الاغتيالات في عهد العسكر بمصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الاغتيالات في عهد العسكر بمصر


مقدمة

يعد الاغتيال السياسي وسيلة عنيفة للتخلص من الخصم الذي تتعارض أفكاره وتوجهاته مع مصالح جهة معينة – في الغالب يكون ضد النظام الحاكم خاصة في المنطقة العربية - وقد شهد العالم على مدى قرون الكثير من الاغتيالات السياسية التي غيرت المشهد السياسي في المنطقة التي شهدت الحادث.

ويصور خالد المطلق الأمر بقوله:

عادة ما تكون أسباب عمليات الاغتيال أسبابًا عقائدية أو سياسية أو انتقامية، وهي تستهدف أشخاصًا محددين، يعتبرهم منظمو عملية الاغتيال عائقًا في طريق انتشار أوسع لأفكارهم أو أهدافهم، والاغتيالات مصطلح يوصّف عمليات قتل منظمة ومتعمدة، تستهدف شخصيات مهمة ذات تأثير قيادي أو سياسي أو عسكري أو فكري.
برزت الاغتيالات السياسية مع ظهور السلطة السياسية، وأصبحت مع مرور الوقت أسرع وأبسط وسيلة لإحداث التغيير السياسي. وفي كثير من الأحيان، ينظر من يقوم بعمليات الاغتيال إلى فعلتهم، كواجب تبرره حجج أيديولوجية، إذ يصور الضحية كطاغية أو كمغتصبٍ، ويصوّر قتله فضيلة لا جريمة
ومثل هذا التبرير الأيديولوجي للقتل قد يُعبّر عنه بصيغ سياسية أو دينية، أو بكلتيهما معًا، عبر شبكة من الإعلام المنظّم كثيرًا ما تكون وراءها دولة ما للتغطية على الجريمة، لأن اكتشافها سيعري من أمرَ بتنفيذها. وفي أغلب الأحيان يكون صاحب القرار بتنفيذ الاغتيالات ذا مكانة عالية في الدولة، قد تصل إلى مستوى رئيس الدولة.

عسكر مصر والاغتيالات

يعد الثالث والعشرون من يوليو من عام 1952م من الأيام التي تغيرت فيه الخريطة السياسية في مصر، حيث انتقل الحكم من الحكم الملكي بعد سقوط أخر ملوك مملكة محمد علي وارتقى كرسي الحكم مجموعة من الضباط العسكرين الذين عملوا على تثبيت دعائم حكمهم.

وعلى الرغم من ان الاغتيالات السياسية لم تكن وليدة اللحظة، لكنها منذ العصور القديمة غير أنها بعد ثورة يوليو أخذت منحاً سياسياً صراعياً، حتى أنها لم تكن لم تقتصر على الاغتيال الجسدي بل شملت الاغتيال المعنوي.

أولا: عسكر مصر والاغتيال المعنوي

منذ أن تحركت الدبابات تجوب وتسيطر على شوارع القاهرة الكبرى ليلة 23 يوليو من عام 1952م وقد تغيرت المعادلة، فبعد نجاح الحركة وتم حصار الملك فاروق وإجباره عن التنازل عن العرش ومغادرة البلاد، إلا وقد ظهر الصراع العنيف بين أفراد العسكر بهدف السيطرة على أكبر قدر من الكعكة، حتى وصلت إلى الانقسام لفريقين كلا منهما يسعى لتدعيم أركان حكمه.

عسكر الثورة وجها لوجه

كان أول مشهد هو إسقاط عضوية عبد المنعم عبد الرؤوف من اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار لتمسكه بعقيدته الدينية وهو ما كان يكرهه عبد الناصر حيث أراد أن لا يكون لأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة عقيدة دينية يرتكز عليها.

لم يطل الأمر كثيرا بعد نجاح الثورة حتى جاء الدور على يوسف صديق – والذي كان سببا في نجاح ثورة يوليو - حينما دعا‏ ‏إلى ‏عودة‏ ‏الحياة‏ ‏النيابية‏، ‏وخاض‏ ‏مناقشات‏ ‏عنيفة‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ذلك، لكنه وجيه بعاصفة من عبد الناصر وبعض المجلس العسكري كجمال سالم وأخوه صلاح وغيره ورفضوا عودة الحياة النيابية

يقول صديق في مذكراته:

"أعلنت‏ ‏الثورة‏ ‏أنها‏ ‏ستجري‏ ‏الانتخابات‏ ‏في‏ ‏فبراير1953 ، غير‏ ‏أن‏ ‏مجلس‏ ‏الثورة‏ ‏بدأ‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏يتجاهل‏ ‏هذه‏ ‏الأهداف،‏ ‏حتى‏ ‏ثار‏ ‏فريق‏ ‏من‏ ‏الضباط‏ ‏الأحرار‏ ‏علي‏ ‏مجلس‏ ‏قيادة‏ ‏الثورة‏ ‏يتزعمه‏ ‏اليوزباشي‏ محسن‏ ‏عبد‏ ‏الخالق ‏وقام‏ ‏المجلس‏ ‏باعتقال‏ ‏هؤلاء‏ ‏الثائرين‏ ‏ومحاكمتهم،‏ ‏فاتصلت‏ ‏بالبكباشي‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏وأخبرته‏ ‏أنني‏ ‏لا يمكن‏ ‏أن‏ ‏أبقي‏ ‏عضواً‏ ‏في‏ ‏مجلس‏ ‏الثورة‏ ‏وطلبت‏ ‏منه‏ ‏أن‏ ‏يعتبرني‏ ‏مستقيلا‏ً، ‏فاستدعاني‏ ‏للقاهرة‏، ‏ونصحني‏ ‏بالسفر‏ ‏للعلاج‏ ‏في‏ ‏سويسرا‏ ‏في‏ ‏مارس1953" (1)

وحينما وقعت أحداث 1954م دعى صديق لعودة البرلمان القديم، مما دفع عبد الناصر وزملائه لاعتقال أسرته بل واعتقاله وأودع‏ ‏في‏ ‏السجن‏ ‏الحربي‏ ‏في‏ ‏أبريل1954، ‏ثم‏ أُفرج‏ ‏عنه‏ ‏في‏ مايو1955 ‏وحددت‏ ‏إقامته‏ ‏بقريته‏ ‏بقية‏ ‏عمره إلى أن توفي في ‏31 ‏مارس1975م. (2)

محمد نجيب وبداية الاغتيال المعنوي

بزغ نجم محمد نجيب في انتخابات نادي الضباط حينما تحدى مرشح الملك الضابط حسين سري عامر واستطاع أن يفوز في الانتخابات، وهو ما جعله يحظى بمكانة عالية وسط الضباط خاصة حينما جاء البيان الأول للثورة ممهور بتوقيع محمد نجيب.

غير أنه مع الأيام وبعد استتباب الأمر للعسكر سعى عبد الناصر ورفاقه إلى عزل وتشويه صورة نجيب أمام الرأى العام، بل وصلت إلى حد الإهانة مما دفعه إلى استقالته عام 1954م قبل أن تعيده المظاهرات الشعبية والعسكرية إلى منصبه لكن سرعان ما أعد عبد الناصر الاغتيال المعنوي الطويل له خاصة حينما ربط بينه وبين الإخوان المسلمين بعد أحداث المنشية في أكتوبر 1954م

حيث عمل على تقليص دور نجيب وشعبيته من خلال منع نشر صوره وتصريحاته وخطبه حتى تم اقصاؤه عن السلطة تماماً، واعفاؤه من منصب رئيس الجمهورية وتحديد إقامته خارج القاهرة وحرمانه من حقوقه السياسية لمدة عشر سنوات وظل رهن الإقامة الجبرية لمدة 18 عاما. ويؤكد الشهود في الكتاب على أن اللواء نجيب ظل ممنوعا من الخروج في بادئ الأمر، لا يزوره احد بما في ذلك أقاربه وإخوته، وعندما سمح بالزيارة لاحقا كان في وجود ضابط مخابرات.

