البعد الإنساني في دعوة الإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البعد الإنساني في دعوة الإخوان المسلمين


إعداد: إخوان ويكي

مقدمة

الإسلام يمتاز بنزعته الإنسانية الواضحة الثابتة الأصيلة في معتقداته، وعباداته، وتشريعاته، وتوجيهاته، إنه دين الإنسان، الذي جعل له مكانة عليا فيه، مع تقرير غايته الربانية، وإبرازها وتثبيتها، إذ لا تنافي بين الغاية الربانية، والغاية الإنسانية، بل هما متكاملتان، فقال الله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" (الإسراء70).

والإسلام يحترم الإنسان ويكرمه من حيث هو إنسان؛ لا من أي حيثية أخرى، الإنسان من أي سلالة كان، ومن أي لون كان، من غير تفرقة بين عنصر وعنصر، وبين قوم وقوم، وبين لون ولون، مسقطًا كل أنواع التفرقة القبلية والعنصرية والقومية واللونية. يقول القرآن: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13).

إنّ كل دارسٍ للإسلام في كتابه وسنّة رسوله، يتبين له بجلاء: أنّه وجّه عناية بالغة إلى "الجانب الإنسانيّ" وأعطاه مساحة رحبة من رقعة تعاليمه، وتوجيهاته، وتشريعاته. وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت "العبادات"، لا تأخذ إلا نحو الربع أو الثلث من مجموعه، والباقي يتعلق بأحوال الإنسان من أحوالٍ شخصية، ومعاملات، وجنايات، وعقوبات، وغيرها.

على أنّك إذا تأملت العبادات الكبرى نفسها، وجدت إحداها "إنسانيّة" في جوهرها، وهي عبادة "الزكاة" فهي تؤخذ من الإنسان الغني، لتَرِد على الإنسان الفقير، هي للأوّل تزكية وتطهير، وللثاني إغناء وتحرير. فلا يستقيم الحديث عن دور الحضارات في خدمة المسيرة الإنسانية دون التوقف طويلا ومليا مع الحضارة الإسلامية التي ظلت أرقى حضارة إنسانية مدة تزيد على عشرة قرون.

مفهوم الإخوان للإنسانية

جاءت دعوة الإخوان المسلمين لتعيد هذه المفاهيم التربوية إلى الواقع العملي والتي استطاعت أن تجسده مواقف حية وعملية على أرض الواقع بين صفوف الناس.

لقد انطلقت الجماعة على أكتاف ستة نفر كان دافعهم الأول لحملها هي أن هذه الدعوة أعلت من شأنهم كإنسان، ووضعت بذور التكافل والتراحم بين الجميع، فلم تظهر بالمظهر العنصري أو الطائفي أو المذهبي، ومن ثم اقبل عليها الناس يرحبون بها ويفتحون من أجلها الشعبة تلو الأخرى في عرض البلاد وطولها، حتى أصبحت معادلة صعبة لا يستطيع المجتمع الاستغناء عنها

حتى أن الدكتور حسنين توفيق إبراهيم:

الإخوان هم الذين أسسوا خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية التي تقوم بتقديم خدمات صحية وتربوية وثقافية ودينية ومساعدات اقتصادية لفئات واسعة من المواطنين وبخاصة في الأحياء والمناطق الفقيرة مما سمح بخلق ارتباطات مصلحية بين الإخوان وتلك الفئات.
إن أنشطة الجماعة على صعيد خدمة المجتمع والمتمثلة في شبكة المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية التي أنشأتها لتقدم خدماتها مجانا، أو بمقابل رمزي لقطاعات من المواطنين وبخاصة الأحياء المتوسطة والفقيرة في المدن، هذه الأنشطة ساهمت في توسيع قاعدة التأييد السياسي للجماعة. (1)

بل سطره الكاتب القبطي شارل المصري في كتابه بقوله:

لقد سبق الإخوان الحكومة ونافسوها في الخدمات، والدليل عندما وقع الزلزال في أكتوبر 1992م نزل الإخوان إلى الشوارع، ونصبوا الخيام ووزعوا الأدوية، وخدماتهم التي كانوا يقدمونها أفضل من خدمات الحكومة. (2)

لم يرصد أحد التميز الانساني عند الإخوان المسلمين في تقديم يدي العون والإغاثة لكل محتاج أو ملهوف، فما أن وقعت الكوارث في بعض مناطق القطر المصري سارع الإخوان لنجدهم دون تميز بين مسلم وقبطي أو بين صغير وكبير، فالكل في فكرها في العمل الإنساني سواء.

فلم يختلف على عملها الانساني أحد، حتى الاختلاف في الرأي كان بينها وبين الجميع من أجل صالح الوطن والجميع وليس من أجل عنصرية أو مذهبية أو طائفية أو حزبية.

الإخوان والاختلاف البناء وأثره في قوة الأوطان

الاختلاف قاعدة كونية بينما التماثل والتطابق هو استثناء للقاعدة حيث أن التطابق يجعل الحياة فاقدة لروح التجديد، ولما كانت الظروف التي يعيشها البشر وبيئاتهم ومستوى وعيهم وثقافتهم وتجاربهم في الحياة مختلفة، بالإضافة إلى اختلافهم في العمر والخبرة في الحياة واختلاف الأمزجة والنفسيات، كان من الطبيعي تبعاً لذلك الاختلاف، أن يكون لكل منا وجهة نظر أو رأي خاص به، قد يتطابق ويتفق مع الآخرين، أو قد يختلف معهم، بغض النظر عن صحة هذا الرأي أو عدم صحته.

إن الاختلاف الايجابي البناء المثبت معناه أن يسعى كل واحد لترويج مسلكه وإظهار صحته وصواب نظرته دون أن يحاول هدم مسالك الآخرين أو الطعن في وجهة نظرهم وإبطال مسلكهم بل يجب عليه السعي لإكمال النقص ورأب الصدع والإصلاح ما استطاع إليه سبيلا، أما الاختلاف السلبي هو محاولة كل طرف تخريب مسلك الأخر وهدمه ومبعث ذلك الحقد والعداوة والضغينة.

ولقد استبعد القرآن أن يكون الناس أمة واحدة ينتظمهم اتفاق ورأي وإنما هم مختلفين وبقدر ما حرص على تأكيد الوحدانية لله بقدر ما أبرز التعدديات فيما عداه، قال تعالى: "وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ"(البقرة 253).

حيث استقامة دعوة الإخوان على قاعدة العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. مدرسة "الإخوان المسلمون" منذ بدأت وهي تسمح باختلاف التوجهات الفقهية والآراء الفكرية، بل والميول العقدية، ولم تطلب من أفرادها أن يتبنوا رأيًا فقهيًّا واحدًا، ولم تمنع كذلك أيًّا من أفرادها من أن يتبنى رأيًا ما مهما كان هذا الرأي مخالفًا لآراء غيره من أعضاء الجماعة، كما تتعدد فيه الآراء والميول المختلفة ما بين الميول للمنهج الإصلاحي أو السلفي أو الصوفي أو السياسي وغيره.

ففي رسالة دعوتنا وتحت عنوان "نجمع لا نفرق" قال الأستاذ البنا:

دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأى عرف عند الناس بلون خاص، وهى مع الحق أينما كان، تحب الإجماع، وتكره الشذوذ.

ويرسخ الفهم التربوي مع المخالفين بقوله تحت عنوان "الخلاف ضروري":

ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه ضرورة، ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب لأسباب عدة، منها: اختلاف العقول في قوة الاستنباط وضعفه، وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلا بد من خلاف.

كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد فى فروع الدين مطلب مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين نفسه. (3)

الإخوان وتربية التماس العذر للمخالفين في الرأي

ليس من السهل على النفس أن تتلمس الأعذار للمخالفين أو لمن وقع في أخطاء بدون تعمد، أو لغيرها من الأسباب التي توجب التماس العذر وحسن الظن، إلا لأناس تربوا على منهج كتاب الله، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهج السلف الصالح والتي عبر عنها الإمام ابن سيرين رحمه الله وغيره من السلف حينما قال: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا .. فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه".

