التعددية السياسية من منظور إسلامي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التعددية السياسية من منظور إسلامي



مازال الوجه السياسي للإسلام في حاجة إلى بيان أوضح خاصة في هذا العصر الذي تعقدت فيه كل مظاهر الحياة السياسية وتنوعت أساليبها. ولن تسد الفجوة بين أصول الفكر الإسلامي والفكر السياسي المعاصر إلا بمزيد من الاجتهاد ، خاصة أن الإسلام يحض على الحوار ويحترم تعدد الآراء، والمقال يطرح علينا هذه القضية بنوع من التفتح الذهني وبدعوة حارة للمناقشة.


التعددية تعني في جوهرها التسليم بالاختلاف : التسليم به واقعا لا يسع عاقلا إنكاره، والتسليم به حقا للمختلفين لا يملك أحد- أو سلطة- حرمانهم منه ، وهي توصف بالموضوع الذي يكون الاختلاف حوله أو الذي ينحصر فيه نطاقها فتكون سياسية أو اقتصادية أو دينية أو عرقية أو لغوية أو غير ذلك.


والتعددية ( بمعنى الاختلاف ) في أنواع الخلق، وبين أفراد كل نوع من حقائق الإبداع الرباني المسلمة: وليقرأ من شاء قوله تعالى:


وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون. وهو الذي، أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وكير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون


أو قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور .


والتعددية في نوع الإنسان، وانتمائه ومستوى أدائه لواجباته وممارسته لملكاته أجلى وأوضح، وليقرأ من أراد قوله تعالى:

ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين

أو قوله تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل، لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير .


وفي هذه الآية يعبر القرآن بلفظي: أكرم وأتقى، وهما يدلان- لغة - على وجود التقي والكريم، أي يدلان على أن الاختلاف حقيقة واقعة، وأن التعدد في مراتب التقدير الرباني لا يعني قبول أهل مرتبة واحدة منها دون أهل سائر المراتب: أعني مراتب التقى والكرامة، المترتبة على صدف الإيمان ووضوح اليقين.


نظرة في الأصول

إن الطريق إلى أي عمل فكري إسلامي جاد في عصرنا- كما كان في كل عصر- هو النظر في الأصول الإسلامية وما توجبه على الناس،فلا صلح منها فهو صحيح، . ونحن في ذلك على قاعدة فقهية صحيحة: " كل تصرف تقاعد _كالتعددية هنا _عن تحصيل مقصوده فهو باطل " (العز بن عبد السلام).


والنظر في الأصول على هذا النحو هو: الاجتهاد، وهو في الفقه محكوم باستيفاء شروطه (القدرة السليمة على ممارسته) التي فصلها- على خلاف في تعدادها وتقدير أهمية كل منها- علماؤنا الأصوليون، وهو في السياسة محكوم بتحقيق مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم وحفظ حرمات أنفسهم وأموالهم أساس جلب المصالح السياسية كلها، وطريق درء المفاسد جميعها.


والاجتهاد السياسي في تنظيم الدولة وإدارتها لم يتوقف على طول الزمن الإسلامي كله. غاية الأمر أنه حين نحيت الشريعة الإسلامية عن حكم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية (عن حكم الواقع) وترتب على ذلك أن جمد الجهد الفقهي المبدع، وكل الفقهاء عن ممارسة البيان الفقهي: كان السبيل الوحيد أمام الحكام هو ما وصفه ابن قيم الجوزية بأنهم " أحدثوا من أوضاع سياستهم فسادا عريضا "


المبادئ السياسية في الأصول الإسلامية

وإذا قررنا أن نجيب عن سؤالنا السابق فلنبدأ بتقرير أن الطريق المعين لبلوغ الأهداف السياسية في عصرنا ما يلي:


1 - الإسلام في القرآن والسنة حدد القيم الإسلامية التي يجب أن تستمسك بها الأمة، وتحاكم الحاكمين إليها ومنها منع التعددية السياسية لا إقرارها.


وهذه القيم هي التي نسميها " القواعد العامة" و " الأمور الكلية " و أمثال ذلك من عبارات، وذلك في المجال السياسي متسق مع طبيعة التشريعات الإسلامية كلها في اتسامها بالمرونة الكاملة المستلزمة صلاحيتها للتطبيق عن طريق التخريج على أحكامها والبناء على أساسها.


2 - وإذا كان اختيار الحاكم هو حجر الأساس في تنظيم الدولة في الوقت الذي قامت فيه دولة الإسلام الأولى (ولعله حجر أساس حتى اليوم) فإن الإسلام اكتفى بتقرير أن الشورى هي طريق هذا الاختيار وبالتالي فالتعددية منافية للشورى التي لها اهلها. وهكذا أي بالشورى لا التعددية جرى اختيار الأربعة الخلفاء الراشدين، ولا يوجد غير طريقهم نسلكه لنهتدي.


3 - والحريه قيمة إسلامية ملزمة. كفلها الإسلام للإنسان منذ كان،ولكن يجب ألا تكون مؤدية للتفرق والهجرة واجبة حماية للحرية وتقديرا لأهميتها حتى قال العلماء إن الهجرة من الأرض التي يظلم المسلم فيها ولا يملك رد الظلم : لا تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها.


4 - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان شرعيان تقوم بهما نظم الإسلام كافة، وهما واجبان على الجماعة ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وعلى أدائها قامت خيريتها: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر


5 - والحكام مسئولون عن أفراد الأمة بعملهم في رعاية شئونهم، أن التعددية السياسية ليست ضرورة كما يتصور البعض.


الأحزاب

. والأحزاب تقوم بتفريق الأمة كما قال الشيخ البنا وكان من رأينا - ولايزال- " أنه لايحق اليوم لدولة إسلامية إن تسمح بتعدد الأحزابفيها.


بل إن من رأينا أن وجود الأحزاب السياسية في الظروف الحالية للمجتمعات الإسلامية ليس ضرورة لتقدمها، ولا يعد ضمانا لعدم استبداد الحاكمين بالمحكومين،.


وفقه القواعد الأصولية الإسلامية يقوم، بين ما يقوم عليه، على قاعدة عظيمة: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب "

ويكون تكون القواعد الفقهية، والقراءة الصحيحة للنصوص وللتاريخ، يكون ذلك كله شاهدا لعدم ضرورة التعددية السياسية من المنظور الإسلامي. وهذا الرأي الذي قررناه يجب أن يكون موضع عناية خاصة من مفكري الحركة الإسلامية المعاصرة، والمشتغلين منهم بالعمل السياسي خاصة.