة تطورات الانتفاضة على الساحة الفلسطينية باسم الجماعة الإسلامية.

والجماعة الإسلاميةأيضا بعد "الطائف" دخلت بشكل أكبر في الهموم اللبنانية، فخاضت الانتخابات النيابية سنتي 1992 و 1996 والانتخابات البلدية سنة 1998، وصار من غير الممكن على الجماعة أن تتحدث باسم الفلسطينيين، وإن كانت تدعم قضاياهم السياسية ومطالبهم الإنسانية وحقوقهم الاجتماعية.

قضية أخرى دفعت الإسلاميين الفلسطينيين في لبنان إلى حسم خيارهم باتجاه حماس، هو أن عددا من القوى الفلسطينية بدأ يحاول وضع عراقيل بوجه العمل الإسلامي الفلسطيني، وبوجه تعزيز دور الإسلاميين الفلسطينيين لحضورهم السياسي والشعبي، وحصلت هذه الأزمة بشكل واضح في مخيمات صيدا وصور؛ حيث كانت بعض الفصائل تضغط باتجاه منع الإسلاميين من المشاركة في اللجان الشعبية والأمنية ولجان التنسيق، بحجة أن هؤلاء ينتمون للجماعة الإسلامية التي هي تنظيم لبناني.

تأخرت حماس في حسم قرارها بصيغة العمل النهائية في لبنان، فهي حاولت الجمع بين مجموعة من العوامل، وهي: رغبتها في عدم إنشاء تنظيم باسمها خارج فلسطين للتداعيات السياسية والأمنية التي يمكن أن تنشأ عن ذلك، وعدم رغبتها في استثارة الدول العربية التي تحفظت على تجربة منظمة التحرير من جهة، ومصلحة الحركة في بناء عمل إسلامي متفاعل في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كنوع من توسيع مشروعها ودائرة عملها من جهة ثانية، وخاصة أنها باتت مرجعية فلسطينية ومشروعا إسلاميا ووطنيا كبيرا وليست تنظيما بالمفهوم المعروف للتنظيم، فقد حملت حماس مشروع المقاومة والتصدي للاحتلال، وهي ترى أن الشعب الفلسطيني الموحد في الداخل والخارج هو رأس الحربة في تحرير فلسطين، واستنهاض الأمة وفق الدوائر الثلاث؛ الفلسطينية والعربية والإسلامية، المعروفة في مشروع حماس.

خامسا: حماس: التأسيس في لبنان

منذ نشأتها، لم ينصب اهتمام حركة حماس على فلسطين فقط، بل على كافة المجتمعات الفلسطينية في الخارج، وخاصة حيث يتواجد الفلسطينيون بأعداد كبيرة في دول مثل لبنان والأردن وسورية ودول الخليج العربي.

تنظر حماس إلى الوجود الفلسطيني في لبنان على أنه وجود مهم للغاية، فهو يمثل العمق والمدد والحاضنة، واللاجئون الفلسطينيون في لبنان هم أبناء فلسطين وأهلها، وهم أبناء البلد وأصحاب الأرض، الذين أغنوا فلسطين بالأعمال الثقافية والسياسية والاقتصادية، وأسهموا في معركة التصدي للمشروعين البريطاني والصهيوني، وهم حاضنة العمل داخل فلسطين.

ترى حماس أنه في لبنان تتوفر ميزات لم تتوفر في ساحات أخرى؛ ففي لبنان حركة إسلامية فاعلة ونشطة فيها قسم من الفلسطينيين، من الشباب النشط والفاعل والمتحرك، وفي لبنان شعب فلسطيني لا يمكن تجاهله، ولبنان دولة من أهم ساحات اللجوء بعد سنة 1948، ولأي عمل في لبنان مصداقية في الداخل وتأثير في الخارج، نظرا لما يتمتع به لبنان من مميزات شعبية وسياسية وإعلامية وحرية وانفتاح، ولبنان ليس دولة منطوية على ذاتها، بل هي دولة فاعلة وحاضرة في الأبعاد الحضارية والثقافية والسياسية وغير ذلك من قضايا الحياة والدنيا.

خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان سنة 1982 كان أحد العوامل الأساسية التي نبهت الذاكرة الفلسطينية لاستيعاب الدرس والتحرك من الداخل، وتفاعل الشعب الفلسطيني في لبنان مع الانتفاضة سنة 1987 كان له أثر كبير، وحصار المخيمات سنة 1985 كان نقطة وجع عند الفلسطينيين. ترى حماس أن الوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود مؤقت، ومن حق كل فلسطيني العمل في إطار القضية الفلسطينية، ولبنان بلد جار لفلسطين، ومهتم بالقومية العربية، وفيه حضور إسلامي قوي، وهذا يوجب على القوى الإسلامية في لبنان التعامل مع الشعب الفلسطيني بطريقة مختلفة، تتناسب مع ثقافتهما المشتركة ومصالحهما وعلاقاتهما.

حين تشكلت حماس كان قادة الحركة ومؤسسوها يفكرون في بلورة المشروع في كل ساحات اللجوء، وحين بدأت حماس التفكير في استكمال العمل في الخارج لم يكن لبنان غائبا، والفلسطينيون في لبنان كانوا حاضرين في مشروع الارتقاء والنمو والتقدم.

لاحظت حماس أن الوجود الفلسطيني في لبنان، خاصة في النصف الثاني من السبعينيات إلى أوائل الثمانينيات، كان متأثرا بتواجد وتمركز قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وكان لبنان هو مركز القرار الفلسطيني، ومنطلق معظم القرارات الفلسطينية، وهذا ألحق ظلما بالوجود الفلسطيني في لبنان .. فقد كان الفلسطينيون يشعرون بالقوة في لبنان، لكن سياسات منظمة التحرير الفلسطينية لم تك تخدم اللاجئين الفلسطينيين فيه، لا بل إن حركة الفصائل الفلسطينية وتضخيم عدد عناصرها ونفوذها وحجمها والمبالغة في أدوارها اعتمد على الشعب الفلسطيني في لبنان، ثم إن ظروف الصراع والحرب والإجراءات الرسمية الحكومية أدت إلى حرمان الفلسطينيين من أهم مكونات وسمات أي مجتمع إنساني طبيعي، حيث حرموا من التعليم الحكومي ومن الرعاية الصحية والتنمية الاجتماعية والعمل. الخطوات العملية:

عندما بدأت حماس ترتيبات العمل الفلسطيني في الخارج، كان التركيز ينصب على أماكن الوجود الفلسطيني، وكان سعيها لتأسيس أطر في الخارج، يتم من خلالها إشراك الفلسطينيين في مشروع مقاومة الاحتلال بطريقة فاعلة انطلاقا من وحدة الشعب ووحدة الأرض، وذهب الاتجاه نحو تأسيس أطر يتم من خلالها التواصل مع الفلسطينيين في لبنان وسورية والأردن وبلاد الاغتراب مثل آسيا وأوروبا وشرق آسيا.

في أوائل الثمانينيات استطاعت الحركة الإسلامية أن تؤسس في بعض الدول العربية والإسلامية اتحادات وروابط طلابية وشبابية تعني بالعمل لفلسطين، ففكر قادة في الحركة الإسلامية بنقل التجربة لدول أخرى، فشكلت لجان لفلسطين في دول أوروبية وشرق آسيوية، وفي بداية الثمانينيات شملت الاتحادات واللجان أكثر من 35 دولة.

قامت هذه الاتحادات والمنظمات واللجان بأنشطة جيدة وفاعلة، وتواصلت حماس لاحقا مع هذه اللجان من خلال البرامج والفعاليات والخط السياسي العام والأهداف العامة والتوجهات الأساسية للحركة الإسلامية حول أهم العناوين الفلسطينية، واستطاعت هذه اللجان تحريك المجتمع من خلال العمل الشبابي النوعي في الاتجاهين الفلسطيني والعربي، وداخل الجاليات الإسلامية.

وفي نهاية صيف سنة 1990 اجتمعت قيادة حماس في عاصمة إحدى الدول العربية، ووضعت نقطة على جدول الأعمال تتعلق بتفعيل دور الحركة في لبنان، والتواصل مع أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان، وأبناء الحركة الإسلامية والقوى الإسلامية اللبنانية.

وكانت الأهداف التي حددت في هذا الاجتماع هي:

1 – التواصل مع أبناء شعبنا وأهلنا الفلسطينيين المقيمين في لبنان.

2 – تشكيل آليات مستمرة للتعاون والتواصل.

3 – تأسيس إطار للعمل الفلسطيني في لبنان.

4 – البدء بحوار مع أبناء الحركة الإسلامية من الفلسطينيين والجماعة الإسلامية، لتحديد طبيعة العلاقة.

5 – وضع خطة وبرامج لرعاية الوجود الفلسطيني في لبنان إنسانيا واجتماعيا وخدماتيا، والبدء بخطوات عملية في برامج التنمية والتطوير.

6 – بناء علاقة مع القوى والمجموعات الإسلامية والأحزاب اللبنانية.

لم تكن حماس سنة 1990 متمسكة بإطار محدد ينظم عملها في لبنان، ولم تكن قد وقفت عند صيغة معينة، بل كانت الخيارات مفتوحة، والعنوان كان قابلا للنقاش، سواء كانت الصيغة معلنة أم لم تكن، وسواء كان العمل المباشر باسم حماس أم بأي اسم آخر، لكن المهم كان هو المضمون، والتكامل مع مشروع حماس، وأن يكون العمل منبثقا من رأي الإخوة في لبنان، ومنسجما مع الواقع الفلسطيني وخصوصيات المجتمع.

كلفت قيادة حماس عبد العزيز العمري، عضو المكتب السياسي، وأبو أحمد (جمال عيسى)، عضو قيادة الحركة، للمجيء إلى لبنان، حيث التقيا بكل قيادات الحركة الإسلامية وبالكوادر الفلسطينية، وزار المخيمات الفلسطينية، وناقشا قضايا المستقبل.

بعد انتهاء الجولة، عاد وفد الحركة إلى قيادتها حاملا الخلاصات والنتائج التالية:

1 – الزيارة تاريخية ومهمة للغاية.

2 – تشكل فتحا في عمل حماس، وفي بناء أطر فاعلة للحركة خارج فلسطين.

3 – بداية إيجابية وبناءة للتواصل وبناء العلاقات والانفتاح على كافة شرائح الشعب الفلسطيني وتوجهاته في لبنان.

4 – لمس الوفد حماسة وقبول الكوادر الإسلامية الفلسطينية العاملة في الشؤون العامة والشؤون التنظيمية للعمل والانصهار في إطار مشروع إسلامي فلسطيني واحد.

5 – لم يكن هناك اتفاق كامل بين كوادر العمل الإسلامي الفلسطيني في لبنان على العمل باسم حماس بشكل مباشر، وفضل البعض استخدام اسم مختلف لفترة مؤقتة، مراعاة للأوضاع السياسية القائمة، والتعقيدات الأمنية التي من الممكن أن تنشأ، وتبعات العمل العام، في ظل توتر الأوضاع المحلية والإقليمية في تلك الفترة، وعدم اتضاح شكل العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية تحت تأثير الانتفاضة، وتوجه منظمة التحرير الفلسطينية للتفاوض والاعتراف بالكيان الصهيوني من خلال مؤتمر مدريد سنة 1991.

وأيضا في ظل عدم وضوح شكل العلاقة الفلسطينية – اللبنانية بعد اتفاق الطائف سنة 1989، وانتشار الجيش اللبناني في المخيمات، ونزع السلاح الفلسطيني، وآلية تعاطي السلطات اللبنانية مع كافة عناوين الشأن الفلسطيني في لبنان.

6 – تم التوافق في الزيارة بين وفد حركة حماس وقيادة العمل الإسلامي الفلسطيني في لبنان على إنشاء إطار للعمل الفلسطيني في لبنان، مرتبط سياسيا وتنظيميا وماليا بحركة حماس، كجزء من العمل الفلسطيني في كل دول الانتشار الفلسطيني.

لم تكن قيادة حماس متمسكة باسم الإطار الذي كان سيتم العمل من خلاله في لبنان، بل كان التركيز على المضمون والدور والرسالة، على أن يتم في المرحلة الأولى تجميع الإخوة الفلسطينيين داخل إطار واحد مرتبط بالحركة يحمل أو يستخدم لافتة سياسية عامة، وجرى أخذ رأي غالبية الإخوة في هذا التصور في مختلف المناطق، من خلال استبيان خصص لهذا الأمر، وكانت نتيجته إيجابية جدا ومشجعة، دفعت الحركة لاتخاذ خطوات داخلية وإدارية وتنظيمية لتتلاءم مع هذا التصور الجديد.

يرى عبد العزيز العمري، الذي أدار هذا الملف بتكليف من حركة حماس لسنوات، أنه اكتشف وجود طاقات إسلامية فلسطينية فاعلة ومهيأة للعمل ضمن مشروع حماس، وتمتلك مقومات دينية وسياسية ولها حضور شعبي واجتماعي فاعل، ويقول إنه وجد أثناء زياراته حماسة كبيرة عند الفلسطينيين في لبنان للعمل لأجل القضية الفلسطينية، وللدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ولتبني خيار المقاومة والعمل من خلاله، ولاحظ أن الوجود الإسلامي الفلسطيني في لبنان ليس له أب ولا كينونة فاعلة (حتى ذلك الوقت)، تعبر عن هوية الإسلاميين الفلسطينيين وآمالهم وأهدافهم، مع إدراك حماس للدور الكبير والرائد الذي قامت به الجماعة الإسلامية في احتضان العمل الإسلامي لفلسطين، وتأثيرها المتميز في نشر فكر ودعوة الإخوان المسلمين(الذي تتبناه حماس)، في الوسط الفلسطيني في لبنان، وتوفيرها للمحاضن اللازمة للتربية والعمل الحركي وبناء الكوادر.

وأشار عبد العزيز العمري إلى أنه خرج بعد زيارته الأولى للبنان، والالتقاء بالشباب المسلم، بانطباع أنه سيكون لحماس دور كبير وحضور قوي وفاعل بين أهلها في لبنان، لكنه يوضح أن وفد الحركة فوجئ بحجم البؤس الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وبحجم المعاناة الاقتصادية والاجتماعية، وكشف أن حركة حماس قررت توجيه جهودها لتنمية المجتمع الفلسطيني في لبنان، وتحسين ظروفه الحياتية، والتخفيف قدر الإمكان من معاناة الناس، وأوضح أن حماس اتخذت قرارات عملية في هذا الشأن بعد عودة وفد الحركة من أول جولة له إلى لبنان.  

الفصل الثالث حزب التحرير: أولويات مغايرة

أولا: حزب التحرير: ظروف التأسيس

أخذ الشيخ تقي الدين النبهاني، يدرس بعمق واهتمام الأحزاب والحركات والتنظيمات التي نشأت منذ القرن الرابع الهجري، درس أساليبها وأفكارها، وأسباب انتشارها أو فشلها، لإحساسه بوجوب وجود تكتل إسلامي يعمل لإعادة الخلافة، ولما أنشئ الكيان الإسرائيلي في أيار/ مايو سنة 1948م على أرض فلسطين، وظهر ضعف العرب أمام عصابات اليهودي ربيبة الانتداب البريطاني الذي كان يتحكم في الأردن ومصر والعراق .. ثارت حمية الشيخ تقي الدين، فأخذ يدرس الأسباب الحقيقية التي تنهض بالمسلمين، وأخذ يحاور ويستمع إلى كل ما يعرض على الساحة، "إلا أنه لم يقتنع بها جميعا"، كما يقول أعضاء الحزب.

وعندما انتقل إلى العمل في القضاء أخذ يتصل بعلماء عرفهم والتقاهم في مصر، وراح يعرض عليهم فكرة إنشاء حزب سياسي على أساس الإسلام، لإنهاض المسلمين وإعادة عزهم ومجدهم، وتنقل لهذا الغرض بين أكثر مدن فلسطين، يعرض الأمر على الشخصيات البارزة من العلماء وقادة الفكر، حيث كن يقوم بعقد الندوات، وجمع العلماء من شتى مدن فلسطين، وفي هذه الأثناء كان يحاورهم في طريق النهضة الصحيحة، وكان يعرض للعديد من القضايا السياسية في خطاباته التي كان يلقيها في المناسبات الدينية في كل من المسجد الأقصى، ومسجد إبراهيم الخليل، وغيرهما من المساجد، حيث كان يهاجم النظم العربية بقوله إنها من صنائع الاستعمار الغربي، ووسيلة من وسائله يستعين بها لإبقاء بلاد المسلمين في قبضته، وكان يكشف المخططات السياسية للدول الغربية، ويفضح نواياهم ضد الإسلام والمسلمين، وكان يبصر المسلمين بواجبهم ويدعوهم للتحزب على أساس الإسلام.

ثم رشح الشيخ تقي الدين نفسه إلى مجلس النواب الأردني بعد ضم الضفة الغربية إلى الأردن سنة 1950 ... إلا أن النتائج ظهرت لغير صالحه.

ثم استطاع أن يقنع مجموعة من العلماء والقضاة، والشخصيات السياسية والفكرية، بإنشاء حزب سياسي على أساس الإسلام، وشرع يعرض عليهم الإطار الحزبي والأفكار التي يمكن أن تكون الزاد الثقافي لهذا الحزب، فلاقت أفكاره عند هؤلاء، الرضا والقبول، وتوج نشاطه السياسي بتشكيل حزب التحرير.

ثم استكمل الحزب الإجراءات القانونية المطلوبة في قانون الجمعيات العثماني، وفيها أن مركز الحزب هو القدس، وأخذ (علم وخبر) حسب القانون، وبتقديم الحزب بيانه للحكومة الأردنية مرفقا بنظامه الأساسي، ونشر ذلك من قبله في جريدة "الصريح" العدد 176 المؤرخ في 14/ 3/ 1953م، رأى حزب التحرير أنه أصبح بذلك حزبا قانونيا اعتبارا من يوم السبت الواقع في 28 جمادى الثانية 1372 هـ 14/ 3/ 1953م، وصارت له الصلاحية بمباشرة نشاطه الحزبي، وممارسة كافة الأعمال الحزبية التي ينص عليها نظامه الأساسي، وفق قانون الجمعيات العثماني المعمول به، إلا أن الحكومة استدعت مؤسسيه الخمسة وحققت معهم، واعتقلت أربعة منهم، ثم أصدرت بتاريخ 7 رجب 1372 هـ الموافق 22/ 3/ 1953 م بيانا اعتبرت فيه حزب التحرير غير قانوني، ومنعت القائمين عليه من أي عمل (أي من النشاط الحزبي)، وبتاريخ 1/ 4/ 1953م، أمرت بنزع لافتات حزب التحرير المعلقة على مكتبه في القدس، ونزعت بالفعل.

إلا أن الشيخ تقي الدين النبهاني لم يقم وزنا لهذا المنع، وأصر على المضي قدما في حمل الرسالة التي أسس الحزب عليها، ومن ساحات الأقصى أخذ الحزب يقوم بحملة تثقيف جماهيرية لاستئناف الحياة الإسلامية، وأبدى نشاطا واسعا، مما دفع السلطات إلى اتخاذ خطوات قوية لمنعه من تشكيل نفسه وتقوية تنظيمه، فاضطر النبهاني إلى مغادرة فلسطين في نهاية سنة 1953م، ومنع من العودة إليها.

وصل الشيخ النبهاني إلى دمشق، التي لم يلبث فيها إلا قليلا: حيث قامت السلطات السورية باعتقاله وطرده على حدود سورية مع لبنان، إلا أن السلطات اللبنانية هي الأخرى منعته من دخول أراضيها، فطلب من مسؤول مركز الشرطة اللبناني في وادي الحرير أن يسمح له بالاتصال مع شخص يعرفه في داخل لبنان، فسمح مسؤول الأمن اللبناني له بإجراء الاتصال، فطلب الشيخ النبهاني من صديقه ذاك أن يتصل بالشيخ محمود علايا مفتي لبنان، فلما تناهى الخبر إلى مسامع الشيخ علايا تحرك بسرعة إلى المسؤولين اللبنانين ليأمروا فورا بإدخال الشيخ النبهاني إلى الأراضي اللبنانية، وإلا فإنه سيعمل على نشر هذا الخبر في كافة البلاد التي تدعي الديمقراطية، وتمنع عالما من علماء الدين الإسلامي أن تطأ قدماه أرضها، فما كان أمام السلطات اللبنانية إلا الخضوع والتسليم لأمر مفتي لبنان.

ومنذ أن حل الشيخ النبهاني في لبنان عمل على نشر أفكاره، واستمر في ذلك دون مضايقة تقريبا إلى سنة 1958م، حيث أخذت السلطات اللبنانية تضيق الخناق عليه، فاضطر الشيخ إلى الرحيل من بيروت إلى طرابلس متخفيا.

أولى الشيخ النبهاني عملية النصرة في العراق اهتماما بالغا، وسافر لبغداد عدة سفرات، ليقوم بمشاركة الشيخ عبد القديم زلوم أحد قادة حزب التحرير، الذي كان هناك، في بعض الاتصالات المهمة، منها الاتصالات مع الزعيم العراقي المرحوم عبد السلام عارف وغيره، وكانت آخر تلك الرحلات قبل وفاته، حيث اعتقل في العراق، فطرد الشيخ عبر الحدود السورية.

وفي غرة محرم 1398 هـ يوم الأحد فجرا، الموافق 11/ 12/ 1977م، توفي الشيخ تقي الدين النبهاني، ودفن في بيروت.

المنطلقات الشرعية والفكرية لحزب التحرير

إن الوحدة الإسلامية المتجلية في الخلافة الإسلامية، هي هم حزب التحرير الأبرز، ولعرضها لا بد من الوقوف عند ثلاثة محاور أساسية في تفكير حزب التحرير، حيث يعرضها الحزب كما يلي:

المحور الأول: أدلة وجوب وحدة المسلمين في كيان سياسي واحد

يدلل حزب التحرير على وجود وحدة المسلمين في كيان سياسي واحد بعدد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء، ومن ذلك: قال (صلى الله عليه وسلم): "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم" [رواه أبو داود]. وقال "لا يحل لثلاثة بفلاة في الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم" [رواه أحمد]. فإذا كانت وحدة القيادة والإمارة واجبة بوجود ثلاثة من المسلمين: فكيف هي بوجود ما يزيد عن المليار مسلم؟

وقال (صلى الله عليه وسلم): "ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر" [رواه مسلم]. وقال: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" [رواه مسلم].

"من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه". [رواه مسلم].

وكما كانت كلمة المسلمين تجتمع على قيادة الأنبياء، فلا بد أن تجتمع على قيادة الخلفاء، قال (صلى الله عليه وسلم): "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم" [رواه مسلم].

قال النووي في شرح مسلم: "واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام أم لا".

وقال الماوردي (450 هـ) في الأحكام السلطانية: "وإذا عقدت الإمامة في بلدين لم تنعقد إمامتهما: لأنه لا يجوز للأمة إمامان في وقت واحد".

وقال الباقلاني (403 هـ) في كتابه "التمهيد": "فإن قالوا: فما تقولون إذا عقد جماعات من أهل الحل والعقد لعدة أئمة في بلدان متفرقة، وكانوا كلهم يصلحون للإمامة ... ما الحكم فيهم عندكم، ون أولى بالإمامة منهم؟ قيل لهم: إذا اتفق مثل هذا تصفحت العقود، وتؤملت ونظر أيها السابق فأقرت الإمامة فيمن بدئ بالعقد له، وقيل للباقين: انزلوا عن الأمر فإن فعلوا، وإلا قوتلوا على ذلك، وكانوا عصاة في المقام عليها".

وقال البغدادي (429 هـ) في "أصول الدين": "فقال أصحابنا (الأشاعرة): لا يجوز أن يكون في الوقت الواحد إمامان واجبي الطاعة، وإنما ينعقد إمامة واحد في الوقت، ويكون الباقون تحت رايته".

وقال القلقشندي (821 هـ) في "مآثر الأنافة في معالم الخلافة": "فلو عقدت البيعة لاثنين معا لم تنعقد لواحد منهما".

وغني عن القول إن هذا الكيان السياسي الموحد والموحد هو دولة الخلافة، التي تحكم بشريعة القرآن، ويكون ولاؤها لله ولرسوله وللمؤمنين، لا للدول الاستعمارية.

المحور الثاني: البشارات النبوية بهذه الوحدة السياسية

يقول حزب التحرير إن هناك عددا من البشارات الواردة في الكتاب والسنة، بتحقق الوحدة السياسية، ومن ذلك قوله تعالى: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" وفسر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الآية على أنها إنباء بالمستقبل، فقال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله" [رواه مسلم].

وقال (صلى الله عليه وسلم): "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" [رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد]. وقال في حديث آخر صحيح رواه أحمد وابن حبان: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين: بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر".

وهذا النصر المؤزر يقتضي عودة دولة المسلمين، وارتفاع رايتهم، وهو الأمر الذي بشر به النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ملكا جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة". [رواه أحمد والبزار والطبراني وأبو داود والترمذي. وهو في فتح الباري 13/ 214].

ومن ثمرات تلك الدولة الجامعة المرتقبة فتح روما، فقد سئل (صلى الله عليه وسلم): أي المدينتين تفتح أولا: القسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل أولا (يعني القسطنطينية). [رواه أحمد والدارمي وابن أبي شيبة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].

ومن ثمراتها استرجاع بيت المقدس وما حوله:

قال (صلى الله عليه وسلم): "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله ... هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله" [رواه البخاري ومسلم].

إنه وعد الله ... ولا يخلف الله وعده:

"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا".

المحور الثالث: آليات العمل لهذه الوحدة، من خلال التكتل الحزبي

يرى حزب التحرير أنه لا بد من استلهام منهاج النبي (صلى الله عليه وسلم) في إقامة حكم الله، وفي إحلال القرآن موضع التطبيق، وفي تنفيذ شرعة الإسلام كاملة في كل مناحي الحياة، ولا بد من قراءة متأنية للسيرة النبوية، ابتداء من نزول الوحي، وانتهاء بوصول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة، حيث أعلنت دولة القرآن.

ويقول الحزب إنه قد لوحظ أن هذه الحقبة شملت ثلاث مراحل:

الأولى: بناء الكتلة الإيمانية عقائديا وروحيا وفكريا.

الثانية: نشر الدعوة والتفاعل مع الناس.

الثالثة: طلب النصرة من أهل القوة والمنعة.

المرحلة الأولى: هذه المرحلة من دعوة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) كان عنوانها دار الأرقم، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) كان لمدة ثلاث سنوات من دعوته الإفرادية لجميع الناس" يتحرى استعدادهم للقبول"، ثم يعرض عليهم ما أرسل به حتى إذا لمس في المدعو إيمانا واستجابة، كتله في دار الأرقم، وحرض على تعليمه الإسلام، وإقرائه القرآن، كان "يصلي بهم ويتهجد ليلا فيتهجدون، فيبعث فيهم الروحانية بالصلاة والتلاوة، ويثير فيهم الفكر بالتأمل في آيات الله والتدبر في مخلوقاته، ويثقف عقولهم بمعاني القرآن وألفاظه ومفاهيم الإسلام وأفكاره، ويأخذهم بالصبر على الأذى، ويروضهم على الطاعة والانقياد حتى خلصوا لله العلي القدير"، "فأصبحوا إسلاما يمشي على الطريق". ورأى النبي (صلى الله عليه وسلم) "إدراكهم لصلتهم بالله بارزة آثاره في أعمالهم".