وأثناء العدوان الثلاثي على مصر تم نقله إلى منفى آخر في سوهاج بعد أن سرت شائعة مفادها أن الإنجليز يخططون لإعادة نجيب إلى السلطة بعد هزيمة عبد الناصر. واضرب وقتها عن الطعام احتجاجا على سوء المعاملة التي تلقاها كما ذكر في مذكراته الشخصية، ولم يتم إعادته إلى المرج إلا بعد انتهاء الحرب.

وحينما حصل ورثة زينب الوكيل صاحبة الفيلا التي سيطر عليها العسكر وفرضوا الاقامة الجبرية على نجيب فيها، عام 1983م وأراد مبارك نقله لمكان أخر

جاءت كلماته:

"إلى أين أذهب بعد 30 سنة لم أخرج فيها إلى الحياة.. ليس لدي معارف أو أحد يهتم بي. أنا أعيش هنا وحدي بعد أن مات اثنان من أولادي ولم يبق غير واحد منهم، فإلى أين اذهب؟؟ المثير في الأمر أن فيلا المرج التي قضى فيها نجيب سنوات منفاه الطوال لم يكن يشغل منها سوى غرفة واحدة مهملة، بها سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه وبجانبه منضدة صغيرة تتناثر عليها عشرات من علب الدواء ومجموعة كبيرة من الآيات القرآنية بالإضافة إلى صور كبيرة لمجموعة من الكلاب والقطط كتب عليها "هؤلاء هم أصدقائي في وحدتي و 30 عاما في المنفى"!! (3)

القتل المعنوي لمجلس قيادة الثورة

من طبيعة الحكام الذين يصلون للحكم بانقلابات عسكرية لا يكون لديها ثقة في الدائرة المحيطة بها حتى وإن كانوا شركاءه في الانقلاب، وحتى لو كانت بينهم علاقات قوية أو عائلية، ولذا عمد عبد الناصر إلى التخلص من رفاقه في مجلس قيادة الثورة جميعا، حيث لم يتوقف الأمر عند يوسف صديق أو نجيب بل طالت معظم المجلس.

لم يتحمل عبد الناصر الأصوات المنادية بعودة الديمقراطية والحياة النيابية وعودة الجيش إلى ثكناته، حيث كان يرى فيها تهديد على مشروعه في السيطرة على الحكم، فرأينا كيف تخلص من يوسف صديق ثم جاء الدور على خالد محي الدين الذي عمل على أبعاده عن الحياة السياسية.

فتحت ضغط عبد الناصر آثر خالد محي الدين الابتعاد فسافر إلى سويسرا حتى استتب الأمر لعبد الناصر فعاد مرة أخرى لكان سرعان ما تهمه السادات في فترة حكمه بالعمالة لموسكو.

كان عبد الناصر يقرب أشباهه العسكر منه ليحموه من رفقاء الثورة، وبالفعل جاء مصير جمال سالم – والذي انحاز لعبد الناصر ضد محمد نجيب في أزمة مارس 1954م - والذي حكم على قادة الإخوان بالإعدام، كما طالب بإعدام جميع ضباط المدفعية الذين اعترضوا على بعض قرارات المجلس في يناير 1953م، ومع ذلك وبسبب آراءه التي كانت لا تتوافق مع العسكر أزاحه عبد الناصر حتى أصيب بالسرطان ومات في مايو 1968م.

وما كادت الأيام تنطوي حتى كان أخوه صلاح سالم أيضا من ضمن المطرودين من مجلس قيادة الثورة، حتى توفى أيضا بالسرطان في 18 فبراير 1962م. (4)

عبد اللطيف البغدادي – والذي كان يعد من الضباط الأقوياء في مجلس الثورة- لم يرق لعبد الناصر وجوده في السلطة معه، فأبعده عن السلطة بأكثر من طريقه حتى اضطره للاستقالة عام 1964م واعتزل الحياة السياسية.

بل ساق البغدادي في مذكراته ما وقع على كمال الدين حسين – والذي كان يشغل وزير التربية والتعليم- قبل أن يرسل لعبد الناصر رسالة في 12/10/ 1965 – حينما علم بما يجري في السجن الحربي- قال له فيها "اتق الله"،مما جعل عبد الناصر يقوم باعتقاله.

يقول بغدادي في مذكراته،

"وفي 14 أكتوبر 1965م صدر قرار بتحديد إقامة كمال الدين حسين وزوجته في إحدى الاستراحات بالهرم، واستمر كمال محددة إقامته حتى توفيت زوجته وهي معه يوم 9 يناير 1966م ولم يجد طبيبا يقوم بإسعافها ولم يحضر إلا بعد عدة ساعات طويلة وبعد أن كان أمر الله قد نفذ" (5)

السادات والقتل المعنوي

لم يقتصر الأمر على فترة عبد الناصر والتي كانت بحق ساحة صراع بين العسكر بعضهم البعض، بل امتدت لفترة السادات والتي ابدأها بما عرف بثورة التصحيح في 15 مايو 1971م والتي أطاح فيها بمراكز القوى التي كانت تسعى لبسط نفوذها على السلطة في مصر، وأغلق أحلام العسكر الذين سعوا لتقويض سلطته أمثال الفريق محمد فوزي وأمين هويدي رئيس المخابرات وشعراوي جمعة وغيرهم.

بل بلغ الأمر بالسادات بأن أطاح – بل عمد إلى تشويه تاريخ - قادة عسكريين شاركوه حرب أكتوبر 1973م أمثال الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة، في محاولة السادات فرض أوامره العسكرية على الجيش بتطوير الهجوم ناحية قناة السويس للتخفيف عن قوات سوريا في الجولان مع اعتراض الشاذلي وقائدي الجيش الثاني والثالث الميداني على التطوير

لكن أحمد إسماعيل أخبرهم أن القرار سياسي ولابد أن ينفذ، ومع ذلك فشل تطوير الهجوم وخسرت مصر العديد من الدبابات والجند، مما أحدث ثغرة الدفراسوار، ولم يقبل السادات بفكر الشاذلي وظل متمسك برأيه – رغم خسائر الجيش - مما دفعه لعزل الشاذلي وتعين الجمسي – المتجانس في الرأي معه - رئيسا للأركان.

وفي عام 1978 أصدر الرئيس أنور السادات مذكراته البحث عن الذات واتهم فيها الفريق الشاذلي بالتخاذل وحمله مسؤولية التسبب بالثغرة ووصفه بأنه عاد منهاراً من الجبهة يوم 19 أكتوبر وأوصى بسحب جميع القوات في الشرق، هذا ما دفع بالفريق الشاذلي للرد على الرئيس أنور السادات بنشر مذكراته (حرب أكتوبر) والتي فضح فيها السادات وقراراته أثناء الحرب.

وفي 12 ديسمبر 1973 أستدعى المشير أحمد إسماعيل الفريق الشاذلي ليبلغه بأن الرئيس أنور السادات قرر إنهاء خدمته كرئيس لهيئة أركان القوات المسلحة وتعينه سفيرا. (6)

ووفقا لحديث الباحث السياسي أحمد الشافعي لـ"عربي21" فإن الشعب المصري كان يتعرض لخدعة كبيرة عن فكرة الوطنية والوكلاء المتعلقة بالقيادات العسكرية والأمنية، موضحا أنه في الوقت الذي رفض فيه الوزراء المدنيون بوزارة الخارجية المصرية التوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل، كان العسكريون هم البديل الجاهز، وحتى في الفترة الأخيرة، فإن ما قدمه العسكريون المصريون لصالح إسرائيل لا يعادله أي شيء آخر.

