البرلمان المصري في ظل دولة العسكر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البرلمان المصري في ظل دولة العسكر


مقدمة

تمثل المؤسسات النيابية المصرية ركنًا هامًا من أركان "مكانة مصر"، والبرلمان المصري يعد أقدم مؤسسة تشريعية في الوطن العربي، والتي بدأت مع النظم التمثيلية الشورية منذ تولي محمد علي للحكم ووضعه للائحة الأساسية للمجلس العالي.

حرب الدستور

كان أول مجلس نيابي منتخب يمتلك اختصاصات نيابية تم في عهد الخديوي إسماعيل في 22 أكتوبر من عام 1866م إلا أن الممارسة الفعلية والحقيقية له لم تفعل إلا بعد إقرار دستور عام 1923م حينما تم إقراره بغرفتيه "مجلس النواب ومجلس الشيوخ"، وهي المرحلة التي فيها انتخاب أول مجلس نيابي حقيقي له سلطة سحب الثقة من الحكومة عام 1924م، لكنه أيضا جعل من حق الملك حل البرلمان أو الحكومة وهي المادة التي جعلت البرلمان في عهد الملكية لا يعمر كثيرا كلما تشكل، إلا أنه كان يمتلك العدد من مفاتيح القوة ليجعله برلمانا حقيقيا.

ظل الحال على هذا المنوال حتى تم حل البرلمان في يناير 1952 عقب حريق القاهرة، وظلت مصر دون برلمان حتى قيام الثورة في 23 يوليو 1952م. صدر خلال الفترة التي تلت الثورة أعلنين دستوريين من قبل مجلس قيادة الثورة - حيث كانوا المشرعين للقوانين – فصدر الأول في يوم 10 ديسمبر من سنة 1952م علن فيه باسم الشعب سقوط دستور سنة 1923م، وفي 10 فبراير سنة 1953م صدر إعلان دستوري ثان متضمنا أحكام الدستور المؤقت للحكم خلال المرحلة الانتقالية وظل العامل به حتى دستور 1956م.

لم يتشكل منذ هذا التاريخ أي برلمان إلا في عهد جمال عبد الناصر، حيث تشكل مجلس - صوري – سمى بمجلس الأمة ليخدم على قرارات عبد الناصر، ومع ذلك لم يعمر كثيرا فكان يتأرجح ما بين الحل والايقاف وبين الانعقاد.

فقد عاد مرة أخرى بغرفة واحدة فقط لم يدخل فيه إلا من كل ولاءه لتنظيمات عبد الناصر، وقد اتسمت الدساتير بأنها مؤقتة مما جعل البلاد تموج على بحيرة من الفوضى الدستورية والتشريعية كان المشرع الأول فيها عبد الناصر، فقد صدر الدستور الأول عام 1956م لكن سرعان ما ألغاه عبد الناصر ليشرع دستور مؤقت لدولة الوحدة

ويعلنه من دمشق في يوم 5 مارس من العام 1958م حيث تكون من ثلاثة وسبعين مادة، وظل يعمل بالدستور المؤقت حتى انهار هذا الدستور بانهيار الوحدة بين مصر وسوريا في العام 1961، واستمر العمل به حتى 25 مارس من العام 1964، وصدر دستور مؤقت لمصر التي بقيت تعرف رسميا باسم "الجمهورية العربية المتحدة"، قبل أن يضع السادات دستور 1971م. (1)

البرلمان في ظل العسكر

ما أن نجحت ثورة 23 يوليو حتى توقف العمل النيابي وأصبح المشرع الرئيسي هم مجلس قيادة الثورة، حيث وصفها الرئيس محمد نجيب بقوله: وبعد أقل من أسبوع على رحيل الملك كنا نسير في طريق تكييف القوانين الذي انتهي بنا إلى هاوية اللاقانون بعد ذلك. (2)

لم يستمر الوضع كثيرا حيث اشتعلت الجبهات بين فرقاء الثورة سواء بين العسكر بعضهم البعض فتكونت جبهة مناصرة لنجيب وأخرى لعبد الناصر، وازداد العداء بين العسكر والإخوان انتهى هذا الصراع لصالح جبهة عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة والذي وجهة ضربة قوية للإخوان ولجبهة نجيب. برز عبد الناصر وأصبح الرجل الأول والمهيمن مع العمل على إبعاد كل تبرز قوته أمامه كعبد اللطيف البغدادي وغيره، حتى أضحى الحاكم الأوحد والذي عمل على شرعنة حكمه وما يصدره من قوانين.

ففي 16 يناير 1956 انتهت المرحلة الانتقالية التي حددها الإعلان الدستوري الصادر في يناير عام 1953، فخرج جمال عبد الناصر على الجماهير في مؤتمر شعبي كبير بميدان عابدين ليعلن من هناك دستورا جديدا للبلاد، كانت لجنة الدستور التي تشكلت بمقتضى ذلك الإعلان قد أنهت عملها في أغسطس 1954

لكن المشروع الذى أنجزته اختفى، ولم يؤخذ بشيء منه في دستور 1956، بل جاء على العكس منه تقريبا، ووسع هذا الدستور من صلاحيات رئيس الجمهورية سواء تعين الوزراء وحل مجلس الأمة، وتم الاستفتاء على الدستور وعلى رئيس الجمهورية في نفس اليوم لنبدأ بذلك عصرا جديدا من عصور استلاب إرادة الأمة عبر أسلوب الاستفتاء. (3)

جاء عبد الناصر ولم يكن للأمة مجلسا تشريعيا منذ حله في يناير 1952م حتى عام 1956م حينما صدر الدستور الجديد، وتم بمقتضاه تشكيل مجلس الأمة في 22 من يوليو 1957 من 350 عضواً منتخباً، وقد فض هذا المجلس دور انعقاده العادي الأول في 10 فبراير سنة 1958.

وفى فبراير 1958 ونظراً لقيام الوحدة بين مصر وسوريا ألغى دستور 1956، وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة في مارس سنة 1958، شكل على أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين (400 عضو من مصر ـ 200 عضو من سوريا) وعقد أول اجتماع في 21 من يوليو 1960 واستمر حتى 22 يونيو عام 1961، ثم وقع الانفصال بين مصر وسوريا في 28 سبتمبر 1961.

وفى مارس 1964 صدر دستور مؤقت آخر فى مصر، تم على أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضواً منتخباً، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، انعكاسا لصدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية، إضافة إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية. واستمر هذا المجلس من 26 مارس 1964 إلى 12 نوفمبر سنة 1968، واجريت انتخابات المجلس الجديد فى 20 من يناير 1969 والذى ظل قائما بدوره حتى 30 من أغسطس 1971م. (4)

كان مجلس النواب في هذه الفترة مطية تشريعية لحكم عبد الناصر ويأتي على قمة الهرم التشريعي في خدمته أنه لم يكن هناك انتخابات حقيقية لرئيس الجمهورية لكنه تنحصر في اختيار مجلس الأمة لشخص يرشحه للشعب للاستفتاء عليه، والذي لم يخرج عن كونه عبد الناصر لأنه حامي الثورة، بل أن – كما يذكر البغدادي – أن البرلمان لايعطي الحرية في الترشيح لأي مصري لكن من خلال انتظام الشعب في اتحاد قومي شعبي كتنظيم سياسي، وهذا الاتحاد هو الذي يتولى الترشيح لعضوية مجلس الأمة.