والإمام البنا - رحمه الله عليه - يعد من رجال الفكر والإصلاح القلائل الذين أشاعوا ثقافة الأخوة والوفاق وفقه الاختلاف وأدبه، فقد أدرك رحمه الله ضرورة اجتماع الكلمة بين أبناء الوطن

فيقول الإمام البنا:

نلتمس العذر كل العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات، ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده، وأوسع مشتملاته.. ذلك منهاج الإخوان المسلمين أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله يمكن أن أجمله لك في أن الإخوان يجيزون الخلاف، ويكرهون التعصب للرأي، ويحاولون الوصول إلى الحق، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب. (4)

ويضيف في رسالة المؤتمر الخامس:

ليس العيب في الخلاف، ولكن العيب في التعصب للرأي، والحجر على عقول الناس وآرائهم.

ويؤكد على سعة الصدر في الخلاف فيقول:

والخلاف فى الفروع لا يضر، ولا يوجب بغضا ولا خصومة ولا حزبية خاصة يدور معها الحكم كما تدور.. ولكنه يستلزم البحث والتمحيص والتشاور وبذل النصيحة، فما كان من المنصوص عليه فلا اجتهاد فيه، وما لا نص فيه فقرار ولى الأمر يجمع الأمة عليه ولا شىء بعد هذا. (5)

لقد كان وضوح منهج الإخوان في الخلاف مع الآخرين واضح وصريح حتى أن عزام التميمي قال:

لم يزل منهج الإخوان في الإصلاح والتغيير منذ نشأة جماعتهم ملتزما بالإصلاح السلمي والتدرج فيه، بدءا بالفرد، مرورا بالأسرة، فالمجتمع، وصولا إلى الدولة، وقد ميز الإخوان تمييزا قاطعا بين مواجهة مخالفيهم أو معارضيهم وحتى جلاديهم من أبناء الوطن الواحد والمجتمع الواحد وبين مواجهة الغزاة والمستعمرين. فالصنف الأول ينبغي - في فكر الإخوان الأصيل وفي منهجهم - الصبر على دعوته وإرشاده وتوجيهه، كما ينبغي كذلك تحمل أي أذى قد يصدر عنه مهما بلغ؛ لأن إصلاحه وإصلاح من يليه هو الغاية.
أما الصنف الثاني، كالمستعمر البريطاني في الحالة المصرية والغازي الصهيوني في الحالة الفلسطينية والإسلامية عامة، فمقارعته بكافة الوسائل مشروعة إلى أن يتحقق إخراجه وتحرير بلاد المسلمين من براثنه، ولا يستثنى من تلك الوسائل القتال جهادا في سبيل الله. (6)

لقد ساعد منهج الإخوان القابل للتعدد الفكري والفقهي في انتشار جماعة "الإخوان المسلمون" في أقطار الأرض، وأعطاها فرصةً لالتقاء المتعارضين في كيانٍ واحدٍ وهم على حالهم من تعارضهم واختلافهم. ولهذا لم يكن خلاف الإخوان في الرأي مع غيرهم سببا في يوم من الأيام لتعصبهم أو تمسكهم برأيهم، فما كان صواب وموافقا لشريعة الله أخذوا به ولو كان على لسان مخالفيهم.

ولقد عملت الدولة على تحجيم هذا الفكر الوسطي ومنعته من الانتشار بين الناس مما دفع بعض الأفكار المتطرفة في الظهور.

يقول عزام التميمي:

فالإخوان المسلمون لا يتحملون المسؤولية عن أي من مظاهر الغلو أو التطرف التي شهدتها المنطقة العربية أو العالم الإسلامي بعد نشأة الجماعة في عام 1928، بل تتحمل المسؤولية عن كل هذه المظاهر أنظمة الظلم والاستبداد والفساد التي كانت باستمرار تستفز الناس وتدفع بنفر من الشباب المتعجل نحو مواقف غالية فكريا أو عمليا، بعد أن أغلقت في وجوه المطالبين بالإصلاح السلمي كل الأبواب، سوى أبواب السجون والمعتقلات.
لقد كان الإمام البنا والإخوان واضحين في دعوتهم بأنه لا تنحاز لرأى ولا طائفة بعينها حيث قال في رسالة دعوتنا:
"اعلم – فقهك الله – أولاً: أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر
فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان، تحب الإجماع، وتكره الشذوذ وإن أعظم ما مُنى به المسلمون الفرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، هذه قاعدة أساسية وهدف معلوم لكل أخ مسلم، وعقيدة راسخة في نفوسنا، نصدر عنها وندعو إليها.
وهو رحمه الله يلتمس العذر للمخالفين " ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبداً حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته، ألسنا مسلمين وهم كذلك ؟ وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون ذلك ؟ وألسنا نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا ؟ ففيم الخلاف إذن ولماذا يكون رأينا مجالاً للنظر عندهم كرأيهم عندنا ؟ ولماذا لا نتفاهم في جو الصفاء والحب إذا كان هناك ما يدعو للتفاهم" (7)

وقد أراد رحمه الله لجماعته ومدرسته الدعوية أن تكون القاسم المشترك بين المسلمين، وأن تكون الإطار الذي يضم عامة المسلمين، لذلك وضع رحمه الله كل الأسس النظرية والعملية لذلك بحيث إن الناظر لا يستطيع أن يوجد صيغة أكمل من هذه الصيغة للقاء إسلامي صاف. ولهذا الغرض وضع رحمه الله "الأصول العشرين" في الفهم كقاسم مشترك يمكن أن يلتقي عليه المسلمون من ناحية الفهم للإسلام.

ومن قرأ هذه الأصول وتدبرها حق التدبر، وكان له اطلاع على مصادر العلم والمعرفة الإسلامية أيقن أنها تمثل خلاصة مركًّزة لقراءات طويلة، ودراسات عميقة في علوم القرآن والسنة، والأصوليين: "أصول الفقه وأصول الدين، والفقه والتصوف، مع عقلية هاضمة مستوعبة، قادرة على التأصيل والترجيح". (8)

وقد خاطب رحمه الله بهذه الأصول صنفين من الناس:

الأول: الإخوان العاملين أو المجاهدين من "جماعة الإخوان المسلمين" حيث ضمت الجماعة في صفوفها ألواناً مختلفة من الناس، منهم السلفي، ومنهم الصوفي، ومنهم المذهبي، ومنهم اللامذهبي …
أما الصنف الثاني: الذين خاطبتهم هذه الأصول فيتمثل في الجماعات والفئات الدينية المختلفة العاملة على الساحة المصرية آنذاك والتي كان يحكم العلاقة بينها منطق التجريح والتفسيق والتكفير فكانت الأصول العشرين مساهمة منه رحمه الله في توحيد الجبهة الداخلية الإسلامية، جبهة الداعين إلى الإسلام، والرافعين لشعاراته المتنوعة والعمل على تضيق دائرة الخلافات الدينية والفكرية بينهم وجمعهم على الحد الأدنى من الأصول والمفاهيم التي توحِّد ولا تفرق وتقرب ولا تباعد، وحين أنشئ اتحاد للجماعات الإسلامية في مصر أو أريد إنشاؤه تقدم الشهيد البنا بهذه الأصول المركًّزة لتكون محوراً تلتقي عليه هذه الجماعات المختلفة.
وهكذا فإن هذه الأصول التي صيغت بحكمة واعتدال يمكن أن تكون قاسماً مشتركاً يلتقي عليه العقلاء من أتباع هذه المدارس وذلك إذا توافر القدر الضروري من الفهم والإخلاص والتسامح والحب.

فمثلا كانت العلاقة بين الإخوان وجمعية الشبان المسلمين – رغم اختلاف منهج كل جمعية – إلا أن التعاون كان السمة بين الجمعيتين حتى إن شعب الإخوان المسلمين وقفت خلف اللواء محمد صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين فى الانتخابات فى دائرته بأسوان. ولقد عبر رئيس الشبان المسلمين عن رأيه فى الإخوان حيث قال أن دعوة الشبان والإخوان واحدة فى الغرض والهدف ومن يعمل للتفرق بيننا فليس منا وسنعمل معا حتى تعلو كلمة الدين وتنال البلاد استقلالها. (9)

كما تعاون الإخوان مع جمعية المحافظة على القرآن الكريم، ودار الهداية الإسلامية، وجمعية المساعي الخيرية، حتى جمعية شباب محمد صلى الله عليه وسلم – والتي خرجت من رحم الجماعة لخلافات في الرؤية – تغاضى الإخوان عن هذه الخلافات وتعاونوا معهم

الإخوان واستيعاب المخالفين في العقيدة

وقف الإخوان على قاعدة صلبة من كتاب الله في التعامل مع المخالفين لهم في العقيدة حيث قال الله تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ" (الممتحنة8)، وقوله تعالى: " إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ" (الممتحنة 9).