مبارك والاغتيال المعنوي

لم يتغير الوضع في عهد مبارك والذي عمل جاهدا على إيجاد قادة على رأس الجيش يكونوا ضعفاء، خاصة بعد المشير أبو غزاله - والذي أصبح وزير للدفاع أواخر عهد السادات – حيث اشتهر بكفاءته وقدرته على استيعاب الضباط والجند وزيادة شعبيته، وهو الذي دفع مبارك للإطاحة به عام 1989م، وتعين الفريق أول يوسف صبري أبو طالب كمرحلة انتقالية حتى تم تعيين المشير طنطاوي. (7)

السيسي ورفاق انقلابه

حفلت الفترة الأولى للسيسي بأكثر مما حفل به تاريخ عبد الناصر من الإطاحة برفقاء الانقلاب، فكانت البداية بالفريق أسامة أحمد الجندي قائد القوات البحرية والذي شاركه يوم الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، ثم كان أحمد وصفي والذي كان قائد للجيش الثاني الميداني قبل أن يطيح به ويعينه رئيس هيئة تدريب القوات المسلحة في مارس 2014م ثم يجعله مساعد وزير الدفاع بلا صلاحية.

ولم يكن أسامة عسكر أفضل حاليا من سابقيه والذي كان قائد للجيش الثالث الميداني ثم قائد منطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب، قبل أن يعفيه السيسي من المناصب التنفيذية ويجعله مساعد وزير الدفاع. وكانت المفاجأة هو الفريق محمود حجازي رئيس أركان القوات المسلحة والذي – كما وردت التقارير- خاف السيسي من تزايد نفوذه داخل الجيش ولدى الغرب فعمد للإطاحة به في 28 أكتوبر 2017م.

وكما عمل عبد الناصر مع عامر، قام السيسي بنفس السيناريو مع رفيقه صدقي صبحي في الانقلاب على مرسي – رغم حصانة الدستور له كوزير للدفاع - لكن قام السيسي بالإطاحة به 14‏/6 ‏/2018م، بل وصل الحال لمحاولة لاغتياله في 19 ديسمبر 2017م ولا يعرف من وراء هذه المحاولة.

ثم لحق به عبدالمنعم ألتراس قائد الدفاع الجوي، ويونس المصري قائد القوات الجوية وغيرهم كثيرا، بل أن كثير من الرتب العسكرية داخل السجون سواء ما زالت في الخدمة او خارجها أمثال الفريق سامي عنان – رئيس الأركان السابق- وأحمد شفيق – خرج بعد اعتزاله الحياة السياسية- وأحمد قنصوة ومعصوم مرزوق وغيرهم الكثير.

فالسيسي منذ 3 يوليو 2013، عمل على تفكيك المجلس العسكري حتى ينفرد بالقرار داخل الجيش، وحتي يأمن السيسي القيادات التي أطاح بها منحهم امتيازات كبيرة، حتى لا يقوموا بأي أعمال عدائية ضده قد تؤثر على حكمه ونظامه مع الاحتفاظ بحق المجلس العسكري الذي قام السيسي بتركيبه بشكل جديد بالموافقة عند محاكمة كبار القادة

بمعني سياسة "العصا والجزرة" أن يعطي لهم امتيازات حتى يكسب ولاءهم مع الاحتفاظ بكل أدوات التنكيل التي سيستخدمها عند الحاجة ضد أي أحد منهم، كما فعل السيسي مع رئيس الأركان الأسبق الفريق سامي عنان عندما أعلن عن نيته للترشح ضد السيسي فيما سُمي "انتخابات الرئاسة 2018م"، وعدم أخذ موافقة المجلس العسكري.

ثانيا: العسكر والتصفية الجسدية

لم يقتصر الأمر في دولة العسكر على التخلص من الخصوم بالفتل المعنوي، بل بلغ الأمر للتصفية الجسدية، سواء بمعاونة بعض القضاة العسكرين والمدنيين أو بالقتل خارج القانون.

عبد الناصر وقتل الملك فاروق

في ليلة 18 مارس 1965، مات الملك فاروق – أخر ملوك أسرة محمد علي - وقد كان عمره آنذاك 45 عامًا، وذلك بعد تناوله لعشاء دسم في مطعم شهير بروما، وقد قيل أنه اغتيل بسم الأكوانتين " في كوب عصير الجوافة"، وقد سرت تلك الشائعة كالنار في الهشيم في تلك الأوقات.

وذكرت بعض المصادر أن إبراهيم مصطفى البغدادي – أحد رجال المخابرات المصرية ومن أعوان عبد الناصر - قد عمل جرسونًا لمدة شهر بنفس المطعم الذي اعتاد فاروق الذهاب إليه، بتكليف من القيادة السياسية والتي كانت تخشى تحقق شائعة عودته لمصر. في ذلك الوقت، رفضت أسرة الملك تشريح جثته مؤكدة وقتها أنه مات من التخمة، ربما لحرصهم أن تنفذ وصية الملك بأن يدفن في مصر.

إلا أن الأميرة فريال -ابنة الملك فاروق - ظهرت مع الإعلامي أحمد المسلماني في عام 2009، لتؤكد أن أباها مات مسمومًا من الأكل، وتساءلت: "لماذا قتلوه، فقد كان وطنيًا ولا يفكر أن يؤذى مصر"، في إشارة صريحة إلى قادة ثورة يوليو. وقالت ابنة الملك: "علمنا بعد ذلك أن السم الذي وضع في الطعام عبارة عن عقار خاص بالمخابرات الأمريكية، من شأنه أن يوقف القلب تماماً، ليبدو الأمر وكأنه أصيب بسكتة قلبية".

وقام الإعلامي عمرو الليثي بمواجهة "البغدادي" بهذه المعلومات في برنامجه "اختراق"، فرد البغدادي عليها قائلاً: "الملك فاروق مات موتا طبيعيًا، وهو لم يكن يشكل أي خطورة على مصر بعد خروجه منها إلى إيطاليا، وخرج برأي جمال عبد الناصر رغم آراء بعض مجلس قيادة الثورة التي كانت تطالب بمحاكمته".

وأضاف:

أن بعض المحامين الذين تابعوا قضية انحراف المخابرات، والتي تم التحقيق فيها بعد نكسة يونيو عام 1967، التقطوا منها قصة استخدام المخابرات للسموم، وأن هناك كمية من السموم مستهلكة، وغير معروف أين ذهبت، فكان الرد أن إبراهيم البغدادي حصل على كمية منها وقتل بها الملك فاروق، وتلقفت الصحافة اللبنانية القصة وتحدثت عنها. (8)

وهو ما أكده إبراهيم البغدادي في الحوار الذي أجراه مع الصحفي محمود فوزي وأخرجه في كتاب بعنوان "كيف قتلت الملك فاروق!" والصادر عن دار النشر هاتيية عام 1992م.

أصدقاء لكنهم أعداء

"كان المشير رجلا طيب القلب شهما كريمًا، يحمل في نفسه طيبة الفلاح المصري البسيط وصفاء السريرة وملامح الظرفاء، كان رجلا من الأوفياء لمصر ومن صناع تاريخها الحديث، وهب نفسه وحياته لمصر وثورتها إلى أن وقع أسير فئة من المحيطين به، الذين نقلوه من طريق الثورة إلى طريق الضياع، ومن جنود عبد الناصر إلى أعدائه ومن النعيم إلى الجحيم".. بهذه الكلمات لخص جمال عبد الناصر علاقته بالمشير عبد الحكيم عامر.

كان اللقاء الأول بين الصديقين، في مقر الكلية الحربية عام 1938، داخل المكتبة، ونشأت بينهما صداقة وطيدة مع مرور الأيام، بالرغم من أن ناصر كان يسبق عامر بعام، وتوطدت بعملهم في الكتيبة الثالثة أثناء خدمتهم بالسودان، وزادت العلاقة أكثر في عام 1948، حينما شاركوا في حرب فلسطين في صفوف الجيش المصري

حتى وصف عبد الناصر العلاقة بينهما بقوله:

"إن علاقتي بعامر أكثر من علاقة أخ، وإن واحدا من إخوتي لم يكن قريبا منى بمثل ما كان عامر"؛

ويستطرد:

"إن الوحيد الذى يمكن أن يفديني بروحه هو عامر". (9)

وهو ما ترجمه عامر من مواقف عملية حيث يذكر الكاتب رشاد كامل أنه خلال مؤتمر شعبي عقد أمام الجماهير في الإسماعيلية في الستينات، انقطع التيار الكهربي وحل الظلام الدامس على المكان لمدة 3 دقائق، وكان "عبد الناصر" جالسا على المنصة وحوله بعض الوزراء، في حين كان "عامر" جالسا في الجهة الأخرى، وعندما عادت الأضواء فوجئ الجميع بـ"عامر" واقفا أمام "عبد الناصر" لحمايته بحيث إذا أطلقت على الأخير رصاصة تصيبه هو. (10)

ولذا ما أن نجحت الثورة واستقر الأمر للضباط حتى طلب عبد الناصر ترقية عامر من رتبة الصاغ إلى رتبة اللواء ترقية استثنائية مرة واحدة في سابقة لم تحدث من قبل في الجيش المصري، مع تعيينه قائدًا عامًا للقوات المسلحة، ثم ترقى بعد حوالي 5 سنوات إلى رتبة المشير، وأصبح أول شخص يشتهر بهذه الرتبة التي لم تكن معروفة من قبل على مستوى العالم العربي.

