التجربة الحزبية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التجربة الحزبية...(شهادة للتاريخ)

فؤاد هدية

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

ربما كان الوقت مناسبا الآن لنشر تجربة مواطن مصري شارك في الحياة السياسية العامة لوطنه وللدعوة لفتح آفاق جديدة للدراسات الفردية لمظاهر حياتنا من خلال مسيرة الأفراد، ولقد مرت مصر بظروف قاسية على مدى الخمسين عاما الماضية أضعفت الأمل في الإصلاح وخيبت رجاء أهل العلم والخبرة في دفع مسيرة بلدنا للتقدم .. وهذا أمر خطير.

إننا نعيش مرحلة تاريخية تحتم علينا جميعا أن نجتازها بنجاح، ومن المؤكد أننا بحاجة ماسة إلى علامات الطريق من خلال التقييم والتقويم لأهم تجاربنا السياسية منذ عودة الحياة الحزبية سنة 1976.

فالأحزاب بصفة عامة لم تنجح حتى الآن في القيام بدورها في تشكيل رأي عام للمواطنين حول الأهداف والغايات الكبرى، كذلك لم تنجح في تربية الكوادر السياسية.واقتصرت الجهود على المطالبة بتوفير الخبز للمواطن من غير المطالبة بما يغذي الحس الوطني.

قد سقطت الأحزاب في سلبيات كثيرة في تعاملها مع النظام الحاكم، وفي تعاملها مع المواطنين. بل وفي تعاملها داخليا مع أعضائها حتى وصل الحال للضرب والتزوير والتقاضي داخل الحزب الواحد، والأمر العجيب أن الأحزاب عندما ولدت سنة 1976 كانت نشطة متحركة في السنوات الأولى من عمرها.

وكان العمل الحزبي يتسم بالشجاعة والحماسة والموضوعية. ولذلك أقبل الشعب عليها وعلى جرائدها ومؤتمراتها ... ثم فجأة ترهلت وانغلقت على نفسها داخل مقراتها.

ويبدو أنها أخيرا دخلت ثلاجة تحت الصفر، فقل العمل أو انعدم وشاع الكلام وانتشر؛ والنتيجة أن فقد الشعب ثقته فيها فانصرف عنها، وهكذا عدنا لما كان الحال عليه في ظل التنظيمات الشمولية الثلاثة هيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي العربي أو قريبا من ذلك – وتوقفت مسيرة الديمقراطية تماما رغم انقضاء ثلاثة وعشرين عاما.

ولما كنت شاهد عيان لكثير من الأحداث منذ سنة 1950، بعد استكمال الدراسة والإلمام بالنظم السياسية والعلاقة بين الحكم والمواطنين وأهمية وجود رأي عام ملزم لقيادة البلد، اخترت أن أنضم لحزب العمل الاشتراكي عند قيامه لاتفاق فكري مع برنامجه وفكر قيادته الوطنية الموثوق فيها حسبما كانت تنادي به.

كنت أشعر أن بلدي تمر بظروف في غاية القسوة سواء ما يدور فيها من الداخل أو ما يفرض عليها من الخارج وكأنها كوارث تسلطها علينا الطبيعة.

غير أن الطبيعة في بلدنا هادئة مما يقطع باليقين أن مصدر هذه الكوارث هم أولئك الذين يتولون المسئولية، وأخص بالذكر من يتولون المسئولية السياسية لأنها هي الرقيب والمحاسب الذي يحدث التغيير، ولولا انتصار أكتوبر العظيم الذي جعل الدماء تجري في أجسامنا بعد أن توقفت وأعاد الثقة بالنفس بعد أن تبخرت لأطلق على تلك الحقبة حقبة الظلام واليأس.

وإذا كان القانون يسمح بتأسيس الأحزاب لأنها الطريق الوحيد المؤدي للديمقراطية فقد كنت واحدا ممن سعوا مع زملاء أعزاء لتكوين وإنشاء حزب سياسي.

وكان هذا السعي تجربة تستحق أن تروى من خلال وثائقها. من هنا كان هذا الكتاب الذي أقدمه للقراء كشاهد عيان على التجربة الحزبية وليس كمؤرخ يسجل الأحداث.

أتمنى أن يكتب كل من يقدر على كشف القصور لنصلح أحوالنا ونتحرك نحو الديمقراطية بخطى ثابتة.

والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

فؤاد هدية.بور سعيد 1999

القسم الأول

الملك – الإنجليز – الأحزاب

عانت مصر الكثير من الصراعات الدستورية بين الملك فاروق والأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب الوفد الذي كان يتمتع بشعبية جارفة. كان الصراع بين الطرفين يدور حول من الذي يحكم ومن الذي يملك.

وبالرغم من أن هذا التساؤل قد تم حسمه في النظم الملكية في بلاد العالم الحديث منذ سنوات حيث تتولى الأغلبية التي ينتخبها الشعب الحكم ولا يكون للملك حق التدخل أو الاعتراض على ما تصدره الحكومة المنتخبة من قرارات ويقتصر دوره على أن يكون رمزا للبلد يفتتح البرلمان ويقيم الحفلات ويظهر في الأعياد ويرعى الأنشطة الخيرية ويقيم في القصور.

إلا أن الملك فاروق على عكس ذلك كان يصر على أنه هو الحاكم الفعلي للبلاد ويأتي من الأعمال ويصدر من المراسيم ما يجعله هو الحاكم الفعلي للبلاد.

هذا الخلل الجسيم لم يأت من فراغ وإنما كان له سببان

السبب الأول: هو وجود الاحتلال الإنجليزي الذي كان يحرص دائما على شغل المصريين بالصراعات الداخلية وتفتيت قواهم وتفرقة صفوفهم وقد نجح في ذلك إلى أبعد مدى.

والسبب الثاني: هو التعارض الشديد بين مواد الدستور 1923 وبعضها. فعلى سبيل المثال نصت المادة 48 على أنه: "يتولى الملك سلطاته بواسطة وزرائه، في حين نصت المادة 49 التالية لها مباشرة على أن الملك يعين وزراءه ويقيلهم" ومن يعين ويقيل هو في الحقيقة الآمر المتصرف.

كما أعطى دستور 23 للملك حق تعيين كبار رجال وموظفي الدولة، وجعله القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يعين الضباط ويعزلهم ويعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات. كما أعطاه حق تأجيل انعقاد البرلمان وحل مجلس النواب. كل هذه الحقوق التي نص عليها الدستور كانت تكفي لتدخل الملك في كل شئون البلد واستعمال أنماط الضغوط والإغراءات مع الجميع.

في نفس الوقت أحاط فاروق نفسه بحاشية فاسدة تحرضه على التصرف في شئون البلد كأنها ملكية خاصة له ولعائلته وتشجعه على التعامل مع رجالات مصر وقادتها كما لو كانوا عبيدا لجلالته تماما بمثل ما كان عليه حال أجداده أيام عرابي.

هكذا كان الملك فاروق طوال سنوات حكمه الحاكم الفعلي لمصر. وبما أن الحاكم الفاسد المنغمس في الملذات يحكم حكما فاسدا ولا تعنيه شئون الشعب فقد ظلت الأوضاع في بلدنا لسنوات تأخذ هذا الطابع مما جعل الشعب يتطلع إلى يوم الخلاص، يوم أن يقتل فاروق أو يطرد من البلاد.

من ناحية أخرى كانت الأحزاب دائمة البحث عما يمكن اتخاذه من خطوات تعينها على مواجهة فاروق وتنصرها عليه في صراعاتها معه حتى لو كان ذلك يطلب الاستعانة بالإنجليز أنفسهم، رغم أن اللجوء للمستعمر يؤدي للمزيد من تدخله في شئون البلاد وسيطرته على القوى الوطنية. وحينما يستعين زعيم بأعدائه فإنه يكون بذلك قد فتح الباب أمام العدو للتدخل في شئون البلاد.

ومن بين الخطوات التي لجأت لها بعض الأحزاب في مواجهة فاروق

تجنيد الشباب والعمال في تنظيمات شبه عسكرية على نمط شباب الفاشست في إيطاليا وشباب النازي في ألمانيا، فكون أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة تنظيما سماه القمصان الخضر هدفه النهائي العمل العسكري الذي يستعان به في الوقت المناسب للتخلص من فاروق.

ثم قلد حزب الوفد ما فعله حزب مصر الفتاة فشكل تنظيما أطلق عليه القمصان الزرق وأغدق عليه وهو في الحكم – والله أعلم إن كان ذلك من أموال الدولة أم من أموال الحزب.

غير أن تأثير القمصان الخضراء والزرقاء كان محدودا وغوغائيا، إذ أنه ولأكثر من مرة بدلا من مواجهة فاروق بهذه التنظيمات كانت تعتدي على بعضها فيهاجم الخضر الزرق ويهاجم الزرق الخضر فتزداد العداوة بينهما ويتبخر الهدف من تأسيس هذه التنظيمات.

في حين كان الأجدر بهذين الحزبين أن يهتما بتربية الكوادر السياسية بين الشباب لتتواصل حركة الحزبين وتتحقق الأهداف الوطنية ولو تطلب ذلك أجلا أطول لأن الانتماء إلى الوطن بالفكر بطبيعته خير وأجدى من الانتماء إليه بقميص أزرق أو أخضر.

إلا أن قيادات مصر الفتاة والوفد كانت تركز على المظهر أكثر من الجوهر فكانت تتعجل الوصول لكرسي الحكم بدلا من التخطيط السليم الذي يعطي الضمان لتحقيق الأهداف وإن استغرق ذلك مزيدا من الوقت.

لا شك أن حزب الوفد ظل هو حزب الشعب رقم (1) لعدة سنوات تؤيده الجماهير وتسير وراءه.

فهو الذي اهتم بالريف وحياة الأسرة وقدم للمواطنين ما لم تقدمه حكومة من قبل كمياه الشرب النقية، والوحدة الصحية، والتعليم الإلزامي، وطرق المواصلات، والتأمينات الاجتماعية، وإعانة غلاء المعيشة.

كذلك كان للوفد الفضل في إصدار عدد من القوانين التي تحمي العمال وتنشر العدل من أهمها قانون عقد العمل الفردي وقانون استقلال القضاء.

أيضا لا ينكر أحد أن بعض حكومات الأقلية كانت لها أيضا أدوار كبيرة في تحقيق هذه الأعمال الجليلة من حيث إنها هي التي قررت إقامة الكثير من المشروعات الخدمية وأدرجت الاعتمادات اللازمة لها في الميزانية.

غير أن الكثير من هذه المشروعات كان يتم تنفيذه في عهد حكومة وفدية. وتقوم حكومة الوفد بافتتاح المشروع وقص الشريط وإقامة الاحتفال فيترجم ذلك على أن حكومة الوفد هي صاحبة المشروع من الألف إلى الياء، ولا ينسب الفضل لصاحبه. وكثيرا ما تكررت هذه العادة في التاريخ المصري قديمه وحديثه.

لا شك أن الوفديين كانوا يعتمدون على التأييد الشعبي الذي يتحقق من افتتاح هذه المشروعات في مواجهة الملك ويتصورون أنهم وحدهم المهتمون بمصالح الشعب وأحق الأحزاب بتولي الوزارة مما جعل هدفهم الدائم هو الوصول للحكم بأي ثمن حتى لو اقتضى الأمر الاستعانة بالإنجليز، وهذا بالطبع تبرير غير سليم.

حدث ذلك بشكل واضح يوم 4 فبراير 1942 بعد استقالة حسين سري والبحث في تعيين وزارة تخلفه.

لم يكن فاروق يريد انفراد الوفد بالوزارة وكان يفضل تشكيل وزارة ائتلافية من الوفد مع أحزاب الأقلية والمستقلين:

لكن الإنجليز تمسكوا بأن تكون الوزارة وفدية لحما ودما مما ملأ الوفد غرورا ودفعه للوقوع في خطأ جسيم.

رفض فاروق اقتراح الإنجليز بتعيين حكومة وفدية لحما ودما، فما كان من السفير البريطاني إلا أن وجه إنذارا للملك فاروق يقول فيه: "إذا لم أعلم قبل السادسة مساء أن النحاس باشا قد دعي لتأليف الوزارة فإن الملك فاروق يجب أن يتحمل تبعات ما يحدث".

وبالفعل وجه إلى قصر عابدين في حراسة القوات البريطانية التي حاصرت القصر بالدبابات وأمر الملك بإصدار مرسوم بتشكيل وزارة وفدية وإزاء ذلك انصاع الملك للتهديد وعرض تولي الوزارة على النحاس باشا فوافق على الفور دون تقدير للعواقب، مما يدل على أن زعامة الوفد تحولت في السنوات الأخيرة من زعامة شعبية إلى مجرد الحرص على تولي الحكم بأي ثمن حتى لو كان وصولها إليه على أسنة رماح الإنجليز.

ومنذ تلك اللحظة فقد الوفد مصداقيته وهبطت شعبيته لأدنى مستوى وفي نفس الوقت تعاطف الكثيرون من أفراد الشعب مع الملك ومنهم ضباط في القوات المسلحة فأقاموا له حفلا في ناديهم بالإسكندرية بعد سبعة أيام من تعيين النحاس رئيسا للوزراء بأمر الإنجليز.

للست أدري لماذا يتحول الأصدقاء في بلدنا إلى أعداء أكثر من أي بلد آخر، وتكون العداوة بين الاثنين ضاربة خالية من الشرف.

رأينا ذلك بين مكرم عبيد ومصطفى النحاس حينما انفصل الأول عن الوفد وقام بوضع كتاب سجل فيه كل مفاسد وانحرافات حكم الوفد بسرعة فائقة تجعل الإنسان يظن أنه كان يسجل هذه الأمور أولا بأول أثناء وجوده مع الوفد، كما لو كان يتوقع التحول لمعاداة حزبه في يوم من الأيام وإذا صحت هذه الظنون فيمكن القول إن مكرم عبيد كان يضمر الشر لصديقه النحاس وأن صداقته له كانت مجرد تمثيل، وأنه في قرارة نفسه لم يكن مخلصا!!

ذهب مكرم عبيد لقصر عابدين ومعه أعضاء الكتلة الوفدية ليقدم للملك كتابا من 200 صفحة أطلق عليه الكتاب الأسود وكان هذا الكتاب يحتوي على ما سماه فضائح الوفد التي تسيء إساءة بالغة لتاريخ مصطفى النحاس شخصيا ولحزب الوفد ككل، لكن ما هو مدى صدق ما جاء في الكتاب؟ ولماذا كان يسكت مكرم عبيد على هذه المفاسد وهو الرجل الثاني في الحزب والمشارك في جميع وزارات الوفد؟!

تفجرت العداوة بين الصديقين لأسباب غير موضوعية، تشبه إلى حد كبير ما جاء في فيلم سينمائي قديم يسجل عداوة شديدة بين عائلتين في الريف بسبب قفز حمامة من حمام إحدى العائلتين على حمامة من حمام العائلة الأخرى فلم تتحمل هذه العائلة تلك الإهانة وأعلنت الحرب على العائلة "المعتدية" وفيما يلي توضيح لهذا التشبيه:

كان السبب الأول للعداء الشديد بين مكرم عبيد والنحاس أن مكرم عبيد حينما كان وزيرا للمالية وشئون التموين نسب لنفسه الفضل في انفراج أزمة القمح وتوفير الغذاء للشعب ونشرت له الصحف تصريحا بذلك يوم 3 مارس 1942.

ضايق هذا النشر مصطفى النحاس الذي نشر بدوره تصريحا مضادا فحواه أنه هو صاحب الفضل، ثم سحب وزارة شئون التموين من مكرم عبيد.

أمر آخر يماثل في تفاهته الأمر السابق وهو أن الوفد الذي كان مسرفا في عملية الاستثناءات في ترقية الموظفين طلب ترقية استثنائية لثلاثة موظفين في وزارة الداخلية.

وكان المتبع عرض طلبات الاستثناء على لجنة يرأسها مكرم عبيد، فرفض مكرم عبيد طلب رئيس الوزراء مما جعله يعرض الطلب على مجلس الوزراء الذي وافق جميع أعضائه على الطلب ما عدا مكرم عبيد إذ ظل متمسكا بالرفض فما كان من النحاس رئيس الوزراء إلا أن يطلب من الملك إصدار مرسوم بإقالة مكرم عبيد من الوزارة، فأقاله الملك.

هذه المواقف الهزلية وغيرها كثير توصف بأنها تحد صبياني تثير العداوة بين زملاء الكفاح والعناد الذي يلحق الضرر بالصالح العام.

هذا يطلب والثاني يرفض فيكون الخصام ويترتب على هذا التصعيد الطرد من الوزارة ثم الحرب الضروس بين الاثنين. كل ذلك يحدث والشعب المسكين يضرب كفا بكف. أما الإنجليز والملك فإنهم في غاية السعادة لهذه الانقسامات.

ولذلك يمكن القول إن الأحزاب في ذلك الوقت أخطأت في حق الوطن بما ارتكبته من سلبيات تراجعت أمامها الإيجابيات.

ولا شك أيضا أن ألاعيب الملك كانت من أهم أسباب هذه السلبيات. كذلك يجب الاعتراف بأن حكامنا وزعماءنا كانوا كالقياصرة لا يقبل الواحد منهم اعتراضا من أي إنسان على قرار يصدره أو رأي يبديه مهما كان الاعتراض للصالح العام: ويفسرون هذا الاعتراض على أنه تحد وتمرد بدلا من اعتباره رأيا أو نصيحة.

البلد فعلا كان حظها سيئا وكأنما كان مكتوبا عليها أن تعيش في ظل هذه العقلية الجامدة. فضلا عن ظروف الاستعمار وظروف الملك الفاسد.

لكل ذلك كانت أكبر أمنية للناس تغيير الوضع برمته وتأييد أي حركة تقوم لعمل هذا التغيير سواء جاءت من مدنيين أو عسكريين، من مواطنين نعرفهم أو لا نعرفهم، من يمين أو يسار .. المهم هو التغيير في حد ذاته.

الأسلحة الفاسدة

في يونيه 1950 نشرت مجلة روز اليوسف أن الجيش المصري كان يحارب في فلسطين سنة 1948بأسلحة فاسدة تسربت عن طريق شخصيات من حاشية الملك.

استدعت النيابة إحسان عبد القدوس رئيس تحرير المجلة واستمعت لأقواله وكانت النتيجة إجراء تحقيق موسع حول صفقات الأسلحة والذخائر التي تمت في ذلك الوقت، كما تم تفتيش عدد من منازل أفراد حاشية فاروق وانتهى التحقيق إلى تنحية القائد العام للقوات المسلحة حيدر باشا من منصبه وإقالة رئيس هيئة أركان الحرب عثمان المهدي باشا وإحالة عدد من ضباط القوات المسلحة وقادته إلى المعاش.

وبالرغم من أن حاشية الملك خرجت سليمة من هذه التحقيقات كما تخرج الشعرة من العجين وكانوا كما قال الحق تعالى (لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون) إلا أن الشعب ازداد غضبه على الملك وحاشيته. في نفس الوقت أصبحت مجلة روز اليوسف أقرب مجلة لقلوب المواطنين وأصبح إحسان بطلا شعبيا.

وحتى اليوم لا زال الجدال يدور حول قضية الأسلحة الفاسدة وهل كان يوجد بالفعل أسلحة فاسدة ومن الذي ورط الجيش فيها أم أن هذه الاتهامات مجرد افتراءات؟

آخر ما قرأناه حول هذا الموضوع ما نشرته مجلة روز اليوسف في شهر أكتوبر 1997 ومنه نجد أن القضية لا زالت بدون حسم.

المهم في هذا الأمر هو شجاعة القائمين على روز اليوسف ووطنيتهم التي فجرت هذا الموضوع الحساس الذي يمس أقرب المقربين لطاغية مصر الملك فاروق وسيظل هذا الموقف يذكر لروز اليوسف بكل اعتزاز وسيعيش معنا نورا للصحافة المصرية يهتدي به الصحفي الشريف.

إلغاء المعاهدة

كان الهدف الوطني من إبرام معاهدة 1936 هو حصول مصر على استقلالها وإلغاء الامتيازات الأجنبية. إلا أن بعض نصوص المعاهدة أعطت بريطانيا الحق في وضع قوات عسكرية في منطقة القناة.

وبالتطبيق العملي لهذه المعاهدة المضللة استمر تدخل الإنجليز في شئون الحكم مستخدمين التهديد كلما شاءوا فرض أمر لا يقبله النظام الحاكم مثل ما حدث يوم 4 فبراير 1942 عندما فرضوا بدباباتهم وجنودهم تعيين وزارة وفدية.

ولما أصبح هذا التدخل السافر مفضوحا أمام المواطنين وظهرت المعاهدة على حقيقتها رأى حزب الوفد الذي كان وراء إبرام المعاهدة من الأصل أنه لا يمكن السكوت على ممارسات الإنجليز لحين انتهاء أجلها سنة 1956 فقرر إلغاءها.

ولذلك تشكلت لجنة في أبريل سنة 1951 تضم ممثلين عن الأحزاب وعن التنظيمات السياسية القائمة لتوحيد الصف وجمع الشمل ورفع صوت الأمة في وجه الإنجليز حتى يكون طلب إنهاء المعاهدة مطلبا شعبيا يشارك فيه جميع المواطنين.

أصدرت هذه اللجنة ميثاقا وطنيا حدد بشكل واضح وصريح ضرورة إلغاء المعاهدة واستبعاد أي تفاوض مع الإنجليز حول مطالب الأمة. وعرفت هذه اللجنة بعد ذلك (بلجنة الميثاق).

يوم الإثنين 8 أكتوبر سنة 1951 اجتمع البرلمان للاستماع لرئيس الوزراء مصطفى النحاس يتلو المراسيم الأربعة لإلغاء معاهدة سنة 1936 وهي الآتية:

  1. مرسوم بإلغاء القانون رقم 80 لسنة 1936 الذي نص على إبرام معاهدة صداقة بين مصر وإنجلترا وإنهاء الإعفاءات التي كانت تتمتع بها القوات البريطانية في مصر.
  2. مرسوم بدعوة البرلمان لتعديل الدستور.
  3. مرسوم يجعل لقب الملك "ملك مصر والسودان" بعد أن كان "ملك مصر".
  4. مرسوم يجعل للسودان دستورا خاصا به يضعه السودانيون.

الكفاح المسلح بمدن القناة

بإنهاء المعاهدة اعتبر وجود القوات البريطانية في مصر وجودا لقوات معادية ولذلك بدأ كل طرف يتخذ خطوات في مواجهة الطرف الآخر بما في ذلك استخدام القوة المسلحة.

قطعنا المياه عن معسكرات الإنجليز وانسحب عشرات الآلاف من العمال الذين كانوا يعملون بها من فنيين وكتبة وعمال فعوضتهم الحكومة بأجور يتعيشون منها.

كما صدرت تعليمات إلى قواتنا في السودان بأن تقاتل لآخر جندي إذا ما حاولت القوات البريطانية الموجودة هناك إخراجها من الخرطوم، ساد التوتر منطقة القناة التي تشمل بور سعيد والإسماعيلية والسويس وطال انتظار سكان مدن القناة لوصول السلاح الذي وعدتنا به الحكومة لمواجهة الإنجليز.

ثم تبين أن هذا السلاح يقتصر على قوات البوليس. لذلك رأى الشباب الذي تطوع للعمل الفدائي أن عليه الحصول على السلاح من مصادر أخرى غير الحكومات بإمكانياته الذاتية.

عزل الإنجليز بور سعيد عن باقي المدن وأصبحت حركة الدخول إليها والخروج منها غير متيسرة لأن اتصالها بباقي البلاد كان عن طريق ممر ضيق يقع جنوب المدينة ويسهل على الإنجليز غلقه.

كذلك كان الاتصال عن طريق منطقة الجميل غرب بور سعيد مكشوفا مائة في المائة، فلم يبق غير التحرك عن طريق بحيرة المنزلة.

وكما توقعنا أغلق الإنجليز طريق المعاهدة ووضعوا عليه نقطا لتفتيش السيارات تفتيشا دقيقا يمنع وصول السلاح والذخيرة بطول المسافة ما بين بور سعيد والتل الكبير.

كذلك وضعوا حراسة مشددة شرق قناة السويس لمنع التحرك عبر المناطق الصحراوية الواقعة بها فضلا عن حماية الملاحة في قناة السويس.

لم يبق أمام أهالي بور سعيد سوى بحيرة المنزلة للدخول والخروج عن طريقها كما ذكرت الأمر الذي رفع ثمن السلاح المطلوب بسبب المخاطر التي تتعرض لها عملية تهريب السلاح لبور سعيد.

فضلا عن ذلك كنا نجد جزءا من هذا السلاح قديما يعلوه الصدأ ولا يطلق الذخيرة فلجأنا إلى ورشة صغيرة تقع على القنال الداخلي البعيد عن الأنظار بذلت جهدا مشكورا لإصلاح ما يمكن إصلاحه من طبنجات ورشاشات ماركة تومي وستين نتيجة لقلة السلاح المتاح من الشرقية وضعف نوعيته –

كل ذلك أدى إلى تطوع بعض الشباب المحترف الذي نسميه في بور سعيد "النطاطة" لخطف ما يتيسر من السلاح من على أكتاف الجنود الإنجليز الذين كان البعض منهم يتواجد من حين لآخر خارج تحصيناتهم خلف أكياس الرمل.

وبالفعل تمكن بعض "النطاطة" من خطف قطعتين من المدافع الرشاشة من هؤلاء الجنود بحركاتهم الخاطفة كلمح البصر وشجاعتهم المنقطعة النظير. وبالطبع كان هذا العمل يعرض من يقوم به للموت.

وأروع ما في هذا العمل الشجاع رفض هذا الشباب قبول ثمن لهذين الرشاشين اكتفاء بوعدهم بتوفير عمل مستقر يتعيشون منه بعد أن يتحقق النصر، وهذا هو المعدن الأصيل لأبناء مصر.

كان للقوات الإنجليزية معسكر يقع جنوب المدينة اسمه معسكر الجولف يعتبر هدفا سهلا لإصابة المقيمين فيه. وبالفعل نجح شباب بور سعيد في توجيه ضربة في الليل لهذا المعسكر أفزعت القوات الموجودة به إلا أننا لم نعرف مدى الضرر الذي لحق بهم.

وفجر اليوم التالي تغير الحال حول المعسكر بوضع سيارات مصفحة. ونقط حراسة محاطة بأكياس الرمل، والكشافات. وبذلك أصبح متعذرا مهاجمة هذا الهدف مرة ثانية.

وتكرر هذا الحال في جميع المواقع الموجودة بها قوات إنجليزية بشكل جعل من المستحيل مهاجمتهم بالطبنجة والرشاش ولا بد من استخدام المدفع الهاون. لكن من أين لبور سعيد كلها بمدفع هاون واحد؟ ومن أين نحصل عليه ونحن لا نجد الرشاش، وكيف نصل به للمدينة في ظل كثافة التفتيش إذا وجدناه؟ لذلك اقترح أحد الزملاء من ذوي الخبرة في الأسلحة.

والذي حضر من القاهرة لتوجيه وتدريب الشباب المتطوع في بور سعيد على كيفية التعامل مع العدو ... ومحاولة تصنيع شيء بديل لهذا المدفع بشرط توفر الماسورة المناسبة ... وفعلا وجدنا الماسورة التي يمكن بها تصنيع شيء بديل للهاون.

وفي تلك الورشة الصغيرة البعيدة عن الأنظار أمكن تصنيع ما يشبه المدفع الهاون ولم يعد أمامنا سوى تجربته .. وللأسف عندما جربناه وجدناه لا يصلح.

كل هذه المحاولات الشجاعة تدل على مدى اقتناع شباب مدن القناة بضرورة مواجهة المستعمر الإنجليزي وإدخال الرعب في قلوب جنوده حتى يرحلوا عن مصر وبذلك يتحقق الهدف من إلغاء المعاهدة، لأن إصدار قرار غير مصحوب بخطوات عملية لا يحقق أي نتيجة.

محاولة أخرى أعد لها واحد من أبناء بور سعيد من ضباط القوات المسلحة المخلصين كان يتولى قيادة مخابرات السواحل بمنطقة القناة وهو البكباشي عبد الستار عرنسه الذي طلب منه زملاؤه من الضباط الفدائيين وضع خطة لإغراق إحدى السفن العابرة لقناة السويس.

فوضع خطة محكمة للتسلل إلى مكان معين على شاطئ القناة يصلح لإطلاق طوربيد على إحدى السفن العابرة بعيدا عن أنظار العدو.

وبالفعل حضر الضباط المشاركون في العملية ومعهم الطوربيد وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وأنور السادات وصلاح هدايت ولكن الطوربيد لم ينفجر في السفينة ولم تحقق العملية أي نتيجة وظل في طي الكتمان.

لا شك أن هنالك الكثير من الأعمال الجريئة المندفعة التي اتسمت بروح الفداء قام بها المواطنون تلقائيا من الأهالي والضباط الفدائيين.

وللعلم فإن أغلب هجمات الفدائيين التي أفزعت قوات الإنجليز هي التي قام بها وخطط لها أفراد من القوات المسلحة بعيدا عن العمل الرسمي، وبالطبع أخذت هذه الهجمات أشكالا مختلفة بحسب جغرافية وظروف المكان الذي تمت فيه.

ويعتقد أن أقل هذه الهجمات تأثيرا هو ما وقع في بور سعيد بالمقارنة بما وقع بمنطقة الإسماعيلية وما حولها مثل سرابيوم والتل الكبير.

المهم في هذا الأمر أن القوات الإنجليزية لم تتوقع هذه الهجمات الفدائية التي أدت لاستنفار الآلاف من جنودهم لتأمين معسكراتهم وتحركاتهم على الطرق مما عزلهم تماما عن الحياة المستقرة الممتعة التي كانوا ينعمون بها داخل مدن القناة وعرضهم وأسرهم للخطر.

كانت قصص الفدائيين على كل لسان في مصر من شمالها إلى جنوبها مما رفع الروح المعنوية في مصر كلها وهو ما زاد من حماس المواطنين والاستعداد لمواجهة شاملة مع العدو الإنجليزي وكل من يتعاون معه وازداد إصرار المواطنين على أنه لا تنازل عن مطلب الشعب الذي تلخص في أربع كلمات هي: خروج الإنجليز من مصر.

وفي منطقة السويس قطع الفدائيون المياه عن المعسكرات القريبة من كفر أحمد عبده فقرر الجنرال إرسك هدم بيوت المواطنين إذ كان الفدائيون يختبئون فيها.

وتم بالفعل هدم أكثر من مائة وخمسين بيتا وأخلي الكفر من سكانه وعوضت الحكومة الأهالي بمباني جديدة في منطقة أخرى كما عوضتهم عما لحق بهم من خسائر.

ولا ننسى أن الأمر وصل بقيادة القوات الإنجليزية للتفكير في عزل مدن القناة نهائيا عن باقي الوطن، ولذلك استولوا على جميع المنافذ والطرق البرية والمائية في مدن القناة كما تم الاستيلاء على كوبري الفردان الذي يمتد فوق قناة السويس وعليه شريط سكة حديد يصل إلى العريش وبذلك يمكنهم عزل قوات الجيش المصري الموجودة في سيناء منذ حرب فلسطين وقطع خطوط مواصلاتهم وانهيار هذه القوات وربما التسليم.

كذلك هددوا بقطع إمدادات البترول إلى الدلتا مما يترتب عليه توقف محطات الكهرباء ووسائل المواصلات وهو الأمر الذي يؤدي لشل الحياة بالقاهرة وسائر المحافظات.

وفي الواقع فإن حسابات العدو أقنعته بأن عمليات الفدائيين تتسع بالتدريج وتخرج عن نطاق العمل الفردي لتشمل مجموعات من المواطنين في القرى والريف.

وكان الشيوعيون وراء هذا الفكر السليم الذي دعا لأن يأخذ الكفاح المسلح شكل العمل الوطني العام الذي يشارك فيه كل أبناء مصر وخاصة سكان القرى من الفلاحين.

إن معركة القرين المشهورة كانت بمثابة مقدمة تنذر بأن مصر كلها ستقوم قومتها ضد الأعداء وأن العمل الفدائي الفردي سيتحول إلى عمل جماعي يشارك فيه كل المصريين بنفس مقاييس معركة القرين التي قام بها وشارك فيها كل سكان القرية بتصديهم لهجوم قام به طابور من دبابات العدو على قريتهم وأجبروه على التراجع.

أمام هذه الأحداث السريعة وتلك المواجهة والتصدي للإنجليز كنا نتوقع أن تقوم هدنة بين الملك وحكومة الوفد لتحقيق وحدة الصف.

غير أن عقل فاروق القاصر عن تقدير المواقف وروحه المستبدة المتغطرسة أبت عليه أن يعمل على تهيئة الجو لمواجهة العدو ومراعاة الظروف العصيبة التي يمر بها الوطن.

وبقي فاروق على طبيعته القاصرة ذلك الإنسان المفرغ من أي تفكير سليم، فحينما رأت وزارة النحاس باشا سحب سفير مصر في لندن احتجاجا على تصرفات القوات البريطانية رأى فاروق عدم الاكتفاء بسحب السفير بل ويجب أيضا قطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا فتسبب هذا الخلاف في وقوع أزمة بين الحكومة والملك.

كذلك عندما خلا مقعدان في مجلس الشيوخ بوفاة رئيسه عبد الفتاح يحيى واستقالة خليل ثابت رئيس تحرير جريدة المقطم رشحت الوزارة كلا من المستشارين عبد الرحمن رضا وكريم ثابت فما كان من الملك إلا أن رشح في المقابل بهي الدين بركات وحافظ رمضان رئيس الحزب الوطني فتأزم الموقف بين الطرفين وكانت تلك أزمة ثانية ...

وأزمة ثالثة قامت بسبب موضوع رئاسة ديوان الموظفين حيث رشحت الحكومة عبد السلام النحاس شقيق رئيس الوزراء فلم يوافق الملك، فقامت أزمة أضيفت للأزمات السابقة، وهكذا كانت الأزمات تتوالى وتتلاحق الواحدة بعد الأخرى والبلد في أمس الحاجة لوحدة الصف.

وبالفعل أدى هذا الوضع لأن صرحت حكومة الوفد بأن اختلاق هذه الأزمات لا يتيح لها التفرغ لمواجهة الإنجليز وهدد النحاس باشا بالاستقالة واعتكف في بيته نتيجة لهذا التهديد الذي لم يكن فاروق يستطيع أن يتحمله بسبب الظروف التي تمر بها البلد. ثم وافق على حل هذه الأزمات على الوجه التالي:

  1. الاكتفاء بسحب السفير من لندن دون قطع العلاقات، وهو ما ارتأته حكومة الوفد.
  2. تعيين واحد من كل اثنين رشحهما كل طرف لمجلس الشيوخ هما المستشار عبد الرحمن رضا الذي رشحته الحكومة وبهي الدين بركات الذي رشحه الملك.
  3. إسناد رئاسة ديوان الموظفين لرئيس الوزارة مصطفى النحاس باشا بدلا من أخيه عبد السلام النحاس.

هذه الصراعات المستمرة والأزمات المتلاحقة التي قدمت أمثلة لها تعطينا صورة واضحة لما كان عليه نظام الحكم في البلد بصرف النظر عن المتسبب وهل كان هو الملك أو حزب الوفد أو باقي الأحزاب أم كل هؤلاء مجتمعين، لك الله يا مصر!

نتيجة لهذا الحال المضطرب والأوضاع الغير مستقرة تضاعف الإحساس الكامن في نفوس المواطنين بضرورة التغيير الشامل من الجذور.

كانت رؤية هذا التغيير تختلف باختلاف درجة الثقافة والفكر. فهناك من كان يرى أن التخلص من الملك يحل كل المشاكل، بينما آخرون رأوا أن التخلص من الملك وحده لا يكفي ذلك أنه من الضروري إعادة بناء الهيكل الاجتماعي والسياسي للوطن بالتخلص من الإقطاعيين وكبار الرأسماليين وأيضا التخلص من الأحزاب التي تخضع لنفوذهم لأن العناصر المخلصة في تلك الأحزاب كانت تشكل الأقلية وليس لها تأثير يذكر.

استثناء من هذا الحال فإن أعضاء الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وجماعة الإخوان كانت فرصتهم في التحرك السياسي متوفرة بشكل واضح خاصة وأنهم ليسوا من الإقطاعيين أو ذوي الرأسمال المستغل، غير أن جماعة الإخوان كان قد صدر قرار بحلها في ديسمبر سنة 1948 وانسلخت الشرعية عن الحزب الشيوعي بعد صدور قانون مكافحة الشيوعية في مايو سنة 1950 مما تسبب في إضعاف حركتهما وفي نفس الوقت أتاح لحزب العمل الاشتراكي فرصة أكبر للالتحام بالجماهير ومواصلة النضال.

الجدير بالذكر أن الإخوان لم يكن لهم أي دور في عملية الكفاح المسلح ضد الإنجليز بمنطقة القناة لاعتقادهم أن هذا الكفاح كان لخدمة الوفد فقط، وذلك على حد تعبير واحد من قادتهم في الإسماعيلية حينما قال "إن الإخوان ليسوا على استعداد للتضحية بأبنائهم من أجل الوفد".

وطبعا هذا التفكير غير سليم لأن الكفاح المسلح ضد الإنجليز كان بالدرجة الأولى من أجل الوطن. ومهما كانت الفائدة التي تعود على الوفد أو غيره من الأحزاب فإن الأمر يخص مصر أولا وأخيرا بصرف النظر عن المستفيد.

ولذلك فتحت جريدة الشعب الجديدة التي يصدرها الحزب الاشتراكي النار على النظام القائم ودعت بكل صراحة رجال الشرطة للعصيان.

ورجال الجيش للتمرد على القادة، كما دعت المتعطلين للاعتداء على محلات اللهو والشركات الاستعمارية الشهيرة فضلا عن أسلوب تخاطبها مع الملك على نمط "رعاياك يا مولاي" ، "مواطنون لا رعايا" ومن بين ما كتبته الجريدة ذلك الخطاب الشهير الموجه لرئيس الوزراء النحاس باشا المنشور يوم 9 ديسمبر سنة 1951 وكتبه أحمد حسين موجها الكلام للنحاس باشا يقول فيه "هل تظل تعيش في الأفراح والزينات ... وهل تظل حفلات العشاء والهناء تشنف الآذان، ونوادي القمار تجري لمستقرها".

كل هذه الأمور التي أوردتها في الصفحات السابقة تراكمت فوق بعضها وشكلت عبئا ثقيلا على المواطنين كالجمرة في القلب ولذلك تلاقت أهداف القوى الوطنية المخلصة التي لم يكن لها تنظيم واضح يجمعها تحت اسم معروف وإنما كانت تأخذ شكل مجموعات متحمسة داخل الأحزاب المختلفة بالإضافة للشيوعيين والإخوان ووطدت هذه المجموعات المتفرقة العزم على التخلص من فاروق ومفاسد الأحزاب ...

وظل هذا العزم بدون تفاصيل أو خطة مدروسة إذ تركز اهتمام هذه المجموعات المتفرقة في التخلص من فاروق بأي شكل ثم يأتي بعد ذلك إصلاح الأحزاب. وبهذا الحماس والإصرار انتشر في البلد شعور عام بأن شيئا ما سيحدث يخلص البلد من فاروق.

مذبحة الإسماعيلية

في الساعة السادسة من صباح يوم 25 يناير سنة 1952 وقعت الواقعة في مدينة الإسماعيلية بمحاصرة القوات الإنجليزية لمبنى المحافظة والتهديد بضرب ثكنات بلوك النظام إذا لم يسلم جنود البلوك سلاحهم.

ولما رفضت قيادة الشرطة بالإسماعيلية هذا التهديد بدأ الإنجليز يضربون الثكنات. وقاوم جنود بلوك النظام ببسالة إلى أن عاد القائد الإنجليزي يهدد من جديد بما هو أشد من التهديد السابق ويقول إذا لم يسلم الجنود الموجودون بالثكنات سلاحهم ويتم ترحيلهم بعيدا عن الإسماعيلية فستقوم قواته بنسف الثكنات والمحافظة على من فيها –

لم يهتز قائد قوات بلوك النظام الموجود مع جنوده داخل الثكنات اليوزباشي مصطفى رفعت ورد ببسالة على الإنجليز بقوله "سنقاوم حتى نصبح جثثا هامدة" فما كان من الإنجليز إلا أن فتحوا نيران مدافعهم ودباباتهم على المحافظة والثكنات الملحقة بها لنسفها على رءوس الجنود البواسل الذين استمروا يقاتلون في معركة غير متكافئة حتى نفدت ذخيرتهم.

حينئذ توقف القتال بعد استشهاد حوالي ستين جنديا وإصابة سبعين آخرين كما تم نسف الثكنات والمحافظة. وقد تمكن جنود بلوك النظام البواسل من إصابة أربعين جنديا من الأعداء وأذاعت وزارة الداخلية هذه الأنباء المحزنة في المساء على الشعب فكان لها أسوأ الأثر في النفوس وبدأ المواطنون يدبرون للانتقام من القوات الإنجليزية.

حريق القاهرة

بعد منتصف ليل هذا اليوم الحزين بساعات قليلة أي صباح 26 يناير بدأت موجات متلاحقة من المواطنين تعبر عن احتجاجها.

كان أول تعبير عن الاحتجاج والرغبة المتأججة للانتقام تجمع عمال مطار القاهرة الدولي بعد منتصف الليل أي صباح 26 يناير لمنع هبوط ركاب أربع طائرات تابعة لشركة الخطوط الجوية البريطانية ورفض تزويدها بالوقود.

تبع ذلك في السادسة صباحا تعبير كالهدير تمثل في خروج جنود بلوكات النظام من ثكناتهم بالعباسية بالسلاح في مظاهرة عسكرية تهدف بسقوط الإنجليز وضرورة الانتقام منهم.

اتجهت المظاهرة إلى جامعة القاهرة فانضم الطلبة للجنود وتوجه الجميع في مظاهرة صاخبة إلى ميدان عابدين حيث التقوا بطلاب الأزهر وجماعات أخرى من المواطنين وتوجه هذا الجمع الحاشد من المتظاهرين إلى مبنى مجلس الوزراء حيث خطب فيهم الوزير المفوه عبد الفتاح حسن مؤيدا لمشاعرهم مضيفا المزيد لحماسهم حتى اطمأنت النفوس لغضب الحكومة على مذبحة الإسماعيلية وتأييدها لاحتجاج الجماهير فانسابت هذه الجموع الحاشدة كالهدير إلى وسط القاهرة لا يعترضها أحد ولا يعوق مسيرتها مسئول.

للأسف اندس المخربون في هذه المظاهرة الوطنية النظيفة وبدءوا عملية شبه مخطط لها من قبل لإشعال النار في المباني والمنشآت لحرق القاهرة، ومع غضبة المتظاهرين لم ينتبه أحد للضرر البليغ الذي ينشأ من هذا التخريب المدبر لدرجة أن قوات بلوكات النظام كانت تترك الفرق المنظمة التي تقوم بإشعال النار أمام أعينهم تفعل ما تشاء دون أن تتصدى لها.

بل حدث أكثر من ذلك إذ أن بعض هذه القوات كان يقطع خراطيم الماء كلما حاول رجال المطافئ إخماد النار لإحساسهم أنهم بذلك يعبرون عن مشاعر الجماهير.

الكلام عن الفاعل والمدبر كثير ... من أشعل النار لحرق القاهرة؟ البعض يقول رجال فاروق بالاتفاق مع الإنجليز، والبعض يقول الشيوعيون، وآخرون يقولون أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة وشباب الحزب لأن إشعال النار تركز في المنشآت التي حددتها جريدة حزبه في مقالاتها العديدة السابقة لهذا اليوم المشئوم مثل الكباريهات والخمارات وكازينوهات اللهو ودور السينما وإن كان التركيز على هذه المنشآت أمرا طبيعيا.

لا شك أنه لم يكن هناك ما يدعو إلى إشعال النار وحرق القاهرة إذ أن الجماهير المصرية سبق لها أن قامت بالتظاهر في مناسبات كثيرة انتهت بدون حوادث من هذا القبيل ...

ولذلك كان هناك احتمال أن جهة ما أجنبية بمعاونة مواطنين مصريين ينتسبون لها هم الذين قاموا بهذا العمل البشع خاصة أنه تبين أن بعض المتظاهرين كانوا يلقون قنابل ومفرقعات مصنوعة في الخارج ولا وجود لها في مصر، وشهادة علي ماهر باشا في قضية التحريض على حريق القاهرة تؤكد هذا الاحتمال ...

نقرأ في كتاب "البحث عن الذات" للرئيس السابق محمد أنور السادات ما كتبه حول هذا الموضوع حيث قال "لم يعرف حتى الآن من الذي دبر حريق القاهرة ولكن الهدف كان واضحا لدى الجميع.

مما لا شك فيه أن حريق القاهرة كان موجودا ضد الملك كما كان تعبيرا عنيفا عما يلاقيه أكثر من 95% من الشعب وهي القاعدة العريضة التي حرمت في ظل نظام طبقي رأسمالي صارخ من كل شيء".

بالرغم مما قاله الرئيس السابق في كتابه "البحث عن الذات" إن حريق القاهرة كان موجها ضد الملك إلا أنه لم يقل من الذي كان وراء الحريق، هل هم الشيوعيون أم الاشتراكيون في الحزب الاشتراكي أم الملك.

ففي هذا اليوم كان [فاروق]] يحتفل بميلاد ولي عهده أحمد فؤاد ودعا المئات من أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لهذا الاحتفال لدرجة أن القاهرة صارت شبه خاوية من مسئول أمني أو عسكري يستطيع مواجهة حوادث الشغب والتخريب التي تتابعت أحداثها بسرعة رهيبة.

وكان الأجدر بوالد أحمد فؤاد المحتفى به أن يلغي هذا الاحتفال مشاركة منه في أحزاب الشعب على ضحايا مذبحة الإسماعيلية في اليوم السابق، لكن فاروق هو فاروق، المتعالي المتغطرس الذي يخلو قلبه من نبضة حب لوطنه فأقام الاحتفال رغم ما كان متوقعا حدوثه.

عندما وجد وزير الداخلية أن رجال الشرطة انضموا للمتظاهرين استنجد بقوات الجيش، غير أن حيدر باشا القائد العام كان على مائدة الملك منشغلا بالاحتفال الكبير الذي حضره ما لا يقل عن ستمائة فرد من ضباط القوات المسلحة والداخلية فاضطر وزير الداخلية أن يتوجه بنفسه إلى القصر الملكي ليستصدر أمرا ملكيا بتدخل الجيش.

ونتيجة لما استغرقته الاتصالات وشرح خطورة الموقف كان تحرك الجيش ونزوله للشارع لمواجهة المتظاهرين والمخربين متأخرا حيث بلغت الساعة السادسة مساء بعد أن أكلت النار منشآت كثيرة في عدة أماكن بمدينة القاهرة. وهكذا كانت تصرفات كبار القوم في بلدنا تخلو تماما من الإحساس بالمسئولية وعمل الواجب وإنقاذ العاصمة.

وغد أحداث 25، 26 يناير فرصة ذهبية أمام الملك لإقالة وزارة النحاس باشا، فصدرت المراسيم بإقالتها وتعيين وزارة مؤقتة يرأسها علي ماهر باشا على أن يتم تشكيلها من أحزاب الأقلية أي من السعديين والدستوريين والحزب الوطني.

ورغم هذا الشرط فإن ماهر باشا شكل وزارته من المستقلين فقط ليبتعد عن المناورات والمزايدات الحزبية حتى يمكنه التفرغ لإنقاذ البلد.

وزارات ما بعد الحريق – من 27 يناير حتى قيام الثورة

بالرغم من أن وزارة النحاس أقيلت بعد حوادث الحريق بيوم واحد أي في 27 يناير 1952 إلا أن النحاس باشا يوجه في اليوم التالي إلى القصر الملكي يقيد اسمه في سجل التشريفات ويشكر الملك على تعاونه معه حتى آخر يوم في الوزارة.

والواقع أن أحدا لم يكن يتصور أن الضعف وصل برئيس حزب الوفد إلى هذا الحد، وحينما يفرط زعيم حزب ورئيس وزراء في كرامته فما الذي يملكه بعد ذلك في مجال السياسة والزعامة والتاريخ؟

في بلدنا تبدأ الشخصيات السياسية حياتها العامة متمسكة بالمبادئ زاهدة في المناصب متقبلة الحياة البسيطة منحازة لفقراء الشعب وذوي الدخل المحدود.

لكنها وبعد أن يطول الزمن بالواحد منهم في تقلد المناصب والتفاف الجماهير حوله يتغير، وتتحول شخصيته السياسية إلى النقيض فتتلاشى مبادؤها وتبتعد عن الشعب وتعيش في القصور وتسبح في بركة من الثراء.

ركزت وزارة علي ماهر باشا أول الأمر على تهيئة هدنة مع القوات الإنجليزية بوقف الأعمال الفدائية في مدن القناة، وعودة العمال إلى المعسكرات، واستئناف أعمال الشحن والتفريغ التي كانت توقفت بالموانئ وذلك كي يتمكن من تحقيق أهداف داخلية ملحة مثل توفير المواد التموينية وتخفيض الأسعار وعودة الدراسة بالجامعات وعودة النظام والاستقرار للشارع وإصلاح ما دمره حريق القاهرة تمهيدا لعودة الحياة الطبيعية.

في نفس الوقت دافع علي ماهر باشا في التحقيقات التي حضرها (كشاهد) عن الإجراءات التي اتخذتها وزارة النحاس باشا من إلغاء للمعاهدة ومواجهة مع القوات الإنجليزية مؤكدا بضرورة الجلاء عن مصر، وفي بيان للشعب ألقاه يوم 25 فبراير 1952، قال "إنني لا أفاوض الإنجليز في مبدأ الجلاء ولكني أفاوضهم في تنفيذ الجلاء". ثم أخذ يسعى لتشكيل جبهة قومية تتولى تحقيق الأهداف الوطنية.

إلا أن الوقت لم يسعفه لتحقيق شيء من هذه الأهداف الوطنية فلقد صدر فجأة مرسوم ملكي بتأجيل انعقاد البرلمان دون أخذ رأيه أو الرجوع إليه؛ فلما علم بذلك من جريدة أخبار اليوم.

وهو ما يشكل تجاوزا كبيرا لرئيس الوزراء – طلب علي ماهر مقابلة فاروق الذي أحاله إلى رئيس الديوان من باب الغطرسة والتجاهل فتوجه علي ماهر باشا إلى القصر وقدم استقالته.

هكذا كان ملك مصر لا يتوقف عن طعن المصلحين من أبناء الوطن من وزراء وقوى وطنية مخلصة حتى جعل نظام الحكم لعبة يلهو بها. بالإضافة لألاعيبه القذرة التي اكتظت بها حياته الماجنة.

اشتدت كراهية الناس لفاروق وعبثه بالحكم وتصرفاته غير المسئولة وأخذوا يعدون العدة ليوم الخلاص غير أنه لم يتبلور لدى المواطنين كيف يكون الخلاص وهل يكون بالاغتيال أم بالانقلاب؟

أصبح تولي مسئولية الوزارة بعد استقالة علي ماهر باشا أمرا يشكل عبئا لا داعي للتورط فيه، إلا أن نجيب الهلالي قبل تولي الوزارة أول مارس 1952 وقام بالفعل بتشكيلها من المستقلين كما فعل علي ماهر من قبل وقرر تأجيل جلسات البرلمان لمدة شهر فرد الوفد على ذلك بطلب طرح الثقة بالوزارة وكانت له الأغلبية في مجلس النواب.

ولخوف نجيب الهلالي من نتائج طرح الثقة استصدر مرسوما ملكيا يوم 24 مارس بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة للمجلس يوم 18 مايو على أن ينعقد المجلس بعد ذلك يوم 31 مايو. أحداث تتوالى بسرعة والكل يلعب على حساب الشعب ومصلحة الوطن.

وعلى أثر صدور المرسوم بالانتخابات الجديدة تقدمت الشكاوى من أحزاب الأقلية بضرورة فتح باب القيد في سجلات الناخبين وتطهيرها مما حل بها من تزوير على يد حكومة الوفد باستبعادها لأسماء الخصوم من سجلات الناخبين وقيد أسماء الأنصار فقط، ونتيجة لهذه الشكاوى تقرر تأجيل الانتخابات إلى شهر أكتوبر 1952 ليجتمع البرلمان بعدها بشهر، ولم يكن أحد يعلم بما يخبئه القدر.

وهكذا كان الاستخفاف بمقادير الأمة واللعب بالنار بإقالة حكومة وتعيين أخرى واستصدار المراسيم الملكية التي توجه اللكمات والضربات للخصوم. يمثل طابع الأداء السياسي للملك فاروق. ولم يكن الملك يسعى أبدا لتعيين الوزارة التي تنقذ البلد من المخاطر وتركزت كل حراسة الصبيانية في اللعب بالأحزاب والمواطنين.

كان نجيب الهلالي حريصا على تطهير الأجهزة والمناصب من الفاسدين الذين كان من بينهم كثيرون من أتباع الملك، كذلك قطع الهلالي شوطا من المفاوضات مع الإنجليز وعمل بهمة على تعديل قانون الانتخابات. كما سعى حثيثا لتأسيس حزب جديد من الشرفاء.

ضايق هذا التحرك الوطني صاحب الجلالة الذي يعاني من الحساسية لأي تحرك وطني يكون فيه إصلاح البلد والأوضاع السياسية، فأخذ يتحرش بوزارة الهلالي المرة بعد المرة حتى اضطرها لتقديم استقالتها يوم 28 يونيه 1952.

