الإمام البنا والأمن القومى (2-2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإمام البنا والأمن القومى (2-2)
(الأمن القومى بين الماضى والحاضر)

بقلم : د. محمد عبدالرحمن ... عضو مكتب الإرشاد


مقدمة

الإمام حسن البنا

عندما انتهى العصر الملكى وتبعه جلاء قوات الاحتلال الأجنبى عن أرض مصر، بقيام ثورة 52، شكل ذلك بداية قوية لتحديد الأمن القومى وأبعاده، كان الكثير من قادة الثورة قد أمضوا فترة فى أسر الإخوان وتشكيلاتهم وتأثروا برؤيتهم، وكان لهذا أثره فى الرؤية الاستراتيجيةلهذا الأمر لتشمل البعد الأفريقى، ومداخل البحر الأحمر وأمن المنطقة العربية وتأمين الجبهة الشرقية والخطر الصهيونى المتصاعد، وكان للمؤسسات القومية الهامة التى تشكلت لتحديد الرؤية والتقدير لوضع خطوات عملية من امتلاك صناعة مستقلة للسلاح تمثل ذلك في إنشاء المصانع الحربية والاهتمام بتصنيع طائرة حربية مصرية مائة فى المائة وقد قطعت مراحل كبيرة فى ذلك ثم لأسباب شكلية تم بيع التصميمات للهند وأغلق هذا الملف.

ومثال آخر هو التصميم لدخول المجال النووى بكل أبعاده، وكانت نواته شركة المراجل ثم توقف هذا المشروع الهام.

لكن مع هذه الرؤية الجيدة للأمن القومى فى مجالها الخارجى صاحب ذلك أن ممارسة القيادة السياسية للدور المطلوب لم يكن بالأسلوب المناسب الذى يحقق الهدف مما أدخله فى صراعات عدة على المستوى الأفريقى أوالعربى، واستفاد منه الحليف الروسى لتحقيق أهدافه، فقد كان أسلوب الممارسة يعتمد أساساً على إبراز الحاكم وكسبه للأوراق للتحرك بها على الساحة الدولية أكثر من الاهتمام الفعلى بتحقيق المستهدفات المطلوبة وبعد مرحلة عبد الناصر بدأ يتضاءل الاهتمام الفعلى بالأمن القومى ليصبح استقرار الكرسى والنظام له الأولوية على أمن الوطن.

لقد كان هناك ثوابت من عشرات السنين لأبعاد الأمن القومى، لكن تم تجاوز ذلك وفقدت الدولة الرؤية الاستراتيجية، وقد وجهت له ضربة قوية بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد وما تلى ذلك من التبعية للسياسة الأمريكية والانقلاب على مشروع المقاومة ضد العدو الصهيونى.

كما أنه فى ظل الاستبداد السياسى، وعدم احترام مؤسسات الدولة واستقلالها، بل أصبح بعضها أداة فى يد النظام) وفى ظل مؤثرات أخرى داخلية وخارجية وشخصية.. أصبح لا يمكن لمؤسسة واحدة أو لحاكم ان ينفرد بتقرير اولويات وأبعاد وأبعاد الأمن القومى أو يقوم هو باحتكار المراجعة وتعديل المسار وفق رؤيته ومصلحته الشخصية، لابد أن تتعاون الأمة بكل مؤسساتها القومية وطوائف النخبة السياسية الوطنية والأكاديميين المتخصصين، لوضع الاستراتيجية ورسم الرؤية المطلوبة لأبعاد الأمن القومى وأولوياته والمخاطر التى تتهدده، خاصة وانهم لا يبدأون من فراغ او تخفى عنهم الثوابت فى الممارسة السابقة.


الأهداف المطلوب العمل عليها

من أجل واقع حقيقى للاهتمام بالأمن القومى لابد من وضع هذه الأهداف والعمل على تحقيقها:

1. وجود رؤية استراتيجية صحيحة متكاملة فى هذا المجال، تتوافق عليها وتعمل فى ضوئها أغلب مؤسسات وقوى المجتمع.

2. إعادة ترتيب الأولويات والأوزان النسبية فى المجتمع ومؤسساته وفق هذه الرؤية.

3. الوصول إلى التوازن الاستراتيجى (وسد الفجوة) مع الأعداء الخارجيين والمهددات المختلفة.

4. الارتقاء بالدور الاستراتيجى المصرى عربياً وأفريقياً وإسلامياً ودولياً .