ويضيف:

وكان قد اتفق في مجلس الثورة أثناء مناقشة مشروع الدستور على أن أقوم بترشيح نفسي لرئاسة مجلس الأمة في أول انعقاد له. وعندما تم انعقاده في يوليو 1957 رشحت نفسي لرئاسته، وتم انتخابي رئيسًا له بأغلبية الأصوات. (5)

ثم جاءت المفاجأة أن برلمان الوحدة لم يتم انتخابه أبدا لكن تم تعينه من قبل رئيس الجمهورية وكان عددهم 400 عضو من مصر - 200 عضو من سوريا

فيذكر قوله:

وقد أقيم مجلسًا جديدًا مشتركًا من السوريين والمصريين في يونيو 1960 بعد قيام دولة الوحدة، وتم تعيين أعضائه بقرار من رئيس الجمهورية. وتولى رئاسة ذلك المجلس الجديد أنور السادات. وظل قائمًا إلى أن حدث الانفصال بين سوريا ومصر في 28 سبتمبر 1961م، على أن يعين نصفهم ممن كانوا أعضاء في مجلس الأمة المصري ومجلس النواب السوري. وأما النصف الآخر منهم فيختار من بين أعضاء المؤتمر العام للاتحاد القومي الذي يمثل التنظيم السياسي في البلاد. (6)

ثم يوضح البغدادي الحال الذي وصل له الشعب المصري ومجلس الأمة بقوله:

ولا يفوتني كذلك أن أذكر أن من ضمن الأسباب التي أوصلت الحال إلى ما وصل إليه هو أسلوب جمال في الحكم، فالشعب لم يكن له دور إيجابي في السياسة التي ترسم له، وكان هذا الوضع له خطورته في سوريا ومصر على السواء، ولم يكن هناك تنظيم سياسي - اللهم إلا تنظيم الاتحاد القومي - وهو نفسه كان تنظيمًا فاشلاً ولا يشارك في وضع السياسة العامة للبلاد.
وحتى قراراته نفسها - إن اتخذ قرارًا- لم يكن ملزمًا لأحد، ومجلس الأمة سلطة الرقابة الشعبية على أجهزة الدولة كان قد أصبح أضحوكة الجميع. ولم يكن يباشر صلاحياته بل وصوته لم يكن مسموعًا على الإطلاق، فالحاكم لا يعطي أهمية لوجوده كممثل للشعب وحلقة الاتصال بينهما. (7)

ولذا كانت كلمات الزعيم مصطفى كامل – عليه رحمة الله – صارخة حينما قال:

من الحكمة إلا نمكن العدو من رقابنا وأنا لا أود أن يدخل ضباط الجيش في حركتنا السياسية دخولاً ظاهراً، لأن هذ يضر بالمسألة ضرراً بليغاً حيث يجد الاحتلال مسوغاً للصق التهم الثورية بمصر. (8)

قانون الأزهر

عمد عبد الناصر للسيطرة على المؤسسات الدينية، فكان لابد من أن يشرع قانون يجعل الأزهر ومؤسساته تحت سلطته، وهو القانون الذي فرضه عبد الناصر على مجلس الأمة فرضا وتمت الموافقة عليه بالإجماع.

ففي 22 يونيو 1961 أرسل الرئيس جمال عبد الناصر إلى رئيس مجلس الأمة خطاباً كان نصه "أرسل إليكم صورة من مشروع القانون الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها لعرضه على مجلس الأمة لنظره على وجه الاستعجال] وهو قانون إعادة تنظيم الأزهر رقم 103".

ويروي السياسي المصري المحامي فتحي رضوان الذي كان وزيرا للإرشاد القومي في حكومة عبد الناصر مجريات جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرَّ فيها قانون تنظيم الأزهر

بقوله:

"كانت قاعة مجلس الأمة شبه خالية إذ اعتذر 89 عضوا عن الحضور، وأجيز 42 غيرهم ، وغاب 48 آخرون بلا عذر ولا أجازة ، وكان التوتر يسود القاعة والأنظار تتجه صوب المنصة التى جلس عليها بعض العسكريين من قيادات الثورة أنور السادات وكمال الدين حسين وكمال رفعت ، وعندما علت أصوات بعض النوَّاب تعارض مشروع القانون تدخـَّـل أنور السادات وألقى كلمة هدَّد فيها النواب الحضور من مغبة مقاومة مشروع القانون المطروح للمناقشة العاجلة
قائلا : كانت فى 23 يوليو 1952 ثورة والذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام ، واليوم نحن أمام ثورة جديدة وسيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير ، وفى تلك الأجواء ، كما يروى الأستاذ فتحى رضوان ، مُرِّر القانون 103 لسنة 1961 الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها ، ووفقا للوثائق الرسمية تغيَّب عن جلسة إقرار القانون بمجلس الأمة 179 عضواً أي ما يعادل 49% من إجمالي أعضاء المجلس ، ووفقا لنفس الوثائق الرسمية فإنه لم يعترض من الأعضاء الحاضرين سوى النائب صلاح سعدة". (9)

مما دفع الشيخ محمود شلتوت الاستقالة من مشيخة الأزهر في 16 ربيع الأول 1383هـ ـ 6 أيلول 1963م حيث ذكر في خطاب استقالته:

" بعد أن أسندت وزارة شؤون الأزهر إلى وزير شؤون الأزهر في الحكومة سار بها في طريق لا يتفق مع رسالة الأزهر ، وما يبتغيه طلاب الإصلاح له ، حتى مسَّ كيانه ، وصدّع بنيانه ، وظللت من جانبي أدفع بقدر الاستطاع عن حرمة الأزهر وحماه ، ولم أدع فرصة إلا التجأت فيها إلى المختصين عسى أن يهيئ اللّه من الظروف ما يستقيم معه المعوج وينصلح به الفاسد ، ولكن الأمور أفلت زمامها من يدي، وانتقلت من سيء إلى أسوأ ، حتى تحوَّل الأزهر فعلا عن رسالته ، ولم يصبح لمشيخة الأزهر وجود أو كيان ، وإزاء هذه الظروف فليس أمامي إلا أن أضع استقالتي من مشيخة الأزهر بين يديكم بعد أن حيل بيني وبين القيام بأمانتها.. وسرعان ما مات بعدها الشيخ شلتوت" (10)

قانون الطوارئ

لم تعرف مصر ما سمى بقانون الطوارئ قبل مجيء العسكر لحكم مصر، لكنها وقت أن كانت تحت الاستعمار وأثناء الحروب كانت تعلن الأحكام العرفية، وكان بيدي رئيس الوزراء المدني. كان أول من سن قانون الطوارئ هو عبد الناصر حينما أقره بقانون رقم 162 لسنة 1958م، حيث ظل منذ ذلك التاريخ قائما على رقاب الشعب.

ولم يكن مجلس الأمة مستقر في هذه الفترة إلا أنه بعد ذلك كان مجلس الأمة ثم الشعب يوافق على قرار رئيس الجمهورية على تجديد حالة الطوارئ في البلاد، فقد أعيدت حالة الطوارئ مرة أخرى أثناء العدوان الإسرائيلي على مصر عام 1967، واستمرت 13 عامًا حتى 1980م.

وفي عام 1981 عاد قانون الطوارئ وأصبح تجديد حالة الطوارئ سنويًا حتى عام 1988، والذى أقر فيه مجلس الشعب، أن تتجدد لمدة ثلاث سنوات، واستمر حتى 2010 حيث قرر مجلس الشعب في 12 مايو 2010 تجديده لمدة عامين فقط. (11)

البرلمان وهزيمة 67

ففي خلال سنة أيام استطاعت إسرائيل أن تدق حصون الجيش المصري وتدمره وهو قابع على الأرض وتقتل آلاف الجنود وتحتل سيناء والجولان وبقية الأراضي الفلسطينية، دون رد فعل حقيقي من القوات المسلحة المصرية او القيادة السياسية، حتى أقر بالهزيمة أمام الجميع.

وفي 9 يونيو 1967م خرج عبد الناصر ببيان التنحي والذي في ظاهرة ليس خطابا تنحيا حيث كان خطابا طويلا استغرق ما يقرب من 25 دقيقة، بالإضافة لاختيار من ينوب عنه وهو زكريا محي الدين على الرغم أن القانون يوجب أن يتولى رئيس مجلس الأمة، أيضا تحدث عبد الناصر عن خطة عمل ما بعد "النكسة"، وبعدها مباشرة سرد إنجازات 23 يوليو وهو ما يوضح إيعازه بالاستمرار في منصبه وأن التنحي كان صوريا

ورابعا المظاهرات التي خرجت في نفس اليوم تطالبه بالعدول وهو ما استجاب له على الفور، والتي لخصها سامي جوهر بقوله: "التاريخ سيجد من يكتب عن مسرحية 9 يونيو التي شاهدتها بنفسي وشاركني في مشاهدتها كل من حسن إبراهيم وعبد اللطيف البغدادي، ولكنه الشعب الطيب، الشعب الساذج"، هكذا قال صراحة رشوان فهمي، نقيب أطباء مصر وأستاذ طب العيون. (12)

ويروي حسن إبراهيم، عضو مجلس قيادة الثورة، شهادته قائلًا:

"حقيقة كانت مسرحية، كنت جالسًا في حديقة المنزل برفقة فهمي والبغدادي ننتظر سماع بيان عبد الناصر وأمامنا جهاز التليفزيون، وبينما نحن جالسين وصلت إلى أسماعنا أصوات جماهير تتحرك وتهتف "عبد الناصر"، ولم يكن البيان قد أُذيع بعد
أرسلت السائق لاستطلاع الأمر فأبلغنا أن لوريات تحمل المئات من الشباب تنزلهم في فناء مدرسة مصر الجديدة الثانوية على مسافة مائتي متر من منزلي، وبدأ عبد الناصر يذيع بيانه، وعندما جاءت فقرة قراراه بالتنحي فوجئنا بأصوات الهتافات والمئات الذين كانوا مجتمعين في فناء المدرسة يخرجون راكضين متجهين ناحية منشية البكري حيث منزل الرئيس". (13)

