الإسلام السياسي بين الصعود والأفول (الجزء الثاني)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسلام السياسي بين الصعود والأفول (الجزء الثاني)


بقلم : عبده مصطفى دسوقي

بين الصعود والأفول

عاش العالم الإسلامي في ضعف في نهاية حكم الدولة العثمانية والتي تكالب على جسدها المتهالك معظم الدول الغربية لتمزيق هذا الجسد وبسط النفوذ والسيطرة على مقدرات وموارد هذه الدول.

وظل الأمر يزداد ضعفا حتى كانت القاضية التي وجهها مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924م فأصبح المسلمون بلا رأس تجمعهم، واستبعد الشريعة الإسلامية من المؤسسات التشريعية، وتصفية رموز الإسلام والمحافظين، ما أدى إلى شعور دفاق لدى المسلمين الغيورين على دينهم بأن هناك خطراً كبيراً بات يتهدد الإسلام، لاسيما بعد وقوع العديد من الدول الإسلامية تحت انتداب الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وكذلك انتشار حركة القومية العربية ذات النزعة العلمانية المعارضة لتطبيق الشريعة الإسلامية، فكانت هذه العوامل سبباً مباشراً لانتشار ما سمي بحركات الإسلام السياسي في كثير من الدول العربية والإسلامية، حيث تشكلت للتصدي للمحتل ولإيقاظ الوعي لدى الشعوب المحتلة، وغرس مفاهيم الجهاد وهذا ما أزعج دول الغرب وخوفها من هذه الحركات.

فقد انبثقت وظهرت حركة عز الدين القسام بفلسطين والإخوان المسلمين بمصر وجماعات عمر المختار بليبيا وعبد الكريم الخطابي بالمغرب وأبو بكر الجزائري في الجزائر والجماعة الإسلاميةفي الهند وباكستان ...وتشكلت هذه الجماعات وانتشرت وسط جموع الشعوب وتجند في إطارها كثير من الشباب الذي سعى لفهم دينه أو للعلو بوطنيته.

ولننظر إلى وصف بعض الكتابات التي أوضحت خطورة هذه الحركات على الوجود الاستعماري والصهيوني فوضعوا الخطط لتشويه وتدمير هذه الحركات. ففي عام 1965م نشر الكاتب اليهودي "إيرل برغر" كتابا بعنوان " العهد والسيف" قال فيه: "إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن العرب لابد أن يبادروا ذات يوم إلى التعاون معنا، ولكن هذا التعاون لن يتحقق إلا بعد القضاء على جميع العناصر التي تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي وفي مقدمة هذه العناصر رجال الدين المتعصبين من أتباع الإخوان المسلمين (1).

ويقول الكولونيل اليهودي ناتنيال لورك:

أول مشاركة مصرية في حرب فلسطين قام بها الإخوان المسلمون، الذين يعتبرون الاستعمار والصهيونية ألدَّ أعداء الإسلام، وكان محاربو الإخوان المسلمين يمتازون بروح قتالية متعصبة، وكانوا على استعداد واضح للتضحية بالحياة (2).

ويقول الكاتب الإنجليزي "توم ليتل":

إنَّ كلَّ الحركاتِ النشطة والعاملة في مصر بما فيها حزب الوفد اشتركت في العملياتِ الهجومية ضد قوات الجيش البريطاني المرابطة في قناة السويس, ولكن المصدر الذي انبعثت منه إستراتيجية حرب العصابات ضد الإنجليز, وإثارة الشغب ضدهم، تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين المتوغلة في تطرفها الوطني" (3).

كما ذكر الفرنسي جان فرنسوا لوغران في كتابه الإسلاميون والنضال الوطني الفلسطيني في الأراضي المحتلة حيث تحدث عن تطور نشاطات الإخوان في الميدان العسكري من خلال جناحهم الجهادي حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) (4).

لهذه الأسباب والعوامل انطلقت سهام الغرب لوقف نشاط هذه الحركات الإسلامية فألصق بها صفة الإسلام السياسي وحصر نشاطها فقط حول الصراع على الحكم والوصول للسلطة، وسيطرة الحكم الديني على مقومات الحياة.