كلف فاروق حسين سري باشا بتأليف وزارة جديدة وتم تشكيل الوزارة وأعلن عنها في الجرائد يوم 2يوليو 1952، غير أن الوزارة قدمت استقالتها بعد 18 يوما من قيامها، أي يوم 20 يوليو ثم بعد 24 ساعة عادت من جديد وزارة نجيب الهلالي التي لم تستمر في الحكم أكثر من يوم واحد لقيام الثورة يوم 23 يوليو.

لا شك أن غالبية الشعب ظلت لسنوات طويلة تفتقر للنضج السياسي الذي يمكنها من التمييز بين التهريج والعمل الجاد، وهذا النضج لا يتحقق إلا بأمرين، التثقيف السياسي والممارسة اليقظة للعمل السياسي أما بالنسبة للأمر الأول وهو التثقيف السياسي فمدرسته الوحيدة لا تكون إلا داخل الأحزاب، وكل أحزابنا في الماضي لم تهتم بتربية الكوادر السياسية.

الأمر الثاني هو الممارسة اليقظة للعمل السياسي وذلك بأن يهدف الحزب في مجموعة إلى محاربة الاستعمار والفساد وبأن يكون عضو الحزب على اتصال دائم بحزبه منتظما في حضور اجتماعاته ومؤتمراته مؤمنا بمبادئه وناقدا ومحللا لما يسمع ويرى خيرا في طاعة قادته وفي تقبله لأقوالهم وقرارتهم بحيث لا يوافق على أمر إلا بعد أن يتأكد تماما من سلامته.

إن أسلوب موافقون في مجال العمل الاجتماعي والسياسي هو أخطر شيء في حياتنا ونتيجة لتأثير هذا الأسلوب على الأداء الحزبي والتثقيف السياسي لم يتحقق إلا القليل من فاعلية الأحزاب قبل الثورة وظل الشعب عاجزا عن حماية نفسه سواء أمام المستعمر أو أمام الملك وحاشيته.

وكان من المتصور أن تنهض الأحزاب للانصهار مع الشعب في بوتقة للدفاع عنه ومحاربة الاستعمار وأن تدفع عنه الظلم وتنتزع له حقوقه من الآخرين.

ومن ناحية أخرى ظل الشعب متهاونا أمام ظاهرة الاعتداء على القانون وعدم تطبيقه على الجميع بدون أية استثناءات لأن الناس أمام القانون سواء. وبذلك تواجدت طبقة من المواطنين محدودة العدد تعيش فوق القانون. وباقي المواطنين يعيشون تحت القانون.

كذلك طال سكوت الشعب على سبيل الاستثناءات الذي وصل لكل قطاع بتفضيل مواطن على آخر بدون وجه حق ولا سند من القانون حتى أصبحت ظاهرة الاعتداء على سيادة القانون أمرا عاديا متكررا في حياتنا اليومية.

القسم الثاني: سنوات الثورة

الجيش يتحرك

حدد الضباط الأحرار ساعة الصفر بمنتصف ليلة 22 يوليو، أي يبدأ تنفيذ خطة الانقلاب في الساعة الثانية عشرة مساء 22 يوليو، إلا أن أمر الخطة نمى وصل إلى علم اللواءات الموالين للملك وعلى رأسهم اللواء حسين فريد أركان حرب الجيش الذي استدعى قادة الجيش بالقاهرة لمؤتمر عاجل يعقد في العاشرة مساء ذلك اليوم بمبنى القيادة العامة للقوات المسلحة بكوبري القبة لإجهاض خطة الانقلاب.

وبالطبع لم يكن اللواء محمد نجيب من بين الذين تم استدعاؤهم لأنه بالنسبة للواءات الملك كان موضع شبهة لتعاطفه مع الضباط الأحرار.

لعبت الصدفة البحتة أهم دور في نجاح خطة الانقلاب نتيجة لاعتقاد البكباشي يوسف صديق المشارك في تنفيذ الخطة وقائد كتيبة مدافع الماكينة الأولى أن ساعة الصفر هي الحادية عشرة وليست الثانية عشرة أي قبل الموعد المقرر بستين دقيقة.

كان فوق هذه الساعة هو السبب الرئيسي في نجاح خطة الانقلاب حيث تمكن يوسف صديق من الاستيلاء على مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة بمن فيه من لواءات فاروق بدون مقاومة وبدون إراقة دماء. وتتوالى وقائع تحرك الجيش:

تحرك يوسف صديق نحو القاهرة يتقدم طابور عربات كتيبة من معسكر الهايكستب الذي يقع بعد المطار لتنفيذ المهام المكلف بها أصلا دون أن يعلم شيئا عن ذلك المؤتمر الذي دعي إليه اللواء حسين فريد.

وفي الطريق إلى القاهرة من اتجاه مصر الجديدة شاهد اللواء عبد الرحمن مكي قائد معسكر الهايكستب الذي كانت قد صدرت له التعليمات من لواءات الملك المجتمعين بمقر رئاسة الجيش أن يتوجه لمعسكر الهايكستب للسيطرة عليه، فاعتقله يوسف صديق.

ثم تكررت نفس الصدفة بفضل من الله عند مدخل مصر الجديدة بالنسبة للقائد الثاني لذات الفرقة الأميرالاي عبد الرءوف عابدين الذي كان هو أيضا متوجها إلى معسكر الهايكستب فاعتقله يوسف صديق.

وهكذا أصبح اللواء عبد الرحمن مكي قائد المعسكر والأميرالاي عبد الرءوف عابدين في قبضة البكباشي يوسف صديق وبذلك أصبح الوضع داخل المعسكر مؤمنا ضد أي تدخل مضاد في عملية الانقلاب.

ثم وقعت الصدفة الثالثة عندما اعتقل جنود يوسف صديق وهم يتقدمون نحو الهدف شخصين يلبسان الملابس المدنية شكوا في أمرهما مما جعلهم يلقون القبض عليهما وذهبوا بهما لقائد الكتيبة البكباشي يوسف صديق الذي تبين له أنهما جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر واللذان كانا في طريقهما للمعسكر لتبليغ يوسف صديق بخطورة الموقف نتيجة انكشاف أمر خطة الانقلاب واجتماع لواءات فاروق.

ولذلك قرر يوسف صديق أن يتوجه بكتيبته إلى حيث كان يجتمع لواءات فاروق للقضاء عليهم وفي لحظات وضع الخطة لمهاجمة مبنى القيادة بمن فيه.

تمكن جنود يوسف صديق البواسل من اقتحام المبنى ودخل هو شخصيا إلى غرفة القيادة بعد إطلاق النار على أحد الحراس فوجد بالغرفة عددا من اللواءات يرفعون المنديل الأبيض مستسلمين.

وهكذا نجحت خطة الانقلاب بدون إراقة دماء، وأصدق ما ينطبق على فضل الستين دقيقة التي تقدمت على ساعة الصفر المقررة هو قول الله تعالى "وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" (سورة الحديد).

بسقوط رئاسة قيادة الجيش في أيدي الضباط الأحرار لم يبق بالجيش أحد له سلطة إصدار أوامر مضادة للحركة المباركة – وذلك على الأقل في نطاق القاهرة.

في صباح اليوم التالي 24 يوليو توجه أنور السادات إلى مبنى الإذاعة في الساعة السابعة إلا ربعا وألقى على الشعب البيان التاريخي المعروف والذي كان من بين فقراته الكلمات التالية: "اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون في هزيمتنا في حرب فلسطين.

قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد أن مصر كلها ستتلقى كلها هذا الخبر بالابتهاج والترحيب..

انتهز هذه الفرصة واطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف. أطمئن أخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسئولا عنهم".

والله ولي التوفيق.

وقد ألقى أنور السادات هذا البيان باسم اللواء محمد نجيب.

كان عدد الضباط الذين اشتركوا في تنفيذ عملية الانقلاب وأصبحوا فيما بعد أعضاء مجلس قيادة الثورة قليلا.

أي أن أعضاء مجلس الثورة الاثني عشر المعروفين لم يشترك منهم في عملية الانقلاب بصورة مباشرة سوى عدد قليل وأن الذين قاموا بالدور المباشر والأهم في عملية الانقلاب كانوا من الضباط الذين لم يسمع عنهم أحد ولم نقرأ عنهم إلا القليل مثل البكباشي يوسف زيدان.

ويرجع ذلك إلى أن الذين قاموا بتنفيذ الانقلاب كانوا قادة لكتائب متحركة يملكون حرية الخروج بجنودهم وعتادهم إلى المعركة أما من كانوا يشغلون مواقع لا تتوافر فيها الحركة ولا يقودون أي جنود فهؤلاء كان يتركز دورهم في تأسيس مجموعة من الضباط الأحرار من العدم وعمل تشكيل منهم يكون مهيئا لعمل الانقلاب.

سبب آخر لعدم اشتراك عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة بشكل مباشر في عملية الانقلاب وهو أن دورهم كان يبدأ مع أول ضوء في صباح اليوم التالي للانقلاب وعندما يكون استخدام طائراتهم ممكنا مثل عبد اللطيف البغدادي وجمال سالم وحسن إبراهيم والثلاثة ضباط طيران.

كذلك كان صلاح سالم متغيبا في العريش وقت الانقلاب ولذلك لم يشارك ليلة 23 يوليو في العمليات. نفس الشيء بالنسبة لأنور السادات الذي كن في السينما مع زوجته في تلك الليلة لأنه عاد من رفح متأخرا وبعد أن تقررت ساعة الصفر، غير أنه علم بالأمر بعد عودته إلى منزله من السينما من ورقة كان جمال قد تركها في منزله فأسرع للقاء زملائه بعد استسلام رئاسة الجيش ليوسف صديق.

نفس الوضع ينطبق على جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر اللذين لم يكونا من قادة القوات المتحركة وتركزت مهمتها في متابعة عملية الانقلاب والإشراف عليها عن بعد لذلك فإن عضوية مجلس قيادة الثورة لم تكن مكافأة لمن قاموا بالتنفيذ المباشر لعملية الانقلاب.

وإنما كان المجلس أساسا لأولئك الذين خططوا لعمل انقلاب في الجيش وقاموا بدور أساسي في تجميع الضباط وإشعال الحماس في نفوسهم على مدى سنوات مع الاحتفاظ بسرية الخطة مما تطلب درجة عالية من الشجاعة واستعدادا لمواجهة الاعتقال أو الموت. وكان جمال عبد الناصر هو الذي تحمل مسئولية إنشاء هذا التشكيل.

وأما كمال الدين حسين وخالد محيي الدين فقد كانا ضمن قادة القوات المتحركة ولذلك شاركا بشكل مباشر في عملية الانقلاب.

تبقى كلمة في هذا الخصوص وهي أن الجزء الأكبر من الضباط الأحرار الذين شاركوا مشاركة فعالة في تنفيذ عملية الانقلاب ظلوا مجهولين للشعب لا يعرفهم أحد ولا يسمع أو يقرأ عنهم أحد ولذلك لم يدخلوا التاريخ كما دخله الاثني عشر ضابطا أعضاء مجلس قيادة الثورة المعروفين.

على سبيل المثال فإن البكباشي يوسف صديق الذي كان له دور رئيسي في نجاح الانقلاب لم يسمع عنه أحد من المواطنين وإذا سألنا عن عدد الذين يعرفونه من أبناء مصر، وهو البطل الذي انتصر على لواءات فاروق الذين رفعوا له المنديل الأبيض مستسلمين.

نجد الجواب أن عدد من سمعوا عنه قليل جدا لا يذكر رغم أنه هو قائد الوحيدة التي كانت تتحرك في شوارع القاهرة ليلة الانقلاب وتوجهت في جرأة نحو مبنى رئاسة الجيش للاستيلاء عليه، ولذلك صفق له جمال عبد الناصر ورفاقه في تلك الليلة وهم مجتمعون في مقر القيادة بعد الاستيلاء عليه ووقفوا له عند دخوله إلى غرفة الاجتماع احتراما وتقديرا.

بطبيعة الحال كافأت الثورة معظم الذين شاركوا في عملية الانقلاب من قريب ومن بعيد بتعيينهم سفراء ومحافظين ووزراء وقيادات في التنظيمات السياسية الشمولية الثلاثة التي أقامتها الثورة فيما بعد إلى غير ذلك من المناصب الرفيعة.

إلا أن اقتصار المكافأة على التعيين في هذه المناصب بدون الإشادة بدورهم البارز حرمهم من دخول التاريخ وحجب أسمائهم عن سجلات الشرف.

وكنا نود ألا تقتصر مكافأة أبطال الانقلاب على المناصب والعائد المادي لأن هذا الأسلوب فتح الباب فيما بعد على مصراعيه أمام بعض الانتهازيين من الضباط الذين تصوروا أن المسألة متاجرة باسم الثورة فأتوا من الأعمال ما أساء لسمعة الضباط الأحرار ومجلس قيادة الثورة ذاته أثناء توليهم الحكم لسنوات طويلة.

إن هزيمة 1967 المسماة نكسة هي أقبح صورة للمتاجرة باسم الثورة والتهاون في بناء القوات المسلحة بالرجال والكفاءات العسكرية فجاءت النكسة وكأنها الواقعة.

كنا نرى بأعيننا كثيرين من المقربين من أعضاء مجلس قيادة الثورة والأصدقاء يعيثون في الأرض فسادا ويعيشون عيشة القياصرة بعيدين تماما عن الحياة الثورية وما تحتمه من التزام وصدق وتضحية وبذلك شاع الفساد والأخطاء الفاحشة في أرجاء مصر تهدم اقتصاد البلد وتستنزف مواردها. رغم أن ذلك كان يتم بعيدا عن الأنظار والنشر والنقد.

في اليوم التالي مباشرة لنجاح الانقلاب العسكري أي يوم 24 يوليو ذهب عدد من رجال الأحزاب والعمل السياسي إلى القصر الملكي يسجلون أسماءهم في سجل التشريفات تأكيدا لولائهم ظنا منهم أنه باق على العرش وأن حدود الانقلاب تتوقف عند حد التخلص من لواءات الملك لتطهير الجيش وتعيين محمد نجيب قائدا للقوات المسلحة دون أن يتوقعوا أن الانقلاب العسكري يمكن أن يمتد إلى تغييرات أخرى أكثر عمقا تعتبر ثورة بالفعل – بتغيير نظام الحكم والهيكل الاجتماعي للمواطنين.

وعندما قرر رجال الثورة أن يتنازل الملك فاروق عن العرش ويطرد من مصر تسابق نفس رجال الأحزاب والسياسيون إلى مبنى قيادة الضباط الأحرار بثكنات مصطفى باشا بالإسكندرية يهنئون رجال الثورة بهذا النجاح العظيم.

وهؤلاء مثلهم مثل الذين قال الحق تعالى عنهم (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء).

أثر هذا النفاق الواضح كالشمس في نفوس رجال الثورة بعمق شديد فجعلهم ينظرون إلى رجال الأحزاب على أنهم منافقون وظل هذا الشعور ملازما لهم ومسيطرا عليهم طوال فترة حكمهم.

وقد انعكس بشكل واضح على نظرتهم للعمل السياسي في مصر لمدة عشرين عاما أو تزيد؛ إذ ظل نظام الحكم خلال هذه المدة يقوم على فقدان الثقة في شيء اسمه حزب مما دعا لاستبدال الأحزاب بتنظيمات شمولية تقف بجانب الثورة في طاعة عمياء لخدمتها.

وكان حريا برجال الثورة أن يراجعوا أسماء أولئك المنافقين الذين تسرعوا بتهنئة فاروق ثم بعدها مباشرة سارعوا بتهنئة رجال الثورة بعد طرد فاروق ليعلموا أن هؤلاء المنافقين ليسوا هم كل رجالات مصر وأن البلد فيها رجال شرفاء يمكن الاعتماد عليهم في كافة نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن هنا وقع رجال الثورة في خطأ كبير نتيجة اعتقادهم أن معدن هؤلاء المنافقين هو معدن كل رجالات مصر.

ولذلك رسخ في وجدان أعضاء مجلس قيادة الثورة تصور غريب أضر بمصر وبالثورة ذاتها تبلور في ذلك الشعار الذي رفعوه وهو أن أهل الثقة هم الأخيار الذين يمكن الاعتماد عليهم بدلا من أهل الخبرة ومع التمادي في تطبيق هذا الشعار أصبح هناك حاجز بين أهل الثقة وأهل الخبرة.

كما أصبح هناك اعتقاد بأنه ليس من السهل جمع الصفتين في إنسان واحد مما جعل رجال الثورة يسرفون في الاعتماد على زملائهم من ضباط القوات المسلحة وكذلك على كل من يتغنى بالثورة من المدنيين ويتحدث بلغتها ويضخم إنجازاتها ويتوعد كل من يتجرأ بقول أو رأي لا يتطابق مع قرارات رجال الثورة.

وأدى هذا الوضع للمزيد من الوثوق في أهل الثقة وإطلاق يدهم في شئون البلد بلا رقيب أو حسيب وكانت النتيجة الفشل الذريع في إدارة شئون البلد وفي حسابات مستقبل الوطن. والله تعالى يقول (إن الظن لا يغني من الحق شيئا).

هيئة التحرير

شهدت السنوات الأولى لثورة 23 يوليو 1952 إجراءات ثورية أصابت قطاعا كبيرا من ملاك الأرض الزراعية نتيجة قانون الإصلاح الزراعي، كما أصابت ملاك العقارات السكنية السكنية بصدور قوانين متتالية بتخفيض الإيجار.

كذلك تغيرت أساليب التعامل مع أجهزة الحكومة بتراجع المحسوبية ونفوذ مراكز القوى السابقة ومحاباة رجال الأعمال بتسهيل طلباتهم بالرغم من تعارضها مع الصالح العام.

ولذلك أحس كثيرون من المنتمين لهذه المعاقل من إقطاعيين وملاك ووسطاء وأصحاب رءوس أموال مستغلة، أحس هؤلاء جميعا بعدم الاطمئنان لأهداف الثورة التي تحرص على نشر العدل والمساواة بين الجميع مما يلغي وضعهم المميز ويفوت عليهم فرص الكسب الغير مشروع فاندفعوا يطلقون الشائعات التي تسيء للثورة آملين أن تقوم حركة مضادة لها فيغذونها بالمال والدسائس حتى تستفحل وتقضي على الثورة.

ومن هنا وجد رجال الثورة أنهم في حاجة لتأسيس تنظيم جماهيري يساند الثورة ويحمي قراراتها ويشرح أبعادها الاجتماعية للشعب وفي نفس الوقت يوفر لها عيونا وآذانا في المدن والقرى وبين تجمعات المواطنين ترى وتسمع ما يدور في البلد وتقيس ردود الفعل لكل قرار وإجراء.

كما يكون من وظائف هذا التنظيم القيام بدور صمام الأمان لمواجهة أي محاولة مضادة تأتي من أولئك الذين أصابتهم تلك القرارات والإجراءات الثورية أومن أي تحرك آخر يهدد مسيرة الثورة أيا كان مصدره، في نفس الوقت رؤي أن التنظيم المطلوب يساعد على بث الفكر الثوري بين جميع المواطنين وخاصة الشباب كما يتيح فرصة تقديم أفكار جديدة ومقترحات مفيدة تساعد على تحقيق الأهداف التي تتحدث عنها الثورة.

بناء على هذا التقييم وضعت ضوابط للتنظيم المطلوب بشكل يضمن الاستقرار للثورة وعدم تعرضها لحركة مضادة، وكان من أهم هذه الضوابط استبعاد الحزبيين السابقين وذوي العقائد اليمينية واليسارية من الانضمام لهذا التنظيم حتى يتحقق المناخ لتقريب المواطنين من الفكر الثوري الجديد كمرحلة انتقالية يتم بعدها إعادة تشكيل الهيكل الاجتماعي للمواطنين والقضاء على الفوارق الشاسعة بين الأغنياء والفقراء وتصفية طبقة الواحد في المائة التي كانت تستأثر لنفسها بكل خيرات البلد ولا تترك للتسعة وتسعين شيئا.

كان الجزء الأكبر من أفراد طبقة الواحد في المائة من ذوي الجذور والانتماءات للعائلة المالكة وأجدادها السابقين الذين جاءوا من منابع تركية وكانوا يعيشون حياة خاصة بهم منعزلة تماما عن المجتمع المصري.

لهم أنماط حياتية تختلف عن أنماط أهل البلد في المأكل والمشرب والملبس والمسكن بل وفي لغة التخاطب التي كانت مزيجا من اللغة الفرنسية أو الإنجليزية مع العربية مما كان يضحك كل من يسمعهم يتكلمون بها.

لم تكن هذه الطبقة تشكل خطرا يذكر على الثورة أو ينتظر قيامها بحركة مضادة لأنها طبقة هشة، ولأن أفرادها كانوا يتقنون فن المهادنة والخداع ولذلك نجحوا في جذب الكثيرين من الضباط وأقاربهم إلى قصورهم وبيوتهم وإشراكهم في أعمالهم للاحتماء بهم ولاقى هذا السعي من جانب هذه الطبقة تقبلا من كثير من الضباط.

أما عن موضوعات حرية المواطن و حرية الإنسان وإقامة حياة ديمقراطية نيابية سليمة فتلك الأمور كانت في رأي الثورة كماليات لا تستحق الاهتمام في المراحل الأولى للثورة ولا بأس من تركها للزمن رغم أن مبادئ الثورة الأساسية هي الستة التي أوردتها في وثائقها وهي:

  1. القضاء على الاستعمار وأعوانه.
  2. القضاء على الإقطاع.
  3. القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم.
  4. إقامة عدالة اجتماعية.
  5. إقامة جيش وطني قوي.
  6. إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

وهكذا جاءت الحياة الديمقراطية السليمة في آخر قائمة الأهداف الستة. واليوم نقول بعد مرور سبعة وأربعين عاما على الثورة أن نصف هذه المبادئ الستة قد تحقق وهو البنود 1، 2، 5 أما البنود الباقية فلم يتحقق منها إلا القليل.

في ذلك الوقت كانت القوى الوطنية الموجودة على ساحة العمل الجماهيري والسياسي تتركز في الإخوان المسلمين والشيوعيين والاشتراكيين وبقايا حزب الوفد وبقايا الحزب الوطني (حزب مصطفى كامل الذي طوته صفحات التاريخ).

وما عدا ذلك لم يكن له حساب يذكر. ولذلك كان حل الأحزاب لتعيد تنظيم نفسها أمرا سهلا وإجراء لا يشكل متاعب فصدر القرار بحل الأحزاب دون اعتراض يذكر.

غير أنه بدلا من أن يعاد تشكيل الأحزاب بعد تطهيرها من المفاهيم الرجعية لتمارس العمل السياسي بشكل وطني سليم لم يسمح لها بالعودة لساحة العمل السياسي اكتفاء بإقامة تنظيم جماهيري اسمه هيئة التحرير، ولعل تلك الصورة المنفرة التي أخذها رجال الثورة يوم 24 يوليو عن الأحزاب .

عندما ذهب كبير من القيادات الحزبية وقتئذ إلى القصر الملكي يهنئون فاروق ظنا منهم أنه باق على العرش وأن ما حدث يوم 23 يوليو كان مجرد انقلاب داخل الجيش لن يمس الأوضاع في البلد أكثر من ذلك ثم بمجرد أن صدر القرار بطرد فاروق من مصر هرولوا إلى ثكنات مصطفى كامل لتهنئة الضباط الأحرار بالتخلص من فاروق.

هذه الصورة السوداء الناطقة بالنفاق ظلت تلازم ضباط مجلس قيادة الثورة طوال سنوات توليهم الحكم وتحول بينهم وبين الاقتناع بأن قيام أحزاب في البلد يساعد على الإصلاح ويحقق الحرية والعدل والمساواة وحياة أفضل للمواطنين وهي ذات الأهداف التي كانت تتألق في وجدان الضباط الأحرار.

إلا أن قيادة الثورة اعتقدت أنها قادرة على تحقيق هذه الأهداف بدون أحزاب سياسية رغم تعارض هذا الاعتقاد مع المبدأ السادس من مبادئ الثورة الستة الذي ينادي بإقامة حياة ديمقراطية سليمة.

ولو كان رجال الثورة نفذوا هذا المبدأ بعد تنفيذ المبدأ الأول مباشرة وهو "القضاء على الاستعمار وأعوانه" وأقبلوا على تنفيذه بهمة وإخلاص بعد أن وفقنا الله إلى التخلص من الإنجليز وتسلمنا معسكراتهم ورفعنا علم مصر عليها وعلى مبنى البحرية البريطانية في بور سعيد يوم 18 يونيه 1956 لكان لمصر اليوم شأن آخر ولأمكن تحقيق الكثير في المجالات الاجتماعية والسياسية بأقل قدر من التضحيات والخسائر التي كان أسوأها هزيمة 1967 التي أخرتنا سنوات عديدة.

كانت هيئة التحرير مكلفة ببحث المطالب والشكاوى والمقترحات. ومراقبة موظفي الحكومة للتأكد من تنفيذهم قرارات وقوانين الثورة بدون مماطلة أو تحريف. تم تشكيل هذا التنظيم من المواطنين المعتدلين الذين ليست لهم ميول سياسية محددة لكن يتوفر فيهم الإخلاص للوطن والترحيب بالثورة باعتبارها فرصة للتغيير وبالفعل بدأ تعيين أعضاء لجان التحرير في المحافظات والأقاليم بمعدل لجنة لكل قسم بالمحافظة.

فبور سعيد مثلا كان بها 3 أقسام:

قسم العرب والمناخ والإفرنج (هكذا كان اسم ذلك القسم لأن غالبية سكانه كانوا من الأجانب) فتشكلت بها ثلاث لجان يرأسها سكرتير عام للهيئة على مستوى المحافظة، وكانت قوة سكرتير عام هيئة التحرير بالمحافظة وقتئذ من مستوى قوة أمين الاتحاد الاشتراكي عندما قام هذا التنظيم فيما بعد.

كنا نرى صناديق الشكاوى معلقة على لجان هيئة التحرير ليضع المواطنون فيها الشكاوى والمطالب والمقترحات. وكانت هذه الشكاوى تلقى بالفعل اهتماما من لجان هيئة التحرير ومن المسئولين بالمحافظة ابتداء من المحافظ، ورؤساء المصالح ومديري العموم حتى أصغر موظف وبذلك أحس المواطنون أن صوتهم يصل إلى الجهات المسئولة الأمر الذي لم يعهدونه من قبل.

بالطبع كان الكثير من هذه الشكاوى بدون أساس كذلك كان الكثير من المطالب يتعذر تنفيذه. أما المقترحات فكان القليل منها هو الذي يستحق الدراسة.

في ذلك الوقت كان يوجد في أغلب المحافظات واحد من ضباط القوات المسلحة غالبا ما يكون من أبنائها يطلق عليه مندوب الثورة.

ولم يكن هذا المندوب بالتعيين بقرار وإنما جاءته هذه الصفة من قدرته على الاتصال بأجهزة مجلس قيادة الثورة يعرض عليها شئون محافظته ثم يخطر المحافظ والحكمدار ورؤساء المصالح في المحافظة بما يتم نتيجة لهذه الاتصالات.

أي كان أداء مندوب الثورة اجتهاديا وتلقائيا ينصب على التنسيق بينه وبين سكرتير عام هيئة التحرير بالمحافظة.

وقد رأينا في كثير من الحالات إنجازات جيدة تتم على يدي هذا المندوب وهو ما حدث بالفعل في بور سعيد على يدي الصديق المرحوم السيد الشرقاوي ابن بور سعيد الضابط بالقوات المسلحة الذي قدم العديد من الخدمات لأهالي بلده.

أدت هيئة التحرير عملا لا بأس به خلال عمرها القصير وكانت دعما للثورة في مناسبات كثيرة مثل الأعياد وزيارة رجال الثورة للمحافظات إذ كانت تقوم بترتيبات الاستقبال وعقد مؤتمر تلقى فيه الخطب الحماسية والإشادة بالثورة ورجالها.

كذلك كان لهيئة التحرير دور كبير في تعبئة الجماهير بعد حادث إطلاق الرصاص على جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية والذي أدى لحركة اعتقالات واسعة للإخوان المسلمين وانضم رجال الأزهر وأفراد هيئات الوعظ والإرشاد بالمحافظات لهيئة التحرير يشجبون هذه المحاولة الخسيسة.

وهو موقف مخلص خفف من وقع الإجراءات العنيفة التي اتخذتها الثورة ضد الإخوان المسلمين والتي كان من الممكن أن تثير تعاطف الناس معهم.

إلا أن موقف رجال الأزهر وهيئة التحرير معا أدى لتعاطف المواطنين مع جمال وتأييد الإجراءات العنيفة التي اتخذت ضد الإخوان، يستثنى من ذلك فئة الواحد في المائة وبعض الأحزاب المنحلة التي فقدت الأمل في عودة الحياة الحزبية وكذلك بعض الشيوعيين الذين كانوا يعتبرون فكر الثورة يقضي على فكرهم الماركسي.

لم يكن للجان هيئة التحرير لوائح نظام ولا لوائح مالية، وكذلك لم تمارس أي لجنة أسلوب الاختيار بالانتخاب بل كان كل شيء بالتعيين من القواعد للقمة. كذلك لم يكن للهيئة برنامج محدد تلتزم به وتسير عليه لتحقيق أهدافها.

في نفس الوقت لم يتوفر في عضوية اللجان كوادر لها دراية وخبرة كافية بالعمل السياسي وكل ما كان متوافرا في العضوية الإحساس بالوطنية والتجاوب مع الثورة وهذه وإن كانت صفات طيبة إلا أنها لا تكفي وحدها لتحقيق أهداف وغايات كبرى على مستوى الوطن.

فهذا الأحاسيس وحدها تعتبر ملائمة لإدارة جمعية أو نادي أو نقابة لكنها لا تكفي أبدا لإدارة عمل سياسي على مستوى الوطن.

كان يرأس هيئة التحرير ضابطان هما إبراهيم الطحاوي وعبد الله طعيمة وكان الاثنان لا يفارقان المقر الرئيسي للهيئة بالقاهرة.

وكانت زيارة أعضاء هيئة التحرير القادمين من الأقاليم لهما مقتضية للغاية حيث كانا يعطيان شئون القاهرة كل اهتمامهم ويعطون القليل من الاهتمام والوقت للجان الهيئة الموجودة خارج القاهرة.

وكأنما هيئة التحرير كانت قاهرية وليست لكل المحافظات. كذلك كان أسلوب التحام هذه القيادة بالجماهير يسير في اتجاه عكسي، أي كان المواطنون هم الذين يسعون للقاء قيادة الهيئة بدلا من أن تسعى هذه القيادة للقاء المواطنين في موطنهم شأنها في ذلك شأن الوزارات والمصالح الحكومية حيث حرك الاتصال بها من اتجاه واحد.

كل هذه الأمور وغيرها مما لا داعي لسرده أبعد هيئة التحرير عن الأداء السياسي السليم ولم يهيئ الفرصة لأعضائها للتكيف سياسيا مع الوضع الجديد للبلاد وإفراز فكر سياسي يجذب المتحمسين للعمل السياسي والإخوان والشيوعيين ويربي الكوادر الديمقراطية ويوجه الناس لأسلوب الحوار والاستماع للرأي الآخر والنزول على رأي الأغلبية.

ولذلك بقيت ساحة العمل السياسي خالية من الكوادر القادرة على الإنجاز مما تسبب في انقراض العمل السياسي بمعناه الأصيل.

وأصبح الوضع في مصر قريب الشبه بالأوضاع في دول الكتلة الشرقية حيث لا يبدي المواطنون رأيهم فيما يحدث في أوطانهم ولا يناقشون المسئولين في الحكم ولا يراقبون أوجه إنفاق المال العام والتشريع ولا يشاركون في رسم سياسة البلد بأي وجه؛ بل ولم يكن مسموحا للمطحونين منهم والمعذبين أن يعبروا عن معاناتهم وآلامهم بأي صورة.

كانت القرارات دائما فوقية لا يشارك الشعب فيها ثم تقوم أجهزة الدعاية بتقديمها للمواطنين في ثوب جميل وأسلوب براق وكأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.

واستمر الحال هكذا حتى وصل التضليل في الأيام الأولى من النكسة في يونيه سنة 1967 إلى إصدار بيانات عسكرية كاذبة تعلن عن سقوط طائرات العدو وتقدم الجيش المصري في حين كنا نرى عكس ذلك بأعيننا؛

فنرى الجنود العائدين من الجبهة بعد أن صدرت لهم الأوامر بالانسحاب يصلون إلى بور سعيد في حالة يرثى لها ويصفون ما حدث في الجبهة أوصافا تدمي القلب نتيجة تصرف القيادة العسكرية بشكل لا يمت للأداء العسكري بصلة.

ولولا انتماء الشعب المصري لوطنه وتمسكه بالأرض لما عاشت في قلوبنا روح الفداء، ولا سمعنا قصصا رائعة عن تضحيات المواطنين تحت الظروف الصعبة التي يظهر فيها معدن الشعب.

وبصرف النظر عما يسمونه النكسة التي هي في الحقيقة نكسة لقيادة الجيش وليست نكسة لأفراد القوات المسلحة فقد قدم أهالي بور سعيد المساعدات من مأكل وملبس ومأوى للجنود العائدين منهكين من الجبهة.

كذلك رفض الشعب تنحي الرئيس جمال عبد الناصر رغم إعلانه أنه هو المسئول عن الكارثة لأن الشعب رأى ببصيرته أن ذهاب رئيسهم تحت تلك الظروف هو انتصار للعدو، ولذلك تمسك الشعب بعبد الناصر الذي بدأ فورا حرب استنزاف منضبطة أفزعت العدو الذي ظن أن مصر أصبحت جثة هامدة.

قضية الانتماء للوطن والعدوان الثلاثي

ذكرت من قبل أن الكفاح المسلح بمنطقة القناة كان سببا رئيسيا في قرار انسحاب القوات البريطانية من مصر.

هذا الكفاح لم يأت من فراغ وإنما أتى من الإحساس بالانتماء للوطن. كذلك أشرت للنكسة وموقفنا بها، هذا الموقف جاء أيضا من ذات الإحساس بالانتماء للوطن.

وهكذا يمكن القول بأن الموقف الذي يتوفر فيه عنصر الانتماء يكون النصر حليفه. نفس هذا الإحساس كان يجري في دماء أهالي بور سعيد حينما واجهوا العدوان الثلاثي من بريطانيا العظمى وفرنسا وتابعتهما إسرائيل.

كانت بريطانيا حتى سنة 1956 عندما وقع العدوان تسمى بريطانيا العظمى التي لا تغرب عنها الشمس. لكن نتيجة لفشلها الذريع في هذه العملية العسكرية هبطت منزلتها إلى دولة من الدرجة الثانية كما بدأ رحيلها من عدة بلاد عربية أطلق عليها بلاد شرق السويس مثل دبي وسائر الإمارات المتصالحة.

إن موضوع الانتماء مهم جدا في كل حديث عن العمل الوطني الذي لم تنشأ الأحزاب إلا من أجله وليس من أجل الوصول للحكم أو إصدار جرائد للإيجار أو الحصول على موافقة للحج تباع في الأسواق.

ولأن موضوع الانتماء يتصل بالحديث عن الأحزاب فلا بأس من إلقاء بعض الضوء على العدوان الثلاثي الذي نجح أهالي بور سعيد في صده – أو على الأقل في تأخير تحقيقه لأغراضه – إلى أن يستيقظ الرأي العام العالمي فيتحرك وخاصة روسيا التي هددت بضرب المعتدين بالصواريخ وأيضا أمريكا التي أرسلت أسطولها السادس لسواحلنا لإجبار الإنجليز على الانسحاب.

كان العدوان الثلاثي قصة ذات أبعاد متضاربة. البعد الأول أن الغزاة بما لديهم من سلام جبار كانوا يتصورون أن عملية الاستيلاء على قناة السويس بعد تأميمها ومعها مدن القناة على امتداد 180 كيلو مترا نزهة بحرية.

والبعد الثاني أن أهالي بور سعيد بسلاحهم المتواضع وخبرتهم القتالية المحدودة والتدريب العسكري شبه المنعدم أبلوا في المعركة بلاء منقطع النظير كما أبلى المسلمون في غزوة بدر – ولعل الملائكة كانوا معنا أيضا في معركة بور سعيد ونحن لا نراها.

بكل صراحة يصعب القول إن معركة بور سعيد دارت بين جيوش المعتدين والجيش المصري يسانده شعب بور سعيد، بقدر ما دارت بين المعتدين وشعب بور سعيد سانده قوات من الجيش.

هذا القول لا يعني أني أقلل من شأن الجندي المصري ولكني أقلل من شأن قيادته في ذلك الوقت: لأنها ظلت تصور أن تهديدات المعتدين مجرد "تهويش" وأنها لن تتحول إلى عمل عسكري إلى أن هبط المظليون على مداخل بور سعيد وبور فؤاد سالمين.

أقول ذلك لأننا في بور سعيد عشنا ثلاثة أشهر قبل أن يبدأ الغزو نطالب بالاستعداد للمعركة ولو بالحد الأدنى من الاستحكامات: مثل زرع موانع صناعية من حديد مدبب وخلافه في المناطق التي نتوقع هبوط المظلين عليها ليمزقهم أو على الأقل ليعوق تقدمهم.

وكذلك بناء دشم قوية تتحمل ضربات الطائرات ويحتمي بها المدافعون بدلا من تركهم مكشوفين للعدو. وأهم من ذلك موضوع توزيع السلاح على الأهالي الذي كان يجب أن يتم في وقت مبكر يسمح بتدريبهم عليه وليس لحظة ظهور المظليين في سماءبور سعيد.

ومثل تخزين المواد الغذائية والأدوية التي تغطي الاحتياجات ولو لمدة شهر. هذه أمثلة ما كان يجب على قيادة الجيش آنذاك أن تتنبه إليه.

ولذلك حينما حضر المرحوم كمال الدين حسين قبل الغزو ببضعة أيام لبور سعيد ومعه ضباط من الجيش للوقوف على الحالة بالبلد قلت لهم هذا الكلام بكل وضوح وبالطبع فإن المتسببين ممن حضروا هذا اللقاء لم يعجبهم كلامي وقالوا لي لقد أحرجتنا وأحرجت الرجل.

كذلك كان من الأخطاء التي ارتكبها القائمون على تدريب المتطوعين للمقاومة الشعبية هو تدريب المتطوع على إطلاق خمس طلقات بالعدد بأن ينبطح المتطوع على بطنه ويطلق الخمس رصاصات على لوحة من الحديد وبعدها يقيد اسمه في كشف طويل يشتمل على أسماء المتطوعين الذين أتموا التدريب وأصبحوا صالحين للقتال؛

ويكفي القول إن المشرف على التدريب كان ضابطا احتياطيا يعمل مدرسا في مدرسة ثانوية إذ كان ملتحقا من قبل بفرق الضباط الاحتياطي أثناء دراسته بالجامعة.

كيف بالله يسمح بقذف هؤلاء المتطوعين إلى معركة مع "الشياطين الحمر" الإنجليز أقوى وأشد كوماندوز في العالم!!

لذلك كنا نلجأ لقراءة كتب ظهرت في السوق عن حرب المدن وأعمال المقاومة والدفاع المدني حتى نلم بشيء مفيد، ورغم هذه النواقص كنا مصرين على القتال وتحقيق النصر بإرادة وانتماء وإيمان بالله، كان لي صديق يعمل بسفارتنا بواشنطن وسألته لماذا لم تبلغوا المسئولين عندنا بما كان ينشر عندكم ويبث في التليفزيون عن ترتيبات واستعدادات الغزو بشكل واضح؟ فقال كنا نبعث بكل هذه المعلومات مؤكدين أن الإنجليز والفرنسيين سيهاجمون.

تم تقسيم عملية المقاومة الشعبية بالمدينة إلى مناطق ثلاث، منطقة حي الإفرنج المتاخم للميناء ويعيش فيه الأجانب.

ومنطقة حي الغرب وسط البلد، ومنطقة حي "المنخ" الذي يقع غرب البلد. وأرجو القارئ ألا يظن أن هناك خطأ في كتابة لفظ "المنخ" وأن الصحيح هو المناخ (بالألف) لأن المنخ هو ذلك المكان الذي كانت تنخ فيه الجمال أيام ديلسبس وسعيد باشا محملة بقرب الماء قادمة من دمياط لأن بور سعيد لم يكن بها ماء للشرب، ثم تطور اللفظ وأضيفت له الألف فأصبح المناخ وبقي النطق متقاربا.

توليت مسئولية المنطقة المتاخمة للميناء والساحل الممتد كيلو مترا من تمثال ديلسبس غربا. وكنا نراقب احتمال قدوم ضفادع بشرية من البحر أو أي تسلل آخر، وعندما نذهب إلى الساحل كنا نختبئ تحت الكبائن الخشبية التي إذا أصابتها قذيفة واحدة تصدعت أو اشتعلت فيها النار وذلك لعدم وجود ساتر ...

وكان عدد من رجال الشرطة يشاركون معنا في هذه المهمة وأصبحوا جميعا من الشهداء ... عبثا حاولنا مع هؤلاء الرجال البواسل من الشرطة الارتداد معنا للخلف للاحتماء بالمنازل لأن مواجهة المصفحة بالبنادق انتحار، لكنهم كانوا يرفضون. غير أن رسالتهم للمهاجمين كانت بعيدة المدى وهي أن الجميع سيقاتلون حتى النهاية.

عندما وصلنا للمساكن وتقدم الإنجليز في أثرنا اعتلوا المنازل المرتفعة وخاصة الكاتدرائية الكاثولوكية بشارع كتشنر (23 يوليو حاليا) ومن برجها كشفوا المنازل والشوارع وأخذوا يدمرون أي شيء يتحرك على الأرض برصاص في دقة متناهية وللأسف لم يكن في أيدينا مدفع بازوكا واحد نتعامل به معهم ومع مصفحاتهم.

غير أننا علمنا فيما بعد أن بطارية صواريخ مصرية كانت مرابطة بمنطقة المناخ أصابت عددا من بعابع الإنجليز (سفن الإنزال).

الشيء الذي لا يمكن أن أنساه تلك المقاومة الباسلة لجنودنا الموجودين داخل طابيتين من الخرسانة على رصيف ديلسبس. كانت المشاعر تهتز ونحن نرى الطائرات تنقض عليهم في موجات متلاحقة ومدافع الطابيتين ترد فتفرق الطائرات.

ويستمر الحال هكذا عدة ساعات إلى أن سكتت مدافع الطابيتين فجأة ربما لنفاذ الذخيرة أو استشهاد من فيها وظلت الطابيتان سليمتان.

وهكذا فلن أنسى ما حييت هذا المشهد الفريد الذي يشعر الإنسان بالاعتزاز بأبناء بلده حينما يواجهون عدوا من الخارج، والأمل أن يصبحوا بنفس الصلابة عندما يواجهون عدوا من الداخل أيضا ...

مشهد آخر رأته العين عند الساحل الممتد من ديلسبس إلى الغروب هو تلك المعركة التي دارت بين بطارية مضادة للطائرات متحركة على عجل يسحبها الجنود على الأرض مكشوفة وبين طائرات العدو صباح الخميس 5 نوفمبر.

رأينا الطائرات تنقض على الجنود وتضربهم برصاصها المنهمر فيثير الرمال لكنه لا يثير الذعر بين الجنود الذين يواصلون إطلاق مدفعهم في مقاومة عنيفة ...

الطائرات تنقض ثم ترتفع ثم تدور لتنقض من جديد والجنود يجرون مدفعهم على الأرض المكشوفة من مكان لمكان لتغير زاوية انقضاض الطائرة دون أن يفكر واحد منهم في الهرب من هذا الجحيم. لقد كان الاختيار وقتها بين الموت بشرف أو النجاة بمذلة.

الحق يقال أن اختيار الموت والشهادة كان رائد كل ما شارك في المعركة من شرطة وجيش وأهالي. بعد ذلك انتقل الشياطين الحمر من منطقة الساحل إلى داخل المدينة حيث واجهوا مقاومة أشد وأصلب استمر طوال نهار الثلاثاء 6 نوفمبر اشترك فيها الشباب والرجال وكل من يستطيع وضع يده على الزناد.

غير أن من أسوأ ما حدث في تلك المعركة كان عملية توزيع السلاح على المواطنين التي أجلت حتى لحظة هبوط المظليين بمنطقة الجميل والرسوة وبور فؤاد لحصار المدينة (غربا وجنوبا وشرقا) وبذلك يتم لهم عزل بور سعيد عن سائر البلاد.

كنا نسمع الوعود يوما بعد يوم بأن السلاح قادم ومع ذلك لم يصل ويوزع إلا لحظة هبوط المظليين كما ذكرت، أن منظر هبوط المظليين من كل مكان حولنا في حد ذاته أمر مربك. فما بالنا بتوزيع السلاح.

جاء السلاح إلى محطة السكة الحديد في عربتي سكة حديد. قفز المواطنون إلى العربتين يفتحون الصناديق ويقذفون بالسلاح لآلاف المواطنين المحتشدين أمام العربتين.

وبعد انتهاء العملية وجدنا السلاح لا زال بشحمه، كذلك وجد أكثرنا أن الذخيرة التي تسلمها يختلف عيارها عن عيار السلاح الذي في يده، فأخذنا نتبادل الذخيرة لتلائم ما بأيدينا من سلاح ... كل ذلك استغرق وقتا ثمينا نحن في أمس الحاجة إليه.

ثم بدأت المعركة الحقيقية فجر اليوم التالي واستمرت حتى الليل. ودار قتال شديد في الجبانة (المقابر) لدرجة أن الجثث ملأت الممرات بين المقابر وبعضها. وكنا نحمل الجثة من أمام المقبرة وندفنها فيها بصرف النظر عما إذا كان المدفن يخص صاحب الجثة أم لا.

أما الجثث التي كانت ملقاة في المدينة على الأرصفة وفي الشوارع فكنا نحملها على عربات اليد ونذهب بها للمقابر بلا كفن. ولولا تعاون الأهالي فيما بينهم في هذا الأمر لتعفنت الجثث ولحق المدينة ضرر بليغ.

خيم منظر الموت على شوارع بور سعيد وخاصة المنطقة المتاخمة للساحل حيث كنا نرى آثار الموت في كل مكان.

ومن أكبر مشاهداتنا التي اعتصر لها القلب منظر ذلك الشيخ ينحني على جثة ابنه عادل زكي مندور بأحد الشوارع الجانبية القريبة من الساحل بحي الإفرنج، لا يبكي ولا يولول وإنما يقول لابنه الشهيد "لك الجنة، لقد قدمت لبلدك وربك ما هو مطلوب منك".

وفعلا أحسسنا ببطولة عادل عندما تنبهنا لعدم وجود جثث أخرى بالمكان – أي أنه كان بمفرده يواجه الضرب المكثف الذي ظهرت آثاره على حوائط المنازل وبواكيها مما يقطع بأنه كان يواجه عددا من أفراد العدو وليس فردا أو اثنين.

إن ابتسامة الرضا على وجه عادل كانت تدل على ذلك، والله وحده هو الذي يعلم عدد الذين أصابهم هذا الشهيد بصموده الشامخ.

وبعد انسحاب الإنجليز يوم 23 ديسمبر سنة 1956 يوم النصر، انطلق المواطنون وفي يقينهم أن سبب العدوان كان تأميم قناة السويس التي أنشأها فريدناند ديلسبس منذ حوالي تسعين عاما وأقيم له تمثال على مدخل القناة تخليدا لذكراه، انطلقوا نحو التمثال لإزاحته من فوق القاعدة التي يقف عليها ليمحوا بذلك ذكراه ويسجلوا انتصاراتهم على المعتدين. وحول هذا التصرف يدور أكثر من رأي فهنالك من يؤيده. وهناك من يعترض عليه.

أقصد مما تقدم التأكيد على انتماء المواطنين لبلدهم والأرض التي يعيشون عليها يحثهم على تقديم كل ما يملكون لوطنهم حتى أغلى شيء عندهم وهو الحياة.

أي أن حب الإنسان لبلده وانتماءه إليها يبدأ أول الأمر بإحساس إيجابي يترسخ مع الزمن في القلب ثم يتحول إلى عمل مخلص وأداء بناء، تماما كما طلب القرآن الكريم من المؤمنين أن يترجموا إيمانهم إلى عمل صالح نافع لصاحبه وللناس.

أما من يستسلم لإيمان ضعيف وتدين سالب ولا يحول ما في قلبه إلى عمل صالح لا يكون مؤمنا بمعنى الكلمة. والله تعالى بين لنا ذلك في كتابه الحكيم بالربط المباشر بين كلمة الإيمان وكلمة العمل الصالح، وهو ما حث عليه القرآن الكريم في خمس وستين آية كريم منها الآيات التالية:

البقرة: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون". (82).

آل عمران: "وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين". (57).

النساء: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا" (57).

المائدة: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم". (9).

الأعراف: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها" (42).

يونس: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم" (9).

الرعد: "الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب" (29).

الكهف: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" (30).

ص: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" (28).

غافر: "وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون". (58ت).

ويستمر الربط بين الإيمان والعمل الصالح واستكمال الأول بالثاني في 65 آية جامعة. (انظر ملاحق الكتاب).

الاتحاد القومي

صفيت هيئة التحرير فجأة ومحلها الاتحاد القومي برئاسة المرحوم كمال الدين حسين، ولأول مرة منذ قيام الثورة نرى شيئا يتم بالانتخاب.

ولعل الهدف من تشكيل هذا التنظيم بالانتخاب من القاعدة للقمة كان محاولة لمعرفة قوة مؤيدي الثورة في ذلك الوقت الذي لم يكن هناك شك في أن غالبية الشعب كانت مع الثورة.

وكان الأجدر أن ننتقل إلى النظام الديمقراطي بعد أن ترسخت مبادئ الثورة الستة في نفوس المواطنين. كان أعلى مستوى في الاتحاد القومي داخل المحافظة وهو لجنة المحافظة يتشكل من سبعة أعضاء جاءوا بالانتخاب وهؤلاء يختارون من بينهم الرئيس والوكيل وأمين الصندوق، تقدم اثنان في بور سعيد للترشيح لرئاسة لجنة المحافظة المنتخبة أحدهما رجل أعمال له دور كبير في النهوض برياضة كرة القدم وظل يرأس النادي المصري لعدة سنوات مما أكسبه شعبية واسعة.

والثاني محام ناجح، كان أصلا من الإخوان المسلمين وله احترامه ومكانته في البلد، فانتخبنا راعي كرة القدم رئيسا للجنة وانتخبنا المحامي وكيلا لها وتم ذلك بعد خلافات بسيطة. إلا أن اختيار أمين الصندوق تم بالإجماع وبذلك أصبحت أمين على مستوى المحافظة وهكذا يمكن القول إننا اخترنا الرجل المناسب في المكان المناسب.

ولأول مرة منذ قيام الثورة شعر الكثيرون من المواطنين بأن هذه الانتخابات بداية طيبة تتيح حق التعبير عن الرأي والتعامل مع النظام الحاكم بحرية تحقق مصالح المواطنين لأن العلاقة أصبحت مباشرة بين من يمثلون الجماهير بالانتخاب النزيه ومن يحكمون البلد.

في نفس الوقت رأينا أيضا شيئا جديدا لم نكن نتوقعه من قبل وهو تعيين محافظ البلد من بين أعضاء لجنة محافظة الاتحاد القومي – أي من بين الرجال الذين جاءوا لهذا الموقع بالانتخاب أي بإرادة الشعب (على الأقل كان هذا هو الحال في بور سعيد) إذ تم تعيين أحد أعضاء لجنة المحافظة وكان أصلا ضابطا بالقوات المسلحة وصديقا للمرحوم كمال الدين حسين محافظا لبور سعيد، ولقد أسعدنا هذا التعيين لأن هذه الصداقة ستفتح الباب أمامنا للاتصال المباشر برئيس الاتحاد القومي، ومن جهة أخرى أعطتنا المزيد من الأمل في بداية حياة ديمقراطية.

وبالفعل بعد انتخابنا لهذا الزميل لعضوية لجنة المحافظة أعد لنا مقابلة مع المرحوم كمال الدين حسين بالقاهرة عرضنا خلالها بعض الأمور الخاصة بمدينة بور سعيد ومن بينها طلب يتعلق بمشكلة كروية تشغل بال جمهور كرة القدم البورسعيدي المعروف عنه تعلقه الشديد بتلك الرياضة وحماسه الزائد لها.

وقد تم بالفعل الوصول لحلول للمشاكل والموضوعات المعروضة على رئيس الاتحاد القومي؛ ويومها عدنا لبور سعيد يملؤنا الأمل في أن مشاكل البلد بصفة عامة يتيسر حلها بما يحقق المصلحة العامة في ظل الاتحاد القومي وذلك بعرضها وبحثها مع قيادته.

ذكرت أن تنظيم الاتحاد القومي اختلف عن تنظيم هيئة التحرير من حيث إنه تشكل بالانتخاب في حين أن هيئة التحرير كانت بالتعيين. تلك كانت حسنة تحسب لهذا التنظيم بالانتخاب في حين أن هيئة التحرير كانت بالتعيين.

تلك كانت حسنة تحسب لهذا التنظيم الشمولي الثاني للثورة بل ولعلها كانت الحسنة الوحيدة التي رأيناها في هذا التنظيم الذي اعتراه الضعف بعد قيامه بشهور قليلة وفشل في التجاوب مع الجماهير بنفس الروح السابقة التي سادت في ظل هيئة التحرير رغم أن أعضاء هذا التنظيم جاءوا بالانتخاب.