إسقاطا لهذا الواقع التاريخي، الذي هو حجة تشريعية على واقعنا المعاصر المشابه له (من حيث غياب الدولة) لا بد من وجود كتلة سياسية فكرية، تنهج منهج النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتستقطب أفراد الأمة عبر الاتصال وعرض الفكرة والطريقة بشكل فردي، والمستجيب ينظم للدراسة المركزة في حلقات، حتى يصهر بأفكار الإسلام والأحكام التي تتبناها الكتلة، ويصبح شخصية إسلامية تتفاعل مع الإسلام، وتتمتع بعقلية إسلامية ونفسية إسلامية"، و"يراعى في تقويم الفرد وجود العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق"، و "لا بد أن تكون هذه الصفات الأربع مجتمعة".

والدعوة كان أمرها "ظاهر من أول يوم بعث به (صلى الله عليه وسلم)، وكان الناس في مكة يعرفون أن محمدا يدعو لدين جديد، ويعرفون أنه أسلم معه كثيرون" إذا لا بد أن يحس المجتمع، في هذه المرحلة، بأفكار هذه الكتلة ودعوتها، ويرتقب خروجها تنظيميا إلى العلن، تكافح وتصارع لتغيير الواقع المرير بأحكام القرآن.

المرحلة الثانية: وهذه المرحلة من دعوة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) اتسمت بظهور كتلة المؤمنين للناس، فصدع (صلى الله عليه وسلم) بأمر الله، يوم أخرج المسلمين من دار الأرقم في صفين، على رأس أحدهما حمزة وعلي رأس الثاني عمر، أخرجهم في مظاهرة علنية إلى الكعبة، فانتقل من دور الاتصال بمن يأنس فيهم الاستعداد، إلى دور مخاطبة الناس جميعا"، "مخاطبة جماعية". نعم، فالأفكار لكي تطبق لا بد أن تمر بدور تحويلها إلى قوة دافعة في الناس، فتؤمن بها الجماهير وتفهمها وتحملها وتكافح في سبيل تطبيقها، وحينئذ يصبح تطبيقها أمرا حتميا ونتيجة طبيعية"، فمهما كثر أعضاء الكتلة في الأمة، ولم يتفاعلوا معها، لا يستطيعون أن يقوموا بعمل وحدهم، مهما كانت قوتهم، إلا إذا سارت الأمة معهم، ولا يستطيعون أن يسوقوا الأمة معهم إلى العمل، ولا تسير معهم، إلا إذا تفاعلوا معها، ونجحوا في هذا التفاعل.

يرى حزب التحرير أنه على الكتلة الواعية، في المرحلة الثانية، أن تقوم بخمسة أعمال استرشادا منها بمنهج المصطفى (صلى الله عليه وسلم):

1 – الاستمرار في الثقافة المركزة، والإعداد الروحي والفكري لحملة الدعوة في حلقات.

2 – الثقافة الجماعية لجماهير الأمة، عبر دروس المساجد والنوادي العامة والمحاضرات وسائر أماكن التجمعات، وعبر الصحف والكتب والنشرات وسائر وسائل الإعلام، وذلك لإيجاد الوعي العام عند الأمة وللتفاعل معها.

3 – الصراع الفكري لما يناهض الإسلام من عقائد ومفاهيم ومبادئ، وذلك بوضوح وجذرية، حتى تتخلص الأمة منها ومن آثارها.

4 – الكفاح السياسي سواء في ذلك مكافحة الدولة المستعمرة بفضح مؤامراتها وإظهار خططها وكشف أشكال استعمارها فكريا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، أم مقارعة الحكام بكشفهم ومحاسبتهم كلما هضموا حقوق الأمة، وقصروا في الواجبات وخالفوا الإسلام ... إضافة إلى العمل الحثيث على إزالة حكمهم.

5 – تبني مصالح الأمة ورعاية شؤونها وفق أحكام الشرع.

وعلى هذه الكتلة أن تقتصر على العمل السياسي، ولا تتجاوز إلى الأعمال المادية ضد الحكام أو من يقفون في وجه دعوتها، وهذا لا ينبغي أن يلتبس بموضوع الجهاد، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة".

المرحلة الثالثة: وهي تسلم الحكم أو طلب النصرة، يرى فيها حزب التحرير أنه بسبب تجمد مجتمع قريش، واشتداد الضغوط على الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه "ظهر أن الانتقال للدور الثالث، دور تطبيق الإسلام، لا بد منه" فطب (صلى الله عليه وسلم) النصرة من سائر القبائل، وتحديدا من زعمائها وأشرافها، بغرض وإيصاله (صلى الله عليه وسلم) إلى الحكم لإقامة حكم الله، وتطبيق الإسلام في دولة القرآن.

وبحسب الحزب لم يكن فعله (صلى الله عليه وسلم) ارتجالا، أو أسلوبا دعويا وسياسيا فرضته الحاجة، أو أملاه الواقع، ولم يكن إصغاء إلى نصح، أو تجربة ينتظر نتيجتها، فقد أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل، بإسناد حسن، عن ابن عباس قوله: "حدثني علي بن أبي طالب، قال: لما أمر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) على هذه الطريقة، عل الرغم من تكرار الصدود الذي لقيه، وعلى الرغم من الاقتراحات الأخرى التي عرضت عليه، فمشركو قريش عرضوا عيه الملك – أي المشاركة في الحكم – فأبى، والصحابة في بيعة العقبة الثانية عرضوا عليه أن يأذن لهم بمقاتلة أهل منى بالسيوف، فقال: "لم نؤمر بالقتال" [رواه النسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه]. أي أنه أبى العمل المادي والاغتيال والثورة المسلحة طريقا للدولة، كل هذا يشكل مؤشرا إضافيا على وجوب طلب النصرة.

ثانيا: الأهداف الاستراتيجية لحزب التحرير

نجد في أدبيات الحزب، أن غاية حزب التحرير هي استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهذه الغاية تعني إعادة المسلمين إلى العيش عيشا إسلاميا في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي، بحيث تكون جميع شؤون الحياة فيه مسيرة وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية، هي دولة الخلافة، التي ينصب المسلمون فيها خليفة يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد.

والحزب يهدف إلى إنهاض الأمة والنهضة الصحيحة بالفكر المستنير، ويسعى إلى أن يعيدها إلى سابق عزها ومجدها، بحيث تنتزع زمام المبادرة من الدول والأمم والشعوب، وتعود الدولة الأولى في العالم، كما كانت في السابق، تسوسه وفق أحكام الإسلام، كما يهدف إلى هداية البشرية، وإلى قيادة الأمة للصراع مع الكفر وأنظمته وأفكاره، حتى يعم الإسلام الأرض.

لا رؤية فلسطينية خاصة

ثمة إشكالية في التعاطي مع حزب التحرير في موضوع يتعلق بدور الحركات الإسلامية الفلسطينية في لبنان، فحزب التحرير ليس حزبا فلسطينيا من حيث دوره وطبيعة عمله، كما هو حال باقي القوى الفلسطينية، وإن كان مؤسسه الشيخ تقي الدين النبهاني فلسطينيا، كما أن حزب التحرير لا يعترف بالقطرية الكيانية في تقسيم الدول الإسلامية والعربية، ولا يقر بالإقليمية، ومسألة الهوية الوطنية ليست حاضرة عنده، على الأقل كمنطلق أو كدافع للتعامل مع المسائل السياسية والاجتماعية، حتى لو كانت بمثل مستوى القضية الفلسطينية ومكوناتها الذاتية.

لكن للحزب حضورا في المجتمع الفلسطيني في لبنان، على الأقل في انتماء عدد من الفلسطينيين إلى الحزب، على الرغم من غياب أي نشاط معلن للحزب على المستويات السياسية والجماهيرية لفترة طويلة جدا داخل المخيمات حتى حصوله على (علم وخبر) سنة 2005 من الحكومة اللبنانية.

إن تواجد حزب التحرير في المجتمع الفلسطيني في لبنان يقوم على قاعدة العمل الفكري، فالحزب لا يقر بمصطلح اسمه مجتمع فلسطيني وثاني لبناني وثالث أردني، والحزب لا يعترف بالإقليمية ولا بتقسيم المنطقة وفقا لاتفاقية سايكس – بيكو سنة 1916، فالمجتمع، وفقا لرؤية الحزب في تشخيص الواقع، يتكون من الأفراد والعلاقات الدائمة بينهم، وهذه العلاقات هي الأفكار والمشاعر والأنظمة التي تسوده، وبناء على ذلك، لا ينبغي أن يكون مجتمع المسلمين إلا إسلاميا، والفلسطينيون ليسوا دخلاء في لبنان، حتى يكون لهم كيان خاص، يبدأ بلفظ الجالية، وينتهي بلفظ المجتمع، يقول د. أيمن القادري المسؤول الإعلامي في حزب التحرير:

إن المهاجرين والأنصار في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد انصهروا في بوتقة الإسلام الواحدة، وذابت الشخصيات الفردية والخصوصيات العرقية في أدبيات التخاطب المشترك بين الطرفين، هذا ما يفهمه حزب التحرير، وهذا ما يمارسه، ولذلك يعمل في أوساط الأمة دون حرج، أو حاجة إلى تسويغ عمله في جزء منها، فهي كلها مكلفة بإحياء أمر الله، وليس للحزب في لبنان جناح خاص للفلسطينيين الذين يعملون في صفوفه، أو برنامج عمل خاص، رغم انتشاره الواسع في المخيمات الفلسطينية، وتحركه النشيط فيها، هذا لا يعني أنه لا يولي قضية فلسطين الاهتمام البالغ، لكن ذلك عائد إلى أنها قضية إسلامية، تعني الفلسطيني، كما تعني الصومالي، والإندونيسي، وإن كان الأول يتلظى بنارها الكاوية عمليا.

ويرى د. القادري:

أن الانزواء في قمقم الوطنية، يبعد قضية فلسطين عن الفهم الشرعي لأصل المشكلة، وللمعالجة الفقهية الصحيحة، كما يسلخ عنها مسؤولية أبناء الأمة جمعاء في النصرة، ويصبح المطلوب مجرد التعاطف، لقد جنت الفصائل التي تصر أن تتبنى الأطروحة الوطنية، على قضية فلسطين، وساهمت في الوصول إلى صفقات تسوية إفرادية، مثل كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو، وأدى إلى الإصرار على أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، إلى تنصل الأنظمة العربية، ولا سيما دول الطوق، من واجب الجهاد، وصار على كل شعب أن يقتلع شوكه بيديه، لا ندري كيف نثور في وجه وعد بلفور، وقرار التقسيم، وسواهما، من القرارات الصادرة عن دول الغرب المستعمر، أو عن الأندية الدولية التي تدور في فلكها، ثم نرتضي أن نعمل وفقا لخريطة سايكس بيكو الاستعمارية، ونطالب بدولة فلسطينية، لا تختلف في حدودها عن تلك التي رسمتها تلك الخريطة الآثمة!! وعلاوة على "الجناية" الفكرية التي أوقعتنا فيها الفصائل الوطنية، رأينا أنها ركنت إلى الأنظمة العربية، ونفذت سياساتها الرعناء، فأدى الأمر إلى التشرذم، وتعدد الفصائل التي لا تختلف في برامجها، بقدر ما تختلف في الجهات الداعمة، وأدى إلى الدخول في معارك هذه الأنظمة، في الأردن ولبنان والعراق والكويت، وأدى إلى التقاتل الدموي المسلح بين الفصائل، وأدى إلى تخلي بعض الفصائل عن شعار الكفاح المسلح، والانبطاح في صف التفاوضات المذلة.

حزب التحرير يرى أن القضية الأساسية للأمة الإسلامية هي استئناف الحياة الإسلامية عبر إعادة الحكم الإسلامي، ويساوي حزب التحرير بين ما يعانيه الفلسطينيون وما يعانيه المسلمون في الشيشان أو إندونيسيا، فالحدود مصطنعة والدول القائمة كرتونية، والمستعمر جعل القضية الفلسطينية قضية خاصة بالفلسطينيين من خلال إيجاد كيان خاص بهم هو منظمة التحرير الفلسطينية.

و "لا يجيز حزب التحرير النظر للفلسطينيين في لبنان كأنهم غرباء، فنحن (حزب التحرير) وإياهم (الفلسطينيين) جسد واحد، نحن وهم، يصيبنا ما يصيبهم ويصيبهم ما يصيبنا، الفلسطينيون في لبنان إخوة وليسوا جيرانا، ولهم في لبنان ما للبنانيين".

كما لا ينكر حزب التحرير أنه استبعد من العمل في المخيمات الفلسطينية بشكل علني، وأن هناك بعض القوى الفلسطينية منعته من التحرك ربما بتوصية من إحدى الدول، لكن الحزب لم يوقف نشاطه بالكامل داخل المخيمات، بل ظل يتحرك ولو بشكل محدود وبأعمال إعلامية وفكرية.

موقف الحزب من مسألة السلاح

حزب التحرير لم يقاتل الاحتلال الإسرائيلي، ولم يتبن المقاومة المسلحة، ولم يشكل فصيلا مقاتلا، ولم يشارك في أي أنشطة مقاومة في داخل فلسطين، ولا في مواجهة الاجتياحات الإسرائيلية في لبنان, فهو "حزب سياسي فكري لا يتعدى هذين الإطارين"، كما يقول د. أيمن القادري المسؤول الإعلامي للحزب في لبنان، إن فلسفة حزب التحرير من عدم استخدامه للسلاح ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين أو لغيره يلخصها الحزب بقول د. القادري إن:

إزالة كيان يهود لا يكون إلا باقتلاعه من جذوره، وهذا يقتضي أعمالا عسكرية واسعة النطاق، تهدف إلى فتح كل الجبهات في بلاد الطوق، وتوحيد الجيوش الزاحفة، تحت قيادة واحدة، لا تتحرك لمجرد الضغط في سبيل تحسين شروط التفاوض، ولا تتحرك من منطلق تحرير الأرض الوطنية دون غيرها، ولا تتحرك ضمن الأطر التي تسمح بها القرارات الدولية، أو ما تجيزه الشرعية الدولية.

العمل العسكري الفعال في نظر حزب التحرير يأتي عقب تغيير سياسي في المنطقة، والإتيان بنظام جديد، لا يهادن الغرب، ولا يأبه إلا لأحكام الجهاد، ولهذا فإن تصدي حزب التحرير للاعتداءات الإسرائيلية أو للاجتياح الصهيوني للمخيمات الفلسطينية "أمر لم يحصل، لأن طبيعته كحزب سياسي تفرض عليه أن لا يتعاطى في الأمور العسكرية والمادية" كما يقول الدكتور محمد جابر رئيس اللجنة المركزية للحزب في حوار خاص مع المؤلف، فشروط استخدام السلاح عند حزب التحرير مرتبط بقيام دولة إسلامية، وبأمر يصدر عن رئيس الدولة "الخليفة" باستخدام السلاح، وعند قيام مجتمع إسلامي وحكم إسلامي يمكن حينها للدولة، وليس لأي حزب، مقاتلة الكيان المغتصب.

ولكن في الوقت نفسه يوضح د. جابر أن "حزب التحرير يدعو أفراده – في أوطانهم – إلى مقاتلة الاحتلال – بشكل فردي – والتصدي له في حال تعرضت هذه الأوطان لاحتلال، وإلى الدفاع عن الأرض والعرض والدين". غير أن حزب التحرير لم يتبن رسميا أي شهيد من أفراده قضى في لبنان أثناء التصدي – بشكل فردي – للاجتياحات الإسرائيلية ضد المخيمات الفلسطينية.

ومع هذا الكيان الصهيوني من وجهة نظر حزب التحرير "عدو ومغتصب، لا يجوز التعامل معه، فهذا الكيان اغتصب أرضا من بلاد المسلمين، وأقام عليها دولة له، وينكل يوميا بالفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين، ويستعد لاغتصاب أراض جديدة من بلاد المسلمين، فهذا الكيان لا نعتبره كيانا يمكن التعامل معه أو يمكن إقامة صلح معه.

أما عن محاولات الحكومة اللبنانية سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات الفلسطينية وخارجها فيرى حزب التحرير أن هذا الموضوع "سياسي وليس أمنيا، المقصود منه جر الفلسطينيين إلى فتنة داخلية حتى يستفاد منها في ما يخطط للبنان في الوقت الحاضر .. أكثر المشاكل مع المخيمات أو داخلها هي مشاكل مفتعلة، من يخطط للبنان يهدف إلى إيجاد الشرخ لإيجاد فتنة أو حرب أهلية ... والمطلوب عدم الانجرار إلى الفتنة والوعي".

موقف الحزب من الأوضاع الإنسانية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين

مشكلة أخرى تواجه عمل حزب التحرير في المجتمع الفلسطيني؛ فالمجتمع الفلسطيني يعاني من مشاكل وأزمات إنسانية واجتماعية وأخلاقية، ولكن الحزب لا يتصدى لهذه المشكلات "لأن الحزب ليس مستلما للسلطة، ولا يتعاطى الشأن العملي في المخيمات، من ضمن ما يسمى إدارة المخيمات ... لكن الحزب يتدخل لوقف التصعيد الأمني في المخيمات، أو للحيلولة لوقف الاقتتال أو للمصالحة ... الحزب لم يفرغ نفسه لأهل فلسطين أو لأهل لبنان".

يقول د. أيمن القادري المسؤول الإعلامي لحزب التحرير "ليست للحزب أعمال اجتماعية يقدمها للوسط الفلسطيني، لكن الحزب لا يمنع أفراده من القيام بأي عمل يخفف من أعباء الناس".

كما أن حزب التحرير لا يمانع بحوار فلسطيني – لبناني لحل مشاكل اللاجئين الفلسطينيين، وهو رحب بالحوار بين الحكومة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، لكن الحزب يرفض أي حوارات مشبوهة من أجل مشاريع تحاك للمنطقة، لإقامة دويلات إضافية للدويلات الموجودة، لأنها تخالف الشرع الإسلامي وتسهم في التفتيت. حزب التحرير والجنسية اللبنانية:

ينفرد حزب التحرير بموقف مميز من مسألة إعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الجنسية اللبنانية، عن كل القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني، وأيضا عن المواقف المعلنة للفصائل والقوى الفلسطينية، وعن مواقف لبنان الرسمي والحزبي والشعبي، فحزب التحرير بحسب رؤيته الإسلامية ورفضه للتقسيمات الإقليمية، وإيمانه بوحدة المسلمين، يؤيد تجنيس الفلسطينيين في لبنان:

فإذا أجبرنا أن نعيش بحكم الواقع في رقعة تسمى لبنان، ووجد في نفس الوقت من أهلنا من فلسطين من يعيش معنا، فنحن نعتبرهم إخوة وأحبة، نعتبر الجنسية اللبنانية مثل الجنسية الفلسطينية، مثل الجنسية العراقية، وهي تقسيمات مفروضة علينا، فالتخلي عن الجنسية الفلسطينية، هو مثل التخلي عن الجنسية اللبنانية ... ليست مشكلة بالنسبة لنا أن يتخلى اللاجئ الفلسطيني عن هويته الفلسطينية ليحصل على هوية لبنانية.

ولا ينشغل الحزب كثيرا بالمدلولات السياسية لعملية التجنيس، التي يفهم منها لدى شرائح واسعة من الفلسطينيين واللبنانيين، أنها عملية توطين بقصد إغلاق ملف اللاجئين وإنهاء القضية الفلسطينية.  

الفصل الرابع الحركة الإسلامية المجاهدة: نحو الجهاد في الظروف الصعبة

أولا: الحركة الإسلامية المجاهدة ... لماذا؟

الدوافع الأساسية لتأسيس الحركة الإسلامية المجاهدة هي دوافع جهادية عسكرية، وإن كان الدافع الديني والتربوي والاجتماعي ظاهرا في كل الأسباب والمبررات، فالظروف التي مرت بها القضية الفلسطينية بعد حربي حزيران/ يونيو 1967، وتشرين الأول/ أكتوبر 1973، وتصاعد العمل العسكري في المجتمع الفلسطيني ضد الاحتلال، مثل حافزا لدى مجموعة من الشباب المسلم في منطقة صيدا في جنوب لبنان؛ للبحث عن صيغة لعمل عسكري جهادي تحت راية إسلامية، تواكب تصاعد المد الإسلامي في تلك الفترة وبداية النهوض الديني.

تأثرت مجموعة من الشباب المسلم في منطقة صيدا بالشيخ حامد أبو ناصر، وهو رجل فلسطيني كان مشاركا في القواعد العسكرية بالأغوار في الأردن، التي عرفت بقواعد الشيوخ، والتي كان من قادتها الشيخ الشهيد عبد الله عزام والشيخ أحمد نوفل،

تقول نشرة صادرة عن هذه الحركة أنه عندما انطلقت الحركة الإسلامية المجاهدة سنة 1975:

كانت فريضة الجهاد شبه مغيبة، طرحا وممارسة، وكانت الاتجاهات الإسلامية في غالبها منشغلة بالمواجهة الثقافية والبناء التربوي، ولم يكن لها حضور يذكر في ساحات المواجهة العسكرية ضد العدو الصهيوني وعملائه الصليبيين في هذه المنطقة، في الوقت الذي تصدرت فيه الفصائل العلمانية واليسارية المواجهة المسلحة، ولكن من منطلقات لا دينية، وكان يعاب على الإسلاميين غيابهم عن ساحة المعركة، وينعتون بالعمالة حينا، وبالجبن والتخلف حينا آخر، بل اتهم الدين نفسه بأنه أفيون الشعوب.

وبحسب النشرة فقد جاءت الحركة الإسلامية المجاهدة في ظل تلك الظروف "لتضيف إلى المواجهة الثقافية والتربوية بعدا آخر، وهو المواجهة الجهادية طرحا وممارسة، وذلك استجابة للواجب الشرعي الذي يفرض الجهاد واجبا شرعيا وفريضة عينية، بإجماع الفقهاء، إذا احتل شبر من أرض المسلمين"، كما جاءت الحركة الإسلامية "ردا عمليا على دعاوى العلمانيين واليساريين؛ لتثبت حضور العمل الإسلامي في ميادين الجهاد وساحات المواجهة المسلحة ضد قوى الظلم والاستكبار إلى جانب حضوره في ميادين وساحات المواجهة الثقافية والفكرية والتربوية والاجتماعية".

ثانيا الدوافع والأهداف

بعد قراءة أجرتها المجموعة التي أسست الحركة الإسلامية المجاهدة للواقع السياسي للعالم الإسلامي، وجدت الحركة نفسها مدفوعة للعمل العقائدي والسياسي والعسكري بثلاثة منطلقات:

وبحسب الحركة فإن الدافع العقائدي يفهم في ضوء أن: "أعداء الله من اليهود والصليبيين والشيوعيين والوثنيين والأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله، يشنون حربا عقائدية حضارية لاستئصال الإسلام، ومحو الحضارة الإسلامية والسيطرة على أراضي الإسلام".

والدافع السياسي يفهم في ضوء أن: "العالم الإسلامي يتعرض لحرب إبادة وسيطرة سياسية من قبل أعداء الله، وخاصة في حلقاته الساخنة".

أما الدافع الاجتماعي فيفهم في ضوء أن: "مجتمعاتنا ضربت عقائديا وأخلاقيا ونفسيا، فتمزقت الشخصية الإسلامية على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع، فلا بد من صياغتها من جديد على أساس من الإسلام والتقوى والجهاد في سبيل الله".

والأهداف التي سعت الحركة الإسلامية المجاهدة للوصول إليها هي "تحقيق العبودية لله، وإقامة المجتمع الإسلامي".

وذلك من خلال أهداف مرحلية هي: "إيجاد الشخصية الإسلامية المتميزة بإعدادها الشمولي عقائديا وسياسيا وعسكريا، وإيجاد التنظيم المجاهد ... القائم على سرية القيادة والأفراد وعلانية الدعوة للإسلام، والعمل على إيجاد الدولة الإسلامية لتطبيق شريعة الله في أية بقعة من العالم الإسلامي تنضج أسباب قيامها".

الشيخ حامد أبو ناصر (أبو جهاد) فلسطيني من الضفة الغربية، انتقل أثناء اللجوء إلى الأردن وقاتل في الأغوار، ثم غادر الأردن إلى لبنان، درس الشريعة الإسلامية، تعرف عليه شباب من مخيم عين الحلوة كانوا يأخذون دروسا عامة عند الشيخ إبراهيم غنيم، وهو شيخ فلسطيني من أبرز الدعاة والوعاظ، خصص كل وقته للوعظ والإرشاد والتعليم، كان يسكن في مخيم نهر البارد ثم انتقل إلى مخيم عين الحلوة، وكانت ينتقل بين المخيمات مدرسا وموجها.

تلاميذ الشيخ إبراهيم غنيم دخلوا في حلقة مع الجماعة الإسلامية، لكنهم غادروها بعد ذلك بسبب رغبتهم في العمل الجهادي، وهو ما لاقى صداه عند الشيخين حامد أبو ناصر وإبراهيم غنيم، فالشيخ غنيم كان يركز على التعليم والفقه والتربية، والشيخ أبو ناصر كان يركز على المنهج الحركي ويدرب على الجهاد.

المجموعة الفلسطينية الصغيرة هذه كان عدد أفرادها خمسة في البداية وكانت نواة التأسيس، بين أفرادها الشيخ عبد الله حلاق والشيخ جمال خطاب، اختير الشيخ أبو ناصر لقيادة الحركة، وظل الشيخ إبراهيم غنيم بمثابة المرشد "يوجه الجميع، وينتقد الجميع".

كانت القضية الفلسطينية من أسباب إنشاء الحركة الإسلامية المجاهدة، فالمؤسسون يؤمنون بأهمية فلسطين ومكانتها المقدسة، وحاضرها وتاريخها وعلاقتها بالإسلام وقيمتها لدى المسلمين، والمؤسسون فهموا الرابط بين فلسطين، الأرض المقدسة وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وبين نهوض الأمة الإسلامية وواجب المسلمين الشرعي في الدفاع عن الأرض، وفي مواجهة المشروع الصهيوني – الأمريكي، ورأوا أن مقاومة الاحتلال واجب شرعي على كل المسلمين، وأن قتال العدو مهمة كل قادر، ويومها كانت الظروف الفلسطينية في لبنان مهيأة لمقاومة الاحتلال، كما أن انتشار الثورة الفلسطينية كان عاملا مساعدا.