لكن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م حاولت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي "جورج بوش" إيجاد طريقة للحد من انتشار هذه الحركات، فأعلنت الولايات المتحدة الحرب على "الإرهاب الإسلامي"، فعانت بعض الدول من ويلات الحرب الأمريكية كما اكتوت كثير من الشعوب من الأنظمة الديكتاتورية فجاء ذلك بأثر عكسي على سياسته حيث دفعت الشعب للتلاحم حول هذه الحركات التي أخذت في الانتشار، وحققت نجاحات كثيرة على أرض الواقع سواء في المجالس النيابية أو الحكومات التنفيذية، في تركيا حقق حزب العدالة والتنمية بزعامة "رجب طيب أردوغان" النجاح الذي مكنه من تشكيل الحكومة وحدة، وفي ماليزيا برز محمد مهاتير بفكره الإسلامي، كما حقق الإخوان المسلمين نجاحا لفت الأنظار عام 2005م، وبعدها فازت حركة حماس بأغلبية في المجالس النيابية وشكلت الحكومة وفي المغرب وغيرها مما حدا بالدول الغربية لدراسة هذه الظاهرة ووضع السبل لعرقلتها حتى استيقظ العالم على انتفاضة الشعوب في تونس ثم مصر وسوريا واليمن، والتي أفزعت العالم بحركاتها العفوية والتي اتضح فيما بعد أن الحركات الإسلامية تتولى زمام القيادة في هذه الانتفاضات الشعبية، فكان العمل على إجهاضها والقضاء عليها.

وصلت حركة النهضة في تونس بعد إجراء الانتخابات وتشكيلها الحكومة وتكيفها حسب طبيعية بلادها وهي الحركة الوحيدة التي كانت مرنة في التعامل مع الواقع.

كما حقق حزب الحرب والعدالة في مصر برياسة محمد مرسي النجاح في أول برلمان بعد الثورة ثم كانت المفاجأة هي نجاح مرسي ليكون أول رئيس من حركة الإخوان في مصر فكان صعودا سريعا لم يكن على دراسة كافية ولا استراتيجيات للواقع الذي تعيشه الجماعة أو المحيطين حولها أو نظرة الغرب لها كجماعة على رأس السلطة ولذا بدأت الحكومات الغربية وأتباعها في العالم العربي والإسلامي من وضع الخطط لإنهاء هذه التجربة وترسيخ القناعة بفشل تجربتها

صحب هذا الإعداد بعض التغييرات على ارض الواقع حيث تم الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013م ثم صعود ترمب لسدة الحكم في أمريكا –وهو المعروف عنه التعصب ضد الإسلام والحركات الإسلامية- كما حدثت بعض التغييرات في أوروبا مما هيئ الجو لضرب هذه الحركات ومحاولة القضاء عليها.

هل أفل الإسلام السياسي؟

بعد الأحداث التي وقعت في عام 2013م وتعرض الحركات الإسلامية سواء المعتدلة أو المتطرفة لضربات موجعة من قبل الأنظمة الحاكمة والنظام العالمي، تعرض أنصار هذه الحركات للقتل والاعتقال والمحاكمات والمطاردة، وبعدما كانت المظاهرات تملئ الشوارع في بداية الأحداث اختفى كل ذلك وأصبح لا يرى أو يسمع إلا صوت أنين المضربين أو آهات المحتفيين، ومن ثم دفع بعض الباحثين الكتابة والحديث عن أفول حركات الإسلام السياسي..لكن هل هذا حقيقي؟ من الدراسات التي سيقت نستطيع أن نخرج بحقيقة أن الضربات الموجهة لهذه الحركات هي أعنف موجة توجه لها على مدار تاريخها، غير أن المتتبع لحركات الإسلام السياسي المعتدل يدرك أن هذا الحركات لن تأفل ولن تغيب، لكنها قد تضعف، ويختفي أثرها لأوقات قصيرة أو طويلة.

لقد كان صعود هذه الحركات ظاهرة غير متوقعة في هذا الوقت غير أنها كانت تهدف لتطبيق منهجها الشمولي في فهم الإسلام، بقول سعد الدين إبراهيم: أن الحركات الإسلامية تسعى إلى بناء نظام اجتماعي جديد قائم على الإسلام وتحدث في دراسات أخرى عن العوامل المؤثرة في صعود هذه الحركات مشيرا إلى مسائل مثل الهوية، والتحديث، والميراث الثقافي، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة السياسية، والسيطرة الأجنبية ثقافيا وسياسيا (5).

لم تصل حركات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم فجأة كنتاج لثورات الربيع العربي لكن هو نتاج عمل تراكمي سابق، وبالتالي فان عملية الوصول إلى السلطة هو تتويج لذلك العمل النضالي الطويل، كما انه ترجمة حقيقية لمستوى النفوذ الذي تتمتع به تلك الحركات في الوسط الاجتماعي.