يقول أحمد سمير سامي:

بدأ الصراع بين رأسي الدولة المصرية: زعيمها، ورجلها الأول "جمال عبد الناصر" وقائد جيشها، ورجلها الثاني "عبد الحكيم عامر"، حيث كان الصراع على السلطة بين الرئيس والمشير ساخنًا؛ فناصر هو زعيم الأمة المؤيد بجماهيرية الشعوب، وعامر هو قائد الجيش المؤيد بجماهيرية ضباطه، وهنا مكمن الخطر الذي كان يستشعره عبد الناصر، انقلاب المشير والجيش عليه، فكان لابد من التخلص منه قبل احتمالية حدوث هذا الانقلاب.
بدأ الأمر عندما أراد عامر أن يهيمن على كل شيء، ويجمع كل السلطات في يديه، مطمئنًا إلى أن صداقته بعبد الناصر ستظل درع الحماية الدائمة، وأن مناصبه ستجعله مركزًا للقوى لا يمكن الإطاحة به، كما أن المحيطين به بثوا في نفسه الحقد، وأقنعوه بأنه لا يجب أن يكون الرجل الثاني، بل الأجدر به أن يكون الأول، بحجة أنه يفعل كل شيء ويحمي البلاد، بينما يحتكر عبد الناصر وحده المجد والزعامة وحب الجماهير.
ازداد السوء في العلاقة بينهما بسبب لوم ناصر لعامر وأسلوب إدارته للمعارك في أعقاب العدوان الثلاثي 1956، ثم فشل الوحدة بين مصر وسوريا 1958، ثم تدخل مصر في اليمن 1962، وأنهت نكسة 1967 على ما تبقى من ود بينهما، بعد قصف المطارات العسكرية المصرية، والانسحاب غير المخطط للجيش، والذي صدرت أوامره من قبل عامر شخصيًا.
وفى أعقاب الهزيمة أعلن عبد الناصر التنحي من منصبه، إلا أن المظاهرات عمت أرجاء البلاد مطالبة بعدم تنحيه، وبعد عودته أصدر بيانه الشهير بعزل قيادات الجيش وتعيين قيادات جديدة، فكان هذا البيان ذروة الصراع بين ناصر وعامر. (11)

ويقول الكاتب عبدالله إمام:

عبد الحكيم عامر لم يكن قادرًا على إدارة القوات المسلحة مع التقدم المذهل في المعدات والخطط الحربية، ليس فقط لأنه وقف بمعلوماته عند رتبة عسكرية صغيرة وقت قيام الثورة قفز على إثرها إلى رتبة اللواء مرة واحدة، لكن لأنه لم يكن لديه وقت للقراءة، والاستيعاب، وتتبع الجديد؛ لانشغاله بالسياسة والسيطرة.
وجزء من مأساة 1967 كان راجعًا لحب عبد الناصر لحكيم، ذلك أن الحب حال دون أن يقتنع ناصر أن عبد الحكيم لا يصلح للقيادة، فخلال العدوان الثلاثي ظهر أن عامر بمعلوماته العسكرية وبالمحيطين به وبقادة جيشه أقل من أن يقود حربًا كبرى". (12)

كان لابد من شخص يتحمل الكارثة باعتباره المسئول الأول عن الهزيمة، ولم يكن هناك أفضل من عبد الحكيم عامر للعب هذا الدور، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، ونائب رئيس الجمهورية، والرجل الثاني في الدولة.

وأصدر النائب العام قراره في الحادث يوم 10 أكتوبر - تشرين الأول 1967، وجاء فيه:

"وبما أنه مما تقدم يكون الثابت أن المشير عبد الحكيم عامر قد تناول بنفسه عن بينة وإرادة مادة سامة بقصد الانتحار، وهو في منزله وبين أهله يوم 13 سبتمبر- أيلول 1967، قضى بسببها نحبه في اليوم التالي، وهو ما لا جريمة فيه قانونًا، لذلك نأمر بقيد الأوراق بدفتر الشكاوى وحفظها إداريًا".

لكن العديد من الأشخاص شككوا في صحة هذا الأمر، وكان من بينهم نجل المشير "جمال عبد الحكيم عامر" بالإضافة إلى مجموعة من المختصين في الطب الشرعي والخبراء والمحللين السياسيين الذين أشاروا إلى استحالة انتحار المشير بالطريقة التي تم الإعلان عنها، مؤكدين أنه قد تم دس السم له؛ وأفاد تقرير الطبيب الشرعي الدكتور "على محمود دياب"، والذى تم الكشف عنه عام 1978، بأن المشير تعرض للقتل مع سبق الإصرار والترصد.

وهو ما أكده جمال عامر نجل المشير بقوله:

عندما يقتلونه ثم يقولون إنه انتحر، عندما يُسقى السم ثم يقال إنه هو الذي تجرعه، عندما يخدعه عبد الناصر ويطلبه للعشاء في منزله، ثم تهاجم القوات بيته، عندما يعلن الأطباء الشرعيون عن قتله بالسم، وتدفن القضية، عندما يتسبب عبد الناصر في الهزيمة، ويشيل المشير الهزيمة لوحده. أليس هذا ظلمًا؟.
كما أن أحد ضباط حراسة استراحة المريوطية التي قُتل فيها عامر، كان قد أخبر صلاح نصر في فترة لاحقة أن عامر قد تعرض للتعذيب بالتجويع والعطش والضرب أحيانًا في فترة احتجازه التي استمرت 24 ساعة كاملة حتى قُتل، فقد أُريد منه أن يتحمل وحده أخطاء النكسة، وأن يدون بخطه هذه الإدانة لكنه رفض.
وفي 2012 (بعد 45 عامًا على وفاته) قرر النائب العام إحالة البلاغ المقدم من أسرة عامر إلى القضاء العسكري، للتحقيق في وفاته، وكشف جمال نجل المشير عن وثائق وأدلة تؤكد أنه قتل بالسم ولم ينتحر، منها: أصل التقرير الذي أعده رئيس الطب الشرعي حينذاك الدكتور عبد الغني البشري، والذي أثبت فيه أن عامر مات مقتولًا بالسم، وتم إخفاؤه، وتقرير آخر أعده قسم الطب الشرعي والسموم بجامعة عين شمس يؤكد القتل بالسم. (13) وهكذا تخلص الصديق من صديقه من أجل أن يطمس الحقائق في تاريخ مصر الحديث.

التخلص من الإخوان قتلا

منذ ثورة يوليو ونجاح العسكر في التخلص من الملك وقد وضعوا أمام نصب أعينهم التخلص من كل قوى تهدد استقرار حكمهم خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما وضح من الحرب المستعرة التي بدأت رحاها بعد التخلص من القوى المدنية بالقرار الذي قضى بحل الأحزاب السياسية في ديسمبر من عام 1953م ثم تبعه في يناير 1954م قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال قادتها قبل أن تندلع المظاهرات ويضطر عبد الناصر للإفراج عن الإخوان في مارس وإعادة محمد نجيب للحكم.

لكن كانت الأيام تمر ثقيلة لما اعتراها من أحداث ساخنة بين العسكر والإخوان انتهت بما عرف بحادثة المنشية في 26 أكتوبر 1954م حيث قدم الإخوان إلى المحاكمات العسكرية والتي قضى فيها جمال سالم – عضو مجلس قيادة الثورة – بإعدام الإخوان.