ربما كان مرجع ذلك هو تغيير المناخ العام في البلد الذي خفف من حماس المواطنين للعمل السياسي بصفة عامة وأيضا ربما كان السبب هو اختفاء الشيوعيين والإخوان من ساحة العمل الجماهيري وهم أبرع التنظيمات التحاما بالجماهير.

كذلك لا ننسى أن أسلوب مصلحة الاستعلامات في عمل الدعاية للثورة والإسراف في تعظيم إنجازاتها وادعائها أن الهدف من تأسيس الاتحاد القومي هو خدمة الجماهير والاهتمام بمطالب الشعب عن طريق لجانه المنتشرة في المحافظات قد جعل الناس توقع أن هذا التنظيم الجماهيري الذي انتخبوا قياداته سيكون معبرا عن مطالبهم ولذلك توقعوا منه الشيء الكثير.

إلا أن اجتماعات لجان الاتحاد القومي فشلت في الوصول للحلول المطلوبة لأن عمل هذا التنظيم كان يسير في اتجاه لا يرضي المواطنين وهو عدم الاهتمام بمطالبهم بقدر الاهتمام بتنفيذ التعليمات وما تطلبه منا قيادة التنظيم كما لو كنا مصلحة حكومية عليها التنفيذ فقط.

كذلك فشلت هذه الاجتماعات لأن الأعضاء من ذوي الانتماءات الحزبية السابقة وخاصة الوفديين والسعديين الذين نجحوا في انتخابات الاتحاد القومي كانوا يتعمدون إثارة مناقشات بيزنطية في هذه الاجتماعات ويدخلون في متاهات كلامية تبعد الحاضرين عن لب الموضوع وتحول بينهم وبين التوصل لقرار حاسم أو البت في أي موضوع يكون معروضا عليها.

وأخذ هذه الحال يتفاقم وتضاعف المهاترات حتى أصبح ميئوسا من التوصل لقرارات تحل مشاكل الجماهير وتعود بالنفع على البلد سواء من داخل الاجتماعات أو من قيادة التنظيم.

كان المواطنون في بور سعيد يتابعون ما يحدث بضيق شديد خاصة وأن الوفديين من سكانها وهم الأغلبية انتهزوا فرصة تعثر هذا التنظيم وهاجموه في مجالسهم ولقاءاتهم مع الأهالي بل وداخل اجتماعات لجان الاتحاد القومي ذاتها الأمر الذي خفف من شعبية هذا التنظيم بشكل واضح وجعل الكثيرين من المواطنين يتوقعون نهايته. وفي ظل هذا الشعور العام أصبحت مقاطعة الأهالي للاتحاد القومي تأخذ شكلا واضحا.

ولا أنسى ذلك العضو الذي كان يبعث لنا اشتراكه الشهري وهو قرشين صاغ بحوالة بريدية وكنت وقتها أمين صندوق لجنة المحافظة ولاحظت أن تكاليف تحصيل الحوالة أكثر من قيمة الاشتراك فحاولت مع هذا العضو أني ذهب المحصل إليه لتحصيل الاشتراك لكنه كان يعتذر بأسباب واهية.

والفكرة من وجهة نظر هذا المواطن أنه بسداد الاشتراك لن يصيبه مكروه لكنه يرفض المشاركة في نشاط الاتحاد القومي بأي صورة، وكأنه يقول لنا أنا عضو لكن لا شأن لكم بي ولا شأن لي بكم وذلك باتباعه هذا الأسلوب في سداد الاشتراك؟!

هكذا كان حال الكثيرين من المواطنين في بور سعيد لا شأن لهم بهذا التنظيم الذي لا تصل حركته إليهم لأنها حركة محدودة للغاية تسببت فيها قيادة التنظيم. وكنا نرى نفس الوضع في محافظات كثيرة مما جعل الاتحاد القومي يذبل ويتساقط على شجرة التجربة السياسية بسرعة رهيبة.

هذا السقوط لتنظيم سياسي أقامته السلطة بكل قوتها وجبروتها نستخلص منه الدروس التالية:

  1. فرض فكر سياسي معين غير مقنع للمواطنين لا يمكن أن يحقق نتائج طيبة.
  2. التنظيم السياسي المسرف في تقديم الوعود دون تنفيذ شيء ينفر الناس ويجعلهم يفقدون ثقتهم فيه.
  3. لا يمكن أبدا تقيم السلطة الحاكمة تنظيما سياسيا بالقهر وظيفته مساندتها فقط فمثل هذا التنظيم إذا ما نجح في مساندة السلطة فإن هذا النجاح إنما هو لفترة محدودة، وطالما أنه لا يستطيع تحقيق إرادة الأمة فإنه يتأكل من داخله أنه حينئذ يكون قد فشل في هدفه الأساسي فأصبح يدور حول نفسه.

وانتهز المنافقون هذه الفرصة فتسلقوا التنظيم ومن هنا كانت نهايته الحتمية.

كان هذا الوضع في بور سعيد يصل لعلم رجال الثورة خاصة وأن أبناء بور سعيد كانوا أول من طالبهم في مؤتمر عام أثناء إحدى زياراتهم للمدينة بتوفير المواد التموينية وخاصة الأرز الذي كان فيه نقص كبير بالنسبة لمعدلات الاستهلاك في المدينة مما جعلهم يرددون في هذا المؤتمر (الرز يا ريس) ومن وقتها وعيون رجال المخابرات على بور سعيد.

هذا الوضع المهزوز كان منتشرا في كثير من المحافظات لأن الاتحاد القومي كان غائبا بالفعل ولا وجود له أكثر من لافتاته على مقاره.

لذلك قررت الثورة حل الاتحاد القومي وتجربة تنظيم جديد يراعى فيه الانضباط التام والطاعة المطلقة واستبعاد الكوادر المناوئة وذوي الانتماءات الحزبية السابقة وكذلك الشيوعيين والإخوان لضمان توفير موافقة أعضائه على ما يعرض عليهم من أمور أو إبداء للرأي الآخر، مع إعطاء هذا التنظيم صلاحيات الأجهزة الحكومية القومية ليكون حكومة فوق الحكومة. وبالفعل كنا نرى سلطات هذا التنظيم لا تقل عن سلطات المحافظين وأعضاء مجلس الأمة.

الاتحاد الاشتراكي العربي

قام تنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي، التنظيم السياسي الثالث للثورة، ليحول الاتحاد القومي إلى اتحاد اشتراكي عربي، بأسس جديدة وتنظيم منضبط، وكوادر من مستوى فكري مرتفع عناصر مقتنعة بالأساليب الاشتراكية والوحدة العربية.

وكان هذا التنظيم "هو حصيلة التجربة الوطنية من الماضي الذي عشناه إلى المستقبل الذي نريده نفس الكلمات التي قالها الرئيس جمال عبد الناصر يوم 21 مايو 1962 عندما اجتمع بالقوى الشعبية، قدم فيه "الميثاق الوطني" قائلا بالنص الواحد: مشروع الميثاق طويل لأني أردت أن أضع فيه حصيلة التجربة الوطنية من الماضي اللي عشناه إلى المستقبل الذي نريده".

في هذا اليوم ظل الرئيس جمال يقدم الميثاق في أكثر من خمس ساعات واقفا على قدميه! وقد استهل كلامه بقوله "أيها المواطنون أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية، اليوم نبدأ مرحلة هامة وشاقة في كفاحنا من أجل تحقيق الأماني التي نتمناها، وأنتم بالذات نيابة عن القوى الشعبية أمامكم مسئولية كبيرة في هذه المناقشة الكبيرة التي تبدأ اليوم".

كان لدى الرئيس جمال وقتئذ إحساس قوي بضرورة تحويل مبادئ الثورة الستة إلى برنامج عمل وميثاق وطني تنضم تحت لوائه كل القوى الشعبية في مصر ولذلك شكلت في هذا المؤتمر التاريخي بعد الاستماع لكلمة الرئيس جمال لجنة سميت لجنة تقرير الميثاق مهمتها وضع تقرير عن مشروع الميثاق وتفرعت اللجنة إلى ست لجان فرعية هي: لجنة المسائل العامة، ولجنة الديمقراطية، لجنة الاشتراكية، لجنة الإنتاج، لجنة الوحدة العربية، لجنة السياسة الخارجية.

وعندما انتهت لجنة تقرير الميثاق من وضع تقريرها قدمته إلى المؤتمر الوطني بالمقدمة التالية

"إن شعبنا قد عقد العزم على أن يعيد صنع الحياة على أرضه بالحرية والحق، بالكفاية والعدل بالمحبة والسلام ... إن شعبنا يملك حق إيمانه بالله، وإيمانه بنفسه ما يمكنه من فرض إرادته على الحياة ليصوغها من جديد وفق أمانيه".

باختصار جعل الميثاق من الشعب مصدرا لكافة الحريات السياسية والاجتماعية إذ قرر نقل السلطة إلى المجالس المحلية التي وضعها فوق كافة الأجهزة التنفيذية والإدارية، كما أعطاها حق المتابعة والرقابة عليها ثم تناول الطوائف التي تتشكل منها الأمة وهي الطوائف الخمس التالية: الفلاحون، العمال، المثقفون، الجنود، الرأسمالية الوطنية الغير مستغلة.

وهكذا كان مولد الاتحاد الاشتراكي العربي بعد مؤتمر شعبي كبير وميثاق حافل بالأماني الوطنية والتطلعات نحو مستقبل أفضل يحقق هذه الأماني، كل ذلك تحت شعار رائع براق مضى يتخلص في ثلاث كلمات هي: الحرية – الاشتراكية – الوحدة.لقد كان ذلك سنة 1962م.

ولربما أرى – عن اجتهاد شخصي – أن تلك المبادئ البراقة التي تضمنها الميثاق لم توضع موضع التنفيذ، ويرجع ذلك إلى أن واضعي الميثاق لم يفكروا في وضع آليات تحقق حرية التعبير، حرية النقد والبناء، والتي توفر أيضا سبل المناقشة الحرة التي تبرز رأي الأغلبية بدون معوقات أو ضغوط أو مجاملات.

لقد كان الأمر عبارات عن مبادئ عظيمة سجلت في الميثاق لكنها لم تتجاوز في الحقيقة صفحاته، وظلت كمبادئ مسجلة على الورق دون أن توضع موضع التنفيذ.

لقد كان مرجع ذلك كله إلى افتقاد الديمقراطية الحقيقية بما تعنيه في جذورها من ضرورة التعددية الحزبية التي أهملت تماما، وبذلك توارت تلك المبادئ العظيمة خلف ستار النسيان.

ليس هناك أدنى شك في أهمية التعددية الحزبية التي تقوم على حرية تكوين الأحزاب. لأن هذه التعددية هي الأساس المتين الذي نبني فوقه صرح الديمقراطية، فضلا عن أن واضعي الميثاق لم ينتبهوا إلى أن النظام الشمولي أيضا كان شكله وأيا كانت قيادته فإنه أبعد ما يكون عن النظام الديمقراطي.

وأقل ما يقال عنه إنه فكر واحد ولغة واحدة وقيادة واحدة ومن السهل في ظل آلياته اللجوء إلى أساليب القهر والتخويف والتي كانت بالفعل رائد الاتحاد الاشتراكي.

بدأ إعلان قيام الميثاق بالجملة التالية "إن شعبنا قد عقد العزم على أن يعيد صنع الحياة على أرضه بالحرية والحق، بالكفاية والعدل بالمحبة والسلام" وانتهى بعد ذلك بالجملة التالية "نعلن ميثاقنا ونعاهد الله على أن نستمسك بكل ما جاء فيه من معاني الحق والخير والعدل في الحياة، وأن نبذل كل ما أودعنا الله من طاقة لنضع هذه المعاني جميعا موضع التنفيذ وعلى الله قصد السبيل".


وعندما نتأمل ما جاء في بداية الإعلان عن الميثاق؛ وهي أن شعبنا قد عقد العزم على أن يعيد صنع الحياة على أرضه بالحرية والحق نعجب كيف يحدث ما حدث في كمشيش وما ارتكبته لجن سميت لجنة تصفية الإقطاع بعد قيام الميثاق بمدة قصيرة.

تلك الأحداث التي تفجرت بسبب علاقة مريبة بين بعض أعضاء الاتحاد الاشتراكي في ذلك الوقت وبين بعض المواطنين أدت إلى الفوضى والضرب والسحل والإذلال والمصادرة.

كما أدت إلى قيام لجنة تصفية الإقطاع برئاسة المشير عبد الحكيم عامر لكي تؤدي عملا انتهى أمره بمجرد قيام الثورة واقتلاعها الإقطاع الذي كان قائما من جذوره.

فلماذا جاءت تلك اللجنة إذن؟ هل لتصفي شيئا تمت تصفيته من قبل؟ وأي إقطاع خفي ذلك الذي كلفت لجنة المشير بتصفيته؟

ولذلك أفرزت تلك اللجنة طغاة متجبرين ما أنزل الله بهم من سلطان أفسدوا في الأرض واعتدوا على الحرمات، وظلموا الناس، فانصرفوا تماما عن واجبهم المقدس الذي يتمثل في حماية الوطن من عدوان مفاجئ تقوم به إسرائيل ... وهو ما حدث بالفعل يوم 5 يونيه سنة 1967م، فزلزلت تحت أقدام كل المصريين ... ولربما كان في هذا الكفاية.

الميثاق يؤخر قيام الديمقراطية

لا شك أن الذين وضعوا الميثاق لم تسمح سنهم ولا ظروفهم بالإحساس بعظمة الحياة الديمقراطية كمن عايشها وأحس بآثارها وفوائدها التي تعود عليه مباشرة وعلى وطنه ككل، على عكس ساسة مصر القدامى الذين سمحت لهم الظروف بممارسة العمل السياسي والمشاركة بشكل فعال في الأحزاب التي كانت موجودة على الساحة ونعموا بحرية العمل السياسي من تأسيس للأحزاب إلى إصدار الصحف إلى حرية النقد وعقد المؤتمرات والمسيرات أي باختصار العيش في ظل نظام يأخذ بالأساليب الديمقراطية.

كان هذا حال الظروف والزمن الذي عاش فيه ساسة مصر السابقين للثورة مما لم يتوفر ما يماثله للإخوة الذين وضعوا الميثاق في أروقة الاتحاد الاشتراكي.

كذلك لم يتوفر لواضعي الميثاق زيارة مجتمع ديمقراطي على الطبيعة لدراسة الأوضاع في المجتمعات الديمقراطية وتطبيقاتها ولو لبضع سنوات للدراسة أو للتدريب على تخصص تنظيمي؛

الأمر الذي يمكن من المعايشة مع مجتمع يمارس الحرية ويقوم كل شيء فيه بالانتخاب ذلك لأن علاقات مصر الخارجية كانت كلها مع الاتحاد السوفيتي.

ولما لم تتوفر هذه الظروف لواضعي الميثاق ضاعت على مصر فرصة البحث عن أفضل نظام حكم يحقق الأهداف ويمكن تطبيقه.

أن من يتعمق في دراسة نظم الحكم المختلفة يجد أن النظام الديمقراطي ليس مجرد كلمة تطلق على أي شيء يسمى انتخابات.

وبالرغم من أن الانتخابات في النظام الديمقراطي نظيفة ونزيهة وبعيدة كل البعد عن تدخل الحكومة وأجهزتها المنتشرة في كل مكان إلا أنه من الضروري أن يسبق عملية الانتخاب تهيئة المناخ الديمقراطي للمواطنين.

مثل حرية الرأي وحرية الاجتماع وحرية إصدار الصحف وأمن المواطن حينما ينتقد الحكومة انتقادا بناء وقبل كل ذلك سيادة القانون، بهذه الضوابط تكون الانتخابات معبرة عن رأي الأمة ويكون نجاح المواطنين المخلصين الذين يعيشون مع الجماهير بقلبهم ونبضهم أمرا طبيعيا.

إن المعايشة الفعلية مع الديمقراطية ودراستها بعمق يمكن الباحثين عن ميثاق إصلاحي من الوصول لأفضل نظام يقضي على الفقر والمرض والجهل ويحقق الحرية للجميع.

أما الاعتماد الكلي على الكتب والقراءة والجدل النظري رغم ما فيها من فائدة لا ينكرها أحد: فهي أساليب نظرية ليست من صميم واقع الحياة.

وأقل ما يقال عن فضائل الديمقراطية هو الاستقرار الذي تتمتع به البلاد نتيجة لخلوها من مؤامرات قلب نظام الحكم وأعمال العنف الجماعي والإرهاب السياسي حيث الناس يعلمون أن الحوار بين الفرقاء المختلفين متيسر للجميع وأنه لا حظر على النقد وأن الصحافة ووسائل الإعلام تعبر عن جميع الاتجاهات بحرية كاملة وأبعد ما تكون عن سيطرة الحكومة.

ولذلك فأي مواطن يخرج عن القانون أو يسيء لمهامه ومسئولياته مهما كان منصبه ولو كان وزيرا رئيسيا للجمهورية فإنه يتعرض لقذائف من النقد تنطلق عليه دفاعا عن الشعب وحماية له من عبث الحكام حتى لو كان هذا الانحراف شخصيا.

لذلك أخطأ واضعو الميثاق حينما قالوا إن تحقيق الديمقراطية السياسية هو المرحلة التي ننتقل إليها بعد تحقيق الديمقراطية الاقتصادية ثم بعدها الديمقراطية الاجتماعية ليكون نتاجهما معا هو تحقيق الديمقراطية السياسية، أي أن ما أسموه على هواهم ديمقراطية اقتصادية وأخرى اجتماعية تأتيان أولا وبعدهما تأتي الديمقراطية السياسية.

مسميات غريبة وتجزئة للديمقراطية ما شاء الهوى وما أنزل الله من سلطان.

هذا الكلام الغريب ما سمعنا به من قبل لأن الديمقراطية كل لا يتجزأ ومن الخطأ التحدث عن أشياء اسمها ديمقراطية اقتصادية وأشياء أخرى تسمى ديمقراطية اجتماعية وأشياء ثالثة تسمى ديمقراطية سياسية لأن الديمقراطية كل لا يتجزأ وهي عبارة عن نظام شامل متكامل أساسه المشاركة الفعلية للشعب في صميم حياة الناس والوطن والأخذ بإرادة الشعب في نهاية كل أمر. ولكي يعززوا نواياهم في هذا الشأن أعلنوا وجوب تحرر الشعب من كل أشكال الاستغلال.

وثانيا وجوب أن يكون للمواطن نصيب عادل من الدخل ... وثالثا وجوب ألا يكون الفرد عرضة لما يهدد أمنه واستقراره وخاصة التهديد بالطرد من العمل الذي يتعيش منه. وبعد تحقيق هذه الضمانات الثلاثة نتوجه على حد قولهم إلى الديمقراطية السياسية.

أي أنه غير مسموح بقيام أحزاب سياسية وتملك للصحف، وغير مسموح بالاعتراض على قرار أو إجراء حكومي، وغير مسموح بإجراء انتخابات حرة ومباشرة وإتاحة الفرصة المتساوية والمتكافئة لكل مواطن لتشريح نفسه للانتخابات دون اشتراط صلاحيته من قبل التنظيم أي من الاتحاد الاشتراكي.

إن اشتراط تغطية هذه الضمانات الثلاثة بالحدود والأبعاد التي رسمها واضعو الميثاق معناه أن شعوب العالم الثالث التي تخلصت من الاستعمار الأجنبي بعد كفاح طويل وتضحيات ضخمة لا يجوز لها أن تدخل إلى مجال الديمقراطية إلا بعد المرور أولا بنظام شمولي فيه قليل من الحرية (أي حرية مقيدة) وقليل من الحوار (أي حوار داخل إطار معلق غير مسموح بالخروج عنه) وفيه أيضا انتخابات موجهة لا يدخلها إلا من أثبت جدارته بالانتماء إلى النظام.

تلك الأمور يمكن تشبيهها بعصفور داخل القفص، مهما توفر له الماء والغناء ... ومهما كان القفص فسيحا فإنه لا يشعر أبدا بعيشة راضية إلا حينما يتمكن من التحليق في عنان السماء الذي هو الهدف السامي للديمقراطية – التحليق في سماء الفكر والرأي.

وكذا رأى واضعو الميثاق أن الشعوب حديثة التحرر عليها أن تظل بدون تنظيمات جماهيرية، بدون صحف تنشر آراء المواطنين، بدون اجتماعات ومؤتمرات عامة وبدون أي حق في الاعتصام أو عمل مسيرة احتجاج سليمة أو إجراء انتخابات عامة مباشرة يشارك فيها ذوو العقائد السياسية المختلفة إلا بعد تحقيق ما سموه الضمانات الثلاثة وهي تحرير الشعب من كل أشكال الاستغلال وتحقيق دخل يكفي حاجات المواطن وحمايته من التهديد بالطرد من العمل الذي يتعيش منه!!

هذا اللعب بالألفاظ والاستخفاف بعقول الناس كان المنوم الذي جعل شعب مصر يستلقي بحسن نية في سبات عميق لسنوات طويلة مما أدى لتأجيل اتخاذ أول خطوة نحو قيام الديمقراطية حتى سن 1976م، وبذلك ضاع عمر مصر ربع قرن.

أرجو أن يكون واضحا أن إشارة واضعي الميثاق إلى الوضع الاقتصادي المتردي والوضع الاجتماعي المرفوض إشارة صحيحة في حد ذاتها لكنها فقدت معناها حينما استعملت لبتر الديمقراطية لغرض في نفس يعقوب.

لا شك أن هذه الرؤية مغرضة هدفها الانفراد بالحكم لانعدام الثقة في الأحزاب السابقة للثورة وأيضا بسبب التخوف من مجموعة الضباط الأحرار الذين كان من رأيهم تسليم الحكم للمدنيين والاكتفاء بما تم من تطهير للجيش وطرد فاروق، وتحويل مصر لنظام جمهوري وإلغاء الألقاب وكسر شوكة الإقطاع وحل الأحزاب لتعيد تشكيل نفسها طبقا للوضع الجديد.

إذ ربما تقوم هذه المجموعة من الضباط الأحرار بتشكيل أحزاب سياسية تواجه أفكار الثورة التي تقوم على حكم الفرد (الحكم المطلق) بأفكار أخرى أفضل منها وأقرب للديمقراطية.

ورث الحزب الوطني عن الاتحاد الاشتراكي أسلوب التواجد على ساحة العمل السياسي بقوة هائلة مصدرها وقوف جميع الأجهزة الحكومية رهن إشارة تصدر من قيادته سواء في الانتخابات أو في البث الإعلامي (مرئي ومسموع ومقروء) وفي تحمل الأعباء المالية لنشاط الحزب وغير ذلك الكثير مما أدى لإخلاء الساحة من أي منافس ومكن الحزب من اكتساح الانتخابات، كما مكنه من فرض السياسة التي تضعها الحكومة وتمرير القوانين بسرعة البرق ... وهكذا أصبح حال الديمقراطية في مصر لا يسر.

ورغم السماح بقيام أحزاب معارضة فإن هذه الأحزاب أصابها الكساح لأنه جاء سماحا مقيدا، ولذلك لم يحدث سوى تقدم محدود نحو الديمقراطية.

ذكرت أن الذين وضعوا الميثاق لم تسمح سنهم ولا ظروفهم بالإحساس بعظمة الحياة الديمقراطية على عكس الساسة القدامى الذين مارسوا العمل السياسي من خلال أحزابهم قبل الثورة.

وأرجو أن يكون واضحا أن هذه الإشارة للأحزاب السابقة لا تعني أنها كانت أحزبا ناجحة في حركتها ومؤثرة في الرأي العام أو أن أداءها غطى ما هو مطلوب منها.

على العكس من ذلك فأن تلك الأحزاب كانت عبارة عن زعامات تقود حركة الجماهير ضد الاحتلال وضد فاروق، وأنها لم تكن أحزابا بالمعنى الفني لكلمة "حزب" من حيث التشكيل والأداء والالتحام بالجماهير ونشر فكر محدد وبرنامج واضح إلا أنه رغم ذلك فقد نجحت في تعبئة الجماهير لمواجهة الإنجليز كما نجحت في كثير من الأحيان في وقف الملك عند حده.

وكان حزب الوفد دائما في مقدمة الأحزاب تلتف حوله الغالبية العظمى من المواطنين المهتمين بالتخلص من الإنجليز ومن فاروق، أما النخبة المختارة عند قمة هذا الحزب فكان قسم كبير منها من الإقطاعيين والأثرياء وأصحاب المصالح التي تتحقق عن طريق الحزب وخاصة عندما يتولى الحكم، وكثيرا ما كان الوفد يرشح شخصا ثريا لم يسبق له ممارسة العمل السياسي بل وليس أصلا عضوا بالحزب لمجرد أنه تبرع لخزينة الحزب بمبلغ له ممارسة العمل السياسي بل وليس أصلا عضوا بالحزب في الانتخابات ويدخل البرلمان يتضاعف ثراؤه أضعافا كثيرة.

هذه الظاهرة كانت واضحة جدا في مدينتنا بور سعيد في انتخابات 1950 وأسف لها جموع الشباب الحر وأصدرنا وقتها عددا من المنشورات تنازلت هذا الأمر ودعت المواطنين لانتخاب أصلح المرشحين بصرف النظر عن ثرائه وإغراء الناخبين وأوامر حزب الوفد.

أما بالنسبة لتلك المجموعة من الضباط الأحرار الذين رأوا تسليم الحكم للمدنين بعد أن حققت الثورة أهدافها الكبرى في سنواتها الأولى وكان اللواء/ محمد نجيب في مقدمة أصحاب هذا الرأي الذي تسبب في صدام شديد بينه وبين قادة الثورة فأطاحوا به واعتقلوه.

ويوجد بالمكتبات العديد من الكتب حول هذا الأمر. لكني أقدم هنا واقعة عشتها قبل اعتقال اللواء محمد نجيب حينما أسعدنى الحظ أن التقى به مع مجموعة من أبناء بور سعيد ورجال الأعمال ضمن سلسلة لقاءات بينه وبين مواطني المحافظات وهو رئيس للجمهورية ليتحقق الاتصال المباشر بينه وبين المواطنين، ويشرح لهم أهداف الثورة والدور المطلوب من التجار ورجال الأعمال والنقابات العمالية فيما يتعلق بضرورة تحسين العلاقات بين كل الأطراف، وخاصة بين أصحاب العمل والعمال.

وفض المنازعات وديا حتى لو احتاج الأمر لشيء من التضحية من جانب رجال الأعمال لكي يشعر العمال بالاستقرار في معيشتهم وأن العهد الجديد عهد العدل والاستقرار لكل المواطنين، عهد لا مكان فيه للتجار الجشعين ورجال الأعمال المفسدين، وملاك الأرض الذين كل همهم في الحياة هو جمع المال لملذات وقصورهم على حساب المجتمع، في الواقع كل من التقى بالرئيس محمد نجيب واستمع إليه أحبه من الأعماق، فالرجل بسيط وطبيعي ووجهه باسم، لا يتكلف العظمة أو العلم، ولا يتعالى على الناس، حديثه مقبول ومنطقة قوى ونواياه تحس (بالطيبة تشع منها).

ولقد أكسبته هذه اللقاءات شعبية كاسحة، وكنت وقتها انتهت من كتابي الاشتراكي الحقة وأعددته للنشر سنة 1953 فأضفت إليه كلمة عن الشعار الذي نادى به محمد نجيب وهو "الاتحاد والنظام والعمل" نصها في صفحتي 18، 19 من الكتاب كالآتي:

شروط الحرية ثلاثة

أولا:

أن تكون الحياة اليومية للمجتمع مثالا للنظام والدقة، لأن المواطنين ينسجون في حياتهم اليومية ملايين الخيوط من العلاقات والارتباطات في المصنع والمتجر وفي ديوان الحكومة وفي الدراسة والبيت وفي الجامع والكنيسة، وفي مكان الراحة واللهو بل وفي الطريق العام.

ولكي يخرج ذلك النسيج ممتازا يتحتم على المواطنين تنظيم علاقاتهم ببعض ومراعاة الدقة فيما يرتبطون به.

ثانيا:

أن يكون المصدر الطبيعي للقوة الاجتماعية اشتقاقيا لا ورائيا في أشخاص معلومين أو وقفا على طبقة بالذات. وبذلك تنبثق القوة الاجتماعية من الجهة المنتجة العاملة. ونتيجة لهذا الشرط فأن قوة المجتمع تزداد بزيادة الإنتاج.

ثالثا:

أن يكون الحافز على احترام القانون وطاعته هو اتحاد الرأي على شرعية مصدره وصلاحية محتوياته وليس الخوف من العقوبة التي ينزلها بمخالفيه.

أي أن شروط الحرية الثلاثة هي النظام في العلاقات، والعمل لزيادة القوة الإنتاجية، والاتحاد على احترام القانون.

وهي نفس الشروط التي ألهم الله بها رجال الثورة لتكون شعارا للعهد الجديد وقالها نيابة عنهم الرئيس محمد نجيب.

وهذه الشروط حينما تتوفر للمصريين وتطبق في حياتهم وأعمالهم تكون الديمقراطية قد تحقق منها الكثير. ويقيني أن عهدا يتولى المسئولية فيه رجل توفرت فيه كل صفات القيادة وهو الرئيس محمد نجيب] ليبشر بأحسن النتائج.

فالرئيس محمد نجيب هو الرجل القادر على تقديم مستقبل مزدهر لشعب مصر والحفاظ على التقدم المستمر والاستقرار الدائم.

أن صورة الرئيس محمد نجيب وهو يغرس شجرة في غابة كوم أورشيم وقد خلع سترته العسكرية وأخذ الفأس في يده ونشرتها جريدة الأهرام في 27 فبراير 1953 لأصدق دليل على إيمان هذا الرجل بمستقبل عظيم لمصر".

(كتاب الاشتراكية الحقة طبعة 15 مارس 1953).

وبعد اعتقال الرئيس محمد نجيب بأيام قليلة لم يبق بالمكتبات نسخة واحدة من هذا الكتاب ليس بسبب إقبال الموطنين عليه، فالكتاب حديث الصدور ولم يعلن عنه في الجزائر فضلا عن اسم مؤلفه غير معروف، وإنما اختفى الكتاب بسبب تلك الفقرات المحدودة التي ذكرتها عن الرئيس محمد نجيب تنفيذا لتعليمات سرية صدرت بأن يتم جمعه من السوق لإخفاء كلمة حق قيلت بصدق عن هذا الرجل ... وإلى هذا الحد كان فزعهم من الرئيس محمد نجيب الداعي للاستقرار والديمقراطية.

تغير الوضع الاجتماعي

لقد ردد الاتحاد الاشتراكي دائما أن الأحزاب والحكومات السابقة على قيام الثورة لم تحقق أي تغيير في الوضع الاجتماعي للشعب مما نتج عنه تواصل معاناة الشعب من الفقر والمرض والجهل في حين أن الثورة خطت خطوات كبيرة في هذا الاتجاه وأحدثت تغييرا في الوضع الاجتماعي للشعب.

هذا الكلام فيه مبالغة في وصف الحقبتين، حقبة سنوات ما قبل الثورة وحقبة سنوات ما بعدها. فالقول بأن الحقبة السابقة للثورة خلت تماما من أي تغيير في الوضع الاجتماعي للشعب قول مبالغ فيه لأنه يتجاهل ما حققته بعض حكومات تلك الحقبة – خاصة حكومة الوفد من إنجازات في مجالات الاهتمام بالريف بإقامة الوحدات الصحية، ومياه الشرب النقية والتعليم الإلزامي.

وفي مجال الاهتمام بالطبقة العاملة بإصدار قانون عقد العمل الفردي وقانون التأمينات الاجتماعية وقانون إعانة غلاء المعيشة وفي م جال العمل الوطني مقاومة الاحتلال الإنجليزي بإلغاء المعاهدة وتشجيع الكفاح المسلح في مدن القناة.

من الناحية الأخرى فإن ما قيل عن ضخامة إنجازات مرحلة الثورة في مجال تغيير الوضع الاجتماعي للشعب هو أيضا فيه مبالغة وذلك لسببين:

السبب الأول:

أن الكثير مما قيل عن تلك الإنجازات كان يصدر من طرف واحد هو أجهزة الثورة وإعلامها دون معقب يزن الحجم الحقيقي لهذه الإنجازات وأبعادها الصحيحة.

ولا ينكر إنسان عاقل أن غياب وسيلة التعليق على ما يقال – أي غياب حرية النقد – يستوجب التحفظ في تقبل ما يقال وما يعلن.

وحتى إذا كان الإنجاز ملموسا ومرئيا فلا يكفي التحمس له والقبول التام به إلا بعد أن يقول أهل العلم والخبرة رأيهم في القيمة الحقيقية لهذا الذي تم ننفيذه إذ لا يكفي أبدا حكم المستفيدين بشكل مباشر من هذه الإنجازات ولا الحكم بفائدتها في المدى القصير، لأن السياسات السليمة يشترط فيها أن تكون لكل الناس.

السبب الثاني:

في ضرورة التحفظ في وصف هذه الإنجازات بأكثر مما تستحق هو أن التنظيم الشمولي الأول للثورة (هيئة التحرير) والذي انتظم في صفوفه عدد كبير من المؤيدين للثورة لم يكن لهم أساس عقائدي يحدد التغيير المطلوب في الوضع الاجتماعي للشعب وما إذا كان برنامج هذا التغيير يتلاقى مع ما يتم تحقيقه.

ومن هنا لم يكن واضحا هل كانت هيئة التحرير تجربة لعودة الأحزاب بالتدريج أم كانت مجرد تنظيم سياسي يساند الثورة.

كذلك لم يكن لرجال هذا التنظيم أي دور في متابعة هذه التغييرات ولا في الرقابة على تنفيذها باعتباره تنظيما شعبيا متواجدا مع الجماهير يرى النتائج بمنظار أكبر من منظار رجال الثورة أي أنه يستطيع تقييم هذه الإنجازات أكثر من صانعيها ولا يمكن لأحد أن ينكر أن أغلب هذه التغييرات كانت تستهدف رفع مستوى المواطن والتخفيف من معاناته شظف العيش، إلا أن العبرة في عمل أي تغيير هو الضوابط التي تضمن التنفيذ وتضمن الرقابة على التطبيق إذ لا يكفي مجرد إصدار القرار.

لذلك لم ينتبه رجال الثورة لعدة أمور جوهرية حول هذا الأمر وهي هل كان التنفيذ محكما أم فيه تسيب؟ وهل كان توالي صدور القرارات يتخلله فاصل زمني معقول بين القرار والآخر حتى يتم استيعاب كل قرار قبل القفز إلى قرار جديد وحتى يتعود المواطن على القرار السابق لصدور القرار الجديد؟

هذا الوضع الذي أدى إلى خلل في قطاعات كثيرة مثل الجمعيات التعاونية الزراعية التي فشلت في تمكين مالك الخمسة أفدنة من زراعتها بالكامل واضطراره لزراعة جزء منها مما أدى لهبوط الإنتاج الزراعي، ومثل الجمعيات الاستهلاكية التي أفرزت سماسرة ووسطاء ودلالات لأنها كانت تدار كمحلات حكومية بعيدة عن النظم والأساليب التعاونية.

مثال آخر هو لجان جرد القصور الملكية بشكل ارتجالي خال من نظم الرقابة والمتابعة مما ضيع ثروة ضخمة على الشعب ... والأمثلة كثيرة لا أريد التعرض لها لأنها خارج موضوع هذه الشهادة التاريخية.

كذلك لم يكن من حق الاتحاد الاشتراكي ومن قبله التنظيمين الشموليين كتنظيمات مساندة للثورة مشاركة الثورة في رسم السياسات وإصدار القرارات لضمان عدم خروج أجهزة الحكومة عن أهداف الثورة.

فكان انفلات هذه الأجهزة وعلى رأسها مصلحة الاستعلامات بأفلامها السينمائية وميكرفوناتها السيارة تقول ما تشاء عن هذه المنجزات بكثير من التهويل والمبالغة التي كان ضررها أكثر من نفعها.

وأوضح مثل على ذلك ما قالته في مديرية التحرير بمثل ما قاله الشعراء في القمر، وإطنابها بمعجزة غزو الصحراء ممثلة في تجربة هذه المديرية التي ستحقق لنا التغلب على نقص المواد الغذائية.

اخترت مديرية التحرير كنموذج لما كان يحدث في مجالات أخرى لأني كنت شاهد عيان على حقيقة الأوضاع في تلك المديرية حيث كان لي زملاء من سنوات الدراسة في الخارج من أعضاء البعثات الحكومية يعملون بالمشروع بعد انتهاء دراستهم وحصولهم على أعلى الدرجات العلمية.

عين عدد من هؤلاء الأساتذة في المشروع وكنت أزورهم في مكاتبهم بجاردن سيتي وفي المديرية بجانب ذلك أتيحت لي زيارة رسمية للمديرية مع عدد من أبناء بور سعيد نشكل معا لجنة معونة الشتاء بالمحافظة عندما فازت بور سعيد بكأس معونة الشتاء ودعي ممثلوها لاستلام هذا الكأس من مديرية التحرير ومعنا المحافظ (محمد رياض رحمة الله عليه).

وكان النظام المتبع وقتها في تقييم نشاط لجان معونة الشتاء بالمحافظات هو حجم ما يجمع من تبرعات منسوبا لتعداد سكان المحافظة.

ذهبنا للمديرية سعداء بفوزنا بالمركز الأول في هذا المشروع الاجتماعي وأيضا لأن الفرصة تتيح لنا مشاهدة مصانع الكساء الشعبي المقامة بالمديرية والذائعة الصيت وكذلك مشاهدة مزارعها وعنابر العجول والدواجن التي كان يضرب بها المثل في ذلك الوقت فضلا عن مشاهدة مساكن الفلاحين التي سمعنا كثيرا عنها من مصلحة الاستعلامات وأبواق الدعاية.

وكنت قبل هذه الزيارة أتصور أن ما أسمعه من زملائي العاملين بالمديرية في مناصب فنية ورئيسية من نقد لهذا المشروع يمل بعض المبالغة.

إلا أن هذه الزيارة كشفت الكثير من المستور وخاصة تركيز القائمين على المشروع على المظهر دون الجوهر تنفيذا لسياسة مجدي حسنين التي قامت على التهويل من شأن المديرية.

باختصار كان مما لفت نظرنا ذلك الزي الذي يلبسه فلاحو المديرية وعمالها ذكورا وإناثا ويشبه زي فلاحي بلاد الكتلة الشرقية وذلك لإعطاء انطباع بأن المديرية هي قطعة من أوروبا.

كذلك لفت نظرنا رجال الأمن بالمديرية الذين كانوا عبارة عن شرطة خاصة بها وليس بينهم وبين شرطة الداخلية أي وجه شبه في الزي.

كذلك كان اسم مجدي حسنين يتردد على ألسن كل من تحدثنا معهم بكلمات التمجيد والتعظيم التي لاحظنا أنها ملقنة لهم لأنها كانت تتكرر من شخص لآخر كالمحفوظات ...

وعندما ذهبنا لمسرح المديرية لمشاهدة فرقة الرقص الشعبي كان يصاحب الرقص غناء يشيد بمجدي حسنين وإنجازاته ويصفه بأنه بطل هذا المشروع.

وفي نهاية اليوم أثناء انصرافنا قال لنا بعض العاملين أن وفدا رسميا كان يزور المديرية قبل حضورنا بأسابيع وسره ما شاهده من المنتجات الزراعية (من خضراوات وفاكهة) فلما قلنا لهم لكنا لم نشاهد شيئا يذكر من هذه المنتجات ردوا قائلين "للأسف لم يكن لديهم الوقت الكافي هذه المرة لشراء خضراوات وفاكهة من خارج المديرية لعرضها أثناء زيارتكم".

لهذه الأسباب وغيرها مما لا علم به حدث في إحدى انتخابات مجلس الأمة أن وضع المرحوم علوي حافظ لافتة انتخابية في ميدان رمسيس يشير فيها إلى منافسه في الدائرة مجدي حسنين وكتب عليها "انتخبوا علوي حافظ الذي لم ينشئ مديرية التحرير".

إلا أن من الظلم إنكار الإنجازات الحقيقية والأساسية التي حققتها الثورة في السنوات الأولى لقيامها وأحدثت بالفعل تغييرات جذرية في الوضع الاجتماعي – كان أعظم هذه التغييرات هو ما تحقق في السنوات الأولى للثورة من إحساس العامل والفلاح بأن مصر أصبحت بلده وأن أرضها أصبحت أرضه، وفعلا جاء هذا التغيير بعد أن عاش الفلاح والعامل لعدة قرون يفتقد هذا الإحساس الجميل ويرزخ على صدره كابوس الإحساس بأنه غريب في بلده.

فقد أصبح للإنسان المصري كيان ووجود فرفع رأسه له وزن وقيمة بعد أن كان كالقشة في مهب الرياح، وبدأت تتكون في وجدانه الإرادة والعزيمة لتحل محل الاستسلام والسكون. وكان ذلك أهم تغيير يحدث لشعب مصر.

وبالتحديد فإن إقامة مساكن شعبية للفقراء وفتح جمعيات استهلاكية، وتسعير المواد الغذائية، ودعم السلع الأساسية، تشييد المدارس على نطاق واسع ومجانية التعليم، ونشر التأمين الاجتماعي والصحي، وطرد فاروق وإقامة نظام جمهوري وإلغاء الألقاب، وتمليك الفلاح المعدم أجزاء من الأرض رغم ضعف الجمعيات التعاونية الزراعية، والالتزام بتعيين الخريجين، كل هذه الأمور تعتبر إنجازات كبيرة متلاحقة في وقت قصير كان لها مردود اجتماعي واضح على الطبقة الكادحة كما أنها هي التي صعدت قيمة الانقلاب العسكري ليلة 23 يوليو وجعلته ثورة بكل أبعاد الكلمة.

أما ما حدث بعد تلك السنوات الأولى للثورة من أ خطاء وقصور وانحرافات وظهور طبقة المتاجرين بالثورة فذلك كله خارج موضوع الشهادة التي أحاول أن أقدمها على تجربتنا الحزبية.

القرار 119 الصادر في 20/ 7/ 1961م وعلاقته بالاتحاد الاشتراكي

لقد تحدثت من قبل عن أول تنظيم شمولي للثورة وهو هيئة التحرير التي نجحت في تحقيق بعض الأهداف وخدمة الجماهير وكان ذلك بعد ميلاد الثورة مباشرة.

وكذلك تحدثت عن الاتحاد القومي الذي كان يعتبر تنظيما فاشلا ولم يكن هناك ما يستحق ذكره عنه. ثم انتقلت بعد ذلك للتنظيم الشمولي الثالث للثورة وهو الاتحاد الاشتراكي العربي الذي لا أعرف عنه القليل لأني لم أكن عضوا به نتيجة خضوعي للقرار رقم 119 الصادر في يوليو 1961 ضمن سلسلة القرارات الاشتراكية في ذلك الوقت، إذ كان ممنوعا انضمام المواطن حال انطباق أي قرار عليه من تلك القرارات لهذا التنظيم.

ذلك لأن الاتحاد الاشتراكي كان في نظر صانعيه صرحا طاهرا حرم دخوله والانتساب إليه على من خضعوا لتلك القرارات!

ولما كنت واحدا من الذين خضعوا لتلك القرارات الخبيثة التي أصابت الكثيرين من أبناء الشعب بمجرد تملكهم لما تزيد قيمته عن عشرة آلاف جنيه (أو مائة ألف ليرة سوري) من أسهم 144 شركة من الشركات المساهمة المصرية المبنية في ملحق هذا الكتاب*

إذ كنت عضوا منتدبا لشركة التبريدات السريعة والتصدير (ديفركس) التي ورد اسمها ضمن هذا العدد من الشركات فأصبحت بذلك خاضعا للقرارات الاشتراكية وبالتالي غير مسموح لي بالانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي إلا بعد تقديم ظلم أذكر فيه سيرتي الذاتية بالشكل الذي يقنع قيادة هذا التنظيم بأني مواطن صالح، فإذا ما اقتنعوا سمحوا لي بالانضمام فاسترد بذلك اعتباري كمواطن صالح وأخرج من دائرة المنبوذين.

ورغم أن المادة (5) من القرار 119 نصت على أنه يجوز إعفاء مجالس إدارة تلك الشركات الخاضعة للقرار ورؤسائها والأعضاء المنتدبين كلهم أو بعضهم وتعيين مجلس مؤقت أو عضو منتدب أو مندوب له سلطات مجلس الإدارة؛

فقد عينت مديرا للشركة التي كنت عضوا منتدبا لها – قبل صدور القرار 119 – ضمن مجلس إدارتها الجديد والمعين من قبل مؤسسة الصناعات الغذائية، وبعد تعييني مديرا للشركة بحوالي عام ضمت شركتان تمارسان نفس النشاط إلى شركة التبريدات السريعة وحلت مجالس إدارتها كما استبعد المسئولون عن الإدارة وعينت مشرفا عاما على الثلاث شركات بسلطات مجلس إدارة لدمجها وإعادة تنظيمها وإدارتها كشركة واحدة متكاملة.

غير أنني أريد أن أوضح أن أحد السادة الوزراء المقربين من الرئيس جمال عبد الناصر والمشهود لهم بالكفاءة كان هو كذلك يملك ما تزيد قيمته عن عشرة آلاف جنيه في مجموعة أسهم تلك الشركات فأصبح بذلك من الخاضعين للقرارات الاشتراكية ومن غير المقبولين للاستمرار في ممارسة العمل العام أو الاستمرار كوزير أو الانضمام للاتحاد الاشتراكي، ولذلك أعفوه من الوزارة ثم عينوه بعد ذلك رئيسا لإحدى المؤسسات الكبيرة تقديرا لخدماته السابقة وحفظا للأسرار، وظل بعيدا عن الاتحاد الاشتراكي!

الأمر المحير في هذا القانون أنه منع صراحة تملك الشخص الطبيعي أو المعنوي لما تزيد قيمته عن عشرة آلاف جنيه في مجموعة محددة من الشركات وانتقال ملكية الأسهم الزائدة إلى الدولة، ثم أغفل ذكر أي شيء عن باقي الأسهم المملوكة للمساهمين العاديين والتي يصل عددها في بعض الحالات إلى أكثر من 80% من مجموعة أسهم الشركة.

غير أن ما حدث هو أن تحولت هذه الأسهم بقدرة قادر إلى سندات تأميم دونما سند تشريعي كما لو كانت نصوص القانون شيء وتطبيقها على المواطنين شيء آخر.

أقول لما كنت واحدا من الذين خضعوا للقرارات الاشتراكية فقد أغلق في وجهي باب الاتحاد الاشتراكي، وأحمد الله على ذلك لأني لو كنت دخلت هذا التنظيم لتعرضت حريتي للخطر لأني أنتمي لأولئك المواطنين الذين حينما يشاركون في مناقشة موضوع فإنهم يناقشون بحرية كاملة ولا يسكتون على الخطأ ويرفضون أي كلام لا يقوم على أساس من المنطق، إذ كان الملاحظ على مناقشة الموضوعات التي كانت تعرض في اجتماعات الاتحاد الاشتراكي على مستوى الجمهورية أنها تتجنب ما يثير أمينه العام المرحوم علي صبري أو يغضبه.

في نفس الوقت كان ينقل إليه كل ما يدور في هذه الاجتماعات أولا بأول ليظل على علم تام بمن يوافق ومن لا يوافق وبأصحاب الاتجاهات المختلفة (نوع من التجسس الذي كان منتشرا في ذلك الوقت) هنا لا أكتفي بالقول "نوع من التجسس" بل أضيف "وأيضا نوع من خيانة الأمانة" ...

فقد حدث أن طلبت قيادة الاتحاد الاشتراكي وضع مذكرة حول إنشاء منطقة حرة ببور سعيد، وكلف ثلاثة من أبناء بور سعيد من ذوي الخبرة بوضعها. وقالوا فيها إن أساس نجاح المنطقة الحرة يكون في حرية التجارة ... فكانت النتيجة أن فرضت الحراسة على الثلاثة!

أعود لما ذكرته عن التظلم الذي يقدمه المواطن الممنوع انضمامه للاتحاد الاشتراكي، وحول ذلك أقص القصة التالية:

جاءني صديق بورسعيدي عزيز كان واحدا من أبناء الثورة الغير مقتنعين بتنظيم الاتحاد الاشتراكي وكنا في بور سعيد نطلق عليه "ابن الثورة" لأنه كان أول من يتقدم لاستقبال رجال الثورة حينما يحضرون لزيارة بور سعيد.

وقد حدث ذلك حينما حضر جمال عبد الناصر لبور سعيد. وقد حدث ذلك حينما حضر جمال عبد الناصر لبور سعيد في عيد النصر الأول بعد العدوان الثلاثي إذ اصطحبه عبد الناصر في سيارته المكشوفة وأمسك الاثنان بالشعلة لافتتاح النصب التذكاري المقام تعبيرا عن كفاح بور سعيد وانتصارها على الغزاة.

كذلك كان هذا الصديق عضوا بمجلس الأمة عن إحدى الدوائر الانتخابية ببور سعيد بعد انتخابات سنة 1958، أي باختصار كان هذا الصديق واحدا من أبناء الثورة ويعرف رجالها واحدا واحدا بما فيهم الرئيس جمال عبد الناصر ولذلك كان يطلق عليه "ابن الثورة".

كان لهذا الصديق قرابة مباشرة مع علي صبري ولذلك كان يعرف نفسيته وعقليته جيدا وقد نصحني هذا الصديق الوفي بأن أقدم تظلما لاستبعادي من عضوية الاتحاد الاشتراكي وقال لي أذكر في التظلم أنك كنت واحدا من قيادة هيئة التحرير في بور سعيد وعضوا بهيئة مكتب الاتحاد القومي السبعة الذين كانوا يعتبرون قمة التنظيم في بور سعيد.

قبلت الفكرة وكتبت التظلم وسلمته له. فلما قرأه قال: "التظلم سيرفض" قلت لماذا؟ قال لأنك ذكرت فيه الكثير عن نشاطك الاجتماعي والجماهيري وعلاقتك بالتجار والنقابات وما تشغله من مواقع في الجهات الرسمية مثل المجلس البلدي الذي كان يتشكل من سبعة أعضاء يعينون بقرار من المرحوم عبد اللطيف البغدادي (لم يكن الحكم المحلي وقتها موجودا) ومثل انتخابك نائبا لرئيس اتحاد أصحاب المحلات التجارية ببور سعيد الذي قمت بتأسيسه في بور سعيد لتوحيد كلمة أصحاب المحلات مثل محلات البقالة والمقاهي وورش النجارة، وورش الحدادة، ومحلات الجزارة، ومحلات السباكة، ومحلات الدراجات ... إلخ

مما يصل عدده إلى 12 نشاطا – وتستمر ملاحظات الصديق العزيز بقوله كما ذكرت أنك رئيس الاتحاد التعاوني النوعي للثروة المائية على مستوى الجمهورية ورئيسا للجمعية التعاونية لأصحاب سفن الصيد الآلية ببور سعيد، وعضوا بالغرفة التجارية (بالتعيين) إلى غير ذلك من المواقع التي كنت أشغلها في مجال العمل العام وخدمة المواطنين.

فقلت لصديقي كتبت ذلك لأعزز التظلم فقال "يا عزيزي إنك بهذا الشكل تعتبر أخطبوط وهم يفضلون السمكة الصغيرة" ففهمت المقصود وحذفت من التظلم كل هذه المواقع مكتفيا بالإشارة لعضويتي السابقة بهيئة التحرير والاتحاد القومي وأرسلت التظلم.

وبعد بضعة أسابيع اتصل بي أمين الاتحاد الاشتراكي في بور سعيد الأستاذ محمد حسن رشدي يهنئني بقبول التظلم وقبولي عضوا في الاتحاد الاشتراكي وأرسل لي كرنيه العضوية.

حدث ذلك رغم أنني لم أقدم طلبا للانضمام وكل ما قدمته كان التظلم لأني لا أريد أكثر من رد اعتباري أمام الناس ولذلك ولم تطأ قدماي أي مقر للاتحاد الاشتراكي، ولم أشارك في أي نشاط له بأي شكل لعدم اقتناعي بهذا التنظيم خصوصا وأن السنوات الأولى للثورة (إذا فرض أنها اقتضت نظاما شموليا لمواجهة سنوات التحول من نظام لآخر)

فليس من المقبول أن يستمر هذا الحال سببا في عدم العودة للحياة السياسية الطبيعية كل تلك السنين لما بعد فشل الثورة في تجربة هيئة التحرير وتجربة الاتحاد القومي، وتجربة الاتحاد الاشتراكي؛ إذ لا يعقل أن تتواصل التجارب ويستمر الوطن حقل تجارب للتنظيمات الشمولية!!

كيف أشارك في هذا التنظيم الذي استبعد المواطنين لمجرد أنهم خضعوا للقرار رقم 119 وهو أخف القرارات الاشتراكية التي أصدرتها الثورة، وبذلك أعطوا الانطباع بأن هذه القرارات ليست لحكمة اقتصادية واجتماعية وإنما هي حرب على من يشكون في ولائهم لرجال الثورة بغض النظر عن انتمائهم لمصر!

وكيف أشارك في تنظيم ألقى القبض على مواطن بورسعيدي أمام أعيننا وهو الأستاذ محمد حسن رشدي الذي ذكرته من قبل بتهمة أنه إخواني وبعد 24 ساعة يعود هذا المواطن من عند باب سجن طره وفي يده قرار صادر بتاريخ سابق لإلقاء القبض عليه بتعيينه أمينا عاما للاتحاد الاشتراكي لمدينة بور سعيد؟!

