التربية الخُلقية لأبنائنا.. منطلقات ووسائل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التربية الخُلقية لأبنائنا.. منطلقات ووسائل

بقلم: يوسف إسماعيل سليمان

مقدمة

لا شك أن تمتع الأبناء بأخلاق طيبة ، وسلوكيات حميدة يمثل رغبة ملحة ، وهاجسًا دائمًا لدى الوالدين والمربين عامة، خاصة في ظل ما تموج به الأجواء المحيطة في البيئة أو الفضائيات من سيل متدفق من مساوئ الأخلاق ، والتردي والانحلال السلوكي.

إن الأخلاق الحسنة الطيبة لدى الأبناء تنعكس أول ما تنعكس إيجابًا على الوالدين والأقربين برًا ورحمة وحسن أدب في التعامل معهم، كما أن سُوء الخُلق ينعكس سلبًا عليهم جحودًا وبذاءة وجفاء وقُبحًا.

وإذا كان الوالدان هما أول مَن ينعم بمحاسن أخلاق الأبناء أو يتلظى بمساوئها، فقد وجب عليهما أن يتحملا الجزء الأكبر والأهم من عملية البناء الأخلاقي القوي والراشد للأبناء، وفي التوجيه إلى هذه المسئولية وهذا النوع من البناء والتربية يقول النبي صلى الله عليه وسلم:- ( أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم ) [رواه ابن ماجة]، ويقول أيضًا صلى الله عليه وسلم:- ( من حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه، ويحسن اسمه ) [رواه البيهقي]، كما يقول صلى الله عليه وسلم:- ما نحل[1] والد ولدًا من نُحْل[2] أفضل من أدبٍ حسن ) [رواه الترمذي].

وبهذا تتبين لنا مسئولية الوالدين، وهما المربيان الأولان للطفل، في تأديب الأولاد، وإكسابهم فضائل الخصال، وكل ما يتصل بإصلاح نفوسهم، وحسن تعاملهم مع الآخرين، وكذا مسئوليتهما عن تنفيرهم من رذائل الأخلاق، وتنزيه ألسنتهم عن السباب والشتائم.

أثر القدوة في التربية

وبداية نحب أن نؤكِّد على أن حسن الخلق لا يُؤسس في النفوس بالتعاليم والتوجيهات، أو الأوامر والنواهي المجردة، إذ لا يكفي في طبع النفوس على الفضائل أن يقول الوالدان للطفل: افعل كذا، أو لا تفعل كذا، فالتأديب المثمر يحتاج إلى تربية طويلة، وتعهد مستمر.

ولن تصلح تربية إلا إذا اعتمدت على الأسوة الحسنة، فإذا كان المربي سيئ الخلق، كيف نتوقع ممن يربيهم خلقًا طيبًا، أو أدبًا حميدًا؟

وإنما لابد ليحصل المتربي على قدر كبير من التهذيب والأخلاق الحميدة، أن يكون المربي على درجة عالية من التهذيب ومكارم الأخلاق، حيث تروي لنا كتب السيرة أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان بين أصحابه مثلاً أعلى للخُلق الذي يدعو إليه، فهو يغرس الأخلاق فيهم بسيرته العطرة، قبل أن يغرسها بما يقول من حِكم وعِظات، بل وكان يحثهم على التنافس في مكارم الأخلاق بقوله صلى الله عليه وسلم: "خياركم أحاسنكم أخلاقًا"[رواه البخاري].

الحب والاهتمام

إن المربي الناجح يحب أبناءه حبًّا يدفعه إلى الاهتمام بهم إلى الدرجة التي يعرف بها كيف يتسرب إلى نفوسهم، ويغرس فيها الخلق القويم، والسلوكيات الإسلامية الطيبة، في تبسُّط ورحمة وتواضع وبِشْر، في لين من غير ضعف، وشدة من غير عنف، حتى إذا ملك المربي عليهم نفوسهم، سهُل عليه أن يوجههم، ويؤثِّر فيهم بما يقوله، ويكون من أول ما يرسخه فيهم طاعة الوالدين واحترامهما، بل واحترام الكبار بصفة عامة، فلا يخاطبهم إلا بكل أدب واحترام، وينصت إذا تحدثوا، ولا يتطاول على الكبار بالقول أو الفعل، لا جادًا ولا هازلاً، ولا يشاكسهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام، فقال للغلام: «مَن هذا؟» قال: أبي. فقال صلى الله عليه وسلم للغلام معلمًا له ما يجب عليه نحوه من أدب واحترام: «فلا تمش أمامه، ولا تستسب[3] له، ولا تجلس قبله، ولا تَدْعُه باسمه».[رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة].

وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "ليس من أمتي مَن لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه".[رواه أحمد والطبراني].

التربية بالموقف

وإذا أردنا أن نرى كيف كان المرشد الأول صلى الله عليه وسلم وصحابته يحرصون على غرس الأخلاق في نفوس الناشئة، فلنستمع إلى ما يرويه عبد الله بن عامر، حيث قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أردت أن تعطيه"؟ قالت: أعطيه تمرًا. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنك لو لم تعطه شيئًا كُتبت عليك كذبة"[رواه أبو داود].