إن الحركة الإسلامية المجاهدة، ومن خلال أميرها الشيخ حامد أبو ناصر، كانت على علاقة مع قيادات من الإخوان المسلمين، الذين كانوا يدعمون الجهاد العسكري ضد قوات الاحتلال، تلقت الحركة الإسلامية المجاهدة الدعم الروحي والمادي من قيادات في الإخوان المسلمين، وتلقت الحركة مساعدات مادية من "صندوق الجهاد" الذي أقامه الإخوان المسلمون في إحدى الدول الخليجية من خلال الشيخ (ك. ق) وكنيته أبو طارق، وكانت قيادات من الإخوان المسلمين تأتي بين حين وآخر للتواصل مع الحركة الإسلامية المجاهدة، لكن علاقة الحركة الإسلامية المجاهدة مع الجماعة الإسلامية في لبنان ظلت محدودة، بسبب أن بعض قيادات الجماعة الإسلامية لم يتقبلوا فكرة تأسيس تنظيم إسلامي جديد، وأنهم توقعوا أن تشكيل مجموعة إسلامية تعمل عسكريا ضد الاحتلال بشكل علني سيعرضها للاستئصال من قبل أنظمة وجماعات ومنظمات معارضة لكل ما هو ديني.

ثالثا: التحول العسكري

كانت بداية التحول العسكري في عمل الحركة الإسلامية المجاهدة بين سنتي 1975 و 1976 في بداية الحرب اللبنانية، يومها أعلنت فصائل الثورة الفلسطينية التعبئة العامة والتجنيد الإجباري، فأعلنت الحركة الإسلامية المجاهدة عن تشكيلاتها العسكرية، وشاركت مجموعات منها في القتال في بيروت إلى جانب الجماعة الإسلامية، وأنشأت الحركة معسكرا للتدريب في بلدة حومين في جنوب لبنان، كما أقامت قاعدة عسكرية في مخيم الرشيدية (قرب مدينة صور)، أخذت تدرب مجموعات من أعضاء الحركة ومجموعات إسلامية وإخوانية، وتعاونت الحركة الإسلامية المجاهدة في التدريب العسكري التقني مع "كتيبة الجرمق"، وهي تشكيل عسكري فلسطيني تابع لحركة فتح، لكن أعضاءها كانوا من أصحاب الجدارة العسكرية، ومقربين من الحركات الإسلامية، كما تعاونت الحركة الإسلامية المجاهدة مع أبو طعان (مصطفى خليل)، قائد جهاز الكفاح المسلح الفلسطيني، وهو قيادي من فتح كان يدرب المجموعات الإسلامية ويدعمها، واعتقلته القوات السورية أكثر من عشرين عاما لدوره في مساندة مجموعات من الإخوان المسلمين.

أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1978 رابطت مجموعة من الحركة الإسلامية المجاهدة في منطقة الصرفند على الخط الساحلي بين مدينتي صيدا وصور، وسنة 1982 أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان خاضت الحركة عدة معارك مع القوات الصهيونية، ونروي من قصص رجال الحركة الإسلامية ما يلي:

الشيخ أبو بكر (منير الحافي) قيادي من الحركة الإسلامية المجاهدة، استشهد في منطقة عدلون أثناء توجهه مع مجموعة من الحركة إلى جنوب لبنان، حيث اصطدموا في الطريق بدورية صهيونية لم يكونوا على علم بوصولها إلى هذا الخط المتقدم، حيث قامت دبابة صهيونية على بعد خمسين مترا بقصف السيارة بقذيفة واحدة، فلم ينج أحد ممن كان بداخلها إلا مقاتل من مخيم شاتيلا، وقد كان الشيخ أبو بكر قوي الشخصية وخطاباته مؤثرة وحادة، وقد طلب من ياسر عرفات ذات يوم إعلان حركة فتح حركة إسلامية.

مجموعة أخرى من الحركة الإسلامية المجاهدة تحركت من صيدا باتجاه بلدة مجدليون، على رأسها ثائر عبد الله، فاستشهد في اشتباك هناك.

مجموعة من الحركة شاركت في أثناء الاجتياح في الدفاع عن مخيم عين الحلوة قرب صيدا.

نفذت الحركة الإسلامية المجاهدة عدة عمليات ضد الاحتلال الصهيوني، أبرزها عملية سميت "عملية السراي" وقصة هذه العملية أن رجال الحركة رصدوا حافلة صهيونية كبيرة محملة بعشرات الجنود تمر بشكل دائم في أحد أحياء المدينة، غير أن مرور الحافلة محكومة بسيطرة صهيونية من خلال موقعين؛ أحدهما في مبنى السراي الحكومي على الجهة الجنوبية للمدينة، ولتدمير الحافلة بمن فيها رأت الحركة ضرورة استهداف الحافلة، وضرب الموقعين الصهيونيين في الوقت نفسه، حتى تتعذر نجدة ومساعدة من في الحافلة.

هذه العملية التي حصلت في شهر تموز/ يوليو سنة 1982، والتي تعد من أولى عمليات مقاومة الاحتلال استهدفت حافلة صغيرة محملة بالضباط مرت ذلك اليوم في نفس المكان المفترض أن تمر فيه الحافلة المحملة بالجنود، وأطلقت قذائف على الحافلة وعلى موقع السراي في الوقت نفسه.

بعد العملية بأسبوع داهمت قوة صهيونية منزل الشيخ عبد الله حلاق، الذي أصبح فيما بعد أميرا للحركة الإسلامية المجاهدة، والذي تمكن من مغادرة منزله في حي الفيلات في صيدا من باب خلفي، وتسلل سرا إلى مدينة طرابلس اللبنانية، ثم انتقل سرا إلى بيروت، ومن هناك ظل يتنقل أسبوعيا وبشكل متخف إلى صيدا، لكن بعد مداهمة منزل الشيخ حلاق بثلاثة أيام، داهمت قوة صهيونية منزل فوزي آغا، المسؤول العسكري للحركة، فاشتبك مع القوة الصهيونية واستشهد.

شاركت الحركة الإسلامية المجاهدة في معارك شرق صيدا سنة 1985، ثم في الدفاع عن مخيم شاتيلا في حرب المخيمات سنة 1985، غير أن الانسحاب الإسرائيلي من صيدا ومن جزء كبير من جنوب لبنان وانتهاء حرب المخيمات، دفع الحركة الإسلامية المجاهدة إلى التخفيف من أعمالها العسكرية، والتحول نحو العمل الاجتماعي، وكان الشيخ حامد أبو ناصر أمير الحركة قد غادر لبنان سنة 1983، وحل مكانه الشيخ عبد الله حلاق، الذي سلم المهمة سنة 1994 للشيخ جمال خطاب، وظل حلاق رئيسا لمجلس الشورى في الحركة.

رابعا: التربية الدينية والعمل الاجتماعي

بعد اتفاق الطائف في لبنان وانتشار الجيش اللبناني في منطقة صيدا ومحيط مخيمي عين الحلوة، مثلت سنة 1990 تحولا في الحركة الإسلامية المجاهدة.

بدأت الحركة بالتركيز على العملين التربوي والاجتماعي من خلال مجموعة من المؤسسات، فأنشأت سنة 1986 مؤسسة مرشد (مجلس رعاية الشؤون الدينية) وهو يرعى الأعمال المسجدية ومراكز تحفيظ القرآن، ويشرف على عدد من رياض الأطفال، وأنشأت هيئة دعوية نسائية تدرس مئات النساء في مستويات متعددة عبر دورات شرعية، وتشرف الحركة الإسلامية على تلفزيون الرسالة، وهي قناة محلية في مخيم عين الحلوة تأسست سنة 1999، تبث عددا من البرامج الدينية والتثقيفية، ومكتبة عامة باسم مكتبة البنا، ودار الفرقان لتحفيظ القرآن الكريم تدرس في الدورات الصيفية 400 طالب من الذكور والإناث، وأصدرت الحركة سنة 1979 مجلة "صدى الجهاد" وهي مجلة شهرية (فكرية وسياسية).

وأنشأت الحركة الإسلامية المجاهدة سنة 1989 اتحاد الطلبة المسلمين، الذي أصدر مجلة "الهداية" التربوية، ويعمل الاتحاد على تحقيق الأهداف التالية:

1 – الدعوة إلى فهم الإسلام والالتزام به والدفاع عنه.

2 – إيجاد الطالب القدوة في الالتزام الديني وتفوقه العلمي وسلوكه الأخلاقي.

3 – بث روح الجهاد ونصرة القضايا الإسلامية.

4 – دعم القضايا الطلابية المحقة.

5 – مواجهة حملات الغرب والعلمنة والتطبيع.

خامسا: الشؤون العامة

لعبت الحركة الإسلامية المجاهدة، من خلال تموضعها في مخيم عين الحلوة، دورا أساسيا إلى جانب القوى الإسلامية الأخرى، وأصبحت الحركة عضوا في إطار "القوى الإسلامية" الذي تشكل سنة 1990، وهذا الإطار عني بمتابعة شؤون المخيم الحياتية والعامة، ومتابعة دور اللجنة الشعبية والعلاقة مع الأونروا، وهي المنظمة الدولية لرعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين.

أسهمت الحركة الإسلامية المجاهدة في قضايا الإصلاح بين الناس، وتقديم الرعاية الاجتماعية وفق إمكانياتها، مع تقديم مساعدات إنسانية، وشاركت الحركة في إيجاد حلول للاشتباكات والأحداث الأمنية في مخيم عين الحلوة، واهتمت بمواجهة الفساد الاجتماعي والانحراف الخلقي والآفات الاجتماعية.

ومارست الحركة نشاطا بارزا في حفظ أمن المخيمات والتعاطي الإيجابي لتحسين علاقة المخيم مع الجوار، والإبقاء على استقرار الوضع في المخيم، خاصة بعد الاشتباكات المسلحة بين بعض المجموعات الفلسطينية فيما بينها، أو بين مجموعة فلسطينية ووحدات الجيش اللبناني.  

الفصل الخامس عصبة الأنصار: النور والسيف

أولا: الدعوة لنور الإسلام

يختلف كثيرون حول عصبة الأنصار، لكنهم يتفقون على أن تأسيسها كان على يد شخص واحد، اسمه الشيخ هشام شريدة، من مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، وترجع أصوله إلى بلدة الصفصاف في شمالي فلسطين.

ولد الشيخ هشام شريدة سنة 1957 في مخيم عين الحلوة، التزم بالإسلام منذ شبابه، تنقل بين أكثر من تنظيم فلسطيني، من حركة فتحإلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكن لم يطب له المقام إلا في محضن إسلامي، فانضم إلى الجماعة الإسلامية سنة 1981، تأثر بما يطرحه مسؤول في حزب التحرير هو حسين أبو الهيجا، فعمل مع الجماعة الإسلامية و حزب التحرير دينيا وثقافيا ودعويا، لكنه لم يغادر الجماعة، بل قاتل في صفوفها خلال معارك صيدا سنة 1985، لكن كان الشيخ هشام رؤيته الخاصة، ومنهجه الذي يحمل كثيرا من الفصل والقوة والوضوح، فآثر الابتعاد عن هذين التنظيمين، وتأسيس عصبة الأنصار في أواخر سنة 1407 هـ الموافق له سنة 1986.

تنطلق عصبة الأنصار في تأسيسها إلى الماضي الإسلامي البعيد، وتربط نفسها بأساس الدعوة الإسلامية، وتعتبر نفسها استكمالا لمرحلة الصحابة والخلافة، فقد:

عاش الناس قبيل وبعد سقوط الخلافة الإسلامية في واقع مرير، فلقد تسربت إلى بلادنا الإسلامية الأفكار القومية والوطنية، وانتشرت مؤخرا الشيوعية والعلمانية، ولقد استغل أعداء الإسلام الفرصة، وعاثوا في الأرض فسادا، محاولين إقناع أبناء الأمة الإسلامية أن التخلف الذي أصابهم إنما هو بسبب تمسكهم بالدين والعقيدة، ولضعف العقيدة لدى كثير من أبناء الأمة استطاعت هذه الأفكار الباطلة والمبادئ الهدامة أن تجد لها مكانا في أوساط المسلمين.

وتأسيس عصبة الأنصار لم يكن بعيدا عن الظروف والأحوال التي عاشها الفلسطينيون في مخيم عين الحلوة، وفي لبنان عموما، بل كانت نتيجة الأحداث والظروف الفكرية والسياسية والأمنية التي مر بها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، ونتيجة للاختلاف السياسي داخل الساحة الفلسطينية نفسها.

تعريف: عن ذلك تقول عصبة الأنصار

في عين الحلوة في لبنان "من بلاد الشام المبارك" كان الشباب غارقا في ظلمات المعاصي، وكان ارتكاب الكبائر شائعا، في مثل هذه الظروف الصعبة والأحوال العصيبة قام شيخ جليل حاملا لواء الإسلام إلى الناس، فأنار بدعوة الإسلام قلوبا حائرة، وطرقا مظلمة، إنه الشيخ أبو عبد الله (هشام شريدة) الذي خرج من بين ذلك الركام يدعو إلى الله عز وجل، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

تعريف عصبة الأنصار نفسها على أنها "عصبة مسلمة تلتزم الدين الإسلامي عقيدة ونظاما، وتعتقد العصبة أن الإسلام فيه الحل الصحيح والوحيد لمشاكل البشرية جمعاء، نحن في عصبة الأنصار نوحد الله تعالى بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فلا خالق غيره، ولا رب سواه، ولا رازق ولا مالك ولا مدبر لهذا الوجود إلا هو، ونوحد الله في أفعاله سبحانه، كما نوحده بأفعالنا أيضا".

وتكفر عصبة الأنصال "بكل الطواغيت والأفكار المعادية للإسلام، والأفكار التي تتعارض مع هذا الدين، كالعلمانية والديمقراطية والاشتراكية والقومية والوطنية، وهذه الأفكار خارجة عن الإسلام، وأهلها معادون لأهل الإسلام".

الولاء والبراء

تقف عصبة الأنصار عند قضية الولاء والبراء (أي الولاء لله والبراء من كل أنواع الكفر والشرك) وقفة واضحة وثابتة، وتقول "إن قضية الولاء والبراء قضية إسلامية هامة، توليها عصبة الأنصار أولوية كبيرة ومكانة عظيمة، وكذلك يجب أن تعظم هذه القضية في قلب كل مسلم صادق، الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين". وتضيف عصبة الأنصار عن نفسها:

ونحن في عصبة الأنصار نتولى الله ورسوله والمؤمنين كما جاء في الآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون).

وقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، وهكذا فإن المؤمنين جماعات وأفرادا هم إخوة لنا، لهم علينا حق النصرة وإن خالفونا أو خذلونا، ننصح لهم، ونرجو أن ينصحوا لنا، قال الله تعالى (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)، وقال (صلى الله عليه وسلم) : "الدين النصيحة"، نصبر على إخواننا وننصح لهم بالمعروف، وإن تطاولوا علينا لقوله تعالى: (أذلة على المؤمنين) نكف عن غيبتهم، وإن اغتابونا نحبهم في الله، وإن أبغضونا، ونهيب بكل أخ في العصبة أن يلتزم بهذا، وإن كان ثقيلا على النفس، قال تعالى (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى).

وحدة المسلمين

تتطلع العصبة إلى وحدة المسلمين فتشير في إحدى نشراتها التعريفية:

وليت وحدة المسلمين تتحقق اليوم ضمن جماعة واحدة، وتحت راية واحدة، وتحت راية أمير واحد، ولكن ذلك يبدو صعبا في غياب دولة الإسلام، لاختلاف اجتهادات المسلمين في عملهم لاسترجاع دولة الإسلام، وهم مأجورون – إن شاء الله – طالما كانوا مخلصين لله متبعين لسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مؤثرين للحق ولو على أنفسهم، لكن هذا لا يعني أن يتركوا موالاة ونصرة بعضهم البعض، ويجب أن يظل التعاون قائما عملا بقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وهل هناك أمر نتعاون عليه وننصر بعضنا بعضا من أجل تحقيقه أولى من تنصيب خليفة يحكم بما أنزل الله.

وتتحدث عصبة الأنصار عن تكامل العمل الإسلامي فتقول:

وعملا بتوجيه الله تعالى فإن عصبة الأنصار تمد يد العون لكل أفراد المسلمين وجماعاتهم العاملة المخلصة، ونطالبهم كذلك بنصرتنا وإعانتنا في كل الأمور الشرعية، والتي يطلب فيها التعاون بين المسلمين (....) ولو تناصر المسلمون وتعاونوا على البر والتقوى لبلغوا أهدافهم، ولنالوا محبة ربهم، ولما استطاع الكفار النيل منهم، فلنتق الله جميعا ولنترك النزاع ولنتعاون ولننصر بعضنا بعضا، قال الله تعالى (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).

البراءة من الشرك

وتتبرأ العصبة من الشرك والمشركين، والكفر والكافرين، والنفاق والمنافقين، حيث تتبرأ من:

جميع الحركات والأحزاب المخالفة للإسلام، تتبرأ من جميع الحكام الذين يحكمون بالكفر، تتبرأ من أعوانهم وسدنتهم، قال الله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)، وقال الله تعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده)، فإلى عبيد الياسق العصري وحكوماتهم وأوليائهم وأنصارهم، وإلى أذنابهم من الأئمة المضلين المستهزئين بأحكام الله.

إلى هؤلاء جميعا نقول: لا نعبد ما تعبدون، لكم دينكم ولنا دين، كفرنا بكم وبدساتيركم وقوانينكم وتشريعاتكم التي تعبدونها من دون الله، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى ترجعوا إلى دين الله – وترضوا بحكمه وتسلموا تسليما، وإذا كانت الأدلة ثابتة في وجوب البراءة من الكفار، فإن على الجماعات الإسلامية أن تتبرأ من الكفار وأحزابهم وجماعاتهم وأن تظهر لهؤلاء العداوة والبغضاء دون مداهنة، ويجب أن تتوقف الجماعات الإسلامية عن الانضمام إلى مراكز حكمهم ومجالس كفرهم بحجة المصلحة، فإنه حيث يكون الحكم الشرعي تكون المصلحة ويس العكس، وليعلم هؤلاء أن الدخول معهم يلبس على الناس حقيقة أمر هؤلاء الكفار، وقد يظن الناس بهم خيرا، أما حين يتزيل الصف، ويتميز الحق من الباطل، ويظهر المسلمون جميعا العداوة والبغضاء لأنظمة الكفر، فإن هذا الباطل سيتداعى بإذن الله ويجد نفسه معزولا مستهجنا.

الأهداف:حددت عصبة الأنصار لنفسها الأهداف التالية

الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإعداد والجهاد في سبيل الله، والعمل لاسترجاع الديار والسلطة المغتصبة، وتنصيب خليفة يحكم بما أنزل الله.

وتنطلق الدعوة عند عصبة الأنصار من الآية القرآنية الكريمة (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله وسراجا منيرا)، ومن قوله تعالى (وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم)، لكن العصبة ترى أن الإعراض عن الدعوة إعراض عن أمر الله ورسوله، وتنصل من تحمل المسؤولية.

وتعتقد العصبة أن الاستمرار في الدعوة مرتبط بعزة المسلمين:

لا شك أن هذه مهمتنا نحن، وأن هذه المسؤولية هي مسؤوليتنا، نتقوى بطاعة الله على تحملها، دون وهن وبكل عزة، تلك العزة التي تجعلنا في موقف المنتصر المتعالي بحق على الباطل امتثالا لأمر الله عز وجل (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، ومن ثمرة تلك العزة أن نطرح دعوتنا بكل وضوح وقوة وصراحة، ونفخر بتلك الدعوة ... ولا نخلطها بأي شيء يشوبها لنيل رضى الحاكم ... تلك هي العزة التي تدخلنا في زمرة من قال الله فيهم (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا).

وتتوقف العصبة في أدبياتها عند بعض القواعد المهمة في الدعوة إلى الله، ومن هذه القواعد: الإحسان إلى الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف، وحب الإخوة في الله، ومسامحة الإخوة وعدم هجرهم، وإصلاح ذات البين، وإعانة المحتاج، والابتعاد عن الظلم والكذب والغيبة والكبر والتكبر واحتقار الناس، ونصرة المظلوم والصدق في التجارة وعدم الغش، والصبر والحلم والوفاء بالوعد وحسن الخلق.

الأمر بالمعروف

في مسألة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تقول العصبة إن "هذا الواجب لا يقام على أكمل وجه إلا في ظل الدولة الإسلامية، لكنه غير مقيد بها". ذلك أن القوامة على الحق، ومقتضيات هذا الحق من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ارتبط بالأمة بنص القرآن، ولم يرتبط بالدولة ولا بالحكومات لقوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).

لذا فإننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر محاولين تغييره بحسب استطاعتنا، باليد فإن عجزنا فباللسان فإن عجزنا فبالقلب، فمناط الوجوب هو القدرة، قال الله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم). قال الله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). فقدم سبحانه وتعالى ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، وفي هذا إشارة واضحة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أهم خصائص الإيمان.

وقال (صلى الله عليه وسلم): "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

فإنه أمر لا بد منه، وإلا عم العذاب الجميع، قال الله تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).

وترى العصبة أن هناك عقوبات وآثارا مترتبة على ترك مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها الهلاك بعد أن يكثر الخبث، وعدم إجابة الدعاء، وانتشار الأزمات الاقتصادية، والانغماس في الشهوات. الجهاد في سبيل الله:

تقوم عصبة الأنصار بالجهاد في سبيل الله على القواعد التالية:

• إن الجهاد في سبيل الله ماض إلى يوم القيامة.

• الجهاد لا يقام على أكمل وجه إلا في ظل الخلافة، وبوجود إمام للمسلمين.

• إن الجهاد هو مخرج أهل الإسلام من الهوان الذي يعيشونه اليوم إلى العزة والكرامة.

• الجهاد يكون بقتال الكفار، والمرتدين المحاربين لله تعالى ولرسوله، والخارجين عن شريعة الله المهددين لهذا الدين وأهله.

• الجهاد فرض يمليه الإجماع المنعقد على وجوب خلع الحاكم الكافر، أو قتال أي طائفة تمتنع عن شريعة أو أكثر من شرائع الإسلام، وتنصيب خليفة للمسلمين، وتخليص أسارى (أسرى) المسلمين.

وترى العصبة أنه ما من مانع للجهاد، وما من حاجز دون الجهاد، وما من مبرر يقعد (يمنع) المسلمين عن الجهاد، فلا السكون وطول الأمد والخوف من الموت وحب الأهل والأطفال والمال والعيال، ولا فراق الأخ والقريب والصديق، ولا الجاه والمنصب الرفيع، ولا حب الزوجة وجمالها، مبررات لتقعد الإنسان المسلم عن القيام بالجهاد في سبيل الله.

ثانيا: على خط المواجهة

فكرة تأسيس عصبة الأنصار بدأت بعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 فالناس في الشدائد تلجأ إلى الله، والهزيمة السريعة للفصائل الفلسطينية وأفكارها تركت آثارا كبيرة لدى الناس، فالناس غضبت من ممارسات الفصائل الفلسطينية، وذهلت من هذا السقوط السريع لها أمام الدبابات الإسرائيلية.

كان الهدف الأساسي عند بعض الشباب المسلم في مخيم عين الحلوة جمع الناس وطمأنتهم، والتخفيف عنهم بعدما دمرت غالبية منازل المخيم، يومها برز دور الشيخ هشام شريدة الذي خرج من معتقل أنصار بعد ثمانية أشهر من الاعتقال، استغلها في دراسة الدين والتحاور مع مختلف قيادات القوى الإسلامية في المعتقل.

بداية كان الناس يطلقون على مجموعة الشيخ هشام شريدة لقب "شباب الشيخ"، ثم كبرت الفكرة واتسعت دائرة الأنصار فصارت عصبة الأنصار.

العصبة تأسست سنة 1986، وقد بدأت الفكرة مع الشيخ هشام شريدة ومجموعة من الشباب، منهم أحمد عبد الكريم السعدي (أبو محجن)، الأمير اللاحق للعصبة الذي خلف الشيخ هشام بعد اغتياله في 15/ 12/ 1991، والشيخ أبو بلال الخطيب وأحمد الخطيب وأحمد جمعة وشخص من آل البرناوي، وهؤلاء جميعا استشهدوا.

وأسهمت عدة عوامل في إطلاق العصبة نذكر منها:

1 – إقبال الناس على الدين بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982.

2 – إقبال الشباب في مخيم عين الحلوة على المجموعات الإسلامية التي كانت تقاوم الاحتلال وتواجه ميليشيا القوات اللبنانية، كالجماعة الإسلاميةوالحركة الإسلامية المجاهدة.

3 – رغبة العناصر الإسلامية في الدعوة إلى الله، ونشر الدين الإسلامي، وتطبيق شرع الله.

4 – تراجع نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية.

كانت هناك جوانب كثيرة من الإسلام معطلة في حياة الناس، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما كانت بعض أعمال الفسق والفجور وترتكب علنا، فطرحت جماعة الشيخ هشام على القوى الإسلامية في المخيم مواجهة ذلك، والحد من التجاوزات الأخلاقية، إلا أن هذه القوى رفضت، فأخذت العصبة فعل ذلك على عاتقها.

الموقف من الجماعة وحزب التحرير

أوجه الخلاف بين عصبة الأنصار وغيرها من القوى الإسلامية متعددة، فحزب التحرير لا يعتمد خيار الجهاد وأسلوب العمل العسكري، ولو لم يكن هناك جهاد فكيف ستكون حال الأمة في فلسطين وأفغانستان؟ والجماعة الإسلامية تختلف في بعض مواقفها السياسية عن العصبة، وتبيح دخول البرلمان والمجالس التشريعية، لكن العصبة لا تختلف مع الجماعة في مسألة الجهاد والعمل العسكري، وإن كان كثر يرون أن التباين الذي حصل بين مجموعة الشيخ هشام شريدة قبل تأسيس عصبة الأنصار والجماعة الإسلامية هو الدافع الأبرز في حدوث حالة الابتعاد بين الطرفين؛ فجماعة الشيخ هشام أيدوا وشاركوا في هجوم المجموعات الفلسطينية على بلدة مغدوش اللبنانية، وهي بلدة سكانها من المسيحيين، وتقع على تلة عالية مشرفة على الساحل، ومطلة بشكل كامل على مخيم عين الحلوة، واستخدمها عناصر حركة أمل سنة 1986 في قصف المخيم وفي عمليات قنص المارة والمدنيين مما أدى لمقتل وإصابة العشرات، لكن الجماعة الإسلامية رفضت هذا الهجوم.

الموقف من الفصائل والقوى الإسلامية الفلسطينية

بالنسبة للموقف من الفصائل الفلسطينية، ترى عصبة الأنصار أن ما عملته هذه الفصائل من أجل فلسطين وقضيتها أبقى القضية حية، فهي دافعت عن فلسطين، لكنها قزمت القضية ومسختها، فلسطين ليست قضية م. ت. ف وهي أكبر من الجميع، الذين بدأوا يتنازلون عنفلسطين، وقالوا إن الحل السياسي هو الأنجح، وبحسب عصبة الأنصار فإن:

هذه التنظيمات أفلست لأنها لم تتبن الإسلام، نحن ندعوها لمراجعة أفكارها ومشروعها، نحن نفرق بين الحكم على الطائفة والحكم على الفرد، منظمة التحرير كطائفة خارجة عن الإسلام، لكن كأفراد لا ينطبق الحكم عليهم.