يقول محمد نجيب:

كانت هذه المسرحية المدبرة، محاولة لتحويل عبد الناصر إلي بطل شعبي، ومحاولة لينسى الناس مواد اتفاقية الجلاء، ثم هي فرصة ليتخلص عبد الناصر من القوة الوحيدة الباقية وهي الإخوان، وظهر للعيان وبدون عناء أنها مسرحية. (14)

ورغم ما كتب عن حادثة المنشية إلا أنها لم تكن مبرر لأحكام الإعدام التي نفذت في أشخاص لم يثبت ضدهم أي شيء سوى أنهم معارضين لعبد الناصر أمثال الفقيه القانوني عبد القادر عودة والشيخ محمد فرغلي، ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وغيرهم.

لم يتوقف القتل عند هذا الحد الذي طوع فيه عبد الناصر القانون لصالحه، وكان القضاة فيها بعض أعوانه الكارهين للإخوان أمثال جمال سالم، لكن بلغ الأمر به أن ارتكب مذبحة حقيقة داخل السجون ضد عزل لا حول لهم ولا قوة، ومنها مذبحة ليمان طرة والتي وقعت مع سبق الإصرار والترصد في 1 يونيو من عام 1957م.

فبعد الاعتقالات التي حدثت بعد حادثة المنشية، وانقضاء المحاكمات، وترحيل كبار القادة إلى سجن الواحات، حتى تفجرت الاعتقالات مرة أخرى في صفوف الشباب الذين كانوا يعملون جاهدين على توفير اللقيمات لأسر وبنات المعتقلين والمحبوسين، وتم نصب المحاكم العسكرية مرة أخرى تحت مسمى محاكمة تنظيم التمويل والذي ضبط في 1955م

وصدرت الأحكام المختلفة عليهم وسيقوا إلى السجون تحت نيران سياط الطغاة، وظلت السجون بين الشد والجذب حتى هلت بداية عام 1957م، حيث ارتبطت بأحداث الأردن وحركة علي أبو نوار الذي كان مدعوما من عبد الناصر للانقلاب على الملك حسين، لكن الإخوان بالأردن تعاونوا مع مشايخ القبائل والملك في إفشال هذا المخطط مما أغضب عبد الناصر.

جاء في كتابات السفير البريطاني السرية قوله:

وفي يوم 12/4 ظهر دعم من حركة الإخوان المسلمين وشيوخ القبائل وحضر (4000) من البادية وعسكروا قرب عمان... وتحرك العراقيون المرابطون في الاتش ثري نحو الحدود... وتم تحذير إسرائيل من سفارة بريطانيا والولايات المتحدة أن لا تنتهز الفرصة وتعتدي على الأردن لأن الملك سوف يسحب قطعات عسكرية من الحدود. (15)

فشل انقلاب نيسان 1957م بالأردن وخاب سعى عبد الناصر في تحويل الأردن لجمهورية على يدي بعض الضباط الأحرار من اليساريين والقوميين، واشتاط غضبا من كل من عاون الملك على إفشال هذا الانقلاب ولم يجد أمامه ما يصب فيه غضبه سوى الإخوان بمصر نكاية في مساعدة إخوان الأردن الملك.

يقول الأستاذ جابر رزق:

"لقد أقيمت المذبحة في أول يونيو 1957م لمائة وثمانين من الإخوان المسلمين، هم الذين بقوا في سجن ليمان طرة بعد ترحيل إخوانهم إلى سجن المحاريق وبني سويف وأسيوط وغيرها من السجون. لقد بلغ عبد الناصر ورجال حكمه من الخسة واللاإنسانية أن أطلقوا الرصاص على المائة والثمانين من المسجونين داخل الزنازين وهم عزل لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم.
وعلمنا أن المذبحة كانت انتقاما من الإخوان المسلمين في الأردن لأنهم تصدوا للانقلاب الذي قام به اللواء على أبو نوارة للإطاحة بالملك حسين لحساب جمال عبد الناصر وكان الإخوان هم السبب الرئيسي في إفشال هذا الانقلاب الشيوعي. (16)

الكاتب رفعت السعيد – والذي كان مسجون في سجن الواحات – اعترف بأن عبد الناصر ارتكب المذبحة، فقال في حوار مع صحيفة روزاليوسف:

والمشروع الثالث تحدث فيه عن الصاغ عبدالباسط البنا قائد كتيبة ليمان طره وهو شقيق حسن البنا وكان يزور مصحة ليمان طرة 3 مرات ويسلم عليه علي غير معرفة سابقة ويحدثه في ضرورة تخليص الإخوان في السجون.. لأنهم هكذا يستهلكون تماما، وكل هذا رغم أنه لم يكن يوما في جماعة الإخوان في حياة أخيه ولكنه كان يريد إنقاذ الإخوان المسجونين من مذبحة تحققت بعد ذلك وانتهت بقتل 21 من السجناء الإخوان وجرح كثيرون. (17)

وكذلك سجله الصحفي الكبير الأستاذ مصطفى أمين في كتابه (سنة ثانية سجن) الذي قال فيه :

" فى أحد أيام شهر يونيو سنة 1957 كنت جالسا فى مكتبى فى أخبار اليوم عندما اتصل بى قسم الاستماع بأخبار اليوم واخبرني أن إذاعات العالم تذيع أنه حدثت مذبحة فى سجن ليمان طره وأن أكثر من عشرين مسجونا من الإخوان المسلمين قتلوا فى زنزاناتهم, وأن أكثر من خمسين منهم جرحوا
واتصلت على الفور بوزارة الداخلية وسألت عن حقيقة الخبر فأكد لى مسئول كبير فى الوزارة أن الخبر كاذب ولا – أساس له من الصحة. واتصلت برئاسة الجمهورية وسألتهم عن حقيقة النبأ وأكدت لى الرياسة أنها أكذوبة استعمارية أطلقتها إذاعات الاستعمار ومقصود بها تشويه سمعة مصر فى عيون العالم!!.
وصدقت هذا التكذيب الرسمى إلى أن دخلت سجن الاستئناف ولذا بأحد الحراس يعترف بأنه اشترك فى المذبحة وأن الأوامر التى كانت لديه قضت بقتل جميع المسجونين السياسيين الموجودين فى الطابق الثالث فى العنبر رقم 1 بليمان طره! وفى سجن القناطر قابلت عددا من الحراس الذين حملوا القتلى بعد المذبحة من العنبر إلى مستشفى السجن، وكان الخلاف الوحيد في الرواية: أن بعضهم قال عدد القتلى كان عشرين قتيلا والبعض الآخر قال أن عددهم كان واحدا وعشرين قتيلا!!
وعندما نقلت إلى ليمان طره لاحظت وأنا أتفحص زنزانتي فى الطابق الرابع فى عنبر واحد – أن جدران الزنزانة فيها عدد من الخروق وسألت عن هذه الخروق فقيل لى أنها رصاص مذبحة طره!! وبدأت أحقق بنفسى فى هذه المذبحة الخطيرة وسمعت شهودها الذين بقوا على قيد الحياة.. " أ.هـ. (18)

السادات واغتيال الليثي ناصف

الفريق الليثي ناصف، مواليد عام 1922، واختاره عبد الناصر لتأسيس الحرس الجمهوري وقيادته. مع وصول السادات إلى الحكم في مصر، وإطلاقه "ثورة التصحيح" التي أطاح فيها بالعديد من القيادات المحسوبة على التيار الناصري، كان الفريق الليثي من أهم ركائزه في تنفيذ ثورته، ونفّذ عمليات اعتقال واسعة بين أصدقاء الأمس وقيادات في مراكز القوى والاتحاد الاشتراكي، بعد أن نجح السادات في إقناعه بأن هذه الاعتقالات مؤقتة لترتيب البيت الداخلي.