وهذه أم سليم تدفع بابنها أنس بن مالك رضي الله عنه خادمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين قابلته بعد ذلك يومًا في الطريق وسألته عن وجهته قال: إلى حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما استفسرت عنها أجابها أنس: إنها سرٌّ. فأقرَّته، بل وشجعته قائلة: "لا تفشِِ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم".

نقصُّ حكايات فضائل الأخلاق:- والقصة من أنجح الوسائل وأمتعها في تنمية الأخلاق في نفوس الأبناء، حيث لا يشعر الابن أن الكلام موجه إليه بشكل مباشر، فلا يعاند أو يكابر، وإذا كانت القصة محببة إلى الكبار، وأعمق أثرًا من الكلام المُرسل، فهي أكثر قربًا للأطفال، وأشد عمقًا.

ومن القصص التي يمكن الاستعانة بها على سبيل المثال مع مراعاة التبسيط والتركيز على المعاني التربوية: قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت في الغار، وقصة الأبرص والأقرع والأعمى، وقصة الرجل الذي رحم كلباً فسقاه فدخل الجنة..إلخ.

وكذلك هناك قصص تحفظها لنا كتب الأخلاق والتربية، ويمكن الاستعانة بها، ومن أمثلتها قصة تلكم المرأة التي يحكي لنا ابنها الصالح ما جرى له بسبب تربيتها له على الصدق، وما جناه من ثماره، يقول الشيخ عبد القادر الكيلاني:

"خرجتُ من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أمي أربعين دينارًا أستعين بها على النفقة وعاهدتني على الصدق، فلما وصلنا أرض همذان خرج علينا جماعة من اللصوص، فأخذوا القافلة، فمر واحد منهم وقال لي: ما معك؟ قلتُ:

أربعون دينارًا. فظن أننى أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر فقال: ما معك؟ فأخبرته بما معي فأخذني إلى كبيرهم فسألني فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلتُ: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها. فأخذت الخشية رئيس اللصوص: فصاح ومزَّق ثيابه وقال: أنتَ تخاف أن تخون عهد أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله. ثم أمر برد ما أخذوه من القافلة وقال: أنا تائب لله على يديك. فقال مَن معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق وأنت اليوم كبيرنا في التوبة. فتابوا جميعًا ببركة الصدق.

فالصدق من ألزم خصال المؤمنين، ألا يكفي أن الصدق رائد إلى البر[4]، وقائد إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا" [متفق عليه].

الكلام.. إما شر وهلاك وإما زينة ونجاة:- وينبغي على الوالدين أن يحرصا على طهارة لسان الأبناء، فإن حفظ اللسان عن الفحش والبذاءة والسباب والشتم دليل على ما وقر في النفس من إيمان، بل وعلامة على كماله وتمامه، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"[متفق عليه].

وأما طيب الكلام فعلامة على رقي في النفس، وسمو عن الدنايا ومنكر القول، بل وصدقة يُثاب عليها المرء، وتنجيه من النار، قال صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة"[رواه أحمد وغيره]، وقال أيضًا: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ"[رواه البخاري].

وسائل عملية

ينبغي للمربي الفطن أن ينوع في أساليبه التربوية، ويجدد في وسائله بما يقرب ويبسط لأبنائه ما ينشده فيهم من قيم وأخلاق، ومن تلك الأساليب والوسائل:

- القصص: بالحكي تارة، وبوسائل العرض التقنية الحديثة من أفلام وأناشيد وغيرها تارة أخرى، والتي توضح مزايا الأخلاق الحسنة، ومحبة الناس لها، وثوابها، وعيوب الأخلاق الرديئة وعواقبها الوخيمة.

- تشبيه الفضائل بالأشياء الجميلة، كتشبيه مَن يصبر على أذى الناس ولا يسيء إليهم بالشجرة الطيبة المثمرة التي يرميها الناس بالأحجار، فتعطيهم أطيب الثمار، وكذلك تشبيه الأخلاق المرذولة بأشياء قبيحة.

- التشجيع والإثابة ماديًا أو معنويًا عند كل تقدم في اتجاه الخُلق الإيجابي، فمثلاً نشجع الأبناء على توقير واحترام الوالدين (تقبيل اليد- الطاعة- خفض الصوت)، ونكافئ الذي لا يرد على عدوان أخيه مع حرمان المعتدي، ونثني على الابن الأكبر لعطفه على الصغير والقيام بشئونه أثناء انشغال الأم، ونمتدح في الأبناء حفظ أسرار البيت أو ما يُستأمنون عليه، ونثيب مَن يساعد ويعاون داخل المنزل (إعداد الطعام- شراء طلبات- ترتيب غرفته)، أو مَن يعطف على فقير أو يتيم، أو يرحم حيوانًا فلا يؤذيه.

- توظيف المواقف التى تحدث معه أو مع غيره لإكسابه الأخلاق الحميدة، فمثلاً إذا رفع صوته أثناء الحديث يطلب منه أن يخفضه مع شرح فضل خفض الصوت، وإذا تعب من عمل قام به وحده، نلفت انتباهه إلى قيمة التعاون وفائدته وفضله.

- مساعدته في اختيار الرفقة الصالحة، لما لها من تأثير إيجابي عظيم في حياة الأبناء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ" [رواه أحمد].

- نختار في كل أسبوع أدبًا من الآداب ليكون شعارًا للأسبوع: (الصدق- الأمانة- الأخوة..).

- نكون صادقين مع أبنائنا، ونراقب تخلقهم بالصدق.