ولذا فمنذ نشأة الجماعة عام 1928م كانت على علاقة ود مع المخالفين لها في العقيدة من أقباط ويهود مصريين، يظهر ذلك جليا في موقف المسيحيين – في بداية نشأة الإخوان – حينما قدمت عريضة موقعة باسم مسيحي تتهم الأستاذ حسن البنا – أثناء عمله في الإسماعيلية – بأن هذا المدرس المتعصب الذي يرأس جمعية متعصبة اسمها "الإخوان المسلمون" يفرق بين أبناء عنصري الأمة في الفصل، فيتعمد إهانة التلاميذ المسيحيين ويهملهم ولا يعتني بهم، ويعطي الطلاب المسلمين كل اهتمامه وتوجيهاته، وأن ذلك سيحدث فتنة كبرى إن لم تتداركها الوزارة بنقل هذا المدرس.

وقد أحدث تحويل هذه العريضة إلى الناظر للرد عليها دويًا هائلاً بين المواطنين المسيحيين بالإسماعيلية، الذين استنكروا هذا العمل أشد الاستنكار، وجاء وفد عظيم من أعيانهم وعلى رأسه راعي الكنيسة هناك إلى المدرسة معلنًا استنكاره، وكتب كل منهم عريضة وخطاب استنكار، وكتبت الكنيسة بخاتمها وتوقيع الأب راعيها كذلك، وأرفق الناظر كل ذلك بتقريره الذي ختمه بقوله: أرجو من وزارة المعارف ألا ترهقنا بمثل هذه المجهولات، وأن تحقق فيها بمعرفتها بعد أن ثبت أنها جميعًا أمور كيدية لا يراد من ورائها خير. (10)

وقد فهم الأستاذ حسن البنا ذلك جيدًا؛ حيث أشار في مذكراته أنه عندما كان تلميذًا بالمدرسة الابتدائية شارك هو وزملاؤه في حفل تكريم أحد زملائهم وهو لبيب إسكندر شقيق طبيب الصحة، وكانت المبالغ التي صرفت على هذا الحفل من مجموع الغرامات التي وقعت على التلاميذ طبقًا للائحة الداخلية لجمعية الأخلاق الأدبية التي كونها الإمام البنا وزملاؤه بالمدرسة. (11)

وقد تحددت نظرة الإخوان للأقباط بناء على عاملين أساسيين وهما:

  1. الجانب العقائدي، وفيه التزم الإخوان بما جاء في القرآن والسنة من أنهم أهل كتاب أرسل الله لهم سيدنا عيسى عليه السلام نبيًّا ورسولاً وأنزل معه الإنجيل، وهذا هو المفهوم العام والذي يتربى عليه الإخوان وهو موجود في مختلف أدبياتهم.
  2. الجانب المعاملاتي، وفيه اعتبر الإخوان أن الأقباط لهم كافة حقوق المواطنة؛ حيث إنهم جزء من نسيج الوطن، وطبقًا للقاعدة الشرعية "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" فهم شركاء في هذا الوطن، ولذلك جاءت علاقة الإخوان بالأقباط عمومًا علاقة طيبة كباقي فئات المجتمع، ولم يعكرها إلا تدخل بعض المغرضين الذين يكرهون الخير للبلاد، أو متعصبون ضد كل ما هو إسلامي يحكمهم في ذلك الهوى والحقد الشخصي، أو فئة فهمت الإسلام فهمًا خاطئًا.

وفي بداية الأربعينيات زار الإمام البنا بني سويف وألقى هناك محاضرة شرح فيها سماحة دعوة الإسلام، ومكانة المسيحيين عند المسلمين، وأشار إلى ما يكنه الإسلام للمسيحيين من مودة ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ "المائدة: 82"

ويذكر الدكتور محمود عساف أنه كان يجلس بجواره في هذه المحاضرة قسيسًا ما لبث أن عانق الإمام البنا بعد المحاضرة، وبعدها حضر لزيارة المركز العام عدد من قادة المسيحيين منهم توفيق دوس باشا، ولويس فانوس، ومريت بطرس غالي، وطلبوا من الإمام البنا أن ينشئ شعبة باسم "الإخوان المسيحيين" لكي يسهموا مع الإخوان في نشر الإيمان بالله والحث على الفضائل، لكن الإمام البنا طلب منهم التعاون على الخير وحب الوطن. (12)

ولقد وضح ذلك في الكلمة التي كتبها مكرم باشا عبيد في ذكرى استشهاد الإمام البنا حيث وضح مدى العلاقة الودية بين الإخوان المسلمين وغيرهم من طوائف المجتمع وعلى رأسهم الأقباط حيث كتب مخاطبا الإخوان المسلمين

بقوله:

"إى نعم، فأنتم إخوانى أيها الإخوان المسلمون. أنتم إخوانى وطنًا وجنسًا، بل إخوانى نفسًا وحسًا، بل أنتم لى إخوان ما أقربكم إخوانًا؛ لأنكم فى الوطنية إخوانى إيمانًا، ولما كانت الوطنية من الإيمان فنحن إذن إخوان فى الله الواحد المنان" (13)

كما كان بعض المسيحيين يدفعون اشتراكات ثابتة لشعب الإخوان تعبيرًا عن تأييدهم لكل ما ينادون به، فقد ذكر الأستاذ عبد المتعال الجبري أنه في أوائل الأربعينيات زار شعبة الإخوان في شرشيمة بمركز ههيا بالشرقية، وقد استرعى انتباهه أن من بين الاشتراكات اشتراكًا قيمته خمسين جنيهًا، وكان صاحب هذا الاشتراك ناظر محطة السكة الحديد المسيحي

فبعد زيارته لمعرفة سبب دفع اشتراكه للإخوان أوضح الناظر المسيحي أنه عندما قدم إلى هذه البلدة كان لا يستطيع أن ينتقل بين المحطة التي تبعد مسافة عن القرية إلى قريته بعد الغروب بسبب قطاع الطريق، فلما جاء الإخوان المسلمون لهذه البلدة شكلوا لجان المصالحات فانقطعت تهديدات قطاع الطرق، ودوى الهتاف بذكر الله بدلاً من قصف البنادق فكان هذا الاشتراك أقل ما يجب لتقدير هذه الجماعة. (14)

وكان الإمام البنا يدرك أن تطرف بعض الأقباط في مهاجمة الفكر الإسلامي لا يعبر عن رأي مجموع الأقباط في مصر، كما كان يخشى عودة الفتنة الطائفية التي لا يستفيد منها سوى الاحتلال، ولذلك عندما نشر القمص سرجيوس مقالاً أساء فيه إلى الإسلام هاجمت صحيفة الإخوان شخصه دون مجاراته في الطعن على المسيحية. (15)

حتى حينما كتب سلامة موسى في جريدة مصر يستعدى السراي على الإخوان لم يعر الإخوان لكتاباته أهمية لأنهم كانوا يدركون أن لا يمثل جموع الأقباط والاختلاف الشخصي معه ليس من أدبيات الإخوان ولذا لم يرد على كتاباته أحد من الإخوان.

ولقد رد الإمام البنا على هذه الافتراءات بإرسال خطابا مفتوحا لبطريرك الأقباط شرح له فيها ما تقوم به صحيفة مصر بالهجوم على الإسلام عامة والإخوان المسلمين خاصة وأن هذا الهجوم لا يوحد الأمة فى ظل هذه الظروف التي تواجهها ضد المحتل. (16)

العجيب أن أحد الأقباط وهو (توفيق غالى) - ويعمل تاجر وقومسيوجى ومورد الأغذية للمدارس بالزقازيق - يرد على افتراءات سلامة موسى وكتاباته التي يهاجم فيها الإخوان المسلمين وقد ختم مقاله بمناشدة سلامة موسى بأن يتوجه بجهوده لخدمة الناحية الثقافية للأقباط فإن هذا خير وأجدى. (17)

وفى حديث للأستاذ البنا مع مستر سبنسر - المراسل الحربى الأمريكي - وجه له المراسل سؤال حول وضع الأقليات الغير مسلمة فى بلد إسلامي وهل يحاربون أو يلزمون بدفع الجزية؟ فأوضح له الأستاذ البنا أن نظرة الإسلام لهذا الموضوع نظرة التسامح الكامل والوحدة فقد قال الله تعالى: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"

هذا إلى جانب الروح العام فى الإسلام لتقديس الأديان جميعا يجعلنا لا نشعر بوجود مسلم وغير مسلم بل الجميع يتعاونون على خير الوطن وأن من يحاول فعل غير ما جاء من الإسلام حول علاقة المسلم بالقبطي فهم ليسوا من الإخوان بأي حال من الأحوال.

