الثابت الوحيد في السياسة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الثابت الوحيد في السياسة

تبث بعض القنوات الفضائية العربية هذه الأيام فيلما دعائياً عن تونس عنوانه 21« عاما من التغيير »، اما مناسبته فهي حلول ذكرى تولي الرئيس زين العابدين السلطة في السابع من شهر نوفمبر عام 1987 .

في الوقت ذاته نظمت في العاصمة التونسية عدة احتفالات بهذه المناسبة، كان من بينها عقد ندوة دولية حول موضوع المشاركة السياسية في عالم متغير، افتتحها الرئيس التونسي بخطاب اكد فيه على ضرورة تلك المشاركة، وتحدث عن المتغيرات الكثيرة التي طرأت على العالم في السنوات الاخيرة، خصوصا بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وسقوط جدار برلين، وهي الندوة التي دعي اليها سياسيون وباحثون من 46 دولة.

وفي اطار هذه الاحتفالات نظمت مسيرة شارك فيها خمسة آلاف من الشباب التونسي هكذا قالت الصحف رفعت شعار «الولاء لبن علي والولاء لتونس » لاحظ الترتيب.

هذه الاجواء التي احتفلت بالمناسبة ليست بعيدة عن الحملة الانتخابية التي تمهد لتجديد انتخاب الرئيس التونسي لولاية خامسة في العام المقبل، بعد ان تم تعديل الدستور لتمكين الرئيس من الاستمرار في منصبه الى الابد ان استطاع، وبعد ان تم اجراء الترميمات اللازمة لقطع الطريق على اي منافسة حقيقية للرئيس، وتمكينه من الفوز بسهولة مع وجود منافسين صوريين. والهدف من كل ذلك هو اتاحة الفرصة لاستمرار «التغيير »، ومن ثم ضمان مسيرة النهضة والتقدم والازدهار التي يرفل فيها الشعب التونسي، الذي خصصت السلطة فيه مخبراً سرياً لمراقبة كل عشرة مواطنين، للاطمئنان على انهم منخرطون في عملية «التغيير .»

أدري ان اسئلة كثيرة سوف تخطر على بال بعض الخبثاء، احدها سأؤجل الحديث عنه لكن سأجيب عن سؤالك: لماذا لا يشمل التغيير الرئيس بن علي ذاته؟ وهو سؤال وجيه، والاجابة عنه سهلة وهي انه في كل بلد هناك ثوابت ومتغيرات كما ان في العقيدة هناك فرائض ونوافل، وانا واثق من رشدك الذي يرفض فكرة تغيير كل شيء في اي بلد، الامر الذي يهز قيمه ويهدد استقراره.

لذلك فالثوابت امر لا مفر منه، والفرق بين بلد وآخر هو في طبيعة هذه الثوابت،واذا كانت القيم الديموقراطية وحق الناس في المشاركة والمساءلة والتداول هي من الثوابت السياسية في بعض الاقطار الغربية بوجه اخص، الا أن لنا في العالم العربي خصوصيات يتعين احترامها.

وهذه الخصوصيات معروفة في منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية، ومتعارف عليها في القيم السياسية، ومن ابرز ثوابت السياسة في بلدنا ان الرئاسة وقف على من طالها بالمصادفة أو بالعافية.وثبات شاغل المقعد في موقعه من الفرائض، وكل ما عدا ذلك من مواقع في محيط السلطة هو من السنن التي يستحب فيها التغيير ويكره فيها الثبات.

ما يثير الانتباه في المشهد التونسي ليس فقط هذا التمديد المقترح للرئيس بن علي، وانما ايضاً الجرأة في تسويغ ذلك التمديد، التي وصلت الى حد وصف احتكاره للسلطة وقمعه للمستقلين والمعارضين بأنه 21 عاما من التغيير، وكان بوسع من رفعوا ذلك الشعار ان يخففوا من وقع الكلمة حتى لا يصدموا المتلقي، فيتحدثوا عن التعمير أو التطوير او حتى التنوير، ولكنهم ذهبوا بعيدا وآثروا مصطلح التغيير، في تحد صريح لكل ما يعرفه المتابعون عن ممارسات النظام التونسي، بسجله المشهود في انتهاكات حقوق الانسان التي لا يخلو منها تقرير دولي او عربي عن الموضوع.

الطريف ان فيلم التغيير في تونس يعرض على الملأ في حين يتابع الناس التغيير الحاصل في الولايات المتحدة الاميركية، الامر الذي جاء كاشفا للفرق بين التغيير الحقيقي والتغيير المغشوش، ومؤكدا على ان قدرة المجتمع على تغيير رأس الدولة هو الحد الفاصل بين الحقيقة والزيف في الممارسة الديموقراطية.

السؤال المؤجل الذي في بالك لا يحتاج الرد فيه الى كلام كثير، أختصره في ان بيتنا من زجاج حقا، واننا كلنا في ذاك الهم شرق.