فكان من أسباب الصعود لهذه الحركات:

  • 1- انسجام خطاب الإسلام السياسي مع البيئة الاجتماعية

لقد تبنت حركات الإسلام السياسي في مختلف الساحات الإسلامية في شعاراتها حمل لواء الدفاع عن كرامة الأمة ليس لأغراض تكتيكية أو أهداف فئوية أو شخصية ضيقة، بحسب شعاراتها،ودفعت ثمن موقفها هذا، وجادت بأرواح خيرة أبنائها في سبيل الدفاع عن الحقوق، فحازت بسبب ذلك على مصداقية عالية من شرائح المجتمع، فكانت بذلك العنوان الحقيقي والممثل الأمين لكرامة الأمة.

  • 2- مناهضتها للاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي

لقد قاومت الحركات الإسلامية الأنظمة المستبدة الحاكمة، ودفعت الثمن المقابل لهذه المقامة المتمثل في اعتقال وتعذيب ونفي أفرادها، ولم تكتف بمقاومة الاستبداد الخالي، فهي كانت على الدوام أيضا تقاوم كل أشكال الاحتلال والاستعمار والوصاية الخارجية، مما جعلها مظلة للدفاع عن الأمة وكرامتها ورافعة أساسية لنيل حقوقها وحريتها.

  • 3- الاتكاء على أرضية الدين والعمل التطوعي الإنساني

الحركات الإسلامية هي انعكاس وتجسيد للتدين، لذلك هي متكيفة معه في عملها ومشروعاتها وخطاباتها.وقد شكل الدين للحركات الإسلامية عاملا مهما للتحشيد والتأثير، خصوصا من خلال العمل الدعوي والتطوعي عبر المساجد والمواقع العبادية الأخرى.

  • 4- استبداد الأنظمة العربية وفسادها

في الوقت الذي تتمتع الأنظمة العربية بمزيد من القوة الفائضة أحيانا على صعيد أجهزتها الأمنية والعسكرية والمخابراتية، هي ضعيفة إلى حد الهشاشة على الصعيد الشعبي، بل أن شرعيتها المنقوصة مهزوزة ومهترئة أيضا، وذلك بسبب إيغالها في الفساد بمختلف إشكاله إلى جانب احتكارها للسلطة والثروة، وإقصائها للشعب عن المشاركة، في حين انه مصدر الشرعية والسلطة.

ومما لا شك فيه أن تحقيق الجماعات الإسلامية في دول عربية مختلفـة، فيما مضى، لنتائج مفاجئة في الانتخابات التشريعية والبلديـة، وفي انتخابات النقابات المهنية والعمالية، كان له الأثر الكبير في ارتفاع أسهم الإسلام السياسي في الشارع العربي. ولقد تم ذلك في ظل وجود أنظمة سياسية عَلْمانية عربية هشّة وفاسدة، لم تستطيع من خلال سياساتها الفاشلة أن تحقق الحد الأدنى من غايات وتطلعات شعوبها، التي اكتوت بنار الفقر والبطالة والحرمان وسوء الأحوال المعيشية، في الوقت الذي كانت فيه الطبقة الحاكمة تتمتع بالثروات الوطنية وتتلاعب بها (6).

إنّ وصول حركة سياسية إلى السلطة باسم الإسلام، والعمل على تعزيز الهوية الإسلامية هو أمر مشروع، لكن هذه التجارب تعثرت ولم تستكمل حكمها لأسباب عدة، سواء من ذات الحركة وفهمها أو عوامل خارجية، ومن ذلك:

  • 1- توقف الحركة عند مهمة الدفاع عن الهوية وترصيص صفوف الجماعة

كان على الإسلاميين أن يدركوا حقيقة أن التنظيمات المجتمعية الثورية التي ولدت أثناء وبعد "الربيع العربي"، وواجهت آلات القمع التقليدية بكل بسالة، واستطاعت أن تنجز مهمة إسقاط الحكومات الديكتاتورية العريقة، لم يعد بالإمكان التعاطي معها بلغة القوة والتهديد والقسر، ولا بد لهم من إنتاج خطاب توافقي، يستوعب المجتمع بكل أطيافه وتوجهاته.

  • 2- عدم الانفتاح على الآخرين والانغلاق داخل جيتو متحزب

لقد ظلت الحركات الإسلامية في مقارعة السلطة القائمة، والتهاء قادتها ورجالها بأمور تخص التنظيم الداخلي للجماعة، أما مسألة «التمكين» التي تبشر بها فلم تتحول إلى فكرة واثقة عند الإسلاميين، وإنما ظلت مجرد «أمل منتظر» تسعى إليها.

لقد انغلقت الحركات على نفسها وعلى تنظيمها مما جعلها وحيدة في ساحة الصراع مع القوى المضادة، بالإضافة للتناحر الذي كان بين الحركات الإسلامية بعضها البعض زاد من هرم وضعف هذه الحركات.

