البنا.. وتأهيل النفس لـ"دار العلوم"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٤٩، ٨ يناير ٢٠١٢ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات) (حمى "البنا.. وتأهيل النفس لـ"دار العلوم"" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البنا.. وتأهيل النفس لـ"دار العلوم"


الظروف السائدة بمصر قبل نشأة جماعة الإخوان

الإمام حسن البنا عند تخرجه من دار العلوم
جمع حصيلة ثقافية يعجز أي شاب في مثل سنه عن تكوينها

برغم أن فترة المدرسة الإعدادية كانت أيام استغراق في التصوف والتعبد في حياة الإمام "حسن البنا" إلا أنها لم تخل من إقبال على الدروس وتحصيل للعلم خارج حدود المناهج، وقد ساعد "البنا" على ذلك مكتبة والده وتشجيعه له على القراءة وإهداؤه له كتبًا أثرت فيه منها:

الأنوار المحمدية" للنبهاني و"مختصر المواهب اللدنية" للقسطلاني، و"نور اليقين في سيرة سيد المرسلين" للشيخ "الخضري"، حتى إنه كون مكتبة خاصة به بناء على توجيه والده.

كان الإمام "حسن البنا" في أثناء فترة المدرسة الإعدادية أيضًا يستأجر من الشيخ "حسن الكتبي" بعض الكتب كل أسبوع مقابل مليمات ثم يردها ويأخذ غيرها، ومن الكتب التي أثرت فيه في هذه الفترة: قصة الأميرة ذات الهمة، كما كان يطالع قصص الشجاعة والاستمساك بالدين، والجهاد في سبيل الله، والكفاح لنيل العلا والمجد.

وقد كون الشاب "حسن البنا" حصيلة ثقافية يقف الباحثون مشدوهين أمامها لأن شابًا في مثل سنه لا يستطيع في العادة مطالعة الكتب التي قرأها في هذه السن فقد قرأ كتاب "إحياء علوم الدين"، وطالع كتاب "فتح الباري في شرح أحاديث البخاري" مع شيخه الشيخ "زهران"، كما قرأ كتاب "المنهل الصافي في مناقب الشيخ "الحصافي"، وكذلك قرأ تاريخ المذاهب والفرق وتاريخ التشريع والسيرة النبوية كما حفظ ألفية ابن مالك وقرأ شرحها "لابن عقيل" وحفظ كثيرًا من المتون بالإضافة إلى مطالعاته الفقهية والأدبية والشعرية.

"البنا" ساعده كذلك في تحصيل هذه الثقافة؛ أن مدرسة المعلمين حينذاك قد جمعت نخبة من فضلاء الأساتذة امتازوا بالصلاح والخير, وتشجيعهم طلابهم على البحث والدرس، وكانت "للبنا" بهم صلات روحية، وقد ذكر ذلك في مذكراته إذ يقول: "ولا زلت أذكر الأستاذ "عبدالعزيز عطية" وقد كان يدرس لنا التربية العملية، وقد أجرى لنا اختبارًا شهريًا فأعجبته إجابتي فكتب على الورقة: "أحسنت جدًا ولو كان هناك زيادة على النهائية لأعطيتك" وحجز الورقة عند توزيع الأوراق على الطلاب، ثم طلبني وسلمها لي وزودني بكثير من عبارات التشجيع، وكان لهذه العوامل أثرها في نفس الطالب "حسن البنا" فحفظ من خارج المنهج الدراسي: (ملحمة الأعرابي) للحريري، (الياقوتية) في المصطلح، (الجوهرة) في التوحيد، (الرجبية) في الميراث، (متن السلم) في المنطق، (متن القدوري) في الفقه الحنفي، (متن الغاية) و(التقريب) في الفقه الشافعي، (منظومة ابن عامر) في المذهب المالكي.

هذا بالإضافة إلى حضور مجالس العلم مثل مجلس الشيخ "حسن خزبك"، ودرس الشيخ "عبدالوهاب الحصافي"، ودرس الشيخ "شلبي الرجال"، ودرس الشيخ "محمد خلف نوح"، وكان من قبل قد تعلم صناعة إصلاح الساعات وتعلم في الإعدادية القوانين العقارية والمالية، وفلاحة البساتين، كما اشترك وأسس جمعيات للخدمة العامة والإصلاح الاجتماعي.

وقد أنهى الشاب "حسن البنا" فترة الثانوية أو مدرسة المعلمين وعمره لم يبلغ بعد السابعة عشرة عامًا بتفوق، وكان عليه أن يستعد لدخول مسابقة الالتحاق بالمدرسة العليا "كلية دار العلوم" إلا أنه كان له رأي خاص.