أما بالنسبة للقوى الإسلام الفلسطينية فهم إخوتنا في الدين، ونحن وإياهم أبناء دين واحد وقضية واحدة، نظرتنا لهم هي نظرة القرآن الكريم (إنما المؤمنون إخوة)، لكن نختلف معهم في بعض المواقف السياسية (الانتخابات والتهدئة و ...) نحرص على التنسيق وتقليص الخلافات من أجل مسألة الخلافة الإسلامية وقضية فلسطين.

نحن نؤيد حماس والجهاد الإسلامي وكتائبهما العسكرية، ندعو الله لهم بالنصر، هم أدرى بواقعهم ومشاكلهم، هم يقومون بعمل جهادي من جانب، وسياسي من جانب آخر، وأصعب الأمور ممارسة الجهاد والسياسة في آن.

إذا برزت بعض الأخطاء في العمل السياسي عند حماس نقول هم أدرى بوضعهم، نحن لا نعيب عليهم، نتحفظ على علاقات أقاموها مع بعض الأنظمة، إنما كل الأبواب أغلقت في وجوههم.

العصبة والقاعدة والشيخ بن لادن

عصبة الأنصار ليس لها أي علاقة تنظيمية بتنظيم القاعدة، عناصر القاعدة هم أبناء هذه الأمة، يدافعون عن الأمة ومقدساتها، نختلف معهم في ممارسات عملية خاصة داخل البلدان العربية.

نحن مع أسلوب القاعدة في الجهاد ضد الاحتلال وأعداء الأمة، نحن عصبة مستقلة استقلالا تاما.

من حيث المبدأ لا نؤيد تفجيرات القاعدة، لكن من حيث الدافع نعم، نؤيد من حيث الرد والانتقام على كل ما مارسه الآخرون من عمليات قتل واعتداء على الأمة، نؤيد من باب رد الاعتداء بالمثل. إذا طلبت القاعدة ضمكم لها في مشروع جهادي؟

نحن نرفض أن نكون ضمن القاعدة لو طلبت القاعدة ذلك، نحن لا نكون جزءا من هذا التنظيم.

في العقيدة والنهج ومصادر العلماء، نحن وإياهم نلتقي في قضايا كثيرة، لكن أوجه الاختلاف هي القيام بأعمال عسكرية وتفجيرية داخل الأقطار العربية.

الشيخ أسامة بن لادن رمز من رموز الأمة، أتاه الله الدنيا فتركها وتوجه للجهاد في سبيل الله، هو من مجددي هذه الأمة، كما الشيخ أحمد ياسين والشيخ عبد الله عزام، رحمهما الله.

العصبة وحزب الله

نحن أوضحنا العلاقة معهم مباشرة عبر طرف ثالث (في إشارة إلى اتصالات جرت بين العصبة وحزب الله بعد أحداث أيار/ مايو 2008 في لبنان إثر قيام حزب الله يتحرك عسكري غداة قرارات الحكومة اللبنانية حول شبكة الاتصالات) بعد ارتفاع وتيرة الشحن الطائفي في لبنان.

العصبة تنظر لحزب الله في ثلاثة اتجاهات:

1 – العقيدة: نحن على خلاف جذري وعميق بين السنة والشيعة.

2 – الجانب السياسي: حزب الله جزء من المشروع السوري الإيراني، والعصبة سياسيا بعيدة عن هذا المشروع.

3 – الاتجاه المقاوم: نحن نقدر ما قام به حزب الله عسكريا في مواجهة اليهود، نقدر دعم الحزب لأهلنا في فلسطين، قلنا لهم خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/ يوليو 2006 إن سلاح العصبة هو إلى جانب سلاحكم ضد التهديدات الصهيونية.

====حتى إذا حصل اجتياح 3 – الاتجاه المقاوم: نحن نقدر ما قام به حزب الله عسكريا في مواجهة اليهود، نقدر دعم الحزب لأهلنا في فلسطين، قلنا لهم خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/ يوليو 2006 إن سلاح العصبة هو إلى جانب سلاحكم ضد التهديدات الصهيونية. ؟====

إذا حصل اجتياح كاجتياح تموز/ يوليو 2006 قلنا لحزب الله إن عصبة الأنصار قادرة على إغلاق المنطقة الواقعة من بلدة الغازية جنوب مدينة صيدا إلى نهر الأولى شمالي المدينة بالكامل، قلنا لهم تستطيعون الاعتماد علينا لإغلاقها عسكريا بالكامل، ونحن مستعدون لصد أي عدوان في مواجهة اليهود.

إذا فتح لنا المجال لقتال اليهود عبر جنوب لبنان لن نتوانى عن تقديم أغلى التضحيات، نحن لا نكفر حزب الله، ولا نكفر الشيعة بالعموم، عموما الشيعة هم من الفرق الإسلامية.

سورية وإيران

لا توجد علاقة بشكل مباشر بين العصبة وسورية، ولا حتى أثناء الوجود السوري في لبنان، ولا حتى مع مسؤولي مخابراتهم في لبنان.

نحن لسنا مع توجيه أعمال عسكرية أو أمنية ضد سورية، نحن نقول إن الحركة الجهادية يجب أن تكون لها أولويات، وأهم هذه الأولويات ضد أمريكا و(إسرائيل).

السوريون أصروا على إبقاء نظرة سلبية ضد عصبة الأنصار، لإبقاء العصبة شماعة يتم إلصاق كل الموبقات بها. إيران كان لها الكثير من المواقف السلبية، وخاصة من الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وهذا ما تدلل عليه تصريحات مسؤولين أمريكيين.

نستغرب تواطؤ إيران مع آخرين على احتلال أراض إسلامية.

إيران تسعى لتصدير الثورة والتشيع، ونحن نختلف معهم على ذلك.

إذا وجدنا أنفسنا مخيرين أمام المشروع الإيراني أو الأمريكي، فنحن سنكون في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني.

أمام المحاكم

قصة عصبة الأنصار مع الاتهامات والمحاكمات والأحكام قصة طويلة، فبسبب بعض العمليات التي صنف منفذوها كأعضاء في العصبة أو حسبوا عليها، وبسبب اتهام البعض للعصبة بعمليات أو محاولات تفجير وقتل، صارت العصبة مادة أساسية لعمل المحاكم اللبنانية وبالتحديد منذ سنة 1995 تاريخ اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الشيخ نزار الحلبي، حتى سنة 2003 التي شهدت بداية مسلسل الهدوء في مسيرة العصبة الأمنية، والذي يرجع لأسباب ذاتية تتعلق بتغيير فكري وسياسي وأمني في أداء المسؤولين عن العصبة، وبمناخ أمني محلي وإقليمي امتد إلى مخيم عين الحلوة، ويعود جزء من ذلك إلى تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، والاضطراب الذي أصاب المنطقة بسببه، وتداعيات عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط/ فبراير 2005.

وساء صحت التهم ضد عصبة الأنصار وأفرادها أم لا، فإن المحاكم اللبنانية أصدرت عدة أحكام على زعيم العصبة الشيخ أحمد عبد الكريم السعدي الملقب بـ "أبو محجن" وعدد من أفراد العصبة، ومنها:

• 15/ 4/ 1999: المجلس العدلي برئاسة القاضي منير حنين يصدر حكمه المبرم في قضية محاولة اغتيال مفتي الشمال الشيخ طه الصابونجي، ومحاولة اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية في الشمال طه ناجي، فطلب الإعدام لأبي محجن، والأشغال الشاقة المؤبدة للمتهم أحمد الرفاعي، والسجن لعدد من المتهمين ومنهم فؤاد الزيني وسعيد الشهال وعبد الرحمن فايق.

• 16/ 5/ 2000: قاضي التحقيق العسكري رياض طليع يحيل مجموعة من عصبة الأنصار إلى المحاكمة بتهمة القيام بأعمال تفجير في صيدا ومحاولة قتل أحد القضاة وبعض أفراد الشرطة.

• 14/ 12/ 2001: قاضي التحقيق العسكري في صيدا رياض طليع يطلب الإعدام لثمانية من عصبة الأنصار هم خليل عبد المعطي ومصطفى شرقاوي وزياد الشهابي ووسام طحيبش وأسامة الشهاب وطارق الغلبان ونصر أبو صيام وغازي حمد، بتهمة تفجير محال وسرقتها، وسرقة مصارف في صيدا ومحيطها.

• 22/ 2/ 2001: الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسة القاضي زاهي كنعان تطلب الإعدام لسبعة من عصبة الأنصار لقتلهم محمد دقماق صاحب محل سمانة في 12/ 9/ 2000 قرب محل الهمشري.

• 25/ 10/ 2001: إدانة زعيم عصبة الأنصار أحمد عبد الكريم السعدي (أبو محجن) بجريمتي تحريض اثنين من أنصاره على قتل الفلسطيني أمين كايد (قيادي في حركة فتح)، وخطف امرأة بقوة السلاح سنة 1995 لأنها متهمة بممارسة الدعارة.

وقضى الحكم الأول بحبس أبو محجن عشرين سنة وتجريده من حقوقه المدنية وإدارة أمواله بواسطة الحكومة.


• 21/ 10/ 2001: الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على منتمين لعصبة الأنصار لإقدامهم على تفجير أحد متاجر بيع المشروبات الروحية في مدينة صيدا.

• 23/ 5/ 2002: طلب محكمة جنايات بيروت إنزال حكم الإعدام غيابيا بحق (أبو محجن) وآخرين، لإقدامهم على قتل مدرس مادة الدين وهو تابع لجمعية المشاريع الخيرية.

عصبة الأنصار ترفض هذه الاتهامات بالكامل، وترى أنها تعود إلى أن العصبة تمارس في مخيم عين الحلوة واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انطلاقا من قول الله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)، وانطلاقا من حديث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب من عنده".

يقول أبو شريف

عصبة الأنصار تركز على المخالفات العامة التي تضر بالمجتمع وتؤثر على الناس، المنكر إن لم نقم بمعالجته فسيصل إلى أبنائنا ونسائنا ومنازلنا.

نحن ننصح بالحسنى، لا نضرب، ولا نعتقل، لا نحتجز، لا نمارس العنف، لكن تحصل حالات مكابرة ومعاندة ... لدينا جهة شرعية تراجع الفتاوى، نحن لدينا مجتهد، مهمة هذه اللجنة إعداد البحوث ومراجعة الأمور الطارئة، وليس إصدار أحكام الإعدام، ونحن أساسا لا نصدر أحكاما بالإعدام.

أنتم تقتلون إذا بدون إصدار أحكام؟!

نحن لا نقتل أحدا، نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، لم نقم بأي عملية من كل ما اتهمنا به، لم نفجر أي خمارة، نتحدى المجيء بدليل، ولو قمنا بذلك لاعترفنا وأعلنا، أسباب الاتهام لنا هي أسباب سياسية، قضية اغتيال القضاة الأربعة في صيدا نحن براء منها، ونتحداهم تقديم دليل يثبت قيام العصبة بذلك. لا يوجد شخص من العصبة مسجون أو محكوم باستثناء قتل نزار الحلبي، لا يوجد لنا متهمون أو محكومون بقضايا تفجير.

أنا صدر ضدي حكم بالمؤبد، ولم أقتل ولم أسرق ولم أرتكب أية جنحة، لكن الحكم صدر ضدي لأنني قيادي في العصبة، وأخي اعتقل عند السلطات الأمنية اللبنانية لأنه أخي فقط، العصبة موجودة، وملفات القضاء موجودة، هاتوا ما عندكم، قاتلنا الاحتلال الأمريكي في العراق، وأرسلنا مقاتلين، وأعلنا ذلك على الملأ ولا نخاف ولا نستحي.

الاغتيالات

أصعب ملف واجه العصبة وأثر عليها وترك آثارا قوية للغاية على مخيم عين الحلوة والاستقرار الأمني فيه وانعكس على العلاقات الفلسطينية – اللبنانية، كان اتهام العصبة بارتكاب عمليات اغتيال وتصفية جسدية.

ففي 31/ 8/ 1995 اغتيل في بيروت الشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، حيث بادر أربعة شبان، كانوا ينتظرونه في سيارة، بإطلاق الرصاص عليه ما إن خرج من منزله فقتل على الفور.

وبعد التحقيقات توصلت الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية إلى تحديد المتهمين وهم؛ خالد محمد حامد ومنير صالح عبود وأحمد منذر الكسم، الذين أعدموا في بيروت سنتي 1995، و 1996.

وفي 7/ 6/ 1999 هاجم مسلحون مبنى المحكمة في صيدا فقتلوا على الفور أربعة قضاة هم؛ القاضي حسن عثمان رئيس محكمة الجنايات في جنوب لبنان، والقاضي عصام بوضاهر المحامي العام الاستئنافي في الجنوب، والقاضيان المستشاران عماد شهاب ووليد هرموش.

وغداة كل عملية اغتيال من هذه كانت أصابع الاتهام توجه للعصبة، وكان القضاء اللبناني يسارع إلى إطلاق الاتهامات على الرغم من النفي المتكرر للعصبة، وكانت المواقف السياسية في لبنان تحمل العصبة مسؤولية هذه الأعمال.

الأخطر من ذلك هو أن المناخ المتوتر والاتهامات والجو الإعلامي الضاغط كان يترك آثارا سلبية على مخيم عين الحلوة، وعلى مجمل الوضع الفلسطيني في لبنان.

فالقوى الأمنية اللبنانية كانت تعمد إلى محاصرة مخيم عين الحلوة ونشر قواتها الأمنية في محيط المخيم، وتبادر إلى إغلاق الطرق المؤدية للمخيم وتمنع أو تضيق على الدخول والخروج، وتزداد الأمور تعقيدا مع صدور مواقف تطالب بتسليم الفاعلين، علما بأن أي جهة سياسية أو أمنية فلسطينية أو لبنانية كانت لا تعلم اسم أي من الفاعلين حتى لو توفرت لديها النية الصادقة لتسليمهم.

هذه الأجواء الضاغطة كانت تهدد دائما بتفجير الأوضاع الأمنية بين المخيم ومحيطه، وبفتح جبهة عسكرية واسعة، وإثارة مسائل ذات أبعاد إقليمية خطيرة تتعلق بالوجود الفلسطيني وبمصير المخيمات وبالسلطة داخل هذه المخيمات، لذلك، وعلى الرغم من الأجواء الأمنية المتوترة، كانت الاتصالات السياسية غالبا ما تنجح في حلحلة الموقف، وسحب ذرائع التفجير، وتجنيب المخيم والمحيط شر اشتباكات قاسية، لكن نتائج هذه الأجواء وتداعياتها يصعب في الغالب تجنبها، فأصبح مخيم عين الحلوة يوصف كبؤرة أمنية، أو كجزيرة تستقبل الهاربين والمطلوبين والمشبوهين، ومكانا يؤوي الفارين من الأجهزة الأمنية اللبنانية أو من القضاء اللبناني.

وأصبحت العصبة تتهم بأنها تؤوي هؤلاء، وتوفر لهم الغطاء والاستقرار والحماية، مما رفع وتيرة العداء بين العصبة والسلطات اللبنانية، وازدادت عمليات الرصد الأمني في المخيم، وشددت القبضة الأمنية على الداخلين إلى المخيم والخارجين منه، وارتفعت أعداد المطلوبين الأمنيين، وازداد نشاط كتبة التقارير الأمنية، واندفعت الأجهزة الأمنية اللبنانية والإقليمية والدولية التي تهتم بقضايا "الإرهاب" ونشاط المجموعات الإسلامية إلى تعزيز وجودها في المخيم، فأنشأت الخلايا الأمنية، ونشطت عمليات التنصت على الهواتف، واتسعت دائرة الرقابة على حركة الأموال ودخول الغرباء وتأجير المنازل.

وكل ذلك ترك آثارا سلبية خطيرة على الإنسان الفلسطيني من حيث سلاسة حياته واستقراره الأمني والاجتماعي، لدرجة أن الإقامة في مخيم عين الحلوة أصبحت تهمة بحد ذاتها. الاستجارة:

تتهم عصبة الأنصار بأن مفهوم الاستجارة الذي تؤمن به أدخل مخيم عين الحلوة والفلسطينيين في لبنان في مشاكل سياسية وأمنية متعددة.

والاستجارة هي مصطلح إسلامي مأخوذ من حكم الشريعة الإسلامية، ويعني توفير الحماية والاستقرار للمسلم الذي يطلب ذلك من المسلمين أو من السلطة الإسلامية القائمة.

ومن المسلمين من يقول إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج إلى المدينة المنورة بعدما ازداد الخطر عليه في مكة، وإن نبي الله موسى (عليه السلام) غادر منطقته بعدما قتل شخصا، وهو القوي الأمين.

هذا المفهوم استغله بعض الأفراد من أصحاب القضايا والملفات الأمنية وأحيانا من المظلومين، فوصل إلى مخيم عين الحلوة بعض عناصر حركة التوحيد الإسلامي إثر المعارك بين التوحيد والقوات السورية في لبنان أواسط الثمانينيات، ثم لجأ إلى المخيم عناصر إسلامية من المجموعة التي عرفت باسم مجموعة الضنية، التي قادها بسام كنج الملقب بـ "أبو عائشة"، إثر الاشتباكات التي حصلت مع الجيش اللبناني في جرود الضنية في نهاية سنة 1999، ولجأ أيضا غاندي سعيد السحمراني الملقب بـ "أبو رامز السحمراني"، وهو لبناني من مواليد منطقة عكار سنة 1964، ومطلوب من السلطات اللبنانية بموجب مذكرات توقيف عدة بتهم "الإرهاب" والقتل وتهريب السلاح والمتفجرات وحيازتها، كما لجأ أحمد ميقاتي وهو مطلوب للسلطات اللبنانية، واتهم برصد السفارة الإيطالية في بيروت لتفجيرها.

يختلف توصيف طالبي الأمان في مخيم عين الحلوة، ففي حين تصفهم السلطات اللبنانية بأنهم خارجون عن القانون وموتورون للسلم الأهلي، وتصف بعضهم بأنهم مزورون أو مروجو مخدرات، يصف أفراد مسلمون هؤلاء أو بعضا منهم بأنهم مخلصون ومجاهدون.

عن هذه القضية وقضية الاستجارة عموما يقول الشيخ أبو شريف في الحوار الخاص الذي أجراه المؤلف معه "نحن في العصبة نحاول أن نكون مظلة تظلل الشباب المسلم الموجود في الساحة، نحن لا نوفر الحماية لمجرمين ولا لقتلة ولا لسارقين، ولا لكل ما يتناقض مع شرعنا الحنيف، حكم الاستجارة يطبق على المؤمنين الذين يعملون بجد وإخلاص". يضيف أبو شريف إن "تجار المخدرات مدانون والزناة كذلك، لكن الشاب الذي يصل من أقاصي لبنان إلى عين الحلوة متجاوزا كل الحواجز، هذه ليست مهمتنا، بل مهمة الجيش، نحن طلبنا من هؤلاء الخروج وخرجوا، هم لم يكونوا تحت غطاء العصبة، ولا بحمايتها، نحن لا نؤوي المجرمين والمخالفين لشرع الله".

وترددت أكثر من مرة معلومات عن قيام العصبة بإيواء قادمين من السعودية أو العراق أو سورية، وبين هؤلاء عناصر أو قياديون من تنظيم القاعدة.

لكن تبقى قضية بديع حمادة من أكثر القضايا التي تركت آثارا أمنية على المخيم، حيث تقول المعلومات الصحفية المنشورة عن هذه القضية إنه بتاريخ 11/ 7/ 2002 (يوم الخميس) وأثناء قيام دورية من فرع مخابرات منطقة الجنوب برصد أحد المطلوبين، وهو الفلسطيني المدعو بديع حمادة، الملقب أبو عبيدة، في محلة الهمشري على تخوم مخيم عين الحلوة، حصل اشتباك بين عناصر الدورية ومجموعة فلسطينية برفقة أبو عبيدة أدى إلى استشهاد ثلاثة عسكريين هم: الرقيب الأول علي حمزة والعريف رضوان ملحم والجندي علي صالح.

إثر الحادث، تفقد قائد الجيش العماد ميشال سليمان الوحدات العسكرية المنتشرة في صيدا، رجال على قيادة منطقة الجنوب وفرع مخابرات المنطقة ومراكز اللواء السابع في جبل الحليب ومحيط المخيمات، وتحدث إلى الضباط والعسكريين، مؤكدا أن الاعتداء الذي حصل يندرج في إطار المحاولات المشبوهة لإرباك الوضع، والنيل من الاستقرار العام في البلاد، وشدد على وجود اتخاذ كافة الإجراءات المساعدة على القبض على المعتدين والمخلين بالأمن أينما كانوا وتقديمهم للعدالة، وأضاف العماد سليمان أن وحدات الجيش، لا سيما مديرية المخابرات، على استعداد لتقديم التضحيات دفاعا عن الوطن، والاستمرار في ملاحقة عناصر شبكات التخريب والتجسس التي تمس أمن البلاد واستقرارها، فالشهادة قدر لكل من ارتضى الجندية مبدأ ورسالة في خدمة الوطن.

وأشار مصدر عسكري إلى أن مديرية المخابرات، وفي سياق الإجراءات التي تتخذها لكشف شبكات التخريب، تمكنت من توقيف عدة مشبوهين من مخيم عين الحلوة لقيامهم بأعمال تفجير وتعديات في مناطق مختلفة، حيث اعترفوا بمشاركة بديع حمادة (الملقب أبو عبيدة) وتوجيهه لهم للقيام بهذه الاعتداءات، ومن بين الموقوفين خطيبته التي عاونته في بعض نشاطاته التخريبية، وشقيقها المتهم بأعمال تفجير، وعدة أشخاص آخرين.

وبعد الحادث، اتخذ الجيش اللبناني تدابير أمنية مشددة في محيط مخيم عين الحلوة، وضرب طوقا أمنيا حول المنطقة التي وقع فيها الحادث، والتي تصل مدينة صيدا بقرية المية ومية التي يوجد فيها مخيم عين الحلوة، وشنت حملة مداهمات واسعة أدت إلى اعتقال 15 شخصا.

وذكرت مصادر فلسطينية أن القوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية اجتمعوا في المخيم، وناقشوا سبل إنهاء الأزمة وحل الإشكال مع الجيش اللبناني، وقال مصدر فلسطيني، إن قيادات إسلامية لبنانية قامت بتسليم حمادة إلى ضباط لبنانيين عند المدخل الشمالي لعين الحلوة في ضواحي مدينة صيدا، وذكرت المصادر أن إحدى السيارات نقلت حمادة وآخرين إلى خارج المخيم، وتم تسليمه إلى عناصر مخابرات الجيش اللبناني، وذلك يوم الثلاثاء في 16/ 7/ 2002.

وعما جرى مع بديع حمادة يقول أبو شريف "نحن وجهنا له النصيحة لأن يخرج من المخيم كحال موسى عليه السلام، الشاب أغلق كل الأبواب أمامنا، نحن لا نريد أن يدفع أبناء المخيم السبعون ألفا ثمن قراره ... علماء صيدا قاموا بتسليمه للفصائل"، بعدما صار مخيم عين الحلوة أمام خيارين: تسليم حمادة أو فتح معركة مع الجيش اللبناني.

واعتبرت قضية تسليم بديع حمادة للجيش اللبناني سابقة في مسار المجموعات الإسلامية في مخيم عين الحلوة، إذ أعدم بديع حمادة بتهمة قتل ثلاثة من عناصر الجيش اللبناني، وتردد أن قضية إعدام حمادة أسهمت في حدوث خلافات داخل العصبة، وفي تشدد العصبة لاحقا في تسليم متهمين. صراع مع فتح:

الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 ، وحروب المخيمات والصراع داخل حركة فتحإثر انشقاق سنة 1983، والخلاف السوري مع ياسر عرفات، ونزوح حركة فتحعن بيروت سنة 1988، وبدء مؤتمر مدريد للتسوية سنة 1991؛ خلطت الأوراق داخل الساحة الفلسطينية في لبنان، وبالأخص داخل مخيم عين الحلوة.

شعرت حركة فتحفي لبنان أنها خسرت الكثير من المواقع بعدما خرجت من بيروت وشمالي لبنان والبقاع، ولم يعد لديها إلا منطقة الجنوب كورقة أخيرة تستطيع التأثير فيها في المعادلات المحلية والإقليمية والدولية، وخاصة أن جزءا من قوة منظمة التحرير الفلسطينية ونفوذ ياسر عرفات كان مستمدا من سيطرته على مناطق واسعة من لبنان، أمكن له استغلالها في علاقاته وتحالفاته وخصوماته ومغامراته.

ولأن اليد السورية التي قادت الصراع مع جماعة ياسر عرفات كانت ضعيفة في منطقة صيدا والجنوب، فقد مكن ذلك حركة فتح من العمل من أجل استخدام منطقة جنوب لبنان في مشروع تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية أمام الاستحقاقات الخطيرة، التي ستبرز من خلال المفاوضات العربية الإسرائيلية والنتائج المترتبة على ذلك، كمسألة الحقوق الفلسطيني ومنها قضية اللاجئين ومستقبل السلاح الفلسطيني في لبنان والسيطرة على المخيمات الفلسطينية في لبنان، والمرجعية السياسية للفلسطينيين في لبنان وأمن المجتمع الفلسطيني.

بدأت حركة فتحالساعية لتكريس هيمنتها على الفلسطينيين في لبنان وعلى منطقة صيدا والجنوب بشن حرب إلغاء ضد الخصوم، فاشتبكت مع حركة فتح– المجلس الثوري بقيادة أبو نضال (صبري البنا)، ونفذت عمليات اغتيال متبادلة، وهاجمت فتح مقرات المجلس الثوري في عين الحلوة وصيدا والمخيمات الفلسطينية في منطقة صور، أدت إلى إلغاء وجود المجلس الثوري في تلك المناطق.

وبالوسيلة نفسه وللأهداف ذاتها قامت حركة فتح بمهاجمة عصبة الأنصار في مخيم عين الحلوة، وحاولت استئصالها نظرا لما يمثله وجودها ونشاطها من أزمة لحركة فتح، وكان يعرف عن الشيخ هشام شريدة أنه يجاهر بقول الحق، ومصر على محاربة الفساد والمنكر في مخيم عين الحلوة، ويحاول تطبيق الحق بالقوة، لذلك، كان يتجول في مواكب مسلحة، وكان يدخل إلى اجتماعات الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية وهو بكامل عتاده العسكري، ويخطب الجمعة حاملا رشاشه.

وبهذا كانت حركة فتح ترى في عصبة الأنصار شريكا غير مرغوب فيه في المخيم، وطرفا غير مرضي عنه، وجماعة تهدد هدف حركة فتح في الاستئثار والهيمنة على قرار المخيم وسلطة الأمن فيه.

وخلال السنوات الماضية حدثت عدة اشتباكات بين حركة فتح وعصبة الأنصار، وازداد الخصام لدرجة أن قامت حركة فتح باغتيال الشيخ هشام شريدة، وذلك يوم الأحد 15/ 12/ 1991 الساعة التاسعة والنصف مساء، حيث كمن له مسلحون يستقلون سيارة من نوع (بي. إم. دبليو) BMW، وأطلقوا عليه زخات من الرصاص من بندقية كلاشنكوف، واتهم يومها الضابط أمين كايدي من حركة فتح بتدبير عملية الاغتيال، الأمر الذي جعله هدفا للعصبة، حتى اغتياله.