5. تحقيق تماسك المجتمع ومنظومة الحقوق الأساسية له، وتأمين احتياجاته ومواجهته للمتغيرات والأزمات.

6. تحقيق مستوى جيد من التنمية الأساسية بما يوفر له فى حاضره ومستقبله ما يحتاجه من قوى بشرية متخصصة وصناعات انتاجية واستراتيجية واقتصاد قومى مستقل.


المحاور والأبعاد المطلوب تحديدها

أ‌- المحور الاستراتيجي : ويشمل

1. الفجوة بيننا وبين العدو الصهيونى (ميزان القوى) .

2. تحديد المخاطر والأعداء الخارجيين للوطن.

3. القدرة على مواجهة المهددات وتأمين الوطن (مساراتها وكيفية تحقيقها) .

4. كيفية بناء الثقة ومواجهة الهزيمة النفسية وعقدة العجز .

5. تطوير الرؤية ووضع الخطوات بما يحقق : الكفاءة والتدريب – الاستقلالية والتصنيع.

6. الاستفادة من عوامل التوازن الأخرى لتحقيق التوازن الاستراتيجى مع الأعداء.

ب‌- المحور الخارجى : بعد تحديد الرؤية الاستراتيجية، يتم تحديد الأبعاد والقضايا الخاصة به؛ مثل :

1) تحديد الوزن النسبى للمهددات أو الإيجابيات وآثارها القريبة والبعيدة وذلك فى كل الدوائر الخارجية ( العربى – الأفريقى – الإسلامى – الدولى).

2) القضايا الخاصة المؤثرة على الأمن مثل:

1. حوض النيل والدور المصرى فى أفريقيا.

2. الصراع فى القرن الأفريقى وامن البحر الأحمر.

3. المشروع الصهيونى - الأمريكى فى المنطقة وآثاره على كل محاور الأمن القومى.

4. التواجد العسكرى الأمريكى المباشر ومنظومة الأمن العربى.

5. مخططات التجزئة والتفتيت العرقى والطائفى والمذهبى.

ت‌- المحور المجتمعى الداخلى: ويشمل

1. قضية الهوية والاختراق الثقافى.

2. الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع .

3. الاستبداد السياسى وضيق قنوات التعبير واثرها على الأمن القومى.

4. تأمين مصادر الدخل القومى ومواجهة عجز الموازنة.

5. الاحتكار ومخاطر الاستثمار الأجنبى الضار أو المشبوه ( فهناك استثمار نافع يمثل إضافة للاقتصاد، وهناك استثمار للاستهلاك ولتحقيق أهداف أخرى أو واجهة لبعض القوى المعادية ).

6. المهددات الأخلاقية مثل: المخدرات – العنوسة – تماسك الأسرة – العنف.

7. توفر الآلية المناسبة والقدرة على مواجهة الكوارث والأزمات.

8. القضايا الاقتصادية الهامة المؤثرة مثل ( الفجوة الغذائية – قضايا الطاقة – جودة التعليم – الصناعات الاستراتيجية)


مهددات الأمن القومى المصرى

فى هذه المرحلة نستطيع ان نوجز ونشير إلى المهددات الهامة منها :

1. المهددات العسكرية :

أ) اختلال الميزان العسكرى بين مصر والكيان الصهيونى.

ب) ضعف وتراجع الانتاج ا لحربى، حيث تراجع إلى 600 مليون جنيه من أصل قدرة إنتاجية تبلغ 3 مليارات جنيه، وتوجه معظمها للأنشطة المدنية.

جـ) الوجود العسكرى المباشر لأمريكا فى قلب العالم ا لعربى.


2. مهددات خارجية أخرى:

أ) أمن الجوار، مثل اضطراب الوضع فى السودان، ومحاولات التواجد الأجنبى على أرضه وقرب احتمالات تفكيك السودان حيث سيجرى الاستفتاء فى الجنوب (وفى الغالب تشير الشواهد إلى احتمال أكبر بالانفصال ).

ب) امن المياه وإذا لم تستطع المفاوضات الحالية فى تأمين حصة مصر وقطع الطريق على الكيان الصهيونى، فستكون مصر معرضة لأزمة كبيرة، ولا تملك مصر وسائل وأوراق ضغط فى هذا الميدان ( المستجدات فى هذا الأمر : جفاف بعض منابع النيل فى أثيوبيا – بناء سد مروى بشمال السودان عند الشلال الرابع فى نهر النيل، البدء فى إنشاء سدود أخرى فى أثيوبيا وكينيا وجنوب السودان .. ) .

