البراق يحط على حائط المبكى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البراق يحط على حائط المبكى



بقلم:أ. ديما طارق طهبوب

حائط البراق

لعل هذا العنوان المبهم الذي يخلط شعبان برمضان يناسب الحديث عن ظاهرة الرئيس باراك أوباما الذي ما زال العرب و المسلمون ينظرون إليه بعين الأمل، فهو كرئيس من أصل أفريقي وصل سدة الحكم في بلد كان يستعبد السود، و دخل حروبا طاحنه بين شماله و جنوبه ما بين دعاة التحرير و الاسترقاق، يمثل لنا كعرب مقهورين من حياتنا ورؤوسائنا نموذجا في حقوق الانسان و إمكانية التغيير، و بأصله الاسلامي رأى فيه الكثيرون الجسر الذي سيعبر عليه المسلمون نحو الأمان و التقدم و الازدهار و الانصاف،و بالنظر الى حملة أوباما الانتخابية و ما تخللها من زيارات و تصريحات، و مواقفه خلال الفتره الانتقالية بعد فوزه بالرئاسه و التي تزامنت مع الحرب على غزة، و رئاسته التي مضى عليها أكثر من مائة يوم يرى أنه كان دون طموحات المتأملين العرب و المسلمين


إن زيارة أوباما لمصر و خطابه للمسلمين ليس أكثر من حملة علاقات عامة هدفها محاولة تحسين صورة أمريكا في العالم العربي و الإسلامي، و إعادة تنصيب مصر لتلعب دورها في قيادة محور الاعتدال و التسوية، و هي التي فقدت جزءا كبيرا من ثقة الشارع العربي بعد مواقفها من الحرب على غزة و مساهمتها في ترسيخ الانقسام العربي، و دورها في استمرار الحصار، ناهيك عن أهميتها التاريخية و الدينية بوجود الأزهر، و هي مجموعة عصافير أراد أوباما اصطيادها كلها بضربة واحدة

لقد أحسن أوباما،عن غير قصد، تلخيص الصراع بين العرب و المسلمين و الغرب المتمثل في موقف أمريكا بالدعم اللامتناهي لإسرائيل، و حروب أمريكا في العراق و أفغانستان، و موقف أمريكا من السلاح النووي الايراني، و موقف أمريكا من الخطاب الإسلامي و قضايا المرأة

لقد كانت كلمة أوباما حافلة بالاستشهاد بالنصوص الدينية و شهادته الايجابية بحق الإسلام و المسلمين، و لكن هذا الخطاب كما قال هو حقا لن يؤدي الى إيجاد حالة من الثقة بين العرب و الغرب و إزالة الشكوك و الاتهامات و الكراهية التي لا يستأثر بها المسلمون بل يشاركهم فيها الوطنييون و القومييون و اليسارييون الذين يرون في سياسة أمريكا في المنطقة من الويلات التي لن تلغي ذاكرتها كلمة أو مبادرة أو زيارة. إن اعتراف أوباما بحضارة الإسلام لا يعني بالضرورة تقديره و مناصرته لها، فلقد اعترف سياسييون و كثير من أصحاب الرأي في الغرب بدور الإسلام و لكنهم ناصبوه العداء و الحرب فها هو هانوتو (وزير خارجية فرنسا سابقاً) يقول: لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه؛ فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق أي دين آخر، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي؛ فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد دون الحاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية"

لقد بدأ أوباما خطابه بتذكير المسلمين بمأساة الحادي عشر من سبتمبر، و انهم مسؤولون عنها بشكل أو بآخر(كما يذكّر اليهود الألمان و يؤنبونهم منذ سنين بسبب المحرقه) و مسؤولون كذلك عن التكفير عن خطاياها الى أن تتحسن صورة الإسلام في الغرب، و تُسقط عنه صفة الارهاب و العنف. كم يحتاج هذا التكفير من التقاربات و التنازلات هذا يبقى للمشاريع المشتركة التي اقترحها أوباما بتكوين التحالفات السياسية و الثقافية و الاجتماعية


إن بناء جسور الثقة بيننا كانت تقتضي أن لا يزور أوباما المستوطنات و يصلي أمام حائط المبكى أثناء حملته الانتخابية فيما لم تنل الضفة المحتله شيئا من جولاته المكوكية و لا حتى تصريحا مؤكدا للحق الفلسطيني سواء بسواء بالإسرائيليين

إن جسور الثقة لا يمكن بناؤها بالحديث عن التعايش و حرية الأديان و الجيش الأمريكي يقوم بحملات تنصير المسلمين في أفغانستان

إن جسور الثقة لا يمكن بناؤها و المؤسسات الاسلامية التي تدعم الفلسطينيين تُغلق في أمريكا و يرمى مسؤولوها في غياهب السجون، بينما يُترك الحبل على الغرب للمنظمات الداعمة لإسرائيل و أولها إيباك بتقرير سياسة أمريكا و من يحكم و من لا يحكم

جسور الثقة لا يمكن بناؤها و أوباما يصف المقاومة الفلسطينية بالعنف و الارهاب و ضرب الأطفال بالصواريخ أثناء النوم و يغفل عن أكثر من خمسمائة طفل و طفلة غزية مزقتهم الصواريخ الإسرائيلية في الحرب الأخيره

جسور الثقة لا يمكن بناؤها بالتركيز على أحقية اليهود التاريخية في فلسطين و الالام و العذابات التي تحملوها و التنويه عرضا أن الفلسطينيين أيضا لديهم نفس الحق في دولة مستقلة جسور الثقة لا يمكن بناؤها بالمطالبة بنزع السلاح النووي الايراني بينما إسرائيل لا تستجيب و لا توقع المعاهدات

إن تحليل كلمة أوباما من ناحية التقنيات الخطابية يرينا تحيزا واضحا للإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، فمن ناحية التقديم و التأخير و دلالتهما اللغوية كان يذكر الإسرائيليين أولا في معرض الحق في الدولة و العيش بسلام، ثم الفلسطينيين، و لم يقدم الفلسطينيين الا في حديثه في التخلي عن العنف متناسيا أن مقاومة الاحتلال حق من حقوق الانسان

أما حقوق النساء فليست أمريكا خير من يتحدث عنها، فرفيقة الرئيس في زيارته و وزيرة خارجيته و المرشحة السابقه للرئاسة هيلاري كلينتون هي أكثر إمرأة أُهينت و انتهكت كرامتها و حقوقها على وجه الأرض، و كانت فضيحتها على رأي المصريين "بجلاجل" أما العالم كله..نعم ليست أوضاع المرأة العربية و المسلمه في أروع صورها،و ذلك لبعدنا عن ديننا، و لكن ليست أمريكا أيضا من سيعلمنا كيف تكون حرية المرأة!!!

إن أمام الكثير من حسن النوايا المعلنه إذا أخذنا بظاهر الخطاب إرثا من سوء الأفعال، فهل يُصلح أوباما ما أفسده السابقون؟؟و هل ننظر الى دموع عينيه أم نركز على ما اقترفت يديه؟؟


المصدر : نافذة مصر