لكن الصراع بقي قائما، وبلغ أوجه خلال الاشتباك الذي حصل في 19/ 5/ 2003 إثر قيام عناصر من حركة فتح بإطلاق الرصاص على عبد الله الشريدي، زعيم عصبة النور وهي مجموعة منشقة عن عصبة الأنصار، وعمه يحيى الشريدي.

ويتهم عبد الله الشريدي بأنه هو الذي اغتال أمين كايد انتقاما لوالده، واندلعت الاشتباكات لرفض حركة فتحدفن يحيى الشريدي الذي قتل على الفور، وبعد ذلك شنت عصبة الأنصار هجوما واسعا على مراكز حركة فتح في المخيم، واحتلت معظمها، واضطر عناصر فتح للهرب من معظم أرجاء المخيم بفعل قوة الهجوم.

عن مرحلة الصدام مع حركة فتح، يقول الشيخ أبو شريف "السبب ليس العصبة، بل لأن العصبة حملت الدين الإسلامي وجاءت بأفكار جديدة، فتح تعتبر نفسها أم الفصائل، لم ترض أن ينافسها أحد على قرار المخيمات أو السلطة فيها، أرادت فتح تقزيم العصبة وتحجيمها، وحاولوا التفاوض معنا على ديننا ومبادئنا".

ويضيف أبو شريف "الصراع في عين الحلوة سببه أن هناك من يزاحم فتح على قرار المخيم، العصبة فرضت نفسها قوة سياسية وعسكرية واجتماعية، نحن لم نبدأ، بل دافعنا عن أنفسنا".

مستقبل العصبة

تشير المعطيات إلى استقرار وضع عصبة الأنصار، وتمتعها بشعبية ونفوذ إلى جانب قوة عسكرية كبيرة، قادة العصبة مرتاحون إلى حجمهم، وإلى اتساع دائرة الاتصالات التي تجري معهم من مختلف الأطراف الفلسطينية واللبنانية، وهم لا يتأخرون في إرسال رسائل الاطمئنان على موقعهم وحجمهم ودورهم في مخيم عين الحلوة ومنطقة صيدا، واتصالاتهم تشمل كافة الأطراف الفلسطينية وفريقي الموالاة والمعارضة في لبنان والأجهزة الأمنية اللبنانية.

هناك في العصبة من يقول لك "الكل يخطب ودنا هذه الأيام"، إثر المعارك التي جرت في مخيم نهر البارد ومنع العصبة انعكاسها على مخيم عين الحلوة، وإثر الاشتباكات التي حصلت في المناطق اللبنانية بين الموالاة والمعارضة في 7/ 5/ 2008، وجهود العصبة لمنع انخراط أي طرف فلسطيني فيها.

العصبة أبدت أسلوبا جديدا في التعامل، واستخدمت لغة جديدة، الأمر الذي طمأن بعض الوسطاء وجعلهم يطرحون على العصبة فكرة إجراء مصالحة مع السلطات اللبنانية لإنهاء الملفات العالقة، وخاصة بعد الاتصالات المتبادلة التي حصلت بين عصبة الأنصار وقيادة الجيش اللبناني في منطقة صيدا، وبعد إعلان المتحدث باسم العصبة الشيخ أبو شريف، في اعتصام لحركة حماس ضد حصار غزة في مخيم عين الحلوة يوم الجمعة 5/ 12/ 2008، أنه طلا يجوز شرعا أن نستهلك قوانا ضد الجيش اللبناني"، وهو ما اعتبر فتوى بتحريم القتال ضد هذا الجيش.

يقول الشيخ أبو شريف "نحن همنا إرضاء الله عز وجل، حريصون على علاقة مع الله، لا يوجد بيننا وبين الدولة اللبنانية حرب ولا صراع".

وإذا طرحت فكرة العفو العام؟ يجيب أبو شريف "نحن لا نسعى لهذا الموضوع، نحن لا نريد العفو إلا من صاحب العفو، لم نرتكب شيئا مخالفا، كل ما لديهم – السلطات اللبنانية – هو ملفات مفبركة، نحن لا ندفع ثمنا ولا نتنازل عن عقيدتنا".

لتقدموا تنازلا في مسألة السلاح؟ يرد أبو شريف "السلاح جزء من هذا الدين، مواقفنا ليست مؤقتة، مواقفنا نابعة من شرع الله، نحن في مواجهة مع المشروع الأمريكي – الصهيوني، ولن نتنازل عن ذلك".  

الفصل السادس حركة الجهاد الإسلامي:الجهاد من لبنان

أولا: الإبعاد من الوطن والفكرة

جاءت حركة الجهاد الإسلامي من فلسطين إلى لبنان عبر المبعدين، الذين وصل منهم عدد من أبناء حركة الجهاد، بينهم الأمين العام للحركة الدكتور فتحي الشقاقي، فأعضاء حركة الجهاد الإسلامي المتواجدون في لبنان هم بمعظمهم من أبناء المخيمات الفلسطينية اللاجئين إلى لبنان منذ سنة 1948.

في هذا الإطار يمكن الحديث بصورة أدق عن نشوء الحركة في لبنان وبروزها أكثر من القول إنها قدمت من الخارج، أما العوامل التي أدت إلى تأسيس فرع للحركة في لبنان فيمكن إرجاعه إلى عاملين متداخلين: العامل الأول هو عملية الإبعاد القسري لقادة حركة الجهاد من داخل فلسطين على مراحل متعددة، كما مع الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، مؤسس الحركة وأحد أبرز قادتها الأوائل الذي أبعدته سلطات الاحتلال في 22/ 8/ 1988، ومجموعة من إخوانه، والعامل الثاني هو التأييد الجماهيري والترحيب الشعبي الذي لقيه هؤلاء من الشعب الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية، وهو ما هيأ القاعدة لامتداد الحركة بين أبناء شعبها في المخيمات، ورهانه على قوة المقاومة ورفض النهج التسووي الذي طالما أساء وأثار أكثر من علامة استفهام حول مستقبل اللاجئين.

تشكيل حركة الجهاد في لبنان هو مؤشر على الآلية والدينامية التي تعمل بها قوة المقاومة، ويظهر إصرارها وعنادها على استمرار المقاومة تحت أقسى الظروف، ويبرهن على استعصائها على التصفية والإنهاء، فالعدو الصهيوني الذي تصور أنه بزج قادة العمل المقاوم في معتقلاته وسجونه يمكنه القضاء على المقاومة أو الحد من تأثيرها الجماهيري، تجده يتفاجأ بنجاح هؤلاء القادة في التأثير على الكثير من الفلسطينيين داخل السجون بل وفتح مجال أوسع لكسب مؤيدين فاعلين ومقاومين جدد حتى داخل السجون، فما كان من العدو الإسرائيلي إلا أن يلجأ إلى الإبعاد ليقضي على هذه الظاهرة الجديدة، فكان ذلك بدوره حافزا جديدا على انتشار المقاومة وتقويتها، وتوسيع قاعدتها بين الفلسطينيين في الخارج، وخاصة في التجمعات الفلسطينية في لبنان.

تأسست حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على يد الدكتور الشقاقي (ولد في غزة سنة 1951، وهو من قرية زرنوقة قضاء الرملة، ودرس الطب في جامعة الزقازيق في مصر)، ومجموعة من الشباب الفلسطيني، وحملت هذه الحركة "رؤية تجديدية داخل الفكر الإسلامي كما كانت تحمل رؤية تجديدية داخل الحركة الإسلامية".

وجاء تأسيس حركة الجهاد الإسلامي إثر نقاش طويل حول كيف تكون قضية فلسطين قضية مركزية، وأجابت الحركة على ذلك بأن فلسطين يجب "أن تكون في قلب مشروع نهوضنا، ويجب أن تكون فلسطين في مركز مشروعنا الإسلامي".

رفعت حركة الجهاد الإسلامي شعارات: الإسلام والجهاد وفلسطين؛ الإسلام كمنطلق، والجهاد كوسيلة، وفلسطين كهدف للتحرير، وقد مرت حركة الجهاد الإسلامي في تكوينها بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى وهي مرحلة عودة واستقرار المؤسسين الذين كانوا في مصر، وهي مرحلة العمل السياسي والإعلامي والتعبوي، والمرحلة الثانية هي مرحلة الجهاد المسلح، وهي مرحلة تشكيل الخلايا المسلحة وتنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال، كان أهمها هجوم على دورية صهيونية في ساحة فلسطين في غزة بتاريخ 18/ 2/ 1986، والمرحلة الثالثة هي مرحلة الانتفاضة.

رأت الحركة بتأسيسها أنه "من حقها وواجبها طرح أيديولوجيا باعثة مقاتلة، مقابل فوضى الأيديولوجيا وتغريبها ثم انسحابها، وهذه الأيديولوجيا الحية الباعثة هي الإسلام، عقيدة الأمة ومحور تاريخها وتراثها"، من هنا اختلفت نظرة حركة الجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ولم ينصب اختلاف الحركة مع المنظمة "كونها إطارا جامعا لقوى الشعب الفلسطيني السياسية أم لا، ولكنه انصب على المحتوى والمضمون، فقوة ومصداقية وشرعية المنظمة تأتي فقط من تصعيد الكفاح المسلح، واستنفار الأمة، وتجسيد وحدتها، وتعبئة طاقتها".

إن حركة الجهاد الإسلامي ترى

أن الخطر الأكبر على شعبنا وقضيته يكمن في تمزيق برنامج وتوجهات نضالنا وجهادنا قبل أن يكون في هيكلية (م. ت. ف) وفي ضعف بنيانها، إن وحدة الخط النضالي وصلابته من وحدة الإطار، فما فائدة أن نطلب من جميع القوى السياسية الفلسطينية الالتزام في إطار منظمة التحرير إذا كان برنامج منظمة التحرير يعلن ويكرس التفريط بحق شعبنا في وطنه، وبحقه في الجهاد والكفاح المسلح لأجل تحريره.

ركزت حركة الجهاد الإسلامي في عملها على الجهاد العسكري، فنفذت عمليات نوعية وجريئة ضد الاحتلال الصهيوني، وفي صيف سنة 1981 تم تنظيم أول خلية مسلحة، وخلال سنتي 1983 و 1985 كان العمل المسلح يبدأ تدريجيا بشكل سري، ونفذ حتى سنة 1986 ما يقارب ثماني عمليات عسكرية، وفي 2/ 8/ 1987 استطاعت مجموعة من حركة الجهاد الإسلامي قتل الكولونيل رون طال، قائد الشرطة العسكرية في قطاع غزة.

إن تأسيس حركة الجهاد الإسلامي في لبنان بدأ من خلال سلسلة من اللقاءات والحوارات، التي جرت بين مجموعة من الإسلاميين الفلسطينيين وبين الأمين العام للحركة الدكتور فتحي الشقاقي، الحوارات كانت تبحث عن إجابات لعدد من الأسئلة والإشكاليات حول الدور الإسلامي ورؤية مشروع المقاومة، وقد ترك الدكتور الشقاقي أثرا في محاوريه من مخيمات صيدا وبيروت، ولقد بدأت هذه الحوارات في منتصف سنة 1989 واستمرت عدة أشهر، لكن الفكرة أنجزت في نهاية ذلك العام، ومحور هذه الفكرة يقوم على تأسيس فرع للحركة في لبنان ليمارس العمل السياسي والإعلامي والشعبي، وليكون رديفا للمقاومة والانتفاضة من لبنان. ولكن أخذت الفكرة فترة للنضوج وللتشكل.

كان الدكتور الشقاقي من أكثر المتفهمين والعاملين لتأسيس فرع للحركة في لبنان، لإدراكه بمدى أهمية لبنان ودور الفلسطينيين فيه.

الحوارات التي حضرها أبو عماد الرفاعي ممثل الحركة في لبنان لاحقا، والشهيد محمود المجذوب (أبو حمزة) الذي اغتاله الصهاينة سنة 2006 في صيدا، انتهت سنة 1989 إلى تأسيس مكتب إعلامي أخذ يصدر نشرة "المجاهد"، ثم بدأت الحركة تأخذ نشاطها التنظيمي.

العلاقات الفلسطينية

سعت حركة الجهاد، ومنذ البداية، إلى تعزيز علاقاتها مع كافة القوى والفصائل الفلسطينية، خصوصا تلك المناهضة لمشروع التسوية، على قاعدة التمسك بالمقاومة سبيلا لتحرير فلسطين، فكانت الحركة من المؤسسين لإطار الفصائل العشرة في سنة 1992 التي ضمت عشرة فصائل فلسطينية مناهضة لاتفاق أوسلو، وكان الهدف من هذا التحالف، الذي أصبح فيما بعد يسمى بـ "تحالف القوى الفلسطينية"، إسقاط اتفاق أوسلو.

يمكن بالإجمال القول إن الحركة عملت على تعزيز العلاقة مع كافة القوى الفلسطينية، سواء تلك التي يضمها إطار منظمة التحرير الفلسطينية أم المنضوية تحت تحالف القوى الفلسطينية أم القوى الخارجة عن هذين الإطارين في الساحة الفلسطينية في لبنان، إدراكا منها لأهمية تعزيز العلاقة الفلسطينية – الفلسطينية وتمتينها، وخاصة في لبنان، لما للوجود الفلسطيني في لبنان من استهدافات تنال من حقوقه المدنية والإنسانية والسياسية، ومخاطر شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

الموقف من الأونروا واللجان الشعبية

تعطي حركة الجهاد الإسلامي أهمية لدور منظمة الأونروا في لبنان، والحركة معنية بالمحافظة على المنظمة ودورها وبقائها من أجل قضية اللاجئين، وتبدي الحركة قلقها من سياسة تقليص الخدمات، وترى أن هذه السياسة قد تصل بالتدريج لإلغاء الأونروا وشطب حق العودة، ولهذا تطالب حركة الجهاد الإسلامي الأونروا بزيادة أعمالها، ورفع مستوى خدماتها، والتجاوب مع كافة حاجات اللاجئين، وتحمل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن معاناتهم.

تعتبر حركة الجهاد الإسلامي اللجان الشعبية الفلسطينية في المخيمات مؤسسات مهمة لرعاية الشؤون الاجتماعية والخدماتية للاجئين، وترى الحركة أن الدور المهم للجان الشعبية يستدعي تشكيلها من كافة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وتعتقد أن الخلافات الفصائلية أثرت على عمل اللجان الشعبية، لكن مشاركة حركة الجهاد في اللجان الشعبية مرهون بتوفر العناصر التالية:

1 – بعد اللجان الشعبية عن التجاذب السياسي.

2 – تركيز عملها على الجوانب الخدماتية ورعاية الشؤون الاجتماعية.

3 – أن يكون أعضاء اللجان من أصحاب الخبرة والكفاءة.

4 – أن يحظى أعضاء اللجان الشعبية باحترام المجتمع وثقة أبنائه.

العلاقات اللبنانية الرسمية والحزبية

موجب العاقة مع الحكومة اللبنانية هو وجود اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، والخلل الحاصل في طبيعة التعاطي اللبناني الرسمي مع اللاجئين، ولذا ينبغي التأكيد على مسألتين في أساس نظرة حركة الجهاد الإسلامي للعلاقة مع الحكومة المسألة الأولى أن قضية اللاجئين هي قضية سياسية بامتياز، فاللاجئون موجودون في لبنان ليس بسبب كارثة طبيعية حصلت في فلسطين وأعجبهم البقاء فيه، بل بسبب مشروع صهيوني سياسي يمنعهم من العودة باستخدام القوة العسكرية، وهم راغبون ويؤكدون على تمسكهم بحق العودة إلى وطنهم في كل مناسبة وبكافة السبل، وهذه الحقيقة ينبغي أن تكون المدخل الطبيعي لمعالجة مسألة التواجد الفلسطيني في لبنان أو أي أراض أخرى، فهي قضية سياسية بامتياز، لها أبعاد إنسانية وقانونية، وهي جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية.

المسألة الثانية هي اعتبار أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لإعادة ترميم وتنظيم العلاقة الفلسطينية – اللبنانية في شقها الرسمي، ومعالجة ما شابها من إشكالات في محطات سابقة، ولذلك رحبت الحركة بالمبادرة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، بإطلاق الحوار، واعتبرتها خطوة إيجابية وحاجة فلسطينية ولبنانية مشتركة، وتصب في مصلحة الشعبين.

وأكدت الحركة على أهمية التعاطي مع قضية اللاجئين من منطلق سياسي وليس من منطلق أمني بحت، وأن المطالب الفلسطينية ليست خدماتية فقط، بل هناك جملة من المطالب والحقوق عليها إجماع فلسطيني، وأهمها: حق العمل، وحق التملك، والترتيبات القانونية والحقوق السياسية التي تستلزم إصدار تشريعات وقوانين لحلها، بما يؤمن العيش الكريم للفلسطينيين في لبنان على قاعدة حق العودة ورفض التوطين.

ومن هنا، يمكن القول إن الجهود المبذولة لإعادة ترميم وتنظيم العلاقة الفلسطينية – اللبنانية متوقفة على التعاطي بجدية مع الحوار، ومدى قدرة الحكومة اللبنانية على إعطاء الوضع الفلسطيني أولوية تبعد القلق والخوف عن الفلسطينيين.

أما فيما يتعلق بالسلاح الفلسطيني، فالحركة معنية بالشأن الفلسطيني وبالوضع العام في لبنان، وترى أن القضية الفلسطينية في شكلها الخاص في لبنان تعيش أجواء التجاذب السياسي المحلي والإقليمي والدولي، وهي تصر على التعاطي مع الملف الفلسطيني في لبنان ببعده السياسي، بعيدا عن التجاذبات الداخلية التي تصب في مصلحة طرف على حساب طرف آخر، وإثارة هذا الموضوع ليست بعيدة عن الوجود الفلسطيني في لبنان، أي باستهداف حق العودة وكذلك باستهداف سلاح المقاومة في لبنان، وهذا الأمر تعالجه الحركة بالحوار، حيث إن هناك وعيا كبيرا للغايات التي يراد من ورائها إثارة هذا الموضوع من قبل من أصدر القرار 1559، الذي ترى حركة الجهاد أنه يهدف إلى فتنة فلسطينية لبنانية ليست في مصلحة أي من الشعبين، ولن يستفيد منها سوى أمريكا و "إسرائيل"، بما تؤدي من استهداف واضح لقضية اللاجئين من مدخل السلاح الفلسطيني الذي يدرك الجميع أنه سلاح له دلالات سياسية واعتبارية تتعلق بالوجود الفلسطيني القسري في لبنان بحق العودة، الضغوط التي مورست على الحكومة اللبنانية هي التي تهدف إلى اختصار هذا الموضوع بشق أمني، ويجري تصوير المخيمات كجزر أمنية خارج السلطة اللبنانية، لسيطرتها وممارسة سيادتها داخل المخيمات، وفقا لترتيبات يتم التوافق عليها، من خلال الحوار والتفاهم بعيدا عن أي ضغوط خارجية تريد إسقاط حق العودة.

وعلى الرغم من كل تحفظاتها والأسئلة المثالة، لم تتوقف الحركة عن التعامل بإيجابية مع الحكومة اللبنانية، وأهمها في هذا الصدد اللقاء الذي عقدته الحركة مع رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة قبل أربعة أيام فقط من عدوان تموز/ يوليو 2006 ضد لبنان، حيث نوقش الوضع الفلسطيني في لبنان بشكل معمق، خصوصا بعد الجولة الوزارية التي كانت قد جرت قبل أسبوع في مخيم عين الحلوة، وتم التوافق مع الرئيس السنيورة على جملة من القضايا، واستكمال اللقاءات التشاور في ما يتعلق بالوضع الفلسطيني في لبنان، وسمع الوفد كلاما إيجابيا عما تنوي الحكومة اللبنانية إعادة العمل به، بشأن بعض القوانين والتشريعات المتعلقة بالوضع الفلسطيني، وحجم الدعم والمساعدة، التي تمارس الحكومة اللبنانية دورا مهما فيها، لإعادة تحسين الوضع الإنساني داخل المخيمات الفلسطينية.

كافة اللقاءات والعلاقات، التي تقيمها حركة الجهاد الإسلامي مع مختلف الأطراف اللبنانية، تنطلق من المنطلقات الفكرية والاستراتيجية والسياسية التي تقوم عليها الحركة، والحركة في لبنان تدرك تماما أن لبنان بلد متنوع، يتميز بتعدده الفكري والثقافي وبحراك سياسي فاعل، لذلك، فإن الحركة حريصة ومنذ البداية على الانفتاح على جميع القوى والمرجعيات والفاعليات الروحية والسياسية والحزبية، وفق ثوابت محددة، تتعلق بموقف هذه القوى، ابتداء من القضية الفلسطينية وكيفية التعاطي الفكري والسياسي معها.

حرصت الحركة في كافة علاقاتها على التأكيد على جملة من القضايا المركزية، وهي:

1 – خطر المشروع الصهيوني على المنطقة ومشاريعه في تفتيت الدول المجاورة.

2 – حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، ورفض مشاريع التسوية التي تهدف إلى إنهاء قضيته.

3 – استمرار الانتفاضة ودعمها والعمل على تطويرها.

4 – التمييز بين المقاومة والإرهاب، إضافة إلى ضرورة التأكيد على البعد السياسي لقضية اللاجئين كمدخل لمعالجة الوجود الفلسطيني في لبنان بعيدا عن التعاطي الأمني البحت لهذا الملف واستخدام لغة التحريض ضد المخيمات.

5 – التأكيد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، ومحاربة كافة مشاريع التوطين أو التهجير.

وتؤكد الحركة في لقاءاتها مع مختلف القوى والأطراف اللبنانية على جملة من الأمور، تتمثل بما يلي:

1 – عرض تطورات الوضع الفلسطيني، والمعاناة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون داخل فلسطين جراء استمرار العدوان الهمجي الصهيوني والمجازر التي يرتكبها.

2 – إبلاغ الجميع حرص الحركة على وحدة لبنان أرضا وحكومة وشعبا، ورفض العبث بأمنه من أية جهة كانت.

3 – الوقوف إلى جانب لبنان في مواجهة كافة الضغوط الخارجية، ولا سيما تلك المتعلقة بملف اللاجئين على قاعدة رفض التوطين والتمسك بحق العودة.

ضمن هذه الأسس أقامت حركة الجهاد الكثير من العلاقات مع مختلف القوى اللبنانية، ومع مختلف الاتجاهات الإسلامية والوطنية والمسيحية.

وفي إطار حرص الحركة على تأكيد تواصلها مع مختلف المرجعيات الروحية والعائلات السياسية في البلد، عقدت الكثير من اللقاءات مع جميع المرجعيات الروحية، الإسلامية والمسيحية، كما كانت الحركة وما تزال تحافظ على علاقات متميزة مع المرجعيات السياسية في إطار التحاور والمشورة، وتنسيق الجهود المبذولة لمعالجة الكثير من الملفات، وعلى رأسها ملف اللاجئين والوضع المأساوي في المخيمات.

وفي السياق اللبناني ذاته، فإن الحركة اهتمت بكسر الجليد في العلاقة مع الأطراف المسيحية في البلد، ومعالجة ترسبات الماضي، ضمن الأسس السياسية نفسها، ومن هنا سعت الحركة إلى إقامة سلسلة لقاءات مع مختلف القيادات المسيحية، وتمثلت هذه الخطوة بداية بزيارة غبطة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، ومناقشة الوضع الفلسطيني معه، وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وضرورة التمييز بين المقاومة والإرهاب، ومعالجة الوضع الفلسطيني في المخيمات بالحوار وبما يحفظ كرامة اللاجئين وحقوقهم وضمان حق عودتهم، بشكل لا يتعارض مع السيادة اللبنانية واللقاءات مع غبطة البطريرك صفير لم تتوقف، وكان هناك العديد من اللقاءات التي أكدت الحركة له فيها أنها مستعدة للتعاطي بإيجابية ومن خلال الحوار حول مختلف القضايا، ولا سيما تلك التي تعتبر شائكة مثل موضوع السلاح الفلسطيني، وفي المقابل نقلت الحركة وجهة نظرها حول اعتبارها أن المدخل المناسب لموضوع اللاجئين في لبنان هو المدخل السياسي، ورفض كل محاولات تقزيم الوجود الفلسطيني في لبنان إلى اعتباره مجرد ملف إنساني أو حقوقي، وإدانة كل التصريحات التي تريد تصوير المخيمات على أنها جزر أمنية تمثل خطرا على الأمن اللبناني.

ولعل النقطة البارزة في هذا السياق هي الزيارة التي قام بها وفد من حركة الجهاد إلى حزب الكتائب اللبنانية برئاسة كريم بقرادوني، وخصوصا بعد التحول الإيجابي الذي طرأ على سياسة الحزب تجاه القضية الفلسطينية وعمق لبنان العربي.

العمل الاجتماعي والشعبي

انسجاما مع رؤيتها السياسية والاجتماعية التي ترى أن نهوض المجتمع بكل مكوناته البشرية وعناصره الثقافية والاجتماعية والسياسية أحد العناصر المهمة في تحقيق النصر للشعب الفلسطيني، اهتمت حركة الجهاد الإسلامي بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين تعرضوا لهجمات إسرائيلية كثيرة، والذين مورست بحقهم سياسات التجويع والإفقار، من خلال منع العمل أو التوظيف في المؤسسات اللبنانية الرسمية، أو القيود القانونية والاقتصادية الكثيرة التي واجهتهم.

فنظرة حركة الجهاد الإسلامي للمجتمع الفلسطيني في لبنان تعطي للطفل والشاب والمرأة والرجل دورا، عبر مختلف الوسائل الاجتماعية والثقافية والسياسية، لتتحقق نهضة المجتمع.

ولأهمية العمل المؤسساتي في نظر الحركة، وفي نهوض المجتمع، وفي تخفيف المعاناة، وإسهاما في صمود الشعب الفلسطيني، قامت حركة الجهاد بإنشاء عدد من المؤسسات راعت فيها جميع الفئات البشرية للشعب الفلسطيني، وما يحتاجه من عناصر لنهوضه، على الرغم من تواضعها، فكانت المؤسسات الاجتماعية والثقافية والنسائية والطلابية حلقة متصلة مترابطة لتكمل عناصر الصمود والتصدي والمقاومة للشعب الفلسطيني، وكانت الأطر الثقافية الإسلامية منهجا واضحا في رسم معالم هذه المؤسسات، لبناء مجتمع على ركائز أساسية تنهض به.

فقد راعت الحركة في إنشاء مؤسساتها أنماطا مختلفة في سبيل فعيل دور المجتمع وقيامه، وتقوم الحركة بإدارة خمس مؤسسات هي: مؤسسة العمل الصحي الاجتماعي، ومؤسسة العمل الثقافي "مركز بيت المقدس"، وجمعية كشاف بيت المقدس، والعمل النسائي، والعمل الطلابي.

وفي العمل الاجتماعي كفلت الحركة عددا من الأيتام، وقدمت مساعدات للأسر الفقيرة والمعدومة، وكذلك للحالات المرضية.