جـ) التواجد غير العربى فى مدخل البحر الأحمر، بمايهدد قناة السويس بالإضافة لآثاره الأخرى (المستجدات : جزر مدخل البحر الأحمر والتواجد الأجنبى والصهيونى غير المباشر فيها – اضطرابات جنوب اليمن – قراصنة الصومال والتواجد البحرى الأجنبى هناك)

د) تصاعد الصراع والضغط على المقاومة الفلسطينية، وتراجع دعمها بل وحصارها وإضعافها، وهى التى تشكل خط دفاع استراتيجى من جهة الشرق ضد العدو الصهيونى.


3. المهددات الاقتصادية :-

أ) سيطرة رأس المال الأجنبى الضار أو المشبوه على مفاصل أساسية فى الاقتصاد المصرى.

ب) ضعف الانتاج الصناعى وتراجع مؤشراته، وكذلك الزراعى .

جـ) اعتماد الدخل القومى المصرى فى غالبيته على المؤثرات الخارجية (السياحة – قناة السويس – العمالة بالخارج .. ) وبالتالى فإن أى مؤثر خارجى يستطيع أن يضرب ويؤثر على الدخل القومى، ويصبح من الأهمية بمكان الحاجة إلى بناء قاعدة اقتصادية مستقرة لا تتأثر بالعوامل الخارجية كثيرا .

د) تزايد الدين الداخلى بدرجة كبيرة تخطت 123 % من الناتج القومى وبهذا تخطت خط الخطورة فى هذا الشأن.

هـ) أزمة الغذاء وارتفاع أسعاره متأثراً بالارتفاع العالمى ( خاصة القمح والأعلاف) مع ضعف الإنتاج الوطنى فى هذه المجالات : ( الدواجن –ا لبيض – اللحوم – الألبان – الجبن .. الخ ) متأثراً بأحداث متتالية لم يكن هناك قدر كاف للسيطرة عليها أو التعامل السليم معها .

و) تراجع معدل التنمية البشرية فى مصر : حيث ترتيب مصر الـ 120 من بين 177 دولة .

ز) المنظومة الاحتكارية لفئة محدودة من رجال الأعمال للاقتصاد المصرى والمضاربة وأسلوب الاحتكار وتأثيرهم على القرار السياسى.


4. المهددات المجتمعية :

أ) ازدياد البطالة التى وصل معدلها إلى 12 % وتزايد معدلات الفقر لدرجة غياب شريحة الطبقة المتوسطة تقريباً ليزداد عدد من هم تحت خط الفقر الذى وصل إلى 34 مليون ( حيث يقل دخلهم اليومى عن 2 دولار فى اليوم ).

ب) ضعف مستوى التعليم وجودته، والذى اصبح على وشك الانهيار .

جـ) تدهور المستوى الأخلاقى بالمجتمع، متمثلاً فى:

- زيادة فى معدل الجرائم الاجتماعية.

- تفكك الأسر وزيادة فى أطفال الشوراع.

- عدم احترام القانون.

- الميل للعنف .

- انتشار الرشوة والفساد.

- التدخين وانتشار ا لمخدرات .

- الزواج السرى – الدعارة .. الخ .

د) التأثير السلبى والخطير من الإعلام العالمى على المفاهيم والسلوكيات، والاختراق الثقافى للأجيال الناشئة.


5. اهتزاز استقرار المجتمع وبروز مطالب فئوية :

أ) النوبة – قبائل سيناء .

ب) الاحتقان الطائفى ويساعد عليه المناخ السائد والانتهازية والتصرفات الحمقاء من اطراف مختلفة، والاستقواء بالخارج وأسلوب الدولة الغير مناسب.


6. ضعف مرتكزات الشأن المعنوى لدى المواطنين:

ويتمثل ذلك فى :

أ) ضعف شعور الانتماء للوطن، واتجاه المصريين إلى الهجرة للمجهول .

ب) تقليل مساحة الحريات السياسية، واستمرار التلاعب بالانتخابات أو تزويرها، مما أدى إلى عدم تفاعل الغالبية وإضعاف القوى الوطنية وانتشار الاستبداد السياسى (أصبح من المتفق عليه علمياً أن هذه الأمور تؤثر بشدة على الأمن القومى بمفهومه الشامل) .