ويؤكدها عبد اللطيف البغدادي بقوله:

"واستمعنا إلى خطاب جمال، وأعلن تنحيته وترشيح زكريا محيي الدين رئيسًا للجمهورية بدلاً منه، ولم نفهم دستورية تعيين زكريا. وتوقعنا – ولم يكن جمال قد انتهى من خطابه بعد بأن المسيرات الشعبية ستبدأ، وفعلاً سمعنا بعد انتهاء خطابه مباشرة الهتافات ورأينا تحركات شباب الاتحاد الاشتراكي في الأتوبيسات واللواري رغم الظلام الذي يخيم على المدينة لحظر الإنارة، ورغم طلقات المدفعية المضادة للطائرات، واستنتجنا من هذا الذي يحدث أن الأمر مدبر ومرتب من قبل بأن تتحرك المنظمات وتطالب ببقائه". (14)

جاء في خطاب التنحي قوله:

إنني على استعداد لتحمل المسئولية كلها، ولقد اتخذت قرارًا أريدكم جميعًا أن تساعدوني عليه.. لقد قررت أن أتنحى تمامًا ونهائيًا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر.

وكان غريبا أن يتدخل مجلس الأمة من أجل أن يعدل عبد الناصر عن الاستقالة بدلا من محاسبته، وبالفعل ينزل عبد الناصر على قرار الناس ويبعث بخطاب لرئيس مجلس الأمة أنور السادات قائلا "وهنا إن صوت جماهير شعبنا بالنسبة لي أمر لا يرد – ولذلك فقد استقر رأيي على أن أبقى في مكاني وفي الوضع الذي يريده الشعب مني أن أبقى فيه حتى تنتهي الفترة التي نتمكن فيها جميعًا من أن نزيل آثار العدوان"

ويعلن عودته لمنصبه ويقوم أعضاء المجلس التشريعي بالهتاف والتصفيق والرقص، وبدلاً من أن يقوم المجلس بطلب مناقشة أسباب هذه الهزيمة وكيف يدمر لنا جيش من ست فرق، وتحطم لنا أربعمائة طائرة وكل ذلك في ظرف ست وثلاثين ساعة – وبدلاً من أن يسأل عن الكارثة وكيف حدثت ومن المتسبب فيها – ومحاسبة المسئولين عنها. بدل ذلك يرقص طربًا وفرحًا. ولا يسأل ولا يخطر على بال أحد من أعضائه أن يسأل.

وقام سيد مرعي وكيل المجلس ليقول كلمة المجلس في هذا الموقف التاريخي، وقال إنه يطلب من الله أن يلهمه قدرة فوق قدرته وفوق قدراتهم جميعًا ليكبح جمال عواطفه التي تملأه وتملأهم جميعًا – ويبكي بل ويغمى عليه. ثم قام المجلس بعد ذلك وخول جمال عبد الناصر سلطاته كلها ليقوم بالتعبئة الكاملة والشاملة لكل قوى الشعب العامل وإعادة البناء العسكري والسياسي بما يكفل مناعته وقوته على مواجهة كل التحديات – هكذا جاء قرار المجلس. (15)

ويقول عادل صادق عقل:

بعد تنحى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يونيو من عام 1967 بسبب النكسة، رفض مجلس الأمة التنحي، واحتشد عدد كبير من نواب المجلس واعتصموا داخل مبنى مجلس الشعب رفضاً لتنحى عبد الناصر، وكان وقتها الرئيس الأسبق محمد أنور السادات هو رئيس مجلس الأمة حينما طالبه عدد كبير من النواب بإيصال رسالة لعبد الناصر يرفضون فيها التنحي. (16)

كان من الواضح عدم الاستقرار المؤسسي لمجلس الأمة فترة حكم عبد الناصر فلم يكمل أي من المجالس فترته الدستورية ، وتم حل جميع تلك المجالس قبل استكمال مدتها، ويلاحظ أيضا أن السلطة التنفيذية كان لها هيمنة على السلطة التشريعية ممثلة في مجلس الامة خاصة بعد إنشاء الاتحاد الاشتراكي، والذي أصبح هو مصدر السلطة الشعبية والمؤسسة التي من حقها ممارسة اعمال الرقابة .

وقد انعكس هذا على الممارسة البرلمانية لمجلس الامة حيث كان عليه ان يعرض جدول اعماله على الاتحاد الاشتراكي ليدرج عليه ما يراه من موضوعات اولا ثم تأتى بعد ذلك الموضوعات التي يريد المجلس أدراجها.

تأميم الصحافة

حول عبد الناصر كل شيء لخدمته ولم يقبل أن يخطأ في حقه أحد، ومع الاجراءات التي اتخذها ضد الصحافة في الفترة التي أعقبت ثورة 23 يوليو إلا أنها زادت بعدما أصبح رئيسا للبلاد، وظل على مضض حتى فاجأ الجميع بقانون تأميم الصحافة في 24 مايو1960م ومنع إصدار أي صحيفة إلا بترخيص من الاتحاد القومي، ويعود سبب تأميم الصحف بسبب مانشيت كتب بطريقة خطأ على صحيفة الأخبار "مصرع السفاح"، "عبد الناصر في باكستان"، وهناك رأي آخر يرى أن فكرة التأميم كانت حاضرة قبل ذلك نتيجة للتحولات الاقتصادية للنظام الاشتراكي الذي اتبعه عبد الناصر.

العجيب أن الاغلبية من الكتاب والصحفيين كانت مؤيدة ومرحبة، حتى أن أصحاب الصحف أنفسهم ومؤسسيها هم من أعلنوا فرحتهم بالقانون الذي اعتبروه خطوة لتنظيم الصحافة. وعلى الرغم أن مجلس الأمة لم يكن منعقد إلا انه ما أن انعقد في 21 من يوليو 1960م حتى وافق على كل القوانين التي صدرت في غيبة البرلمان. (17)

البرلمان في خدمة السادات

في 28 سبتمبر 1970م مات جمال عبد الناصر وتولى نائبه السادات مقاليد الحكم لفترة مؤقته حتى اتخذ في 15 مايو 1971 قرارًا حاسمًا بالقضاء على مراكز القوى في مصر وهو ما عرف بثورة التصحيح، وفى ٢٠ مايو 1971م دعا مجلس الأمة لإعداد الدستور الدائم وعرضه على الشعب في الاستفتاء، وفى ظله جرت انتخابات مجلس الشعب في 27 أكتوبر 1971 بعد ما تم تغيير اسمه من مجلس الامة الى مجلس الشعب، حيث عقد أولى جلساته في 11 نوفمبر 1971 وهو أول مجلس يستكمل مدته الدستورية وهى خمس سنوات كاملة.

وفى عام 1976 أجريت الانتخابات التشريعية على أساس تعدد المنابر داخل الاتحاد الاشتراكي العربي ، وهو التنظيم السياسي الوحيد الذى كان قائما فى ذلك الوقت، وفى عام 1979 أجريت أول انتخابات تشريعية في مصر على أساس حزبي، وذلك قبل أن يتم إنشاء مجلس الشورى فى عام 1980م كغرفة ثانية.

وبنظرة شاملة على البرلمان منذ النشأة نجد أنه في الملكية كان يترشح المثقفين من البشوات والمفكرين وأرباب الأحزاب المتعلمين، والأغنياء وكان محرما على المرأة دخول البرلمان أو الاشتغال بالسياسة في هذه الفترة، لكن ما أن سيطر العسكر حتى استحدثوا قوانين تخص المرأة وقسم المجلس مناصفة على أن يكون للعمال والفلاحين نصف المجلس

وهو ما عاد بالسلب على المجالس حيث دخله العديد من لا يفقهون في القوانين ولا شئون البلاد ولا مصالح العباد لكن لكونهم أرباب مال أو من ذوي العائلات – إلا القليل منهم - وهو ما حوله لبرلمان يصدق على ما يقوله الحاكم من أجل أن يظل العضو قابعا في البرلمان حتى الموت بعد أن يورثه لأحد من أهله.