مستشفى بيت المقدس

أسست حركة الجهاد الإسلامي مستشفى بيت المقدس في مخيم نهر البارد، ليقدم رعاية صحية للاجئين، ويستفيد منه اللاجئون الفلسطينيون في شمالي لبنان، وبالأخص في مخيمي نهر البارد والبداوي، وإضافة إلى المواطنين اللبنانيين من أبناء عكار وشمال لبنان، وتقدم المستشفى الخدمات للمرضى والمحتاجين بأسعار رمزية، ويضم المستشفى عدد من الاختصاصات.

مركز بيت المقدس الثقافي

مركز بيت المقدس هو مؤسسة تربوية ثقافية، تهدف إلى نشر الثقافة الإسلامية والوطنية في أوساط الناشئة والشباب الفلسطيني في لبنان، وتتواجد مراكز بيت المقدس في كل من مخيمات نهر البارد، والبداوي، وعين الحلوة، وبرج الشمالي، والرشيدية، وبرج البراجنة، وشاتيلا، والجليل.

وتعمل مؤسسات بيت المقدس على مستويين:

1 – المستوى الثقافي: حيث تنظر حركة الجهاد إلى الثقافة كأحد العناصر الأساسية في نهوض أي مجتمع، وخصوصا نهوض الشباب، وتركز مؤسسات بيت المقدس في عملها الثقافي على نشر التربية والثقافة الإسلامية والسياسية بين أوساط الشباب الفلسطيني.

ومن مهام مؤسسة بيت المقدس على المستوى الثقافي:

• إقامة محاضرات أسبوعية في مختلف المواضيع السياسية والثقافية والفكرية والطبية، وفقا للمنهج الثقافي التربوي للحركة، والذي يراعي مختلف المراحل العمرية ومختلف المستويات الثقافية.

• إقامة الدورات الشرعية بشكل مستمر لمختلف الأعمار والمستويات العلمية والثقافية، في سبيل إرساء مجتمع إسلامي قويم.

• إقامة دورات قرآنية صيفية للناشئة.

• إقامة الرحلات الترفيهية الهادفة إلى تعزيز الروابط الاجتماعية بين مختلف فئات الشعب الفلسطيني.

2 – المستوى الرياضي: حيث تنظر حركة الجهاد إلى التجمعات والمنتديات الرياضية التي تقيمها باعتبارها أساسا لتجميع الشباب الفلسطيني في عمل يسهم في بناء صحة وجسم الإنسان، ويملأ الفراغ، ويستوعب الطاقات؛ ليتكامل مع المشروع الثقافي في بناء الشاب الفلسطيني على كل المستويات، وكذلك تعمل المؤسسة على إقامة الدورات الرياضية المختلفة، وإنشاء عدد من الفرق الرياضية، ومن أهمها فريق بيت المقدس لكرة القدم في لبنان.

جمعية كشاف بيت المقدس

هي جمعية تمارس الأنشطة الكشفية على مختلف المستويات والأعمار، وتهدف إلى بث روح التعاون والتآخي بين مختلف شرائح الشباب الفلسطيني، وتقوية روح العمل والنشاط والمغامرة على أسس تربوية إسلامية.

ومن مهمات هذه المؤسسة: تنظيم الدورات والمخيمات الكشفية، والاحتفال بالمناسبات الدينية والوطنية. الهيئة النسائية:

أسست حركة الجهاد الإسلامي "الهيئة النسائية" إيمانا منها بدور المرأة الفعال في بناء مجتمع سليم، وإيمانا منها أن المرأة التي تشكل نصف المجتمع لا بد أن يكون لها دور ريادي في مؤسسات الحركة.

وتهدف هذه المؤسسة إلى تربية الفتيات المسلمات عبر نشر الثقافية الإسلامية والوطنية، والنهوض بالمستوى العلمي للفتيات، بالإضافة إلى نشر الثقافة الإسلامية والوطنية على المستوى النسائي.

وتعمل الهيئة النسائية على مستويات العمل الثقافي التالية: برنامج المساعدات الاجتماعية، وتنظيم الرحلات الترفيهية الهادفة، والالتزام بالحجاب الشرعي، وتنظيم الاحتفالات والمهرجانات، وتشجيع التوجه نحو الدراسة الإسلامية في المعاهد والجامعات، والقيام بالأنشطة الرمضانية، والدورات العلمية، وبرامج تحفيظ القرآن الكريم.

رابطة بيت المقدس لطلبة فلسطين

أسست حركة الجهاد الإسلامي "رابطة بيت المقدس لطلبة فلسطين"، ومقر هذه الرابطة الرئيسي في بيروت، ولها انتشار طلابي في معظم الجامعات والمدارس اللبنانية وفي المخيمات الفلسطينية، بالإضافة إلى حضورها وسط المؤسسات الأهلية والقوى الطلابية في لبنان.

وتهدف الرابطة إلى الاهتمام بشؤون الطالب الفلسطيني وقضاياه، وتنمية قدرات الطالب الفلسطيني، والقيام بالأنشطة الطلابية التي تصب في خدمة الشروع الإسلامي المعاصر والقضية الفلسطينية، وتنمية الثقافة الشرعية والعلمية لدى الطلبة الفلسطينيين، واستنهاض الطلبة وغرس روح الإبداع في نفوسهم عبر تبني قضاياهم والدفاع عن حقوقهم والإسهام في حل مشكلاتهم، ورفع المستوى العلمي والأكاديمي للطلبة الفلسطينيين في مختلف العلوم.

كما تقوم الرابطة بنشر عدد من المنشورات الإعلامية والثقافية والشرعية للطلبة، ومنها نشرة "المسير"، التي تعني بمختلف القضايا الإسلامية والفلسطينية والطلابية، وتوزع في معظم مدارس لبنان وجامعاته. ثانيا: عمليات عسكرية من لبنان:

تميزت حركة الجهاد الإسلامي بأنها نفذت عددا من العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، انطلاقا من جنوب لبنان، وخلال سنوات قليلة نفذت الحركة أكثر من هجوم استهدف قوات إسرائيلية في الجنوب اللبناني، استشهد خلاله عدد من مجاهديها.

ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها مقاومون فلسطينيون الأراضي اللبنانية كمنطلق لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني، لكن ما ميزت عمليات الجهاد الإسلامي مجموعة من العوامل منها:

1 - إنه الجهة التي نفذتها هي جهة إسلامية فلسطينية تحمل مشروع المقاومة، وهذه الجهة حليفة لسورية وإيران، وترفض التسوية مع الاحتلال، بينما كانت العمليات العسكرية من جنوب لبنان في وقت سابق تنفذ من قبل فصائل فلسطينية، بعضها داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية وبعضها خارجه.

هذا العامل الإسلامي في الدخول إلى المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي من خارج الأراضي الفلسطينية له حساباته ونتائجه وتداعياته، وهو يقرأ من زوايا عدة، أبرزها التحول الحاصل في المجتمع الفلسطيني تجاه الإسلام ومشروع المقاومة. يضاف إليها امتدادات القوى الفلسطينية إلى خارج فلسطين، وفق نظرية جديدة مخالفة لنظرية الثورة الفلسطينية التقليدية، التي وظفت العمليات في إطار سياسي ارتبط بالتسوية، وتقاطع مع مصالح أنظمة عربية.

2 – إن هذه العمليات اتسمت بالتتابع، فخلال وقت قصير نفذت أكثر من عملية على أكثر من جهة في جنوب لبنان، صحيح أن نتائجها العسكرية تباينت وإن كان أهمها عملية مستوطنة شلومي، إلا أن تزامنها مع عملية التسوية وإطلاق مؤتمر مدريد سنة 1991 واتساع دائرة الانتفاضة في فلسطين حمل أبعادا سياسية وعسكرية كثيرة، وسط خوف الاحتلال من إعادة تفعيل الجبهات الخارجية، في وقت كان يكرس وقته لوأد الانتفاضة وتصفيتها، ويمهد الطرق لتوقيع اتفاقيات سلام مع الفلسطينيين (اتفاق أوسلو 1993)، ومع الأردنيين (اتفاق وادي عربة 1994)، ويسعى لاتفاق سلام مع اللبنانيين لم يبصر النور.

3 – إن العمليات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي حصلت في غالبيتها بعد اتفاق الطائف (1989)، الذي أوقف الحرب في لبنان، ودعا إلى حل الميليشيات وتسليم سلاحها، كما أعقب أيضا خروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان سنة 1982، وانتهاء حرب المخيمات 1985 - 1988، وكانت المؤشرات تتجه في حينها نحو إبعاد العامل الفلسطيني عن أي حدث لبناني داخلي، وكذلك إبعاده عن الاحتكاك بالاحتلال الصهيوني لتحييد لبنان عن أي ثمن من الممكن أن يدفعه بسبب توتر الأوضاع الإقليمية.

وكان الرابط السياسي القائم بين الجهاد الإسلامي وحزب الله، الذي له اليد الطولى في المقاومة في جنوب لبنان، من أكثر العوامل إثارة أو مدعاة للقراءة والتأمل والاستنتاج.

ولا تعتبر حركة الجهاد الإسلامي عملياتها العسكرية، انطلاقا من جنوب لبنان، امتدادا لتجربة أو عمليات الثورة الفلسطينية قبل الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982: فحركة الجهاد الإسلامي تملك رؤية سياسية وفكرية وعقائدية غير تلك التي امتلكتها فصائل الثورة الفلسطينية، وبحسب أبي عماد الرفاعي فإن: "اتجاه حركة الجهاد الإسلامي إلى تنفيذ عمليات عسكرية من جنوب لبنان مرتبط بوضع المقاومة في لبنان وبالموفق اللبناني منها، وبأن تكون هذه العمليات موجهة ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وهي رد عملي على كل من يريد التفريط بقضية اللاجئين، وهي رسالة مباشرة للعدو الصهيوني".

كما ترفض حركة الجهاد الإسلامي ربط عملياتها انطلاقا من لبنان بأي دور سوري أو إيراني، لأن المقاومة الفلسطينية ليست بحاجة لإرشادات.

أسباب العمل العسكري من لبنان

من الناحية الفكرية والاستراتيجية، ترى حركة الجهاد الإسلامي نفسها حركة إسلامية مجاهدة تقوم بواجبها الشرعي في مقاومة المشروع الصهيوني، انطلاقا من إدراكها لاستهدافات هذا المشروع، الذي لا يهدد الفلسطينيين فحسب، بل يهدد العالم العربي والإسلامي برمته، وتؤمن الحركة أن قتال "إسرائيل" ومقاومة المشروع الصهيوني واجب ليس على الفلسطينيين وحدهم، بل على العرب والمسلمين وكل القوى التي تناهض الاستكبار والهيمنة في العالم، أما تحديد ساحات القتال الميدانية للمواجهة مع العدو الإسرائيلي فتدخل في حسابها الكثير من العوامل؛ لعل أهمها طبيعة الساحة، والاستعدادات الميدانية المتاحة، والقدرة على التحرك الميداني بما لا يتعارض مع مصالح أصحاب الأرض (الدولة أو السلطة الرسمية).

أما من الناحية العملية والسياسية تؤمن حركة الجهاد الإسلامي أن ساحة معركتها الرئيسة مع العدو الصهيوني هي فلسطين التاريخية، وأن قيام الحركة بواجبها في المقاومة والجهاد داخل فلسطين هو بمثابة تقديم نموذج يحتذى، للجماهير العربية والإسلامية في كل أنحاء العالم، على إمكانية مقارعة هذا العدو والتغلب عليه وإعاقة مشروعه، والحركة تراهن على المقاومة في داخل فلسطين، لتكون دائما هي المحرك الأساس لتحفيز العرب والمسلمين، واستنهاض هممهم نحو مشروع مقاوم.

يقول أبو عماد الرفاعي ممثل الجهاد الإسلامي في فلسطين:

في إطار مواجهتنا مع المشروع الصهيوني، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي حين يتعرض بلد عربي للاعتداء، حين يكون بمقدورنا المشاركة في الدفاع عنه، ولبنان في هذا الإطار ليس استثناء، فنحن معنيون كفلسطينيين أولا، وكجزء من الأمة العربية والإسلامية ثانيا، بمواجهة المشروع الصهيوني والدفاع عن كل أرض عربية، وللبنان، بطبيعة الحال، ظروف معروفة وتاريخ طويل من المعاناة مع المطامع الصهيونية، واحتلال أراضيه، ومشاريع توطين وتقسيم وغيرها، وهناك عشرات المخيمات التي استهدفها العدو بالقصف والمجازر والاغتيالات طيلة سنوات طويلة، ونحن معنيون بالدفاع عن أهلنا ضد هذه الاعتداءات، وقد شاركت حركة الجهاد الإسلامي في مرات عديدة بعمل المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، ولا سيما قبل الاندحار الصهيوني في العام 2000، لكننا كنا نحرص دائما على أخذ الواقع اللبناني بعين الاعتبار بما لا يضر بالمصالح العليا للشعب اللبناني، وبما لا يتعارض مع المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني، لذلك، كنا ندرس عملياتنا بدقة متناهية بما يخدم مصلحة أمن واستقرار لبنان.

عمل حركة الجهاد الإسلامي انطلاقا من الجنوب اللبناني يقوم على قاعدتين أساسيتين: الدفاع عن الأراضي اللبنانية عموما والمخيمات الفلسطينية خصوصا ضد الاعتداءات الصهيونية، ومواجهة كافة الطروحات التي تستهدف إنهاء قضية اللاجئين، سواء عبر التوطين أو عبر مشاريع أخرى، العدو الصهيوني الذي اندحر من الجنوب اللبناني عليه أن يدرك أن انسحابه هذا لا يعني ترك مئات آلاف اللاجئين يعيشون في المخيمات فريسة للتشريد واللجوء والمعاناة اليومية في زواريب وأزقة لا يكاد يدخلها نور الشمس، بينما يسرح قطعان المستوطنين في أراضينا كيفما يشاؤون، واللاجئون الفلسطينيون الموجودون في لبنان خصوصا، وعلى خلاف اللاجئين الفلسطينيين في دول أخرى، لديهم الكثير من المخاوف والهواجس من برامج ومشاريع تستهدف استئصالهم، وربما تهجيرهم مرة أخرى، أو حتى توطينهم.

بطبيعة الحال، لم يتوقف العدو الصهيوني عن استهداف الفلسطينيين في لبنان بالاغتيال وقصف المخيمات حتى بعد الانسحاب من الجنوب، فالصهاينة هم الذين نفذوا عملية اغتيال الشهيد القائد محمود المجذوب، أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي، وشقيقه نضال في مدينة صيدا في 26/ 5/ 2006 عبر شبكة العميل محمود رافع التي تم توقيفها، وأثناء العدوان الأخير في تموز/ يوليو 2006 قامت الطائرات والمدفعية والبحرية الإسرائيلية بقصف العديد من المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني، وأوقعت عددا من الشهداء والجرحى.  

شهداء حركة الجهاد الإسلامي في لبنان
الرقم أسم الشهيد العملية التاريخ
1 محمد خالد كريم عملية مستعمرة زرعيت 29/ 10/ 1991 - 2 وليد حسين حمدي عملية مستعمرة زرعيت 29/ 10/ 1991
3 خالد محمد حسين عملية حولا 6/ 4/ 1992 - 4 عادل كامل ضاهر عملية حولا 6/ 4/ 1992
5 نزار محمود مهودر خصاف عملية حولا 6/ 4/ 1992
6 أمجد محمود أحمد العبدة التصدي للإنزال الصهيوني في مخيم نهر البارد 6/ 8/ 1992
7 شرف الشيخ خليل التصدي للإنزال الصهيوني في مخيم نهر البارد 6/ 8/ 1992
8 عادل رزق صابر أبو عيشة التصدي للإنزال الصهيوني في مخيم نهر البارد 6/ 8/ 1992
9 عاطف عباس عبد الحفيظ حريز التصدي للإنزال الصهيوني في مخيم نهر البارد 6/ 8/ 1992
10 مروان عبد العال التصدي للإنزال الصهيوني في مخيم نهر البارد 6/ 8/ 1992
11 أحمد فايز أحد عملية طريق الطيرة كونين 27/ 10/ 1992
12 عامر الأخضر مداس عملية مستوطنة (مسكاف عام) 7/ 10/ 1993
13 عبد الله النجار عملية مستوطنة (مسكاف عام) 7/ 10/ 1993
14 مالك عبد اللطيف ديب عملية مستوطنة (مسكاف عام) 7/ 10/ 1993
15 أحمد عبد الفتاح العلي عملية (شقيف أرنون) 28/ 11/ 1994
16 أحمد قاسم العاص عملية (شقيف أرنون) 28/ 11/ 1994
17 يحيى محمد الخميس عملية (شقيف أرنون) 28/ 11/ 1994
18 راجح محمد سهيل عيدي عملية وادي السلوقي 24/ 10/ 1997
19 سامر محمد بلولي عملية وادي السلوقي 24/ 10/ 1997
20 صالح محمد الجدع عملية وادي السلوقي 24/ 10/ 1997
21 أشرف خليل الشيخ خليل عملية بليدة (مشتركة مع المقاومة الإسلامية) 1/ 7/ 1999
22 محمد أبو ناصر عملية بليدة (مشتركة مع المقاومة الإسلامية) 1/ 7/ 1999
23 غازي أبو شمط عملية جبل صافي 10/ 11/ 1999
24 محمد سليمان عملية جبل صافي 10/ 11/ 1999
25 غسان محمد الجدع عملية مستعمرة (شلومي) 12/ 3/ 2002
26 محمد مصطفى عبد الوهاب عملية مستعمرة (شلومي) 12/ 3/ 2002


الفصل السابع مستقبل القوى الإسلامية:عناصر القوة ونقاط الضعف والخطوط الاستراتيجية

أولا: بين الماضي والحاضر

تتأثر القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان بالظروف والمناخات السياسية والفكرية والاجتماعية المحيطة، وعانت هذه القوى من مجموعة كبيرة جدا من المتغيرات التي شهدها المجتمع الفلسطيني في لبنان، ومن التطورات والأحداث والوقائع، كالوجود القوي للثورة الفلسطينية في لبنان، ومختلف المعارك والحروب التي خاضها أو تعرض لها الفلسطينيون، وربما وجدت بعض القوى الإسلامية نفسها تعيش في مناخات فرضت عليها ولم تكن لها قدرة على تشكيلها أو لم تكن مقتنعة بها.

وتصبح هذه الحال أصعب خصوصا أن مختلف هذه التطورات تشكلت في حين كانت غالبية القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان تتأسس وتصاغ أهدافها وبرامجها، فمعظم هذه القوى تأسس في أوقات ساخنة وفي مناخات متوترة كان الفلسطينيون يعيشونها، الأمر الذي جعل معظم نشاط هذه القوى يتم في أجواء مضطربة، وفي كثير من الأحيان كان حجم التطورات والوقائع داخل المجتمع الفلسطيني في لبنان، يفوق قدرة هذه القوى على المتابعة ويتجاوز إمكانياتها في التعامل.

فقبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، كان القرار السياسي الفلسطيني في لبنان حكرا على منظمة التحرير الفلسطينية، مع كل ما مارسته المنظمة من أداء سياسي وعسكري تمتلك القوى الإسلامية تحفظات أو اعتراضات كثيرة عليه لكنها لم تكن قادرة على تغيير هذا الواقع.

وبعد الاجتياح الإسرائيلي، جاءت الاعتداءات على المخيمات، سواء من قبل ميليشيات القوات اللبنانية أو من حركة أمل، وحرب المخيمات سنة 1985، ثم بدأت مرحلة التوترات الأمنية والاشتباكات والصراعات بين الفصائل، وصولا إلى مؤتمر مدريد للتسوية سنة 1991 واتفاق أوسلو سنة 1993، الأمر الذي منح الإسلاميين قدرة على التحرك والتقدم والمبادرة مستندين إلى ما أفرزته الانتفاضة الفلسطينية من عناصر قوة للإسلاميين، وما أفرزه أوسلو من خسائر لمؤيديه، كل ذلك مكن الإسلاميين من التقدم أكثر، وأعطاهم قدرة كبيرة على التأثير في القرار السياسي الفلسطيني في لبنان، ومنحهم نفوذا أوسع، حتى باتت القوى الإسلامية اليوم قادرة، أكثر من أي وقت مضى، على صياغة الحالة الفلسطينية والمشاركة بفاعلية في أي قرار يخص المخيمات واللاجئين، وأصبح لها حضور قوي في بناء الصورة الفلسطينية أو في التصدي لهموم الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم، وباتت أكثر تمثيلا لهم من السابق.

ثانيا: نقاط القوة

يستفيد الإسلاميون الفلسطينيون في لبنان من المد الإسلامي الذي تشهده المجتمعات العربية والإسلامية، ومن منحى القوى الإسلامية الصاعد في المنطقة العربية، ومن إقبال الناس على الإسلام وتوجه الشباب والشابات في منطقتنا العربية للتدين وأداء العبادات، ومعروف أن القوى الإسلامية في المجتمعات العربية هي الأكثر قوة وتأثيرا، ويبرز ذلك من نتائج الانتخابات البرلمانية والنقابية، ومن مشاركة بعض هذه القوى في آليات العمل السياسي في مجتمعاتنا، ومن الظهور القوي للإسلاميين في وسائل الإعلام، ومن حجم العمل الإسلامي في المجتمع.

والتيارات الإسلامية الفلسطينية في لبنان هي تيارات شابة في مقتبل العمر، معظم كوادرها القيادية من خريجي الجامعات، وهذا ما يتضح من النشاط القوي لهذه القوى داخل الأطر الطلابية، أو من نتائج الانتخابات التي تجري لنقابات المعلمين والصحفيين، أو من خلال المشايخ ودورهم الدعوي.

ويرتبط الإسلاميون الفلسطينيون في لبنان بقضية فلسطين المركزية التي تمثل حالة صراع الأمة مع الأعداء، وهم متمسكون بما يسمى الثواب الفلسطينية، المتعلقة بالأرض والقدس والمقاومة، وحق العودة، ورفض الاعتراف بالكيان الصهيوني وبالاتفاقيات الفلسطينية، ونشر الوعي السياسي حول القضية وإبقاء القضية حية داخل مجتمعات اللاجئين، وكان حضور هذه القوى فاعلا في كافة المفاصل السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كما كان فاعلا في الدفاع عن الوجود الفلسطيني في لبنان.

ويسجل للإسلاميين الفلسطينيين في لبنان أنهم استطاعوا أن يثبتوا الهوية الإسلامية في المجتمع، وأن يرسخوا الوجود الإسلامي وأن ينموه ويحافظوا عليه، وأن يطوروا الأداء الإسلامي في أصعب الظروف التي مر بها المجتمع الفلسطيني.

ويظهر هذا من خلال انتشار التدين في المجتمع وزيادة عدد المساجد وإنشاء المؤسسات الإسلامية، وبروز الخطاب الإسلامي في المجتمع بشكل واضح، وهو ما مكن الإسلاميين من حجز مكان واسع لهم على خريطة القوى الفلسطينية والوجود الفلسطيني في لبنان.

وهذا حصل بالحكمة والوعي والدعوة الحسنة والخطاب العقلاني، ولم يسجل وقوع عمليات إكراه على التدين أو إجبار على الالتزام بالإسلام وعباداته، ولم نشهد حدوث صدامات أو صراعات أو خلافات بين القوى الإسلامية والجهات الفلسطينية الأخرى على خلفية دينية إلا نادرا، وفي حالات ظلت محدودة الزمان والمكان ولم تتحول إلى صراع، إذ بقي الخلاف في الغالب على مواقف أو توجهات سياسية، وهذا جنب الوجود الفلسطيني في لبنان الشيء الكثير.

ويستفيد الإسلاميون الفلسطينيون في لبنان من مناخ الحرية الذي يتمتع به لبنان، ومن أجواء الانفتاح السياسي والفكري والثقافي في المجتمع اللبناني، الذي يمكن هذه القوى من التحرك والتعبير عن رأيها والتواصل السياسي والإعلامي، ولهذه القوى علاقات جيدة مع المؤسسة الدينية الرسمية في لبنان، ومع مختلف الهيئات الإسلامية اللبنانية، السنية والشيعية.

وفي المجتمع الفلسطيني في لبنان، لا وجود لمؤسسة دينية فلسطينية رسمية تسيطر على المساجد أو تعين الخطباء أو تدير المعاهد الدينية أو تحتكر النشاط الديني أو الخطاب الإسلامي، وهو ما ينعكس إيجابا على القوى الإسلامية.

وتتميز القوى الإسلامية الفلسطينية في لبنان بالعيش بين الناس ومعهم، وبمشاركة المجتمع همومه ومعاناته، فالقوى الإسلامية نشأت في المخيمات وعاشت ولا تزال مع الناس، وهي تدرك حاجاتهم ومعاناتهم وتحيط بهمومهم ومطالبهم، وربما هي أكثر قدرة على التعبير عن تطلعات الفلسطينيين وآمالهم.

وتدير القوى الإسلامية مجموعة كبيرة من المؤسسات الخيرية والاجتماعية والإغاثية، قدمت للمجتمع الفلسطيني مساعدات صحية وغذائية وإنسانية وتعليمية خففت من الأعباء التي يعيشها الفلسطينيون، ومكنتهم من البقاء والصمود في ظل قوانين لبنانية جائرة تمنعهم من العمل، كما ساعدتهم على تجاوز صعوبات البطالة والفقر والحرمان وضعف الخدمات الاجتماعية.

واستطاعت هذه القوى من خلال مجموعة كبيرة من المستوصفات الصحية والروضات وخدمات رعاية الأيتام والمنح التعليمية والمساعدات الغذائية، سد الخلل الاجتماعي وتغطية غياب أو ضعف مؤسسات منظمة التحرير والأونروا وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، والخدمات التي من المفترض أن تقدمها الحكومة اللبنانية. وحافظت القوى الإسلامية بعد هذه الخدمات على سمعتها في نظافة اليد وحفظ المال وأمانة التعامل وحسن التعاطي مع أصحاب الحاجة.

من عناصر قوة الحركات الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان أن عددا منها يمتلك تشكيلات عسكرية وقوات مدربة، وهي قادرة على الدفاع عن نفسها وضرب من يريد استهدافها أو تحجيمها أو استئصالها، وفي الوقت نفسه لها القدرة على التصدي لأي اعتداء صهيوني على الوجود الفلسطيني في لبنان، واستطاعت المجموعات العسكرية حماية قرار القوى الإسلامية في أوقات كثيرة والدفاع عن توجهاتها، وتحمل هذه القوى مشروع المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وكان لها شرف مواجهة المشروع الصهيوني وأدواته في لبنان، لكن هذه القوى، في الوقت نفسه، لم تنخرط في الحروب والمعارك اللبنانية الداخلية ولا في المعارك الفلسطينية – اللبنانية، ولم تساند طرفا في لبنان على حساب آخر، كما أنها لم تنخرط في الحرب اللبنانية 1975- 1990، وهي بالتالي لم تتحمل وزر بعض الممارسات الفلسطينية، وإن كان لبعضها مشاركة مجتزأة هنا أو هناك فهذا تم في جوار المخيمات وللدفاع عن المدنيين الفلسطينيين وحمايتهم.