جـ) عدم محاسبة أصحاب الفساد وخاصة الكبار واستمرارهم فى أماكنهم وأعمالهم بل وانتشار الفساد إلى مستويات كبيرة وهامة فى المجتمع .


7. تدهور استراتيجية الأمن القومى العربى :

أ) فأصبحت أمريكا جزءاً رئيسياً من معادلة الأمن القومى العربى، كما أن هناك دوراً متزايداً للكيان الصهيونى فى المنطقة ( اقتصادى – سياسى) وتأثير ذلك على النزاعات الطائفية وامن المنطقة. ب) الصراع الشيعى –السنى بالمنطقة والذى ينذر بتهديدات وتطورات خطيرة وتلعب فيه أطراف خارجية لمصلحتها ( أمريكا والكيان الصهيونى فهما المستفيد الحقيقى من تطورات وتداعيات هذا الصراع ) .

جـ) طرح روابط وتجمعات جديدة تتعارض مع الأمن العربى، وتدخل فيه أطراف أخرى لها أجندة خاصة، وتمهد لإدخال الكيان الصهيونى فى الاستراتيجية الخاصة بالمنطقة مثال الاتحاد الأورومتوسطى.

هـ) التهديد بتفتيت الدول، وإذكاء الصراعات فيما بينها، وعدم استقرار نظم الحكم فيها أو آليات انتقال السلطة، فانفرط عقد الأمن العربى وأصبحت دوله فى حالة دفاع أو تراجع دون رؤية واحدة تعمل عليها بل تنتظر ما تسفر عنه الأحداث، أو تتعامل وفق مصلحتها الشخصية مع كل حدث تواجهه وأصبحت أكثر قابلية للضغط الخارجى.


8. إضعاف دور مصر الريادى فى المنطقة، وإزاحته لمصالح عناصر أخرى:

لمصر تاريخ وثقل سياسى وشعبى، ودور هام داخل المنطقة العربية وإضعاف هذا الدور او أنها تحاول ممارسته بطريقة غير صحيحة أو متأثرة بالتوجيه الخارجى، يؤدى إلى انفراط عقد الأمة العربية .


9. ضعف آلية إدارة الأزمات وخاصة فى مواجهة الكوارث، ويدخل معها أيضاً تصاعد نزيف حوادث الطرق من إصابات ووفيات .


10. تدهور أمن المعلومات:

ليس فقط فى الجانب العسكرى ، وإنما فى كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الهامة، ويشمل ذلك اكتمال ودقة المعلومات فى مختلف المجالات الداخلية، وكذلك المعلومات المتعلقة بأى أزمة فى الشأن الخارجى، وما هو متعلق بالقوى المختلفة المؤثرة فى المنطقة.

والأكثر خطورة فى هذا المجال وصول هذه المعلومات بكل تفاصيلها للقوىالخارجية الأخرى وعلى رأسها أمريكا والعدو الصهيونى .


خاتمة

إننا ندق ناقوس الخطر، ونناشد كل القوى الوطنية ومؤسسات المجتمع القومية أن تلتفت إلى هذه المهددات وهذا التدهور الشديد فى أمننا القومى، وأن عليها أن تلتقى وأن تتعاون وتتساند لمواجهة هذه التهديدات وصياغة رؤية استراتيجية ثابتة.

وهذا الأمر له مكانه فى دعوتنا، وقد أولاه الإمام الشهيد كما بينا اهتماماً كبيراً، وموقف الإخوان من العدو الصهيونى، ورفضهم لكامب ديفيد ومشروعهم المستمر لمواجهة هذا الخطر يصب مباشرة فى دعم الأمن القومى المصرى والعربى، كما أن برنامجهم الإصلاحى فى المجتمع من مواجهة التدهور الأخلاقى والاختراق الثقافى، والدور الإغاثى والتكافلى يشكل دعما قويا لهذا الأمن القومى، وكذلك موقفهم الثابت من رفض أى فوضى أو تخريب فى مقدرات الأمة، وإن الحرب التى يتم شنها عليهم من منطلق التنافس الحزبى أو الخوف على الكرسى أو إرضاء لقوى خارجية هو محاولة لإقصاء فصيل أساسى داعم للأمن القومى، والذى هو بحاجة إلى تضافر كل الجهود وتعاون كل القوى الوطنية لدفع المخاطر التى يتعرض لها .


- لمزيد من التفصيل نحيل القارئ إلى الكتابات التى صدرت بهذا الشأن ومنها مقالات الأستاذ أحمد التلاوى -