ولقد أزاح الأستاذ لويس فانوس -النائب القبطي بمجلس الشيوخ - حقيقة علاقة الأقباط بالإخوان وطلب من الحكومة التعاون مع جمعية الإخوان المسلمين إذا أنها الهيئة الوحيدة التي تعمل على تنوير الأذهان وإيقاظ الوعى الشعبي فى النفوس ونشر المبادئ السليمة والدين الصحيح والأخلاق الفاضلة. (18)

كما كتب الأستاذ موريس فخرى عبد النور بك يؤكد أن وحدة الأمة أمر لا شك فيه ولا يمكن أن تنال منه بأية حال دسائس الانجليز وأكد بأن الشعب المصري ليس شعبين مختلفين ولكنهم شعب واحد وأمة واحدة تربأ بنفسها عن أن تنزل إلى مستوى الخصومات الطائفية والمنازعات الدينية. (19)

لقد كان الإخوان يعتبرون الأقباط أحد نسيج هذا المجتمع فكانوا يتعاملون معهم على هذا الأساس ولتوثيق هذه الروابط كان الإمام البنا يتبادل الرسائل مع بطريرك الأقباط ووكيل المجلس المحلى وفى إحدى هذه الرسائل التى بعث بها الإمام البنا لهما ونشرتهما الصحف تحت عنوان (رسالتان من فضيلة المرشد العام إلى غبطة البطريرك والمنياوى باشا)

حيث توجه الأستاذان أحمد قاسم السكرتير العام للإخوان وصالح قدور إلى دار البطريركية حيث سلما الخطاب الذى أرسله فضيلة المرشد العام لغبطة البطريرك كما سلما أيضا الخطاب المرسل من فضيلته إلى سعادة الدكتور إبراهيم فهمى المنياوى باشا. (20)

ولقد رد غبطة البطريرك على رسالة الأستاذ البنا قال فيها:

حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين

نهدى فضيلتكم أزكى تحية... وبعد

فقد تلقينا كتابكم ومنه علمنا أنكم معتكفون فى المستشفى لمرض ألم بكم شفاكم الله وأسبغ عليكم ثوب العافية. ولقد قرأنا الكتاب فصادف ارتياحنا ما جاء فيه عن وحدة عنصرى الأمة ولعل من الحق أن يقال أن الأمة عنصر واحد، لأن افتراق الدين لا يصح أن يطغى على وحدة الدم واتفاق الصفات الخلقية والاشتراك فى العادات والأفكار والمصالح الدنيوية

وقد صدقتم فى قولكم: " إن هذه الوحدة فرضتها الأديان وقدستها العاطفة الوطنية وخلدتها المصلحة القومية، وما عقدته يد الله لاتحل من عروته أيدى الناس" فإن ذلك من الحقائق التى يدركها الأقباط حق إدراك ويحرصون عليها ويذودون عن هذه الوحدة بأعز ما يمتلكون لأنهم يذودون بذلك عن شرف وطنهم ومجد أمتهم.

وليس للأقباط من بغية إلا أن يعيشوا مع مواطنيهم على أتم ما يكون من الصفاء والوفاء من جانبهم عملا بوصايا إنجيلهم وأوامر كتابهم وإذا كانت لهم أمنية أخرى فهى أن تكون العدالة والمساواة واحترام الحريات الدستورية أساسا لكل معاملة لتتم السعادة بذلك لجميع أبناء الأمة ويبسط الأمن والسلام رواقهما على البلاد.

أما ما اقتبسوه من الآيات القرآنية والحديث الشريف فمن شأنه حقا أن ينير الأذهان ويبث مكارم الأخلاق إذا عممت معرفته بين جميع الأوساط ولاسيما التى تحتاج إلى مزيد من التأدب بهذا الأدب الدينى الرفيع وإذا سار هديه الحكام والمحكومون وبذلك تتوثق عرى علاقات الإخاء والمودة بين المسلمين والأقباط و بذلك فقد أحسنتم صنعا بالنشرة التى قلتم إن مكتب الإرشاد العام بعث بها إلى فروعه.

وبين فيها ما على كل أخ مسلم من واجب مقدس فى أن يعمل جهد طاقته لدعم هذه الوحدة القومية وتعزيز أواصر الرابطة الوطنية ففى ذلك عنوان على رقى الأمة ودليل على نضج تربيتها السياسية. ولا يسعنا إلا أن نتضرع إلى المولى جلت قدرته أن يرعى الكنانة بعين عنايته ويجنبها مساوىء الخصومات الداخلية الوخيمة العواقب ويديم على سكان الوادى نعمة المحبة والاتحاد فى ظل رعاية المصرى الأول جلالة الفاروق الملك العادل أطال الله عمره وأعز به أمته وبوأها مكانا عاليا بين الأمم فى عهد ملكه المبارك.

واقبلوا سلامنا وأطيب تمنياتنا.

بابا بطريرك الكرازة المرقسية

يوساب الثانى. (21)

ولقد تبادل الإخوان والأقباط التهانى فى الأعياد فقد أرسل فضيلة المرشد العام إلى حبيب المصرى باشا رئيس جمعية التوفيق القبطية البرقية التالية: " تلقيت بيد الشكر دعوتكم الكريمة لحضور احتفال النيروز المصرى اليوم (الأربعاء) وكان يسعدنى أن أحضر بنفسى لولا أنى مريض منذ يومين وقد أنبت عنى الأستاذ عبده قاسم سكرتير عام الإخوان المسلمين مع أطيب التمنيات".

فتلقى المرشد العام ردا من حبيب المصرى جاء فيه:

" أشكر فضيلتكم كل الشكر لبرقيتكم الرقيقة وانتدابكم سكرتيرا الإخوان لحضور حفل الجمعية داعيا لكم بالصحة الموفورة".

كما قام بزيارة بطريرك الأقباط الأرثوذكس بعض الإخوان أثناء تواجده فى الإسكندرية فقام الأساتذة إمام حسنين ومصطفى جاد وعبد السلام محمد بزيارته حيث عبروا عن استنكارهم البليغ للفتنة التى ينشرها المستعمرين وسط معسكرى الأمة وقد شكرهم على هذه الروح العالية داعيا للإخوان بالتوفيق والسداد. (22)

كما حضر الأقباط الاحتفالات التى أقامها الإخوان المسلمين ففى الجيزة اقام قسم البر والخدمة الاجتماعية حفل شاى حضره لفيف من الأعيان كما حضره عدد من الأقباط على رأسهم القس إبراهيم عبد الله والقس باسيليوس إبراهيم وقد حضر الحفل الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين والسيد عبد العليم الصديقى الزعيم الهندى والأستاذ مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين بسوريا ولبنان

وقد تحدث الأستاذ المرشد عن العلاقة بين المسلمين والأقباط وشرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " استوصوا بأقباط مصر خيرا" كما تحدث الأستاذ مصطفى السباعي حول هذا الموضوع ثم أعقبه القس إبراهيم عبد الله راعى الكنيسة الإنجيلية وأظهر إعجابه بدعوة الإخوان المسلمين وعاهد على أن يمد يده وجميع الإخوان المسيحين إلى أيدى الإخوان المسلمين فى ميادين التعاون الإصلاحى والاجتماعى والوطنى، ثم ختم الحفل الأستاذ عصمت أبو علام رئيس المكتب الإدارى بشكر الحاضرين. (23)

وعندما قام بعض عملاء الاستعمار بحرق كنيسة الزقازيق بهدف إثارة الفتنة بين المسلمين والأقباط قام الإخوان بمشاركة الأقباط بالمساعدة المعنوية والمادية وقد حاولت صحيفة مصر إلصاق التهمة فى الإخوان المسلمين وأنهم هم الذين قاموا بحرق الكنيسة.