لكن مرت شهور وأعوام ولم يتم الإفراج عن المعتقلين، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقات بين الليثي والسادات. ونشب خلاف حاد خلف الكواليس بين السادات والليثي، ولم يطمئن الرئيس بعد هذا الخلاف لبقاء الليثي في منصبه، فقرر تعيينه سفيراً لمصر في اليونان، وفي طريقة وأسرته إلى أثينا، قرر المرور أولاً بلندن لإجراء فحوص طبية لمدة يومين أو ثلاثة.

في اليوم التالي لوصوله، عثر على جثته أسفل المبنى التي يقيم فيه. وقبل أن يتفوه مخلوق بكلمة صرخت زوجته في وجه ممثلي القنصلية المصرية في لندن: السادات قتله.

وتذكر صحيفة الجريدة الكويتية الحادث بقولها:

وكالعادة حاولت المصادر الرسمية التأكيد على أن الحادث انتحار، وهو نفس السيناريو الرديء الذي خرجوا به في مصر للواء علي شفيق والفنانة سعاد حسني والديبلوماسي أشرف مروان... وها هو الآن الليثي ناصف... وكأن الشخصيات العامة المصرية تذهب دائماً إلى لندن في رحلة انتحار وخلاص من الحياة!
إنه المكان نفسه الذي يتحول إلى مسرح لهذه الحوادث كلها... برج ستيوارت تاور. والأسلوب نفسه الذي يتبعه البوليس الإنكليزي مع كل حادث، وكأنه ينفذ اتفاقية بينه وبين إحدى الجهات التي يهمها التخلص من أشخاص بعينهم. المهم أن ترتب هذه الجهة وصولهم إلى لندن... وهناك ينفذ الاغتيال... ويتولى البوليس الإنكليزي باقي المهمة؟ لكن كيف وقع الحادث؟.

وقد أكدت المعلومات أن الليثي لم يقترب من الشرفة حيث كانتا ابنتيه تجلسان أمامها، وأنه ارتدى شبشب الحمام لدخوله، وهو الشبشب الذي ظل في قدمه بعد سقوطه من الدور الحادي عشر وكأنه التصق بقدمه بما يؤكد استحالة انتحار الليثي. (19)

السادات واغتيال وزير الدفاع أحمد بدوي

لم تكن حادثة مقتل الليثي ناصف هي التي أشير بأصابع الاتهام فيها إلى السادات، لكن بعض المصادر تؤكد أن جريمة مقتل الفريق أحمد بدوي – وزير الدفاع – و13 قياديا معه من قادة الجيش يوم 2 مارس 1981م لم تكن عفوية لكنها كانت بفعل فاعل ويقف خلفها السادات لخوفه من تغيير موقف الجيش منه بعد معاهدة كامب ديفيد.

حيث توجه وزير الدفاع بصحبة 13 من قادة الجيش لتفقد المنطقة العسكرية الغربية بطائرة هليكوبتر غير أنها أثناء اقلاعها ومع بدء ارتفاعها، جذبها خطاف مربوط في ذيلها باتجاه أسلاك إنارة قريبة، فتأرجحت الطائرة وقفز قائدها من قمرة القيادة، ليموت كل مَن بقي على متنها، بخلاف العميد أبو بكر سكرتير وزير الدفاع، بعد أن انخلع الكرسي الذي يجلس عليه مع ذيل الطائرة.

والغريب ان موقع الحادث هو أرض مهبط الطائرات بقيادة المنطقة الغربية العسكرية ، وهذا يعني أن هذا المكان قد تم إعداده وتجهيزه وتأمينه بما يتناسب مع زيارة شخصية مهمة مثل وزير الدفاع وكبار القادة ، ومن الطبيعي أن يكون اختيار طاقم الطائرة قد تم بعناية فائقة ، فهم قادة طائرة وزير الدفاع، ومن الطبيعي أن يتم فحص الطائرة فنياً وأمنياً قبل إقلاعها ، ومن غير المقبول أن يقال إن طيار تم اختياره لقيادة طائرة وزير الدفاع يقع في خطأ بسيط يؤدي إلى مصرع قائد الجيش ؟! وترك الحادث تساؤلات كثيرة لم تكتب إجابتها حتى الآن.

العجيب أن الناجين من الحادث كقائد الطائرة ونائب وزير الدفاع وجدوا مقتولين بعد فترة من الحادث بالرصاص. وفي أثناء محاكمة قتلة السادات ذكر خالد الإسلامبولي انه قتل الرئيس السادات انتقاما لدم أحمد بدوي ورفاقه. وعلوي حافظ - أحد الضباط الأحرار وواحد من أبرز نواب المعارضة في البرلمان أيام السادات وصديق أحمد بدوي المقرب - أكد في كتابه الفساد ضلوع مبارك والسادات في هذه الجريمة. (20)

مبارك والتخلص من معارضيه

كانت بداية بلوغ مبارك سدة الحكم بعد اغتيال رئيس مصر السابق محمد أنور السادات في حادثة يشار بأيد الاتهام في كثير من المصادر إلى مبارك نفسه، وذلك وفق ما جاء على لسان رقية ابنة السادات، والتي ذكرت أنها لديها أسرارا بشأن حادث المنصة الذى انتهى بمقتل والدها، مفصحة عن مفاجأة كبرى، حيث قالت إن لديها تسجيلا مختلفا للحادث عن ذلك المتداول فى القنوات الفضائية، كما تقدمت ببلاغ للنائب العام تتهم مبارك حمل رقم 4824 لسنة 2011.

كانت جريدة العربي الناصري قد نشرت في عددها الصادر بتاريخ 19-6-2005 تقريرا مبني على أقوال أحد الشهود مفاداة أن السادات كان ينوي طرد مبارك وتعيين غيره نائبا لرئيس الجمهورية. كان السادات قد أخبر مبارك بعزمه تعيين غيره في أواخر سبتمبر من عام 1981 بسبب قيام مبارك بعمل اتصالات في الجيش من وراء ظهر السادات مما جعل السادات يتوجس خيفة من مبارك و يشك في نواياه.

و في صباح يوم 6 أكتوبر من عام 1981 أي قبل ساعات من اغتيال السادات عين السادات الدكتور عبد القادر حاتم نائبا لرئيس الجمهورية بدلاً من حسني مبارك إلا أن القرار الخاص بذلك كان سيجهز ويوقع بعد الاستعراض العسكري. هذا و قد نشرت الجريدة المذكورة صورة للسادات وهو يصافح عبد القادر حاتم صباح 6 أكتوبر.

و طبقا لتقارير أخرى غضب السادات بشدة عندما علم بأن مبارك كان يجري من خلف ظهره اتصالات مع العائلة المالكة السعودية التي كانت قد قطعت العلاقات معه بعد توقيعه معاهدة السلام مع اسرائيل. أما المؤسسة الدينية السعودية المتطرفة المرتبطة بالعائلة المالكة هناك فقد أحلت دم السادات لأنه عقد صلح و سلام مع "اليهود أعداء الله".

و قد رد السادات في تحدي بقوله "إن السعوديون كانوا رعاع ونحن الذين علمناهم التمدن". أما العائلة المالكة في السعودية فقد قالت بأنها لن تتعامل مع مصر أبداً طالما ظل السادات في الحكم، غير أن المصادر الرسمية تنفي ذلك. (21)

مبارك والتخلص من رفعت المحجوب

رفعت المحجوب المولود بدمياط عام 1926م وتخرج في كلية الحقوق عام 1948م، حيث بدأ سلمه في السلطة عام 1971م، حتى أصبح رئيس مجلس الشعب في 23 يناير 1984م، وفي 12 أكتوبر 1990م وخلال عملية نفذها مسلحون في أعلى كوبري قصر النيل أثناء مرور موكبه أمام فندق سميراميس في القاهرة تم اغتيال رفعت المحجوب

والتي اتهم فيها أفراد من جماعة الجهاد وحُكم عليهم بالإعدام بعد مرافعة القرن، ولكن بعد النقض لم يتم إعدام المتهمين وحكمت المحكمة على المتهمين بأحكام تتراوح من الأشغال الشاقة لعشر سنوات إلى البراءة، ولا زالت القضيّة غامضة حتى الآن. وكشف أيمن المحجوب - نجل رئيس مجلس النواب المصري الأسبق – عام 2018م معلومات خطيرة عن اغتيال والده رفعت المحجوب، اتهم فيها قيادات بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وذكر محجوب أسماء الشخصيات المسؤولة داخل النظام السياسي عن اغتيال والده، مؤكدا تورط عناصر من الدائرة الضيقة للرئيس الأسبق حسني مبارك في عملية قتل رفعت المحجوب، بالإضافة إلى تهديد زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في عهد مبارك، له شخصيا بعدم الخوض بالحديث في هذا الأمر إذا أراد أن يكمل حياته هو وإخوته. (22)

كما كشفت إيمان رفعت المحجوب - ابنة رئيس مجلس الشعب الأسبق - عن تفاصيل اغتيال والدها في 12 أكتوبر 1990، بعد تلقي الأسرة تهديدات من شخصيات كبرى في الدولة، آنذاك، بعدم الحديث وقت الحادث، متابعة: "اللي طلب منَّا نسكت مش موجودين في الصورة حاليًّا".