إن ابتعاد القوى الإسلامية الفلسطينية عن الخلافات اللبنانية يمنحها قدرة أكبر على التواصل مع مختلف القوى في لبنان، ويعطيها قدرة أكبر على التعبير عن رأيها بكل جرأة ووضح، وهذه القوى ليست مضطرة من عند كل منعطف أو تطور لبناني داخلي أن تقدم مواقف الاعتذار أو دليل براءة أو تقرأ فعل الندامة أو تحاول أن تحصل على شهادة حسن سلوك سياسي، كما أصبح حال بعض الجهات الفلسطينية التي صارت مقيدة بأخطائها وصار همها الاعتذار والتنصل من الماضي، وطغت عقدة الأخطاء على سلوكها السياسي وأدائها مع الجهات الرسمية والحزبية اللبنانية.

والقوى الإسلامية الفلسطينية تستفيد من حالة التعاطف اللبناني مع المقاومة ومن حجم التأييد والدعم الذي يبديه اللبنانيون للمقاومة وللانتفاضة في فلسطين، ومن وجود تيار فكري أو أيديولوجي لبناني متعاطف مع المقاومة في فلسطين، خاصة أن اللبنانيين عايشوا الاحتلال الصهيوني وسجلت مقاومتهم له انتصارات مهمة تجلت بانسحاب الاحتلال بالكامل من لبنان سنة 2000.

وتحصل القوى الإسلامية الفلسطينية على جرعات دعم سياسي وإعلامي مهمة من خلال المواقف اللبنانية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني ومقاومته، ومن خلال الأنشطة السياسية والشعبية والإعلامية التي يقوم بها المجتمع اللبناني دعما لجهاد الشعب الفلسطيني.

وتتقاطع القوى الإسلامية الفلسطينية مع المجتمع اللبناني الرسمي والحزبي والشعبي في موقف مهم ومبدأ ثابت وهو رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وكل ما يؤدي إليه، ورفض التجنيس، بخلاف موقف بعض فصائل منظمة التحرير التي سارت في خط سياسي تفاوضي من أبرز نتائجه، لو نجح، التوطين أو التهجير أو إسقاط حق العودة.

ثالثا: نقاط الضعف

على الرغم من النشاط الكبير الذي تؤديه القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان، إلا أن لهذه القوى مجموعة من الأخطاء أو نقاط الضعف، إذ يسجل على هذه القوى ضعف عملها الدعوي وضعف اهتمامها بنشر التدين في المجتمع، على الرغم من كل ما يبذل في هذا المجال، فالنشاط الديني الدعوي الممارس لا يزال أقل من المستوى المطلوب، وأقل من حاجة المجتمع له، وأقل من قدرة القوى الإسلامية على تقديمه.

فالقوى الإسلامية مكلفة بنشر التوعية الدينية والأخلاق الحميدة والفضيلة، وبتعليم الناس أمور عباداتهم من صلاة وصيام وزكاة، ومكلفة بتعريف الناس بالأحكام الإسلامية وبسيرة الرسل والأنبياء والصحابة، وبنشر معاني الإيمان وتعاليم الإسلام، وباستقطاب الشباب والشابات والحث على الخير.

ولا تزال القوى الإسلامية إلى اليوم تولي مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن امنكر اهتماما ضئيلا، في حين ينتشر الفساد في أكثر من اتجاه.

ومن المعلوم أن المجتمع الفلسطيني في لبنان يعاني من خلل اجتماعي وأخلاقي، مثل مظاهر الانحلال ووجود بعض مجموعات تهريب المخدرات أو ممارسة الدعارة أو بيع الحبوب المسكنة والمخدرة والأدوية التي تحول شراب مخدر. وبسبب الأزمات الاقتصادية والضغط الأمني بدأت المخيمات الفلسطينية تشهد حالات سرقة أو اعتداء أو اتجار بالممنوعات، وتتفاقم هذه المشاكل مع غياب السلطة الأمنية أو القانونية التي تتحمل المسؤولية.

والتوعية الدينية، التي من المفترض أن توجه للناس في المجتمع خارج دائرة المسجد أو خارج الانتماء للقوى الإسلامية، ضعيفة، فدروس التوعية الدينية تعطي عادة في المسجد أو من خلال خطب الجمعة، وبالتالي لا تصل إلى الناس العاديين الذين هم بحاجة إلى تعريفهم بالأخلاق الحميدة وحسن التعامل مع الآخر وفضائل العبادات وأهمية السلوك الأخلاقي السليم وأخطار الممارسات السيئة.

ويؤخذ على بعض القوى الإسلامية ابتعادها عن إصلاح المجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانشغالها بالسياسة والأعمال العسكرية فقط، لا بل إن ملاحظات كثيرة أصبحت توجه لهذه القوى لأنها تعطي السياسة والشأن الأمني أكثر من العمل الدعوي، وهذا أضر بهذه القوى من نواح أخرى، فأثر على طريقة انتماء الأفراد لهذه القوى وأدى إلى تراجع المستويات الإيمانية والتربوية عند عناصر هذه القوى وكوادرها، وبرز ذلك من خلال ضعف مستوى الثقافة الشرعية والدينية عند هؤلاء، وتراجع المستوى الإيماني عند فئة يفترض بها التمتع بعناصر إيمانية قوية.

فحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وتعلم القواعد الشرعية الأساسية وقراءة أسس الفكر الإسلامي وممارسة عبادات معروفة بأهميتها مثل صلاة قيام الليل وصيام السنن وإيثار الآخرين ومواجهة أمراض النفس، أمور تشهد تراجعا عند عناصر بعض الجماعات.

مع هذه النقطة يبرز محور آخر هو ضعف العمل المسجدي وضعف الاهتمام بالمسجد، الذي هو أساس العمل الدعوي اليومي ومنطلق التواصل الديني مع المجتمع ومحضن التربية للأفراد.

ولا تعطي القوى الإسلامية في لبنان للمسجد الأهمية الممنوحة له، فالاهتمام بدور المساجد ضعيف ولجان المساجد تشتغل بخدمات المسجد أكثر من اهتمامها بالعمل الدعوي والدروس العامة والمحاضرات والتوعية الدينية، ولوحات الحائط ضعيفة وغير مؤثرة غالبا، والأنشطة الدعوية التي تقام في المساجد مثل القراءة الجماعية للقرآن أو تلاوة الأذكار أو الإفطارات الجماعية أو صلاة قيام الليل أو قراءة سورة الملك بعد صلاة العشاء قليلة جدا، وحلقات النقاش الفكري والثقافي التي كانت تدار في المساجد في السبعينيات والثمانينيات تراجعت في الفترات الأخيرة.

وتعاني القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان من غياب التنسيق والتواصل الدائم على مستوى قياداتها المركزية، ولا يوجد إطار جامع يضم هذه القوى أو يجمعها في تشكيل دائم ينسق بينها في الأولويات ولا في الأحداث الجسام، فكل مجموعة إسلامية تتحرك على هواها ووفقا لرؤيتها الخاصة ومصالحها الذاتية، بعيدا عن المصالح الدينية أو الدعوية أو العامة المشتركة.

صحيح أنه يوجد أحيانا لجان تنسيقية على مستوى مخيم ما، مثل مخيم عين الحلوة، لكن لا وجود لإطار موحد أو لجنة دائمة أو أمانة عامة تجمع كل هذه المجموعات الإسلامية، على الرغم من القواسم المشتركة بينها وتشابه المنطلقات التي تتحرك من خلالها والتعرض للأخطار نفسها والتحديات السياسية والأمنية في الغالب.

وهذه النقطة تصبح أصعب وأخطر في ظل غياب حركة إسلامية كبيرة ذات نفوذ واسع تحمل مشروعا بحجم الوجود الفلسطيني في لبنان، تستطيع أن تؤطر معظم المجموعات الإسلامية في خندقها وأن تستوعب جميع الاتجاهات الإسلامية، وأن تؤثر على المسارات الدعوية والسياسية لهذه المجموعات بحيث تصب كلها في اتجاه واحد.

وهذا ما سمح أحيانا بتسلل أفكار إلى المجتمع الفلسطيني في لبنان بعيدة عن واقعه، ولا تتناسب عادة مع ماضيه الفكري والديني والحضاري، وهو ما سمح أيضا بقيام جهات محلية وإقليمية وخارجية باختراق الساحة الإسلامية الفلسطينية في لبنان وجذبها نحو مشاريعها ومصالحها ورؤاها، وتمويلها وتأطيرها لخدمة توجهاتها، أو توظيفها لاستخدامها في برامجها الخاصة.

ومع الاضطراب الحاصل في الحلبة السياسية الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، ومع صعود الحركات الإسلامية وتقدم الإسلاميين، توجهت الجهات المعنية التي تمتلك مشاريع خاصة إلى الساحة الفلسطينية، وأسست مجموعات إسلامية، والملاحظ أن هذه المجموعات لم تنشأ وفقا للحاجة أو لمسار التطور الطبيعي، بل تشكلت بناء على طلب وزودت بالإمكانيات، وصار أداؤها السياسي يخدم الجهات التي شكلتها، ويبرز عمل هذه المجموعات عادة وقت الأحداث أو المناسبات السياسية أو وقت التطورات الأمنية، ما يجعلها محدودة الفعل والتأثير، لكن يبقى هم ترشيدها واستيعابها وتحسين سلوكها أو ضبطه مهمة الحركات الإسلامية الكبيرة، وذلك حتى لا تمارس هذه المجموعات تأثيرا دينيا مشبوها أو عملا أمنيا مرفوضا يضر بمصالح الشعب الفلسطيني في لبنان ويسيء للعلاقات الفلسطينية – اللبنانية.

ويبذل الإسلاميون الفلسطينيون في لبنان جهودا حثيثة في تقديم المساعدات الاجتماعية والخدمات لمجتمع اللاجئين، غير أن نقطة الخلل في هذا الجانب تكمن في ضعف الاهتمام بالتنمية وعدم منح التنمية الإنسانية أولوية.

فالخدمات التي يقدمها الإسلاميون تنحسر عادة في المساعدات الغذائية وتقديم الملابس للمحتاجين، والخدمات الصحية، لكن لا تمتلك القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان حتى مدرسة واحدة ولا معهد تدريب إداري أو مهني أو فني، ولا مراكز تعليم المهارات الصناعية، ولا مستشفيات، كما أنها لا تمتلك مؤسسات إنتاجية أو صناعية، والمنح التي تقدمها القوى الإسلامية للدراسة الجامعية محدودة للغاية، وهذا ينعكس سلبا على توجه كوادر القوى الإسلامية للتعليم، حيث إنه ومع تراجع قدرة المجتمع الفلسطيني الاقتصادية نلاحظ مقابله ضعف مستوى العناصر المتعلمة أو المثقفة التي تنضم حديثا لغالبية القوى الإسلامية، ولم نعد نلمس وجها عند معظم القوى الإسلامية وعناصرها لدراسة الطب أو الهندسة أو المحاماة أو الإعلام أو علوم الاجتماع أو الآداب ولغاتها إلا فيما ندر، ومن شأن هذا أن يؤثر على مستوى أداء الحركات الإسلامية في المستقبل.

والأمر نفسه ينطبق على دراسة الشريعة الإسلامية، فمعظم عناصر وأنصار القوى الإسلامية يتلقى علومه الشرعية في حلقات هذه القوى أو في زواياها أو في معاهد شرعية تطلب شهادة المرحلة المتوسطة أو المرحلة الثانوية، ويتوقف هؤلاء الطلبة عند هذا الحد، ولأسباب كثيرة لا يكملون تعليمهم للحصول على شهادة الدكتوراه في الشريعة، وهو أمر ملموس عند كافة القوى الإسلامية الفلسطينية في لبنان، بعكس ما هو ملاحظ في الدول الإسلامية المحيطة وفي فلسطين تحديدا.

والمتابع للعمل الإسلامي الفلسطيني في لبنان يلاحظ قلة الاهتمام بالفنون والآداب والرسم والمسرح، وكأن هناك حالة خصومة بين معظم هذه القوى وهذه الأنواع من الاهتمامات الإنسانية، فالندوات والمعارض والأنشطة التي تنفذ تكون، على أهميتها، ذات طابع ديني أو سياسي، ولا تحظى أعمال الشعر والنقد والتمثيل والتخطيط أو الرسم والعلوم الإنسانية الأخرى بأي اهتمام، لا بل إن الأناشيد التي ترددها الفرق الفنية التابعة للقوى الإسلامية أو المقربة منها تكون دائما ذات طابع جهادي مقاوم، وهو أمر مهم جدا لشعب يسعى لتحرير أرضه ومقدساته، ولكنه غير كاف إذ ضعف التركيز على الأسس التربوية للأفراد من خلال الأناشيد ذات الطابع الديني أو التربوي التي تحض الإنسان على تأدية العبادات وتزكية النفس وطهارة الروح وصفاء القلب، وتدعو لتعميق الإيمان وخدمة الإنسان وطاعة الله، والاقتداء بسيرة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو ما كان حال الأناشيد الإسلامية التي تربى عليها الجيل الذي أسس هذه القوى في لبنان.

وفي مجال المرأة، يؤخذ على القوى الإسلامية أنها لم تعط اهتماما كافيا وخاصا للمرأة وقضاياها، فالاتجاه للدعوة بين النساء ضعيف، والمرأة الفلسطينية (أو الفتاة) لا تحصل على حقها في النصح والإرشاد والتربية الدينية، ونشاط الداعيات داخل مجتمع النساء بحاجة إلى تطوير ونهوض.

كما قصر الإسلاميون في إبراز وجوه نسائية في المجتمع، ولم يقدموا رموزا نسائية معروفة على المستوى الفلسطيني أو اللبناني العام، في قطاعات الدعوة أو التعليم أو الصحافة أو الإعلام أو العمل الاجتماعي والخيري، ونادرا ما تتواجد المرأة في المؤتمرات أو الندوات التي تنظمها مجموعات أو مؤسسات إسلامية.

ولا تمتلك القوى الإسلامية مراكز أبحاث أو دراسات أو تحليل أو توثيق، والدراسات الميدانية وعملية تحليل المعطيات وفق منهج علمي ضعيفة جدا، ويستعاض عنها عادة بحلقات نقاش معظمها ذات طابع سياسي.

والأمر نفسه ينسحب على الفرق الكشفية والرياضية، فالقوى الإسلامية لم تعر هذه الجوانب الاهتمام الكافي، على الرغم من اشتغالها فيها، وظلت الفرق الكشفية التابعة للقوى الإسلامية في أوضاع مستقرة، على رغم التطور الحاصل في أكثر من صعيد.

وكان الإسلاميون في السابق قد أنشأوا الفرق الرياضية للاستقطاب والتربية ونشر الدعوة الإسلامية، ونجحوا في ذلك آنذاك، لكن اليوم ومع وجود مؤسسات وأندية رياضية كثيرة إلا أن نشاطها التربوي والدعوي ليس بالقدر المطلوب، وقدرة المؤسسات الرياضية والكشفية على الاستقطاب لم تبلغ مستوى متقدما كحال قوى إسلامية أخرى في فلسطين أو لبنان.

في الشق السياسي، تأثر الأداء الإسلامي في لبنان بالضغوط الأمنية المتلاحقة، فما أن تهدأ عاصفة أمنية مثل تفجيرات أو اغتيالات أو تهديدات حتى تنشب عاصفة أخرى.

وصار الحراك الإسلامي محصورا بفترات من الهدوء في ظل اتهامات توجه لبعض الإسلاميين باستضافة أو إيواء "عناصر إرهابية" أو في ظل حملة أمنية قادها بعض عناصر تنظيم فلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ضد تنظيم إسلامي فلسطيني آخر، أو في ظل تهديد قوى فلسطينية بضرب واستئصال مجموعات أخرى.

هذا الضغط الأمني ترافق مع أزمة أخرى هي وجود مطلوبين إسلاميين للسلطات اللبنانية متهمين بقضايا تخريب أو تفجير، وهي أزمة تعاني منها الساحتان الفلسطينية واللبنانية في لبنان.

وما زاد من تعقيد هذه الأزمة أن السلطات اللبنانية لم تشمل الفلسطينيين بالعفو العام عن كافة الجرائم في القانون الذي أصدره البرلمان اللبناني بعد اتفاق الطائف، وظلت المخيمات الفلسطينية تصنف كجزر أمنية خارجة عن القانون، ومع المشاكل الأمنية التي حصلت في التسعينيات ازداد عدد المطلوبين من الإسلاميين، وهو ما يكرس أزمة كبيرة لأن هؤلاء يعتبرون أن التهم الموجهة إليهم ملفقة والسلطات اللبنانية تطالب بتسليمهم.

وتأخذ بعض الجهات على القوى الإسلامية الفلسطينية في لبنان أن غالبيتها لم تمارس عملا مقاوما من لبنان ضد الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، رغم أن معظم القوى الإسلامية يرفع شعار مقاومة الاحتلال، وترد هذه الجهات بأن هذه القوى قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي من لبنان، لكنها تتحفظ الآن عن ذلك لأن هذا العمل سيتضارب مع مصلحة المجتمع اللبناني، وقد يلحق الأذى بالمقاومة في لبنان وبالجيش اللبناني أيضا، وكلفته الحالية على الفلسطينيين باهظة.

ويعاني الإسلاميون الفلسطينيون من نقص التمويل، فميزانيات هذه القوى لا تتلاءم مع حاجاتها ومع حاجات المجتمع، بعكس ما هو مشاع، والمساعدات أو الأموال التي تحصل عليها هذه القوى مثل أموال الزكاة والصدقات والتبرعات تكون عادة مشروطة، ولا مجال لصرفها على غير ما خصصت له.

رابعا: الاستراتيجية المطلوبة

من خلال الاطلاع على تجربة القوى الإسلامية العاملة في المجتمع الفلسطيني في لبنان وماضيها ومسار عملها، يمكن اقتراح الخطوات التالية على هذه القوى لتطوير العمل الإسلامي وتحسين الأداء العام:

1 – صياغة رؤية استراتيجية إسلامية موحدة، تحدد فيها الأهداف العليا المشتركة للعمل الإسلامي، وتظهر المصالح العليا التي على الإسلاميين تحقيقها، انطلاقا من الرسالة الإسلامية السامية ومقاصد الشريعة ومصلحة عموم المسلمين والفلسطينيين تحديدا، بعيدا عن التنافس على أمور ثانوية أو الاختلاف على شؤون بسيطة أو التنازع على مواقع صغيرة أو أفراد.

2 – تشكيل إطار مؤسسي دائم للتنسيق، يشمل قيادة مركزية على مستوى لبنان، وأمانة عامة دائمة، وتأسيس مرجعية إسلامية موحدة، تنظر بشكل متواصل في شؤون المسلمين الفلسطينيين، وتنسق الأدوار والمواقف في الأحداث والتطورات، وتقارب ما بين وجهات النظر التي عادة ما تكون متباينة أو متناقضة، وتلغي ظاهرة سوء الفهم أحيانا بين القوى الإسلامية، وتعزز التواصل، وينتج عن هذه المرجعية الموحدة لجان لجان تنسيق دائمة في المناطق.

ومن شأن هذا الإطار المركزي أن يسهم في تشكيل مظلة واحدة للقوى الإسلامية الفلسطينية تساعد في صياغة التوجهات وتحديد الأخطار التي يتعرض لها الإسلاميون وسبل مواجهتها، وتكون في الوقت نفسه آلية دائمة لمعالجة الأزمات أو الخلافات والإشكاليات التي تحصل بين القوى الإسلامية ذاتها.

3 – وضع ميثاق شرف بين القوى الإسلامية يحدد نقاط التفاهم والتعاون، وينبذ التفكير والتخوين، ويسهم في تحسين الأداء الإسلامي العام، وترتيب أولويات القوى الإسلامية، ويحاول الابتعاد قدر الإمكان عن تسرب أفكار وتبني طروحات ومناهج مخالفة للواقع الفلسطيني، ومضرة بوضع اللاجئين، وموترة للتفاهم الفلسطيني اللبناني على حفظ الأمن والاستقرار الأهلي.

4 – تطوير أساليب الدعوة وتحديث وسائل التبليغ والانتشار، وتفعيل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتبار نشر الدعوة وتربية المجتمع أولوية، والحرص على التوازن بين الواجب الديني والدعوي والأعمال السياسية، والاهتمام بالتربية وبناء الفرد، وتوسيع الاستقطاب ورفع مستوى الإرشاد التربوي ليشمل كافة فئات المجتمع.

5 – وضع سياسات عامة تدافع عن الوجود الفلسطيني في لبنان وتتبنى قضاياه، وتحافظ على مصالح اللاجئ الفلسطيني، وخاصة في نواحي الحقوق الاجتماعية والإنسانية، وتحسين أحوال الإقامة والسكن وتطوير الخدمات، والتخفيف من الأخطار الأمنية المحدقة بالفلسطينيين، ومن الأمراض الاجتماعية، وكذلك مواجهة مشاريع التوطين والتهجير والترحيل والتجنيس، والتصدي لمشاريع تأخذ الفلسطينيين إلى أماكن أو اتجاهات بعيدة عن واقعهم.

6 – قراءة التجارب الإسلامية الماضية، وإجراء قراءة نقدية علمية موضوعية للمجموعات الإسلامية العاملة وأهدافها وواقعها وحقيقتها، بهدف منع حالات الاختراق، ووضع حد للمغامرات المجانية التي ينجو أصحابها ويسقط الفلسطينيون ضحايا لها.

7 – المحافظة على مركزية القضية الفلسطينية وفهم حقيقة المشروع الصهيوني والتصدي له، وإبقاء الحركات الإسلامية في عمق الصراع مع الاحتلال الصهيوني، وتجنب الانحراف نحو مواجهات أخرى، وتقوية المقاومة في فلسطين ولبنان ودعمها ومساندتها بكل الوسائل وحماية ظهرها، وإدراك القواسم المشتركة بين المقاومة الإسلامية في فلسطين والمقاومة الإسلامية في لبنان، وتحصين المجتمع الفلسطيني من الاختراقات السياسية والأمنية والصهيونية، ومساعدة اللبنانيين في تصديهم المشروع للاعتداءات الصهيونية، والحرص على امتلاك القدرة على مواجهة الخطر الصهيوني على الوجود الفلسطيني في لبنان.

8 – الاهتمام بالتنمية الإنسانية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، من خلال عملية نهوض ثقافي وعلمي واجتماعي، تشمل بناء المدارس والمعاهد والمستشفيات والمراكز العاملة في قطاعات التنمية البشرية، وتعزيز الوعي ومواجهة الأخطار الاجتماعية التي تدمر حياة اللاجئين ومستقبلهم، والاهتمام بالإعلام والإدارة والتخطيط.

والحمد لله رب العالمين.

الملاحق

الملحق الأول: بيانات نعي شهداء الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين

نعت الرابطة الإسلامية لأبناء فلسطين، في كتيب خاص صدر سنة 1985 عنوانه "على طريق الشهادة"، 14 شهيدا قدمتهم الرابطة دفاعا عن الفلسطينيين ووجودهم وقضيتهم، (أضفنا إلى الكتيب شهيدين هما صبحي الزعبوطي وكمال سعيد راضي، اللذين استشهدا سنة 1987 وكانا من أبناء الرابطة).

هؤلاء الشهداء هم:

فادي عبد الله أبو هاشم.

محمد ناشي طه.

صقر حليمة.

فادي الخطيب.

طارق الصفدي.

غسان محمد الجشي.

أحمد وحسين العلي.

عوض عوض.

صلاح أبو الرقطي.

حسين محمود الأنس.

خليل قاسم.

محمد عبد الحليم.

يوسف الخطيب.

صبحي محمد الزعبوطي (أبو مصعب).

كمال سعيد راضي علي.

فادي عبد الله أبو هاشم

إسلامنا علمنا أن نحياه، نتألم لما يضيره ... علمنا أن نكون رجالا حتى قبل أن نبلغ أعمار الرجال .. علمنا أن نحمل هم الأمة ... علمنا أن الجنة سلعة وعلمنا أن نشتريها بدمائنا، وهكذا كنت أيها الشهيد الحي فادي أبو هاشم، عرفناك فتى ناحل الجسم لا تكف عن الحركة، وكأن الطاقة الكامنة في قلبك أكبر من جسمك الصغير، عرفناك متحمسا لكل قضايا الإسلام والإنسان، متحفزا لكل عمل يطلب منك، متمنيا الجهاد في سبيل الله، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله، تمنيت الشهادة أيها الأخ الكريم حيث تحلو هنالك في فلسطين، ولكن يد الغدر أعطتك مرادك وأنت صائم وفي أول أيام رمضان الشهادة بعيدا عن فلسطين ... عزاؤنا أنك كنت تدافع عن وجود وكرامة هذا الشعب المؤمن المعطاء.

أخانا الحبيب: المسجد يسأل عن أحبائه وأنت أولهم، تشق عتمة الليل متوجها إليه في البردين، الفجر والعشاء، أثل صلاتين على المنافقين، مجالس العلم تفتقدك تبث فيها الحياة بمرحك وأسئلتك وحماستك.

نذكرك ليلة الأول من رمضان الشهادة في أحد مجالس العلم وأنت تسأل وتناقش حتى لكأنك احتكرت المجلس لأسئلتك ... ثم ودعتنا بحرارة ومضيت، وما خطر لنا أيها الأخ الغالي أنه الوداع الأخير.

وفي سحور الأول من رمضان استفاق أهل المخيم على صوتك العريض يدعوهم للسحور، ما الذي خطر ببالك لتدعو الناس للسحور وأنت لم تفعلها سابقا ... أهو وداع لأحبائك أهل مخيمك قبل أن تمضي للقاء الأحبة محمدا وصحبه، من يدري؟!.

وصليت الفجر كعادتك في المسجد ومضيت إلى بيتك متعجبا لجموع المسلحين يحيطون بمخيمك، وأشرقت شمس الأول من رمضان على الجريمة، جريمة محاولة ذبح شعب وقضية، ودعاك الواجب الشرعي فحملت سلاحك لتصاب مرتين في المعركة، فتمضي لتضميد جروحك ثم تعود إلى المعركة مسابقا إلى الشهادة، وشاء الله لك أن تفوز بلقائه صائما وفي الأول من رمضان ومع ثلة من إخوانك.

فسلام لك ولهم في الجنة ...

دعاؤنا: اللهم بلغنا الشهادة واجمعنا بإخواننا ...

وطريقنا طريقكم: الجهاد، وقائدنا محمد ينتظرنا على الكوثر ...

فهنيئا لكم أيها السابقون ...  

محمد ناشي طه

إنه أول أيام رمضان الخير، الرصاص يدوي والدنيا تمطر قذائف على مخيم الشهداء، وهذه مجموعة من الشباب المؤمن تمضي مسرعة باتجاه الشارع الرئيسي حيث سقط جرحى محاصرون، وبين هؤلاء الشباب كان محمد فاضل ناشي طه، شاب ناحل الجسم طري العود، يخوض أول معركة في حياته، دعاه الواجب الشرعي فاستجاب مسرعا وهو الذي تعود إجابة داعي الله في كل حين، محمد فاضل ناشي طه: بشروا المشائين إلى المساجد في الظلمات بالنور التام يوم القيامة.