عقد فى الزقازيق مؤتمرا دينيا حضره عدد كبير من المسلمين والأقباط وعلماء المعهد الدينى وطلابه وأعضاء الإخوان المسلمين بالزقازيق ولفيف من الأساتذة والمحامين ومطران الشرقية وقس الكنائس وفيه تتابع الخطباء من المسلمين والأقباط حيث تحدثوا حول الإخاء والمحبة وعلاقة المسلم بالقبطى والوحدة التي تجمع بينهما. (24)

بل أن الدكتور نقولا بندلوكس - الطبيب بالمستشفى اليونانى - قام بالتطوع بالعمل فى مستوصف الإخوان المسلمين بكفر الدوار وخصص له يوم السبت لعلاج أمراض العيون ليؤكد على العلاقة الطيبة التي يكنها الأقباط للإخوان المسلمين. (25)

وفى انتخابات 1948م قام الإخوان بترشيح الأستاذ صادق سلامة (القبطي) صاحب جريدة الإنذار ووكيل نقابة الصحفيين عن دائرة المنيا ولقد قامت شعبة الإخوان بالمنيا بتزكيته لدى مكتب الإرشاد والذى اعتمد هذه التزكية ووافق على ترشيح الأستاذ صادق. (26)

وعندما أثير موقف اشتراك الإخوان فى الوفد الوطني قال مكرم عبيد:

" لا أدرى لماذا أثير جدل عنيف حول اشتراك الإخوان فى السياسة وهم فى ذلك على دينهم والدين هو المثل الأعلى بمبادئه السامية وقال أنا كمسيحي أطالب بالتمسك الشديد بمبادئ الإسلام". (27)

أما المرشد الثاني الإمام حسن الهضيبي فقد صار على نهج سلفه مبددًا مخاوف الأقباط فيما لو تم تحكيم الشريعة الإسلامية ضامنًا لهم حسب فقه الإسلام عدم مساس قوانين الشريعة بما يدينون أو يتعاملون به، ثم جاء الأستاذ عمر التلمساني الذي أطفأ نار الفتنة الطائفية في مصر، واستعانت به الحكومة لتهدئة شباب الطرفين.

وجاء الأستاذ مهدي عاكف ليكون أكثر انفتاحًا على الأقباط، فاتخذ الدكتور رفيق حبيب مستشارًا سياسيًّا، وبعد انتخابات برلمان 2005 أعلن القسم السياسي بالجماعة عن مبادرة لتدشين حوار مع الأقباط، وتمت لقاءات بين نواب والإخوان والمواطنين الأقباط لتأكيد حقوق المواطنة، ويتواصل أعضاء الكتلة البرلمانية للإخوان مع الأقباط في كل المناسبات.

وحينما تشكل حزب الحرية والعدالة عام 2011م تم اختيار الدكتور رفيق حبيب ليكون نائبا لرئيس الحزب. حتى أن الدكتور رفيق حبيب الذي يرى أن المعارضين للمشروع الإسلامي يستخدمون هذه المسألة للضغط على الإسلاميين وإبعادهم عن الحلبة السياسية؛ ولذا يعمدون إلى تشويه صورة الإسلاميين مما أدى إلى خلق صورة مشوهة عند الأقباط والعوام عن التيار الإسلامي، وهذا الرأي يتفق معه الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي. (28)

وفي هذا الصدد الدال على سماحة الإخوان فقد دخل الأستاذ جمال أسعد – المفكر القبطي - مجلس الشعب على قوائم الإخوان في الثمانينيات القرن الماضي، بل أنه أكد في أغسطس 2013م أن حرق الكنائس في عدد من المحافظات في الفترة الأخيرة تم على أيدي ما يطلق عليه "الطرف الثالث" بمعاونة البلطجية وليس جماعة الإخوان المسلمين.

كما صرح بأن جماعة الإخوان المسلمين كان بإمكانها حل مشكلة الأقباط خلال حكم مرسي ولكن الأحداث الجسام التي وقعت خلال هذا العام حالت دون هذا الأمر. (29)

اليهود المصريين

كما كانت علاقة الإخوان مع شركائهم في الوطن الإخوة الأقباط تتسم بالتسامح وشيوع روح السلام والتوافق، حيث فرق الإخوان بين اليهود المصريين المنصهرين في نسيج المجتمع المصري وبين المتصهينين الذين يعملون على خدمة المشروع الصهيوني في فلسطين، والذين يحملون السلاح لقتل الفلسطينيين.

فلقد تمتعت الطائفة اليهودية في مصر بالاستقرار والازدهار منذ الفتح العثماني لمصر عام 1517م مستفيدة بنظام الامتيازات، وقد ازداد توافد اليهود على مصر مع القرن التاسع عشر من دول أوروبا، حيث وجدوا مع سائر الجاليات الأجنبية فرصًا كثيرة للعمل في الميادين المالية والتجارية ووظائف الدولة.

ولقد التزم الإخوان في علاقتهم مع اليهود الموجودين بمصر بتعاليم القرآن الكريم، ووضعوا لأنفسهم محورين في التعامل معهم:

  1. مدى حرص هذه الطائفة على المصلحة العامة الوطنية.
  2. نظرتهم للصهيونية العالمية خاصة على أرض فلسطين.

غير أن اليهود – على الرغم من كثرة عددهم في مصر لم يكن يحمل الجنسية المصرية إلا ما يقرب من 5 ألاف يهودي من تعداد تجاوز الـ65 ألف – وكان جل همهم جمع المال حتى ولو على حساب الغير أو انهيار اقتصاد البلد وهو ما جعلهم في عزلة عن جموع الشعب الذي وجدوا فيهم مثال للأنانية المقيتة

لدرجة أن السير "ولفردلوسون" اليهودي الإنجليزي خطب في مجلس العموم البريطاني قائلاً: نحن زدنا دين مصر إلى أكثر من مائة مليون جنيه، ولقد قتلنا آلافًا من سكان مصر، وشللنا حركة المجلس النيابي بمصر، وغرسنا في البلاد أنواع الفجور والفسق، ولقد قضينا على هذا الشعب المصري بتقييده بالديون والضرائب، وقتلنا تلك الروح الاستقلالية التي ولدت بالشرق وعلى الخصوص بمصر. (30)

حتى أن عددًا كبير من يهود مصر تورطوا في مساندة الصهيونية والدعاية لها وجمع التبرعات من أجلها، وبالفعل فقد تم جمع مبلغ مائة ألف جنيه مصري عامي 1943 و1944م، وتم نقلها سرًّا إلى المنظمة الصهيونية ومؤسساتها في فلسطين.

كما اتخذ التجار اليهود قرارًا بعدم إعطاء إعلانات صحفية عن محالهم للجرائد التي تتحامل على الصهيونية. (31) ولقد اعتنى الإخوان برصد أخبار وتطورات الحركة الصهيونية وكشفها وتعرية حقائقها أمام الرأي العام، وكشف كل من يساندها بخلاف المواطن اليهودي المصري الذي يعتز بوطنيته.

دور الإخوان في المساعدات الانسانية والخيرية

ظهرت العديد من الجمعيات الخيرية في العصر الحديث كان أولها الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878م ثم جمعية التوفيق القبطية 1880م، وبعدها الحركة الكشفية عام 1918م، قبل أن تنشأ أول جمعية للشباب المسيحي عام 1923م، وجمعية الشبان المسلمين عام 1927م وذلك قبل أن تنشأ جمعية الإخوان المسلمين وتحمل على عاتقها العمل الإغاثي. (32)

ولقد انطلقت جماعة الإخوان المسلمين من مفهوم أنها هيئة إسلامية عامة، تهدف إلى الإصلاح على منهج الإسلام، والتغيير الهادئ المتدرِّج، وبناء نهضة شاملة على قواعد ومبادئ الإسلام العظيم، تبدأ بإصلاح الفرد والبيت وإرشاد المجتمع، وتستمر بإصلاح الحكم وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وتنتهي بأستاذية العالم بالهداية والإرشاد والدعوة، وليس بالوصاية والاحتلال والقهر.