  • 3- التربص بحركات الإسلام السياسي

منذ أن احتلت هرم السلطة في العديد من الدول عمدت كل القوى المضادة لإسقاط هذه الأنظمة الإسلامية بل وإظهارها بمظهر الفشل، وتسخير المراكز البحثية لإيجاد السبل لإفشال هذه التجربة التي كانت تهدد كل عروش الأنظمة المستبدة والأسرة الحاكمة والتي خشيت أن تمتد هذه الانتفاضات إلى بلادها فتزيل الأنظمة التي كانت تحكم.

أسباب السقوط كثيرة ليس مجالها هذا البحث لكن هنا أردت أن أصل هل ما يساق من فشل وأفول الإسلام السياسي كان واقعيا أم أنه انزواء لفترة ثم يعود مرة أخرى.

فالواقع ومجريات التاريخ تؤكد أن الحركات الإسلامية المعتدلة لن تنزوي أو تنتهي لكنها ربما تضعف بعض الوقت في ظل ظروف معينة، أو تغيب لفترات معينة لكنها حينما يتحين لها الفرصة ستعود مرة أخرى والشواهد على ذلك كثيرة سواء في مصر أو غيرها.

فقد رأينا كيف تعرضت جماعة الإخوان المسلمين إلى الضربات المتتالية في عهد الملكية حينما أصدر النقراشي باشا الحاكم العسكري قرار بحل الإخوان المسلمين عام 1948م واعتقال أفرادها وظلت الجماعة في محنتها حتى عادت بعد ثلاث سنوات، وما كادت تستفيق من صدمتها حتى وجهت لها ضربة أقوى في عهد العسكر عام 1954م وغيبت الجماعة أكثر من عشرين عاما خلف السجون حتى ظن الجميع أنه لم يعد لها وجود لكنها لم يمر عليها سنوات قليلة حتى عادت لمكانتها مرة أخرى وأصبح لها أنصار كثر وقد فاجأت الجميع بما اكتسبته من انتخابات 1984 و 87 ثم 2000 و2005م رغم الممارسات القمعية والمحاكمات العسكرية التي كانت تمارسها السلطة ضدها.

وفي فلسطين رأينا كيف كانت حماس تعيش في كنف الخيانة والتجاهل حتى كانت انتخابات 2006م والتي أذهلت الجميع وفازت.

وفي تونس ورغم المحن التي تعرضت لها الجماعة على يد بورقيبة أو زين العابدين بن علي حيث تعرضوا للقتل والنفي والبعد عن الأوطان والغربة لكن ما أن انطلقت شرارة الثورة وعادوا لأوطانهم كانت لهم اليد الطولى في الانتخابات.

ولا نغفل ليبيا والتي كان العقيد القذافي يقتل رجالها وينفيهم خارج البلاد، ومع ذلك حينما عادوا بعد الثورة شاركوا في الحكم كقوة.

إذا الحركات الإسلامية المعتدلة تحمل عوامل قوتها في داخلها والتي تجعلها تتحمل الضربات والمحن التي تواجهها، ومنها:

  • 1- الفكرة والعقيدة

من العوامل القوية في بقاء هذه الحركات هي وجود فكرة تنطلق منها وتؤمن بها وتحيا من اجلها وهي فكرة ربانية انطلقت من المفهوم الشامل للدين الإسلامي وتكونت في سبيله عقيدة راسخة.

  • 2- وضوح الهدف والغاية

كلما كان الهدف والغاية واضحين كانت التضحيات في سبيله عن قناعة، فالاعتقالات والموت والبذل في سبيل الفكرة لا ينتج إلا عن قناعة ووضوح للغاية التي يعمل من اجلها الإنسان، وليس هذا الهدف في الحركات الإسلامية فحسب بل في جميع الشئون الحياتية، سواء في المؤسسات أو الشركات أو غيرها لابد لها من وضح للهدف والغاية التي من أجلها يضحي الإنسان.

  • 3- التربية

من أهم مقومات القوة التي تمتلكها هذه الحركات هي عنصر التربية والتي تعتني بأفراد الصف وتؤهلهم وتتابعهم في شئونهم وتصلح من أخطائهم وترشدهم للصواب، وهذا ما يميز هذه الحركات وليست كالأحزاب التي لا تهتم بتربية الأفراد.

كما أن التربية هي الوسيلة الفذة لتغيير المجتمع، وبناء الرجل، وتحقيق الآمال، فإذا كانت التربية محددة الأهداف، واضحة الخطوات، معلومة المصادر، متكاملة الجوانب، متنوعة الأساليب، مستمدة من الإسلام دون سواه، سيكون تأثيرها قوى على النفوس وتجعلها تقبل بالتضحيات في سبيل الفكرة.