وذكرت أن المحاكمة استمرت عامَين ولم تتمكن العائلة من حضور الجلسات

"وفي النهاية انتهت بالبراءة للعناصر المتهمة، وقاضي المحاكمة تصوّر أن هذه الاعترافات حصل عليها وكلاء النيابة عن طريق التهديد، إذ كانت على أجسادهم علامات تعذيب، فرأى أن أي اعتراف تحت التهديد لا يعتد به، فحصلوا على البراءة". (23)

رضا هلال والاختفاء القسري

لم يكن مبارك يقبل النقد، فكان شديد العنف مع معارضيه، ولذا كان يعمل على التخلص منهم بشتى الطرق، ومنهم بعض الصحفيين أمثال رضا هلال الصحفي بجريدة الأهرام.

وفي حوار مع المقدم محمود عبدالنبي - العضو السابق بائتلاف ضباط لكن شرفاء – ذكر إن هناك تنظيماً سرياً تابعاً لوزارة الداخلية قام بعمليات اغتيال طالت نشطاء سياسيين ومعارضين لنظام الرئيس السابق حسني مبارك، مؤكدا أن لديه مستندات تثبت صحة كلامه ،كما أن ذلك التنظيم كان يرأسه مباشرة اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق، وأنه لا أحد يعلم عن هذا التنظيم سوى دائرة ضيقة جدا من رجال العادلي وقد تم إنشاء هذا التنظيم سنة 2000م.

وقال إن هدف هذا التنظيم كان قمع المعارضين لمشروع توريث جمال مبارك حكم مصر خلفا لوالده والقضاء عليهم بحيث لا يظهر دور رسمي للشرطة أو الداخلية في تلك العمليات. (24) والسبب خلف اختفاء رضا هلال وقتله هو اعتراضه على عملية التوريث، يقول عامر غريب - عضو مكتب المعلومات والمتابعة التابع للرئيس حسني مبارك: ومع بداية ظهور مشروع التوريث تهكم هلال فى إحدى الحلقات التليفزيونية على شخصية جمال وهو ما آثار حفيظة مبارك خاصة أن هلال أكد أن جمال لا يصلح لهذا المنصب.

ويضيف:

تم عمل تمثيلية عليه لاستدراجه حيث تم خطفه من الشارع كما تم اللعب فى جهاز الأنسر الخاص به "لحبك" الموضوع حيث مر رضا على عدد من المحطات قبل أن يختفى تماما وكانت المحطة الأولى في قسم شرطة مدينة نصر حيث مقر أمن الدولة هناك وتم التحقيق معه ثم قاموا بنقله إلى مقر أمن الدولة في مدينة نصر ليختفي بعدها تماما. (25)

وقال سعد الدين إبراهيم في صحيفة الرأي اليوم:

إن رضا هلال كان معه في النادي اليوناني في القاهرة قبل اختفائه في اليوم التالي مباشرة، مشيرا الى أن رضا هلال أشار في حديثه إشارة عابرة الى جمال مبارك، وحدث بعدها ما حدث.

وفي عام 2012م تقدم عاصم قنديل المحامي ببلاغ حمل رقم 7539 الى النائب العام وكيلا عن شقيق الصحفي رضا هلال - نائب رئيس تحرير الاهرام سابقا، المختفي منذ فترة طويلة - ضد حبيب العادلي وزير الداخلية الاسبق، وحسن عبدالرحمن مساعد الوزير لأمن الدولة السابق وزكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، ومحمد فراج الرائد بالسيدة زينب سابقا وسوزان مبارك وعامر غريب عضو ادارة المعلومات التابع لحسنى ورضا عوض الصحفي بصوت الامة يتهمهم بقتل شقيقه بالجير الحى ..

ذكر مقدم البلاغ انه تقدم ببلاغ الى قسم شرطة السيدة بتاريخ 14 /8 /2003 عن اختفاء شقيقه من يوم 11 أغسطس واحيل الى النيابة العامة بالسيدة وتمت احالته الى النيابة العامة، التي امرت بعمل تحريات واستخراج شهادة من شركات المحمول عن الارقام التي استقبلها او اتصل بها. أضاف البلاغ انه كان هناك تعمد مقصود لان رضا هلال كان اول من نادى بعدم شرعية التوريث وادان بلطجة الداخلية. (26)

السيسي وشراسة الانتقام

يعتبر أشرس العهود العسكرية ضد معارضيه هو عهد السيسي، الذي لا يتوانى عن اغتيال وتصفية معارضة حتى ولو كانوا صغار السن، في سابقة وظاهرة غريبة لم تحدث من قبل في العهود العسكرية بمصر.

الفريق رضا حافظ والثمن الغالي

فريق طيار أركان حرب رضا محمود حافظ محمد المولود بالمحلة الكبرى في 3 مارس 1952م، والحاصل على بكالوريوس الطيران والعلوم العسكرية 1972م، والقائد السابق للقوات الجوية المصرية وعضو المجلس العسكري، ووزير الإنتاج الحربي في حكومتي هشام قنديل والببلاوي.

إلا أن الأخبار حملت أنه وجد في مكتبه ميتا يوم الثلاثاء الموافق 3 ديسمبر 2013م أثر أزمة قلبية حادة. لكن تناثرت أخبار أنه لم يمت بأزمة قلبية لكنه تعرض للتصفية، حيث كشف مصدر مطلع (قيادة عسكرية) أن الفريق رضا حافظ تقدم بمذكرة للفريق السيسي يبدي اعتراضه على بعض السياسات التي قام بها الجيش مؤخرا بخلاف التدخل السياسي والمذابح في حق الشعب المصري وإهدار سمعة الجيش في الشارع.

وأكد المصدر أن الفريق رضا حافظ كان مستاء من تركيز الجيش على صناعة المواد الاستهلاكية وضعف القدرة الإنتاجية الحربية حتى أن قطع غيار الأسلحة كان الجيش ينتظرها من الولايات المتحدة ضمن المعونة الأمريكية. وأضاف المصدر ان الفريق السيسي نهر الفريق رضا حافظ وغضب بشدة وقام بتهديده رافضا السماع لأي صوت للعقل، غير أنه لم يتسنى للحقيقة أن تظهر جلية.

مرسي الرئيس الشهيد

خرج الدكتور محمد مرسي مع من خرج من السجن إبان ثورة 25 يناير 2011م بعد اعتقال ومجموعة من قادة الإخوان، حتى دفعت به جماعة الإخوان مرشحا لرئاسة الجمهورية، والتي استطاع أن يحسمها، غير أن الأحداث كانت تدار في الخفاء حتى وقع الانقلاب عليه في 3 يوليو 2013م من قبل السيسي بعد أن قبض على مرسي واحتجازه لدى الحرس الجمهوري.