ومنذ البداية وضع الأستاذ البنا العمل الإنساني على رأس أولوية الجماعة، فحينما حارب الإخوان البغاء في الإسماعيلية في صدر نشأة الجماعة ذهب بعض النسوة – الذين كانوا يعملون في البغاء يشتكين له ضيق الحال، حيث قل الطلب عليهن بعد تدين أهل الحي والتزامهم بالإسلام

فاقترح عليهن الشيخ البنا أن يتبين، ويمتهن مهنًا شريفة، على أن يستأجر لهن مبنى مستقلًا تلتحق به كل من تتوب إلى الله تعالى وليس لها عائل، فتوافد عليه كثيرات ممن تاب الله عليهن، وقد وفق الله الكثيرات منهن فتزوجن وأصبحن ربات بيوت صالحات، ومن لم تتزوج منهن تعلمت فن الخياطة والتفصيل، أو فن الطهي، أو تربية الأولاد. (33)

انتشرت الدعوة في القطر المصري وزادت عدد الشعب، وانتشر معها العمل الخدمي والاغاثي، وربما يظن البعض أن العمل الخيري والتطوعي في جماعة الإخوان بدأ مع نشأة قسم البر والخدمة الاجتماعية، لكن هذا غير صحيح فالعمل الخدمي والتطوعي سواء داخل الصف أو خارجه بدأ مع نشأة الجماعة حيث نظر البنا فوجد أن البيئة المحيطة به تحتاج للتربية فعمد إلى:

  1. طرق الأبواب الموصدة بالعمل الدائم والتقرب للناس.
  2. البحث عما تحتاجه البيئة المحيطة به ومحاولة انجازه مثلما وجد الرغبة الشديدة لدى النساء اللاتي كانوا يعملون في الدعارة للتوبة والعيش في حياة كريمة فعمد لبناء دار التائبات والبحث للصالحات منهن عن أزواج وقدم لهن المساعدة.
  3. تأليف لجنة خدمية للقيام ببناء المسجد ومدرسة للبنين والبنات لتقديم التربية الصالحة عن طريقهم.

حتى أن الإخوان قاموا في مختلف الشعب بجهود مشكورة في محاربة الفقر، وذلك عن طريق جمع الزكاة والصدقات وتوزيعها على الفقراء، مثلما فعل إخوان شعبة "سنديون غربية" بشراء كمية كبيرة من الذرة وزعت على الفقراء والمساكين، وكان يقدم في التوزيع النساء الأرامل اللائي فقدن أزواجهن، والرجال العاجزين عن الكسب والصغار واليتامى.

وفي عام 1942 أَنشَأ الإخوان مكتبًا للمساعداتِ الاجتماعيةِ، للقيامِ بالخدمةِ الاجتماعيةِ على أحدثِ النظم العلمية، إذ نصَّ على أن الخدماتِ الاجتماعيةَ التي يقدِّمها تنقسم إلى أربعة أقسام هي:

  1. خدمات مسكنة: كإعطاءِ مساعداتٍ للمحتاجين، وتكون عادةً عينيةً، إلا إذا اقتضت الضرورةُ أن تكونَ المساعدةُ ماليةً، وجمع زكاة الفطر، ولحوم الأضاحي وجلودها، لتوزيعها على المستحقين.
  2. خدمات شافية: كمساعدةِ العاطلِ للحصولِ على عملٍ، وذلك بالاتصال بمصلحةِ العملِ، والمصالح الأخرى، وأصحاب الأعمال، وإقراض رءوس أموال صغيرة في بعض الأحوال بدون فائدة، وكذلك علاج المرضى بالمجان أو نظير أجر رمزي.
  3. خدمات واقية: مثل بثِّ الدعوةِ الصحيةِ بين الأسرِ التي يرعاها المكتبُ، والعملِ على توفيرِ وجباتٍ غذائيةٍ تُبَاع بمبلغ زهيدٍ لفقراء الحي.
  4. خدمات إنشائية: للارتفاعِ بمستوى الحياةِ العادي، وذلك بالعملِ على إنشاءِ نادٍ للعمَّال، وصغارِ أصحابِ الأعمالِ الحرةِ، تنظم به أوقات فراغهما لكي يُنتَشلوا من السقوط، ويوجهوا توجيهًا مهنيًّا ووطنيًّا وصحيًّا.

وقد نصَّ مشروع المكتب على أن المساعداتِ الماديةَ تقدَّم للفئاتِ الآتيةِ:

  • الأسر الكريمة التي أحنى عليها الدهر.
  • الأسر التي فقدت عائلها الوحيدَ وليس لها أي موردٍ ورزقٍ كافٍ.
  • الأسر الفقيرة التي اشتهرت بحسن السير والسلوك، ولم تصدر ضدها أحكامٌ مخلةٌ بالشرف، ولها استعدادٌ بمعاونةِ المكتبِ في تحقيقِ رسالتهِ، بتنفيذِ إرشاداتِه وتوجيهاتِه. (34)

فحينما اندلعت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939م كون الإخوان فرقًا للإنقاذ جاهزة للإسعافات في حالات الكوارث والطوارئ، وكان مقرها المركز العام، وكان يتم تدريب أعضائها على اتقاء الغارات الجوية المحتملة أثناء الحرب العالمية الثانية، ويعد منهم فرقًا للإنقاذ، وقد انتشرت هذه الفرق في الأقاليم لتقوم بالدور الذي تقوم به في القاهرة.

وحينما اشتدت الضربات بين الانجليز والألمان أثناء الحرب العالمية الثانية على الأراضي المصرية واقتربت المعارك من الإسكندرية وتعرضت للغارات المستمرة من قبل طيران الحلفاء والمحور على السواء مما اضطر كثير من سكان الإسكندرية للنزوح ناحية مدن البحيرة فاستقبلتهم شعب الإخوان حيث جهزت لهم العديد من أماكن الإيواء والمؤن والأغطية حتى مرت أيام الخطر ثم عدوا إلى الإسكندرية مرة أخرى. (35)

وعندما تعرضت إحدى البواخر وتدعى (الغزالة) إلى حريق في أسوان أدى إلى وفاة البعض، وإصابة كثيرين عام 1941م، قام الإخوان بجمع التبرعات من أجل الضحايا والمصابين.

بل عندما ظهر مرض الملاريا بقنا وأسوان في فبراير من عام 1944م انتفض الإخوان لهذه الكارثة الصحية، دعا الأستاذ صالح عشماوي - رئيس تحرير مجلة الإخوان ووكيل الجماعة - كافة الإخوان بسرعة التبرع بما لديهم من مال عن طريق جريدة "الأهرام" التي كانت تتلقى التبرعات، وأن يدفعوا كل ذي مروءة وشهامة أن يجود بما لديه من مال أو كسوة أو غذاء، كما طالب بالإلحاح في الدعاء إلى الله لرفع البلاء عن إخوانهم في قنا وأسوان.

وطالب إخوان شعبتي قنا وأسوان بضرورة الاعتناء بالمصابين ومواساة المفجوعين، وأن يجعلوا من دور الإخوان معسكرات لتجنيد المتطوعين لتوزيع الدواء في كل مكان، وأن يسعوا إلى الناس في أماكنهم شارحين طرق الوقاية من هذا المرض وأساليب العلاج. (36)

وعندما ظهر وباء الكوليرا واستشرى خطره في البلاد عام 1947م قرر مكتب الإرشاد إرسال خطاب لوزير الصحة يعلمونه استعداد أربعين ألف من جوالة الإخوان المسلمين للتطوع في فرق مكافحة الكوليرا، وأيضا استعداد مستوصفات الإخوان للقيام بعملية التطعيم ضد الكوليرا وتجهيز عشرة سيارات للمرور في الأحياء الموبوءة لعملية التطعيم ومساعدة وزارة الصحة. كما أصدر المركز العام تكليفات للمكاتب الإدارية فى المحافظات بتكوين لجنة لمكافحة الكوليرا بكل شعبة وأن يختار لها مقر وسكرتير للإشراف عليها.