كيف أشارك في تنظيم يتخبط إلى هذا الحد من أول يوم فلا يعرف من هم رجاله الذين اختارهم لقيادة التنظيم بعد عمل التحريات المكثفة وجمع المعلومات عنهم وتاريخهم بل ورفع اسم من يريد من القوائم السوداء إذا كان ذلك ضروريا!

فلقد وقعت القصة التالية كنت وأسرتي نقضي أجازة صيف سنة 1962 على بلاج بور سعيد ونقيم في أحد الشاليهات التي تسمى الشاليهات المستقلة.

وكانت أسرة الأستاذ محمد حسن رشدي – الذي كان في الماضي من الإخوان المسلمين ثم تركهم منذ مدة طويلة – في الشاليه المجاور لنا.

وهذا المواطن وطني مخلص، وخطيب مفوه ورجل قانون من الدرجة الأولى، وأغلب البورسعيدية يحبونه ويحترمونه. فوجئنا ذات يوم في وقت مبكر من الصباح بحركة غير عادية وسيارة شرطة تقف بجوار الشاليه لتأخذه إلى قسم شرطة العرب فتوجهت إلى القسم لأطمئن عليه.

وهناك وجدت حشدا من المواطنين رجالا ونساء حول القسم وسيارات يتواصل وصولها تلقي بمجموعات من مواطنين اعتقلوهم من منازلهم وعرفت من هيئتهم أنهم أصلا من الإخوان. إلا أن معظمهم كانوا قد تركوا الإخوان بعد حادث المنشية في محاولة اغتيال جمال عبد الناصر.

دخلت القسم فوجدته يعج بالحركة ولا موطئ فيه لقدم، فتوجهت لغرفة نائب المأمور فوجدتها مزدحمة بضباط أغراب عن بور سعيد.

رأيت واحدا من ضباط القسم أعرفه جيدا وبمجرد أن عرف أنني جئت لأطمئن على الأستاذ محمد حسن رشدي أخذني من ذراعي بحركة عصبية إلى خارج المبنى دون أن ينطق بكلمة حتى ابتعدنا عن الضباط الأغراب فقال لي الوضع خطير جدا!

هؤلاء الضباط حضروا لاعتقال من يعتقدون أنهم من الإخوان أو على صلة بالإخوان طبقا للكشوف التي معهم، وهم لا يفرقون بين من لا يزال ينتمي للإخوان ومن تركهم.

بل ولاحظنا في القسم أن من بين الأسماء الموجودة بالكشوف أفرادا كل جريرتهم أنهم تبرعوا في يوم من الأيام للإخوان لإقامة عمل خيري وظلت أسماؤهم في سجلات الإخوان كأهل خير يتبرعون لإقامة المساجد والمشروعات الخيرية. ولذلك نصحني بالانصراف لأن مجرد سؤالي عن الأستاذ رشدي يعرضني للاعتقال.

اتصلت أسرة الأستاذ رشدي بأخيه في القاهرة وهو ضابط عظيم بالقوات المسلحة منتدب للعمل بالاتحاد الاشتراكي في موقع حساس قريب جدا من المرحوم علي صبري، ثم عرفنا القصة بعد 24 ساعة إذ ذهب الضابط شقيق الأستاذ رشدي لإطلاق سراحه قبل إيداعه في المعتقل واستلمه من على بابه وفي يده أمر صريح من قيادة الاتحاد الاشتراكي بذلك!

وفي اليوم التالي لعملية الاعتقال عاد الأستاذ محمد رشدي لبور سعيد ومعه القرار بتعيينه أمينا عام للاتحاد الاشتراكي ببور سعيد والفرحة تملأ أرجاء المدينة!

وهكذا كان التخبط في أدق الأمور والاستهانة بحريات المواطنين ... إذ كيف يعتقل المواطن بعد ساعات من تعيينه أمينا عاما للاتحاد الاشتراكي في إحدى المحافظات وهو الأمر الذي لا يتقرر إلا بعد عمل تحريات كافية عن الشخص الذي وقع الاختيار عليه وبعد الاتصال بكافة الجهات الرسمية التي لديها أسماء الخطرين على الثورة وعلى النظام؟

ثم كيف فات على أجهزة الاتحاد الاشتراكي أن تطلب من تلك الجهات الرسمية رفع اسم الأستاذ محمد حسن رشدي من تلك الكشوف التي تسجل أسماء من يعتبرونهم معادين وخطرين على الثورة؟!

تصفية الاتحاد الاشتراكي وقيام المنابر

ثم أراد الله سبحانه وتعالى أن تتحرر البلد من الاتحاد الاشتراكي في أكتوبر 1975 عندما بدأت مجموعة من عشرة مواطنين تنادي على صفحات الجرائد بعودة الحرية بمعناها الواسع وإغلاق المعتقلات والإفراج عن المسجونين السياسيين ورفع الرقابة عن الصحف.

جاءت هذه الخطوة الجريئة على أثر سلسلة من المناقشات التي دارت في مجلس الشعب وداخل لجان الاستماع والتي تناولت شكل النظام السياسي المطلوب الذي يحقق أكبر قدر من الحرية ويساعد الحكومة على الانطلاق نحو التنمية التي أصبحت مطلبا حيويا بعد انتصار أكتوبر العظيم ذلك الانتصار الذي اتحدت فيه إرادة الشعب على الانتصار، وتوحدت جميع فئات الشعب إلى ضرورة تحرير الوطن مهما كانت التضحيات.

وهو الأمر الذي أدى لبروز الإرادة الشعبية والرأي العام ضد الاتحاد الاشتراكي وكان في طليعة هؤلاء المواطنين العشرة محمود أبو وافية ومصطفى كامل مراد وخالد محيي الدين.

فوضت مجموعة العشرة محمود أبو وافية في الدعوة لقيام المنابر تمهيدا لقيام الأحزاب فأرسل لجريدتي الأهرام والأخبار يوم 10 أكتوبر 1975 يعلن "تشكيل المنبر الديمقراطي الاشتراكي" شارحا أهداف هذا المنبر الذي علق صلاح جاهين عليه بكاريكاتير معبر يمثل عامل بناء يمسك بالمسطرين ويقيم جدارا باسم "المنبر الديمقراطي الاشتراكي" ... محمود أبو وافية وشركاه".

بعد ذلك بعشرة أيام أعلن مصطفى كامل مراد عن تشكيل "منبر الأحرار الاشتراكيين" ثم بعد أسبوع آخر أعلن خالد محيي الدين عن تشكيل "منبر التجمع التقدمي الوحدوي".

وبلغت طلبات الانضمام التي أرسلها المواطنون لهذه المنابر الثلاثة خمسة آلاف طلب. ثم تشجع مواطنون آخرون ونشروا إعلانات في الصحف عن تأسيس منابر أخرى تحت أسماء مختلفة إلا أنها لم تجذب أحدا.

ونتيجة لهذه التطورات اجتمعت اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي لبحث موضوع المنابر الذي سبب لها إزعاجا كبيرا. وقد فاجأ الرئيس السادات أعضاء اللجنة بحضوره الاجتماع ليحسم ما لم يكن منتظرا أن تقرره اللجنة بقولته العظيمة "عودوا إلى الشعب واسألوه ماذا يريد" وبعد ذلك أقرت لجنة "مستقبل العمل السياسي" قيام المنابر الثلاثة التي كانت تمثل اليمين والوسط واليسار والتي تحولت فيما بعد لتصبح أحزابا سياسية طبقا للقانون رقم 40 لسنة 1977.

القسم الثالث : عودة الحياة الحزبية

السنوات الأولى للأحزاب

عادت الحياة الحزبية سنة 1976 بعد انتصار أكتوبر العظيم 1973 واستقرار الأوضاع والاتجاه للمستقبل والتحمس للبناء والتنمية والرغبة في المشاركة الشعبية للانتفاع بالأفكار الجيدة والرأي الآخر لصالح الشعب وصالح الوطن.

عادت الحياة للتعددية الحزبية والأمل يملأ الناس بعهد جديد من الحرية والديمقراطية وحق الشعب في تقرير المصير، عاد الحق للمواطنين في تكوين أحزاب تعبر عن الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي من يمين ووسط ويسار ...

عادت الفرصة لإعلاء صوت الشعب وسيادة القانون واحترام الدستور والأخذ برأي الأغلبية وبدأت نهاية تسليط الأضواء على العمل الرسمي والدعاية الحكومية المكثفة وبروبجندة النظام الحاكم.

عاد الانفتاح على الجماهير والخروج من الغرف المغلقة وسقوط أسلوب أهل الثقة وتلألأ حق الشعب في المشاركة وتقرير المصير.

هكذا عاد لمصر ما غاب عنها ربع قرن من الزمان وأدى لغلق الأذهان وتكميم الأفواه وتغيير لغة التخاطب وحجب الكفاءات، وجاء الأمل في نظام أفضل، نظام طبيعي إنساني يحافظ على حرية المواطن ويحفزه للعمل والإتقان والإبداع.

تبلورت تلك الآمال والأهداف في برامج حزبية جديدة وقامت بالفعل أول الأمر خمسة أحزاب هي حزب مصر (الذي أصبح الوطني الديمقراطي والقصة معروفة)، وحزب التجمع التقدمي الوحدوي وحزب الأحرار الاشتراكي وحزب العمل الاشتراكي وحزب الوفد الجديد وهي الأحزاب الأولى التي تحمس لها الشعب وانضمت لها أعداد لا بأس بها من المواطنين أخذا في الاعتبار غياب الأحزاب ربع قرن كما ساندها وأيدها أضعاف أضعاف عدد من انضموا لها باستمارات عضوية.

وكانت الجماهير تتسابق لحضور المؤتمرات التي تعقدها تلك الأحزاب في المدن والقرى سواء في مقراتها أو الساحات والسرادقات ومكبرات الصوت تذيع على الحاضرين وعلى الواقفين في الشوارع خارج أماكن انعقاد هذه المؤتمرات خوفا من رجال الأمن الذين كانوا دائما يحاصرون المؤتمرات لأسباب يقال إنها أمنية وهي في حقيقتها تستهدف تقليص نشاط الأحزاب وحبسه داخل الحدود التي يكتفي بها النظام الحاكم.

في هذه المؤتمرات كان يقال للجماهير كلام غاب عن آذان الشعب سنوات طويلة من نقد لتصرفات الحكومة ومعارضة لسياساتها التي لا تتفق مع الصالح العام للشعب والوطن.

وكان ينطلق هجوم حاد على إسرائيل وانتهاك حقوق شعب فلسطين، ويدوي الاعتراض على التفكير في توصيل المياه لإسرائيل وإقامة مشروع "هضبة الهرم" لحساب نصاب عالمي جاء من كندا فضلا عن الشجب المستمر للقوانين سيئة السمعة والاحتجاج بشدة على تزوير الانتخابات، وعشرات المواقف والموضوعات الأخرى التي أحيت مشاعر المواطنين بعد أن كادت تموت.

كان المواطنون يحرصون على قراءة صحف المعارضة ومتابعة ما ينشر فيها من أخبار ومقالات ونقد بشوق شديد.

وكنا نرى الناس في الأتوبيسات والقطارات وعلى المقاهي يمسكون بهذه الجرائد في أيديهم وتحيط بالقارئ مجموعة من المستمعين ينصتون باهتمام لهذا المقال وذلك الخبر ويهتفون لما يستحسونه مما يقرأ عليهم كما لو كانوا يتابعون مباراة كرة قدم، وهم بذلك يزيلون الصدأ الذي علا حسهم الوطني خلال سنوات الاتحاد الاشتراكي ومن قبله الاتحاد القومي.

كنا نرى هؤلاء المواطنين يعلقون ويعقبون بالتأييد والإعجاب والأمل يملأ الجميع بأن هذا الوضع السياسي الجديد قادر على إحداث تغييرات جوهرية في سياسة البلد والأوضاع الداخلية ويمكنه تحقيق الكثير من أماني ومطالب الشعب في مجالات التموين والأجور، والمسكن والتعليم وفرص العمل ومواجهة الأعداء إلى آخر اهتمامات الشعب.

كان بعض هذه الأحزاب يفتح ذراعيه لكافة القوى الوطنية التي لم تنضم لأي حزب. وكان حزب العمل الاشتراكي أكثر ترحيبا بهذه القوى الوطنية من باقي الأحزاب فالمرحوم فتحي رضوان والمرحوم عمر التلمساني كان اشتراكهما في المؤتمرات العامة التي يقيمها حزبنا واردا بصفة متواصلة.

كذلك كان الكثيرون من أصحاب الفكر والرأي الغير منضمين للحزب يجدون على صفحات جريدة الشعب مكانا فسيحا لآرائهم مثل دكتورة نعمات فؤاد ودكتور محمد عصفور، وآخرين ...

وكان هذا الأسلوب معمولا به باتساع حينما كان حامد زيدان رئيسا لتحرير الجريدة. هذه الروح الوطنية بفتح الباب أمام المواطنين المخلصين من غير أعضاء الأحزاب القائمة للمشاركة في العمل السياسي أدت لإثراء الحركة السياسية في مصر في السنوات الأولى لعودة التعددية.

كذلك كان هذا الأسلوب الديمقراطي فرصة رائعة لنشر الكثير من الآراء والأفكار السياسية والاجتماعية القيمة للمساندين لقيام الأحزاب دون الانضمام لها إذ لم يكن من المتيسر لأعضاء وكوادر الأحزاب القائمة آنئذ تغطية هذه الأفكار السياسية والاجتماعية بنفس البعد والتعمق إذا ما ترك هذا الأمر لهم وحدهم.

من أحزابنا بمواقف وظروف تعرضها وتعرض البلد لنكسة سياسية مما كان يقتضي تضامنها واتحادها لتتخذ حركتها المزيد من القوة في مواجهة الحزب الحاكم الذي يجثم على أنفاس أحزاب المعارضة ويضع السدود والعراقيل أمامها.

وأهم هذه المواقف هو ما كان يرتبط بموضوع الانتخابات إذ كانت الأحزاب لا تتوقف عن المطالبة بتوفير انتخابات نزيهة بعيدة عن التدخل والتزوير لكي تتمكن من الفوز بعدد من المقاعد في المجلس يساعدها على أداء رسالتها.

وكان حزب الحكومة يحرص على اكتساح الدوائر والحصول على عدد من المقاعد أضعاف ما يحتاجه أي حزب طموح وذلك لكي يشل حركة المعارضة داخل المجلس شللا كاملا ويجعلها في حكم المنعدمة.

كذلك كان للحزب الحاكم إخصايون في تفصيل قوانين الانتخاب بحيث لا يمر من مصفاتها مرشح معارض إلا إذا كان على درجة من كفاءة علاء الدين الذي ينطلق كالمارد من المصباح الصغير.

لكن لا ننسى أن انتخابات 1979 كانت نزيهة سليمة أفرزت مجلسا استطاع أن يتصدى للحكومة في كثير من المواقف بشكل أفزعها؛

ولذلك قررت إصدار قانون انتخاب جديد يمكنها من تحجيم دور الأحزاب بدلا من الترحيب بأداء المجلس والاستفادة من التزامه بالموضوعية ولذلك أصدرت قانونا جديدا جاء لمصر لأول مرة بانتخابات القوائم وبنسبة نجاح 8% على مستوى الجمهورية، كما جاء بأسلوب جديد في إعلان نتيجة الناجحين يمكن وزارة الداخلية من التلاعب في إعلان النتيجة الصحيحة.

هنا برز فكرة مقاطعة الانتخابات، وبدأ كل حزب يستطلع رأي أعضائه بطريقته الخاصة فكانت النتيجة أن بعض الأحزاب قرر مقاطعة الانتخابات والبعض الآخر قرر دخولها. ولم ينجح من أحزاب المعارضة في انتخابات 1984 سوى حزب الوفد الذي تحالف مع الإخوان.

ولما طعن في دستورية هذا القانون صدر قرار بحل المجلس بعد ثلاث دورات تشريعية أي بعد ثلاث سنوات من قيامه.

وأخذ ترزية قوانين الانتخاب في تفصيل قانون جديد. وهنا أحست الأحزاب بالخطأ الفاحش الذي وقعت فيه من قبل بعدم مواجهة الحكومة كتلة واحدة متضامنة فيما بينها متفقة على اتخاذ موقف موحد تلتزم به كل الأحزاب فقررت مجتمعة عقد مؤتمر 2 فبراير 1987 الشهير الذي أفزع النظام وجعل الحكومة تبادر بإصدار قانون انتخاب جديد فيه بعض الاستجابة لأحزاب المعارضة ويسمح لمن لا ينتمي لأي حزب أن يرشح فيما سمي الدائرة الفردية فيه بعض الاستجابة لأحزاب المعارضة.

وبعد ذلك صدر القرار الجمهوري رقم بدعوة المواطنين للانتخاب في ظل القانون الجديد، وكان هناك اتفاق بين الوفد والعمل والأحرار على دخول هذه الانتخابات على قائمة واحدة هي قائمة الوفد مما يتيح فرصة للأحزاب الثلاثة للحصول على عدد أكبر من مقاعد مجلس الشعب.

إلا أن الوفد تراجع فجأة عن هذا الاتفاق فقام بدلا منه تحالف بين حزبي العمل والأحرار وجماعة الإخوان على قائمة حزب العمل الاشتراكي.

تحالف حزب العمل الاشتراكي مع الإخوان

اعتبر هذا التحالف تحالفا مرحليا هدفه الحصول على أكبر عدد من المقاعد بمجلس الشعب لكل طرف من الأطراف الثلاثة.

وبالفعل دارت مناقشات طويلة في اجتماع اللجنة العليا لحزب العمل الاشتراكي، وكنت عضوا بها، والذي خصص لمناقشة موضوع التحالف بتوسع وتركزت المناقشات جميعها في أن هذا التحالف مرحلي هدفه الاستعانة بقدرات الإخوان في الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد في تلك الانتخابات على أن يظل كل طرف متحفظا بفكره وأهدافه وأساليبه في العمل داخل المجلس.

كذلك يمتنع اندماج الهيئة البرلمانية لكل طرف حيث يوجد نص في لائحة الحزب يجعل العضو الذي يدخل مجلس الشعب عضوا في اللجنة العليا تلقائيا.

ولذلك صدر قرار صريح بهذا المنع ضمانا لعدم ضم الناجحين في هذه الانتخابات من الإخوان ومن حزب الأحرار لعضوية اللجنة العليا لحزب العمل الاشتراكي، بصرف النظر عن ورود أسمائهم في القوائم الانتخابية لحزب العمل الاشتراكي.

ذلك لأن اللجنة العليا للحزب هي القمة المتصرفة في سياسة الحزب والتي تعرض عليها أحيانا أمور تدور فيها مناقشات ينبغي أن تظل قاصرة على أعضاء اللجنة العليا وحدهم.

وهكذا أصبح محظورا على الناجحين من الإخوان وأعضاء حزب الأحرار حضور اجتماعات اللجنة العليا لحزب العمل الاشتراكي مما ضايق قيادة الإخوان كثيرا وأخر خطة استيلائهم على الحزب.

كل هذه الأمور كانت واضحة تماما في الاجتماع المذكور وتمنع باليقين أي خطوة نحو تلاحم أو اندماج حزب العمل الاشتراكي بأي من الطرفين الآخرين.

وأذكر أن اجتماعات اللجنة العليا لحزب العمل الاشتراكي بعد تلك الانتخابات ظلت متوقفة عن الانعقاد لمدة سنة كاملة بسبب هذا الحظر الصريح حيث كان دعوتها للاجتماع دون دعوة نواب الإخوان ونواب حزب الأحرار يغضب الإخوان الذين كانوا يستعجلون الاستيلاء على الحزب وجريدته كما ذكرت لأن فرصة تحقيق ذلك الهدف تكون أكبر في حالة حضورهم اجتماعات اللجنة العليا والتحامهم وظهور صورهم وأسمائهم في جريدة الشعب وكذلك اشتراكهم في إصدار قرارات الحزب.

وأذكر أن أول ملاحظة أبداها المرحوم الدكتور حلمي مراد أمين عام الحزب في أول اجتماع للجنة العليا للحزب بعد توقف هذه الاجتماعات لمدة سنة كاملة أن ذكر الحاضرين بهذا الأمر وقال عنه بصدق أنه مخالف للائحة الحزب (أي عدم انعقاد اللجنة العليا كل هذا الوقت مخالف للائحة الحزب) وكان أمينا في عرضه لهذا الأمر. ولعله كان يوجه كلامه لرئيس الحزب بطريق غير مباشر لأن د.

حلمي مراد لم يكن حتى ذلك الوقت يوافق على تغلغل الإخوان في عمق الحزب، غير أن هذا الموقف تغير فيما بعد بانضمامه لمجموعة رئيس الحزب المؤيدة للاندماج مع الإخوان وتغيير فكر الحزب وبرنامجه 180 درجة وشطب كلمة "الاشتراكي" ليصبح اسم الحزب حزب العمل الاشتراكي فقط، فأصبح حزبا مجردا من أية هوية، فلا هو اشتراكي ولا هو ديمقراطي ولا هو تقدمي ولا ليبرالي ولا أي شيء محدد سوى العمل – أي عمل إذن؟!

للأسف تمت عملية إعداد القوائم الانتخابية لهذا التحالف بشكل استفز مرشحي حزب العمل الاشتراكي حيث وضعت أسماء المرشحين فيها طبقا لخطة سرية متفق عليها بين رئيس الحزب وقيادة الإخوان تجعل لمرشحي الإخوان مكان الصدارة في القوائم مما يوفر لهم فرصة نجاح أكبر من فرصة نجاح مرشحي حزبنا.

ولذلك حصل بالفعل مرشحو الإخوان على ثلاثة وعشرين مقعدا وحصل مرشح الحزب على أحد عشر مقعدا وهكذا كانت عملية إعداد القوائم الانتخابية بداية نهاية حزب العمل الاشتراكي لأنها كانت أول خطوة في تصفية رموز الحزب وإحلال إخوانيين محلهم مما أغضب أعضاء الحزب وأدى لاستقالة الكثير من الأعضاء الذين ساهموا بشكل فعال في بناء الحزب لسنوات.

ولذلك وصف بعض المراقبين والمتابعين للنشاط الحزبي هذا التحالف بأنه لم يكن تحالفا بين ثلاث قوى بقدر ما كان تحالفا بين الإخوان والإخوان والإخوان إلا أن العملية الانتخابية الثلاثية كانت درسا أعطاه الإخوان لكل الأحزاب لبراعتهم في مساندتهم لمرشحيهم والدعاية لهم والوقوف بجانبهم من لحظة الترشيح حتى التصويت بالشكل الذي يضمن للمرشح الفوز بالمقعد.

اقتضى هذا التحالف الثلاثي أن يتحرك مرشحو الأطراف الثلاثة في مجال الدعاية الانتخابية وما فيها من تكتيك وتنسيق بالشكل الذي يجذب الناخبين ويجعلهم متحمسين للمرشحين في قوائم التحالف وكان هذا الأمر يقتضي توفر التفاهم التام بين الأطراف الثلاثة على تفاصيل التحرك الانتخابي من حيث عقد المؤتمرات الانتخابية وعمل المسيرات وإصدار المنشورات وصياغة اللافتات وأماكن تعليقها ومن يحميها من الإزالة ومقدار ما يدفعه كل طرف من التكاليف وعموما كل ما يتعلق بتفاصيل العملية الانتخابية وإدارتها.

إلا أن الإخوان كانوا يهتمون فقط بمرشحيهم ولا يهتمون بمرشحي حليفيهما. وكنا نراهم كالظل لمرشحيهم في تحركهم لا يفارقونهم.

ولم نر شيئا من هذه الروح يمتد لمرشحي حزب العمل الاشتراكي أو مرشحي حزب الأحرار، وكذلك كان الإخوان يتعمدون الهتاف "الله أكبر ولله الحمد" تمييزا لهم عن الآخرين الذين كان هتافهم "الله أكبر وتحيا مصر" لا شك أن الله سبحانه وتعالى هو المقدس في كل شيء ولكن هذا التقديس لا يمنع من الهتاف باسم الوطن بجانب التكبير لله عز وجل.

وإذا خلت هذه المناسبة الانتخابية من الهتاف للوطن فمتى يذكر اسم مصر؟ كذلك كان من بين تكتيكاتهم الانصراف من المؤتمرات بمجرد أن ينتهي مرشحهم من إلقاء كلمته بالرغم من استمرار المؤتمر ووجود متحدثين آخرين من مرشحي العمل والأحرار لم يتحدثوا بعد مما جعلنا نحرص على أن يأتي دور متحدثهم في الجزء الأخير من المؤتمر، وكانوا أحيانا يقبلون وأحيانا يرفضون، كذلك عند اختيار الأماكن التي تعلق عليها اللافتات كان لهم رأي في ذلك يتمسكون به.

وأيضا ملاحظات كثيرة على صياغة المنشورات وخط المسيرات وغير ذلك مما يندرج تحت الدعاية الانتخابية الثلاثية، وفي الواقع كانت لهم اختيارات وتصرفات تقطع بأن تحالفهم مع حزبي العمل الاشتراكي والأحرار افتقر إلى الإخلاص في خوض المعركة الانتخابية. ويكفي الانطباق هذا الوصف عليهم تركيزهم على مرشحيهم فقط على حساب مرشحي التحالف ككل.

إلا أن الشيء الذي بهرنا وما كان نتصور قوته هو شعار “الإسلام هو الحل” الذي كان يلازم ملصقاتهم وأغلب لافتاتهم. كان هذا الشعار هو أقوى ما رفعه التحالف من شعارات ولذلك أردت أن أعرف هذا الشعار العظيم وكيف ظهر ومن أين جاء.

فسألت صديقا مخضرما من الذين سبقونا في العمل السياسي ثم اعتزلوه لعدم اقتناعهم بالتعددية الحزبية التي عادت لمصر سنة 1976 وله إلمام واسع بالتاريخ السياسي لمصر. سألته من أين جاء الإخوان بهذا الشعار العظيم.

فقص على قصة ذلك المواطن الألماني المثقف الذي درس الإسلام بتعمق ثم أشهر إسلامه وألف كتابا يتحدث فيه عن مشاكل الشعوب ومتاعب العالم نتيجة الفساد الخلقي والصراعات الداخلية والدولية والحروب مستخلصا أن حل هذه المشاكل والمتاعب يتحقق في الأخذ والدولية والحروب مستخلصا أن حل هذه المشاكل والمتاعب يتحقق في الأخذ بالإسلام. ولذلك وضع كتابا سماه “الإسلام هو الحل”. ومن ألمانيا جاء هذا الشعار لمصر.

وبعد أن انتهت هذه الانتخابات المحزنة وبدأ حزينا يعقد مؤتمراته الجماهيرية التي اشتهر بها في القرن والمدن بدأ يحضر معنا لهذه المؤتمرات نفر من الإخوان على رأسهم سيف الإسلام حسن البنا.

كذلك كان يحضر عدد من الإخوان كمستمعين ويجلسون في الصفوف الأولى، وكل من حضر هذه المؤتمرات كان يلاحظ الفارق الشاسع بين ما يتناوله أعضاء الحزب في خطبهم من موضوعات وما يتناوله متحدثو الإخوان.

فكما تعودنا كنا نتناول الحديث عن شئون الناس واهتماماتهم وهمومهم والقوانين سيئة السمعة، وضرورة تطهير الانتخابات من التزوير لينجح المرشحون الذين يريدهم الشعب، وضرورة وقف ارتفاع الأسعار وضغط الفجوة المتزايدة بينها وبين الأجور والدخول، إلى سائر الموضوعات التي يتناولها عادة العمل السياسي.

في حين كان متحدثو الإخوان يتحدثون بنفس طريقة الخطب التي نسمعها في المساجد من وعظ وإرشاد وثواب وعقاب يوم الحساب.

ولا شك أن هذا الوعظ والإرشاد في حد ذاته شيء مفيد ومن الضروري تنبيه الناس إلى ما فيه من حكمه. غير أن خطب المؤتمرات الجماهيرية لا يجب أن تتركز في الشئون الدينية وحدها وتتجاهل شئون الدنيا فلكل مقام مقال ولكل جال ما يناسبه من الحديث، وما يقال في المسجد تختص به المساجد وما يقال في المؤتمرات السياسية تختص به هذه الأحزاب السياسية.

ولا بأس من أن يستعين المتحدث في المؤتمرات السياسية بالآيات القرآنية التي تدعو الناس للتماسك والوحدة والاعتصام بحبل الله وإلى التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

أن هذه الآيات الكريمة درر مضيئة تضفي على الحديث قوة وحجة، وتقرب المعنى إلى أذهان المستمعين، نفس الشيء يقال عن بعض الخطب الجيدة التي نسمعها من حين إلى حين من المساجد التي تقدم خطباء مستنيرين يتحدثون عن اهتمامات الناس وشئون حياتهم ودنياهم على السواء.

إلا أن صور الإخوان أن الحديث في شئون الدنيا يجعلهم "دنيويين" أي يجعلهم من وجهة نظرهم يتصفون "بالدنيوية" التي يعتبرونها تفريطا في الدين فتلك وجهة نظر خاطئة.

وكان الأجدر أن يسألوا أنفسهم "كيف يكون المرء متدينا وهو لا يقدم شيئا ينفع الناس في حياتهم ومعيشتهم"؟ ألا يعلمون أن ما يقدم لمنفعة الناس وهو عمل متصل بالدنيا يرفع صاحبه يوم الحساب لثواب الآخرة – فلماذا إذن هذا التفسير الخاطئ؟

كذلك فإنهم يعلمون أن الحق تعالى قال في كتابه الكريم (ولا تنس نصيبك من الدنيا)، أم أنهم يريدون أن يكونوا وسطاء بين الحق تعالى والعباد يقدمون لهم الفتاوى والتفسيرات ويصرون على تنفيذها طبقا لمفاهيمهم..

وإذا نجحوا في إقامة حكم ديني فيا ترى أي أسلوب يتعاملون به مع المعترض على حكمهم وإدارتهم لشئون البلد؟ وهل يستمعون إلى الرأي الآخر أم يكفرون صاحبه ويستحلون دمه! ألا يعلمون أن من مأثورات الإسلام المعاني العظيمة التالية: "ليس خيركم من ترك آخرته لدنياه، ولا دنياه لآخرته، ولكن خيركم من جمع بين هذا وذاك".

بهذا الفهم الخاطئ تمسك المتحدثون من النواب الإخوان الذين كانوا يحضرون معنا هذه المؤتمرات بطريقتهم الخاصة التي لا يحيدون عنها أبدا مهما أبدينا من ملاحظات.

نفس الشيء يقال عن زملائهم من أعضاء الجماعة الذين كانوا يحضرون هذه المؤتمرات كمستمعين لدعم نوابهم إذ كانت هتافاتهم خاصة بجماعتهم تقول "الله أكبر ولله الحمد" في حين كانت هتافات الحزب تقول "الله أكبر وتحيا مصر" كذلك كانت مجموعاتهم التي تجلس في الصفوف الأولى كالبنيان المرصوص تتعمد الهتاف بأعلى صوت يشق عنان السماء لكي تغطي على هتافات أعضاء حزب العمل الاشتراكي للإيحاء بان هذه المؤتمرات إخوانية الصيغة والمقصد والهدف.

كنا نلفت نظر رئيس الحزب لهذه الأمور لكي يقوم بدوره بلفت نظر متحدثي الإخوان فكان يعد بأنه سيحدثهم في الأمر لكن يظل الحال كما هو ربما لم يفاتحهم في هذا الأمر وربما لأنهم كانوا غير مقتنعين.

ولذلك بدأنا نطلب منه عدم دعوة أحد من نواب الإخوان لحضور مؤتمراتنا لكنه لم يستجب وعلى العكس من ذلك كان ينبه على الزميل الذي يفتتح المؤتمر وهو عادة أحد أبناء القرية أو المدينة التي يقام بها المؤتمر إلى الإعلان عن وجود سيف الإسلام حسن البنا في المؤتمر.

وكان مجرد الإعلان عن وجود ابن الشيخ حسن البنا يشارك في المؤتمر يجذب الناس إلى حضور المؤتمر وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها وبهذه المناسبة أذكر أن بعض الأحزاب الأخرى تتبع نفس الأسلوب حيث دأب أعضاؤها على دعوة خالد جمال عبد الناصر وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة لحضور مؤتمراتهم وخاصة في الانتخابات العامة لإيهام الناس بأن أحزابهم امتداد للثورة. كل هذه الأساليب مماحكة غير لائقة.

ظل شكل مؤتمراتنا يأخذ المزيد من الصبغة الإخوانية شيئا فشيئا بدعم من رئيس الحزب وفي كل مرة يتزايد اللون الإخواني مما أدى لتوقف عدد من أعضاء اللجنة العليا للحزب وأعضاء هيئة المكتب التسعة عن حضور هذه المؤتمرات.

كذلك توقف عدد كبير من أعضاء الحزب في تلك القرى والمدن عن حضور هذه المؤتمرات حتى أصبحت تقصر على رئيس الحزب ومجموعته الذين كان تسعين في المائة منهم من ذوي الميول الإخوانية، ولا بد للمرء أن يشهد للإخوان بانتصارهم وسيطرتهم على حزب العمل الاشتراكي حتى ذاب فيهم وأصبح لا وجود له والفضل في ذلك يرجع لرئيس الحزب – إن كان هذا فضلا!! وذلك أدى بطبيعته إلى انقسام الحزب وتفككه من داخله.

كل ذلك عجل بضرورة اتخاذ موقف حازم حيال رئيس الحزب ومجموعته يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل التحالف. وهو ما تم بالفعل في أعقاب المؤتمر العام للحزب المنعقد يوم 9 مارس 1989 والذي أفردت له القسم السادس من هذا الكتاب.

ومما يستحق الذكر لتبيان الاتفاق السري بين رئيس حزب العمل الاشتراكي ومكتب الإرشاد لجماعة الإخوان على فتح أبواب الحزب أمامهم وربما أيضا للأخذ بالفكر الإخواني ذلك اليوم الذي انعقد فيه اجتماع اللجنة العليا لبحث التحالف بين الأحزاب على القوائم الانتخابية لحزب الوفد الذي أشرت إليه.

حيث بدأ ذلك الاجتماع لأخذ الرأي أولا في موضوع التحالف مع باقي الأحزاب من حيث المبدأ لعمل قائمة واحدة تضم مرشحي تلك الأحزاب وثانيا أخذ الرأي على من تكون القائمة باسمه وهل تكون باسمنا أم باسم حزب الوفد، وقد انتهت المناقشات حول النقطة الأولى بالموافقة بالإجماع على قبول التحالف مع باقي الأحزاب وتم ذلك في وقت قصير.

ثم انتقلت اللجنة لمناقشة عنوان القائمة وهل يكون لحزب العمل الاشتراكي أم لحزب الوفد، إلا أن رئيس الحزب أوضح أن شرط حزب الوفد للدخول في التحالف أن تكون قائمة المرشحين باسمه فدارت مناقشة ساخنة حول هذه النقطة قال فيها بعض الأعضاء إن حزب الوفد متعال يتسم بالعنجهية وأنه حزب طبقي قيادته من الأغنياء ولا تمثل جموع الشعب الكادح، ولذلك فهو غير جدير بأن يأخذ مكان الصدارة ويقود التحالف.

من جهة أخرى قالت الأغلبية إن الحكمة تقتضي الموافقة على ما اشترطه حزب الوفد على كره أي تكون القائمة باسمه، لأن ذلك مجرد ناحية شكلية لا تؤثر على سمعة حزب العمل الاشتراكي الذي سيستفيد كثيرا من دخول الانتخابات مدعما بقائمة لها قوتها ووزنها بالأسماء التي تحتويها من مجموعة ممتازة تمثل جميع الأحزاب. واستمرت مناقشة هذه النقطة الثانية لمدة ساعتين على الأقل.

وفجأة دق تليفون مكتب رئيس الحزب يطلبه رئيس حزب الوفد فخرج المهندس إبراهيم شكري رئيس الحزب من الاجتماع وعاد يخطرنا بأن حزب الوفد انسحب من التحالف.

وبالطبع هلل الزملاء الرافضون لأن تكون قائمة المرشحين باسم الوفد واعتبرنا مناقشة هذا الأمر منتهية. ثم فجأة دق تليفون رئيس الحزب بمكتبه مرة ثانية فخرج من الاجتماع وعاد بسرعة يخطرنا بأن هذه المكالمة كانت من المستشار مأمون الهضيبي الذي أبلغه أنه قادم لمقر حزبنا ليتحدث معه في موضوع الانتخابات عارض استعداد الإخوان لعمل تحالف ثلاثي معنا ومع حزب الأحرار.

في الواقع لم يكن من السهل أن نعرف كيف توالت كل هذه الأمور بسرعة، وهل كان تواليها طبيعيا أم مدبرا ومتفقا عليها في السر.

وقد واصل أعضاء اللجنة العليا الاجتماع ووافقوا على التحالف مع الإخوان والأحرار بالشكل السابق الإشارة إليه وما أعقبه من تطورات مؤسفة.

يبقى دائما سؤال يتردد على الألسن هو لماذا سمح النظام للإخوان المسلمين بدخول انتخابات مجلس الشعب مرين الأولى سنة 1984 على قائمة حزب الوفد والثانية سنة 1987 على قائمة حزب العمل الاشتراكي رغم أنه تنظيم غير شرعي؟

وهكذا دخل الإخوان الانتخابات مرتين برموزهم البارزة مثل المستشار مأمون الهضيبي وسيف الإسلام حسن البنا ابن الشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان، فهل سمح النظام بدخولهم تلك الانتخابات ليفتح صفحة جديدة معهم، أم لجس نبض الجماهير ومدى تأييدهم للإخوان، أم للتعرف على اتجاهاتهم وهل طرأ عليها تغيير من حيث إصرارهم على إقامة حكم ديني وتطبيق الشريعة الإسلامية كما كان الحال في الأزمان الغابرة؟

ويجب ألا ننسى ما نص عليه قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 الذي نظم انتخابات 1987 حيث نصت المادة 5 مكرر (2) منه "أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية – ويكون لكل حزب قائمة خاصة به، ولا يجوز أن تتضمن القائمة الواحدة أكثر من مرشحي حزب واحد".

فأين قوائم حزب العمل الاشتراكي من هذا الشرط وقد تضخمت برموز الإخوان مثل المستشار مأمون الهضيبي وسيف الإسلام حسن البنا وغيرهما من أقطاب الجماعة فضلا عن أعضاء من حزب آخر هو حزب الأحرار؟

كيف مرت هذه القوائم على وزارة الداخلية عند تقديمها لها خاصة وأن مرشحي الإخوان وحزب الأحرار لم يعلنوا انضمامهم لحزب العمل الاشتراكي؟ فأي قوانين تلك التي تنظم الانتخابات في بلدنا وهي مفرغة تماما من أي التزام بالقانون، ولماذا يصدرونها؟

مرشحو التحالف وأسماء الناجحين

ويجد القاري قوائم مرشحي التحالف التي تقدم بها حزب العمل الاشتراكي لانتخابات 1987 والتي تؤكد سيطرة الإخوان مرفقة بالملحق الوثائقي في الكتاب.

كما أنقل فيما يلي أسماء الناجحين من هذه القوائم وعددهم اثنين وثلاثين نائبا منهم عشرون من الإخوان واثني عشر من الحزب.

كذلك أنقل ما قالته جريدة الشعب عنهم للتعريف بهم وبيان أهدافهم من دخول المجلس واهتماماتهم وثقافاتهم، والمواقف التي كانوا يشغلونها قبل الترشيح بما يمكن القارئ من التعرف على خلفية كل منهم سواء كان من الإخوان أم من الحزب، فيحكم بنفسه على شكل وهدف هذا التحالف المزعوم.

فالطرف الاشتراكي في التحالف كان من بين أعضائه نقابيون بارزون (سكرتير اتحاد نقابات عمال مصر) (ورئيس اللجنة النقابية للعاملين بالبنوك على مستوى الجمهورية) وآخرون غيرهما من النقابيين.

كما كان من بينهم من ركز على توفير المسكن لذوي الدخل المحدود بسعر التكلفة، ومن اهتم بإلغاء ما يسمى بالتوريد الإجباري للمحاصيل، ومن اهتم بالريف ونجح في توفير الكهرباء والمواصلات الآمنة لقريته، ومن طالب بزيادة أجور العمال، ومن أمضى سنوات في خدمة التعاونيين، ومن كان موجها سياسيا بمعهد ناصر الاشتراكي، ومن اهتم بالمسنين، وضرورة توفير دار لإيوائهم –

إلى غير ذلك من الاهتمامات والأهداف والأنشطة المتصلة اتصالا مباشرا بحياة الناس لإيوائهم – إلى غير ذلك من الاهتمامات والأهداف والأنشطة المتصلة اتصالا مباشرا بحياة الناس وآمالهم.

وقد عبر هؤلاء عن ذلك بلغة بسيطة محددة بعيدة عن التعميم وبكلمات تخاطب العقل لا العواطف.

اكتفى بما ذكرته، ولا تعليق لي على تاريخ مرشحي الإخوان وثقافاتهم وفكرهم وتوجهاتهم نحو العمل من خلال المجلس كما هي مبينة في التعريف التالي وتركيزهم على جزئية واحدة، لا ثاني لها، هي تطبيق الشريعة الإسلامية التي كان يمكن أن يضيفوها إلى جزئيات أخرى كثيرة تعتبر من صميم صالح الشعب بكل فئاته وطوائفه ولا تتولد منها تفسيرات متضاربة أو مذاهب متصارعة وتبلبل الفكر (وخاصة فكر الشباب)

كما هو حادث بالنسبة لفائدة البنك وهل هي محرمة أم لا، وشركات توظيف الأموال، وزرع الأعضاء في الجسم، وأطفال الأنابيب، والحجاب، وأمور أخرى كثيرة عليها خلافات يجب حسمها لا توسيعها، وهكذا انشق حزب العمل الاشتراكي على نفسه ومن داخل كوادره.

تعريف ببعض مرشحي الإخوان كما نشرته جريدة الشعب ونشاطاتهم واهتماماتهم

  1. حسن الجمل : تقدم بالعديد من المشروعات لقوانين الشريعة الإسلامية كما طالب ولا يزال يطالب بضرورة تحسين الأوضاع المادية للدعاة وخطباء المساجد.
  2. الشيخ محمد توفيق قاسم : إمام مسجد الهدى الإسلامي بشرق حلوان.
  3. محمد مهدي عاكف : يعمل في مجال الدعوة الإسلامية بجد وإخلاص منذ عام 1974 ثم عين مديرا للمركز الإسلامي في ميونخ بألمانيا.
  4. الدكتور عبد الحي الفرماوي :أستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر وأحد القيادات المعروفة بهذه الدوائر وله العديد من المساهمات في الدعوة الدينية.
  5. سيف الإسلام حسن البنا : ابن الإمام الشهيد حسن البنا. أشرف على إعادة طبع ما كتبه والده من رسائل إلى الإخوان المسلمين، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات وكان ذلك عام 969 وقضى نصف المدة.
  6. عبد الرحمن الرصد : أحد العناصر النشطة في جماعة الإخوان التي انضم إليها عام 1940.
  7. إبراهيم أبو طالب : يعمل مدرسا وموجها للتربية والتعليم بضرب نجم وله نشاط واضح في مجال الدعوة الإسلامية حيث يقوم بإلقاء خطب الجمعة في مسجد بلدته.
  8. الحاج/ محمود نافع : عضو مجلس شعب سابق عن دائرة ميت غمر وكان من أول أعماله داخل المجلس آنذاك المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
  9. محمد عبد السميع صقر : شيخ معهد نشيل الديني مركز قطور. سبق اعتقاله في الخمسينات والستينات بسبب دعوته إلى الدين والإصلاح عن طريق المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
  10. عز العرب محمد فؤاد : له العديد من المؤلفات الدينية وقد سبق اعتقاله عام 1949 بسبب معارضته الشديدة لأسلوب النظام ومنهجه القائم، كما أعيد اعتقاله عام 1954 للحد من نشاطه الإسلامي.
  11. الأستاذ/ محمود علي عبد الحكيم : رئيس قسم التربية والتعليم، من الذين حاربوا الفساد والإفساد ووقفوا في وجهه في محافظة المنيا مما أدى إلى اعتقاله في سبتمبر 1981 قبل مقتل السادات. وهو من ضمن الدعاة الإسلاميين.
  12. د. عصام العريان : أصغر نائب يدخل مجلس الشعب على مستوى الجمهورية، يعتبر دينامو شباب التيار الإسلامي الواعي، كان أميرا للجماعة الإسلامية بالجامعة.
  13. عبد العزيز العشري : تعرض للاعتقال لمدة خمسة أشهر والثانية عام 1981 لمدة عام ويرى أن المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية وأن تكون منهجا للحياة السياسية والثقافية والاجتماعية ستكون من أول اهتمامه بمجلس الشعب.

تعريف ببعض مرشحي حزب العمل الاشتراكي كما نشرته جريدة الشعب ونشاطاتهم واهتماماتهم

  1. مجدي أحمد حسين : ابن زعيم مصر الفتاة الأستاذ أحمد حسين، متطوع في المقاومة الشعبية والدفاع المدني، شارك في قيادة الحركة الطلابية وانتخب في اتحاد طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعمل بعدها مذيعا في صوت العرب وفي وكالة أنباء الشرق الأوسط. حاز على ثقة أعضاء المؤتمر العام في 1984، حصل على نسبة عالية من الأصوات تؤهله لعضوية اللجنة التنفيذية.
  2. عادل والي : مدير إدارة بشركة مصر حلوان سابقا وحاليا بالمعاش المبكر. رشح وزيرا للقوى العاملة في حكومة الدكتور/ عبد العزيز حجازي، أدخل خدمة الجزارين التعاونيين.
  3. الأستاذ/ أحمد حرك : أحد الشخصيات النقابية البارزة وسكرتير اتحاد نقابات عمال مصر للإعلام ورئيس تحرير جريدة العمال ورئيس اللجنة النقابية للعاملين بمؤسسة دار التحرير للطبع والنشر. يعطي اهتماما بمناطق العمران الجديدة وبيع الأراضي للمواطنين بسعر التكلفة ومعاونة المواطنين بقروض لمساعدتهم على البناء أو بسعر ميسر.
  4. السيد أبو العز كشك : يرأس دار للمسنين بالمنصورة وكان قد ساهم في إنشائها كما يرأس اللجنة النقابية للعاملين بالبنوك على مستوى الجمهورية.
  5. الحاج/ محمد علي شلش : يؤكد الحاج شلش على أن أهم ما يركز عليه في مجلس الشعب هو الاهتمام بالفلاح والعمل على إلغاء ما يسمى بالتوريد الإجباري للمحاصيل.
  6. جمال أسعد عبد الملاك : يعمل في سياسة التنمية والائتمان الزراعي بسيوة، خرجت من تحت يديه أجيال متعددة حينما كان موجها سياسيا لمعهد ناصر الاشتراكي، اعتقل مرتين الأولى عام 1978 والثانية في سبتمبر 1981 أثناء حملة سبتمبر الشهيرة.

القسم الرابع : الأداء الحزب

العمل التنظيمي للحزب

تعتبر لوائح الحزب أساس الهيكل التنظيمي للحزب وهي المؤشر لنجاحه وانضباطه تنظيميا وخاصة لائحة النظام الأساسي واللائحة المالية.

وكلما وضعت بنود هذه اللوائح موضع التنفيذ السليم المطابق للنص كلما كان الأداء جيدا وكان التزام الأعضاء بواجباتهم نحو حزبهم أمينا وصارما، مما يؤدي في النهاية إلى نجاح الحزب في تحقيق برنامجه وأهدافه وغاياته الكبرى.

ولذلك يجب الحرص على احترام كل بنود هذه اللوائح مجتمعة لأنها تكمل بعضها البعض ولا تقبل التجزئة أو التفسير الخاطئ لأي منها ابتداء من البنود الخاصة بالعضوية إلى بنود التشكيلات وعقد الاجتماعات الدورية والمؤتمر العام للحزب والمؤتمرات الجماهيرية والإعداد لدخول الانتخابات العامة وإصدار الجريدة والكتب والنشرات وسداد الاشتراك وقبول التبرعات والهبات وأوجه إنفاق أموال الحزب وعمل الحسابات، والرد على ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات إن وجدت، إلى آخر كل ما يندرج تحت حركة الحزب ونشاطه وعلاقاته بالجماهير وبالأحزاب الأخرى وبالنظام الحاكم.

إن أسوأ ما رأيناه في التجربة الحزبية في بلدنا من تلك الأمور التي ذكرتها هو عدم انعقاد المؤتمرات العامة للأحزاب في موعدها المقرر أو حتى بعد سنة أو سنتين أو ثلاثة من الموعد المقرر كما لو كان الزمن لا أهمية له عند قيادات الأحزاب.

ولقد كان تأثير الفكر الشمولي واضحا على بعض السادة رؤساء الأحزاب الذين تبوءوا رئاسة أحزابهم منذ نشأتها حتى الآن وهو الأمر الذي أدى إلى عدم تصعيد قيادات جديدة أو فكر جديد يعطي للحزب دفعة قوية للتقدم نحو تحقيق غاياته. ومن هنا قنع السادة رؤساء الأحزاب بما حققوه من نصر شخصي، وبالتالي ظل العمل الحزبي ساكنا.

وليأذن لي القارئ أن أضع أمام ناظريه قائمة بأسماء بعض السادة رؤساء الأحزاب في وظننا الذين تولوا رئاستها منذ نشأتها حتى الآن:

  1. السيد/ خالد محيي الدين ... منذ 1976 – المدة ثلاث وعشرون سنة.
  2. المهندس/ إبراهيم شكري ... منذ 1979 حتى الآن – المدة عشرون سنة.
  3. السيد/ فؤاد سراج الدين ... منذ 1983 حتى الآن – المدة ست عشرة سنة.
  4. السيد/ أحمد الصباحي ... منذ 1984 حتى الآن – المدة خمس عشرة سنة.
  5. السيد/ ضياء الدين داوود ... منذ 1992 حتى الآن – المدة سبع سنوات.
  6. السيد/ كمال كيرة ... منذ 1993 حتى الآن – المدة سبع سنوات.
  7. السيد/ محمد عبد العال ... منذ 1993 حتى الآن – المدة ست سنوات.

وهكذا باقي الأحزاب.

لماذا كل هذا التمسك بالرئاسة؟ ألا يوجد في الأحزاب كوادر شابة أكثر حركة وديناميكية من سابقيهم قادرة على تولي الرئاسة. هل دب الفكر الشمولي في عقول هؤلاء الرؤساء واستسلموا له؟!

ومرجع ذلك في تقديري لعدة أسباب ربما كان أهمها:

  1. تمسك الرئاسات بمواقعها حتى تكون نفوسها راضية عن العمل الحزبي.
  2. انعدام الانتماء الفكري للحزب ربما لعدم وضوح الأفكار والصياغات العامة لمبادئ الحزب.
  3. توقف الحياة الحزبية المصرية لفترة طويلة (من سنة 1952 وحتى سنة 1976) مما أوجد نوعا من السبات السياسي وفقدان الخبرة الحزبية.
  4. عدم قدرة التنظيمات المرحلية التي أنشأها ثورة 23 يوليو على استيعاب عنى احترام حرية الرأي والالتزام بأن يكون العمل السياسي جماعيا، واستكانة الجماهير لهذا الوضع وخصوصا المثقفون.

ولربما أضيف إلى ذلك سببا جوهريا لقصور التجربة الحزبية المصرية:

ويكمن هذا السبب في انعدام الديمقراطية في تشكيلات الحزب بداية من قواعده ولجانه الأساسية وحتى رئاسته – فبعض الأحزاب تتم تشكيلاتها بقرارات تعيين من رئيس الحزب. والبعض الآخر يمتنع عن عقد مؤتمره العام كي يستمر الحال على ما هو عليه.

وكفى الله القيادات الحزبية شر صعود أحد من أعضائه إلى مواقع قيادية ...! إذ لا يضمن بعض الرؤساء بقاءهم على كرسي الرئاسة حال صعود الأعضاء المجتهدين إلى المواقع القيادية ... ولربما اتخذ الحزب أساليب عفا عليها الزمن وتعبر عن نفسها بالتزوير تارة وبالتعيين تارة أخرى.

وهكذا افتقدت الأحزاب المصرية آلية العمل الديمقراطي في جميع تشكيلاتها، وأصبحت أشبه بديوان حكومة يزدحم بمجموعة من العاملين العازفين أصلا عن العمل السياسي!

من ناحية أخرى فقد استسلم معظم الأعضاء لهذه الأساليب المفتقدة للديمقراطية مكتفين باتخاذ دور المشاهد بدلا من دور المشارك، فرحين ببطاقة العضوية التي يربطهم بهذا الحزب أو ذاك مما يدل على أن العضوية في أغلب أحزابنا هشة ليس لها جذور ولا تأتي من فكر واقتناع أو رغبة في تحقيق رسالة، بل كثيرا ما يكون هدفها مجرد تحقيق مصلحة شخصية!

ورغم أن الأحزاب التزمت في السنوات الأولى لتأسيسها بعمل تشكيلاتها بشكل ديمقراطي سليم إلا أنها ابتعدت عن هذا الأسلوب الديمقراطي بعد سنوات قليلة من تأسيسها ولجأت للتزوير أو التعيين.