البرلمان ومعاهدة السلام

ظلت أمواج الذل والعار تلاحق مصر منذ أن دمرت قواتها المسلحة في حرب يونيو 1967م واحتل جزء من أراضيها، حتى استطاعت أن تزيل بعض آثار هذه الهزيمة بالانتصار في حرب 1973م، لكن الواقع كان واضحا أن مصر لن تستطيع الحفاظ على مكتسباتها أمام إسرائيل في حالة استمرار الحرب، ولذا كان الخيار الدبلوماسي بأن تضع الحرب أوزارها وهو ما حدث بالفعل.

فمنذ اللحظة الأولى ألقى السادات خطابه في الافتتاح العادي للدورة الثانية لمجلس الشعب في 9 نوفمبر 1977م والذي تضمن مبادرته للذهاب لإسرائيل بقوله: "وستدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامـكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاتـه، ومناقشتهم"، وهنا هتف البرلمان "الله أكبر، الله أكبر، زادك الله فطنة، زادك الله فطنة، زادك الله فطنة"

والأغرب أن إسرائيل والعالم كلّه دُهشوا من استعداد الرئيس المصري للذهاب إلى إسرائيل، وكان من بين الذين أصيبوا بالذهول رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي كان يجلس في القاعة وقت الخطاب، واستصعب تصديق ما سمعته أذناه وراء من النواب. (18)

ولم يتوقف البرلمان على ذلك لكنه بعد توقيع المعاهدة عقد جلسة يوم السبت 7 أبريل 1979م حضرها 345 عضوا وكان يرأس المجلس صوفي أبو طالب، وتحدث فيها ما يقرب من سبعين عضوا ما بين مؤيد للمعاهدة ومعارض لها، إلا أنه كانت نسب من أيد المعاهدة من النواب بلغوا 329 عضوا في حين رفضها 15 عضو وامتنع عضوا واحدا عن التصويت.

بعدها قدم الدكتور صوفى أبو طالب (رئيس مجلس الشعب) التهنئة للنواب الذين بقوا فى القاعة، قائلا: "بعد أن قالت الأمة ممثلة فيكم كلمتها، أقول ونقول جميعا لأنفسنا، مبروك". حتى أن النائبة فايدة كامل وقفت وهتفت: "عاش الرئيس محمد أنور السادات، عاشت مصر، عاشت مصر" وردد المؤيدون وراءها، واستكملوا بنشيد "بلادى بلادى - لك حبى وفؤادى".

وكان أغرب ما تم بعد هذا الانبطاح العظيم من أغلبية النواب أن أعلن السادات في 11 أبريل 1979م (أي بعد موافقة المجلس على المعاهدة بيوم) أعلن السادات حل مجلس الشعب، حتى أن النائب محمود القاضي (توفي يوم 9 سبتمبر 1982م)

كتب يقول:

"هذا المجلس يضم 95% من المؤيدين للحكومة، ولقوا جزاء سنمار، فبعد أن وافقوا على المعاهدة بأغلبية ساحقة وسط عاصفة من التصفيق والتهليل والغناء الذى قادته السيدة فايدة كامل تم حله، بصورة غير مسبوقة في تاريخ العالم". (19)

انتفاضة الخبز

اندلعت مظاهرات احتجاجية يومي 18 و19 من يناير عام 1977م سميت بـ انتفاضة الخبز، في عدة مدن مصرية ضد رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، وذلك بعد إعلان الدكتور عبد المنعم القيسونى نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية، في يوم 17 يناير 1977م، في بيان له أمام مجلس الشعب مجموعة من القرارات الاقتصادية، مما دفع السادات بإنزال الجيش للسيطرة على الوضع بعدما تراجع عن قراره.

خطب السادات وسط أعضاء برلمانه واصفا من المظاهرات بانتفاضة الحرامية، وليست انتفاضة شعبية، وظل يعتبرها مؤامرة وقام بفرض الأحكام العرفية والقوانين المقيدة للحريات. وأُصدِرَ قانون رقم 2 لسنة 77 في 3 فبراير 1977، ليجرم الكثير من الممارسات الديمقراطية وقد وافق عليه البرلمان إرضاء لسلطة وأوامر الرئيس. (20)

البرلمان وإقالة شنودة

10 سنوات هي عمر العلاقة بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات، إلا أنها كفيلة بترك بصماتها في تاريخ مصر ورسم العلاقة بين الكاتدرائية والقصر، فقد جاء صعود البابا شنودة إلى الكرسي البابوي عام 1971، مع بدء تولى "السادات" حكم مصر، ونظراً لشخصية البابا التي كانت تتميز بالثورية وتقارب سنه مع الرئيس، أخذت العلاقة بينهما طابع "الندية" الذى تحول إلى صراع.

لم تكن الأجواء بين الطرفين مهيأة فظلت مشتعلة دائمة – في حادثة غريبة من رئيس الجمهورية وعلاقته بزعماء الأقباط – إلا أنه من الواضح أن الطرف الثاني كان مصدر قلق للسادات، وظلت المناوشات بين الكنيسة والرئيس خاصة عقب إعلان "السادات" أن تعداد المسيحيين في مصر مليونان و330 ألف مسيحي، فيما ردت عليه الكنيسة بأن تعدادهم 7 ملايين، وذلك قبيل انتخابات مجلس النواب عام 1976 التي لم يعين فيها الرئيس سوى قبطي واحد بعد أن رشحت له الكنيسة 10 أشخاص، كما انتقد البابا معاهدة السلام.

واشتعل الأمر بعد حادثة الزاوية الحمراء في يونيو 1981م حينما صرح السادات بتصريح أمام البرلمان فكذبه باب الأقباط ورد بتصريح مغاير متهما السادات بأحداث الفتنة، مما دفع السادات لتحديد إقامة البابا فى دير الأنبا بيشوى بوادي النطرون عقب اعتقالات سبتمبر الشهيرة، وتشكيل لجنة بابوية لإدارة شئون الكنيسة.

ومن أبرز وقائع جلسات المجلس خطاب السادات لعزل البابا شنودة، عندما وقف الرئيس السادات في مجلس الشعب عام 1981 وقرر عزل الأنبا شنودة على أثر أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء، وتم نفى البابا شنودة إلى دير وادى النطرون، وألقى خطابه في مجلس الشعب

ونصه كالتالي:

"إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 2782 لسنة 1971، بتعيين الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريركا للكرازة المرقسية وتشكيل لجنة للقيام بالمهام البابوية من خمسة من الأساقفة وهم: وذكر أسماء خمسة من الأساقفة وذلك لكى لا تبقى الكنيسة بدون من يمثلها لدى الدولة"، وقد لوحظ أن القرار قوبل بعاصفة قوية جدًا من التصفيق في "مجلس الشعب". (21)

البرلمان واعتقالات 1981م

كان السادات يشعر بغصة في حلقة من المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، مما جعله يرتكب العديد من الأخطاء لقمع أصواتهم، حتى وصل به الأمر فى 3 سبتمبر عام 1981 أن بدأ حملة اعتقالات واسعة بحق الشخصيات المعارضة لاتفاقية كامب ديفيد، وتم اعتقال 1536 من رموز المعارضة السياسية وكبار الكتاب والصحفيين ورجال الدين

وفى يوم 5 سبتمبر وقف الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى مجلس الشعب وألقى بيانًا إلى الأمة هاجم فيه المعارضين، وعدد أسباب اعتقالهم، بقوله: "هناك فئة من الشعب تحاول إحداث الفتنة الطائفية، وأن الحكومة حاولت نصح تلك الفئة أكثر من مرة". (22)

إسقاط العضوية

كانت معاهدة كامب ديفيد نقطة فارقة في سياسة السادات التي لم ترض برفض أي مسئول لسياسته الخارجية – خاصة معاهدة السلام مع إسرائيل - ولذا كان كلمة اسقاط العضوية كسيف مسلط على رقاب المعارضة، حيث ان البرلمان كان الوحيد المخول له النظر في شئون أعضاءه وهو السلاح الذي استفاد منه السادات ورضخ له الأعضاء.

فقد تعددت حالات إسقاط العضوية عن نواب بالمجلس لأسباب مختلفة؛ ففي 16 مايو عام 1971، تم إسقاط العضوية عن رئيس مجلس الأمة، حينئذ، الدكتور محمد لبيب شقير، ووكيلي المجلس "أحمد فهيم وكمال الحناوي" و15 نائباً بالمجلس عقب اتهامهم بتهديد كيان الوحدة الوطنية، ومحاولة قلب نظام الحكم، ومعارضة الرئيس الشرعي للبلاد.