رأيه في المدارس وشهاداتها

يوضح ذلك في مذكراته فيقول: "لقد كنت محبًا للعلم حبًا جمًا، وكنت شديد الميل إلى القراءة والاستزادة من العلم، وكنت مؤمنًا بفائدة العلم للفرد وللجماعة، ووجوب نشره بين الناس حتى إني أذكر أنني عزمت على إصدار مجلة شهرية أسميتها "الشمس" وكتبت فيها العددين الأول والثاني، لكن طريقة الغزالي "صاحب إحياء علوم الدين" وأسلوبه في ترتيب العلوم والمعارف، وطلب العلم كانت قد أثرت في نفسي تأثيرًا شديدًا فكنت في صراع عنيف، هذه الرغبة الملحة تدعوني إلى الاستزادة من طلب العلم ولكن إرشادات الإمام "الغزالي" وتعريفه للعلم الواجب بأنه: "العلم المحتاج إليه في أداء الفرائض وكسب العيش، ثم الانصراف بعد ذلك إلى العمل"، هذه الإرشادات تدعوني إلى الأخذ بالضروري وترك ما سواه وعدم ضياع الوقت فيه.

ثم جاءت فكرة التقدم لدار العلوم وما يتبعها من بعثة إلى الخارج فاشتد الصراع وقوي، وكنت أقول لنفسي: لماذا تريد أن تدخل دار العلوم؟ هل للجاه: حتى يقول الناس إنك مدرس عال لا مدرس أولي؟ إنّ هذا حرامٌ لأن طلب الجاه والحرص عليه، داء من أدواء النفس، وشهوة من شهواتها، يجب مقاومتها.. هل للمال؟: حتى يتضاعف مرتبك وتجمع الأموال، وتلبس الملابس الفاخرة، وتركب المراكب الفارهة؟ إن هذا لشر ما بعده من شر، وتعس عبد الدينار، وتعس عبد الدرهم، وتعس عبد القطيفة، تعسوا جميعًا وانتكسوا، وإذا شيك أحدهم فلا انتقش.

وصدق الله العظيم: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ (آل عمران: 14).

هل للتكاثر بالعلم والمعرفة؟، لتنافس العلماء وتماري الجهلاء، أو تستعلي على الناس بالحق؟ إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، وهو أول مَن تسعر به النار يوم القيامة، وقد تقول لك النفس: إنك تتعلم لتكون عالمًا تنفع الناس وإنما بعث رسول الله معلمًا؟

فقل لها: إذا كنت صادقة في ابتغاء مرضاة الله فلم تريدين دخول دار العلوم؟ مع أن العلم في الكتب وعند الشيوخ والعلماء، والشهادات فتنة وهي المطية إلى الدنيا وإلى الحياة والمال وهما سم قاتل محبط للأعمال مفسد للقلوب والجوارح".

هكذا، كاد التلميذ حسن البنا يركن إلى هذا الهاجس وينصرف عن الاستعداد لكلية دار العلوم، لولا أن تغمده الله بفضله فساق له أحد شيوخه الذين يحبهم ويثق فيهم فثناه عن هذا العزم وألح عليه في استنهاض الهمة للدخول في امتحان المسابقة، وانصاع التلميذ لشيخه "فرحات سليم" رحمه الله وبدأ يستعد للامتحان وأخذت مشاهدات الفكر تبرز له صحة ما وجهه إليه شيخه.

وأحس التلميذ أن الدعوة في حاجة إلى العلم فتحول الاتجاه السلبي إلى إيجابيات جعلته يتفوق في امتحان القبول بكلية دار العلوم.

في القاهرة:

حمل الطالب "حسن البنا" أفكاره وثقافته وتوجه تلقاء القاهرة ليكمل المسيرة ويبدأ حياة جديدة في مدينة جديدة مع العلم والدعوة.


الاعتكاف في الأزهر أسبوعًا

اعتكف الطالب "حسن البنا" في الجامع الأزهر أسبوعًا كان أول عهده بدخول القاهرة، وفي هذا الأسبوع وفي القبلة القديمة حط الطالب رحاله، ثم تعرف إلى بعض زملائه، ونووا جميعًا سنة الاعتكاف في الأزهر أسبوعًا تبركًا به واستعدوا لامتحان دخول كلية دار العلوم.

وقد هيأ الله له أسباب الرضا والهدوء، ففي ليلة امتحان النحو والصرف رأى فيما يرى النائم أنه يركب زورقًا لطيفًا مع بعض العلماء الأجلاء وكان المركب يسير بهم الهوينا في نسيم عليل رخاء فوق صفحة النيل الجميلة الزرقاء، ثم تقدم أحد هؤلاء الأفاضل، وكان في زي علماء الصعيد وقال له: أين شرح الألفية لابن عقيل؟ يقول الإمام الشهيد فقلت له: ها هو ذا فقال: تعال نراجع بعض الموضوعات يقول وأخذت أراجع حتى استيقظت منشرحًا مسرورًا، وفي الصباح جاء الكثير من الأسئلة حول هذه الموضوعات فكان ذلك تيسيرًا من الله تبارك وتعالى.

والأمر هكذا، فقد انتهى الأمر باجتياز الطالب الامتحان بتفوق وقبوله بالكلية، وقد أصبح طالبًا بها في عام 1924م.


للمزيد عن الإمام حسن البنا

Banna banner.jpg

.