وأسوأ ما شهدته التجربة الحزبية في بلدنا في مجال تزوير انتخابات الحزب هو ما ارتكب داخل المؤتمر العام لحزب العمل الاشتراكي المنعقد يومي 9، 10 من مارس سنة 1989 في قاعة بنك التسليف والائتمان الزراعي بشارع القصر العيني بالقاهرة مما أدى لحركة انشقاق ضخمة لم تشهدها الأحزاب المصرية من قبل وأتمنى ألا تتكرر في المستقبل في بلدنا في أي حزب، لأن أعمال البلطجة والخروج على النظام والغش والتزوير التي شابت إجراءات وأعمال وقرارات يومي 9، 10 مارس

ثم فاضت بعد فضه في أرجاء مصر على صفحات الجرائد وعلى الألسن على مدى عامين كالغازات السامة فأخرت مسيرة العمل الحزبي في مصر وأفقدت مئات الآلاف من المواطنين الرغبة في المشاركة في العمل الحزبي بعد أن فاحت الرائحة الكريهة لهذا المؤتمر والذي نشرت جميع الصحف المصرية القومية والمعارضة أخباره وفضائحه وما تمخض عنه بالتفصيل.

واستمر هذا النشر يسجل مواجهات المنشقين مع بعضهم البعض لمدة عامين بعد أن أصبح في البلد حزبين داخل حزب واحد. ثم تكررت بعد ذلك ظاهرة الحزبين داخل الحزب الواحد في "مصر الفتاة" و "الأحرار" وكذلك في أحزاب أخرى وظلت بدون تصحيح لا من داخلها ولا من لجنة شئون الأحزاب حتى يومنا هذا.

نسف المهندس إبراهيم شكري وأنصاره كيان حزب العمل الاشتراكي يوم 9 مارس 1989 ولم يجرؤ أحد من مجموعته التي ظلت محتفظة بالشكل الرسمي للحزب المطعون فيه شرعيا على إطلاق اسم جديد للحزب في شكله الإخواني الجديد اكتفاء بحذف كلمة الاشتراكي ليصبح اسمه حزب العمل الاشتراكي.

والنظام الحاكم يعلم كل ما حدث بالتفصيل وكذلك الحال بالنسبة للجنة شئون الأحزاب، ولأنه لم يتم تصحيح للوضع بإجراء تحقيق في عملية الانشقاق جاء الرد عمليا من الطرف المتضرر بأن عقد مؤتمرا عاما حضره تسعمائة عضو من أعضاء الحزب قرر فيه الحاضرون بالإجماع سحب الثقة من المهندس إبراهيم شكري.

وقد انعقد هذا المؤتمر أيضا في بنك التنمية والائتمان الزراعي الذي لا يسمح بعقد مؤتمر حزبي فيه إلا بإذن الجهات الرسمية أي أن هذه الجهات كانت تعلم كل شيء فضلا عن إخطارنا كتابة بما تم بالتفصيل، وسوف أعاود الحديث عن هذا الانشقاق بشيء من التفصيل في القسم السادس كما ذكرت من قبل.

لا ينكر أحد أن السنوات الأولى من عمر تلك الأحزاب الأربعة اتسمت بجدية العمل والالتزام لحد كبير بلوائحها وبرامجها ولذلك كان لأدائها في تلك الفترة قيمة وطنية عالية جذبت المواطنين وأعلت من شأن تلك الأحزاب بسرعة فائقة حتى أصبحت النظرة للعضو القيادي في أي حزب نظرة احترام وتقدير، كما أصبحت حسابات المواطنين تقوم على أن العمل الحزبي عمل وطني شريف.

أما بعد انقضاء تلك السنين تغير الحال وأصبح أعلى موقع قيادي في أي حزب في نظر المواطنين لا يساوي عشر قيمته السابقة إذ هبطت قيمة العمل الحزبي وفيما يلي بعض المواقف المشرفة لحزب العمل الاشتراكي خلال السنوات الأولى من مولده وقد ارتبطت به بكل جوارحي منذ قيامه سنة 1979 حتى 1989 أي تسع سنوات كاملة وحتى انشق الحزب على مبادئه في مارس 1989م.

نأتي بعد البندين السابقين من سيئات الأداء الحزبي في بلدنا للبند الثالث وهو سجلات الحزب التي من أهمها سجل العضوية على مستوى الحزب (وكذلك سجلات العضوية في لجان المحافظات) التي يجب أن تكون مرقمة ومسلسلة ليمتنع عمل أي كشط أو تغيير في الأسماء.

وذلك لضمان عدم حضور أشخاص من خارج الحزب لمؤتمره العام الأمر الذي عانت منه أحزابنا كثيرا في الأعوام الأخيرة بتكرار حدوث التباس حاد عندما يدب الخلاف حول رئاسة الحزب فيتعذر الاحتكام لأعضاء الحزب الحقيقيين نتيجة عدم وجود سجلات تحددهم فيلجأ كل طرف لعقد مؤتمر وهمي يحشد له أكبر عدد ممكن من المأجورين يقرر فيه شرعيته وعدم شرعية الطرف الآخر وكل ذلك يحدث نتيجة عدم وجود سجلات عضوية سليمة.

للأسف كثيرا ما ينجح هذا التزوير ويتولى رئاسة الحزب شخص مرفوض من الأغلبية أصحاب الحق الشرعي في اختيار الرئيس أو سحب الثقة منه.

وهكذا فإن سجل العضوية من أهم وثائق الحزب التي تحافظ على الشرعية وتمنع التلاعب والتزوير في مسيرة الحزب.

ثم نأتي للإجراءات المتبعة في عقد الاجتماعات الدورية للمستوى التنظيمي الأعلى من لجان الأحزاب والتي كان لنا منها في حزب العمل الاشتراكي لجنتان هما اللجنة التنفيذية واللجنة العليا.

فبالرغم من أن اللوائح التنظيمية للأحزاب تنظم عقد هذه اللجان من حيث المواعيد وتحرير محاضر الاجتماع فإن أغلب الأحزاب للأسف غير ملتزمة بأصول وقواعد هذه الاجتماعات لا من حيث عقد الاجتماعات الدورية للجان في مواعيدها ولا من حيث تحرير محاضر الجلسات، ولا من حيث موافاة الأعضاء بجداول الأعمال.

فعلى سبيل المثال توجه الدعوة للأعضاء لحضور هذه الاجتماعات غير مصحوبة بجدول أعمال الجلسة، ويذهب العضو للاجتماع وهو خالي الذهن من الموضوعات المطلوب بحثها.

كذلك لا يحرر محضر واضح بما دار في الاجتماع من مناقشات وما اتخذ من قرارات ولو بشكل مختصر بحيث يكون لدى الحزب مرجع يرجع إليه في حالة قيام ضرورة لتفسير قرار معين أو الإلمام بظروف إصداره لحسم اختلاف وجهات النظر حول تطبيق القرار.

أيضا لا يحدث في أغلب الاجتماعات عند افتتاح الجلسة أن يتلى محضر الجلسة السابقة أو يوزع المحضر على الأعضاء بل تسير الأمور بشكل ارتجالي يخلو تماما من أي انضباط تنظيمي أو تسجيل لأعمال اللجان.

وبما أنه لا يمكن القول بأن قيادة الأحزاب وهي على هذه الشاكلة تجهل الأصول فهي إذن كانت تتعمد أن يكون الوضع هكذا لتظل فرصتها قائمة في اختلاق أي قرار بتفسير يتم تفصيله على هواها وبذلك يتحرك الحزب على مزاج رئيسه الذي عادة ما يحتضن أمين التنظيم فيسيطر الاثنان تماما على حركة الحزب ومستقبله، وأذكر أننا في اجتماعات اللجنة العليا لحزب العمل الاشتراكي كان بعض الأعضاء لا يتوقفون عن المطالبة بإرسال جدول الأعمال عند دعوتهم لحضور اجتماع ومعه محضر الجلسة السابقة.

وكان أحد الزملاء وهو الأستاذ محمد أبو الفضل الجيزاوي والذي كان أحد الضباط الأحرار الذين خرجوا ليلة 23 يوليو 1952 بقواتهم وأسلحتهم لعمل الانقلاب لا يكف عن الشكوى من هذا الوضع حتى إنه كان من حين لآخر يقدم شكوى موقعا عليها من عدد من الأعضاء للمهندس رئيس الحزب، إلا أن رئيس الحزب كان يتبرم ويتململ وفي النهاية أصدر قرارا بفصله من الحزب.

نأتي بعد ذلك لموضوع اشتراكات الأعضاء والتي تتراوح ما بين نصف جنيه وجنيه واحد. باستثناء اشتراكات بعض أعضاء اللجان القيادية التي تكون طواعية أكثر من ذلك.

والمهم في هذا الأمر أنه يوجد نص في اللوائح التنظيمية للأحزاب يلزم العضو بسداد الاشتراك الشهري لأن هذا الاشتراك الزهيد أقل ما يقال عنه إنه تعبير عن وجود التزام من العضو نحو حزبه، فضلا عن ضرورته لدعم مالية الحزب.

وأي حزب بدون مالية هو حزب أعرج يلزمه دعم سواء كان ذلك من الحكومة أو من عائد الحج أو تبرعات أعضائه.

وأقل ما يقال عن هذا الاشتراك أنه رباط بين العضو وحزبه وللأسف فإن هذا الرباط غير موجود في أغلب الأحزاب رغم أن حضور المؤتمر العام للحزب غير جائز إلا للعضو المسدد للاشتراك ومع ذلك لا أحد يراعي هذا الشرط.

كما أن الترشيح لعضوية لجان الشعبة والقسم والمحافظة فما فوقها يقتضي سداد الاشتراك وإلا يكون الترشيح باطلا .. كل هذه الشروط أصبحت مجرد نصوص في لوائح الأحزاب لا تلتزم بها رغم أهميتها.

ثم نأتي إلى تصاريح الحج وما أثير عنها في داخل الأحزاب، ويكفي القول بأن التصريح بالحج سواء كان للهيئات أو النقابات أو الأحزاب فالغرض منه هو تسهيل الحج على أعضاء هذه الجهات وأسرهم لأداء الفريضة المقدسة وذلك بتنظيم بعثة حج لأعضائها بأسعار معتدلة وإقامة مريحة ونظام ميسر لتأدية المناسك.

إلا أن ما يحدث في الأحزاب هو الاتجار العلني بتصريح الحج وما ينطوي تحته من خفايا وتربح كثيرا ما نسمع عنها ولا داعي لسردها لما يسببه ذلك من حرج شديد لبعض القيادات الحزبية.

جريدة الحزب

الحزب الذي لا يملك جريدة هو حزب أخرس لا صوت له مهما بلغ جهده في الالتحام بالجماهير والتواجد في الشارع السياسي ... ويجب على الجريدة الحزبية أن تلتزم بخط ثابت لا تخرج عنه، وأن تبتعد عن المسار اللولبي الذي تسير عليه بعض الصحف والتي تركب الموجة تارة وتميل مع الهوى تارة أخرى وتظل ترقص على الحبلين إلى أن تختفي عن الأنظار بعد عمر قصير.

كذلك يجب أن تحرص جريدة الحزب على أن تظل دائما قريبة من نبض الأعضاء ونشاطهم وفكر الحزب ومبادئه وألا تترك هذه الأمور للمحررين أو ينفرد بها رئيس التحرير.

جريدة الحزب هي جريدة سياسية في المقام الأول ولذلك يجب أن تكون معتدلة في تقديم الموضوعات المتعلقة بالأدب والفن والرياضة والعلوم وأخبار الشركات الكبيرة ورجال الأعمال. كما يجب أن تبتعد عن المديح والتعظيم الذي له مقابل ليكون تقييم العمل خالصا لوجه الله واتساقا مع مبادئ الحزب.

النقد البناء، والخبر الصحيح، والدعوة لرفع مستوى الفقير، وتقديم وسائل وسبل تحقيق هذا الهدف العظيم، والدفاع عن المظلومين جماعات وأفرادا، والمطالبة بسيادة القانون واحترام الدستور موضوعات ملحة يجب ألا تقصر الجريدة في تناولها بصدق وأمانة.

ولقد كانت للأحزاب الأربعة البارزة على ساحة العمل السياسي في سنواتها الأولى صحف قوية تجذب الجماهير ويعمل لها النظام الحاكم ألف حساب.

هذه الصحف بدون ترتيب هي الأهالي والوفد والشعب والأحرار التي ظلت تتوخى الدقة والموضوعية فيما تنشر لبضع سنوات وتقدم فكر أحزابها ومواقفها بصدق.

كذلك كانت صفحاتها مفتوحة لكل رأي حر يخلو من شبهة الانتماء لجهة أجنبية. غير أنه بعد انقضاء تلك السنوات الأولى دب القلق في قلوب القراء لتغير حال هذه الصحف ومواقفها من الأحداث.

أما رئيس التحرير فباعتباره أنه العامود الفقري للجريدة فيجب اختياره بدقة لأن فرصة التربح أمامه متوفرة.

وهو إذا قبل ذلك مرة واحدة سار في هذا الطريق القذر لآخر مداه مضيعا حزبه مهدرا لمبادئه. في نفس الوقت فحينما يكون رئيس التحرير أمينا فهو الشعلة المضيئة للحزب وإذا فقد الأمانة وقدم أفكارا وشخصيات على هواه على صفحات الجريدة يكون في ذلك انهيار الحزب.

كذلك توجد تحت يد رئيس التحرير بالاتفاق مع نفر من قادة الحزب ورئيسه الوسائل والسبل التي تؤدي لتحريك الحزب بعيدا عن هدفه ومبادئه.

أي أن الحزب يمكن أن يباع عن طريق جريدته إذا ما أراد رئيس التحرير ذلك بالاتفاق مع رئيس الحزب وتضامن نفر من قياداته. ولنا في حزب العمل الاشتراكي تجربة محزنة في هذا الشأن.

وتبدأ القصة عندما ترك حامد زيدان رئاسة تحرير جريدة الشعب فجأة وبدون مقدمات واختار رئيس الحزب عادل حسين ليحل محله، عندئذ بدأت الأرض تهتز تحت أقدام الحزب.

كنت في ذلك الوقت متغيبا عن مصر أسبوعين في زيارة عمل بالخارج، وحينما عدت وعلمت بذلك تحدثت مع رئيس الحزب لأعرف الأسباب فذكر لي أسبابا عن ترك حامد للجريدة لا أود الخوض فيها.

ثم قال لقد وجدنا من يحل محله – وجدنا عادل حسين. فسألته من هو عادل حسين وما تاريخه الصحفي خاصة وأن الاسم العائلي "حسين" نقدره إذا ما نسب للمناضل أحمد حسين مؤسس مصر الفتاة. فقال نعم إنه أخوه.

ورغم أننا لم نسمع من قبل أن عادل حسين كان له دور في حركة مصر الفتاة إلا أن هذا لا يمنع من أنه شقيق أحمد حسين فذلك وحده من وجهة نظري يغطي بصفة أولية مؤهلات تولي رئاسة التحرير باعتبار أنه من عائلة مناضلة، وأنه يملك قدرا من المواهب والوطنية لرئاسة التحرير.

ثم سألته هل لدى عادل حسين مؤهلات أخرى فقال هو أصلا شيوعي لكنه ترك الشيوعية رغم أنه كان من البارزين فيها.

فقلت له إذا كان قد ترك المذهب الشيوعي فهل كون مذهبا وفكرا جديدا يجعله قريبا منا كاشتراكيين، فرد قائلا إن الأمر كذلك ويمكن اعتباره مثلنا (يقصد مثلنا اشتراكيين) وهنا قلت له لا بأس من ذلك رغم أن خسارتنا في حامد زيدان تحتاج لجهد كبير لتعويضها وأنه ليس من السهل ملء الفراغ لأن حامد كان يحظى بحب واحترام جميع الأعضاء صغيرهم وكبيرهم، قاصيهم ودانيهم، شبابهم من الدماء الجديدة وشيوخهم من أعضاء مصر الفتاة السابقين.

وأضفت قائلا إن شاء الله عادل حسين سيثبت كفاءة وإني على استعداد لأخذه معي لزيارة لجان الحزب بالمحافظات وتقديمه للزملاء حيث كنت وقتها أمين الشئون المالية والاقتصادية للحزب مما كان يتطلب سفري أسبوعيا للجان المحافظات.

وبالفعل أخذته معي أكثر من مرة، واعتقد أنه ترك أثرا طيبا في نفوس الكثيرين من الزملاء في المرحلة الأولى من توليه رئاسة التحرير، إلا أنه أصبح بعد ذلك كثير العزوف عن مقابلة الأعضاء القادمين من المحافظات معهم موضوعات وأخبار تخص محافظاتهم.

بل كثيرا ما كان يستخف بهذه الموضوعات رغم أهميتها ويفضل نشر المقالات الطويلة التي تحمل أسماء بعيدة عن الحزب وعن العمل السياسي وأقرب لمن يكتبون عن الدين والشريعة. فضلا عن ذلك فإنه لم يكن يحضر المؤتمرات الجماهيرية التي يقيمها الحزب بالأقاليم.

وشيئا فشيئا تضاءل اتصاله بالأعضاء كما أصبح يتغيب عن اجتماعات مجلس إدارة الجريدة ولا يحضرها إلا حينما يستدعيه رئيس الحزب للرد على ملاحظات أعضاء مجلس إدارة الجريدة وخاصة ما كان يبديه المرحوم فؤاد نصحي من ملاحظات! وتنتهي المناقشة في كل مرة بمشادة بين الاثنين!! ... ثم يليها انسحاب عادل حسين من الاجتماع.

كما أنه كان يرفض بشكل قاطع أي ملاحظة أو توجيه أو نقد على ما تنشره الجريدة ويصر على التمسك بسياسته الانفرادية لا يريد التدخل من أحد لأن رأيه هو الأصوب!!

ثم تحول الحال إلى ما هو أسوأ، فأغلق الباب على نفسه بحجرته بالمقر الرئيسي للحزب بالسيدة لا يقابل سوى أعضاء محددين بالذات وكأنهم يرسمون ويخططون لشيء مجهول تبين لنا فيما بعد أنه خطة للتخلص من العناصر المتمسكة بمبادئ الحزب وبرنامجه ليحل محلهم عناصر من الإخوان المسلمين.

ثم بدأ تنفيذ هذه الخطة بمجرد أن قام التحالف بيننا وبين الإخوان بأن فتح أمامهم صفحات الجريدة لأسلمة هوية الجريدة.

وكنت في ذلك الوقت أكتب بانتظام في الجريدة وبعثت له بمقال عنوانه "هدف التحالف". وكان ذلك في شهر يوليو 1987 غير أن العدد صدر بدون المقال، فتصورت أن زحمة الموضوعات هي السبب.

ثم صدر العدد التالي ولم ينشر المقال أيضا، وهنا تحدثت مع رئيس الحزب في هذا الأمر فاقترح أن أجلس مع عادل للتفاهم.

فلما جلست معه لم أجد منه سببا مقبولا لعدم النشر وكل ما قاله إن المقال يحتاج لتعديل ما جاء به من حيث إن الغرض من التحالف هو دخول الانتخابات بقوة ويبقى لكل طرف فكره وعقيدته وبرنامجه للأجل الطويل!

كذلك اعترض على ما كتبته من أنه يتعذر حكم المجتمع بمجموعة من النصوص السماوية العامة والتعاليم الإلهية الشاملة إذ لا بد من توالي إصدار التشريعات والتوجيهات البشرية التي تتناسب مع الزمن والمتغيرات العالمية.

ثم امتد اعتراضه ليشمل ما كتبته من أن الذين يقولون (الإسلام هو الحل) لم يأتوا بشيء جديد وإنما يكررون نصا عاما وهدفا شاملا نجده في الرسالات السماوية الثلاثة، وعليهم وعلينا أن نقدم التفاصيل لهذا النص العام وبالشكل الذي يحافظ على محتواه، وبعد مناقشة طويلة مع إصراري على عدم تعديل أي شيء تم نشر المقال كما هو. وفيما يلي الأجزاء المهمة من المقال كما نشر بجريدة الحزب يوم 7 أغسطس 1987.

من مقال "هدف التحالف"

"كنا متيقنين أن الحكومة ستزور الانتخابات ليفوز مرشحوها بنسبة من المقاعد لا تقل عن 75% لذلك قامت فكرة تكتل أحزاب وفصائل المعارضة في قائمة واحدة باسم الوفد، ولما لم تنجح الفكرة قام التحالف الثلاثي بيننا والإخوان والأحرار.

لا شك أن هذا التحالف نجح في مواجهة ألاعيب الحزب الحاكم وتدخلا الحكومة أثناء الانتخابات وحصل بالفعل على عدد من المقاعد يمكنه من الدفاع عن الحريات وحماية الديمقراطية باعتبار أن ذلك هو الهدف الأساسي الذي قام التحالف من أجله.

نعم قام التحالف بالتحديد ليحقق مهمة وطنية أساسية هي حماية الديمقراطية والدفاع عن الحريات، ومن هذا المنطلق يجب أن تتسع قاعدة هذا التحالف وأن تقوم في البلد تحالفات مماثلة بين أكبر عدد من الفصائل والتجمعات والتيارات السياسية المختلفة لتقف مصر كلها مدافعة عن الحرية التي أصبحت هدفا لعدوان مستمر من رجال الحكم ومن جميع الوزارات وليس وزارة الداخلية وحدها.

ويبقى لكل طرف فكره وعقيدته وبرنامجه للأجل الطويل. ولذلك فالذين يقولون “الإسلام هو الحل” لم يأتوا بشيء جديد وإنما يكررون نصا عاما وهدفا شاملا موجودا منذ أن نزلت الكتب الثلاثة، وعليهم وعلينا جميعا أن نقدم التفاصيل لهذا النص العام.

ونحن في حزب العمل الاشتراكي لدينا برنامج هو أقرب للنظم الاشتراكية من أي شيء آخر، برنامج يقوم على الحرية والديمقراطية والإيمان بالله.

وفي الختام أوضح أننا سعداء بتحالفنا مع الإخوان والأحرار، ونعتبر هذه التجربة الرائدة أعظم ما تحقق على المسرح السياسي في مصر منذ عودة الحياة الديمقراطية في 1976 ونسأل الله أن يزداد هذا التحالف قوة في السنوات القادمة وأن ينتقل إلى الفصائل والتجمعات الوطنية الأخرى إلى أن يتم بناء صرح الديمقراطية عاليا في مصر وتصبح الحرية هي القلب النابض لكل مواطن.

بعد نشر المقال أبلغت بعض الزملاء من أعضاء هيئة مكتب الحزب وأعضاء اللجنة التنفيذية بموقف عادل حسين واعتراضاته فقال أحدهم وهو أكثرنا خبرة بالعمل السياسي "اعتقد أن عادل حسين يخطط لمسح التوجه الاشتراكي من الحزب ويمهد لسيطرة الفكر الإخواني علينا".

كان ذلك أقسى ما يمكن تصوره في ذلك الوقت لأن ما حدث بعد ذلك كان أبعد بكثير، إذ توالى نشر بيانات بجريدة الشعب صادرة من الإخوان كما لو كانوا هم أصحاب الجريدة.

فأصبح نشر صورة مرشد الإخوان يأتي قبل صورة رئيس الحزب، كذلك توالى نشر مقالات تتحدث عن الدين والشريعة وموضوعات أخرى لا صلة لها بالعمل السياسي بشكل مباشر وإنما هي مجرد مبادئ أخلاقية عامة يرددها أي حزب سياسي يدعو لحكم الشعب بالشعب بالأسلوب الديمقراطي حكما مدنيا لا حكما دينيا على نمط الخمينية والملالي (جمع ملا).

وفيما يلي نموذج لما كان ينشر بالجريدة تحت هذا المخطط:

نشرت الجريدة في العدد 385 – 6 أبريل سنة 1987 وعلى امتداد الصفحة الأولى بالكامل بعناوين رئيسية أن “الإسلام هو الحل”، ودعت إلى انتخاب قائمة حزب العمل الاشتراكي، وقدمت برنامج التحالف في عشر نقاط بالبنط العريض.

ثم نشرت الجريدة بنفس العدد المقال الثالث من سلسلة مقالات محمد عبد القدوس تحت عامود "أولاد البلد" بعنوان "لا ... للحلف غير المقدس" جاء فيه "إن تحالف حزب العمل الاشتراكي والإخوان والأحرار يقوم أساسا على الشريعة الإسلامية بمعنى أن تحكم هذه الشريعة المجتمع ويكون الدين أساس حركة الحياة في بلادنا ...

في مواجهة هذا التحالف الإسلامي قام حلف غير مقدس يرفض مفهوم الدين بهذه الطريقة، ويريد أن يجعله ثانويا هامشيا منزويا في الزوايا والتكايا"!!

ثم في العدد 386 – أبريل سنة 1987 نشرت الجريدة الصورة التالية للسادة شكري والهضيبي ومراد رافعين أيديهم معلنين أن التحالف مستمر ولن يتوقف.

ثم في العدد 388 لسنة 1987 تواصل الجريدة نشر سلسلة محمد عبد القدوس تحت عامود "أولاد البلد" بمقال عنوانه "أين الشريعة يا ريس" يقول فيه "هناك تصور خاطئ في ذهن الرئيس ينبغي تصحيحه، أنه يتخيل أن الشريعة ضد الوحدة الوطنية، أبدا هذا غير صحيح.

لقد عاش المسلمون والأقباط في ظل الشريعة مئات السنين في وحدة وطنية رائعة، ما يسيء إلى وحدتنا حقا أن تظهر الشريعة الآن وكأنها في حد ذاتها ضد الأقباط .. لا... هذا ظلم عظيم لديننا، وصدق القرآن الكريم عندما قال عن رسوله الكريم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" أي لكل الناس مسلمين وغيرهم".

وفي نفس العدد تنشر الجريدة مقالا للدكتور يوسف القرضاوي عنوانه "أي حوار مع العلمانيين يسأل:

من أنتم ومن نحن؟ وما هي هويتكم؟

تحديد المواقع والهويات".

ويقول في هذا المقال، "وأعني بذلك أن يحدد كل من الطرفين المتحاورين أين هو؟ وما هو؟ فلا يسوغ في منطق أن تجادل في الفروع من لا يؤمن بالأصول، أو تقنع بالشريعة من ينكر العقيدة".

ثم يسترسل قائلا: "حددوا لنا موقعكم بصراحة أيها الإخوة المحاورون، وقولوا لنا من أنتم، وما أنتم، حتى يكون حوارنا على بصيرة".

وفي عددها الصادر برقم 390 – مايو سنة 1987 كتب مصطفى مشهور (عضو مكتب الإرشاد) سلسلة من المقالات بعنوان "التيار الإسلامي ودوره في البناء"، جاء فيه:

"ونحب أن يعلم قومنا أن التيار الإسلامي سيكون له دور إيجابي نافع وفعال في قضية البناء بعكس ما أثاره المغرضون حوله من تخويف وتحذير منه على مستقبل هذا الوطن".

ثم يقول في العدد 391 مايو 1987:

"... وما أعتقده أن هذه الصفات المطلوب توفرها لمرحلة البناء الشاقة، لن يوجدها عند الجماهير إلا دافع العقيدة الدينية ..

وهذا ما يحرص التيار الإسلامي على التركيز به والدعوة إليه، وما يأخذون أنفسهم به، ومن هذا المنطلق نقول إن أفراد التيار الإسلامي سيكون من أنسب وأخلص العناصر المشاركة في البناء".

ويقول أيضا في العدد 393 يونيه 1987 تحت عنوان

"تعالوا إلى كلمة سواء".

"... ولنتفق عن اقتناع أنه لا بد من وضع خطة لبناء هذا الوطن بناء جديدا وليس ترميما. ولنتفق جميعا عن اقتناع على الفلسفة التي يقوم عليها هذا البناء، وأن تكون نابعة من الإسلام عقيدة هذا الشعب ودينه الرسمي، ولنتفق جميعا عن اقتناع بفشل المبادئ الأرضية التي وضعها بعض البشر في بلاد مختلفة وأزمان متغايرة".

ثم يتواصل نشر هذه السلسلة في العدد 394 يونيه 1987 تحت عنوان

"كيف يتحقق الاستقرار"

فيقول:

"أشرنا سابقا إلى ضرورة إحداث تحول كامل عند المواطنين حكاما ومحكومين من الاعتقاد بصلاح المبادئ الأرضية لحل مشاكلنا وبناء وطننا إلى الاعتقاد اليقين بأن الإسلام هو الحل الوحيد والحتمي لأنه منهاج رب العالمين لعباده الذين خلقهم، فهو أعلم بهم، وبكل ما ينفعهم. وما يضرهم، وما يصلحهم وما يفسدهم".

"إن هذا التحول في التفكير والاعتقاد أمر هام كخطوة أولى من خطوات البناء ويجب أن يتحقق مهما احتاج من وقت أو جهد كي نستبين الطريق ولا يلتفت أحد بعد ذلك إلى أي ناعق يزين أي مبدأ من المبادئ الأرضية أو يشكك في الحل الإسلامي".

وبعد ذلك يكتب سلسلة أخرى لا تقل عن عشر مقالات بعنوان "من التيار الإسلامي إلى شعب مصر" تتناول نفس المعنى الذي جاء في المقالات السابقة وتقوم على نفس الفكر وتدعو إلى نفس الدعوة.

كذلك كتب المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ محمد حامد أبو النصر بعض المقالات المتفرقة أذكر منها مقالا بعنوان "الإخوان المسلمون وخطاب مبارك" ونشر العدد 414 أكتوبر 1987 يدعو فيه لتطبيق الشريعة الإسلامية فيقول "ورد في خطاب السيد الرئيس دعوته مجلس الشعب إلى مراجعة شاملة للقوانين بحيث تكون ملبية لنصوص الدستور أي مطابقة لنص المادة 2 من الدستور التي نصت على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع".

إننا لا نكتفي بالنصوص ولكن نريد للشريعة الإسلامية الغراء أن تأخذ مكانها في التطبيق إذا كنا حقا نريد النهضة الكبرى التي يصبو إليها السيد الرئيس.

فالشريعة الإسلامية في هيكلها المتكامل توفر للوطن: المواطن الصالح وهو اللبنة الأولى في تشييد النهضة في كل مجال من مجالاتها".

ثم يسترسل معددا ما توفره الشريعة للوطن في هيكلها المتكامل قائلا:

"والشريعة الإسلامية هي التي تقدم لنا المجتمع الصالح الفاضل والتقاليد الاجتماعية السليمة ..."

ثم يستطرد قائلا:

"إن الشريعة الإسلامي هي التي تقدم النموذج الصالح للمعاملات المالية العادلة بين الأفراد". ولست أدري، هل كانت شركات توظيف الأموال هي الترجمة الأمينة والشرعية للمعاملات المالية العادلة التي ذكرها؟!

ولكي نقارن بين هذا الخط الدخيل على أسلوب تحرير الجريدة ومنهج الحزب تنفيذا لسياسة "أسلمة" الحزب فإني أقدم فيما يلي نموذجا مما كانت تنشره الجريدة في السنوات الأولى من عمرها عندما كان الحزب يشعر بنبض الجماهير والطبقات الفقيرة ويعمل على حكم الشعب بالشعب بأسلوب ديمقراطي طبقا لمبادئه وجميعها كانت تدور حول الموضوعات التالية:

فلقد جاء في عددها الصادر في مايو 79 الموضوعات التالية:

  • تآمر العراق ضد مصر لعزلها عن شقيقاتها الدول العربية لتوقيعها على معاهدة السلام مع إسرائيل.
  • أسباب التطرف الديني في الجامعات.
  • محمود أبو وافية يكتب سلسلة من المقالات عن تجربته مع حزب مصر واجتماع لجنة العمل السياسي بمجلس الشعب في أوائل عام 1976 الذي تهافت على حضوره أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي لبحث قيام المنابر الثلاثة:

تنظيم مصر، وتنظيم الأحرار، وتنظيم التجمع (والتي تحول فيما بعد إلى أحزاب) ذاكرا أن أحمد يونس وقف مخاطبا رئيس الوزراء السيد/ ممدوح سالم بعد اختياره رئيسا لحزب مصر بقوله "إنني أتمنى التوفيق لهذا التنظيم ولكني ألفت النظر إلى أن عددا كبيرا ممن يجلسون في هذه القاعة كانوا حتى الأمس معارضين لقيام المنابر أو التنظيمات – ولهذا التنظيم بالذات – أنهم اليوم يجلسون في الصفوف الأمامية وذلك لأنك رئيس للوزراء، وحينما تترك الوزارة، وحينما تترك الوزارة فلن يبقى في التنظيم أحد منهم ...

وبعد سنتين من هذه الكلمة الشجاعة استقال السيد/ ممدوح سالم من رئاسة الوزارة وقام الحزب الوطني الديمقراطي فهرول الجميع (إلا من عدد يسير) إلى الحزب الجديد الذي كان رئيسه الرئيس أنور السادات" ...

وفي رأيي أن هذا هو معدن غالبية رجال الاتحاد الاشتراكي الذين كانوا أكثر حرصا على البقاء في مناصبهم من إيمانهم بمبادئ الحرية والديمقراطية لشعب مصر.

وأن تجمعهم السابق في حزب مصر لم يكن عن عقيدة وجدانية وإنما كان عن سعي إلى السلطة والتمسك بأهدابها أينما كانت، وفي رأيي أن ذلك هو الفيروس الذي يصيب جميع الأحزاب التي تتشكل وفقا لقرارات فوقية نابعة من السلطة، ولا تتشكل طبقا لمبادئ تنبع من وجدان الشعب.


وفي عددها رقم 3 لسنة 79 نشرت عددا من الآراء المختلفة حول تطبيق الشريعة الإسلامية منها رأي الذين يقولون بفترة تمهيدية ... والذين يزعمون مطابقتها للقوانين الوضعية، والذين يخطئون الفهم في شئون الدنيا ...

كما نشرت رأي وزير الأوقاف الشيخ الدكتور عبد المنعم النمر الذي يدق ناقوس الخطر ويقول "لا يوجد علماء لتقنين الشريعة" وهكذا استمر هذا الحوار على امتداد شهور.

ثم في نفس العدد نشرت الجريدة صورة للتاريخ – الرئيس أنور السادات يقبل علم مصر قبل أن يرفعه عزيزا خفاقا في سماء العريش.

وفي عددها رقم 13 في 24/ 7/ 79.

- الجريدة تقول: المشاركة في صنع القرار لا يكون بالاستفتاء فقط.

- الأحياء السكنية الخالية من الخدمات، تملؤها برك المستنقعات، وتملأ شوارعها القمامة.

وفي عددها رقم 15 لسنة 79: تدخل الحزب الوطني في انتخابات النقابات العمالية.

كذلك فإنها تساءلت في عددها رقم 17 لسنة 79:

"دعم أسعار المواد الغذائية وهل يصل لمستحقيه"؟

وفي عددها رقم 21 لسنة 79: الصحافة سلطة شعبية وليست من سلطات الدولة.

وفي عددها رقم 23 لسنة 79 تتحدث عن: مسئولية خسائر شركات القطاع العام.

- كذلك فإنها في عددها رقم 32 ديسمبر 1979 اعترضت على المخالفات الدستورية للحكومة.

وفي عددها رقم 41 لسنة 80 نشرت اعتراضها على قانون العيب ومحكمة القيم.

ثم نشرت الجريدة في العدد 54 لسنة 1980 السؤال العاجل من النائب المرحوم أحمد فرغلي عضو الحزب لوزير الدولة للحكم المحلي – عن طريق أسيوط/ الغردقة، كما نشر خبرا حول قيام لجنة بور سعيد بتكريم الطلاب المتفوقين مع الإشارة لنشاطات اللجنة.

وفي نفس العدد الجريدة تقول: إسرائيل تواصل إقامة المستوطنات تنفيذا لمشروع القدس الكبرى. وتتحدث عن مشاكل المواطنين التي أبرزتها سلسلة مقالات بعنوان "متاعب الشعب والحلول المنتظرة" كتبها د. حلمي مراد.

"وفي نفس العدد تكتب عن تصدي نواب الحزب لقانون العيب وإبراهيم شكري يقول لنواب الأغلبية: "أناشدكم ضمائركم ليس هذا موضوع أقلية وأغلبية ولكنه موضوع مصر وشعب مصر".

"وفي نفس العدد المستشار ممتاز نصار يقول "أعارض هذا القانون من حيث المبدأ والمضمون فهو يمس مبدأ أصيلا في دستورنا الذي أقسمنا اليمين على احترامه.

هذا القانون منح المدعى العام الاشتراكي اختصاصات انتقصت من سلطة التحقيق الشرعية، ويجمع بين السلطة القضائية وسلطة التحقيق ... أنني أطعن بعدم دستورية هذا القانون.

  • وفي نفس العدد تطالب الجريدة بإيجاد حل سريع للسكان المتضررين حال صدور قرار بإخلاء مساكنهم.
  • وتسأل عن أسباب عزل السيد/ حسن كامل رئيس الديوان الجمهوري، وعضو مجلس الشعب، ومقرر لجنة الشئون الخارجية بالحزب الحاكم الذي كان مرشحا لتولي وزارة الخارجية علما بأن أسباب العزل لم تكن تمس نزاهته أو سلوكه، أو وطنيته، فلماذا كان العزل إذن؟

وفي عددها رقم 57 لسنة 1980 كتب د. حلمي مراد تحت عنوان "هل نحن مقبلون على مذبحة للقضاء والصحفيين؟" وتساءل في مقاله "هل من حق القضاء إبداء الرأي في قانون العيب؟" ثم قال: "ومن المفارقات الغريبة أن يهتم بعض رجال القضاء بالعمل السياسي في حين أنهم لم يفعلوا أكثر من ممارسة حق بل واجب نص عليه الدستور القائم في المادة 173 منه إذ أوجبت أخذ رأي المجلس الأعلى للهيئات القضائية في أي مشروع قانون يتعلق بشئون الهيئات القضائية.

وقد تضمن مشروع قانون العيب إنشاء محاكم جديدة باسم القيم تضم – إلى جانب القضاة المتخصصين شخصيات عامة لأول في تاريخ القضاء المصري الحديث.

ثم يسترسل فيقول: "وإذا كان إبداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بالهيئات القضائية وهو مطلوب بحكم الدستور فلم يعتبر تصرفا معيبا لمجرد أنه لم يأت موافقا لرغبة الحكومة والحزب الحاكم في حين أن الثناء على القرارات السياسية وإطرائها تباركه السلطة الحاكمة وترضى عنه؟

كذلك كتب د. وحيد رأفت في نفس العدد مقالا بعنوان "حتى لا تكون الديمقراطية كالطبل الأجوف".

- وفي عددها رقم 58 لسنة 80 تناولت الجريدة الدعوة لاستكمال التكامل بين مصر والسودان، وأكدت وجوب الاستمرار في سياسات التكامل بين مصر والسودان.

وفي عددها رقم 59 بتاريخ 10 يونيه 1980 نشرت الجريدة مانشيت كبير بأول صفحة: "رغيف نظيف ... وفول رخيص ... وسلام مع شعوب العالم وليس مع إسرائيل فقط".

  • وفي العدد رقم 60 سنة 1980 نشرت الجريدة مانشيت يقول "إن مصر ستتحول إلى الإقطاع المالي والصناعي، الذي يخلق مراكز جديدة للقوى والنفوذ ...". وهكذا نجد أن جريدتنا في سنواتها الأولى كانت بعيدة النظر إلى حد كبير لما نراه يحدث اليوم.

وفي هذا العدد دكتورة نعمات فؤاد تكتب مقالا بعنوان: "في مواجهة حقيقية لمعوقاتنا وتقول: "بناء الإنسان المصري" جملة غيرت شعارا في طوفان الشعارات.

هذا الإنسان كان بناء باذخا من عمل ألوف السنين .. ما الذي خربه؟ سؤال نقف عنده قبل الشروع في البناء من جديد حتى لا يعترض مرة أخرى للهدم والتحطيم".

ثم تقول "الإنسان المصري يفتقد الضمان والأمان في عمله وعلى نفسه ..." وما قالته الدكتورة نعمات هو تشخيص حقيقي لما وصل إليه حال الإنسان المصري اليوم.

مطلوب من الشباب أن يتحلى بأخلاق الرسول، ثم بدأت سلسلة مقالات لفؤاد هدية بعنوان: "الصناعة الوطنية مهددة" جاء فيها (... تحت نفس العنوان في عدد سابق أوضحت أن تجربة تشجيع الصناعة الوطنية مرت بمرحلتين منذ ثورة 1952.

الأولى في أعقاب عدوان 1956 تحت برنامج السنوات الخمس للصناعة التي كانت تجربة ناجحة، لكن للأسف كان عمرها قصيرا لأنها توقفت في أعقاب هزيمة 67 وأمام شعار لا يعلو صوت فوق صوت المعركة والذي انسحب إلى مجالا الصناعة، رغم أن أي رجل عسكري يعرف جيدا أن الصناعة عصب الحرب.

والتجربة الثانية بدأت بعد الهزيمة الساحقة ولم تكن في حقيقتها محاولة لإقامة صناعة وطنية وإنما كانت عملية ذبح للصناعة على أيدي الروس... ثم يتواصل الحديث بعد ذلك عن التجربة الثالثة بعد انتصار أكتوبر العظيم.

  • وفي العدد رقم 77 لسنة 80 كتب حامد زيدان عن الوجود الأمريكي في مصر قائلا: "وهناك قضية الوجود الأمريكي في مصر ...

ظرف جديد وخطير علينا لأول مرة منذ خروج الإنجليز يوم 18 يونيو سنة 1956 يعود الوجود العسكري لدولة أجنبية على أرض مصر العزيزة سواء في قاعدة راس بناس أو تسهيلات المرور البريء للمقاتلات والحاملات – والله أعلم بما تحمل وإلى أين المصير".

  • وفي العدد 81 لسنة 80 كتب اللواء محمد نجيب يتحدث عن أولويات الإصلاح في الدولة، وحديث مفتوح إلى الأشقاء العرب (صورة من الجريدة).
  • وفي العدد 83 لسنة 80 نشرت الجريدة تحقيقا لعبد القادر شهيب عن إلغاء نشاط 50 شركة قطاع عام بسبب الانفتاح.

وفي نفس العدد كتب إسماعيل فهمي وزير الخارجية الأسبق الذي لم يقبل الاستمرار في محادثات كامب ديفيد واستقال "حذرت ولا زلت أحذر من تجربة الماضي القريب ونصحت بعدم الارتماء في أحضان صداقات مفتعلة جديدة ... صداقات مسرحية ...

صداقات سطحية لا يمكن أن تنبت لها جذور أو ينمو فيها نبات صالح" (يقصد صداقات مع إسرائيل) ثم يسأل هل تقبل إسرائيل إقامة دولة فلسطينية وإعلان المنطقة خالية من السلاح النووي؟".

  • وفي العدد 89 يناير 1981 نشرت الجريدة مقالا للدكتور حلمي مراد بعنوان "التلاعب بالأرقام والكلمات في شئون الاقتصاد"، قال فيه إذا كان يحلو لبعض الكتاب أن يتلاعب بالألفاظ ويستخدم التشبيهات المجازية والمحسنات التعبيرية في مجال القصص والأدب لإقناع قرائهم بطرافة الأسلوب فإنه من غير المقبول أن يلجأ المسئولون عن إدارة الاقتصاد القومي إلى هذا الأسلوب في إلقاء بياناتهم أو إعطاء أحاديهم أو مخاطبة مجلس الشعب أو جماهير المواطنين حتى لا تختفي حقائق الأوضاع الاقتصادية أو يفهمها الناس على غير وجهها الصحيح".
  • ثم في العدد 97 لسنة 1981 نشرت مانشيتا مماثلا بعنوان: لا ... لكامب ديفيد ولتطبيع العلاقات ... ولسفارة إسرائيل في القاهرة.
  • بعد ذلك في العدد 103 لسنة 81 نشرت سلسلة للمرحوم فؤاد نصحي بعنوان "في المليان" كتب فيها مقالا تحت عنوان "مدى الحياة" قائلا "في فرنسا ستجري يوم 26 أبريل الجاري الانتخابات لاختيار رئيس الجمهورية من بين 10 مرشحين بينهم 3 سيدات، ورغم أن ديستان" الرئيس الحالي هو الذي يملك السلطة الآن إلا أن استطلاعات الرأي العام تقول إنه معرض لعدم إعادة انتخابه، وينشر هذا في الصحف الفرنسية وخارج فرنسا فلا يغضب ولا يهاجم الرئيس هذه الصحف، أو يمنع التليفزيون من عقد الندوات وإدارة الأحاديث مع منافسيه في الترشيح لرئاسة الجمهورية".

وحزب العمل الاشتراكي الذي يحذر من أخطار خروج الحزب الحاكم عن مسيرة الديمقراطية التي نص الدستور المصري على قيامها على أساس تعدد الأحزاب السياسية، وحرية التعبير عن الرأي يعلن للشعب المصري ما يلي: (انظر البيان في ملاحق الكتاب).

نواب الشعب

خلاصة الحياة الديمقراطية هي أن يمثل الشعب نواب أمناء لديهم الكفاءة للرقابة على المال العام وتنميته فضلا عن إصدار التشريعات التي تحمي حقوق المواطنين والحريات. لكن للأسف فإن أداء الكثيرين من نوابنا لا يسر ولا يبشر بتحقيق الأهداف الديمقراطية.

وقد أخذ هذا الحال يتفاقم دوره بعد دورة حتى أصبح هؤلاء النواب عبئا على الشعب يجب التخلص منه، إذ لا ينكر أحد أن وزن مجالسنا النيابية منذ عام 1971 يتناقص بلا توقف أو علاج حتى وصل حال المجلس في دورة1998 إلى منتهى ما يمكن أن يتحمله نظامنا السياسي.

نقرأ في الجرائد عن فضائح كثيرة، ونشاهد على شاشة التليفزيون في اجتماعات المجلس مناظر تدعو للتساؤل ... نقرأ عن رفع الحصانة عن نواب يشتبه في ارتكابهم أعمالا مخالفة للقانون، نواب يعتدون بالضرب على موظفي الدولة، وآخرين لا يحضرون جلسات المجلس ويتقاضون بدل الحضور بتوقيع مزور، كما نشاهد على الشاشة مقاعد خالية من الأعضاء إلا من عدد قليل منهم.

ونشاهد المتحدث الذي يسأل أو يستجوب أمام الميكرفون وقاعة المجلس تعج بنواب يلاحقون وزيرا حاضرا لجلسة ليحصلوا منه على تأشيرة للطلبات التي في أيديهم. وكل هذه الأمور تنذر بنهاية قريبة لدور مجلس الشعب.

السبب الرئيسي لفشل هؤلاء النواب يرجع لتزوير الانتخابات التي أتت بهم للمجلس. فقد أصبح أمرا طبيعيا أن نتحدث في بلدنا عن نائب شرعي لم يفتح له المجلس أبوابه وآخر غير شرعي فتحت أبواب المجلس أمامه.

وهؤلاء النواب غير الشرعيين ليسوا خمسة أو عشرة بل وصل عددهم لمائة وسبعين نائبا حتى آخر عام 1998 أي أكثر من ثلث المجلس (المرجع التقرير الاستراتيجي العربي – مركز الدراسات والاستراتيجية لجريدة الأهرام).

وبإضافة عدد النواب الغير شرعيين – وهو 170 نائبا – لبعض النواب الشرعيين الذين نجحوا بالبلطجة فإن الرقم يتخضم ويصبح الجزء الأكبر من أعضاء مجلس الشعب عبئا على المجلس وعبئا على النظام السياسي وبالطبع عبئا على الشعب المسكين.

أما البعض من النواب الغير مطعون في شرعيتهم بالتزوير من المؤكد أنه مطعون فيها أمام الضمير – وليس المحاكم – مطعون بأن نجاحهم لم يتحقق نتيجة لرغبة ناخبي تلك الدوائر وإنما كان فوزهم بالمقعد لسببين مرفوضين شرعا.

والسبب الأول هو الإنفاق بسفه على المعركة حتى أصبحت لافتاتهم كأنها سرادقات معلقة، ومواكبهم كأنها احتفال بعودة سعد زغلول من المنفى، فضلا عن القذف بمئات الألوف من الجنيهات على تجار الأصوات مرتكبين بذلك مخالفة صريحة للقانون رقم 38 لسنة 1972 وقرارات وزير الداخلية التي تحدد الأقصى للمبالغ التي لا يجوز للمرشح أن يتخطاها في الدعاية الانتخابية بمبلغ خمسة آلاف جنيه، ناسين أن الحق تعالى يسمع ويرى ما يفعلون وسيحاسبهم يوم الحساب على هذا التخريب.

كما أن هذه التصرفات غير المسئولة تعطينا انطباعا بأن إقطاعا من نوع جديد هو إقطاع سياسي قد أفرزته الأوضاع الاقتصادية في البلد. كل هذا يحدث والأجهزة الرقابية لا تتدخل ولا تفعل شيئا.

مرة أخرى نشير إلى نص المادة (11) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب والمعدل بالقانون رقم 23 لسنة 1979 حيث تضمنت ضرورة التزام الأحزاب السياسية وكل مرشح لعضوية مجلس الشعب في الدعاية الانتخابية بالمبادئ التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء بتاريخ 20 أبريل سنة 1979.

وكذلك بالمبادئ المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي وكذلك بالوسائل والأساليب المنظمة للدعاية الانتخابية وبالحد الأقصى للمبالغ التي يجوز إنفاقها عليها.

ومن أجل إضفاء الجدية على تلك المادة وإلزام المرشحين باحترامها نصت المادة (11) سالفة الذكر على توقيع العقوبة المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 73 لسنة 1956 على المخالف.

كما تضمنت المادة أيضا عقوبة تبعية أخرى تتمثل في حرمان المخالف لأحكام هذا القانون من مباشرة حقوقه السياسية.

والسبب الثاني هو أعمال البلطجة التي كان أبرز ما فيها النبوت، وأذكر أن صديقا لي قص علينا قصة الانتخابات في إحدى الدوائر بالشرقية وكيف أنه بمجرد فتح باب الترشيح زحف على الدائرة عدد من المتخصصين في تقطيع الأشجار وتحويلها إلى نبابيت لتكون سلاحا للمعركة.

فإذا انتقلنا لأداء هؤلاء النواب داخل المجلس لوجدناه عديم الجدوى. هؤلاء هم أبطال التخلف عن حضور الجلسات رغم النقص في عدد الحاضرين.

ولذلك سمعنا كثيرا عن مشروعات بقوانين مرت في المجلس مر الكرام ثم تعدلت وتعدلت أكثر من مرة لأنها ولدت غير مدروسة الدراسة الكافية (أي ولدت مسلوقة) والعلاج هو أن نترك الحرية الكاملة للمواطنين وللأحزاب لترشيح من يرونهم أهلا للمقعد، ونمنع التزوير ومخالفة القوانين المنظمة لعملية الانتخاب منها نهائيا، ونضع الضوابط التي تضمن حضور النواب للجلسات كذلك نمنع ملاحقة الوزير في الجلسة للحصول على تأشيرة ليصبح أداء النائب من أجل كل المصريين وكل شبر على أرض مصر ولا يقتصر على دائرته فقط أو على نفر من المحظوظين.

في نفس الوقت نعطي الفرصة كاملة للنائب ليسأل أو يستجوب وذلك بجانب تنظيم لقاءات بين النواب والوزراء أو نوابهم لبحث المخالفات الصريحة التي يلمسها النائب بنفسه ويتأكد من وقوعها للقضاء عليها.

ولقد مرت برلماناتنا السابقة لثورة 23 يوليو بتجارب وأخطاء كثيرة متعلقة بغياب النواب مما يؤدي لعدم توافر النصاب القانوني وأمكن التغلب عليها بوضع ضوابط تعالجها، منها معاقبة النائب الذي يتغيب خمس جلسات متتالية بإعلان اسمه في دائرته الانتخابية وفي الجريدة الرسمية، ومنها فصل العضو الذي يتغيب عن اللجنة التي هو عضو بها ثلاث اجتماعات متتالية، ومنها ما نصت عليه لوائح تلك البرلمانات على ضرورة عرض كشف توقيعات الأعضاء الحاضرين بالجلسة على رئيس المجلس ليطابقه على عدد الحاضرين وبذلك يقرر صحة الانعقاد من عدمه.

والغريب أن أول مجلس نيابي في عهد الثورة سنة 1958 أخذ بهذه الضوابط فلماذا لا يعمل بها في مجالسنا الحالية، بل وإضافة المزيد من الضوابط ضمانا لتحقيق صحة انعقاد الجلسات بلا مشاكل وتمكين المجلس من القيام بدوره بشكل سليم؟

والكل يعرف أن عددا كبيرا من المرشحين لم يكن نجاحهم في الانتخابات لشعبيتهم بقدر ما كان تنفيذا للأوامر، إذ يكفي لمرشح الحزب الحاكم أن يقيد اسمه في جدول المرشحين والباقي تولاه أجهزة الإدارة المحلية من الألف للياء بكل ما بينهما من مخالفات وفضائح تهدم صحة انتخابهم.

ومعنى صدور تعليمات لإنجاح مرشح بالذات رغم إرادة الناخبين أنه من الضروري إسقاط المرشح الذي يستحق النجاح – خطأ هنا وخطأ هناك، فيا سبحان الله.

غير أن الوضع تعدل قليلا تعدل قليلا عما كان عليه في سنوات تكميم الأفواه. في ذلك الوقت كان محرما اتخاذ أي خطوة نحو الديمقراطية، وممنوعا أي تحرك يتسم بالعمل الديمقراطي، لأن ذلك كان يصطدم بفلسفة النظام الحاكم وإصراره على حكم الفرد حكما ديكتاتوريا.