وأُسقطت عضوية النائب كمال الدين حسين، عضو مجلس قيادة الثورة عام 1977؛ بسبب برقية قال فيها للسادات: "ملعون من الله ومن الشعب من يتجاوز إرادة أمة"، ما تسبب في غضب السادات الذي أرسلها للبرلمان فأسقط عضويته. كما أسقط هتاف "يسقط السادات" داخل المجلس نفسه عام 1978 عضوية الشيخ عاشور نصر، عقب مشادته مع رئيس المجلس آنذاك سيد مرعي. (23)

برلمان مبارك والتوريث

لم يختلف برلمان مبارك عن البرلمانات السابقة فقد حرص كل نائب على إرضاء أهل السلطة على حساب الوطن والمواطنين، في ظاهرة تستحق الدراسة حول أداء النواب والاجتهاد في خدمة الحاكم دون المهمة التي من أجلها تم انتخابهم.

تولي مبارك الحكم من 14 أكتوبر 1981م بعد إجراء استفتاء شعبي عليه بعدما رشحه مجلس الشعب كرئيس للجمهورية، حيث يعتبر أكثر الرؤساء مكوثا فوق العرش حيث ظل حتى أطاحت به ثورة يناير في 11 فبراير 2011م.

شهدت فترة حكمه الطويلة كثيرا من تطويع البرلمان لقراراته والانصياع لها بل والدفاع عنها، واستطاع النظام أن يغطى نفسه في بعض الأحيان بنص القوانين من مجلس الشعب .. وأن صيغتها كانت تتم وفقا للمصالح والأهواء التي تخدم رجال اعمال النظام الفاسد. حيث شهدت برلمانات مبارك بغرفتيها (الشعب والشورى) مالم تشهده جمهوريات الموز من تقنين للفساد وتفصيل للقوانين وتعديل لها تبعاً فقط للمصالح الخاصة وللامزجة المتقلبة.

تعديل الدستور

في 20/3/2007م طلب حسني مبارك اليوم الثلاثاء من مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان) تعديل 34 مادة في الدستور، ليس من بينها ما يحدد فترات رئاسة الجمهورية. وقد أقر مجلس الشعب المصري بصورة نهائية على تعديل 34 مادة من مواد الدستور البالغة 311 مادة بأغلبية 315 عضوا من بين 454 عضوا بناء على ما اقترحه حسني مبارك. (24)

قانون جرائم النشر

رغم أن مبارك حاول أن يتجمل أمام العالم ويتغنى بالحرية إلا أنه لم يتحمل الصوت الحر في بعض الصحف، مما دفعه إلى إصدار قانون جرائم النشر، وفرض القيود على الصحف الحزبية والمستقلة، حيث صدر القانون رقم 93 لعام 1995 ، "والذي حوى ست مواد، تضمن معظمها تعديلات لبعض مواد قانوني العقوبات، والإجراءات الجنائية، والقانون 76 لعام 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، بالإضافة لقانون الصحافة رقم 96 لعام 1996 الذي يمثل التفافًا حول القانون 93"، وكان يحتوي القانون الجديد على تشديد في تطبيق عقوبة الحبس للصحفيين في قضايا النشر.

ونتيجة لذلك احتجبت الصحف باستثناء الصحف القومية في عهده ثلاث مرات، مرة في عام 1995 بسبب تغليظ عقوبة الحبس في جرائم النشر، و 2006 بسبب استمرار العمل بقانون الحبس في قضايا النشر على الرغم من وجود تعديلات على قانون العقوبات، و 2007 رفضًا لتعدي الحكومة على حرية الصحافة. (25)

فقد تمت دعوة أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية لمجلس الشعب بشكل عاجل يوم 27 مايو سنة 1995 ودون إخطارهم بطبيعة المشروع الذي سيعرض عليهم ومن وتم عرضه عليهم ومن ثم على المجلس وإقراره خلال ساعات. تم تمرير المشروع خلال ساعات قليلة ووقعه رئيس الجمهورية في الليلة نفسها 27 مايو 1995 ونشر في الجريدة الرسمية تحت رقم 93 لسنة 1995. (26)

قانون الرقابة

على الرغم أن بمصر بعض المؤسسات الرقابية إلا أن أثرها ضعيف لأن معظمها يعمل من أجل الحاكم أيضا، إلا أن ذلك لم يرض مبارك، فوضع رئيس وزراءه – آنذاك – عاطف عبيد قانون يحصر الرقابة في الجهاز المركزي للمحاسبات فقط وهى المادة رقم 55 من القانون رقم 203 لسنة 1991م، والتي نصت علي أنه لا يجوز لأي جهة رقابية بالدولة عدا الجهاز المركزي للمحاسبات أن يباشر أي عمل من أعمال الرقابة داخل المقر الرئيسي أو المقار الفرعية لأي شركة من الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد الحصول علي إذن من الوزير المختص أو رئيس مجلس إدارة الشركة.

حيث استبعد هذه المادة بضربة واحدة هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة وجهاز المخابرات العامة من العمل والبحث والتحري داخل هذه الشركات قبل الرجوع إلي الوزير الذي ثبت في الكثير من الحالات أنه مشارك في جرائم الفساد وغنائمه، وكذا رؤساء مجالس إدارات الشركات القابضة. (27)

وكشفت الدكتور عبدالخالق فاروق في دراسة بعنوان "دور التشريع في بناء دولة الفساد في مصر" أن نواب مجلس الشعب كان يتم إفسادهم بقرار جمهوري وبالمخالفة لنص المادة 95 من الدستور، فالمادة 95 من الدستور تنص علي أنه لا يجوز لعضو مجلس الشعب أثناء مدة عضويته أن يشتري أو يستأجر شيئاً من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو أن يقايضها عليه أو أن يبرم مع الدولة عقداً بوصفه ملتزماً أو مورداً أو مقاولاً، ولكن قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 وتعديلاته

والقرار الجمهوري بقانون رقم 19 لسنة 1976 وتعديلاته التف علي نص الدستور، وفتح الباب واسعاً أمام أعضاء مجلس الشعب لكي يتاجروا مع الدولة بل ويعملوا في وظائف حكومية وهو ما استغله عاطف عبيد - كما تقول الدراسة - من أجل إفساد العشرات من أعضاء مجلس الشعب بتعيينهم أعضاء مجالس إدارة منتدبين في شركات قطاع الأعمال العام. (28)

ونتيجة لذلك انتقل عشرات من أعضاء مجلس الشعب من نجارين وعمال وفلاحين وموظفين ومهنيين إلي ديناصورات وذئاب في عالم المال والأعمال، كما قضت السياسات الحكومية بإغداق المزايا والامتيازات علي الكثيرين منهم، وليس أقلها الائتمان المصرفي وقروض البنوك إلي "كسر عينهم" بالمعني الحرفي لا المجازي للكلمة. (29)

قوانين زيادة الأسعار

تارة سمى مجلس الأمة وتارة مجلس الشعب في دلالة حول اختيار الاسم أنه ملك للشعب ويحافظ على مصالح الشعب إلا أن الواقع كان مغايرا في ظل دولة العسكر حيث كان البرلمان يخدم فئات معينة تتحكم في مقدرات الدولة سواء عسكريين أو رجال أعمال. وحينما كانت الدولة تعجز عن سد احتياجات الناس كانت تلجأ للبرلمان لسن قوانين ضريبية أو رفع الأسعار على المواطنين لجني المال.

وهكذا كان برلمان مبارك – بل برلمانات العسكر كلها – فقد وافق مجلس الشعب المصري على زيادات حادة في أسعار الوقود والسجائر ورسوم تراخيص السيارات اقترحها الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مايو 2008م. وقال فتحي سرور - رئيس المجلس - بعد اقتراع أجري نداء بالاسم عقب مناقشات حامية أن 297 نائبا وافقوا بينما اعترض 76 في مذكرة مكتوبة قدموها اليه. (30)

قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار

قدم النظام الحاكم هذا القانون لمجلس الشعب في 2008م وبعد مناقشات وافق المجلس بصورة نهائية على مشروع قانون حماية المنافسة ومنع الأحتكار بما فيه مواد الخلاف بين النواب وهما المدتان (22 - 26) اللتان أشارتا إلى أن تكون غرامة الاحتكار لا تقل عن 100 ألف جنيه وبحد أقصى 300 مليون جنيه وتضاعفت الغرامة بحديها فى حالة العودة.. ويتم إعفاء المبلّغ عن الممارسات الاحتكارية من العقوبة تشجيعا له وأنه يجوز للمحكمة أن تعفى المتهم من العقوبة متى قدرت أنه أسهم فى الكشف عن عناصر الجريمة.