  • 4- التكامل والشمول

لقد فهمت حركات الإسلام السياسي أن التربية لا تقتصر على جانب واحد من جوانب الإنسان، فلا تهتم مثلاً بالناحية الروحية أو الخلقية وتترك الناحية الاجتماعية، أو تهتم بالجانب الفكري وتترك الجانب التدريبى والبدني.. بل اهتمت بكلِّ هذه الجوانب جميعًا.

  • 5- الاعتدال والتوازن والوسطية

من أهم ما يميز هذه الحركات الاعتدال والتوازن في كل أمورهم فلا عندهم غلو ولا شطط ولا رفض للآخرين، وتوازن في التعامل مع جميع القضايا وجميع الأطراف، فيقول إحسان عبد القدوس في إحدى مقالاته عن شباب الإخوان: وهم مع كل ذلك شباب مودرن، لا تحس فيهم الجمود الذي امتاز به رجال الدين وأتباعهم، ولا تسمع في أحاديثهم التعاويذ الجوفاء التي اعتدنا أن نسخر منها، بل إنهم واقعيون يحدثونك حديث الحياة لا حديث الموت، قلوبهم في السماء، ولكن أقدامهم على الأرض، يسعون بها بين مرافقها، ويناقشون مشكلاتها، ويحسون بأفراحها وأحزانها، وقد تسمع فيهم من ينكِّت ومن يحدثك في الاقتصاد، والقانون، والهندسة والطب (7).

  • 6- الأمل

"ما دام في قلوبنا أمل سنحقق الحلم سَنمضي إلى الأمام ولن تقف في دروبنا الصِعاب لندخل في سباق الحياة ونحقق الفوز بعزمنا فاليأس والاستسلام ليست من شيمنا" كلمات تربى عليها شباب الحركات الإسلامية، فالأمل هي تلك النافذة الصغيرة، التي مهما صغر حجمها، إلّا أنها تفتح آفاقاً واسعة في الحياة ولذا يدرك أنصار هذه الحركات أن بعد الظلم والاضطهاد نصر وعلو، ولهذا يعدوهم الأمل فثبتوا وتحملوا التضحيات.

  • 7- العمل الجماعي

من الدعائم القوية التي تحفظ كيان المؤسسات أو الحركات هو العمل الجماعي وعدم الفردية، أنه يؤدي إلى زيادة القدرة لدى الأفراد على التفكير بطريقة واقعية ومنطقية، والتي تقوم على بناء معرفي وعلمي عند القيام بتقصي الحقائق، ومعرفة الأسباب الرئيسية لجميع الأعمال.

هذه بعض العوامل التي تجعل من هذه الحركات والجماعات المعتدلة لا تأفل، ورغم المحن والاضطهاد التي توجهها والتي تضعفها وتغييبها عن الحياة بعض الوقت لكنها لا تزيلها ولا تقضي عليها، وهذه حقيقة يقرها الجميع سواء في الشرق أو الغرب.

ولهذا اتفق مع من يقول أنه لا يوجد ما يسمى بمصطلح الإسلام السياسي والذي يستهدف الإسلام قبل أن يستهدف أى حركة أو جماعة من الجماعة، كما أتفق مع من يؤكد على عدم خلط الأوراق بين الجماعات الإسلامية المعتدلة وجماعات العنف والتي يحاربها الإسلام والمجتمع.

الهامش

(1) إيرل برغر: العهد والسيف، عام 1965م، صـ 169- 172

(2) ناتنيال لورك: مذكراته حد السيف، 1965م.

(3) توم ليتل: مصر الحديثة، طبعته الأولي بالإنجليزية في عام 1967م عن دار ارنست بن للنشر في لندن

(4) جان فرنسوا لوغران: الإسلاميون والنضال الوطني الفلسطيني في الأراضي المحتلة، دورية (ريفيو فرانس دوسيانس بوليتيك) في عددها رقم (2) من مجلدها رقم 36 الصادر في شهر نيسان من عام 1986م.

(5) Saad Eddin Ibrahim, Islamic Militancy as a Social Movement: the Case of Two Groups in Egypt

(6) محمد الشيوخ نقلا عن عبد المنعم، سليمان: "أسباب صعود تيار الإسلام السياسي بعد الربيع العربي"، 2012م.

(7) إحسان عبد القدوس: روزاليوسف، 13 سبتمبر 1945م مقال بعنوان الرجل الذي يتبعه النصف مليون.