اليوم يوجد مجلس شعب يقال فيه الكثير، غير أن نتيجة التصويت تكون دائما في صالح الحكومة ... اليوم يوجد مجلس شورى موقر يناقش بموضوعية ويقدم المقترحات والسياسات السليمة بلا حرج أو خوف غير أنه فنيا يعتبر مجلسا استشاريا يقدم المشورة وليس من اختصاصه أن يشرع أو يحاسب.

اليوم توجد إصدارات وكتب في غاية الروعة متحررة من الخوف آمنة من المصادرة على رأسها التقرير الاستراتيجي لمركز جريدة الأهرام وله سبع مطبوعات يلمس القارئ والدارس من خلالها تقدما ملحوظا في الأخذ بالديمقراطية في مصرنا العزيزة.

كذلك فإن أكبر دليل ملموس على هذا التقدم الديمقراطي هو حرية النقد البناء على صفحات الجرائد، مثال ذلك ما يدور من جدل حول مشروع توشكى، ذلك المشروع العظيم الذي يبشر بمستقبل كبير لمصر وينقذ الصعيد من كبوته، هو أولا مشروع كبير بالمقاييس العالمية درس دراسة وافية من كافة جوانبه واشتركت فيها مؤسسات هندسية وفنية، أي أنه لم يسند أمر هذا المشروع لدولة واحدة كما كان الحال من قبل وبذلك توفرت لنا (حرية الاختيار) وهو مبدأ سيادي نجحنا فيه.

هذا المشروع لم يستفز أحدا في إقامته بل انجذبت إليه وتهافتت عليه دول كثيرة وهو مشروع مكمل لمشروع السد العالي الذي يمكن أن نطلق عليه المشروع الأم الذي تتوالد منه مشروعات إنمائية كثيرة من بينها مشروع توشكى الذي نتحدث عنه.

نعود لحرية النقد البناء حيث نجد أن بعض الصحف تعارض هذا المشروع وتقول إنه يتعرض لمخاطر ومشاكل مما يشكك في جدواه.

والشيء المهم هو أن نقد هذا المشروع حسبما رآه المعترضون أمر لم يذهب أصحابه وراء الشمس كما كان عليه الحال وقت مشروع السد العالي حينما وقف عضو بعيد النظر يقول في اجتماع للاتحاد الاشتراكي كان مخصصا لتدارس المشروع وفوائده الاقتصادية ومردوده الاجتماعي أنه من الضروري ألا نغفل أهمية استمرار تدفق الطمية في النيل لتغذي الأرض في قبلي وبحري ونوفر للبلد مبالغ طائلة يخشى أن تذهب ثمنا للأسمدة في حالة انقطاع الطمية.

هذا العضو اعتقل بسبب نصيحة أبداها، وظل بالاعتقال عامين رغم أنه كان من المعلوم أن مشروع السد العالي مشروع متكامل يبدأ ببناء السد ثم توليد الكهرباء ثم العمل على تدفق أكبر قدر من الطمية وهو يدرس بالفعل في الوقت الحالي كل ذلك بجانب تقوية الكباري كي تتحمل عملية النحر في مجرى النهر، مما يقتضي إقامة حواجز على ساحل دمياط ورشيد لحمايته من التأكل أي أنه مشروع ضخم متكامل يستحق توجيه النصيحة والتحذير من ارتكاب خطأ في التنفيذ أو التجاوز عن مرحلة من مراحله المتعددة ولذلك كان إبداء هذا الرأي وقتئذ لا يبرر الاعتقال، لكن المسئولين بالاتحاد الاشتراكي اختاروا طريق التخويف الذي تعودوا عليه تكميما للأفواه، ومنعا لأي حديث يثار.

فلننظر اليوم للموقف من المعترضين على توشكى، هل اعتقل منهم أحد، هل كممت أفواه؟ وقصفت أقلام؟ لا شيء من ذلك بل أخذ المسئولون عن المشروع ينشرون تباعا الخطوات والدراسات التي أحاطت بالمشروع لتأكيد سلامته ردا على الاعتراض عليه والتشكيك فيه.

ولا شك أن الفارق كبير بين الحالين وهو ما يؤكد التقدم الملموس في احترام الرأي الآخر وحرية النقد إلى حدود أبعد من ذي قبل وهو ما يعني أننا نتقدم نحو الديمقراطية التي نتمنى أن تكتمل في وقت قصير.

بين تحقيقات محكمة النقض وقرارات مجلس الشعب بشأن الطعون الانتخابي

وقعت مخالفات كثيرة لأحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 المنظم لمباشرة الحقوق السياسية والتعليمات الخاصة بإدارة اللجان الانتخابية سواء في مرحلة الاقتراع أو مرحلة الفرز.

وقد أسفرت التحقيقات التي أجرتها محكمة النقض من واقع أسباب ومستندات الطعون المحالة إليها من مجلس الشعب لتحقيقها والمتضمنة مخالفات تشوب العملية الانتخابية في عدد كبير من الدوائر الانتخابية أدت إلى دخول 170 عضوا في المجلس (مائة وسبعين) مطعونا في صحة انتخابهم – راجع التقرير الاستراتيجي العربي لسنة 1998.

وتتمثل هذه المخالفات فيما يلي

  1. مخالفة بعض اللجان الفرعية للإجراءات المنصوص عليها بالمادة 32 من القانون 73 سنة 1956.
  2. بطلان بعض محاضر انتخاب اللجان الفرعية "نموذج 51 ش" لعدم التوقيع عليها من رؤساء تلك اللجان أو من أعضائها.
  3. بطلان بعض كشوف فرز أصوات اللجان الفرعية "نموذج 50 ش" وكذلك محاضر إجراءات الفرز "نموذج 48 ش" لعدم التوقيع عليها مما يفقدها أحد ضماناتها.
  4. بطلان تشكيل لجان الفرز لمخالفة المادة 24 من القانون أعلاه مما يؤدي لبطلان قراراتها.
  5. بطلان محاضر إجراءات فرز اللجنة العامة "49ش" لعدم التوقيع عليها.
  6. بطلان بعض كشوف الانتخابات الخاصة بكل لجنة من اللجان الفرعية.
  7. بطلان عملية الفرز التي تتم في مكان آخر غير المكان المخصص لعملية الفرز.
  8. بطلان عملية التصويت التي توضع علامة على بطانة الرأي لإبطال الصوت.

وبعد أن تحقق محكمة النقض في أسباب الطعن وتثبت وجود مخالفات قانونية تقرر بطلان الانتخاب وترسل تقريرها للدكتور رئيس مجلس الشعب الذي يعرضه على أعضاء المجلس وفي كل مرة وبلا استثناء يرفضونه. وهكذا يستمر المرشحون – الذين أثبتت محكمة النقض في تقاريرها بطلان انتخابهم – يستمرون أعضاء بالمجلس رغم بطلان نجاحهم في الانتخابات مما يجعل المواطنين يطلقون على الطاعنين النواب الشرعيين.

(لا يضيع حق وراءه مطالب)

هذه الكلمة المأثورة في مصر في أس الحاجة لتذكرها والعمل بها. ولذلك فإني أشير إلى أولئك المرشحين الطاعنين الذين قررت محكمة النقض بطلان الانتخابات في دوائرهم والذين رفض المجلس النتيجة التي انتهت إليها المحكمة مقررا صحة عضوية النواب المطعون فيهم فلم يجد هؤلاء الطاعنون مناصا من اللجوء إلى إقامة دعوى تعويض ضد وزارة الداخلية باعتبارها الجهة المسئولة عن المخالفات التي أبطلت نجاح المرشح المتضرر.

هؤلاء المواطنون من وجهة نظري أبطال، ضربوا لنا المثل بأن من يطالب بحقه ويناضل من أجل الحصول عليه سيناله مهما كان المشوار طويلا مزروعا بالأشواك.

وعلى سبيل المثال فإن أحد مقدمي هذا الطعن بدأ مشواره بعد انتخابات 29/ 11/ 1990 مباشرة وبعد أحد عشر شهرا حصل على تقرير إيجابي من محكمة النقض مؤكدا لأسباب طعنه ومقررا بطلان الانتخابات في دائرته.

فلما لم يتمكن من دخول المجلس طالب وزارة الداخلية بالتعويض عما لحقه من ضرر، وحكم له بتعويض قدره مائة ألف جنيه في 10/ 2/ 1999، أي بعد ثمانية سنوات وشهرين وعشرة أيام قضاها في المحاكم، وكان ذلك المشوار طريقا مضيئا بنور عدالة القضاء المصري ومثلا لما يجب أن يكون عليه كفاح المواطن وصلابته حينما يطالب بحقه ويدافع عن كرامته.

الأمر الغريب الذي يثير التساؤل أن قطبين من أقطاب أحزاب المعارضة، أحدهما الرجل الأول في حزبه، والثاني هو الرجل الثاني في الحزب الآخر، هذا القطبان احتضنتهما وزارة الداخلية في انتخابات سنة 1995 وارتكبت مخالفات قانونية لإنجاحهما مما دعا المنافسين لهما كل في دائرته للطعن في الانتخابات التي أجريت في هاتين الدائرتين وخلصت المحكمة في تقريرها إلى بطلان انتخابهما (راجع الطعنين الانتخابيين رم 375 لسنة 65 ق، ورقم 419 لسنة 65 ق طعون مجلس الشعب).

ويبقى السؤال: ما الذي حدا بوزارة الداخلية أن تصر على إنجاح هذين القطبين بالمخالفة للقانون ... وإذا كان مطلوبا تجميل المجلس بإدخال قطبين إليه كممثلين للمعارضة فما هو المانع أن يكون ذلك بالتعيين. إن التعيين في هذه الحالة عمل سليم لا يتعارض مع الأسلوب الديمقراطي في حالة قبول قطبي المعارضة ذلك. فضلا عن عدم مخالفته للدستور.

وفيما يلي نموذجين من الطعون التي قدمهما بعض المرشحين لمحكمة النقض والتي قررت فيهما بطلان الانتخاب:

النموذج الأول: التقرير في الطعن رقم 42 لسنة 61 ق (انتخابات 29/ 11/ 1990) الذي انتهى بتقرير السيد المستشار المحقق إلى قوله:

"ومن حيث إن المادة 34 من القانون رقم 73/ 1956 سالف الذكر قد أناطت بلجنة الفرز المكونة من رئيس اللجنة العامة وعضوية رؤساء اللجان الفرعية وأمنائها فرز أصوات الدائرة وألزمت المادة 36 من ذات القانون أن يوقع رئيس اللجنة العامة وجميع أعضاء لجنة الفرز على نسختين من محاضرها باعتبار أن ذلك هو السند الأخير لإعلان نتيجة الانتخابات بعد إجراء عملية الفرز على النحو المثبت بالقانون.

لما كان ما تقدم فإن البين من فحص الأوراق والتحقيقات التي أجريت بشأن الطعن أن عملية الانتخاب من أولها بداية بعملية التصويت بمعرفة اللجان الفرعية وما ثبت من أنب بعض رؤساء تلك اللجان وأمنائها لم يصدر قرار بتعيينهم من السلطة المختصة – ومن عدم حضور المندوبين بالعدد اللازم قانونا، ومن عدم توقيع هؤلاء على بعض محاضر تلك اللجان – وانتهاء بما بينه من أعمال لجنة الفرز التي لم تراع في عملها الإجراءات والأوضاع المقررة على نحو ما سلف بيانه من قبل تفصيلا.

فإن عملية الانتخاب على هذه الصورة تكون قد شابها العوار لمخالفتها أحكام القانون الذي نظم تلك العملية على نحو يتضمن سلامتها.

فإن خولفت أحكامه على نحو ما تقدم وبصورة تدعو إلى الشك والريبة في تلك العملية فإنه لا مناص من القول ببطلان ذلك أنه وإن كان القانون لم يرتب البطلان جزاء على مخالفة أحكامه، إلا أنه تبين منه أن تلك النصوص التي وردت به آمرة باتباع أحكامه. فإن خولفت فالقول بالبطلان أمر واجب. وإلا عدت تلك الأحكام لغوا لا قيمة له.

يتبعها من شاء ويعرض عنها من أراد وفي هذا مسخ لإرادة المشرع في أن تتم عملية الانتخاب على نحو يضمن جديتها ونزاهتها. وتوخي الدقة في اتباع إجراءاتها.

لذلك نرى عرض الأمر على الدائرة بالموافقة على قبول الطعن شكلا وفي الموضوع ببطلان عملية انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن الدائرة الرابعة قسم شبرا الخيمة ثان والتي أجريت بتاريخ 29/ 11/ 1990 وإرسال هذه المذكرة بالرأي وكافة الأوراق إلى مجلس الشعب للنظر.

المستشار المحقق توقيع المستشار بمحكمة النقض

قررت الدائرة إرسال الأوراق إلى مجلس الشعب بالموافقة على ما انتهت إليه هذه المذكرة، نائب رئيس المحكمة

توقيع

النموذج الثاني

تقرير بالرأي في الطعون الانتخابية أرقام 314 لسنة 65ق، 315 لسنة 65ق، 317 لسنة 65ق، 318 لسنة 65ق طعون مجلس الشعب ...

لما كان ذلك وكانت المادة 34 من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية قد نصت على أن يعلن رئيس اللجنة الفرعية ختام عملية الاقتراع متى حان الوقت المعين لذلك، وتختم صناديق وأوراق الانتخاب ويقوم رئيس اللجنة بتسليمها إلى رئيس اللجنة العامة لفرزها بواسطة لجنة الفرز التي تتكون برئاسة رئيس اللجنة العامة وعضوية رؤساء اللجان الفرعية ويتولى أمانتها أمين اللجنة العامة فإن محاضر اللجان الفرعية تكون هي الأساس الذي تقوم على العملية الانتخابية كلها وتعتمد عليها اللجان العامة بخصوص نتيجة الفرز النهائية وبالتالي نتيجة الانتخابات.

كلها وتعتمد عليها اللجان العامة بخصوص نتيجة الفرز النهائية وبالتالي نتيجة الانتخابات. لما كان ذلك، وكان الثابت من فحص أوراق الانتخابات التي جرت يوم 29/ 11/ 1995 بالدائرة محل هذه الطعون – على ما سلف بيانه – أن عدد بطاقات إبداء الرأي التي وجدت بصناديق الفرز حسبما ورد بالنموذج 46 ش، لا يطابق عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم طبقا لما ورد بالنموذج 51 ش في عشرين لجنة فرعية.

وأن النموذج 48 ش الخاص بعدد البطاقات التي وجدت بصناديق الفرز لم يوقع من الرئيس والأمين في عشرين لجنة فرعية، ولم يوقع من الأمين في سبعة وأربعين لجنة ولم يوقع من الأعضاء في خمس لجان. وإن النموذج 51 ش الخاص بعدد الناخبين وأربعين لجنة ولم يوقع من الأعضاء في خمس لجان.

وإن النموذج 51 ش الخاص بعدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لم يوقع من الرئيس في لجنتين ولم يوقع من الأمين في خمس لجان ولم يوقع من الأعضاء في أربعة وعشرين لجنة، وجاء خلوا من أية بيانات في ست لجان.

وذلك على التفصيل الوارد بهذا التقرير، وتقرير الفحص، لما كان ذلك، وكان القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية ولائحته التنفيذية قد أوجب اتباع الإجراءات المنصوص عليها فيه كضمانة أساسية وجوهرية تكفل سلامة العملية الانتخابية بإثبات كافة الإجراءات التي تصاحبها من بدايتها وحتى نهايتها بإعلان نتيجتها فإن إغفال هذه الضمانات الأساسية، وعدم اتباع تلك الإجراءات الجوهرية يعد إخلالا بما أوجبه القانون ولائحته التنفيذية وإهدارا لإرادة الناخبين.

وكانت انتخابات مجلس الشعب التي جرت بالدائرة الأولى قسم شرطة الجيزة يوم 29/ 11/ 1995 قد أهدرت فيها الضمانات، وانطوت على العديد من المخالفات وعدم اتباع الضوابط والإجراءات التي نص عليها القانون، وشابها عدم الدقة في حصر عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم وعدد البطاقات التي وجدت بصناديق الفرز في عدد كبير من اللجان الفرعية على التفصيل الوارد بهذا التقرير.

مما يشكك في سلامة البيانات المسجلة بمحاضر تلك اللجان ويدعو إلى عدم الاطمئنان إليها ويفقد الثقة فيها وفيما أسفرت عنه من نتائج على نحو يبطلها وكافة الآثار المترتبة عليها مما يبطل انتخابات مجلس الشعب في الدوائر المذكورة.

لذلك ترى محكمة النقض بطلان انتخابات مجلس الشعب التي جرت في الدائرة الأولى ومقرها قسم شرطة الجيزة – محافظة الجيزة – يوم 29/ 11/ 1995.

المستشار المحقق توقعي

ترسل الأوراق إلى مجلس الشعب بالتقرير المرفق

نائب رئيس المحكمة توقيع

قدمت هذين النموذجين من الطعون للوقوف على مدى الاستهانة بالقانون في أخص خصائص الديمقراطية ليعمل الجميع على تلافيها مستقبلا أن كنا حقا نريد نظاما ديمقراطيا صحيحا وسليما ومطابقا للدستور والقانون.

موقف مجلس الشعب من الطعون الانتخابية وتقارير محكمة النقض

مع ذلك يجب ألا ننسى أن الجهة النهائية التي تحدد ما يتخذ من إجراء بعد تقديم الطعون ثم الانتهاء من تحقيق محكمة النقض فيها وإحالة تقاريرها إلى مجلس الشعب هذه الجهة كنص الدستور هي مجلس الشعب.

أي أن الدستور أوكل لمجلس الشعب وحده الاختصاص في الفصل في صحة عضوية أعضائه حسبما تنص عليه المادة 93 من الدستور.

وجهة نظر الذين يحترمون الدستور أنه لا بأس من ذلك وأنا مع هذا الرأي لا يجب أن يكون مجلس الشعب هو صاحب الحق في إصدار الحكم في الطعون بعد إتمام إجراءات التحقيق فيها شريطة أن يكون هذا الفصل موافقا لما تم تحقيقه من محكمة النقض ولا يجافي روح العدل والقانون.

إن استعمال هذا الحق يتطلب منا الاستماع لما قالته لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب في التقارير التي أحيلت إليها من محكمة النقض مقررة فيها بطلان الانتخاب في بعض الدوائر.

فبالنسبة للطعنين رقمي 520، 521 لسنة 65 ق في صحة إجراءات الانتخابات التي أجريت يوم 29/ 11/ 95 ويوم 6/ 12/ 95 (الإعادة) بالدائرة العاشرة ومقرها مركز شرطة البدرشين محافظة الجيزة، قال تقرير محكمة النقض "أنه بمطالعة كشف الوفيات الخاص بالدائرة وكشف أسماء الناخبين نموذج 38 ش تبين أن بعض من ثبت وفاتهم قبل عملية إجراء الانتخاب قد أدلوا بأصواتهم في الانتخاب".

"كما أن عمليي الاقتراع وفرز الأصوات بالدائرة 10 قسم شرطة البدرشين بتاريخ 6/12/ 1995 قد شابها البطلان وذلك وضح من مطالعة المحررات أرقام 38ش، 48ش، 50ش، 51ش، كما ثبت أن بعضها خلا من توقيع رئيس اللجنة وأمينها".

"ومن ثم تكون إجراءات الانتخاب بتلك الدائرة قد تمت بالمخالفة لأحكام القانون مما يفقدها الحيدة ويشكك في نزاهتها بما يوجب التقرير بالبطلان".

ردت لجنة الشئون الدستورية بمجلس الشعب على ما جاء بتقرير محكمة النقض بالآتي:

"إن مخالفة أي إجراء من الإجراءات التي نص عليها قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية لا يترتب عليه بطلان الانتخاب إلا إذا كان هذا الإجراء جوهريا ويتحدد نوع الإجراء في ضوء الغاية التي يتوخاها المشرع من تنظيم عملية الانتخابات والتي تتمثل في الكشف عن الإرادة الشعبية التي عبر عنها جمهور الناخبين وعلى ذلك يكون الإجراء جوهريا إذا كان فعالا ومؤثرا في التعبير أو الكشف عن حقيقة إرادة الناخبين، فإذا كانت مخالفة الإجراء الذي حدده القانون قد أثرت في حقيقة الإرادة الشعبية فأدت إلى تزييفها هنا يترتب البطلان على هذه المخالفة".

ثم تتابع اللجنة تقريرها فتقول:

"فإذا ما خلت بعض الإجراءات التمهيدية للانتخابات كالكشوف والمحاضر والنماذج من التوقيعات فإن العبرة بالتوقيع على المحضر النهائي الذي يجب ويستغرق أي خطأ تنظيمي أو سهو أو إهمال في التوقيع على تلك المحاضر إلى جانب ذلك فقد خلت القوانين واللوائح من ترتيب البطلان جزاء إغفال التوقيع على النماذج التي تناولتها لجنة الفحص بتقريرها".

"ومن حيث إن ما انتهى إليه تقرير محكمة النقض من وجود أسماء لأشخاص أدلوا بأصواتهم وقد ثبت وفاتهم قبل إجراء العملية الانتخابية في 6/ 12/ 1995 مردود بأنه لم يثبت بدليل قاطع وجازم أن من قدمت الشهادات بأسمائهم هم بذاتهم الذين أدلوا بأصواتهم لاحتمال أن يكوم مرد ذلك إلى تشابه الأسماء وهو أمر وارد فضلا عن أنه حتى بفرض صحة هذا الادعاء فإن أصوات هؤلاء الأشخاص غير مؤثر على النتيجة العامة للانتخابات وهو ما انتهت إليه محكمة النقض في العديد من تقاريرها".

"ومؤدى ما تقدم أن الطعنين سالفي البيان لا يقومان على سند صحيح من الواقع والقانون، وإذ كان ما تقدم وكان الدستور قد أوكل لمجلس الشعب وحده الاختصاص في الفصل في صحة عضوية أعضائه حسبما تنص عليه المادة 93 من الدستور فإن اللجنة ترى رفض الطعنين".

الأمر بهذا الشكل يحير ويثير الكثير من التساؤلات وتدور حوله أكثر من وجهة نظر. ووجهة نظري شخصيا وأنا لست من أعضاء مجلس الشعب ولا من رجال القضاء – وإنما مواطن يهتم بمتابعة ما يدور في بلده بحياد تام – أن ما قررته لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب في هذا الشأن لا يطمئن المواطنين على سلامة العملية الانتخاب وحيدتها.

فما كان من أمور القانون فقد فصلت فيه محكمة النقض وكان يتعين على مجلس الشعب ولجنته الدستورية الالتزام به.

إذ أن أمر الفصل في صحة العضوية يرتكز على تقرير محكمة النقض وإلا لكان النص الدستوري (المادة 93) تزيدا ولغوا يتنزه عنه المشروع الدستوري.

لجنة شئون الأحزاب

والآن ننتقل إلى لجنة شئون الأحزاب التي لها دور كبير في قيام أو عدم قيام الأحزاب الجديدة (والأرجح عدم قيام)، ذلك لأن اللجنة الموقرة لم توافق على أي طلب لتأسيس حزب جديد من الطلبات المقدمة لها منذ أن بدأت تباشر مهامها.

ولقد تابعت كأي مواطن يهتم بالناحية السياسية في بلده طلبات تأسيس أحزاب عديدة تقدم بها مواطنون إلى لجنة شئون الأحزاب خلال الفترة من نوفمبر 1979 وحتى الآن، وخلصت إلى نتيجة مفزعة، ذلك أن لجنة شئون الأحزاب طيلة عمرها المديد الذي بدأ من نوفمبر 1979 وحتى الآن لم تتفضل بالموافقة على قيام أي حزب قدم إليها – مما يؤكد أنها نشأت أصلا للحيلولة دون قيام الأحزاب ...

ولم يتوافر إلى علمنا أو علم أي مشتغل بالسياسة، أن هذه اللجنة وافقت على قيام حزب واحد منذ وجودها وحتى الآن.

إن الأربعة عشر حزبا القائمة أربعة منها قامت بقرار من السيد/ رئيس الجمهورية السابق، وعشرة منها بأحكام من محكمة الأحزاب بعد أن رفضتها اللجنة الموقرة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل لماذا لا تلتزم اللجنة الموقرة بتنفيذ ما نص عليه قانون الأحزاب بمحتواه الواسع ومعناه الشال كما فعل القضاء المصري الشامخ الذي أعمل نص القانون بمحتواه الواسع عند نظره لطعون الأحزاب العشرة في قرارات الرفض الصادرة من اللجنة؟

ولعل السبب في هذا الرفض المتواصل من جانب لجنة شئون الأحزاب يرجع إلى انتماء اللجنة إلى الحزب الحاكم الذي لا يشجع على قيام أحزاب ذات رأي يخالف رأيه في كيفية الحكم وتطبيق الديمقراطية.

كذلك فإن تشكيل اللجنة هو في حد ذاته أكبر دليل على صبغها الغير محايدة، لأن أربعة من أعضائها السبعة من قيادات الحزب الحاكم. وفيما يلي بيان الأحزاب التي تقدمت بطلبات إلى لجنة شئون الأحزاب ورفضتها اللجنة:


م اسم الحزب طالب التأسيس وكيل المؤسسين تاريخ تقديم الطلب

1 حزب الجبهة الوطنية محمد ممتاز نصار 27/ 11/ 1979 2 الحزب الناصري كمال أحمد 18/ 12/ 1983 3 حزب الحضارة الجديدة مصطفى حمزة الأسدي 21/ 4/ 1985 4 حزب المستقبل فرج علي فوده 17/ 2/ 1985 5 الحزب الجمهوري أحمد سامي مبارك 15/ 8/ 1978 6 حزب الصحوة يوسف صديق محمد البدري 19/ 10/ 1988 7 حزب الاتحادي الديمقراطي محمد إبراهيم ترك 14/ 9/ 1988 8 حزب مصر الفتاة علي الدين صالح 30/ 8/ 1988 9 حزب الخضر المصري كمال كيره 10 حزب السلام الاجتماعي وصيانة الوحدة الوطنية 11 حزب الشعب الديمقراطي أنور محمد عفيفي 9/ 7/ 1990 12 الحزب العربي الديمقراطي الناصري ضياء الدين محمد داود 10/ 9/ 1990 13 الحزب القومي العربي مرسي عبد الستار نويش 28/ 10/1990 14 الحزب الاشتراكي المصري عادل عبد الحليم والي 4/ 12/ 1990 15 حزب السلام فتحي الشيخ محمد 1/ 7/ 1992 16 حزب التكافل أسامة محمد شلتوت 10/ 11/ 1992 17 حزب العدالة عادل عبد الحليم والي (محاولته الثانية) 10/ 10/ 1992 18 حزب العدالة الاجتماعية محمد عبد العال حسن 10/ 12/ 1992 19 حزب النهضة – وبعدها محاولة ثانية لحزب باسم نهضة مبارك نبيل عبد العليم السيد فودة 10/ 10/ 1992 20 الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري عادل عبد الحليم (المحاولة الثانية) 2/ 8/ 1994 21 حزب الطليعة العربية فيصل سمير خطاب 8/ 12/ 1994 22 الحزب الدستوري وحيد محمد خالد غازي 8/ 12/ 1994 23 حزب الأمل محمد السمان أحمد لطفي 26/ 1/ 1995 24 الحزب المصري الجمهوري فؤاد هدية 16/ 4/ 1995 25 حزب حماية المستهلك إبراهيم محمد السيد الريش 26 حزب المصريين المغتربين وإعادة بناء مصر عبد الله زايد ديسمبر 1995 27 حزب الوحدة الوطنية والسلام السيدة زوزو رشاد إمام علي 21/ 12/ 1995 28 حزب التحالف الشعبي القومي الديمقراطي فوزي خليل محمد غزال 14/ 1/ 1996 29 حزب السادات محمد محمود عبد الوهاب 15/ 2/ 1996 30 حزب السلام والتنمية عبد الجليل محمد مجاهد 21/ 3/ 1996 31 حزب الوسط أبو العلا ماضي أبو العلا 13/ 5/ 1996

جميع هذه الأحزاب هذه الأحزاب (وربما توجد أحزاب أخرى غيرها)، رفضت اللجنة الموقرة طلبات تأسيسها، والواقع أنه ليس هناك موجب للعجب من هذه النتيجة لأن التعديلات التي أدخلت على قانون الأحزاب الصادر عام 1977 أدت إلى هيمنة وحزبها على لجنة شئون الأحزاب.

فجعلت أربعة من أعضاء هذه اللجنة الموقرة يأتون من بين قيادات الحزب الحاكم وهم رئيس مجلس الشورى (رئيسا).

وزير العدل، وزير الداخلية، وزير الدولة لشئون مجلسي الشعب والشورى – والثلاثة الآخرون يعينون بقرار من وزير العدل ويكونون من الشخصيات العامة.

ويتضاعف هذا الحذر في تشكيل اللجنة لزيادة الهيمنة عندما نعلم أن المادة الثانية (من القانون رقم 144 لسنة 1980) قضت بأن قرارات اجتماعات اللجنة لا تكون صحيحة إلا بحضور رئيسها وأربعة من أعضائها يشترط أن يكون من بينهم الوزراء الثلاثة مجتمعين ومن هنا تأتي هيمنة الحكومة وحزبها على اللجنة، والأمر لا يحتاج لمزيد من الإيضاح.

ذكرت أعلاه أسماء الأحزاب التي رفضت لجنة شئون الأحزاب تأسيسها وفيما يلي أسماء الأحزاب التي قامت والتي كان منها أربعة بقرارات من السيد/ رئيس الجمهورية السابق وعشرة بأحكام محكمة الأحزاب.

الأحزاب الأربعة


  1. حزب مصر العربي الاشتراكي الذي هرول أعضاؤه إلى الوطني الديمقراطي ما عدا جمال ربيع والذين استمروا معه إحياء لذكرى حزب مصر العربي.
  2. حزب الأحرار الاشتراكيين.
  3. حزب التجمع الوحدوي.
  4. حزب العمل الاشتراكي.

: وفيما يلي بيان الأحزاب العشرة التي قامت بأحكام من محكمة الأحزاب

  1. التكافل.
  2. الشعب الديمقراطي.
  3. الناصري.
  4. الاتحاد الديمقراطي.
  5. مصر الفتاة.
  6. العدالة الاجتماعية.
  7. الخضر.
  8. الوفد الجديد.
  9. الشعب الديمقراطي.
  10. حزب الأمة.

القسم الخامس : محاولة تأسيس "الحزب المصري الجمهوري"

لفظ التمييز

صدر القانون رقم 40 لسنة 1977 المعروف باسم قانون الأحزاب ليحدد الشروط اللازمة توفرها في برنامج ومبادئ مؤسسي حزب جديد يتقدمون به إلى لجنة شئون الأحزاب طالبين الموافقة عليه بهدف تأسيس حزب يجمعهم.

هذه اللجنة هي جهة الاختصاص التي توافق على الطلبات أو ترفضها. وينص قانون الأحزاب على اتخاذ هذا الإجراء رغم أن موافقة أو اعتراض اللجنة أمر يمس في جوهره حقا أصيلا للإنسان المصري في أن يعيش ويفكر وأن يرتبط مع غيره من المواطنين الذين يلتقون على فكره لتتكون منهم الجماعات الشرعية التي تشارك في صياغة الحياة.

ونحن لا نرى في البلاد الديمقراطية قيدا على قيام حزب جديد بفكر جديد، غير أنه لحداثة الأخذ بالنظام الديمقراطي في بلادنا فلا بأس من وضع بعض الشروط العامة التي تنصب على أهلية طالبي تأسيس حزب جديد لضمان الاستقرار والعمل البناء.

لا شك أن حكمة البند الثاني من المادة الرابعة من هذا القانون والتي تنص على ضرورة "تميز" برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى – هذه الحكمة هي ألا يكون الحزب طالب التأسيس نسخة كربونية من حزب قائم بالفعل وحتى لا تتعدد الأحزاب ذات البرامج المتماثلة.

غير أن كلمة "تميز" المذكورة أعطت لجنة شئون الأحزاب فرصة رفض طلبات التأسيس كلما أرادت ذلك باتخاذ هذه الكلمة ذريعة للرفض بمجرد القول بوجود تشابه بين أهداف الحزب طالب التأسيس وأهداف حزب قائم، غير ملتفتة للاختلاف الواضح في أسلوب تحقيق هذه الأهداف في الحزبين وفي السبيل إليها، ويكفي اللجنة أن تقول إنه لا يوجد تميز فيما يقدمه الحزب طالب التأسيس ليكون من حقها رفض طلبه.

أنه لأمر طبيعي أن تتشابه مبادئ وأهداف الأحزاب في الغايات الكبرى لأن هذه الغايات هي مطلب كل المواطنين ولا يختلف عليها اثنان، مثل النهوض باقتصاد الوطن – لكن كيف؟ ومثل رفيع مستوى المعيشة – لكن بأي أسلوب؟ ومثل توفير التعليم للكافة كالهواء والماء كما قال "طه حسين" لكن بأي وسيلة" ومثل حق التعبير وإبداء الرأي – لكن ما هو السبيل؟ ومثل سائر الغايات الكبرى التي تجيش في صدور المحبين لمصر والمخلصين للوطن.

ولذلك فإن تجاهل بعد وعمق كلمة "تميز" قد أهدر بالفعل حق أحزاب كثيرة في أن تقوم رغم أنها قدمت في برامجها وسائل وأساليب جديدة وعملية وممكنة التطبيق تنفرد بها لأنها غير موجودة في برامج الأحزاب القائمة.

ولذلك لا نتصور أنه يمكن قيام حزب جديد مهما التزم برنامجه بالمعنى الكامل لكلمة "تميز" إلا إذا رغبت لجنة شئون الأحزاب في قيامه.

ولعلها اكتفت بالأربعة عشر حزبا القائمة ولا تريد المزيد – إلا أن هذا الاكتفاء ليس من حقها فضلا عما فيه من ضرر يلحق بمسيرة لديمقراطية.

نجد في حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 7 مايو 1988 في القضية رقم 44 لسنة 7 ق أن "التميز" المطلوب لا يقتصر على مبادئ وأهداف الحزب وأهداف الحزب لأن جميع مبادئ وأهداف الأحزاب غرضها تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد وهي تعتبر أهدافا وغايات كبرى تتلاقى عندها أو تتشابه فيها جميع الأحزاب السياسية، بل يتحقق "التميز" أيضا في السياسات والأساليب التي يسعى الحزب بها لتحقيق مبادئه وأهدافه.

أي إذا تشابهت أهداف حزب تحت التأسيس مع أهداف حزب قائم وجاءت أساليب هذا الحزب التي يستطيع بها تحقيق أهدافه مختلفة عن أساليب الحزب القائم يقع "التميز" في برنامج الحزب طالب التأسيس، ويكون لزاما على لجنة شئون الأحزاب الموافقة على طلبه بتأسيس حزب. وفيما يلي نص هذا الحكم.

" وحيث أن الأحزاب السياسية وهي جماعات منظمة تعني أساسا بالعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين، بقصد المشاركة في مسئوليات الحكم لتحقيق برامجها التي تستهدف الإسهام في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد وهي أهداف وغايات كبرى تتعلق بصالح الوطن والمواطنين.

وتتلاقى عندها الأحزاب السياسية جميعا أو تتحاذى في بعض مناحيها الأمر الذي يجعل التشابه. أو التقارب، بين الأحزاب السياسية أمرا واردا.

ومن ثم لم يشترط البند ثانيا من المادة الرابعة من هذا القانون أن يقع الميز الظاهر في مبادئ وأهداف الحزب كشرط لتأسيسه أو استمراره، وذلك بقصد إفساح المجال لحرية تكوينها:

بل جاء الشرط مقصورا على برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه التي يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه ضمانا للجدية حتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده وأن يكون في وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطني ودعما للديمقراطية تبعا لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوسعة لنطاق المفاضلة واختيار أصلح الحلول وأنسبها.

محاولة تأسيس الحزب المصري الجمهوري – تجربة ذاتية

ولأهمية هذا البند أوضح العقبات التي واجهت طلب تأسيس حزب باسم "الحزب المصري الجمهوري" تقدمت به إلى لجنة شئون الأحزاب في ديسمبر 1994 وكيلا عن زملائي المؤسسين. إلا أن لجنة شئون الأحزاب لم توافق عليه.

جاء في برنامج الحزب تحت بند الإصلاح الزراعي بعنوان "كتائب الإصلاح الزراعي" ما يلي:

- كتائب الإصلاح الزراعي:

"تقوم قواتنا المسلحة بدور كبير في مجال الخدمة الوطنية، ونرى في برنامجنا أنه يمكن أن يمتد هذا المجال لتشكيل كتائب من المجندين تتخصص في استصلاح الأراضي الزراعية بالمناطق النائية بما لا يتعارض مع احتياجات الأمن القومي حيث إن عملية الاستصلاح في هذه المناطق تحتاج لدرجة عالية من الانضباط والتحمل لتجنب ارتفاع تكاليف الإصلاح لأرقام خيالية تستنفد الاعتمادات المالية.

وجزاء للمجندين الذين يقومون بهذا العمل الشاق تعطى لهم الأولوية في العمل بالمشروعات الزراعية والمجتمعات العمرانية التي تقام على الأرض المستصلحة مكافأة لهم على الجهد الذي بذلوه لإنجاح خطة التنمية الزراعية".

ماذا قالت لجنة شئون الأحزاب في هذا الخصوص بعد أن وجدت أن هذه الوسيلة التي قدمناها في برنامجنا لاستصلاح الأراضي النائية لم ترد من قبل في برنامج أي حزب قائم وأنها تحقق "التميز" الظاهر الذي يعطينا الحق في قيام الحزب؟ قالت اللجنة ما يلي:

"أما عن القول بتشكيل كتائب من المجندين يتخصصون في استصلاح الأراضي الزراعية بالمناطق النائية، فإنه إذا كان الجيش يقوم بالإسعاف في الكوارث بأفراده من القوات المسلحة فإنه لا يجوز بحال أن يقوم بأعمال مدنية بحتة في استصلاح الأراضي حيث عليه التفرغ لرسالته المقدسة المعهودة إليه".

قالت اللجنة هذا الكلام بالجلسة المنعقدة يوم الأحد 16 أبريل سنة 1995 بدار مجلس الشورى بالهيئة المشكلة من:

السيد الأستاذ الدكتور مصطفى كمال حلمي (رئيس مجلس الشوري).

السيد المستشار فاروق سيف النصر (وزير العدل).

السيد اللواء حسن الألفي (وزير الداخلية).

السيد الأستاذ كمال الشاذلي (وزير الدولة لشئون مجلسي الشعب والشورى)

السيد المستشار عبد الرحمن فرج محسن (رئيس هيئة النيابة الإدارية سابقا.

السيد المستشار عبد المعطي عبد الرحيم (رئيس محكمة استئناف القاهرة سابقا.

السيد المستشار عاطف محمد العزب (نائب أول رئيس مجلس الدولة سابقا.

إن قيام القوات المسلحة باستصلاح الأراضي في المناطق النائية والصحراوية لزراعتها أمر يعود على البلاد بالفائدة لأن ترك استصلاحها لأفراد الشعب من العسير تحقيقه. و

إذا تحقق شيء منه فيكون ذلك في أضيق نطاق وبعد مواجهات مع الجهات الحكومية التي يحلو لها التدخل في شئون المواطنين بدون وجه حق.

كان ذلك هو الحال في ظل نظامنا الاقتصادي الذي كان قائما وقت التقدم بطلب تأسيس الحزب المصري الجمهوري، أما اليوم سنة 1999 وبعد تحول نظامنا الاقتصادي إلى آليات السوق والنظم الرأسمالية (ولا عيب في ذلك) تستطيع الشركات العالمية والاستثمارية أن تستصلح الأرض بمساحات كبيرة في وقت قصير مما يضاعف الإنتاج ويوفر فرصا جديدة للعمل.

هذه الوسيلة لاستصلاح الأراضي تواجه استصلاحها عقبات ومصاعب فنية وإدارية كانت ولا تزال تحتاج لانضباط شديد وخطط محكمة وعدم التوقف والاضطراب نتيجة تدخل جهات حكومية متعددة من هيئة تعمير الصحاري إلى هيئة استصلاح الأراضي إلى أجهزة المحافظات حبا في التدخل أو طمعا في تنمية إيراداتها المباشرة على حساب عملية التنمية، ستختفي تماما كل هذه المشاكل عندما تتولى القوات المسلحة الأمر، وتقدم قدراتها على العمل المنضبط وكذا مواجهة الروتين البغيض بالإضافة إلى رجالها المدربين على تحمل المشاق ومعداتها الوفيرة التي تغطي كل احتياجات استصلاح الأرض.

هذه الوسيلة كانت هي الوحيدة في ظل نظامنا الاقتصادي السابق لاستصلاح الأراضي النائية والصحراوية التي يمكن بها توسيع الرقعة الزراعية في بلادنا وفتح مجالات عمل أمام المواطنين وهذان لازمان لنا لزوم الحياة.

فضلا عن ذلك فإن القوات المسلحة كانت تقوم بالفعل باستصلاح أراض زراعية كثيرة كما هو مبين أدناه بالأدلة القاطعة بجانب قيامها ببناء وتشغيل مخابز آلية يذهب جزء من إنتاجها للقوات المسلحة والجزء الآخر للمدنيين، وتقيم الكباري العلوية وتقيم مزارع لتربية العجول ومنتجات الألبان.

كما قامت بعمل تركيبات خاصة للتليفونات ولها إدارة خاصة بهذه الأعمال أسماها إدارة الخدمة الوطنية لا شك أن ا لسادة أعضاء لجنة شئون الأحزاب لديهم علم بها وجميع هذه الإنشاءات والمشروعات واجب قومي على القوات المسلحة في أي بلد لا تتوفر فيه الإمكانيات للمدنيين ربما لا يخل بتدريب أفراد القوات المسلحة على واجباتهم القتالية.

ولذلك قلنا في مذكرة الدفاع التي قدمناها للمحكمة الإدارية العليا – الدائرة الأولى أحزاب في الطعن رقم 2910 لسنة 41ق عليا الذي كان محددا لنظره جلسة 7/ 4/ 1996 ما يلي:

إن الدفاع عن الوطن لا يكون بالسلاح فحسب وإنما بتحريره من الحاجة إلى استيراد القوت من الآخرين. فضلا عن أن بيان المشير طنطاوي أمام مجلس الشعب بتاريخ 6 فبراير 1996م يتحدث عن مساهمة مشكورة للقوات المسلحة في استصلاح آلاف الأفدنة.

إن نضال لجنة شئون الأحزاب من أجل منع قيام أحزاب جديدة أوقعها في منزلق الخطأ والتحيز. فماذا نقول؟!".

مرة أخرى نرد على ما قالته اللجنة من قيام جيشنا الوطني بالإسعاف في الكوارث بسؤالها وهل توجد كارثة أشد خطرا على البلد من عدم زيادة الرقعة الزراعية لزيادة الإنتاج وتوفير فرص عمل ورفع النسبة المئوية لإنتاج القمح بالمقارنة بما نستورده من الخارج كي نتمكن من توفير رغيف العيش للمواطنين؟! القمح هو الغذاء الأساسي لشعوب الدول النامية وبدونه تفقد قرارها.

سمعنا كثيرا هذه الكلمة التاريخية المأثورة التي قيلت من آلاف السنين وهي اليوم تتكرر في عصرنا "من لا يملك قوته لا يملك قراره".

ولكي نؤكد على الخطأ الجسيم الذي ارتكبته لجنة شئون الأحزاب بما قالته عن دور الجيش في المجالات المدنية من أنه لا يجوز بحال أن يقوم بأعمال مدنية بحتة في استصلاح الأراضي حيث عليه التفرغ لرسالته المقدسة المعهودة إليه قدمنا صورة البيان الذي ألقاه المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي في مجلس الشعب بتاريخ 6 فبراير 1996 وجاء به

"يجري العمل الآن لاستصلاح 10 آلاف فدان بمنطقة وادي أبو شيخ في محافظة أسيوط واستكمال القرية الأخيرة بمحافظة المنيا من عدد 9 قرى، ومعاونة هيئة الأبنية التعليمية في إنشاء المدارس في إطار مشروع قومي بإنشاء 297 مدرسة ويجري الآن استكمال المرحلتين الثالثة والرابعة والبدء في المرحلة الخامسة التي تشمل 100 مدرسة.

كما قامت القوات المسلحة بإنشاء عدد من المصانع بأنحاء البلاد لتصنيع ما يتوافر بالبيئة من إنتاج زراعي أو خامات طبيعية، والبدء في إنتاج مصنع لتعبئة المياه الطبيعية في سيوه بطاقة 50 مليون زجاجة سنويا". وقد نشر هذا البيان بجريدة الأهرام في اليوم التالي لإلقائه بمجلس الشعب.

هذا وقد سبق أن نشرت الصحافة المصرية الكثير من أعمال وإنجازات قواتنا المسلحة في المجالات المدنية بكل فخر واعتزاز قبل وأثناء وبعد مشوارنا الطويل من أجل تأسيس الحزب منذ تقدمنا بطلب تأسيسه بتاريخ 11/ 12/ 1994 وحتى صدور حكم محكمة الأحزاب بتاريخ 14/ 6/ 1997 وفيما يلي ا نشر في هذا الخصوص زيادة في الإيضاح: أخبار اليوم في 1/ 8/ 1998 مانشيت بالبنط العريض.

القوات المسلحة تساهم في محو الأمية بالدقهلية/ 800 معلم من فائض الوعاء التجنيدي لفصول محو الأمية.

......................

الأهرام في 29/ 8/ 1998 (مانشيت بالبنط العريض) مشروع قومي جديد بجنوب الوادي

القوات المسلحة تستصلح 10 آلاف فدان بالبداري تتكلف 100 مليون جنيه. مع صورة لجنود الكتيبة الزراعية أثناء تقسيم الأراضي وصورة أخرى للواء محمود الحديدي يقف أمام الترعة التي تم شقها.

وهكذا نرى أن قسما من الجيش أصبح متخصصا في النشاط الزراعي يحمل اسم "الكتيبة الزراعية" وهو نفس الاسم الذي أطلقناه في برنامجنا على الجنود الذين يقومون باستصلاح الأراضي النائية.

كذلك نوضح أن نشاط الجيش في استصلاح الأرض هو عمل مستمر مثمر وليس مجرد عمل عرضي ينتهي بعد بضعة شهور.

ومع ذلك لم تقتنع لجنة شئون الأحزاب بأن ما قلناه في برنامجنا هو تميز ظاهر وأمر مفيد للوطن يساهم بشكل فعال في برنامج التنمية في القطاعات ذات الوضع الخاص الذي يجعل تنفيذها بواسطة الأجهزة المدنية للحكومة أمرا شاقا أو شبه مستحيل بسبب البيروقراطية والتسبب المنتشرين فيها على عكس الحال في قواتنا المسلحة التي تعمل بأمانة وإتقان بما يرضي الله والوطن.

............................

الأهرام في 14/ 1/ 1999

مانشيت بالبنط العريض

في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الجنزوري

"تخصيص عشرة آلاف فدان لوزارة الدفاع بتوشكى لزراعتها".

"توفير كل الإمكانيات لتنفيذ المشروعات الكبرى وفقا للجدول الزمني".

وهكذا نجد أن دور القوات المسلحة في تنفيذ المشروعات الزراعية أمر تقرر داخل مجلس الوزراء وله ميزانية وليس مجرد نشاط تقوم به القوات المسلحة باجتهاداتها بعيدا عن برامج التنمية بعيدا عن ميزانية الدولة

.........................

الأهرام في 21/ 2/ 1999

مانشيت بالبنط العريض

"خزان مياه جوفي يكفي لزراعة 100 ألف فدان".

"القوات المسلحة صدرت 10 طن كنتالوب من مزارعها إلى هولندا وبريطانيا".

"صور لجنود القوات المسلحة يواصلون العمل في استصلاح وزراعة أراضي شرق العوينات".

ونلاحظ في هذا الخبر إضافة جديدة للنشاط الزراعي للقوات المسلحة يتمثل في استزراع الأرض وتصدير إنتاجها وليس استصلاحها فقط، في حين أن برنامجنا اقتصر على استصلاح الأرض. كل ذلك فات على لجنة شئون الأحزاب الموقرة!

......................

لم يكن رد اللجنة السابق هو وحده مثار العجب في تقريرها الذي تضخم بالاعتراضات على ما جاء في برنامجنا من مبادئ وأهداف ووسائل تنفيذ مرة بقولها "ليس فيه جديد" ومرة بقولها "إن هذه الأمور قائمة بالفعل في الوقت الحالي" وقولها "إن ما جاء في البرنامج ورد في برامج الأحزاب المختلفة"، ولم تتركنا حتى قالت عن بعض ما قلناه "تجري بها الأقلام على صفحات الجرائد والمجلات"! اعتراضات متتالية ليس لها أساس من القانون. ولذلك قلنا في مذكرة الدفاع:

"يبدو لنا أن اللجنة قد أحلت نفسها محل قانون الأحزاب ونظن، وليس كل الظن إثما، أن لجنة شئون الأحزاب قد اكتفت بالأحزاب القائمة وصادرت على حق المواطنين في تأسيس الأحزاب الجديدة".

وعندما دعونا إلى قيم جديدة في برنامجنا تحت بند "الدعوة إلى قيم جديدة" وقلنا ما يلي:

"يتبنى الحزب الدعوة إلى نشر قيم جديدة تتناسب مع العصر في سياق عام لا يفقدها أصالة القيم العليا التي جاءت بها رسالات السماء والتجارب الإنسانية الرائدة التي تبلورت فوق أرضنا الطيبة".

"وهذا من أهم المسائل التي تحقق التقدم للشعوب ... أن الوقوف عند قيم وتقاليد بعينها وجمودها يؤدي إلى الكثير من المخاطر مما يشكل عائقا أساسيا في مسيرة التقدم".

"ومن أبرز الأمثلة على ذلك الأشكال المألوفة للعلاقات الأسرية البعيدة كل البعد عن المعالم الإنسانية.

وكذلك أنماط الاستهلاك العشوائي وسوء الإنفاق العام، وأيضا التمادي في المجاملات بما يدخل الناس إلى دائرة النفاق، وإهدار الوقت الذي يوزن بالذهب، والغلو في الوعود بما لا يستطاع تحقيقه، والاستخفاف بالبيانات والإحصاءات، والتمسك بالشكل على حساب الجوهر".

"أضف إلى ما تقدم عادات سادت في المجتمع على الرغم من خطورتها مثل الختان والزواج المبكر وكثرة الإنجاب والعزوف عن تعليم الفتاة وتهميش دور المرأة في الحياة العامة إلى غير ذلك من قيم لا سند لها من الدين أو الواقع".

ردت اللجنة على هذه الدعوة بقولها (وتزخر أقلام الكتاب والصحفيين بالجرائد والمجلات السيارة بالدعوة للاسترشاد بالقرآن والسنة ...) هكذا ببساطة صارت مقالات الجرائد والصحف السيارة بديلا عن برامج الأحزاب السياسية!

إن المقال يعبر عن وجهة نظر فردية في حين يعبر برنامج الحزب عن توجه عام لقطاع من أبناء الأمة ... مرة أخرى نسأل اللجنة أي منهج يتبعون وأي منطق يحكمون وهم يقارنون برامج الأحزاب بمقالات الصحفيين والكتاب؟ إنه موقف الرفض أولا ثم البحث عن مبررات لهذا الرفض".

"إن منهج اللجنة لا يترك لأحد ينشد التمايز سوى أن يتضمن برنامج الحزب توجهات شاذة مجنونة تخجل الأقلام من نشرها في الصحف ويأباها العقل والمنطق والأخلاق والالتزام الوطني والديني.

لكنها مع ذلك تحقق أهم شرطين لإرضاء لجنة شئون الأحزاب هما عدم ورودهما في برامج الأحزاب من ناحية، وعدم تناول الكتاب والصحفيين لها من ناحية أخرى، فهل هذا ما تريده اللجنة حقا؟".

لم يكن هذا الموقف من لجنة شئون الأحزاب فيما يختص باستصلاح الأرض الزراعية في المناطق النائية والدعوة لقيم جديدة هو الموقف الوحيد الذي أوقعنا في الخطأ بل هناك مواقف أخرى كثيرة الأمر الذي جعلنا نقول في مذكرة دفاعنا:

"لم يكن قرار اللجنة بالرفض مفاجأة لنا، بيد أن ما أدهشنا هو كم الأخطاء والمراوغة التي حفل بها هذا القرار الذي جاء في أربع وعشرين صفحة يخرج من يقرؤها بأن اللجنة عمدت إلى لي الحقائق وعقدت المقارنات غير الصحيحة وصولا إلى هدفها برفض طلب التأسيس، وهو هدف وضعته اللجنة نصب عينيها منذ البداية ووجهت تقريرها نحوه".

واليوم وبعد مرور ثلاث سنوات تقدمت خلالها طلبات كثيرة لتأسيس أحزاب جديدة، فقد ظل عدد الأحزاب في مصر ثابتا محددا بأربعة عشر حزبا محروسة، نتمنى لها النجاح سواء عملت منفردة أو مجتمعة (جزئيا أو كليا) كما نرجو لها التوفيق في تحقيق رسالتها وخدمة الوطن.

مواقف كثيرة للجنة شئون الأحزاب شكلت موانع وسدودا أمام قيام "الحزب المصري الجمهوري" وأحزابا أخرى كثيرة بدون وجه حق ...

مواقف لا تغتفر ولا يجوز تركها دون تسجيل أو طرح على الشعب مما يجعلني أضع أمام أنظار القارئ أمثلة أخرى لموقف اللجنة إزاء بعض ما ورد في برنامجنا من أهداف ووسائل: يتحقق بها هذه الأهداف ويتوفر فيها "التميز" الظاهر الذي يتطلبه قانون الأحزاب.