نجد انه بعد يومين فقط من موافقة مجلس الشعب على مشروع القانون وبالتحديد فى يوم الأربعاء 18 يونيو 2008 يفجر أحمد عز أمين التنظيم الأسبق مفاجأة كبرى أو سابقة برلمانية جديدة.. بأنه يطالب بتعديل المادة 26 ويتقدم بمادة جديدة بمشروع قانون جديد يصر فيه على ضرورة عدم إعفاء المبلّغ عن الممارسات الاحتكارية.. وأن المحكمة يجوز أن توقع عليه غرامة تصل إلى 50% لكل من بادر من المخالفين بإبلاغ الجهاز بالجريمة وبتقديم ما لديه من أدلة ارتكابها ومن تقرر أنه أسهم فى الكشف عن عناصرها.

واجتمعت اللجنة الاقتصادية فى عصر الأربعاء لمناقشة المادة الجديدة التي تقدم بها أمين التنظيم الأسبق ويرأسها عبد الرحمن بركة وكيل اللجنة وحدثت مناقشات ساخنة بين عز ومساعد الوزير المستشار هشام فتحي رجب ممثلا عن الحكومة الذى رفض اقتراح عز وتمسك بضرورة الإعفاء الكامل للمبلغ تشجيعا له، وأن أغلب التشريعات المقارنة تأخذ بالإعفاء الكامل.. وأن اقتراح عز ينص على أن يكون الإعفاء جوازيا وجزئيا، واستنكر مساعد الوزير أن يبلغ المنافس عن زملائه دون ضمان.

وتوافق اللجنة الاقتصادية على اقتراح عز بعد أن استخدم سلاح الأغلبية فى وجه الحكومة نفسها فى اللجنة! ويعرض مشروع قانون "عز" فى الجلسة العامة المسائية فى نفس اليوم - وقبل رفع جلسات الدورة البرلمانية الثالثة من الفصل التشريعي التاسع بيوم واحد - توافق الأغلبية على هذه المادة التي تفرغ القانون من مضمونه، وتقلل من فرص كشف المخالفات، وجعلت العقوبة جوازية وليست وجوبية للمحكمة. (31)

قوانين ليس لها نهاية

شهد عصر مبارك العديد من القوانين التي كان البرلمان فارسها الأول في لإقرارها إرضاء لمبارك وحاشيته، مثل قانون 100 للنقابات المهنية، وقانون الضريبة على المصريين العاملين بالخارج الذي ألغته المحكمة الدستورية، وقانون الجمعيات الأهلية، وقانون تمديد الطوارئ، وقوانين الخصخصة، وقانون تصدير الغاز لإسرائيل. بل شهد البرلمان العديد من الحوادث المفجعة لكنه وقف في صف النظام والتي لم يحاسب فيها مرتكبها وحفظت تقارير تقصي الحقائق فيها مثل: غرق عبارة السلام، تفحم قطار الصعيد، قضية أكياس الدم هايدلينا.

ويلخص الوضع بقوله ونجح فتحي سرور طوال فترة رئاسته للبرلمان ومع ازدياد خبرته في حجب عدد كبير من الاستجوابات ضد حكومات مبارك المتعاقبة، كما ضيق سرور على معارضيه بالمجلس، ووقف ضد مشروع "التصويت الإلكتروني للنواب" ، والذي يتيح لكل نائب إعلان رأيه بدقة وليس بـ"الطريقة التقريبية" التي كان يدير بها سرور المجلس، حتى أصبح البرلمان في عصر مبارك سيد قراره والتي كانت كلها ف خدمة مبارك. (32)

لقد ضم برلمان مبارك بعض الشرفاء لكنه ضم غيرهم الكثير أمثال الذين كانوا يدفعون ملايين الجنيهات من أجل الفوز بكرسي البرلمان ليتمتعوا بالحصانة و يحققوا من خلال هذا الكرسي مصالحهم الشخصية بحكم قربهم من صناع القرار، أو لمجرد الوجاهة الاجتماعية، أو تحقيق النعرة القبلية ، كما ضم نوابا ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا نوابا "إمعة " يقولون للحزب نعم إذا قال "نعم" ويقولون "لا " إذا جاءتهم التعليمات بأن يقولوا "لا "

كما ضم نواب المخدرات ، ونواب سميحة الذين تورطوا في فضيحة جنسية ، ونواب القروض والنقوط والتأشيرات والمحمول ، ونواب "عبدة مشتاق " وهم الذين يشتاقون إلى كرسي الوزارة، ونواباً من الذين يمكن أن نطلق عليهم نواب كل العصور ويلعبون على كل الحبال ..

ويظن الناس في خارج القاعة انهم معارضون شرفاء وعصاميون .. والحقيقة إنهم كانوا أبعد ما يكونوا عن الشرف والأمانة، حتى أصبح البرلمان سببا من الأسباب القوية لاندلاع ثورة 25 يناير بسبب القوانين والقرارات التي كان يفرضها الحزب الحاكم على مجلس الشعب مستغلا الأغلبية في تمريرها. (33)

برلمان السيسي

لم يستمر الحكم المدني لمصر كثيرا، بل لم يعط الفرطة للبرلمان الذي خرج من أجل انتخابه ما يزيد عن الثلاثين مليون مصري وقفوا في الشوارع في طوابير طويلة لانتخاب برلمان الثورة الحقيقية، إلا أنه لم يعمر أكثر من شهور معدودة قبل أن يوعز العسكر للمحكمة الدستورية بحله في يونيو 2012م، قبل أن يأتي الانقلاب ويطيح بأول رئيس مدني للبلاد في 3 يوليو 2013م، وتظل البلاد تحت حكم المشرع الواحد سواء عدلي منصور أو السيسي قبل أن يعقد البرلمان أول جلساته في 10 يناير 2016م.

الغريب أن أسرار تشكيل هذا البرلمان خرجت للعلن حيث أدرك الجميع أن المخابرات العامة هي من أشرفت على اختيار الأعضاء وتشكيل ائتلاف في حب مصر

حيث يذكر حازم عبدالعظيم ذلك بقوله:

دعيت للاجتماع التأسيسي لتلك القائمة والذي كان في مبنى المخابرات العامة يوم 3 فبراير 2015، وبحضور وكيل جهاز المخابرات العامة وثلاثة ضباط شباب من الجهاز تتراوح أعمارهم ما بين الـ 40:30 عامًا ومستشارٍ قانونيّ من المُقرّبين للرئيس، وهو المحامي محمد بهاء الدين أبو شقة، وأحد مساعدي الرئيس و15 شخصيةً عامةً من المؤسسين لتلك القائمة، حيث كان اللواء سامح سيف الليزل كان يتلقّى أسماء المرشحين على تلك القائمة بالتليفون من أحد الضباط الشبّان الذين حضروا الاجتماع التأسيسي للقائمة.

ويضيف:

أن حزب (مستقبل وطن)، فأنه كيان من صنيعة المخابرات الحربية، وذلك نقلًا عن لسان أحد مساعدي الرئيس في رئاسة الجمهورية الذي قال له: "حزب مستقبل وطن (والذي) كان في الأصل (جبهة مستقبل وطن)، أسسته المخابرات الحربية ككيان شبابي لدعم الرئيس وده تبعنا" (34)

الأعجب من ذلك أن مصطفى بكري صرح حينما طلب منه سحب ترشحه على وكيل المجلس لصالح أحد المرشحين بقوله: أنا كنت متصور إنها انتخابات ديمقراطية الحقيقة، وهناك توجيهات وأنا سوف انسحب من الائتلاف. (35)

قوانين بالجملة

حدد دستور 2014م في المادة 156 أن المجلس يستعرض القوانين التي صدرت في غيابه ويناقشها ويوافق على هذه التشريعات خلال 15 يوما من انعقاده، فإذا لم تعرض وتناقش، أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار.

ولذا شحذ نظام السيسي كل الأعضاء من أجل مناقشة هذه القوانين والتي زادت عن 400 قانون صدر في عهد منصور والسيسي، حيث أصدر السيسي خلال عام ما يقرب من 263 قانون، وكانت بوادر أزمة تلوح في الأفق أمام هذا المجلس حتى وصل أن ائتلاف دعم مصر طالب بتأجيل انتخاب الوكيلين توفيرا للوقت.

