الإنذار المبكر في الهدي النبوي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإنذار المبكر في الهدي النبوي

بقلم: فتحي يكن

متابعة المسار الرباني

نحن مطالبون بمتابعة الخط البياني الرباني للمسار البشري , لطبيعة الأزمنة والعصور, كي نتعامل مع كل عصر وزمان بمقتضى الإسلام, والهدي القرآني والنبوي, من كل زل, والعاصم من كل زيغ وإنحراف, مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم :"تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي".

(رواه مالك في الموطأ).

لكل عصر طبيعته وملامحه وقسماته, من خير وشر, والعصور ليست سواء, قال تعالى: ((وتلك الأيام نداولها بين الناس)) (ال عمران: 140 ), ومعرفة العصر واجب للحرص على التزام الخير واجتناب الشر, وصدق القائل: "رحم الله امرءاً عرف زمانه واستقامت طريقته".

بقول حذيفة رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر, مخافة أن يدركني, فقلت: يا رسول الله, أنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم, وفيه دخن, قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي, تعرف منهم وتنكر, قلت: فهل بعد الخير من شر؟ قال: نعم, دعاة على أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها, قلت: يا رسول الله, صفهم لنا, قال: هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا, فقلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم, قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فإعتزل تلك الفرق, ولو أن تعض بأصل شجرة, حتى يدركك الموت, وأنت على ذلك" (رواه البخاري).


أمثلة من السنة

وتزخر السنة النبوية بإشارات وإيضاحات وتوصيفات ثم بإرشادات وتحذيرات تتناسب مع طبيعة كل مرحلة من تلكم المراحل, وقبل مجيئها, كأنها إنذار مبكر ينبه الغافيلين ويرشد التائهين, ويزيد الذين إهتدوا هدى.

وللدلالة والتأكيد على ما ذهبت إليه من الحرص النبوي بالإنذار المبكر والعلاج الوقائي أقدم الأمثلة التالية:

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير الناس قرني الذي أنا فيهم ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم, والآخرون أراذل" (رواه البخاري).

وفي هذا تنبيه وتحذير للتابعين, وتابعي التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين, من وعثاء السير.

ومنزلقات الطريق ومضلات الهوى, ومن كل الفتن, ما ظهر منها وما بطن, ليستعدوا, وليشمروا, فلا يقعدوا مع القاعدين, ولا يكونوا من الغافلين, فاليوم عمل ولا حساب, ويوم القيامة حساب ولا عمل, وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا, وتهيأوا للعرض الأكبر".

وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: "أنتم اليوم على بينة من ربكم, تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله, ثم تظهر فيكم السكرتان, سكرة الجهل وسكرة حب العيش, وستحولون عن ذلك, فلا تأمرون بمعروف ولا تنهون عن منكر, ولا تجاهدن في سبيل الله, القائمون يومئذ بالكتاب والسنة لهم أجر خمسين صديقاً" (حياة الصحابة للكاندهلوي).

وهذا الحديث يعتبر إنذاراً مبكراً من عواقب الجهل وحب العيش التي من شأنها تعطيل فريضتين مهمتين هما فريضة الحسبة, حيث تشيع المنكرات, وفريضة الجهاد, حيث تنزل الهزائم ويرتع الأعداء في أرض الإسلام.

وفي إنذار آخر شبيه بالذي سبقه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا تزال لا إله إلا الله تنفع من قالها, وتصرف عنهم العذاب والنقمة.. ما لم يستخفوا بها", قيل: وما الاستخفاف بها يا رسول الله؟ قال: "يظهر العمل بمعاصي الله , فلا ينكر ولا يغير" (رواه الصبهاني).

وفي إشارة واضحة إلى سوء مصير الساكتين عن الحق, المحجمين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, مع نطقهم بالشهادتين وانتمائهم إلى الإسلام, وهو ما يؤكد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما ركيزتا سلامة المجتمع وأمنه واسقامته وفلاحه وسعادته.

وفي لفتة إستشرافية مخيفة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إنها تأتي على الناس سنون خداعة, يصدق فيها الكذب ويكذب فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن, ويخون فيها الأمين, وينطق فيها الرويبيضة", أي السفيه, (رواه أحمد).

وقد ينطبق ذلك على هذا الزمان الذي نعيش فيه, ففيه تلك الصفات الذميمة التي جاء التحذير النبوي منها سابقاً لوقوعها, فكثير من أولي الأمر الناجز وأصحاب القرار النافذ في هذا الزمان جبلوا على الكذب والخيانة, وارتضوا بأن يكونوا في جبهة أعداء الإسلام.

أما أهل الإسلام وأولياءه ودعاته من الصادقين والأمناء والمؤتمنين فإنهم متهمون بالكذب والخيانة, وكل ما احتواه قاموس اللغة من خصال سوء ومنكر, فهم المتخلفون والمتطرفون, والإرهابيون والعملاء, ومطلوب أن يكونوا منبوذين محاربين مبعدين عن مواقع السلطة والقرار.


إنذارات لمختلف نواحي الحياة

وفي إنذار شديد التبكير يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "يأتي على الناس زمان يغربلون فيه غربلة, يبقى منهم حثالة, قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا" (رواه أحمد).

كأن الغربلة هنا ما يتميز بالفتن والمحن والشدائد وبالرغب والرهب وكل صنوف الإمتحان, قال تعالى: ((ونبلوكم بالشر والخير فتنة)) (الأنبياء: 35), وفي آية أخرى, قال سبحانه: ((ونبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم)) (محمد 31), وصولاً إلى النتيجة الحاسمة: ((ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون)) (الأنفال 37).

ولقد حفل القرآن الكريم والسنة المطهرة بإنذارات طالت مختلف نواحي الحياة ليحسن الناس قراءة ما يجري لهم, وأسباب مايعتريهم من مشكلات , ويصيبهم من مصائب, ثم ليتدبروا أمورهم ويصلحوا أحوالهم, وليكونوا مستبصرين.

ومن ذلك أشارت الآيات إلى أسباب هلاك الأمم لنتجنبها, كقوله تعالى في الإشارة إلى عاقبة الظلم: ((وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا)) (الكهف 59), والآيات في هذا كثيرة, وأسباب الهلاك متعددة.

وإلى ذلك أشارت الأحاديث النبوية إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء المشكلات التي تعصف بالأفراد والمجتمعات والدول كقوله صلى الله عليه وسلم في نتيجة سوء اختيار أولياء الأمور: "إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" (رواه البخاري),

وقوله في نتيجة السكوت عن الظلم, وعدم نصح الحاكم: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها" (رواه الحاكم), وقوله في نتيجة حب الدنيا وكراهية الموت: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها, قيل أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال: لا إنكم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم, وليقذفن في قلوبكم الوهن, قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".


خلاصة القول

إن التخبط الذي يعيشه الناس والأمم والشعوب كما الدول والأنظمة والحكومات والمؤسسات والجماعات إنما يعود إلى عدم الأخذ بالأسباب الوقائية للمشكلات والأزمات, وعدم إدراك الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها, مما يجعل كل فعل بعد ذلك في غير محله, ومن دون جدوى, وقد يزيد المشكلة تعقيداً, كصيحة في وادٍ, أو نفخة في رماد, نسأل الله الهدى والسداد.

المصدر