أسلوب لجنة شئون الأحزاب في تطبيق لفظ التميز، وأمثلة

المثال الأول:

هو هدف تقريب الفوارق بين القرية والمدينة وسبيلنا إلى ذلك هو أن يتساوى نصيب الفرد في القرية من ميزانية الدولة المخصصة للصحة والتعليم والمرافق والإسكان بنصيب الفرد في المدينة.

فهذا وذاك يعيشان في وطن واحد ويتساويان في الحقوق، فلماذا يحرم سكان الريف مما يتم تنفيذه من مشروعات عامة في المدن.

ولذلك قلنا في برنامجنا ما يلي:

"لكي تنجح الزراعة يجب النهوض بالمجتمع الريفي لكي يتشجع المتعلمون على البقاء بين ذويهم في الريف مما يرفع مستوى الأداء إذ لا جدال في أن رفع مستوى القرية إلى مستوى المدينة صحيا وثقافيا وتقريب بينهما يحل الكثير من مشاكل القرية وبالتالي يحل مشاكل الزراعة.

وهذا الأمر يتطلب تحقيق المساواة بين نصيب الفرد في الريف من حيث الاعتمادات المالية التي تخصص للمشروعات الصحية والتعليمية والمرافق وبرامج التنمية وبين نصيب الفرد في المدن.

المثال الثاني:

خاص بأهمية وجود طبقة متوسطة قوية إذ أن الكل يعلم أن المجتمع المصري ظل ينعم بطبقة متوسطة لسنوات طويلة، ثم تغير الحال وأخذت هذه الطبقة تتأكل وتنكمش بسبب السياسات المختلفة والتوجيهات الأيديولوجية للقيادات المتعاقبة على مدى ما يقرب من أربعين عاما.

فقد كان لهذه الطبقة دور كبير في حفظ التوازن بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، ودور كبير في الرقابة على القرارات التي تمس حياة المواطنين بهدف حماية الأغلبية الفقيرة، كذلك، كان لهذه الطبقة دور متميز في قطاعات الإدارة داخل الأجهزة الحكومية والقطاعات الإنتاجية بصفة عامة.

ويكفي للتدليل على ذلك أن الغالبية العظمى من رجال الجيش والشرطة هم من أبناء الطبقة المتوسطة. كذلك فإن أغلب العلماء المصريين الذين برزوا في المهجر هم من أبناء الطبقة المتوسطة ومثلهم كثيرون من الكتاب والمفكرين والصحفيين – بل إن أغلب زعماء مصر وقادتها منذ ثورة عرابي وحتى الآن كانوا من أبناء الطبقة المتوسطة.

كل ذلك يستوجب الحفاظ على هذه الطبقة وتدعيمها وإعطائها الفرصة كاملة. غير أن هذا الحال تغير بسبب ثلاثة متغيرات ذات عمق في تشكيل المجتمع مرت بها مصر على مدى ما يقرب من أربعين عاما، المتغير الأول كان الاتجاه الثوري والثاني الاتجاه الانفتاحي والثالث الرأسمالي الليبرالي وكلها قللت من حجم الطبقة المتوسطة وطمست الكثير من معالمها وهبطت بفاعليتها ثم أودت بها إلى المحو والنسيان.

ولقد قلنا في برنامجنا في هذا الشأن ما يلي:

الطبقة المتوسطة القوية

"تنعم مصر بطبقة متوسطة نضجها السياسي أعلى بكثير مما يتوفر لسائر فئات المواطنين، أن تاريخ الحركة الوطنية شاهد على ذلك فمنذ كفاح مصطفى كامل وحتى ثورة 23 يوليو سجلت الأحداث التاريخية دور الطبقة المتوسطة بمداد من الفخر والشرف من أجل الحرية ورفع شأن الوطن".

" ولذلك فإن برنامجنا يعطي الطبقة المتوسطة أهمية خاصة ويسعى لمضاعفة حجمها وثقلها السياسي باعتبارها أكبر ضمان للحفاظ على حرية الشعب".

المثال الثالث:

وقف الاعتداء على أموال الشعب بتوجيه جزء كبير منها نحو مشروعات وإنشاءات تنسب للبنية الأساسية وهي في حقيقة الأمر مشروعات تكاد تكون خاصة بطبقة المقتدرين بنسبة 100% بعيدة كل البعد عن احتياجات القرى التي يبلغ عددها أربعة آلاف قرية، بعيدة عن احتياجات المناطق العشوائية التي وصل تعداد السكان في بعضها إلى مليون مواطن، بعيدة عن احتياجات الأحياء الشعبية التي تفتقر لأبسط الخدمات.

ولقد أوضحنا الوسيلة لتحقيق هذا الهدف باللغة التي يفهمها المسئولون عن النواحي المالية في أجهزة الدولة حتى لا يكون هدفنا مجرد تمنيات وأحلام، فقلنا تحت بند "من يتحمل أعباء البنية الأساسية":

"بما أن مشروعات البنية الأساسية في الدول النامية تكاد تبدأ من عند الصفر مما يجعل تكاليفها باهظة في بلاد ميزانياتها محدودة وحيث إن المنفعة التي تعود على القائمين بالأنشطة الاقتصادية أكبر من المنفعة التي تعود على المواطن العادي الذي يتركز اهتمامه بالدرجة الأولى في خدمات المياه والصرف الصحي والكهرباء من داخل مجتمعات سكنية تضمن الحد الأدنى لمعيشة صحيحة وصحية للمواطن الذي لا يحف كثيرا بخدمة التليفون الدولي أو الموانئ أو المطارات الجديدة أو إنشاء طرق سريعة للنقل والمواصلات، أو إقامة قرى سياحية خاصة لقضاء إجازة هادئة في المناطق البعيدة، فكل تلك الخدمات يحتاجها رجال الأعمال والممولين بالدرجة الأولى من تجار ومستوردين ومصدرين وأصحاب مصانع.

لذلك فإن برنامجنا يرى أن العدالة تقتضي أن يتحمل أصحاب الأنشطة الاقتصادية الجزء الأكبر من تكاليف هذه المرافق على أن يشارك المواطن العادي في تحمل تكاليف خدمات المياه والصرف الصحي والكهرباء بالإضافة إلى نسبة رمزية من تكاليف الجزء الآخر من خدمات البنية الأساسية المرتبط ارتباطا مباشرا بالنشاط الاقتصادي كالمبين أعلاه".

"بمعنى آخر تقسم تكاليف البنية الأساسية في مجموعها إلى قسمين في ميزانية الدولة. قسم يشترك في تغطية جميع المواطنين وهو الذي تعود منفعته مباشرة على الجميع، وقسم يتحمل رجال الأعمال والمستثمرون الجزء الأكبر من تكاليفه باعتبار أن المنفعة التي تتحقق منه تعود عليهم بالدرجة الأولى، ولا ينال من ذلك القول بوجود ضرائب تصاعدية تفرض على نشاط رجال الأعمال وما يحققونه من أرباح – ذلك أننا نعني المشاركة الإنسانية لمواطني الدولة الواحدة بجميع طبقاتها. إذ أن ذلك هو الحد الأدنى للمشاركة في تحقيق مبدأ التكافل والتعاون الاجتماعي وإخراجه إلى حيز التنفيذ.

المثال الرابع:

ويتعلق بالسياسة الخارجية التي حددنا تحتها 3 بنود: البند الأول حفظ السلام بين العرب، والثاني رؤية لمشكلات المنطقة من منظور قومي، والثالث العلاقات الخارجية، واكتفى هنا ببيان ما قلناه في برنامجنا تحت عنوان:

السلام بين العرب، وهو ما يلي "أن برنامجنا يرى أن مصلحة الشعوب العربية واستقرار العلاقات بين حكامها يحتم وجود قوة عسكرية عربية مشتركة تتبع جامعة الدول العربية يكون مهمتها منع وقوف صدام مسلح أو مواجهة عسكرية بين أي بلدين عربيين ليتحول مسار الخلاف إلى مائدة المفاوضات ومحاولات المصالحة وإنقاذ الشعوب العربية من هذه المأساة المتكررة.

فماذا كان رد لجنة شئون الأحزاب، لقد قالت:

"ومن حيث إنه بالنسبة للقسم الخاص بالسياسة الخارجية، وما جاء به من إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة تبع جامعة الدول العربية وضرورة التعاون بين الدول العربية والتخلص من الترسانة النووية لدى إسرائيل وإقامة سوق عربية مشتركة ومحكمة عدل عربية. فإن إقامة قوة عسكرية مشتركة هي فرع من الأصل وهو تعديل ميثاق جامعة الدول العربية.

وهو أمر مطروق بالفعل إلى جانب التعاون العربي وإقامة السوق المشتركة ومحكمة عدل عربية حيث ورد في أغلب برامج الأحزاب القائمة الحزب الوطني والأحرار والتجمع والوفد والعمل والأمة والخضر" وما قالته اللجنة بالنسبة لتناول برامج الأحزاب الأخرى لسوق عربية مشتركة ومحكمة عدل عربية صحيح.

لكنا لم نتعرض لهذه الأمور والتي وضعنا تحتها خطا لإبرازها وإنما تعرضنا فقط (لقوة عسكرية عربية مشتركة) وهو ما لم يرد ببرامج الأحزاب الأخرى. أي أن اللجنة خرجت عن الموضوع الذي لنا فيه تميز وأخذتنا لأمور أخرى لا يكون لنا فيها تميز.

ولذلك قلنا في مذكرة الدفاع "ونلاحظ أن اللجنة فجأة إلى أمور أخرى غير قوة حفظ السلام بين العرب التي نتحدث عنها لتتحدث عن التعاون العربي، إقامة السوق العربية المشتركة ومحكمة عدل عربية أي أنها خرجت عن الموضوع لكي تقول إنها وردت في أغلب برامج الأحزاب الأخرى، وذلك لانتهاجها أسلوب منع التصريح بتأسيس أحزاب جديدة فيا سبحان الله!!

ومن الواضح أن القوات العسكرية العربية المشتركة التي ذكرناها ليست جيشا عربيا كامل التسليح بالدبابات والطائرات والصواريخ والبوارج وإنما هي قوات على نمط قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة المعروفة لكل الناس وكذلك قوات البوليس الدولي التي وقفت حاجزا بيننا وبين إسرائيل لسنوات طويلة في أعقاب العدوان الثلاثي عام 1956.

كذلك لا ننسى أنه في العشرين سنة الماضية وقعت بالفعل اشتباكات عسكرية بين الأشقاء – مصر وليبيا ثم اليمن وعدن ثم العراق في عدوان غاشم على الكويت.

ومن يدري ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك. وقد سبق أن لوحت مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بالتدخل بقواتها المسلحة للدفاع عن دولة الكويت لحمايتها من التهديدات العراقية التي كانت تتصاعد في ذلك الوقت من عبد الكريم قاسم، وانتهت الأزمة بسلام.

جداول مقارنة ما جاء في برامج بعض الأحزاب

وهكذا تواصلت مراوغات لجنة شئون الأحزاب مما دعانا لعمل جدول مقارنة بين ما قلناه في برنامجنا وما قالته الأحزاب القائمة في برامجها زيادة في التوضيح والإقناع والتيسير على محكمة الأحزاب حتى تكون وجهة نظرنا واضحة وضوح شمس صيف قائظ، وفيما يلي هذا الجدول الذي تناول ستة أمور قالت لجنة شئون الأحزاب أنها ورودها في برامج الأحزاب القائمة ومن ثم لا يعتبر ورودها في برنامج الحزب طالب التأسيس تمايزا أو أمرا جديدا ننفرد به رغم الاختلاف الظاهر بين أسلوبنا وأساليب الأحزاب الأخرى، وهذه الأمور الستة هي الآتي:

  1. النهوض بالقرية كمشروع قومي.
  1. توفير فرص العمل.
  1. الطاقة – السياحة – المصريون العاملون في الخارج.
  1. المحليات واللامركزية.
  1. محو الأمية.
  1. التعليم – الثقافة – الشباب.

أولا: النهوض بالقرية كمشروع قومي

الحزب المصري الجمهوري حزب الشعب الديمقراطي الحزب الوطني الديمقراطي

  • تزويد القرية بالمشروعات الخدمية.
  • بناء طفل القرية على أسس تربوية وحضارية.
  • العناية بالمرأة الريفية من حيث التعليم والتدريب على الحرف بنظام الأسر المنتجة.
  • وضع شباب القرية على خريطة التنمية البشرية المتواصلة.
  • يتسم أسلوب الحزب بالمشاركة الشعبية ليتخذ شكل المشروع القومي – وليس شكل العمل الحكومي.
  • يمتد برنامج الحزب لجميع القرى الصغيرة والكبيرة على حد سواء.

(ص 4، 5 من البرنامج).

  • التخطيط العمراني الحديث للقرية.
  • منع المباني العشوائية المخالفة.
  • تجميع المواشي والجمال والدواب والغنم في حظائر خاصة.
  • اختيار القرى الكبيرة لتتركز فيها النشاطات الاقتصادية الريفية.

(ص 16 من برنامج حزب الشعب الديمقراطي).

  • ليس ببرنامجه أية إشارة للنهوض بالقرية، كل ما ورد إشارات عامة، الأولى قالت:
  • إن التخطيط الإسكاني وتنفيذ المرافق العامة في المناطق السكنية هي مسؤولية حكومية وجهت لها الدولة المليارات.
  • ثم ينبغي أن تتزايد الجهود المبذولة لتعمير أرض مصر وتدبير الموارد المالية لاستكمال تنفيذ المشروعات التي التزمت بها الحكومة في مجال مياه الشرب والصرف الصحي مع مراعاة مياه الشرب لكافة المقيمين على أرض مصر.

(برنامج الحزب الوطني الديمقراطي – الباب السادس ص 64).

  • ووردت الإشارة الثانية في برنامج الحزب الوطني الديمقراطي عامة ومبهمة ومجملة حيث تقول:

التنمية الاجتماعية للأسر وتشمل تطوير القرى الإنتاجية والأسر المنتجة والتكوين المهني. (برنامج الحزب الوطني الديمقراطي ص 97).

ثانيا: توفير فرص العمل

الحزب المصري الجمهوري الحزب الوطني الديمقراطي الأحزاب الأخري

العمل هو الرئيسي للدخل الذي يحقق المعيشة الكريمة للمواطنين ولذلك رسمنا في برنامجنا الطريق لتحقيق فرص العمل باستثمار الموارد الطبيعية أفضل باستثمار الموارد الطبيعية أفضل استثمار وحددنا هذه الموارد في عدة بنود:

1 – الأرض الزراعية. 2 – مياه الري. 3 – الثروة السمكية. 4 – المناخ المعتدل. 5 – موارد الطاقة من (بترول – غاز – رياح – طاقة شمسية – مساقط مياه). 6 – موقع جغرافي فريد على طريق التجارة العالمية. 7 – القوة البشرية المصرية وما يجب أن يتخذ لجعل المواطن ينتج أكثر مما يستهلك.

(الصفحات 8، 9، 10، 11، 12، 13 من برنامج الحزب).

إن من يقرأ برنامجنا يلاحظ للوهلة الأولى تكرار جملة: العمل والحرية لكل مواطن، وهي التي وردت في أقسام برنامج الحزب السبعة لأن مبدأ الحزب الأساسي يرتكز على دعامتين.

الدعامة الأولى: العمل لكل مواطن.

الدعامة الثانية: الحرية لكل مواطن.

ما ورد في برنامج الحزب الوطني جاء في صورة عامة ولا ينصب على هدف أو أسلوب توفير العمل للموطنين كما يتضح فيما يلي:

حيث تركز على: الزراعة واستصلاح والموارد المائية.

(ص 40، 41 من برنامج الحزب)

أهداف استراتيجية الزراعة واستصلاح الأراضي.

(ص 43، 44 من برنامج الحزب)

محددات وآليات التنمية الزراعية.

(ص 45، 46، 47، 48، 49، من برنامج الحزب).

  • حزب الأحرار الاشتراكيين:

لم يذكر كلمة واحدة عن توفير العمل لكل مواطن ولا عن وسيلة تحقيق هذا العمل.

(واضح ذلك من مراجعة فهرست برنامج حزب الأحرار).

  • حزب الدالة الاجتماعية:

بدلا من أن يتحدث الحزب عن توفير العمل لكل مواطن فإنه يتحدث عن القضاء على البطالة وقد يبدو – لأول وهلة – أنه لا فرق بين الأمرين إلا أن القضاء على البطالة مسألة علاج لحالة تطرأ على الأوضاع الاقتصادية في المجتمع بين الحين والحين نتيجة للمتغيرات الاقتصادية أما توفير العمل فإنه أصل ثابت في حياة المجتمع يستهدف تحقيق حياة أفضل. (برنامج حزب العدالة الاجتماعية ص 31، 32).

  • حزب العمل الاشتراكي:

لم يذكر كلمة واحدة عن ضرورة توفير العمل لكل مواطن ولا الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك.

  • حزب الشعب الديمقراطي:

لم يذكر كلمة واحدة عن ضرورة توفير العمل للمواطنين ولا وسيلته لتحقيق ذلك.

ثالثا: عن "الطاقة – السياحة – المصريون العاملون بالخارج"

الحزب الجمهوري الأحزاب الأخرى

يؤكد برنامجنا على ضرورة استمرار قيام العلاقة الطيبة بين المصريين في الخارج والوطن ومتابعة أحوالهم وسلوكياتهم.

كذلك: متابعة أحوال الأسر التي لم ترافق عائلها عن طريق جمعيات تؤسس لهذا الغرض مع عقد مؤتمر سنوي يحضره من يشاء من المصريين العاملين بالخارج والمغتربين تحت إشراف قيادات الأجهزة التنفيذية والأحزاب السياسية لمراجعة أوضاع هؤلاء المصريين وربطهم بالوطن والاستفادة مما تعلموه في الخارج من مهارات وتكنولوجيا يحتاجها اقتصاد البلد.

(برنامج الحزب ص 12، 13)

  • حزب الخضر:

لقد ذكر الحزب موضوع المصريين في الخارج حين تحدث عن السياحة لا عن القوة البشرية المصرية إذ يقول برنامج الحزب:

الاستفادة من المصريين الموجودين في الخارج لتنشيط السياحة وربط المهاجرين بوطنهم الأم بطرق أكثر فعالية لاستثمار مدخراتهم داخل مصر في المشروعات السياحية وغيرها بدلا من البنوك الأجنبية. (ص 42 من برنامج الحزب).

  • حزب العدالة الاجتماعية:

بمراجعة برنامج الحزب تحت عنوان "الزراعة والصناعة" تحدث برنامج الحزب عن إنشاء الصناعات الزراعية والتوسع في المساحات المزروعة وفرض رقابة على المجتمعات التعاونية.

ثم: تحت عنوان الصناعة تحدث البرنامج عن تشجيع إقامة المصانع وتوزيعها في أنحاء البلاد وحماية الصناعات الوطنية الناشئة من المنافسة الأجنبية – وتعديل قوانين العمال وأصحاب العمل.

(برنامج حزب العدالة الاجتماعية تراجع الصفحات 65، 66، 67).

  • حزب الأحرار:

لم يتحدث برنامج الحزب إطلاقا عن: الطاقة ومصادرها المختلفة – ولا عن المصريين العاملين بالخارج وأهمية قيام علاقة متواصلة بينهم وبين الوطن.

رابعا: المحليات واللامركزية

يلاحظ أن لجنة شئون الأحزاب لم تعقد مقارنة جدية بين برنامجنا وبرامج حزبي الأحرار والخضر، وكل ما قالته اللجنة: أما بالنسبة لشغل مناصب المحليات بالانتخاب المباشر حتى منصب المحافظ ورؤساء المدن والقرى والأحياء وأن يتحول مجلس الشورى إلى مجلس شيوخ فإنها هي الأخرى تنادي بها الأحزاب المختلفة (حزبي الأحرار والخضر) كما تجري بها الأقلام على صفحات الجرائد والمجلات (صفحة 18 من قرار اللجنة).

الحزب المصري الجمهوري حزب الأحرار حزب الخضر

يشتمل برنامجنا في هذا الصدد على أربعة أمور جوهرية:

أولا: طالبنا بصلاحيات واسعة للمجالس المحلية بما يحقق اللامركزية بمعناها الواسع إذ أن مجرد شغل مناصب المحافظين ورؤساء المدن والقرى والأحياء بالانتخاب دون توفر الصلاحيات لهذه المجالس لا يحقق هدف اللامركزية وتظل الأمور والقرارات مركزة في أيدي الوزراء.

ثانيا: حدد برنامجنا الانتخابات بأن تكون فردية وسرية وتحت الإشراف الكامل للقضاء.

ثالثا: ألزم برنامجنا كل مواطن بلغ 18 سنة بالمشاركة في الانتخابات مع التأشير في بطاقته الشخصية ليتجنب دفع غرامة رادعة وهذا هو السبيل لمشاركة أكبر عدد من المواطنين في الانتخابات.

رابعا: حدد برنامجنا أسلوب الانتخابات فأوجب بطلان الانتخابات التي يثبت عدم توقيع الناخب أمام اسمه في كشوف الناخبين في اللجنة وهو أمر جوهري وضروري لتجنب التزوير.

خامسا: حدد برنامجنا ضمن الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلسي الشعب والشورى: بالنسبة لعضو مجلس الشورى يجب أن يكون حاصلا على الشهادة الثانوية أو ما يعادلها كحد أدنى – وبالنسبة لعضو مجلس الشعب فيجب حصوله على الشهادة الابتدائية كحد أدنى.

يرى حزب الأحرار الاشتراكيين أن يكون الانتخاب هو المبدأ السائد في كافة المناصب الرئيسية كمنصب شيخ الأزهر والمفتي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس المجلس الأعلى للصحافة ورؤساء الجامعات والمحافظين ورؤساء مجالس المدن والقرى.

(صفحة 2 من برنامج حزب الأحرار).

  • لم يتحدث برنامج حزب الأحرار عن صلاحيات المجالس المحلية تحقيقا للامركزية.
  • لم يحدد برنامج حزب الأحرار طريقة إجراء الانتخابات وهل تكون بالقوائم أو فردية أو أي شكل آخر.
  • لم يتعرض برنامج حزب الأحرار لصحة أو بطلان إبداء الناخب لرأيه وهو أمر ضروري لتجنب التزوير الواضح في الانتخابات.
  • لم يذكر برنامج حزب الأحرار شيئا عن شروط العضوية لمجلسي الشعب والشورى.

أشار برنامج الحزب في مواضع متفرقة لما أطلق عليه (نظام الحكم الإقليمي) (ص 16 بند 3) من برنامج الحزب – والنظام البرلماني (ص 17 بند 4)، وإصلاح النظام الانتخابي (ص 78) من برنامج الحزب.

فتحت عنوان: "نظام الحكم الإقليمي" قال برنامج حزب الخضر:

"الحكم الإقليمي هو الطريق الديمقراطي لتحقيق التقسيم المنسق للسلطات بين مستويين منفصلين هما مستوى الدولة ومستوى الإقليم ويملك كل مستوى فروع السلطات العامة ويكون لكل إقليم هيئة تنفيذية وهيئة تشريعية وهيئة ينظمها دستور الدولة.

وتحت عنوان: النظام البرلماني – جاء في برنامج الحزب:

"أن تتكون السلطة التشريعية من مجلسين لهما سلطة التشريع والرقابة ضمانا لسلامة التشريع والحزب يرى كفالة الالتزام بالدستور وسيادة القانون عن طريق الرقابة على دستور القوانين وذلك بالخطوات التالية:

أ – الرقابة التشريعية على دستور القوانين قبل إصدارها بواسطة المجلس التشريعي الأعلى للبرلمان.

ب – الرقابة القضائية على دستورية القوانين بعد إصدارها بواسطة المحكمة الدستورية العليا.

وتحت عنوان: إصلاح النظام الانتخابي يرى حزب الخضر:

(أن الحزب يتبنى العودة إلى نظام الانتخاب الفردي الحر المباشر لتمكين المواطنين من استخدام حقهم في اختيار أصلح العناصر تمثيلا لهم فضلا عن أن ذلك سوف يدفع بالكفاءات الجادة والمتمكنة من التقدم للترشيح رغبة في خدمة العمل التشريعي وتحقيقا لصالح الوطن).

يلاحظ أن شكل الحكم الذي يستهدفه حزب الخضر شبيه بنظام الولايات وهو أمر يختلف كلية عن نظام الحكم المحلي. أما عن النظام الانتخابي – فلم يقل برنامج حزب الخضر أكثر من الدعوة للانتخاب الفردي ومناهضة الانتخاب بالقوائم.

خامسا: في مجال محو الأمية.

تبريرا لما قررته لجنة شئون الأحزاب السياسية – فقد تصيدت تعبيرين متشابهين وردا ببرنامج الحزب المصري الجمهوري وبرنامج الحزب الوطني الديمقراطي – فلقد ذكرنا في برنامجنا:

أن مكافحة الأمية يجب أن تأخذ شكل حملة قومية ... وذكر برنامج الحزب الوطني أنه واجب قومي ... ومن هنا جاء قول اللجنة:

"جاء ببرنامج الحزب الوطني أن محو الأمية بمفهومها الشامل مسئولية قومية يجب أن تضطلع بها مختلف الهيئات والنقابات والتنظيمات الشعبية وفق خطة قومية أي ذات التعبير الذي جاء به الحزب المقترح" (ص 18 من قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية).

ولكي نوضح هذا الخطأ ... نبين في جدول المقارنة التالي مفهوم (محو الأمية) في برنامجنا وبرنامج الحزب الوطني.

الحزب المصري الجمهوري الحزب الوطني الديمقراطي حزب العدالة الاجتماعية حزب الشعب الديمقراطي

1 – الأمية لا تسمح لعقل الإنسان أن يهضم التكنولوجيا الحديثة ولا الإجراءات التي تحقق التقدم. 2 – برنامجنا يفرض ضريبة قومية على كل مواطن متعلم أن يتطوع لمحو أمية عدد من المواطنين. 3 – يفرض على النقابات توفير الأماكن والفصول اللازمة لإعطاء دروس مكافحة الأمية. 4 – يطالب بإصدار القوانين التي تمنع تعيين من لا يمحو أميته في أي عمل وكذا عدم السماح له بممارسة أي حرفة إلا ما سلف.

(بند 8 من برنامج الحزب المصري الجمهوري ص 18).

إن محو الأمية هو واجب قومي تضطلع به جميع مؤسسات الدولة الشعبية والسياسية والتنفيذية بما يتطلب تضافر كافة الجهود لمواجهة مشكلاتها.

(ص 80 من برنامج الحزب الوطني).

اقتصر البرنامج على تولي المكلفين بالخدمة العامة بهذا الأمر إذ قال: إعداد برنامج لمحو أمية الذكور والإناث يتولاه المكلفون بأداء الخدمة العامة. (ص 29 بند 2 من برنامج الحزب).

تناول الحزب مشكلة محو الأمية تحت باب (مشاكل المجتمع الراهنة) الأمية التعليمية والسياسية حيث يقول: إن المجتمع الأمي هو قطيع من البشر البدائي والأمية من صنع الاستعمار.

إن الأمر يتطلب أن تصبح مصر كلها مدرسة بما في ذلك دور العبادة والمسارح ودور السينما والمناسبات والحدائق العامة والشوارع ويتحول الليل إلى نهار ويشارك كل مواطن متعلم في محو الأمية التعليمية إما بمجهوده أو ماله لإزالة جهل الشعب المصري بالقراءة والكتابة إلى الأبد، (صفحة 69، 70 من برنامجه).

وهذا الكلام العام يخلو من وسائل التطبيق العملية.

سادسا: التعليم – الثقافة – الشباب

جاء بقرار اللجنة الموقرة بالفقرة الأخيرة من صفحة 20 "ومن حيث إنه بالنسبة للتعليم والثقافة والشباب فإن ما ورد في برنامج الحزب طالب التأسيس من أفكار وردت في جميع برامج الأحزاب تقريبا ومن بينها الحزب الوطني".

الحزب المصري الجمهوري الحزب الوطني الديمقراطي حزب العمل الاشتراكي حزب الشعب الديمقراطي حزب الخضر حزب العدالة الاجتماعية

جاء في برنامج الحزب طالب التأسيس عن التعليم ما يأتي:

أ – أن يكون مجانا حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي، كذلك يكون التعليم الفني مجانيا ليتحقق الإقبال عليه لحاجة البلد لقوى عاملة فنية مدربة وأيضا إعفاء المتفوقين دراسيا بالجامعة من نفقات التعليم تشجيعا للميز والتفوق.

ب – تدريب الفتاة التي تتسرب من التعليم بعد مرحلة التعليم الأساسي على أعمال التدبير المنزلي البيئية والغذائية حتى تؤدي دورها في تنمية الأسرة تنمية شاملة ناجحة.

ج – الاهتمام بالثقافة الدينية من المرحلة الابتدائية وذلك حتى لا يقتصر الأمر على تعليم الدين للصغار في دائرته الضيقة إذ المطلوب هو توسيع إدراك هؤلاء الصغار بأن الرسالات السماوية واحدة جاءت كلها لصالح الإنسان ولا يوجد تعارض بينها.

د – الاهتمام بإحياء اللغة العربية قبل أن تفقد أصولها وقواعدها صفحة 31، 32 من برنامج الحزب طالب التأسيس واضح أن ما قلناه عن التعليم في برنامجنا يختلف عما قاله الحزب الوطني يكفي بشكل واضح والأمر لا يحتاج لتعليق أكثر من ذلك.

نص ما جاء في برنامج الحزب الوطني عن التعليم إن تكافؤ الفرص بما يحقق المساواة بين المواطنين بالاستفادة من الخدمات التعليمية التي تقدمها الدولة أو تشرف على تقديمها الدولة أو تشرف على تقديمها ينبغي أن يكون الأساس الذي يقوم عليه نظام التعليم وينبني على هذا المبدأ إقرار مجانية التعليم مع ترشيدها في إطار تحقيق التوازن بين حقوق الدارسين وواجباتهم للاستفادة القصوى من فرص التعليم وعدم إهدارها أو سوء استخدامها، ويرتبط به كذلك وجوب توفير الرعاية الملائمة للفئات الخاصة من الطلاب وهي فئات المعوقين والمرضى والمحرومين، كما يقتضي وجود توفير رعاية خاصة للطلاب المتفوقين والموهوبين (صفحة 78).

أيضا تحدث برنامج الوطني عن التعليم الأساسي وظاهرة التسرب بقوله "الاهتمام بالتعليم الأساسي وظاهرة التسرب بقوله "الاهتمام بالتعليم الأساسي والعمل على امتداده إلى جميع المواطنين الذين هم في سن الإلزام مع العمل على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون تحقيق ذلك بما يكفل القضاء على ظاهرة التسرب".

ص (79). قال برنامج حزب العمل الاشتراكي إن هدف التعليم ليس الحصول على شهادة بل إعداد شخصية المواطن الصالح، وأن التربية الدينية هي أساس غرس القيم السليمة ف نفوس الأجيال، تتم عن "أهمية المعلم" و"عن العودة بالفصل إلى العدد الملائم من التلاميذ" وعن تفريغ التعليم بعد المرحلة الأساسية لجامعي وفني"وعن "إعادة المكانة العلمية لجامعة الأزهر وإعداد خطة قومية للبحث العلمي". (صفحة 25، 26، 27 من برنامجه).

وبمراجعة نص ما جاء في برنامج الحزب طالب التأسيس في الصفحات 31، 32 يتبين أن هناك نقاط كثيرة انفردنا بها عما ورد في برنامج حزب العمل الاشتراكي مثل مجانية التعليم في الحدود التي بيناها، والاهتمام بالثقافة الدينية التي تعتبر أوسع وأشمل من مجرد التربية الدينية التي تفرق بين التلميذ المسلم وزميله المسيحي بوضعها الحالي، وإحياء اللغة العربية قبل أن تموت، والاهتمام بالفتاة التي تتسرب من التعليم الأساسي بتأهيلها لتصبح ربة أسرة ناجحة. وتلك أمور نتميز بها عن الحزب المذكور.

جاء في برنامج حزب الشعب الديمقراطي عن التعليم تحت باب السياسة التعليمية (صفحة 52 حتى 58) والتي ركزت على عدة أمور مثل بناء المدارس بالقدر الذي يستوعب جميع التلاميذ وضرورة تغيير المناهج لتساير التطور العالمي وأنه على الحكومة أن تعلم الطفل أربعة عشر عاما متصلة كلها إلزامية وبالمجان، وأن يتناول التلميذ وجبة غذائية جافة مع بعض من فاكهة الموسم بدون مقابل.

إلى آخر ما جاء ببرنامج الشعب الديمقراطي من أمور بعضها واقعي والآخر ليس من السهل أن يخرج إلى دائرة الواقع.

وهكذا فإن ما جاء ببرنامج الحزب طالب التأسيس يخلف في عدة نواحي عما جاء في برنامج الشعب الديمقراطي إلا من حيث الغايات والأهداف الوطنية وهذا أمر طبيعي وارد بين كل الأحزاب وبعضها.

غير أنه لا يجوز للجنة شئون الأحزاب أن تعتبر التشابه بين الأحزاب في الغايات والأهداف الوطنية مانعا للموافقة على قيام حزب جديد قدم بالفعل ما يميزه من الأمور عن باقي الأحزاب.

تقول لجنة شئون الأحزاب "وجاء حزب الخضر واضحا فيما قرره بالتوافق مع الحزب المعروض من أن يكون التمتع بمجانية التعليم الجامعي قاصرا فقط على المتفوقين" (صفحة 21 من قرار اللجنة).

ولا شك أن تعبير التوافق الذي استخدمته اللجنة لا ينسحب إلى كل ما قاله الحزبان في شأن التعليم والثقافة والشباب ككل – لذلك ننقل فيما يلي النصوص التي وردت بحزب الخضر عن التعليم والثقافة والشباب لتوضيح الاختلاف بين أساليبنا وأساليب الخضر.

قال حزب الخضر تحت رعاية الشباب ما يلي:

1 – تطبيق ما جاء بنتائج البحوث متعلقا برعاية الشباب. 2 – مساعدة الشباب على اكتشاف المهارات التي تؤهله للإنتاج والابتكار. 3 – العناية باللياقة البدنية. 4 – اختيار الرواد ليكونوا القدوة الحسنة. 5 – احترام الشباب واتجاهاته. 6 – إقامة بنوك تمد الشباب بالمعونات الفنية والمادية والقروض. 7 – إشراك الشباب في المراكز الإنتاجية 8 – العمل على علاج العوائق في حياة الشباب. 9 – تدعيم مراكز الشباب. 10 – إضافة وزارة خاصة بالشباب.

وتحت التربية والتعليم قبل الجامي في صفحة 51 وأيضا تحت الثقافة والإعلام في صفحتي 54، 55 وردت أمور كثيرة مما يعتبر توجهات عامة وأهداف وطنية وغايات كبرى لكنها تختلف في أساليبها عما جاء ببرنامج الحزب طالب التأسيس.

عن هذا الأمر قالت لجنة شئون الأحزاب في صفحة 21 من تقريرها "أما حزب العدالة الاجتماعية فقد نظم هذه البرامج في بنوده 18، 19، 24، 35، 37 المرفقة" في حين أن هذه البنود بترتيبها السابق تتحدث عن إنشاء هيئة قومية تقوم بمنح جوائز مالية وأدبية للأعمال الفنية في السينما (بند 18)، وعن مواجهة القضايا الاجتماعية والمشكلات البيئية ورفع الوعي لدى الجماهير (بند 19).

وعن وجوب تهيئة الفرصة كاملة أمام المرأة للاشتراك في العمل وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع (بند 24) وعن حماية الطفولة المشردة والعناية بأوقات الفراغ وتشجيع الرحلات والعناية بالتدريب العسكري وتثقيف الشباب جنسية وتوجيهه إلى غزو الصحراء (بند 35) وعن إقامة جمعيات من الآباء والمعلمين وتحقيق مرحلة من التعليم موحدة في ثقافتها القومية يشترك فيها أبناء مصر جميعا حتى المرحة الإعدادية وان يكون التعليم مجانا حتى نهاية المرحلة الإعدادية وأن يكون التعليم مجانا حتى نهاية المرحة الإعدادية وبعد ذلك تقتصر المجانية في المرحلة الثانوية على المتفوقين (بند 37).

تعليق: لا شك أن هذه الأمور التي تحدث عنها حزب العدالة الاجتماعية تساهم في تحقيق الأهداف الوطنية غير أنها لا تتطابق مع ما ورد في برنامج الحزب طالب التأسيس وهذا أمر طبيعي لأن كل حزب له وسائله وأساليبه التي تميزه عن الأحزاب الأخرى وفي النهاية يجني المجتمع ثمرة هذا التمايز والتباين بين وسائل وسبل الأحزاب الجادة الجديرة بأن تتواجد على ساحة العمل السياسي.

فضلا عن ذلك نسأل هل يكون التشابه بين ما ورد في برنامج حزب جديد يطلب التأسيس من منظور بينه وبين برامج كل الأحزاب مجتمعة؟

القسم السادس : الانشقاق

شكري بعد انتخابات 1984 تقول: "لن ... نقبل ... التعيين"

بدأ الشك يساورنا في عدم التزام رئيس الحزب المهندس إبراهيم شكري بما يقرره أعضاء اللجنة العليا لموقفه منهم في أعقاب انتخابات [[1984].

وهل المواطن الذي يسمعه اليوم يتحدث في أي أمر – بعد انقضاء خمس عشرة سنة منذ تلك الانتخابات – يثق فيما يقوله وما يتعهد به وما يقطعه على نفسه؟

يأتي هذا التساؤل بعد ما حدث في أول اجتماع للجنة العليا للحزب في أعقاب انتخابات 1984 مباشرة والتي سقطنا فيها رغم ما بذلناه من جهد.

وهو الاجتماع الذي خصص لبحث موقفنا من النظام الحاكم نتيجة تدخل أجهزة الحكومة في الانتخابات بشكل جعلها مزورة مائة في المائة يستحيل أن ينجح فيها إلا القوائم التي تريدها الحكومة وترضى عنها.

في هذا الاجتماع افتتح رئيس الحزب الجلسة:

بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بعدها مباشرة قال ثلاث كلمات لا أكثر كان لها مفعول السحر وأدت إلى اهتزاز قاعة الاجتماع بالتصفيق والهتاف للحرية والكرامة تعبيرا عن موافقة جميع الحاضرين على الكلمات الثلاثة التي قالها وهي: "لن ... نقبل ... التعيين".

قالها إبراهيم شكري بصوت جهوري، ينطق بالإرادة والعزيمة والإصرار، قالها والغضب يملأ قسمات وجهة ضاغطا على كل كلمة منها بما كان أصدق تعبير عما يجيش في صدور وأذهان الحاضرين، لأننا جميعا جئنا إلى هذا الاجتماع لنقرر عدم قبول التعيين في المجلس إذا ما رأى النظام تعيين أحد من أعضائه من بين العشرة الذين يعينهم رئيس الدولة بعد كل انتخابات.

إذ كيف نقبل التعيين وقد حاربتنا أجهزة الحكومة بكل أسلحتها لتسقطنا شر سقوط؟ لقد كنا مقتنعين أنه لن يكون لنا كرامة أو قيمة سياسية إذا ما قبلنا التعيين في المجلس حتى ولو كان ذلك بالمقاعد العشرة كلها.

هكذا كانت عقيدة أعضاء اللجنة العليا في ذلك اليوم، وهي التي عبر عنها رئيس الحزب أصدق تعبير دون أن ندخل في مناقشة أو حوار بقوله: "لن نقبل التعيين" بعد افتتاح الجلسة مباشرة وفي ثلاث كلمات لا أكثر لا يمكن أن ينساها أحد أو يمحوها الزمن.

وبعد أيام من هذا الاجتماع العظيم بدأنا نسمع كلمة "التعيين" تتردد في ردهات الحزب بالسيدة زينب حيث قيل إن العشرة المبشرين بالتعيين في مجلس الشعب سيكونون جميعا من أعضاء الحزب.

ثم تناقص عدد المبشرين بالتعيين مع مرور الأيام حتى وصل إلى أربعة فقط وهم رئيس الحزب، وممدوح قناوي، وأحمد مجاهد، وسيد رستم، وهكذا نجح النظام وقتها في توجيه ضربة حاسمة إلى رئاسة الحزب أفقدتها ما حصلت عليه من تأييد سابق، وبدأ الانفصام ما بين رئاسة الحزب وأعضاء اللجنة العليا في جميع المحافظات.

وكانت تلك الأحداث جميعها توحي بداية تطور جديد للحزب ربما كان هو الذي قاده إلى الانشقاق على نفسه من الداخل بعد خمسة أعوام – أي في عام 1989.

ولقد كان رد الفعل بين أعضاء اللجنة العليا لهذا التطور الجديد والمفاجئ سيئا للغاية، وشعر الجميع بالإحباط، واستقال بعض الأعضاء، كما ابتعد آخرون عن الحزب مجمدين نشاطهم، ولكن رأي بعض الأعضاء أن الزمن سيغفر هذا الخطأ، في حين اعتبره آخرون تفريطا في كرامة الحزب وتشكيكا في مصداقية رئاسته، غير أن أغلبية الأعضاء أخذوا الدرس، وبلعوا الطعم وقرروا الاستمرار.

كان هذا الموقف المتناقض للمهندس إبراهيم شكري بداية ارتكابه أخطاء متلاحقة، ولكي لا أطيل الحديث انتقل إلى أسلوبه في توجيه نشاط الحزب في ظل التحالف في اتجاه يتعارض مع برنامج الحزب وأهدافه وتشد الحزب إلى التيار الديني.

فقد بدأت مؤتمرات الحزب وجريدته تأخذان الشكل الإخواني بحذر، ثم بعد ذلك أخذتا الصبغة الإخوانية بسفور، وبالتدريج أصبحت الجريدة والمؤتمرات إخوانية لحما ودما.

ولكي أبين أسلوب هذا التحول أوضح أن حضور أعضاء الإخوان لمؤتمراتنا كان غير ملحوظ في أول الأمر عندما بدأ تنفيذ المخطط إلا من مجرد هتافات تخصهم ومعروفة للكافة بأنها هتافات إخوانية، ثم تحولت المؤتمرات شيئا فشيئا إلى السيطرة الكاملة للإخوان وأنصارهم من مجموعة رئيس الحزب، كما بدأت لافتاتهم في المؤتمر تقول:

الشباب المسلم يؤيد إبراهيم شكري. أو تقول "التيار الإسلامي يدعو لتطبيق الشريعة". بل وبكل مكابرة تقول: "شباب الإخوان يرحبون بالضيوف" وذلك على نمط لافتة شباب مدينة العدوة عندما زرناها والمنشورة أدناه وتلك كانت بدايات الانشقاق الفعلي لحزب العمل الاشتراكي.

انشقاق المهندس إبراهيم شكري على حزب العمل الاشتراكي

عندما يخرج فريق من أعضاء أي حزب عن خط الحزب وبرنامجه، وفكره وأهدافه، باعتناق برنامج جديد وفكر جديد وأهداف مغايرة لمبادئ الحزب؛ فإن هذا الفريق يعتبر منشقا ويجب فصل أفراده من الحزب.

هكذا كان الموقف بالنسبة للمهندس إبراهيم شكري ومن تبعه من أعضاء الحزب باعتناقهم فكر جماعة الإخوان المسلمين ورفع شعاراتها على سارية الحزب وصفحات جريدته.

إذ لا شك أن من يحاول استبدال فكر يقوم على نظام حكم مدني بفكر يتأسس على نظام حكم ديني، ويقتصر نشاط أفراده على تطبيق الشريعة متجاهلين الحقوق المدنية للمواطنين، والحريات، وتوفير حياة كريمة للجميع.

ونشر العدل الاجتماعي، وسيادة القانون واحترام الدستور، وحماية الوطن والمال العام، ومتابعة برامج التنمية والاتفاقيات الدولية إلى آخر تلك الشئون العامة المدنية بجانب الحفاظ على وحدة الوطن وحق اعتناق العقيدة، ونشر تعاليم الدين طبقا للرسالات السماوية بدون تعصب. هذا الاستبدال من نظام حكم مدني إلى نظام حكم ديني يعتبر انشقاقا على الحزب الذي ينتمي إليه العضو.

هكذا – وبمقاييس العمل الحزبي – اعتبر المهندس إبراهيم شكري منشقا على حزب العمل الاشتراكي. لا شك أن كل مواطن يحق له بصفة عامة اختيار ما يشاء من فكر وعقيدة طالما أنها لا تتعارض مع المبادئ الأساسية للمجتمع، كما أن له الحق في أن يستبدل فكرا اعتنقه بفكر جديد يراه أقوى وأصح.

غير أنه لا يجوز اعتناق هذا الفكر الجديد مع الاستمرار في نفس المكان الذي يوجد فيه هذا الفكر السابق، فهذه الازدواجية تشكل نوعا من التذبذب والانتهازية.

فإذا ما استبدل المهندس إبراهيم شكري تلك المبادئ التي قام على أساسها حزب العمل الاشتراكي بأفكار ومبادئ تناهض ما آمن به في بداية تأسيس الحزب فكان حريا به أن يبادل هو ومن تبعه من أعضاء الحزب إلى تأسيس حزب جديد يودعه أفكاره الجديدة بدلا من أن يتحول بحزبه إلى تلك المبادئ الإخوانية البحتة وبذلك يحوز ثقة المواطنين واحترامهم لهذا الموقف المبدئي الواضح.

أما أن يتمسك بالبقاء في الحزب ويفتح أبوابه أمام جماعة غريبة مناهضة للمبادئ الأساسية للحزب – ومهما كانت مكانتها – فذلك أمر مشبوه خاصة حين يتآمر فيضع مخططا مضادا لأعضاء الحزب الثابتين على مبادئهم وفقا لبرنامج وأهداف الحزب الأساسية هادفا إلى إقصائهم وإبعادهم عنه فيتخذ من المؤتمر العام الخامس للحزب يومي 9، 10 مارس 1989 موعدا لتنفيذ هذا المخطط، كما أبين في الصفحات التالية أبعاد هذا المخطط وطرق التنفيذ التي أدت إلى انشقاق الحزب من داخله.

الإعداد للمؤتمر العام الخامس يومي 9، 10 مارس 1989

أكير ما تم من إجراءات للإعداد لهذا المؤتمر كان يتم في الخفاء بعيدا عن الأنظار بأساليب مخالفة للائحة الحزب منافية للأخلاق، وعلى سبيل المثال أراد أمين عام التنظيم بالحزب الضالع مع رئيس الحزب في مخطط "أسلمة الحزب" أن يتولى بنفسه عملية الإعداد للمؤتمر مؤكدا على أنها ستتم بكل حياد وطبقا للائحة الحزب، لكن أغلب أعضاء اللجنة التنفيذية رفضوا هذا العرض الكريم الذي ما قدمه صاحبه إلا لغرض في نفس يعقوب وطالبوا بتشكيل لجنة من أعضاء اللجنة التنفيذية تتولى هذه العملية.

رأينا العجب في عملية الإعداد للمؤتمر حيث لم يتركها أمين التنظيم وأعوانه تمر على خير وتسير سيرها الطبيعي تحت إشراف اللجنة التنفيذية واستمروا يتدخلون فيها حتى اقترب موعد انعقاد المؤتمر.

وبهذا الأسلوب ذهبت الطعون والشكاوى أدراج الرياح وهكذا أصبحنا مقتنعين بأن عددا من العناصر التي لا تنتمي للحزب ستحضر المؤتمر لأنهم اعتبروا من الناجحين في انتخابات لجان المحافظات التي تمنحهم حق حضور المؤتمر بهتانا وزوارا.

إلا أنه نظرا لإمكان ضبط أسماء هذه العناصر عند استخراج بطاقة حضور المؤتمر (الكارنيه) فقد أصرت المجموعة المتمسكة بمبادئ الحزب على أن يتم التوقيع على هذه الكرنيهات بواسطة اثنين معا هما أمين التنظيم وأمين الشئون المالية والاقتصادية (على غير ما كان متبعا في السنوات السابقة عندما كان يكتفى بتوقيع أمين التنظيم وحده).

استنادا إلى لائحة الحزب التي تنص على سقوط حق العضو في حضور المؤتمر العام إذا لم يكن مسددا لآخر اشتراك. وهذه مسألة من اختصاص أمين الشئون المالية والاقتصادية، ولذلك تمت الموافقة على هذا الطلب.

إلا أن أمين التنظيم حجب عني تلك الكرنيهات رغم أني أمين الشئون المالية فلم أتمكن من حصر أسماء من صدرت لهم هذه الكارنيهات للتوقيع عليها بما يفيد صحة العضوية في حالة سداد الاشتراك.

وأخذ موعد المؤتمر يقترب فأطلعت رئيس الحزب على ذلك الأمر فطمأنني أنه سيطلب من أمين التنظيم تسليمي الكارنيهات لمراجعتها ..

ومرة بعد مرة تتكرر تلك التمثيلية إلى أن نما لعلمي أن الكارنيهات التي تم طبعها وبها اسم أعقبهما طبع كارنيهات جديدة تحمل اسم رئيس الحزب منفردا.

ولذلك قبل انعقاد المؤتمر بيومين رأيت أنه لا مفر من التحدث بلا حرج مع رئيس الحزب في هذا الأمر المثير للشكوك.

ولم ينكر الرجل أنه تم بالفعل طبع الكارنيهات التي يوقعها رئيس الحزب منفردا مبررا ذلك بأنه لا يريد خلافات بين الأمينين! ولأني لم أقتنع بذلك قلت له:

يا ريس أرجو أن تعدني بأن المؤتمر سيسير بشكل سليم وأنه سيكون نظيفا من أي تزوير حتى نخرج منه جميعا في صفاء وتماسك.

فأكد لي أن هذا ما سيكون عليه حال المؤتمر. ولأنني كنت أصدقه ولا يتطرق لذهني الشك فيما يقول اطمأنن لكلامه ونقلت هذه الطمأنينة إلى زملائي ... على هذا النحو تتابعت أحداث الإعداد للمؤتمر العام للحزب.

وقائع المؤتمر

كما هو متبع عند انعقاد كل مؤتمر عام يتم اختيار شعار له يكون هو عنوان المؤتمر. وقد كلف المرحوم د.حلمي مراد باختيار هذا الشعار.

فحضر إلى اجتماع اللجنة العليا المنعقد يوم السبت الموافق 18 فبراير سنة 89 أي قبل المؤتمر بثلاثة أسابيع وتحت إبطه مجموعة الأوراق، وضعها على المنضدة وقرأ لنا الشعار الذي اختاره وهو "إصلاح شامل من منظور إسلامي". وبمناقشته اعترض البعض عليه ووافق البعض الآخر.

وكان عدد الرافضين أكثر من عدد الموافقين، ولذلك لم تأخذ الأصوات لكي يظل عدد الرافضين والموافقين مجهلا إلى أن تصدر الجريدة في عددها التالي وهو الثلاثاء 21 فبراير فتكون الإشارة في الجريدة لما تم في هذا الاجتماع وفقا لما أرادوا وشاء لهم الهوى.

وكما توقعنا نشرت الجريدة مانشيتا بالبنط الكبير في أول صفحة يقول "شعار مؤتمرنا العام إصلاح شامل من منظور إسلامي".

ولم تذكر الجريدة شيئا عن المناقشة التي دارت حول الشعار ومن الذي وافق ومن الذي لم يوافق أكثر من ذكرها خمسة أسماء من الحاضرين قالت إنهم لم يوافقوا على الشعار وكتبت تقول عنهم "وشهد الاجتماع مناقشات مطولة قبل طرح الشعار للتصويت وعارض الشعار خمسة هم الأستاذ فؤاد هدية وشوقي خالد ود. محمد العزازي ود. علي نصار وكريمة حافظ".

وكما ذكرت لم تؤخذ الأصوات على الشعار إخفاء للحقيقة. وهذا الخبر بصياغته يتناقض مع بعضه فإذا ما كانت الأغلبية قد وافقت على هذا الشعار فلم إذن تلك المناقشات المطولة؟ وهو أمر يؤكد أن الرافضين لهذا الشعار كانوا أكثر عددا من الموافقين كذلك فإن تحديد عدد الرافضين بخمسة يستدعي وفقا للمبدأ الديمقراطي بيان عدد الموافقين وهو ما أخفته الجريدة؟

يؤكد هذا المعنى ما قالته الجريدة بعد ذلك حول هذا الموضوع بإشارتها للكلمة التي قالها رئيس الحزب في الاجتماع وجاء فيها ما يلي "وفي رده على الاعتراضات قال "إن التوجه الإسلامي لحزبنا هو اتجاه أصيل وقديم" ثم قال "إنه لا يفهم وصف الحزب بأنه حزب ديني ولكن من المؤكد أن الحزب ينشئ أعضاءه تنشئة دينية تؤمن بالله وباليوم الآخر، وهو يطلب التدين في أعضائه المسلمين وأعضائه الأقباط.

انتهى أمر الشعار كما أوضحت ولأول مرة يحدد رئيس الحزب موقفه من الاتجاهين الموجودين داخل الحزب أحدهما التيار الإسلامي مع الإخوان والثاني الموقف الثابت لباقي الأعضاء المتمسكين بمبادئ الحزب وبرنامجه.