العجيب أن هذه القوانين لم تناقش خلال الـ15 يوما لكنها نوقشت كلها وأقرت خلال سبعة أيام فقط، حيث جاء جدول الأسبوع الأول لهذا المجلس

كالتالي قبل أن يعدل موعد أول جلسة لتصبح 10 يناير:

اليوم الأول سيخصص للجلسة الإجرائية، والتي يتم خلالها حلف النواب اليمين وانتخاب رئيس المجلس والوكيلين. أما اليوم الثاني 29 ديسمبر، فسيكون مخصصًا لانتخاب رؤساء اللجان النوعية وهيئات المكتب. واليوم الثالث والرابع 30-31 كاملين سيكونا لمناقشة اللائحة وإقرارها.
أما اليوم الخامس فسيكون تلبية لدعوة الرئيس بإلقاء خطاب عليهم، والذى لا يتم خلاله أي إجراءات سوى كلمة الرئيس. يقابل ذلك 3 أيام آخرين، الأول إجازة عيد الأقباط 7 يناير، واليومان المتبقيان هما الإجازات الرسمية (الجمعة) 1 و8 يناير. (36)

وكان من أبرز هذه القوانين:

  • تعديل قانون الجامعات لتغيير نظام اختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، بحيث يعينون بقرار رئيس الجمهورية.
  • تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
  • تعديل قانون التقاعد والتأمين للقوات المسلحة بزيادة جديدة للمعاشات العسكرية.
  • تعديل المادة 78 من قانون العقوبات بتغليظ عقوبة تلقى الأموال والمساعدات من الخارج للإضرار بالأمن القومي.
  • تعديل قانون الأزهر بمعاقبة الأساتذة بالعزل جزاء الاشتراك فى مظاهرات.
  • إسناد حماية المنشآت والمرافق العامة إلى القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة.
  • تعديل قانون الأزهر بمعاقبة الأساتذة بالعزل جزاء الاشتراك فى مظاهرات أو إدخال أسلحة وذخائر أو ارتكاب أفعال لا تتلاءم مع صفة العالم المسلم.
  • تعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات لتحديد حالات فصل عضو هيئة التدريس وحظر العمل الحزبى داخل الجامعة والتحريض على العنف.
  • البرلمان يوافق على تعديل قانون الخدمة المدنية فى المجموع.
  • تعديل قانون الإجراءات الجنائية باستبدال قضاة التحقيق المنتدبين من محكمة الاستئناف إذا لم يحركوا الاتهامات خلال 6 أشهر من توليهم التحقيق فى قضية معينة، بطلب من وزير العدل أو النائب العام .. وغيرها.

ولقد شهد العام الأول من عهد السيسي إصدار ثاني أكبر عدد من القوانين على مستوى من تولوا السلطة التشريعية بعد ثورة 25 يناير، حيث لم يتفوق على السيسي عدديا إلا المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أصدر بتوقيع رئيسه في ذلك الوقت محمد حسين طنطاوي 318 قانونا، أكثر من نصفها كان عبارة عن ربط موازنات لهيئات اقتصادية حكومية.

كما احتلت الشئون الاقتصادية والعسكرية والأمنية وتنظيم شئون القضاء والإجراءات الجنائية، صدارة اهتمامات السيسي كمشرع فى عامه الأول. وشملت التشريعات الخاصة بالمجالات العسكرية 3 قوانين بزيادة المعاشات العسكرية، الأول بنسبة 10% والثاني لتصبح الزيادة السنوية ثابتة بنسبة 10%، والثالث تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية العليا بشأن معاشات عام 2007 بزيادتها بنسبة 5%.

وفى المجالات الأمنية تم إخضاع مجندي الشرطة للقضاء العسكري للمرة الأولى، وكذلك إحالة المتهمين بأعمال تخريب المنشآت الحكومية إلى القضاء العسكري بموجب قانون حماية المنشآت. (37) لكن الناظر يجد أن مجمل ما تم من قوانين نوقشت في البرلمان وأقرت حتى 2019، بلغت بعدد القوانين والتشريعات 506 قوانين، و2645 طلب إحاطة، و1170 بيانا عاجلا موجها للحكومة والمسؤولين، فضلا عن توقيع 170 اتفاقية متنوعة، وفق الإحصاءات التي أعلنها المتحدث باسم البرلمان.

وعلق البرلماني المصري السابق ياسر عبدالعاطي، بالقول إن

"هذا المجلس وما أعلنه من أرقام ما هي إلا أرقام إنشائية مأساوية، ليست لها أي قيمة للمجتمع المصري، بدليل أن هذا الحجم الكبير من القوانين البالغة 506 قوانين تفتقر لمعايير التشريعات الحقيقية، وتوافق هو الحاكم فقط".

وأضاف أن

"المجلس لم يقدم استجوابا واحدا رغم تعدد الكوارث والحكومات، ما يعني أنه يقر بكل الكوارث التي أتت بها تلك الحكومات". (38)

تعديل الدستور ليبقى السيسي في الحكم

"هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، خصوصًا أن الدستور يؤكد أنه لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية" كان هذا رد علي عبد العال – رئيس مجلس النواب – خلال ترؤسه مناقشة رسالة دكتوراه بكلية الحقوق جامعة المنصورة عام 2017م.

وأكد الدكتور فؤاد عبدالنبي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية، إنه لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، مشيرًا إلى أن نواب البرلمان أو رئيس مجلس النواب أو رئيس الجمهورية لا يملكون تعديل الدستور وفقًا للفقرة الخامسة من المادة 226 من الدستور.

وتنص المادة 226 من الدستور على أنه

"لرئيس الجمهورية، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور ،‬ويجب أن يُذكر فى الطلب المواد المطلوب تعديلها ،‬وأسباب التعديل.‬‬ وفى جميع الأحوال، يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كلياً، أو جزئياً بأغلبية أعضائه. وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالى.
وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يوماً من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء. وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات".‬‬‬‬

وأضاف عبد النبي، فى تصريح لـ"التحرير" أن المادة وضعت حظرا مطلقا على رئيس الجمهورية ومجلس النواب والشعب بعدم إجراء أى تعديل للنصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية فى الدستور، مشيرًا إلى أن تلك المادة وضعت حظرا وقائيا على رئيس الجمهورية لتجنب المخاطر نتيجة مخالفة ذلك، لتعارضه مع نص المادة 144، والمادة 139.

وتابع:

"أى مخالفة من رئيس الدولة سيعتبر انتهاكا لدولة سيادة القانون ودولة المؤسسات والضمانات الدستورية للمواطنين، وفى حالة موافقة مجلس النواب على تلك التعديلات سيكون بمثابة انقلاب على الدستور والشعب".

وأشار أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية، إلى أن الهيئة الوطنية للانتخابات لا تملك للدعوة للاستفتاء على مطلب تعديل نصوص الدستور المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية وفقًا لنص المادة 157 من الدستور التي تنص على أنه "لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء في المسائل التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وذلك فيما لا يخالف أحكام الدستور، وإذا اشتملت الدعوة للاستفتاء على أكثر من مسألة، وجب التصويت على كل واحدة منها". (39)

والأعجب أن السيسي تحدث في مقابلة متلفزة مع شبكة CNBC الأمريكية في نوفمبر 2017، عن أنه لا ينوي تعديل الدستور، وسيرفض مدة رئاسية ثالثة. حيث قال: "لدينا دستور جديد الآن، وأنا لست مع إجراء أى تعديل فى الدستور خلال هذه الفترة.. وسوف أحترم نص الدستور الذى يسمح للرؤساء بشغل مناصبهم لفترتين متتاليتين فقط مدة الواحدة 4 سنوات". (40)

وفي تناقض لأفعال البرلمان تم طرح تعديل الدستور فجأ بداية عام 2019م، ووافقت الجمعية العامة عليها تحويل التعديل في يوم واحد، وقدم رئيس البرلمان موعد مناقشة التعديلات لجلسة الأربعاء الموافق 13 فبراير بدلا من الأحد 17 فبراير 2019م رغم قوانين الدستور التي تمنع مناقشة وتعديل مدة الرئيس. (41)

حتى أن علي عبد العال صرح بقوله:

"دع ما يقولون فلقد قال الشعب ونواب البرلمان كلمتهم والكل داخل وخارج المجلس يؤيدون الرئيس السيسي ويدعمونه ويتمسكون به"، وأضاف خلال الجلسة العامة الأحد: "السيسي رئيسنا إن شاء الله دائما وأبدًا". (42)

قانون التظاهر

أصدر عدلي منصور – الرئيس المؤقت - قانون التظاهر (قانون رقم 107 لسنة 2013) والذي يُلزم القانون منظمي المظاهرات بإبلاغ السلطات قبل ثلاثة أيام عمل على الأقل من موعدها، ولوزير الداخلية أن يقرر منع المظاهرة.