كما قام قسم البر والخدمة الاجتماعية بالاهتمام بتقديم المطهرات للأسر الفقيرة فى الأحياء الفقيرة كالفنيك والصابون، وكان من جراء هذا الجهد المبذول من الإخوان في معاونة وزارة الصحة في التصدي والقضاء على مرض الكوليرا أن أرسل وزير الصحة الدكتور نجيب إسكندر باشا خطابا يثني فيه على جهود الإخوان فيما قاموا به حيث جاء فيه:

حضرة صاحب فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين

تحية طيبة وبعد،،،

بالإحاطة إلى خطابكم الخاص باستعداد مستوصفات الإخوان المسلمين بجميع نواحي القطر بعمليات التطعيم في مناطقها ضد الكوليرا فإني أقدر بالعرفان هذا الواجب الوطني لما ينطوي عليه من عاطفة كريمة وروح طيبة نحو مواطنينا الأعزاء وسوف لا تتأخر الوزارة عن قبول مساهمتكم في العمل الذي أشرتم إليه في خطابكم في الوقت المناسب، ولا يسعنا إزاء هذه الوقفة الكريمة إلا أن نبعث لفضيلتكم بموفور الشكر مقدرين حسن معاونتكم لنا في مقاومة وباء الكوليرا.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. (37)

وحينما تولى العسكر حكم مصر وأغلقوا جميع الجمعيات الأهلية وعلى رأسهم العمل الخيري للإخوان، ظل هذا العمل متوقف حتى مات عبد الناصر وتولى السادات، وبعدما خرج الإخوان من السجون سرعوا لإعادة هيكلة الجماعة، كما عادوا للعمل الانساني والخيري مرة أخرى

يقول د حسنين توفيق إبراهيم:

الإخوان هم الذين أسسوا خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية التي تقوم بتقديم خدمات صحية وتربوية وثقافية ودينية ومساعدات اقتصادية لفئات واسعة من المواطنين وبخاصة في الأحياء والمناطق الفقيرة مما سمح بخلق ارتباطات مصلحية بين الإخوان وتلك الفئات. (38)

ويقول هشام العوضي:

فمرحلة التسعينيات وحتى الآن العلاقة بين النظام والإخوان اتسمت بالتوتر لأن الجماعة رغم كونها محجوبة عن الشرعية القانونية والرسمية استطاعت أن تحقق نمطا آخر من أنماط الشرعية أسميتها " الشرعية المجتمعية " أو " الشرعية الخدمية" أو "شرعية الانجاز" وهي شرعية مكتسبة من إنجاز خدمات، صحية ونقابية وتعليمية وتكافلية .. الخ لشرائح المجتمع المصري ولا سيما شريحة الطبقة المتوسطة اكتسبت جماعة الإخوان بفضل وجود تفاعل جيل جديد داخل الحركة شرعية غير رسمية، وقد حدث ذلك التطور الجوهري في سياق تدهور شرعية النظام وبين المجتمع.

فكان حضور الإخوان الاغاثي في كثير من المواقف مثل زلزال أكتوبر 1992م، و منكوبي حريق جبل الطيرة في المنيا عام 1995م. (39)

وكشفت أماني قنديل أنه في أعقاب الدور السياسي الذي لعبه الإخوان في أثناء حرب الخليج وفي أثناء حادثة الزلزال والسقوط المفاجئ لنقابة المحامين في يد التنظيم في عام 1992 طلب منها مسئول أمني رفيع المنصب في الحكومة المصرية كتابة تقرير سري عن الإخوان المسلمين وعن استراتيجياتهم التي يستخدمونها في التأثير في النقابات

وحسب أماني قنديل :

" من الواضح أن النظام لم يكن يعرف شيئا عما يجري داخل النقابات لكنه شعر بالانزعاج والحيرة بسبب قدرة الإسلاميين على تأمين أغلبية في انتخاباتهم داخل النقابات حاولت في تقريري الذي رفعته إلى النظام تحديد آليات التأثير التي يملكها الإخوان وشرح السبب الذي جعل منهم قوة شرعية في النقابات" (40)

انفتاح الإخوان على التيارات العالمية

لم تكن دعوة الإخوان المسلمين في يوم من الأيام مقتصرة على فئة معينة أو قطر معين، لكنها في حقيقتها دعوة للجميع بمختلف أطيافهم وأوطانهم، حيث وصفها الإمام البنا بأنها دعوة عالمية حينما قال: وأما أنها عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافه؛ لأن الناس فى حكمها إخوة: أصلهم واحد، وأبوهم واحد، ونسبهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى .. فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية، ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان، ولكنا ندعو إلى الأخوة العادلة بين بنى الإنسان.

ومن ثم لم يقتصر العمل الإنساني للإخوان على مصر فحسب، أو على المسلمين فقط، بل سارعوا لنجدة الملهوف في كل مكان على قدر استطاعتهم. فكانت قضية فلسطين وشعبها على رأس أولويات هذه الشعوب التي عمل الإخوان منذ البداية على نجدتها وإغاثتها، بحيث لم تقتصر نجدتهم على التنديد أو كتابة المقالات فحسب لكن وصلت لجمع الاغاثات، وإرسال الجنود لنجدة أهلها.

ففي الصعيد شارك الإخوان جمعية الشبان في تكوين لجنة مستقلة من أعيان الصعيد للاهتمام بنشر القضية والعمل من أجل منكوبي فلسطين في الصعيد. وحينما نشأ قسم البر والخدمة الاجتماعية قرّر أن يؤلف لجنة من بين أعضائه مهمتها جمع الثياب والأغطية والفرش وغيرها في أسبوع يسمى "أسبوع المشردين بفلسطين". (41)

وحينما قامت احتجاجات من الشعب السوري ضد فرنسا عام 1945م بسبب ما قامت به من عمليات إجرامية ضد الشعب، - حتى أنها قامت بغارة على سوريا راح ضحيتها الكثير من الشعب -أوفد مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بعثتهم الطبية للمساهمة في إغاثة منكوبي سوريا، حيث تكونت اللجنة من الدكتور محمد أحمد سليمان رئيسًا والأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتيرًا، والدكتور علي البرلسي والأستاذ علي محمد مطاوع والآنسة زبيدة أحمد أعضاء، وقد افتتحت البعثة في دمشق عيادة خارجية بلغ عدد الذين ترددوا عليها يوميًّا نحو مائتي شخص. (42)

وحينما اجتاح الاتحاد السوفيتي دولة أفغانستان عام 1979م وأمعن فيها القتل والحبس والدمار ندد الإخوان باحتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، كما أرسلوا الوحدات الطبية وبعض المجاهدين أمثال الشهيد كمال السنانيري وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهم.

يقول الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح:

"… في نهاية عام 1979 اجتاحت الجيوش السّوفياتية أراضي أفغانستان لدعم الحكومة الشيوعيّة في كابول فقمنا لنصرة إخواننا في تعاطف فطري وبتصوّر بسيط بل ساذج لمفهوم الجهاد وإقامته كنّا خاصّة القيادات الطلابية نتصوّر أن المسألة سهلة لا تبعد كثيرا عمّا فعله الإخوان المسلمون في فلسطين في حرب عام 1948 نظّمنا عددا من الفعاليات الشّعبية ومنها مؤتمرات في الأزهر الشريف، دعونا فيها الشّباب للتّطوّع من أجل الجهاد
وشارك في هذه الحملة عدد من العلماء والشّيوخ في مقدّمتهم عمر التلمساني ومحمد الغزالي وأحمد المحلاوي وحافظ سلامة، في هذا الوقت دار نقاش طويل بين قيادة الإخوان حول الشكل الأنسب لدعم الشعب الأفغاني وقضيته وبعد أخذ وردّ استقر الرأي على أن تقتصر جهود الإخوان على الإغاثة والدعم المالي والتعريف بالقضية ونشرها وكان هناك سببان لعدم المشاركة العسكرية
أوّلهما أنّها كانت رغبة عدد من قادة المجاهدين ممن لنا بهم صلات مباشرة مثل: عبد رب الرسول سياف وبرهان الدّين ربّاني فقد أكدوا لنا أنّهم لا يحتاجون أفرادا أو جنودا ولكنهم بحاجة إلى المال والمؤونة، أما السبب الثاني والذي لا يقلّ أهمية فهو عدم ثقتنا بالأنظمة العربية التي فتحت أبوابها أمام الشباب للجهاد
فقد كنا نشعر أنّ ذلك العمل ليس لوجه الله وأنّ هذه الأنظمة لو كانت حريصة على الإسلام لكان أولى بها أن تعمل له في بلادها وأنّها لم تفعل ذلك إلاّ بعد أن أذنت لها أمريكا وأنّها من السّهل أن تنقلب على أولئك الشباب الطّيبين بعد ذلك وهو ما حدث بالفعل. (43)

هذا وقدر توج الإخوان عملهم الإنساني بتكوين لجنة الإغاثة الإنسانية التابعة لنقابة الأطباء في مصر والتي كان لها حضور قوي في العديد من الدول التي تعرض شعبها للكثير من النكبات أو الأزمات. فقد قامت اللجنة بإغاثة شعب السودان أثناء فيضانات عام 1988، كما أعلنت اللجنة استعدادها لإمداد الكويت بفرق إغاثية أثناء حرب الخليج عام 1990 وقد سافر وفد من اللجنة إلى منطقة الرويشد الحدودية وشارك في تقديم الخدمات الطبية لأهلها ومنكوبيها.