أبشر يا محمد، فما سمعت النداء إلى وانطلقت مسرعا إلى المسجد مهما تكن الظروف، في تهجداتنا كنت دوما السباق، ويبدو أن السباق إلى الصلاة والركوع والقيام سباق إلى الجهاد والقتال، فقد عجب إخوانك لرؤيتك تحمل سلاحا وتطلق نارا لإجلاء أخ جريح، وأجليتموه ونجحتم حيث فشل الآخرون، وبينما أنتم في المستشفى جاء خبر عن تعرض أحد المحاور لهجوم جديد فأسرعتم باتجاه المحور، ولكنك ومجموعة من إخوانك اختصرتم طريق الجنة ... فكانت قذيفة حقد بانتظاركم، فاستشهد الأخ فادي الخطيب وأصبت أنت ومجموعة من إخوانك، بينهم الأخ صلاح أبو الرقطي، ثم لحقت بفادي بعد يومين ولحق بكما صلاح بعد أقل من ثلاثة أشهر وفي حرب ظالمة جديدة فرضت علينا.

وهكذا نحن أيها الحبيب ...

(من المؤمن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).  

صقر حليمة

أخي صقر يا أول شهدائنا وباكورة رياحيننا في الجنة.

في اليوم الأول من رمضان الخير، استيقظ مخيمنا آمنا مطمئنا، وكيف لا يطمئن والشياطين مكبلة في أصفادها، وهذا شهر الخير والعبادة والتسامح، ولكن لئن كبلت شياطين الجن فإن شياطين الإنس كانوا يشحذون سكاكين الغدر، فاستيقظ الناس على الجريمة ... يحملون أربعة وعشرين شهيدا وثمانين جريحا.

في الأول من رمضان الخير الذي بلغ من خيره أن أصبح رمضان الشهادة، يشاء الله عز وجل أن يحقق أمنيتك يا صقر الإسلام، فتسقط وأنت تردد بصوتك العذب الجميل "الله أكبر" وكانت هذه الصرخة الشعار آخر عهدك بدنيا عشت فيها يتيما فكنت ابنا للإسلام.

أخي، سألك إخوانك ليلة الأول من رمضان بماذا ندعو لك أبا دجانة؟ فقلت: ادعوا لي أن أستشهد في رمضان وأنا صائم، وهكذا كان ...

وهل يستجيب الله إلا لمن يسأله بصدق. ...

أبا دجانة: سلاحك في أيدينا ...

ودماؤك تزين جدران مخيمنا ...

وصوتك يسكن أعاقنا مرددا:

رباه ... إن كنت تعرض جنة للبيع بالنفس اشتريت.

وطريق العزة عرفناه، أوله تضحية وآخره شهادة.

فسلام عليك في الصالحين أيها الشهيد الغريب.  

فادي الخطيب

العمر سبعة عشر عاما، العينان: خارطتان لفلسطين، فئة الدم: شقائق النعمان النامية في سهول الجليل، القلب: قدس، والأنفاس: لا إله إلا الله ... الحالة الاجتماعية: تختزل كل معاناة شعبنا، يتم وألم وجهاد، وفادي الخطيب الفتى الآتي بلا طفولة، لأن كل أطفال بلادي لا يعرفون الطفولة، فادي الخطيب الآتي عبر المسجد يخترق قلوب إخوانه ويعشش في حناياها ... أحببناه في الله أخا مرحا متسامحا مع إخوانه، وترسخ حبه في القلوب أكثر شهيدا يسبقنا إلى الجنة.

أخي: لا نملك إلا دموعا نذرفها، ولا حزنا ولكن شوقا ... نستشعر اليتم بغيابكم، ولكن نفتخر بهذا اليتم الذي يرفع رأس الإسلام عملاقا بين الأنقاض، الإسلام الذي صاح عبر دماء الشباب: (فليقتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة...).

وسقطت بيوتنا أنقاضا فوق أنقاض، وسالت دماؤنا جداول ... ولكن بقيت كرامتنا وبقيت عقيدتنا، والتفتنا إلى إطلالة مئذنة مسجدنا فوجدناها ترتفع شامخة تلبس تاجا من دماء الشهداء ترصعه نجوم، وبينها كنت أنت نجمة.

فادي الخطيب: الغدر والصبر.

غدرهم عرفناه ... وصبرنا خبرناه.

وسنبقى ... تتحدى العين المخرز، والجرح السكين ...

ولأننا مسلمون لا يجوز لنا أن نتراجع أو ننثني ... ولأننا فلسطينيون لا يحق لآهة ألم أن تخرج .. هذا جهاد، نصر أو استشهاد ...

والله نسأل أن يدخلك جنته ... وأن يتقبل شهادتك ...  

طارق الصفدي

ما أجمل أن يسير الحق والقوة جنبا إلى جنب ...

وما أبهى الفجر يمحو الظلام متلونا بدماء الشهداء ...

وما أعظم رهبان الليل عندما يصبحون فرسان النهار ...

أخي طارق: ظلمات الليل تسأل عنك، عن ذلك الفتى الذي يخترق أحشاءها كل ليلة متوجها لبيت الله لا يعبأ ببرد ولا بمطر، رحاب المسجد تتساءل عن ذلك الفتى الذي كان يجلس في حناياها تاليا لكتاب الله.

نظرات إخوانك تبحث عنك في الصفوف الأولى في الصلاة وفي ميادين العمل، فترتد دامعة، لكنها واثقة من نيلك أحسن الجزاء بإذن الله، أحببت الحق واتبعته وتمنيت على الله أن يهب هذا الحق قوة بها يناضل، وكما كنت سباقا إلى قيام الليل وصيام التطوع وقراءة القرآن كنت سباقا إلى اكتساب القوة والإعداد.

أخانا الطاهر البرئ: وهل أطهر من دماء الشهادة تبرئ من سائر الذنوب، خاصة وإن كنت هذه الدماء جارية إلى يوم القيامة، إن إخوانك لا ينسون يوم أخرجوك من قبرك الأول بعد دفنك بثلاثة أشهر فوجدوك كما أنت دفنت ودماؤك تنزف من جراحاتك ...

هنيئا لأهلك بك تشفع لهم يوم القيامة ... وإن دماءك النازفة لتخبر أن عصرا جديدا قد افتتحه شعبنا، عصر الدماء الإسلامية الحارة تجري من شرايين الشهداء ... إلى قلب الأمة تحييها ... وتعيد للإسلام مجده ... وإن أبواب الجهاد التي فتحت لن تغلق أبدا بعون الله.  

غسان محمد الجشي

القصف الأعمى المجنون يعصف بالمخيم، والدخان يزكم الأنوف، وألسنة المظلومين المحرومين تلهج بالدعاء، والعيون ترمق السماء بنظرات الرجاء: اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك ...

وكأن الظلم المتجبر يأبى أن يقف عند حدود، فلم يكتف الظالمون بقصف وتدمير المخيم، بل لجأوا إلى قتل المسلمين الفلسطينيين المسالمين، ثم بدأوا بحرق بيوتهم ومحالهم بعد نهبها، وكانت عيون المظلومين في المخيم تنظر إلى بيت أخ أو ابن عم يحترق خارج المخيم.

وبين الناظرين وقفت أرملة تنظر إلى بيتها يحترق وفيه كل ما تملك هي وأطفالها، فجاء ابنها ذو الثمانية عشر ربيعا يطيب خاطرها.

غسان محمد الحبشي، الشهيد ابن الشهيد، استشهد والده وهو دون التاسعة من عمره، وشاء الله عز وجل أن يكرمه بالشهادة فارسا عملاقا حاملا سلاحا منافحا عن أهله، سقط في نفس اليوم الذي أحرق فيه الطغاة بيته.

غسان محمد الجشي تلفتنا يوما فوجدناه بيننا في صفوف المصلين ... ويوما رأيناه في مجالس العلم ... ويوما آخر فإذا به في صفوف الرابطة يحمل الإسلام المجاهد المتحرك فكرا وسلوكا وتربية، يحمل الإسلام حياة يعيش من خلاله، وتلفتنا يوما فوجدناه يسبقنا إلى الشهادة، وعلى درب الشهادة سنظل سائرين، فيا غسان، ويا أم غسان ... لك الوعد الفلسطيني ... ولك العهد نقطعه على أنفسنا ونشهد الله عليه ... أن نتابع مسيرة الحق والنور، حتى يحق الله الحق ويبطل الباطل ... أن يواجه الصدر السكين والعين المخرز، حتى يشرق فجر الإسلام على فلسطين والعالمين أو نمضي إلى الجنة مع الصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا.  

أحمد وحسين العلي

المكان: بيت من بيوت الله.

الزمان: بعد صلاة الظهر.

فتية آمنوا بربهم يخرجون من بيت الله بعد أداء صلاة الجماعة، يتحادثون عن شهداء رمضان وعن الشهادة في سبيل الله، فيخرج أحدهم صور الإخوة الشهداء، فيتخاطفها الشباب كل يريد أن يحتفظ بها ... وكان بين الجمع أخوان، كانا الأكثر حرصا على أخذ الصور والاحتفاظ بها: أحمد وحسين العلي.

لم يشهدا حرب رمضان في المخيم مع إخوانهم، ولكنهما – ومثل كل الناس الذين كانوا خارج الحصار – شعرا كم كان المحاصرون في نعمة، فإنهم رغم جوعهم وجراحهم وآلامهم فقد سلمت لهم كرامتهم، في حين كان الفلسطينيون خارج الحصار مستباحي الحرمات والكرامات.

حاول المجرمون قتلهم في رمضان فخرج بهم وأهلهم، وما أن فك الحصار حتى دخلا مخيم الشهداء (برج الإسلام) ملتحقين بصفوف الرابطة.

حسين وأحمد، جرحان في قلوب كل الشباب المؤمن، شقتهما سكين الغدر والحقد، سبحان الله، كم أصر هذان الشابان على الاحتفاظ بصور إخوانهما الذين سبقوهما إلى الشهادة ... وفي نفس اليوم الذي أكرمهما رب العزة فيه بهذا الشرف الرفيع.

ولشهر آب/ أغسطس في المخيم حر لا يعرفه من كان خارج المخيم، لذلك قرر خليل قاسم وأحمد وحسين العلي مع شاب أن يناموا فوق سطح المنزل، وكانت ليلة التهبت فيها محاور القتال في بيروت بين شرقيها وغربيها.

وفجأة يمزق سكون الليل انفجار ثلاث قذائف، وكانت واحدة منها بين الشباب الأربعة، تمزقهم بشظايا الحقد الطائفي الأسود، فترتفع أرواح ثلاثة إلى ربها تشكو إليه شراسة الحقد الطائفي أو المذهبي سواء بسواء ... ويصاب الرابع.

أحبابنا أحمد وحسين ... والدكم الصابر يعلم الناس كيف يقف الإيمان بوجه كل المصائب والمحن لا يهتز ولا يتغير ... يعلمنا أن درب الشهادة هو درب من طلب العلى.

يعلمنا أن نستعلي بإيماننا عن كل الدنايا وأن نمضي في سبيل الله وأن لا نعير الصعاب والآلام أي التفاتة. نذكركم ونتابع المسيرة بعون الله مطمئنين إلى مصيرنا ذاكرين قول القائل: قد اختارنا الله في دعوته ..

وإنا سنمضي على سنته ..

فمنا الذين قضوا نحبهم ..

ومنا الحفيظ على ذمته ...

وسلام عليكم في عليين .. وسلام عليكم إلى يوم الدين ...  

عوض عوض

إلى أخي الشهيد ...

يا من اختارك الله من بيننا شهيدا، فهنيئا ك الشهادة ... يا من اختارك الله سبحانه وتعالى إليه في يوم من أفضل الأيام، ألا وهو يوم العيد، يا من استجاب الله لدعائك أن تكمل صيام شهر رمضان كاملا، فكان لك ما طلبت، نطلب منك أن ترتاح، لكنك تأبى، وتصر على الحراسة فالمتوقع اليوم أن يحصل هجوم.

كنت تتقدم إلى المواقع الأمامية بدون خوف، بل وتتقدم إخوانك حتى تنال الشهادة أولا ... سابقت فسبقت. كنت تتقدم إلى المواقع الأمامية بدون خوف، بل وتتقدم إخوانك حتى تنال الشهادة أولا ... سابقت فسبقت. كنت دائما تتحدث عن الشهداء والشهادة، حتى يوم استشهادك في أول أيام عيد الفطر.

قبل استشهادك بقليل جلست مع جمع من الشباب للوداع ... جلست بهدوء ... لم تتفوه بكلمة واحدة، وكان لسانك لا يذكر إلا الله، كانت المسبحة في يدك تحركها تسبح الله طوال الوقت.

فجأة قمت، وخرجت بهدوء كما دخلت، وإخوانك ينظرون إليك، ولكن من دون أن يعلموا أنها نظرة الوداع ... خرجت هذه المرة، ولكن إلى ربك، إلى جنة الخلد التي أعدت للمتقين.

فكانت لك الشهادة، والشهادة قدر الله غالب.

بكاك الرجال والنساء والأطفال وكل من عرفك، بكوك بحرارة وحزنوا لفراقك، نعم الموت حق، لكن الفراق صعب.

فإلى جنات الخلد مع إخوانك الذين سبقوك إن شاء الله وإنا على فراقك لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. إنا لله وإنا إليه راجعون.  

صلاح أبو الرقطي

أخي الشهيد الحي:

غصة في القلب وحرقة في الصدر، وفي العين دمعة وعلى اللسان لا نقول إلا ما يرضي ربنا.

له ما أعطى وله ما أخذ، فلنصبر ولنحتسب.

أذكرك يا أخي في كل حركة وفي كل سكنة، وكيف لا أذكرك وأنت ما تغيب عن عمل، كيف لا أذكرك وعلى كل نشاط، وعى كل صورة، وعلى كل علم زرعناه في المخيم، وعلى كل آية كتبناها، بصمة من بصماتك، أحاول أن أفر من صورتك الماثلة أمام عيني دوما ولكن إلى أين؟!

أحاول أن أصم أذني عن صوتك، عن كلامك، عن ضحكتك، فلا أستطيع؟!

أخي، والدمعات تخنقني، وهل أملك غيرها أقدمها لك وأنت تمضي عريسا إلى جنة إن شاء الله.

هل تراك وأنت في عليائك تذكرنا؟ أتراك وقد نلت مبتغاك تحن إلينا كما نحن إليك، تشتاق لنا اشتياقنا إليك، أذكرك وقد لطخت ثيابك "بالدهان" ونحن نكتب على جدران مخيماتنا إن "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

بكرت في السفر يا أبا محمد، فهلا ودعتنا ... هلا أوصيتنا .. فإلى أن نلتقي سامحني يا أخي: سامحني على دمعة ذرفتها وعلى حرقة أحسستها، وهنيئا لك الشهادة، هنيئا لك رفقة الأحبة محمدا وصحبه.   حسين محمود الأنس:

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). آه حسين ... آه من فراقك، ترك في العين دمعة وفي القلب حسرة ... إنا على فراقك لمحزونون وإلى لقائك في الجنة إن شاء الله لمشتاقون.

هيأت نفسك لشهر المغفرة، فكنت مع الشهادة على ميعاد.

وهل أزكى من الشهادة تغسل الخطايا وتكفر عن الذنوب.

صليت الفجر في الأول من رمضان الخير، وكانت آخر صلاة لك في هذه الدنيا ... فطوبى لرجل كانت آخر ساعاته صلاة، وتسمع أخانا صوت الرصاص ودوي القذائف الحاقدة فتهرع إلى سلاحك الذي به جابهت اليهود، سلاحك الذي حفظته يوم ألقاه الآخرون، سلاحك الذي ادخرته لأعداء الله، ولم يخطر ببالك أن أناسا من بني جلدتك يتكلمون لغتك سيضطرونك لأن تشرع هذا السلاح بوجوههم، ثم لتنتقل شهيدا برصاص غدرهم إلى الجنة إن شاء الله تعالى.

آه حسين ... الأول من رمضان، وأنت جريح تنادي فيهب إخوانك يحملونك، يحمونك برمش العين وبنقطة الدم، تنظر إليهم وهم يحملونك برضى وسعادة، سبحان الله جرح طفيف ولكن حصارهم كان كفيلا بتسميم هذا الجرح ليكون جواز عبور إلى الجنة، كنت في دنيانا وردة، فأراد الله أن تكون وردة في الجنة لا تزول. أيها الغالي ... لئن فارقتنا فأنت في الحنايا والعيون.

ولئن غبت عنا فإن لنا أملا بأن نلحق بكم، هذا جهاد .. نصر أو استشهاد.

والحمد لله رب العالمين.  

خليل قاسم

أيها الباسم دائما، لن نبكيك ... لن نشفي غليل شبق غدر مدافعهم الفاجرة، وكما كانت بسمتك دوما تطالعنا، فإن هذه الريح المنتنة ستولي عنا الأدبار، وسيأتي اليوم الذي نتنشق فيه نسيما يهب علينا من أرض طيبة.

أيها المظلوم، تزف إلينا دماؤك شهادتك، وتنعى إلينا صدق الإذاعات ورجولة أبطال المراحل وشرفا أريق مع كل قطرة دم في جوانب مخيماتنا ...

"كلهم يبكي ... فمن سرق المصحف" رحمك الله أيها الحسن البصري.

كلهم يبكي ... فمن أضاع الأرض وولغ بالعرض، كلهم يبكي .. فكم يحمل دمك ..

خليل "أمجاد يا عرب أمجاد".

أخانا الغالي، تسكن قلوبنا، تصادق حنايانا، تعشش في الضلوع والشرايين، نذكرك وأنت تختار أصعب وأشد فترات المرابطة في سبيل الله ... تتقدم إلى المواقع الأمامية مكبرا بصوتك الجهوري الرنان الذي عودتنا على سماعه في أشرس المعارك، لك كلمة كنت ترددها: أتمنى أن أستشهد كما استشهد الأخ الشهيد "عوض" ... وكان لك ما تمنيت، ولكن في غير المكان الذي أردت، قتلوك غدرا وخلال هدنة لم يحترموها، بقذيفة عمياء تعبر عن حقدهم الممتد مئات السنين.

وسقطت مرددا "الله أكبر" تلعنهم .. فطوبى لك، وهنيئا لك الجنة ... والله أكبر ولله الحمد.  

محمد عبد الحليم

أخي في الله، أيها الفارس الأسمر الذي امتطى المجد يأبى أن يترجل ... عانقت الشهادة، فعرس الشهادة والدماء معقود في بنادق صديقة ودبابة شقيقة وخناجر تغرس في الظهر بأيدي إخوة.

عشرون دولة تقول إنها شقيقة، وعشرون نشيدا باسم بلادك أبا تمام، وعشرون إذاعة تعلن قضيتك المركزية، وتتحدث عن الحقوق المشروعة، كلها تتفرج على دمائنا تنز من جراحاتنا، فهي الشيء الفلسطيني الوحيد المسموح له بالخروج بلا "فيزا" ولا جواز سفر.

محمد عبد الحليم: تسعة عشر عاما ... الجامعة ... المستقبل ... الشهادة. ونلتها أبا تمام، شهادة لا تنبغي إلا لأهلها، وأمنت مستقبلك، ولكن لم نفهم المستقبل: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة".

كم تمنيت هذه الشهادة، وكم سمعك إخوانك تردد: أتمنى أن أصاب هاهنا، وتشير إلى عنقك، فأقت في سبيل الله ليلة جمعة، وكان لك ما أردت، ليلة الجمعة وفي رمضان، ثقب أحمر صغير في العنق طار بك إلى أعلى المراتب، إلى الشهادة.

صدقت فنلت، كتب لك الله أجر الصديقين، حبيبنا أبا تمام، إننا نشتاق لبسماتك، لطيبة قلبك، لنقاشاتك، لحدتك، لصوتك العريض يدوي "الله أكبر ولله الحمد".

أخانا، هنيئا لك الجنة إن شاء الله، وألحقنا الله بك شهداء.

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبهم ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).  

يوسف الخطيب

من رآه في الأول من رمضان، يرابط مع إخوانه على مداخل المخيم، يصد غزوا أخطأ طريق الجنوب؟!

من رآه في الأول من رمضان وقد لبس لأمته وحمل سلاحه وتمنطق بحزام قنابله وهو يصلي بأزهى حلة، بحلة الجهاد ... ثم ينطلق واصفا لإخوانه شعورا يحسه، وحلاوة يتذوقها لأول مرة ... ثم يفاجأ بأخيه "صقر" وقد فاز بالشهادة، فيحمل سلاحه وقنابله وينطلق مهاجما الزمر الغادرة بقنابله حتى يسقط الفارس، وترتفع روحه لاحقة بأخيه صقر .. وسقطت يا يوسف، ولكن الكرامة بقيت موفورة.

وغادرتنا يا يوسف ولكنا نقول إنكم أحياء عند ربكم ترزقون.

تاجرتم فربحت تجارتكم.

وسابقتم فسبقتم ... فهنيئا هنيئا.   صبحي محمد الزعبوطي (ابو مصعب):

قدمت الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة شهيدا آخر في معركة الدفاع عن الشعب الفلسطيني وعن المخيمات، باعتبارها هوية وطنية وكيانا سياسيا.

إنه الشاب صبحي محمد الزعبوطي (أبو مصعب).

تعود أصول صبحي الزعبوطي إلى مدينة صفد في فلسطين المحتلة، والده لاجئ فلسطيني تحمل ظروف القهر والتشرد، وعمل بصعوبة كغيره من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من أجل تكوين عائلة وبناء منزل.

تمكن الحاج محمد الزعبوطي وزوجته أم صبحي من العمل ليلا ونهارا، ووفرا لابنهما الشهيد صبحي كل مستلزمات التعليم، حتى وصل إلى السنة الدراسية الأخيرة في كلية الهندسة في جامعة بيروت العربية، لكن الشهيد صبحي أراد أن يتخرج من معهد الإسلام والتقوى وأن يسجل اسمه في لائحة المجد والشهادة.

صبحي الزعبوطي ولد في 22/ 11/ 1964، واستشهد في 11/ 1/ 1987، درس في مدارس الأونروا، ثم انتقل إلى مدرسة مبرة الملك فيصل، قبل أن يلتحق بكلية الهندسة في جامعة بيروت العربية.

متدين، ملتزم بأداء الصلوات في المسجد، كان يشارك في كافة الأعمال الإسلامية وفي الأنشطة التي ينفذها نادي الأقصى أو شباب مسجد الروضة.

حمل "أبو مصعب" سلاحه وقرر الانضمام إلى المجموعات العسكرية المدافعة عن مخيم برج البراجنة.

يوم استشهاده كان يرابط في "موقع المشايخ" قبالة المهنية العاملية، غادر "الموقع" إل منزله ليتناول طعام الغداء من يدي الحاجة أم صبحي التي أحبته كثيرا في حياته، وافتقدته كثيرا بعد استشهاده.

أكل وشرب الشاي، وتوجه إلى "موقع الشافعي" لزيارة أخويه أيمن ورشيد اللذين كانا يقاتلان في ذلك الموقع.

حدث قصف شديد، واستهدف الموقع بهجوم وأطلقت باتجاهه قذائف الدبابات فاستشهد صبحي مع ابني خاله نبيل ووليد شريفة.

جاءت الحاجة أم صبحي إلى المستشفى، ظلت صابرة ومحتسبة، ضمت ابنها الشهيد، ودعت اله أن يغفره له ويرحمه ويدخله الجنة، ويتقبله شهيدا.

فقد كانت أم صبحي تعمل في الخياطة ليلا ونهارا لتوفر الأقساط الجامعية لصبحي حتى يتخرج ويعمل ويريح والده وعائلته، آخر ما قالته الحاجة أم صبحي "وداعا يا ولدي وإلى اللقاء بإذن الله في الجنة".

صبحي الزعبوطي مات شهيدا مجاهدا، ترك مقاعد الدراسة حين ناداه الإسلام، واحتاجته الحركة الإسلامية وأبناء شعبه.

إلى جنة الله يا أبو مصعب، يا من كنت تردد دائما "أن تدخلني ربي الجنة، هذا أقصى ما أتمنى". كمال سعيد راضي علي:

شديد الحياء، كثير الخجل، مؤدب، حسن المعشر، تحبه حين تعرفه، وتسعد بصحبتك له.

الشهيد كمال سعيد راضي من شهداء الحركة الإسلامية في مخيم برج البراجنة، تربى في مسجد الروضة، كان دائما مع الشباب المسلم في المخيم، يرافقهم في أنشطتهم، يواظب على الصلاة في المسجد، يشارك بفاعلية في حلقات التدريس، لم يخطئ بحق أحد، كان يحب الجميع، والجميع يحبونه.

صغير الجسم، نحيف، لكنه ماهر في لعبة كرة القدم، انضم إلى نادي الأقصى الإسلامي، الذي كان أداة التأطير للشباب، ولعب في خط الوسط في الفريق الثاني، كان موفقا في تسجيل الأهداف، ومراوغا ماهرا في الكرة، ومتعاونا مع إدارة النادي وأعضاء الفريق، لكنه كان دائما على تناقض مع لاعب آخر في النادي هو الشهيد محمد عبد الحليم (أبو تمام)، الذي كان موتر الأعصاب أثناء اللعب، ما يدخله في إشكاليات طريفة ومضحكة جدا مع الشهيد كمال راضي.

الشهيد كمال راضي كان مولعا بالعمل العسكري، أحب السلاح وحرص على اقتناء أجود قطعه، لكنه كان ملتزما بقرار التأهب والتهيؤ وعدم الظهور بالسلاح إلا عند صدور الأمر، انضم إلى مجموعة عسكرية للحركة الإسلامية في منطقته قاتلت على محور المخيم – حي البعلبكية أثناء حرب المخيمات عام 1985. لكن الشهيد كمال، الحيوي والفاعل، لم يكن ليبقى في المحور نفسه، بل كان يطوف على جميع المحاور، يحيي المقاتلين ويتسامر معهم.

كمال علي فاجأ الجميع بقدرته العسكرية وبشجاعته، لم يكن يتوقع أحد أن يقاتل كمال هذا القتال الشرس أو أن يجيد القنص.

بعض أبناء مخيم برج البراجنة يشهدون للشهيد كمال ودفاعه الشرس عن المخيم أثناء الحصار الذي استمر قرابة خمسة أشهر، يومها قاتل كمال قتال الأبطال، وبقي في المربع القريب إلى المدخل المعروف بـ "مدخل جواد زين الدين".

هناك قاتل كمال سعيد راضي قتال الأبطال، صامدا مؤمنا محتسبا، ليلحق بإخوانه شهداء الحركة الإسلامية الذين دافعوا عن الوجود الفلسطيني في لبنان، وآمنوا بربهم وتربوا على آيات الصبر والجهاد وذاقوا طعم الإيمان والصلاة وقيام الليل.

في 18/ 1/ 1987 استشهد كمال سعيد راضي، ابن بلدة الكابري في فلسطين المحتلة، وهو الذي ولد في 21/ 12/ 1976، ودرس الابتدائية في مدرسة اليرموك، والمرحلة الإعدادية في مدرسة مبرة الملك فيصل التي كانت مصنع أبناء الحركة الإسلامية، والمرحلة الثانوية في مدرسة الإيمان في منطقة الظريف.

فالسلام عليك يا شهيد الإسلام ... وإلى اللقاء في الجنة مع محمد وصحبه والشهداء الكرام.