لم تكن مفاجأة لنا أن يخلع رئيس الحزب القناع عن وجهه في ذلك الاجتماع ويعلن أنه مع التيار الإسلامي لأن جميع الإجراءات التحضيرية للمؤتمر، ما كان ظاهرا منها وما بطن، كانت قد تمت بإتقان وأصبحت مجموعة رئيس الحزب واثقة تماما من النجاح عند إجراء انتخابات أعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة في المؤتمر نتيجة لأنهم نجحوا في تجهيز عدد كبير من العناصر التي لا تنتمي للحزب لحضور المؤتمر فيؤدي ذلك لفوز مرشحيهم.

وعلى العكس من ذلك لم تكن مجموعتنا، المتمسكة بمبادئ الحزب، تتوقع أن ينجح من تلك المجموعة الدخيلة في انتخابات اللجنة التنفيذية أكثر من ثلاثين في المائة رغم دس أشخاص في المؤتمر ليست لهم علاقة بالحزب، وكنا مخطئين في ذلك لأننا لم نكتشف باقي الإجراءات الأشد خطورة في مخططهم والتي فوجئنا بها في عملية فرز أصوات الناخبين. وفيما يلي توضيح لما تم:

فوجئنا بأن أغلب أعضاء لجان الفرز كانوا من عناصر لا تنتمي للحزب وإنما كانوا يترددون عليه ويحضرون

1 – مؤتمراته بانتظام في الشهور السابقة لانعقاد المؤتمر العام حتى نتعود على وجوههم وبذلك يختلط الأمر علينا حينما نراهم في المؤتمر ونحسبهم من أعضاء المؤتمر. وهذا الأسلوب متبع في كثير من حالات ارتكاب الجرائم التي يخطط لها بدقة.

وهكذا جاءت نتيجة انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة مؤسفة بحيث يصح القول بأن مخطط رئيس الحزب وأعوانه في إسقاط الأعضاء البارزين والأساسيين في انتخابات اللجنة التنفيذية قد نجح رغم أن هؤلاء كان عددهم في اللجنة التنفيذية السابقة ما يقرب من عشرين عضوا من ثلاثين هم جملة أعضاء اللجنة التنفيذية، بل وكان من بين هؤلاء العشرين ستة أعضاء من هيئة مكتب الحزب بالإضافة إلى ستة من أعضاء مجلس الشعب ونائب رئيس الحزب، وهكذا حتى يخلو لهم الجو فيفعلوا ما يحلو لهم في مصير الحزب.

2 – كذلك كان من المتفق عليه ألا يتم فرز أكثر من ثلاثة صناديق في آن أو مكان واحد كي تتاح الفرصة للمرشحين في متابعة العملية وليطمئنوا على سلامة الفرز ...

وبدلا من ذلك وضعت كل الصناديق وعددها اثني عشر صندوقا فوق المنصة المحدودة المساحة لتكتظ بالصناديق وليكون تواجد الأفراد حولها محدود العدد فلا يسمح بوجود المزيد من الأفراد على المنصة لمراقبة عملية الفرز وبالتالي يتعذر نهائيا على المرشحين التواجد على المنصة لمتابعة عملية الفرز.

بل وحدث أكثر من ذلك عندما كان يتمكن واحد من المرشحين من الوصول لصناديق الفرز كنا نرى رئيس الحزب يتصدى له ويدفعه بيديه بقوة فيكاد المرشح أن يسقط من فوق المنصة ... إلى هذا الحد كان رئيس الحزب ينفعل كلما اقترب أحد المرشحين من الصناديق وأمكنه متابعتها ولو لدقيقة واحدة.

وكنا نتعجب لتلك القوة التي هبطت على المهندس إبراهيم شكري في ذلك المساء والتي وصفها أحد الزملاء بأنها القوة الكامنة في الإنسان التي تظهر فجأة عندما يتعرض لموقف يكون بالنسبة له مسألة حياة أو موت!

في اليوم التالي – أي الجمعة 9 مارس – عندما طلب بعض الزملاء (من بينهم ثلاثة من أعضاء الحزب في مجلس الشعب) التحفظ على كل أوراق الانتخاب، كذلك عندما أبدى المرحوم أحمد مجاهد ملاحظاته على بعض النواحي التي يرى أنها تنقص من سلامة عملية الانتخاب لم يكن هناك مفر أمام رئيس الحزب من أن يعلن ذلك على الحاضرين بقوله – "أرجو أن تستمعوا إلي ...

حيث إننا طوال 30 ساعة تقريبا لم ننم ... ومن هنا أيها الإخوة فإن علينا أن ننهي مؤتمرنا بعد أن نعلن النتيجة ... ولقد تقدم عدد من الزملاء الأعزاء من محافظة الدقهلية ومن بينهم 3 أعضاء من مجلس الشعب إلى رئيس لجنة الانتخابات يبدون ملاحظاتهم على عملية الانتخاب ويطلبون أيضا التحفظ على كل أوراق الانتخاب ...

ولذلك فقد "أعطيت تعليمات إلى السيد رئيس لجنة الانتخاب بأن يحافظ على كل وثائق الانتخاب سواء كانت الأوراق الأساسية والكشوف التي وقع عليها الأعضاء الذين أدلوا بأصواتهم ... وكذلك كشوف التفريغ لكل لجنة على حدة ...

بحيث يمكن للإخوة الطاعنين أن يبحثوا هذه الأوراق على مهلهم ... وفي وقت يمكن أن يبينوا فيه أن عملية الانتخاب كانت صادقة ودقيقة وصحيحة .. كما تقدم أيضا الزميل الأستاذ أحمد مجاهد بملاحظات أخرى على بعض النواحي التي يرى أنها تنقص من سلامة عملية الانتخاب ...

وهي أيضا ستكون موضع تحقيق وتدقيق". وتلك كانت كلماته تعقيبا على احتجاجات الغالبية من أعضاء المؤتمر على إجراءات وصحة الانتخاب.

وهكذا اطمأنت النفوس فبدأنا نستمع لكلمة رئيس الحزب التي أعطت المزيد من اطمئناننا على أن الوضع سيتم تصحيحه بالطرق الديمقراطية وذلك عندما تحدث عن الورقة الفكرية التي ستقدم للمؤتمر وتوزع على الأعضاء لكي يبحثوها ويناقشوها ثم ترفع بعد ذلك أثناء انعقاد المؤتمر إلى اللجنة المختصة طبقا لا جاء في جدول أعمال أعماله، فقد قال في هذا الشأن "ومن هنا كان شعار هذا المؤتمر وكانت بإذن الله الورقة التي ستقدم إلى مؤتمركم وستوزع عليكم بإذن الله.

والذي يمكن أن تبحثوها ويدور حولها نقاشكم ... وبعد ذلك يمكن أن تبحثها اللجنة أو اللجان لكي تخرج بتوصياتها عن هذه الورقة الفكرية التي تقدم لما نراه وكذلك كيفية تنفيذ هذا الشعار "إصلاح شامل من منظور إسلامي". ثم استطرد يقول "هكذا أيها الأحبة لم نكن بالفعل نحاول أن نجعل من الموضوع انقلابا في الحزب.

وفور انتهاء رئيس الحزب من كلمته طلب المرحوم بأحمد مجاهد "النائب السابق لرئيس الحزب" الكلمة فاستجاب له رئيس الحزب.

وتحت إصرار مجاهد على أن يلقي كلمته من فوق المنصة وليس من مكانه في القاعة وافق رئيس الحزب على مضض وصعد مجاهد إلى المنصة وقال "وأؤكد أنني لا أشكك أبدا فيما قام به الأخ صلاح القفص بصورة أو بأخرى ولكنني أحب أن أنبه إلى أن هناك إجراءات رأيناها غير دقيقة نبهنا إليها ..

سواء التشكيلات أو الطعون إلخ. وأحب أن أقول إن النتيجة التي بوركت هي نتيجة طبيعية لما سبقها من إجراءات. وهذا يتلخص في نقطتين اثنتين.

والنقطة الأولى هناك تشكيلات مشكوك في صحتها، والنقطة الثانية هي نقطة الموضوعية وهي أن الحزب قد صنف على أساس إسلاميين وغير إسلاميين وهذا جرم بالغ (تصفيق) نأخذ من الإسلام حرية الإنسان وهذا كله يلزم أن يكون واضحا.

"إن التصنيف الحزبي على أن هناك إسلاميين وغير إسلاميين هو تصنيف انتهازي بالغ لأنه يطعن البعض في توجهاتهم وطموحاتهم وتاريخهم وينفع البعض الآخر من ناحية أخرى.

"ونحن نعلم أن هناك اجتهادات مختلفة للإسلام، كاجتهادات علي بن أبي طالب رضي الله عنه واجتهادات معاوية بن أبي سفيان، وكان يلزم علينا قبل انتخاب هذا التوجه أن يكون لنا حوار مسبق على مدى السنوات الماضية حتى يقتنع الجميع وحتى يعرف الجميع على أي مسار إسلامي نحن (تصفيق) ... أيها الإخوة أقولها بكل قلبي وليس بلساني أننا اشتراكيون دائما وإسلاميون كل الوقت.

وقد عقب رئيس الحزب على هذه الكلمة بقوله "لقد حاول الأستاذ أحمد مجاهد أن يبين أنه لم يكن هناك تمهيد أو محاولة للحوار حول طبيعة توجهنا الإسلامي والواقع أن برنامجنا وورقتنا الفكرية التي قدمناها التي أصبحت وثيقة من وثائق حزبنا التي قدمت في شهر يناير سنة 87 فيها كل الكلام الذي تحدثت عنه بوضوح وكان يمكن أن يكون هناك حوار أكثر إلا أن الأحداث تتابعت بسرعة ولم تترك لنا الفرصة الكافية في حزب العمل لكي نجعل هذا الموضوع موضوع نقاش واسع بين قواعد حزبنا".

هكذا كان المؤتمر وما جرى فيه ولعلي أوضح من سياق كلمات المرحوم أحمد مجاهد وردود المهندس إبراهيم شكري أن التدبير والتآمر كانا سمة بارزة من سمات التحضير والإعداد والنتيجة.

وكانت كلها تصب في غرض وحيد هو تكريس الانشقاق في داخل الحزب وإهداره لمبادئه الأساسية والتخلص من عناصره وقياداته التي وقفت وعارضت هذا الانشقاق.

ولعل تعقيب المهندس إبراهيم شكري الأخير يكشف بوضوح علمه الكامل بل واشتراكه الفعلي في هذه المؤامرة لأسلمة الحزب وتسليمه مطية ذلولا للإخوان.

ويتضح من دراسة جدول الأعمال أو خمسة بنود من بنوده التسعة لم تنظر ولم تعرض على المؤتمر وبالتالي يظل المؤتمر غير قانوني ولا أثر له لا من حيث ترتيب جدول الأعمال أو توقيتات عرضها ومن هنا فقد المؤتمر شرعية وجوده وأعماله إذ أنه لم يناقش البنود الجوهرية المحددة في جدول الأعمال وهي:

  1. تقرير أمانة الشئون المالية الذي كنت مكلفا بإعداده وإلقائه في اليوم الأول للمؤتمر في الفترة الصباحية وقبل استراحة الغذاء أي قبل انتخابات اللجنة التنفيذية والتي كان موعدها الساعة الثالثة بعد الظهر وتستمر حتى التاسعة مساء ثم تبدأ بعد ذلك عملية فرز الأصوات.
  2. والبندين الثاني والثالث في جدول الأعمال اللذين لم ينظر فيهما في جلستي المناقشات التي كان محددا لهما أربع ساعات صباح الجمعة ومساء الجمعة، أي أن بند المناقشات خصص له أربع ساعات كاملة لأهميته وذلك لمناقشة وتقييم أعمال الحزب في المدة ما بين المؤتمرين وكذلك مدى تنفيذه لبرنامج الحزب ومواقفه من الأحداث، وأيضا ما طرأ على العضوية والمقرات وأنشطة الحزب المختلفة وخاصة الأنشطة الرياضية والدورات التثقيفية والنواحي المالية إلى آخر شئون واهتمامات وواجبات الحزب.
  3. أما البند الرابع فهو بند اجتماع لجنة الصياغة التي كان محددا لها ثلاث ساعات من الثالثة مساء حتى السادسة مساء.
  4. وفي نهاية المؤتمر كان مقررا عقد جلسة ختامية تبدأ الساعة السادسة مساء لإصدار قرارات وتوصيات المؤتمر.وجميع هذه البنود لم ينظر فيها ولم تناقش وذلك نتيجة غلق مقر المؤتمر بعد الظهر عندما رفعت الجلسة لصلاة الجمعة على أن تعود للانعقاد في الرابعة بعد الظهر، فكانت فرصة لغلق المقر ورفع مكبرات الصوت وإخطار الحراس بأن المؤتمر قد أنهى أعماله كذبا وبهتانا.

إن جدول الأعمال السابق نشره يوضح تماما حجم المخالفات التي ارتكبها رئيس الحزب وأعوانه مما أوقعهم في مأزق شديد عندما طالب الأعضاء بالتحفظ على أوراق الانتخاب، كذلك عندما طلب المرحوم أحمد مجاهد الكلمة حول النواحي التي انقضت من سلامة عملية الانتخاب. ولكي يتجنبوا غضبة الأعضاء وينقذوا أنفسهم من الإجراءات الحتمية التي كانت ستتخذ بعد صلاة الجمعة وأهمها استكمال بنود جدول الأعمال وإصدار القرارات والتوصيات التي تشجب المؤتمر وتبطله، أغلقوا مقر المؤتمر كما ذكرت ليحولوا بين الأعضاء وبين دخول المقر لاستكمال جدول الأعمال. وهكذا أصبحت نتيجة هذا المؤتمر هي أنه لا مؤتمر أصلا انعقد، ولا مراجعة لمسيرة الحزب. ولا بحث لأي نشاط من أنشطته.أي أن الهدف الوحيد كان تكريس المؤتمر لمخطط الانشقاق والتخلص ممن يتمسكون بمبادئ الحزب، وتأكيد استمرارية بقاء رئيس الحزب في منصبه وسيطرة المجموعة الإخوانية على المناصب القيادية في الحزب.

هروب المجاهد الكبير من المؤتمر

عدت للاجتماع في الساعة الرابعة بعد الظهر ومعي البيان المالي المكلف بإعداده وإلقائه بحكم موقعي في الحزب وكذلك تلك الملاحظات البالغة الكثرة التي وجدت أنه من الأمانة عملية الانتخاب وهي ما يتعلق بعملية التزوير الفاضح في الإدلاء بالأصوات وفرزها لانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب وهي التي كان يرد علي حينئذ بأنه سيبلغها للسيد المشرف على عملية الانتخاب الأستاذ صلاح القفص، غير أنه لم يبلغه أي شيء ولم يهتم بتلك الملاحظات، ولأني سبق أن كلفت بالإشراف على انتخابات المؤتمر العام الرابع للحزب سنة 1984 فقد كانت تلك المخالفات واضحة لي تماما وبالتالي كنت أنقلها لرئيس الحزب بدقة أولا بأول.

ولما وصلت إلى مقر المؤتمر وجدت مجموعة كبيرة من الأعضاء تقف في مدخل البنك لا يقل عددهم عن أربعمائة عضو.

فسألتهم عن سبب تواجدهم بالمدخل بدلا من الدخول إلى القاعة فقالوا إن القاعة مغلقة والحراس يرفضون فتح الأبواب ولذلك اتصلت من مكتب أمن البنك بالمهندس إبراهيم شكري في منزله لأبلغه بهذا الموقف فقيل لي إنه نائم.

غير أن التي ردت علي تعرفني جيدا ولذلك لما طلبت منها أن توقظه استجابت مشكورة وجاء فعلا ليرد على التليفون وصوته يمتلئ بنوم عميق، ثم بادرني بقوله "خيرا يا أستاذ فؤاد"، فكان ردي عليه "لا خير ولا حاجة يا ريس" ونقلت له صورة الموقف عند مدخل المؤتمر فما كان منه إلا أن أقسم أنه لا يعرف شيئا عما حدث وقال:

"والله أنا لا أعلم شيئا عن ذلك". فقلت له كيف لا تعلم شيئا عن هذا الأمر الخطير وأنت رئيس الحزب! فما كان منه إلا أن كرر القسم وأنه لا يعلم أي شيء عما حدث. ولذلك قلت له "يا ريس هل يعقل أنك لا تعلم عن هذا الأمر شيئا؟

أغلب الظن أنك أنت الذي أمرت بذلك، والدليل على ذلك أنك يا ريس لا زلت نائما رغم أن الساعة الآن الرابعة والربع، وكان يجب أن تكون الآن في القاعة لاستكمال المؤتمر لكنك نائم في بيتك".

ثم أضفت "عموما يا ريس فإن هذا التصرف لن يمر مر الكرام" ووضعت السماعة وقلت للزملاء لقد سمعتم بأنفسكم ما قاله رئيس الحزب وكذلك ردي عليه. وأنا آسف وحزين لما حدث، ولا بد من الرد على هذا التصرف الصبياني إن آجلا أو عاجلا والأفضل أن يكون الرد في أقرب فرصة ... انصرفنا والدهشة تملؤنا للهروب رئيس الحزب من المؤتمر وإنهائه فجأة بدون استكمال جدول أعماله.

وفي المساء توجهنا إلى مكتب المرحوم أحمد مجاهد الكائن بشارع قصر النيل لنتدارس الإجراء الذي نتخذه حيال رئيس الحزب الهارب.

وبعد أن هدأت النفوس في اجتماعنا بمكتب المرحوم أحمد مجاهد وأفقنا من الظلمة، عقدنا مؤتمرا صحفيا كان قد دعا إليه زملاؤنا الصحفيون وحضر مندوبو وكالات الأنباء وكذلك مندوبو الصحف ليستمعوا إلى البيان الذي أصدرناه في مساء ذلك اليوم المشئوم ... تلك كانت قصة هروب المجاهد الكبير من المؤتمر ... ولا تعليق.

القسم السابع : محاولات استرداد شرعية الحزب

1 – البيان الصادر مساء الجمعة 10 مارس 1989 في مؤتمر صحفي لعله يتضح للقارئ الكريم من الوقائع التي أوردتها فيما سبق وهي تلك المتعلقة بإنهاء المؤتمر وغلق أبواب القاعة المخصصة لانعقاده قبل إنهاء أعماله، وإهماله لبحث بنود جدول أعماله وهروب المجاهد الكبير من المؤتمر وقيامنا بعقد مؤتمر صحفي في وقت متأخر من مساء نفس اليوم الذي أصدرنا فيه بيانا صحفيا أن الخطة كانت مدبرة ومعدة سلفا لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:

أولا: تكريس سيطرة مجموعة الإخوان على الحزب.

ثانيا: تأكيد استمرار المجاهد الكبير رئيسا للحزب.

ثالثا: إبعاد العناصر المتمسكة بمبادئ الحزب الأصلية وإقصائهم عن أي موقع قيادي. لذلك تناول البيان الصحفي الذي أصدرناه آنئذ ثلاث نقاط أساسية:

النقطة الأولى أن المهندس إبراهيم شكري فاجأ أعضاء المؤتمر بإعلانه توجها جديدا للحزب قرر فيه صراحة أن الحزب لن يقبل في صفوفه من أسماهم بالعلمانيين والدنيويين. وربط استمراره في رئاسة الحزب بتحقيق هذا الشرط.

النقطة الثانية ذكر البيان أن المهندس إبراهيم شكري أنهى المؤتمر دون مناقشة بيان رئيس الحزب ودون إلقاء تقرير الأمين العام للحزب وتقرير أمانة الشئون المالية، وكذلك دون عقد جلستي المناقشات المقررتين بجدول الأعمال وإصدار القرارات والتوصيات طبقا لما هو مبين بجدول أعمال المؤتمر.

كل ذلك حدث رغم تأكيده في الجلسة الصباحية يوم الجمعة 10 مارس 1989 على استمرار انعقاد المؤتمر بعد صلاة الجمعة والعودة للانعقاد في الساعة الرابعة بعد المؤتمر الذي أصبح غير قانوني لإنهائه فجأة ودون مناقشة خمسة بنود من بنوده السبعة.

نشر هذا البيان في عدد من الصحف وكان له دوي في الأوساط السياسية وخاصة بعد أن حددنا يوم 31/ 3/ 1989 موعدا لعقد المؤتمر التكميلي (أي بعد ثلاثة أسابيع من انعقاد المؤتمر غير قانوني) ولذلك اهتم المشتغلون بالعمل السياسي بمتابعة الانقسام الذي وقع في الحزب بشغف شديد.

وبعد صدور هذا البيان بيومين اتصل بي المهندس إبراهيم شكري في منزلي بطلب الحضور لمقابلتي، وبالطبع لم أرفض، ثم حضر بعد ربع ساعة بالضبط (والله أعلم من أين اتصل بي إذ لم يكن المحمول دخل الخدمة بعد).

وعندما حضر تمالكت أعصابي احتراما له وتقديرا للجهد الذي بذله في السنوات الأولى من قيام الحزب، وتركته يبدأ الكلام، فقال لقد حدثت تجاوزات في المؤتمر ولا بد من علاجها.

فقلت له بيدك وسيلة العلاج بأن تبدأ بإعادة فرز بطاقات التصويت ثم تحقق في التجاوزات التي وقعت كما ذكرت في المؤتمر. فأكد لي أن هذا الأمر سيتم بأقرب فرصة.

ثم دعاني للحضور لإلقاء البيان المالي أمام اللجنة العليا بمقر الحزب بالسيدة زينب التي زعم أنه سيدعوها للاجتماع في الأسبوع القادم لهذا الغرض وكان ردي عليه أنه من حيث إلقاء البيان فإنني لن أفعل شيئا حتى يتم إعادة الفرز. فاكتفى بهذا الرد وانصرف.

أخذت الصحف توالي النشر والكتابة حول كل ما يستجد في هذا النزاع. وكان من أهم ما نشرته خبر استيلاء شبابنا على مقر الحزب بحدائق القبة يوم 16 مارس وتمركزنا فيه لكي ندير من داخله المعركة ضد شكري ومجموعته.

وكان من بين ما نشر حول هذا الأمر ما جاء بالأهرام الصادر يوم 17/ 3/ 1989 تحت باب حوادث وقضايا في مانشيت بالبنط العريض يقول:

"المنشقون على حزب العمل يحتلون مقر الحزب ويقررون الاعتصام حتى نهاية شهر مارس" كما نشرت الصحف الكثير عن محاولات أمين تنظيم مجموعة المهندس إبراهيم شكري لاستقطاب بعض اللجان التي وقع أعضاؤها على البيان الصادر مساء 10/ 3/ 89 المشار إليه مثل لجنة المنوفية حيث كتبت جريدة الأخبار يوم 28/ 3/ 1989:

"أكد أمناء التنظيم بحزب العمل بالمنوفية (الجبهة الاشتراكية) رفضهم لما حدث في المؤتمر العام الخامس يومي 9، 10 مارس الماضي وأشاروا في بيان أصدروه أمس عقب الاجتماع الذي عقدوه بمقر الحزب بالمنوفية إلى الموافقة على استكمال المؤتمر الخامس يوم الجمعة القادم (أي 31 مارس) وأكدوا على التزامهم ببرنامج ومبادئ حزب العمل الاشتراكي وعلى رفضهم لأي توجهات وافدة على الحزب".

وهكذا كانت الروح عالية بين الزملاء في المحافظات وفشل أمين تنظيم مجموعة شكري في محاولاته. كذلك أخذت بعض اللجان تغلق مقراتها حتى يتبلور الموقف بعد مؤتمر 31 مارس 1989.

وحول هذا الأمر كتبت جريدة الجمهورية يوم 18/ 3/ 1989 تقول "قرر مصطفى نوير وكيل نيابة ثان أسيوط استمرار غلق مقر حزب العمل بأسيوط وعلى المتضرر اللجوء للقضاء وذلك لحين سماع أقوال د. علي نصار أمين الحزب".

وفي يوم 24 مارس نشرت مجلة المصور مانشيتا بالبنط العريض يقول: "مسلسل المحامين، هل ينتقل إلى حزب العمل؟ ... تطورات خطيرة في الصراع بين الاشتراكيين والإسلاميين في حزب العمل".

وهكذا استمرت الصحف القومية وصحف المعارضة تنشر الأخبار والتعليقات حول هذا النزاع تباعا مما يضيق المقام لذكره.

2 – المؤتمر التكميلي يوم 31 مارس 1989 وقراراته تمكنا من الحصول على موافقة المسئولين لعقد مؤتمر عام تكميلي بقاعة بنك التنمية والائتمان الزراعي لاستكمال أعمال المؤتمر المنعقد يومي 9، 10 مارس في نفس المكان، والذي انفض دون استكمال جدول أعماله حيث نظر في بندين اثنين فقط من بنوده السبعة.

وكان حصولنا على هذه الموافقة أمرا يبشر بأننا سنتمكن من تصحيح الوضع وإبطال أعمال مؤتمر 9، 10 مارس، باعتبار أن الجهات المسئولة لديها علم بهذا المؤتمر وتتابع ما حدث داخل الحزب منذ 9 مارس 89 وترى أن هذه التطورات تقتضي التدخل والتصحيح.

حضر أعضاء الحزب الرافضون للمخالفات والتجاوزات التي ارتكبت في مؤتمر 9 مارس إلى هذا المؤتمر التكميلي قادمين من جميع محافظات الجمهورية بحماس شديد ليحموا حزبهم الذي ساهموا في بنائه من عبث العابثين ويحافظوا على أهدافه من المتآمرين الهادفين إلى مسح مبادئه وأهدافه المدنية واستبدالها بمبادئ وأهداف دينية بحتة مستمدة من فكر جماعة الإخوان المسلمين.

حضر إلى المؤتمر تسعمائة عضو وفي أيديهم لافتات تقول كلاما معبرا عن الهدف من هذا المؤتمر التكميلي مثل "اشتراكية إسلامية للعمال، لا شركات توظيف أموال". كذلك كانت تنطلق الهتافات من الحناجر بذات المعنى. ثم أصدر المؤتمر عدة قرارات وتوصيات من بينها الآتي:

(الأرقام التالية هي الأرقام المسلسلة للتوصيات المبينة بقسم الملاحق والوثائق)

2 – يدين المؤتمر العام الخامس التكميلي خروج بعض قيادات الحزب وأعضائه عن برنامج الحزب وعن الشرعية الدستورية والقانونية ويحيل هذه العناصر إلى التحقيق طبقا لما أوردته اللائحة.

3 – يبطل المؤتمر العام الخامس التكميلي الإجراءات التي تمت في جلستي 9، 10 مارس 1989 للمؤتمر العام الخامس.

8 – يقرر المؤتمر إعادة عضوية الحزب لجميع الأعضاء الذين تم فصلهم من الحزب فصلا تعسفيا خلال الأعوام السابقة وتكليف اللجنة التنفيذية بضم الأعضاء السابقين الذين استقالوا أو جمدوا نشاطهم الحزبي.

11 – يؤكد المؤتمر على أهمية إعادة حصر العضوية الحقيقية للحزب على كافة المستويات وإنشاء سجلات لها.

13 – يقرر المؤتمر ضرورة إعمال نص اللائحة المالية فيما قررته من رقابة أمين صندوق الحزب على كافة أنشطة الحزب بما فيها حسابات الصحيفة.

14 – يقرر المؤتمر وجوب عدم دفع أية مرتبات شهرية أو مبالغ مالية على شكل مكافآت أو بدلات أو تحت أي مسمى لأي عضو من أعضاء اللجنتين العليا والتنفيذية إلا فيما قررته اللائحة من بدلات الانتقال الفعلية.

ولقد أخطرنا كافة الجهات الرسمية بهذه القرارات والتوصيات والتي تتضمن سحب الثقة من المهندس إبراهيم شكري وانتخاب المرحوم أحمد مجاهد رئيسا للحزب، وعزل عادل حسين من رئاسة تحرير الجريدة، كما طالبنا بتسليمنا مقرات وأموال وجريدة الحزب (انظر الملاحق).

نشرت الصحف وقائع هذا المؤتمر التكميلي على نطاق واسع من بينها ما نشرته جريدة الأهرام في اليوم التالي لعقد المؤتمر، في أول أبريل 1989 حيث قالت تحت عنوان:

"بيان من حزب العمل حول مؤتمر التيار الاشتراكي بعد سحب الثقة من شكري".

" في تطور مفاجئ لمشكلة حزب العمل قرر أعضاء التيار الاشتراكي بحزب العمل انتخاب السيد أحمد مجاهد رئيسا للحزب لمدة عام وسحب الثقة من المهندس إبراهيم شكري رئيس الحزب بسبب ما أسموه بخروجه عن برنامج الحزب الاشتراكي ومحاولته تحويل الحزب إلى حزب ديني.

كما قرر الأعضاء في مؤتمرهم التكميلي الذي شهده 900 عضو أمس الموافقة على تعيين لجنة تنفيذية ولجنة عليا للحزب تتوليان إعادة بناء الحزب وهيكله التنظيمي في ضوء برنامج الحزب الأساسي".

وفي يوم 2 أبريل 89 نشرت جريدة الجمهورية تحت عنوان:

"مسلسل حزب العمل مستمر: انتخاب أحمد مجاهد رئيسا للحزب: المحافظات ترفض سياسة إبراهيم شكري".

"قرر المؤتمر العام الخامس لحزب العمل... الذي عقدته الجبهة الاشتراكية الإسلامية بالحزب، استكمالا لأعمال المؤتمر الخامس، انتخاب أحمد مجاهد رئيسا للحزب بدلا من المهندس إبراهيم شكري .. كما أصدر المؤتمر عدة توصيات وتشكيل اللجنتين العليا والتنفيذية للحزب".

"حضر المؤتمر الذي عقد في العاشرة صباح أمس بقاعة بنك التنمية والائتمان الزراعي بميدان التحرير أكثر من 1500 عضو من مختلف المحافظات بعد أن زحف أعضاء المحافظات وأعلنوا تأييدهم للجبهة الاشتراكية الإسلامية ورفض سياسة إبراهيم وأنصاره والإخوان المسلمين".

"بدأت وقائع المؤتمر ببيان اللجنة التحضيرية ألقاه أحمد مجاهد مستنكرا لسياسة إبراهيم شكري رئيس الحزب والإخوان المسلمين وجريدة الحزب وتقسيم حزب العمل إلى طائفتين العلمانيين والدينيين باعتبارها تقسيمات مستحدثة ... عرض فؤاد هدية أمين لجنة اشئون المالية والاقتصادية البيان المالي للحزب".

كذلك نشرت جريدة الأهالي للدكتور ميلاد حنا يوم 5 أبريل 89 تحت عنوان:

"منطق المذهب أقوى"

" ... لم أقصد من كل هذا السرد التاريخي مضيعة لوقت القارئ بقدر ما رغبت أن أوضح أن أحد قواعد "العمل السياسي" هو أن لكل فكر منطقه الذي لا بد أن يسير فيه ويتبعه بصرف النظر عن نوايا الفرد أو الأفراد الذين يصورون لأنفسهم – غالبا – ما لا يتحقق ... ومن هنا جاءت صياغة هذه العبارة الفلسفية من أن "منطق المذهب أقوى من مقاصد صاحب المذهب".

فمنذ تحالف حزبي العمل والإخوان كان واضحا أن المصير النهائي لحزب العمل هو سيطرة فكر الإخوان على الحزب ومن ثم لم أدهش لطرد كل العناصر الأخرى التي لا تنتمي إلى فكر الإخوان.

ووصل الأمر إلى أن قسم الأستاذ عادل حسين – المفكر والمنظر لهذا الجديد، والوريث الشرعي له – قسم المصريين إلى مصريين إسلاميين ومصريين دنيويين. ومن هنا فقد شق مصر بوعي أو بغير وعي بحسن نية أو بغيرها.

وحول الخلاف الإيديولوجي والفكري والسياسي إلى خلاف دين، وهذا أمر كريه علينا جميعا ويمجه غالبية عظمى من المصريين من كل دين.

ومن هنا فلينظر قادة الحزب إلى وضعه الجديد ليجدوه خلوا من أي قبطي ... أليس لذلك دلالة لديهم، تجعلهم يفكرون مرتين، ليس في مصير الحزب فحسب وإنما في مصير الوطن كله".

كذلك نشرت جريدة الأخبار يوم 6، 4/ 89 كلمة موجهة من الأستاذ موسى صبري إلى الدكتور حلمي مراد أمين عام حزب العمل الاشتراكي الذي انقاد لعادل حسين كبير المخططين لتحويل الحزب إلى حزب ديني ربما بسبب العلاقة الأسرية التي تربطهما ببعض حيث إنه شقيق حرم المرحوم أحمد حسين زعيم مصر الفتاة السابق وعادل حسين شقيقه، حيث قال في كلمة تحت عنوان:

"الحوار المهذب لا الشتائم"

"رجائي بكل الاحترام إلى الأستاذ الدكتور حلمي مراد أن يكون حواره السياسي معنا، أو مع من أسقطوا المهندس إبراهيم شكري من رياسة حزب العمل الاشتراكي، بعيدا عن التجريح الشخصي، أو الاتهامات المتشنجة.

وأي تجريح للقيادة الجديدة المنتخبة لحزب العمل، هو مرتد إلى الدكتور مراد، إن أحمد مجاهد كان نائبا لرئيس الحزب وله احترامه، ويحتل زملاؤه مناصب قيادية عليا ... فكيف يتهمونهم الآن، بأنهم عملاء الحكومة ..

لمجرد أنهم أعلنوا رأيهم بأن إبراهيم شكري وحلمي مراد وعادل حسين تنكروا لمبادئ الحزب، وحولوه إلى حزب ديني ... وبذلك أصبح وضعه مخالفا للدستور وقانون الأحزاب".

"وهل النواب العشرة الذين أسقطوا رياسة المهندس إبراهيم شكري للهيئة البرلمانية لحزب العمل ... أيضا عملاء؟ ... ولم يبق حول شكري إلا خمسة نواب فقط".

"ولماذا لا يكون الحوار مستقيما؟ سبق أن أعلن الدكتور مراد أن قانون الأحزاب لا يمنع قيام حزب ديني، وفسر نص القانون وفق هواه .. ثم هو بالأمس في صحيفة الشعب ينكر أن الحزب أصبح دينيا ... وبذلك لا اختصاص للجنة الأحزاب في النظر في شرعيته!

"إن الادعاء أن الحزب أصبح دينيا لم يصدر من الصحافة القومية ... ولا من كاتب هذه السطور، هذا الاتهام صدر من قيادات في الحزب، وفي أكبر مناصبه، ومن عشرة نواب هم ضعف من بقوا حتى الآن حول إبراهيم شكري، وهذا خلاف موضوعي وجذري، ومن واجب لجنة الأحزاب أن تبحثه، وتتخذ فيه قرارا بنص القانون".

"كونوا واضحين مثل جماعة "الإخوان المسلمين" ... وأن المستشار الهضيبي يطالب بالحزب الديني، وهذا حقه، ولكنكم تقولون إن تحالفكم مع الإخوان له حدود ... وأن بينكما نقاط خلاف .. ولكنكم لا تفصحون عن هذه النقاط، بل تعلنون أنكم لن تتحدثوا عنها ... كيف هذا ونحن في مجال مناقشة قضية سياسية كبرى، مرتبطة بمبادئ حزب؟! ألا تثيرون بذلك الريب والشكوك في نواياكم؟".

"وهل من الحوار السياسي أن تنشر صحيفة الشعب أن النقاش معكم هو حرب على الله!! .. يشنها المنشقون منكم بالتعاون مع أمن الدولة؟".

"وهل هذا الوصف من أدب الدين في شيء؟ .. إن عليكم أن توضحوا موقفكم بالحجة والكلمة الطيبة".

وهكذا نشرت الصحافة المصرية والعربية قدرا كبيرا حول المؤتمر التكميلي وحول تحرك المجموعة الاشتراكية بعد هذا المؤتمر لعدة شهور، وكنا نحن مقر الحزب بحدائق القبة نستقبل يوميا وجوها وألوانا من الصحافة كان أغلبها يقف معنا ويؤيد خطانا.

مسيرة الحزب في وضعه الجديد

الحديث عن محاولات الحزب للحصول على الشرعية واستلام المقرات والجريدة بعد انعقاد المؤتمر التكميلي يوم 31 مارس 1989 لا يسر على الإطلاق، لأن تلك المحاولات كانت تنتهي في كل مرة بمواقف متناقضة. فقد كانت هذه المحاولات تبدأ بالتأييد المطلق للمؤتمر المذكور وما صدر عنه من توصيات.

كما تبدأ بكلام مشجع أن موقفنا قانوني وسليم، وحثنا على مواصلة النضال وعدم التوقف عن المطالبة بالشرعية، غير أن هذه البداية الطيبة كانت تنتهي في كل مرة إلى لا شيء، ويظل الموقف مجمدا من حيث استمرار وجود حزبين داخل حزب واحد – أحدهما لديه المقرات والجريدة والمال وتأييد مطلق من الإخوان – وهم جماعة لها قوتها ووزنها -

والحزب الثاني لم يكن لديه سوى مقر واحد في حدائق القبة (في بداية المسيرة)، كذلك لم تكن له جريدة لمدة سنتين ونصف (إلى أن استطاع أن يستأجر مجلة غير معروفة اسمها قارون تصدر في الفيوم ساعدت على أن يكون له صوت في الشارع السياسي).

وبالطبع لم تكن للحزب أموال ينفق منها على حركته ولذلك كانت تبرعات الأعضاء هي المصدر الوحيد لمواجهة تلك المصروفات (إلى أن طرقنا باب تصاريح الحج التي أصبحت وحدها تغطي كافة مصروفات حزبنا). ظل الموقف مجمدا من حيث وجوب حزبين داخل حزب واحد رغم التأييد والتشجيع الذي انهال علينا من كبار المسئولين عن العمل السياسي في مصر مثل المرحوم د.

رفعت المحجوب حينما كان رئيسا لمجلس الشعب، ومن بعده الدكتور فتحي سرور حتى آخر يوم تركت فيه تلك المسيرة بعد أن اقتنعت بأننا في لعبة سياسية لا قرار لها ولا نهاية ترجوها فتركت الحزب ومعي عدد كبير من هؤلاء الزملاء لنكون حزبا جديدا باسم "الحزب المصري الجمهوري" الذي سبق الإشارة إليه في الأقسام السابقة.

وبالإضافة لمقابلاتنا مع رئيسي مجلس الشعب كنا نتقابل أيضا مع الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة الذي أحال جميع الأوراق التي قدمناها لسيادته وتثبت حقنا في الشرعية إلى السادة القانونيين الذين يعملون بالمجلس، ولكن للأسف لم يصدر بشأنها أي قرار لا كتابة ولا شفاهة كما لو كان هذا الموضوع يتعذر إصدار قرار بشأنه مما كان يدفعني لأن أطلب من سيادته أكثر من مرة إصدار قرار بالإيجاب أو بالسلب لأننا نريد الوصول لنتيجة ولأننا نريد أن نعرف "رأسنا من أقدامنا" كما يقول المثل الشعبي.

لم تكن هذه النظرة نظرة يأس بل كانت نظرة واقع لأن الإنسان حينما يكون له حق يطالب به ويلمس أن الجهة المختصة بالبت في مطلبه لا تريد البت فيه لأنها تريده أن يبقى معلقا ويظل على ما هو عليه بدون تغيير لأسباب لا يعلمها إلا الله، فماذا يفعل إذن!

هل يستسلم أم يواصل، وإذا ما واصل المسيرة ثم لم يجد فيها أكثر من المجاملات وحسن اللقاءات وما يريح الإنسان نفسيا للحظات ورغم ذلك فإنها تخلو مما يقرب المسيرة من نهايتها ويعطيك حقك، فماذا يفعل الإنسان إذن!!

بالإضافة للسادة الذين ذكرتهم كنا أيضا نلتقي بوزيري الداخلية اللواءين زكي بدر وعبد الحليم موسى ونجد منهما كل ترحيب وتأييد لموقفنا ...

وكثيرين آخرين من السادة كبار المسئولين في الدولة التقينا بهم وكانت اللقاءات في كل مرة مشجعة ليس فيها ما يحبط أو يثبط الهمة، بل أذكر مرة بعد المؤتمر السابع المنعقد يوم 19/ 2/ 1993 أن ذهبنا في اليوم التالي مباشرة لمقابلة الدكتور مصطفى حلمي مراد بمجلس الشورى حيث كنت قد طلبت من سكرتيرته رغبة وفد من أعضاء المؤتمر يبلغ ثلاثين عضوا في لقاء سيادته فرحبوا بنا واستقبلنا الدكتور في غرفة فسيحة وظل يرحب بنا بأدبه الجم المعروف عنه ويتحدث معنا عن العمل الوطني ويتمنى لنا التوفيق، ثم قدم لنا بعض المرطبات التي ظن بعضنا أنها شربات النجاح.

كذلك تصورنا أنه بهذه المجاملة يريد أن يخطرنا بموافقة لجنة شئون الأحزاب على توصيات المؤتمر الأخير لحين صدور الإخطار الرسمي بذلك، وهذه التوصيات كانت تكرارا لقرارات المؤتمرين اللاحقين للمؤتمر التكميلي – أي المؤتمر السادس والسابع والتي تركزت في سحب الثقة من المهندس إبراهيم شكري والموافقة على انتخاب المرحوم أحمد مجاهد رئيسا للحزب، وتسليمنا المقرات والجريدة ليبدأ الحزب صفحة جديدة.

انصرفنا بعد هذه المقابلة السعيدة يملؤنا الأمل الكبير أننا خلال 24 ساعة سنسمع النبأ العظيم ... ولقد جلس بعضنا بالفعل بجوار التليفون طوال هذه الساعات ينتظر الخبر السار.ومرت الساعات والأيام والأسابيع والشهور بلا خبر أورد فكانت الصدمة شديدة.

ومما شجعنا أيضا على الاستمرار في مسيرة المحاولات أن الإجابة على التساؤلات التي كانت تدور في أذهاننا حول: كيف لا يكون لنا حق في الحصول على الشرعية ونحن نرى الأجهزة الرسمية والمسئولين عن العمل العام في البلد يعاملوننا كحزب؟

كيف لا يكون لنا حق في الحصول على الشرعية في حين أنه يسمح لنا بعقد مؤتمرات حزبية على مستوى الجمهورية ... وكيف لا يكون لنا هذا الحق ونحن نحصل على تصاريح للحج كلما تقدمنا لطلبها متساوين في ذلك مع باقي الأحزاب بل ويصلنا إخطار الموافقة موجها إلى المرحوم (أحمد مجاهد رئيس حزب العمل الاشتراكي) هكذا ...

كيف لا يكون لنا حق ونحن ندعى لحضور حفل إفطار في شهر رمضان المبارك يحضره وزراء ورؤساء أحزاب ويلقي المرحوم أحمد مجاهد كلمة فيه ...

وكيف لا يكون لنا حق ونحن نذهب إلى الكرازة المرقسية في عيد الإخوة الأقباط ويقف الأنبا شنودة يشكر الذين حضروا الحفل ويذكر من بينهم المهندس إبراهيم شكري عن حزب العمل وأحمد مجاهد أيضا عن حزب العمل ...

كيف لا يكون لنا حق ونحن حينما نطلب عقد مؤتمر عام لأعضاء الحزب يسمح لنا بذلك مرتين في قاعة بنك التنمية والائتمان الزراعي التي عقدنا فيها المؤتمر الخامس التكميلي يوم 31/ 3/ 1989 ثم المؤتمر العام السادس يوم 23/ 3/ 1990، وفي المرة الثالثة بعد أن قرر مجلس إدارة البنك منع انعقاد أي مؤتمر حزبي بتلك القاعة – سمح لنا بعقد المؤتمر العام السابع يوم 19/ 2/ 1993 في قاعة المتحف الزراعي بعد أن تقدمنا بطلب بذلك إلى الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب الوطني فاستجاب مشكورا ...

كيف لا يكون لنا حق ونحن نعقد ندوة أسبوعية في مقر الحدائق تحضرها أعداد من المواطنين تصل لمائتي فرد في بعض المناسبات ولا يعتبر ذلك تجمهرا يمنعه القانون ... كيف لا يكون لنا حق ونحن نصدر جريدة أسبوعية سميناها "المعارضة".

كل هذه المواقف وغيرها الكثير أمور محيرة جعلتنا لا نعرف من نحن ولا ماذا يراد منا مما جعل الأعضاء في الاجتماعات التي كانت تنعقد بعد المؤتمر العام السادس – أي منذ يوم 23/ 3/ 1990 يبدءون الاجتماع بسؤال تقليدي هو:

"ماذا تم في موضوع الشرعية"؟ أو يكون السؤال بصيغة من عيل صبره، "لماذا تأخر حصولنا على الشرعية"؟ أو بصيغة ثالثة تقوم على الواقعية "هل سنحصل على الشرعية رغم كل ما سمعناه من وعود وما رأيناه من استجابة"؟ ...

وعندما كان يوجه لي هذا السؤال في بعض الاجتماعات باعتباري أمين عام الحزب كنت أحيل السائل إما إلى المرحوم أحمد مجاهد أو نائبه شوقي خالد وأنضم للسائل في سؤاله ذلك لأني كنت قد فقدت الثقة تماما في أننا سنحصل على الشرعية ونصبح وحدنا الحزب الشرعي الرسمي الذي يجمع هاتين الصفتين معا، بدلا من استمرار وجود حزب رسمي فقد شرعيته وآخر شرعي بدون الصفة الرسمية.

الخاتمة

تحدثت في الأقسام السابقة عن التحول من تنظيمات شمولية ثلاثة إلى تعددية حزبية ويعود الفضل في ذلك إلى الرئيس السابق أنور السادات. ولما قامت الأحزاب كانت قوية في سنواتها الأولى، يتهافت عليها المواطنون بحماس، لكنها ترهلت بعد تلك السنوات فابتعدت عنها الجماهير.

كذلك تناولت مقارنة سريعة بين ما ينبغي أن يكون عليه العمل الحزبي بمعناه الفني وأسلوبه السياسي وبين ما كان عليه حال أحزاب ما قبل الثورة التي كانت تجمعات وطنية من شخصيات وعناصر مشهود لها بالإخلاص لمصر تريد الخير للبلد.

تركزت رسالتها في مواجهة الملك والإنجليز واستطاعت بنضالها أن تهيئ الشعب للحصول على الاستقلال. إلا أنها لم تتعمق في خطط وبرامج التنمية لتحسين حال المواطنين ورفع مستوى المعيشة وتحقيق التكافل الاجتماعي بسبب سيطرة الإقطاع ورأس المال المستغل على هذه الأحزاب.

ولقد انتقلت بعد ذلك إلى انتخابات مجلس الشعب وما يرتكب فيها من مخاز ومهازل تتعارض مع القانون والأخلاق مما أدى إلى مئات الطعون الانتخابية، وما قررته بشأنها محكمة النقض، وموقف مجلس الشعب منها.

كذلك تحدثت عن تحالف حزب العمل الاشتراكي مع الإخوان المسلمين وعن محاولات الإخوان الناجحة لأسلمة الحزب نتيجة تواطؤ المهندس إبراهيم شكري وعادل حسين ود. حلمي مراد مع الإخوان.

كما تحدثت عن النتائج التي أدى إليها هذا التحالف وإلى انهيار الحزب اعتبارا من مؤتمر 9 مارس 1989 الذي شطر الحزب إلى حزبين داخل حزب واحد كما لو كان الحزب الأم قد أصيب فجأة بفيروس مميت، ثم انتقل هذا الفيروس بعد ذلك إلى أغلب أحزاب المعارضة حتى أصبح الكيان الحزبي في مجمله مكتظا بالصراعات الداخلية، وما هو خفيف منها وما هو ثقيل، وصل لدرجة انشطار معظم تلك الأحزاب على نفسها، فضلا عن العديد من البلاغات للنائب العام، وقرارات صدرت بالفعل لتجميد بعض الأحزاب ...

وهكذا أصبحت صورة الأحزاب في مصر مشوهة مما يقتضي اتخاذ موقف حاسم يأتي من القيادة السياسية للبلد لكي يقضي على أسبابها. وكم أتمنى أن يأخذ الرئيس حسني مبارك هذا الموضوع بقوة بين يديه ليصلحه.

لأنه كما نجح في إصلاح الكثير من الأمور التي يراها ويلمسها الشعب، والتي كان من الخلل ينخر في عظامها والضعف الوهن ينالان منها، فإنه بفضل الله قادر على إصلاح النظام الحزبي المصري، وتنشيط وتصحيح دور لجنة شئون الأحزاب، حتى تستبدل أحزابنا بالوهن قوة، وبالمصالح الشخصية الصالح العام، وتتحول ملكية الأحزاب لمجموع المواطنين ولا تستمر ملكا للأفراد والأسر والشلل كما هو الحال في الوقت الحاضر.

إذن التقدم المادي المتمركز في التنمية المادية فحسب من كباري وأنفاق وخدمات التليفون الدولي والمحمول ومن بناء القرى السياحية في فايد والساحل الشمالي، وتوسيع رقعة الأرض الزراعية في توشكى وغير ذلك الكثير من الأعمال المفيدة لاقتصاد البلد ماديا لا بد أن يتوازى معها تقدم سياسي حزبي اجتماعي وذلك بأن يشارك الشعب، كل الشعب وليس قطاعا محدودا منه، في إدارة شئون البلد وتحمل نصيبه من المسئولية وتقديم الأفكار والنصائح المخلصة فيما يتعلق بحصول المواطن العادي على مردود هذه التنمية المادية وتلك الاستثمارات الضخمة التي نسعد حينما نقرأ عنها ... إن التقدم المادي البحت ما لم يرتكز على أساس سياسي اجتماعي متين فإن مصيره إلى الزوال.

ولقد رأينا كيف تفكك الاتحاد السوفيتي في لحظات وانفرط عقده كما ينفرط لوح الثلج تحت ضربة واحدة، لأن قياداته ركزت إنجازاتها في المجالات المادية وحدها ولم تأخذ بعين الاعتبار النهوض بالإنسان الروسي وإشراكه في إدارة شئون بلده، باستثناء فئة قليلة هم أفراد الحزب الحاكم وأهل الفن وعلماء الذرة والصواريخ.

وحتى في مجال العلماء كان الاهتمام الأكبر يتركز في علماء الذرة والكيمياء والطبيعة دون اهتمام كاف بعلماء الاقتصاد والسياسة وعلوم الاجتماع والمفكرين.

وبينما نشق طريقنا الآن تحت شعار الليبرالية واقتصاد السوق يجب أيضا أن نرفع شعار الإنسان المصري الناهض المتفتح المتمتع بالكفاية والأفق الواسع.

فالأمل كل الأمل أن نأخذ بعين الاعتبار ما يلزم البلد من تنمية سياسية اجتماعية إنسانية.

لقد كان ابتعاد الأحزاب السياسية القائمة حاليا عن واجبها السياسي وهو الالتصاق بقواعدها الشرعية – والعمل على بحث ومناقشة مشاكلها للالتحام بها – كان هذا الابتعاد أحد الأسباب الجوهرية لفقد هذه الأحزاب سبب وجودها وهو خلق القواعد الجماهيرية المؤمنة بمبادئ تلك الأحزاب المتمسكة بتحقيق أهدافها.

ومن هنا أصبحت معظم الأحزاب شكلا بدون مضمون ولعل ذلك هو ما قاد بعض قيادات حزب العمل الاشتراكي إلى الالتحام مع [[الإخوان المسلمين ...

ولقد كان هذا الانشقاق في رأيي أمرا حتميا لحرص رئاسة الحزب ومن معها من قياداته على بقائها متربعة على عرش الرئاسة فقط دون عمل سياسي حزبي حقيقي ودون التحام جدي بالجماهير تحقيقا لمبادئ أساسية.

إن انشقاق الأحزاب من داخلها أمر وارد في جميع الأحزاب الملتزمة بقواعد الديمقراطية وذلك لاختلاف الأساليب والوسائل وهو ما يحدث في أوروبا وأمريكا وكل بلد ديمقراطي لكنه للأسف في بلدنا فإن الطريقة المصرية للانشقاق تتسم بالطابع الشخصي، وهو حرص رئيس الحزب على استمرار رئاسته مهما طال به الزمن – ومهما نبعت قيادات أخرى أقدر وأكفأ ... وتلك سمة مصرية لجميع الأحزاب!!

إن عنصر التغير لا بد أن يمتد ليشمل جميع الأحزاب المصرية دون استثناء، إذ لا يعقل أن يدب الخلاف وتنتشر الفوضى في جميع الأحزاب المصرية، ويتركز الانشقاق حول رئاسة تلك الأحزاب، فتصبح رئاسة الحزب هي الهدف الأسمى والأمل المرتجى في حين يجب أن تتجرد قيادات الأحزاب من هذا العبث – وأن يكون الأسلوب الديمقراطي وحده هو الأسلوب الذي يتبع في تشكيل قيادات الحزب وهياكله وتنظيماته.

إن الأخذ بالأساليب الديمقراطية هو الطريق الوحيد لنمو هذه الأحزاب واستمرارها، وما لم ترتكز قيادات الأحزاب على تحقيق هذا المبدأ فلن تكون هناك أحزاب بالمعنى الفني.

لقد كانت كلماتي ... وهي تجربة مواطن مصري رأى وعاش ومارس تجربة حزبية على امتداد سنوات حياته ... رأيت أن الأمانة تقتضي أن أضعها أمام رفاق الطريق من إخوتي المصريين ... هادفا أن يكون في هذه التجربة ما ينفع ...

ليتجنب الجيل القادم السلبيات العديدة التي عاشتها تلك الأحزاب ... وما زلت أومن أن أشعة الفجر بدأت تضرب الظلام الكثيف ... لينبلج الضوء الهادئ إلى سواء السبيل ... ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

والله ... والوطن ... من وراء القصد.وهو الهادي إلى سواء السبيل.