كما قامت اللجنة بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بإرسال فرق طبية إلي منطقة الأكراد في شمال العراق، وعن طريق التعاون مع جامعة الدول العربية سافر وفد من اللجنة في 28 مايو 1992 إلي الصومال، وقال محمد سعد "نائب مسئول المكتب الإداري بالدقهلية" إننا نتحرك الآن في إنهاء الإجراءات لتسير قافلة إغاثة كبرى "طائرة محملة بمواد الإغاثة" لإخواننا في الصومال بعد التفاعل الكبير من شعب الدقهلية بجميع طوائفه واتجاهاته.

كما اتسع عمل اللجنة ليشمل بعض المناطق الباردة التي لم تشهد حروبا في ذلك الوقت مثل ألبانيا وروسيا التي افتتح فيها مكتب في موسكو ومخاتشكالا عاصمة داغستان إضافة لمكتب في الشيشان وآخر في اذربيجان بعد أن نالت اللجنة عضوية المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة في 23 أغسطس عام 1993م. (43)

خلال مسيرة تسعين عاما أثبتت الجماعة قدرتها وديناميكيتها في الحياة، والتعاطي مع كل شئونها والتطور المستمر في الوصول بمعاني الإسلام السامية إلى جموع الناس، حيث استطاعوا ترجمته في صورة عمل انساني لكل ملهوف – دون تمييز – فنجحت دعوة أن تكتسب احترام الشعوب.

المراجع

  1. حسنين توفيق إبراهيم، هدى راغب عوض: الدور السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ظل التعددية السياسية المقيدة في مصر .. دراسة في الممارسة السياسية، 19841990م، طـ 1،مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر، القاهرة، 1996م، صـ 320.
  2. شارل فؤاد المصري: رحلات ابن فؤاد في وصف البلاد والعباد، الجزء الأول، دار نهضة مصر للنشر، القاهرة، 2015م.
  3. حسن البنا: رسالة دعوتنا، مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، دار البصائر للبحوث والدراسات، 2008م، صـ 159.
  4. حسن البنا: رسالة دعوتنا، مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، دار البصائر للبحوث والدراسات، 2008م، صـ 163.
  5. رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي: صـ 721.
  6. عزام التميمي: الجبير والإخوان، العربي 21، 8 مارس 2018م
  7. رسالة دعوتنا: صـ127، 128.
  8. يوسف القرضاوي: شمول الإسلام في ضوء شرح علمي مفصل للأصول العشرين، دار الفرقان للنشر والتوزيع 1997م، صـ 9.
  9. صحيفة الإخوان المسلمون اليومية: العدد 719، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367 5/9/1948صـ2.
  10. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2000م، صـ102.
  11. المرجع السابق: صـ15.
  12. مقال بقلم مكرم عبيد: الإمام الشهيد، مجلة الدعوة، السنة الثانية، العدد (52) - 16جمادى الأولى 1371هـ - 12 فبراير 1952م.
  13. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، نقلا عن عبدالمتعال الجبري: لماذا أغتيل الإمام الشهيد، دار الاعتصام، 1978م، صـ72-73.
  14. زكريا سليمان بيومي: الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية 1928 - 1948، مكتبة وهبة للطباعة والنشر، 1991م، صـ311.
  15. جريدة مصر: العدد 13547 السنة 51 - 12 جماد الثاني 1365هـ 13/5/1946م، صـ2.
  16. جريدة الإخوان المسلمين: العدد 103 السنة 4 - 23 جماد ثان 1365هـ 25/5/1946صـ11.
  17. المصدر السابق: العدد 88، سـ 4 - 29 صفر 1365هـ 2/2/1946صـ7.
  18. المصدر السابق: العدد 148، سـ الخامسة - 27 جماد أول 1366هـ 12/4/1947م، صـ6.
  19. جريدة الإخوان المسلمون اليومية: العدد 288، السنة الأولى، 18 جماد أول 10/4/1947صـ2.
  20. جريدة الإخوان المسلمون اليومية: العدد 291 السنة 1 - 22 جمادى أول 1366هـ 14/4/1947 صـ2.
  21. جريدة الإخوان المسلمون اليومية: العدد 418 السنة 2 - 27 شوال 1366هـ 11/9 / 1947 صـ2.
  22. المرجع السابق: العدد 327 السنة 2 - 3 رجب 1366هـ 27/5/1947صـ2.
  23. المرجع السابق: العدد 279 السنة 1 - 8 جماد أول 1366هـ 31/3/1947صـ3.
  24. المرجع السابق: العدد 430 السنة 2 - 11 ذو القعدة 1366هـ 26/9/1947صـ3.
  25. جريدة النادى العدد 4 السنة 11 - 21 شعبان 1367هـ 29/6/1948.
  26. المرجع السابق: العدد 179 السنة 3 - 2 ذو القعدة 1367هـ 5/9/1948ص3.
  27. عامر شماخ: الإخوان والأقباط.. مَن يُطمئن من؟
  28. سحر عزام: مصراوي، 28 أغسطس 2013م
  29. مجلة النذير: العدد (25)، السنة الثانية، 21 جمادى الآخرة 1358ه - 8 أغسطس 1939م، صـ14-15.
  30. محمود سعيد عبد الظاهر: يهود مصر .. دراسة في الموقف السياسي، مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، العدد 17، 2000م، صـ113-116.
  31. سلمى محمود جمعة محاضرات في طريقة العمل مع الجماعات، الطبعة الأولى، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، 2000م،صـ17.
  32. مجلة لواء الإسلام – السنة 42 – العدد 12 – غرة شعبان 1408هـ - 19 مارس 1988م– صـ27.
  33. محمد شوقي زكي: الإخوان المسلمون والمجتمع المصري، القاهرة ، مكتبة وهبة، 1958م، صـ145.
  34. مجلة منبر الشرقية – السنة السادسة عشر – العدد 451 ، 2 جمادى الآخرة 1360هـ - 27 يونيو 1941م، صـ4.
  35. جريدة الإخوان المسلمين: العدد (28)، السنة الثانية، 17 صفر 1363ه - 12 فبراير 1944م، صـ8.
  36. عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2000م، صـ 139، 140.
  37. حسنين توفيق إبراهيم: الدور السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ظل التعددية السياسية المقيدة في مصر، مرجع سابق، صـ320.
  38. هشام العوضي: صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك (1982– 2007) مركز دراسات الوحدة العربية (سلسلة أطروحات الدكتوراه (74)، 2009م، صـ 332.
  39. هشام العوضي: المرجع السابق، صـ 171.
  40. جريدة الإخوان المسلمون اليومية: العدد 721– السنة الثالثة – 4 ذو القعدة 1367هـ - 7 سبتمبر 1948م صـ1.
  41. مجلة الإخوان المسلمون: العدد 62، السنة الثالثة، 18رجب 1364ه - 28 يونيو 1945م، صـ12.
  42. حسام تمام: عبد المنعم أبو الفتوح شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر، دار الشروق، مصر، الطبعة الثانية، 2012م، صـ107.
  43. مجدي علي سعيد . لجنة الإغاثة الانسانية (مناخ النشأة وعوامل انتهاء الدور)، ورقة غير منشورة مقدمة إلى مؤتمر "الإسلاميون والمجتمع المدني" ! المركز الدولي للدراسات، سنة 2000م.