وفي 10 أبريل 2017م وافق البرلمان بشكل نهائي على تعديلات قانون التظاهر بأغلبية الثلثين. حيث قال علي عبد العال: "توافرت الأغلبية اللازمة للموافقة على مشروع القانون، وبما لا يقل عن ثلثي أعضاء المجلس" (43)

قانون إعفاء رؤساء الأجهزة الرقابية

تتعدد الجهات الرقابية في مصر وتتنوع ادوارها، وتعد وسائل رقابية على أداء مؤسسات المجتمع جميعها ومن بينها أداء البرلمان ونواب الشعب.

وهي الأجهزة التي أزعجت السيسي – خاصة المركزي للمحاسبات – مما دفعه لإصدار هذا القانون والذي وافق عليه البرلمان بأغلبية تجاوزت 328 عضو حيث أعلن على عبد العال - رئيس مجلس النواب - الموافقة النهائية للبرلمان على قرار رئيس جمهورية مصر العربية، بالقانون رقم 89 لسنة 2015 بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وذلك عقب تصويت 328 عضواً بالموافقة على القرار إلكترونياً، ويعد هذا القرار بقانون أقل القوانين في عدد الأصوات المؤيدة له، فيما رفضه 134 نائبا. (44)

كما جاء تصريح علي عبدالعال للنواب بقوله:

لا داعى لانصراف النواب، لأن هناك قوانين ذات طبيعة خاصة وتحتاج لموافقة أغلبية خاصة "الثلثين" . مما يوضح حقيقة هذا البرلمان وأنه فقط يجمل صورة حكم السيسي.

قانون الجمعيات الأهلية

وافق مجلس النواب، فى جلسته العامة برئاسة الدكتور على عبد العال يوم الثلاثاء 29 نوفمبر 2016م، نهائيا على مشروع قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة فى مجال العمل الأهلي، وسط تصفيق أعضاء مجلس النواب.

وقال رئيس مجلس النواب، إن هذه الجلسة تاريخية، لافتاً إلى أن موافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين على مشروع قانون العمل الأهلي رسالة للعالم أجمع بأن البرلمان متحد. (45) وكان من الغريب تعليق أحمد خليل - رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور - على الموافقة على القانون بقوله: أنه رغم وجود خلافات حول بعض البنود في القانون إلا أنه من الأفضل أن نختلف في وطن امنين مستقرين أفضل من أن نتفق في خيام اللاجئين. (46)

فيما علق موقع دوتشيه فيليه الألماني على القانون بقوله:

أقر مجلس النواب المصري مشروع قانون مثير للجدل ينظّم عمل المنظمات غير الحكومية في البلاد ويعيد إحياء المخاوف من قمع السلطات للمجتمع المدني. وقال المجلس إن أعضاءه وافقوا على مشروع القانون المقدّم من أكثر من 200 نائب.

وقال محمد زارع من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

"هذا القانون يمثل خطوة غير مسبوقة في القمع ويعتبر بمثابة إعلان الحرب على منظمات حقوق الإنسان".

وقال النائب هيثم الحريري

"القانون سيكون مقيدا لعمل الجمعيات وسيسمح للجهة الإدارية بأن تضع يدها على العمل الأهلي بالتدخل المباشر في عملها" واعتبر أن القانون "يسيء لسمعة مصر". (47)

وعلى الرغم أن الدستور ضمن الفصل بين السلطات إلا أنه من الواضح أن هذا الفصل لم يحدث في دولة العسكر، واستطاعت السلطة التنفيذية بقوة سطوتها أن تفرض قبضها على السلطتين التشريعية والقضائية، بل ويصبحا طوعا لسياسة النظام الحاكم وخدمة سياسته.

المراجع

  1. المجالس النيابية . موقع ذاكرة مصر
  2. محمد نجيب: كنت رئيسا لمصر، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1984م، صـ160.
  3. عماد أبو غازي: دستـور 1956 وتأسيــس دولــة الاستبــداد، الشروق، الجمعة 1 فبراير 2013م
  4. الصفحة الرسمية لمجلس النواب المصري
  5. مذكرات عبد اللطيف البغدادي: الجزء الأول، المكتب المصري الحديث، 1977، صـ267.
  6. مذكرات عبد اللطيف البغدادي: الجزء الثاني، صـ31.
  7. المرجع السابق: صـ105.
  8. أحمد حمروش: مصر والعسكريون، جـ1، طـ3، مكتبة مدبولي، 1983م، صـ63.
  9. فتحي رضوان: نصف قرن بين السياسة والادب، دار الهلال، القاهرة، ١٩٩٨، صـ ١٨٤ -١٨٨.
  10. د/ محمد عمارة: الامام الشيخ محمود شلتوت، رسالة التقريب - العدد ٣٠،
  11. موقع قصة ثورة
  12. سامي جوهر: الصامتون يتكلمون، المكتب المصري الحديث ، 1976م، صـ218.
  13. المرجع السابق: صـ219.
  14. مذكرات البغدادي: جـ2 ،مرجع سابق: صـ301
  15. مذكرات البغدادي: جـ2 ،مرجع سابق: صـ302
  16. عادل صادق عقل: رسالة "مجلس النواب" لـ" عبد الناصر " بعد التنحي
  17. ثناء الكراس: عبد الناصر يصدر قرار تأميم الصحافة
  18. الدكتور عماد عبداللطيف يحلل خطابات السادات من البرلمان للكنيست
  19. محمود القاضي: البيوت الزجاجية: وجها لوجه مع عثمان احمد عثمان، دار الموقف العربي للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع, 1981م.
  20. محمد غنيم: أسرار تروى لأول مرة بعد 39 عامًا على "انتفاضة الحرامية"
  21. قرار جمهوري بعزل شنودة
  22. سبتمبر ١٩٨١.. شهر القرارات التي كتبت نهاية السادات
  23. كريم حسن: البرلمان المصري.. دور تاريخي غابر
  24. مجلس الشعب المصري يعدل 34 مادة من الدستور: وكالة الأنباء الكويتية(كونا)
  25. سلوى يحيى: أبرز قوانين تقييد حرية الصحافة من عهد محمد علي إلى السيسي
  26. نقابة الصحفيين المصريين 75 عاما من المعارك
  27. مجدي سلامة: القائمة الكاملة لجرائم مبارك ورجاله
  28. علاء العبادي: دور التشريع في بناء دولة الفساد
  29. نقابة الصحفيين المصريين 75 عاما من المعارك
  30. محمد عبد اللاه: مجلس الشعب المصري يوافق على زيادة في أسعار الوقود رويترز
  31. محمد المصري: كواليس الفساد في برلمان مبارك، طـ1، دار أخبار اليوم، 2014م
  32. نجوى إبراهيم: فتحي سرور.. ربع قرن من الممارسات البرلمانية "سيئة السمعة"
  33. محمد المصري: كواليس الفساد في برلمان مبارك، مرجع سابق.
  34. يوسف منيع: دليلك لفهم برلمان السيسي
  35. حديث لمصطفى بكري للصحفيين في بهو مجلس النواب
  36. نرمين عبد الظاهر: البرلمان يناقش 400 قانون في 3 أيام
  37. محمد بصل: الرئيس يمارس سلطة التشريع.. السيسي يصدر 263 قانونا في 420 يوما
  38. محمد أحمد: إنجازات برلمان السيسي في ثلاث سنوات ..أرقام لا أفعال
  39. أمين طه: بنص الدستور .. لا يجوز تعديل مدة رئاسة الجمهورية
  40. إيمان علي: السيسي يقطع الطريق على مزاعم قنوات الإخوان حول تعديل مدد الرئاسة بعد تصريحاته باحترام الدستور وعدم الترشح لفترة رئاسية ثالثة.. ونواب البرلمان: الرئيس حسم دائرة الجدل وأخرس ألسنة المتربصين بالوطن اليوم السابع
  41. "برلمان السيسي" يقدم موعد مناقشة التعديلات الدستورية
  42. محمود جاويش: رئيس البرلمان: السيسي رئيسنا دائماً وأبداً
  43. محمد عبد القادر: البرلمان يوافق نهائيًا على تعديلات قانون التظاهر بأغلبية الثلثين
  44. نور على: قانون إعفاء رؤساء وأعضاء الأجهزة الرقابية من مناصبهم يثير الجدل تحت قبة البرلمان..328 نائبا يوافقون و134 يعترضون
  45. نورا فخرى: البرلمان يوافق نهائيا على مشروع قانون الجمعيات الأهلية بأغلبية الثلثين
  46. محمد غريب: مجلس النواب يوافق على قانون الجمعيات الأهلية
  47. برلمان مصر يوافق على مشروع قانون "مقيد" للمنظمات الأهلية. DW