دخل مرسي السجن وظل متمسكا بشرعيته دون أن يتنازل عنها قيد أنملة، ولذا سعي نظام السيسي للخلاص منه، حتى سقط في قاعة المحكمة ميتا يوم 17 يونيو 2019م. وقد أثار الكثيرون مسألة استهداف السيسي قتل الرئيس مرسي، بوسائل احرى غير القتل البطيء بالإهمال الطبي المطبق بعلم السيسي ووفق استراتيجية ادارة السجون للتخلص من كل قيادات جماعة الإخوان المسلمين والقوى المعارضة ،عبر منع الدواء والتريض والطعام والملابس عنهم بمحبسهم.

وقد حذر الرئيس مرسي عشرات المرات خلال محاكمته من أن هناك من يريد قتله، وقال بوضوح أمام العالم "أنا في خطر"، وطلب من المحكمة أن يلتقي محاميه ليقول لهم ما يجري ويهدد حياته.

وفي ظل تواجد الرئيس مرسي في حبس انفرادي وعزله عن الجميع وقصر تقديم الطعام له على ضباط السجن، فمن السهل تصور دسّ مواد تساعد على قتله، وهو ما حذر منه مرسي بسبب إصابته بالضغط والسكر، وتناوله أطعمة ضارة رغم صومه أغلب الوقت، لهذا لا يحتاج الأمر إلى إدراك أن هناك خطة قتل بطيئة بالإهمال الطبي، ثم تسريع خطة القتل بأدوية أو طعام يزيد من تدهور صحة الرئيس، وهم مطمئنون لأنه لا أحد سيراجعهم لأن النيابة والقضاء والسجن في يد الانقلابين.

ومن ضمن المؤشرات، أن السيسي سافر في مهمة روتينية حُشرت حشرًا في برنامجه لدول أوروبية شرقية مثل بيلاروسيا ورومانيا، ولم يكن على أجندة لقاءاته أي شيء مهم، ما يؤكد أن الخطة تضمنت إبعاده عن الصورة بقدر الإمكان؛ كي لا يرتبط اسمه بالقتل واغتيال الرئيس مرسي، ويبرر ذلك أيضًا التساؤلات حول أسباب عدم تعليقه على وفاة مرسي أو أي حداد باعتباره رئيسًا.

ومن أبرز القرائن على تورط السيسي ونظامه في قتل الرئيس مرسي، ما كشفته مصادر حقوقية معنية بملف المعتقلين في مصر، عن استدعاء جهاز الأمن لعدد من قيادات الإخوان المعتقلين في سجن العقرب قبل وفاة الرئيس محمد مرسي، ومساومتهم والحديث عن قبول مصالحة مع النظام.

وذكرت قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن الشرطة متهمة بالتسبب في قتل الرئيس مرسي، بعدما تركته ملقى على أرضية قفص الاتهام في المحكمة لمدة عشرين دقيقة بعدما فقد وعيه وسقط أرضا. كما اتهمت الأمم المتحدة ومنظمتا "العفو" و"هيومن رايتس واتش" الحقوقيتان الدوليتان سلطة الانقلاب بقتل الرئيس مرسي، بعدم توفير الرعاية الصحية له. (7)

التصفية الجسدية للمعارضين

انتهج نظام السيسي التصفية الجسدية للمعارضين سواء الإسلاميين أو السيناويين، ففي الأول من يوليو 2017م تم تصفية 9 من قيادات الإخوان المسلمين أثناء وجودهم في شقة بأكتوبر، حيث ادعى النظام أنهم تم تصفيتهم بعد تبادل لإطلاق النار، إلا أن القرائن لم تثبت صحة ما قالوا، نظرًا لعدم وجود آثار لذلك في العمارة أو الشقة، وأن صور الأسلحة التي كانت بجوار الضحايا تم وضعها بعد القتل لحبك المشهد من قبل قوات الأمن.

وفي في 2 يوليو 2015م وجدت جثة رجل الأعمال طارق خليل بمشرحة زينهم وبها آثار التعذيب الشديد، حيث كان قد اعتقل مع الدكتور محمد سعد عليوة وعذبوا بشدة في السجون العسكرية. هذا غير ما رآه الجميع من مذابح في الحرس الجمهوري وعند المنصة وفي ميدان رابعة العدوية والنهضة وما جرى في رمسيس وفي المحافظات، حتى أنه لم يمر يوم إلا ويعلن عن وفاة العشرات من المعارضين على يدي الشرطة.

والتصفية الجسدية خارج إطار القانون في عهد السيسي بلغت مبلغا كبيرا حيث لا تمر مناسبة أو حدث إلا ويعلن عن تصفية العشرات بزعم أنهم عناصر إرهابية. لقد أطلق على دولة العسكر والتي حكمت منذ عام 1952م بدولة الرعب حيث تحول السلطة الوطن إلى شبه سجن لا يستطيع فيه أحد أن يتفوه بكلمة وإلا فمصيره القتل.

المراجع

  1. يوسف صديق: أوراق يوسف صديق، طـ1، سلسلة تاريخ المصريين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999م، تقديم عبدالعظيم رمضان.
  2. أحمد حمروش: قصة ثورة 23 يوليو- مصر والعسكريون، طـ2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت لبنان، 1977م.
  3. محمد ثروت: الأوراق السرية لمحمد نجيب أول رئيس جمهورية في مصر، طـ2، دار الحياة للنشر والتوزيع، القاهرة، 2013م.
  4. عبد اللطيف البغدادي: مذكرات البغدادي، طـ1، جـ1، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1977م.
  5. عبد اللطيف البغدادي: مذكرات البغدادي، جـ2، المرجع السابق، صـ200.
  6. محمد فوزي: الفريق الشاذلي و أسرار الصدام مع السادات، دار الوطن العربي للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1993م.
  7. محمود فوزي: أبو غزالة و أسرار الإقالة، الجداوي للنشر، القاهرة، 1993م.
  8. نشوة حميدة: هل قتل "البغدادي" الملك فاروق بأوامر "عبد الناصر"؟.. 3 روايات تكشف الحقيقة
  9. صبري غنيم: أسرار ومواقف في حياة جمال عبد الناصر، مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر والدراسات، الجيزة - مصر 2004م
  10. رشاد كامل: حياة المشير عبد الحكيم عامر، طـ1، دار الخيال للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 2002م.
  11. أحمد سمير سامي: بعد 50 عاما على وفاته: لماذا كان التخلص من عامر ضروريا؟، 2017م
  12. عبدالله إمام: ناصر وعامر -الصداقة والهزيمة والانتحار، دار الخيال للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1997م.
  13. أحمد سمير سامي: بعد 50 عاما على وفاته: مرجع سابق.
  14. محمد نجيب: كنت رئيسا لمصر، طـ1، المكتب المصري الحديث، القاهرة، صـ268.
  15. د/ سعد أبو دية: الغد الأردني، الجمعة 31 تشرين الأول / أكتوبر 2008م، مرجع سابق.
  16. جابر رزق: مذبحة الإخوان المسلمين في ليمان طرة، دار اللواء للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 1421ه - 2001م، صـ 60.
  17. أغاريد مصطفى: المفكر د. رفعت السعيد يكشف ألغاز الشخصية القطبية، روزاليوسف الأسبوعية يوم 7 /9 / 2013م
  18. مصطفى أمين: سنة ثانية سجن، القاهرة، المكتب المصري الحديث، 1977م، صـ 275
  19. وائل أبو السعود: الليثي ناصف... لغز الألغاز في مدينة الضباب، 29/ 7/ 2013م، الجريدة الكويتية
  20. حسام ربيع: الاغتيالات الغامضة في مصر، رصيف 22
  21. توحيد مجدي: من قتل السادات
  22. معلومات عن تورط مبارك في أكبر عملية اغتيال خلال التسعينيات رأي اليوم
  23. معتز عباس: ابنة رفعت المحجوب تروي تفاصيل اغتيال والدها
  24. الداخلية أنشأت تنظيماً سرياً لاغتيال معارضي توريث الحكم
  25. رضا عوض: العادلي قرر الانقلاب على المخلوع ليلة جمعة الغضب للاستيلاء على السلطة!
  26. وفاء البدري: بلاغ يتهم سوزان مبارك والعادلي وعزمي بقتل رضا هلال
  27. هل قتل السيسي الرئيس مرسي؟