الإخوان المسلمين في سوريا الحلقة الاولى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمين في سوريا وثقوب في جدران الجماعة


الإخوان المسلمين في سوريا وثقوب في جدران الجماعة (الحلقة الاولى)


توطئة

55شعار-الاخوان.jpg

تعتبر بلاد الشام امتداد استراتيجيا لشمال أفريقيا خاصة مصر، حيث كانت في القدم من أراد أن يغزو الشام لابد أن يبسط سيطرته على مصر، ومن أراد دخول مصر والتمكن منها كان لابد من إخضاع الشام لسيطرته، لتكتمل منظومة السيطرة على البلدين.

ولا عجب إن كانت الشام ومصر مسرح لكثير من صراعات الحكام لبسط النفوذ عليهما، كما كانت ساحة للحروب العالمية التي توحدت فيها جهود البلدين للتصدي لما يجرى على أرضها كمعركة حطين وعين جالوت وغيرها من المعارك العالمية التي غيرت مجرى التاريخ وتوحدت فيها الإرادة المصرية بالإرادة الشامية.

وهكذا ..فما أن ظهرت جماعة الإخوان المسلمين ووضعت الأطر العالمية لها حتى كانت بلاد الشام قبلتهم الأولى لنشر فكرتهم، والتي وجدوا فيها استجابة كبيرة من علمائها وشعوبها.

جغرافية سوريا

الجمهورية العربية السورية، دولة مستقلة، تقع في جنوب غرب آسيا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في منطقة تعتبر صلة الوصل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، شهدت قيام حضارات عديدة مؤثرة في التاريخ البشري، وتعود أقدم الآثار البشرية في سوريا لمليون عام، وتتالت على أرضها عدد من الحضارات القديمة، بقيت ماثلة من خلال الآثار والأوابد التاريخية الماثلة إلى اليوم، منها حضارات السومريين والآشوريين والفينيقيين، فضلًا عن السلوقيين والرومان فالبيزنطيين والأمويين والعباسيين والصليبيين فالعثمانيين على ذلك.

تقع سوريا في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وتتميز بتنوع تضاريسها. تطل سوريا على البحر الأبيض المتوسط ويبلغ طول الشريط الساحلي 193 كم، أما مجموع الحدود العام يبلغ 2253 كم، وهو موزع بين تركيا في الشمال، والعراق في الشرق والجنوب، والأردن في الجنوب، أما من ناحية الغرب فإلى جانب البحر الأبيض المتوسط يحد سوريا من لبنان وفلسطين المحتلة (1).

بداية دعوة الإخوان في سوريا

كان من أهداف الإمام البنا الوصول بدعوة الإخوان للعالمية، ونشر هذه المفاهيم الشاملة في كل مكان على وجه الأرض، حيث تضافرت أسباب عدة جعلت من سوريا أول قطر عربي يستجيب لصيحة الإمام حسن البنا في ظهور دعوة الإخوان المسلمين في سوريا في وقت مبكر، ومنها:

  1. اهتمام الإمام البنا ببلاد الشام ولاسيما فلسطين ، إذ أدرك رحمه الله ما يبيت لها من شرور ومخططات ترمي إلى خطفها من أهلها ، وإحلال اليهود الوافدين إليها من كل الآفاق محلهم، فكانت زيارات كبار الإخوان لها.
  2. كان البنا يرى في بلاد الشام أملاً كبيرًا للعرب وللمسلمين ، وينظر إليها بعين التقدير والمحبة والرجاء.
  3. في الثلاثينيات رحل عدد من طلاب العلم من سوريا إلى مصر لتلقي الاختصاصات في علوم الشريعة في الأزهر الشريف ، كان من أبرزهم الشيخ مصطفى السباعي والشيخ محمد الحامد رحمهما الله ، فتعرفوا على جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة والإمام البنا، فامتلأت نفوسهم إعجابًا بغزارة علمه، وجميل تواضعه، وسعة أفقه وحسن معشره، فتعلقت قلوبهم به، ولم يستطيعوا فراقه أو الابتعاد عنه، ونقلوا فهمه للإسلام على أوطانهم (2).

صراع الهوية

كان لسقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م صدى عظيم على الشعوب الإسلامية التي شعرت بانتكاسة من جراء سقوطها، والتي كانت بداية الصراع العلني على الهوية، حيث ظهر بعض القوميين يعلنون تضامنهم مع سقوط الخلافة، وأنه لابد بوجوب الابتعاد عن الإسلام وعن قيمه وأحكامه، متأثرين في هذا بالنهج الغربي، والفكر العلماني، والطابع الكمالي.

ومن هنا تنادى أهل الغيرة الإسلامية ممزوجة بالحمية الوطنية من رجال الإسلام وشيوخه وعلمائه ، ومن وجهاء البلد وزعمائه كي يلتفوا ويشكلوا جماعات وجمعيات إسلامية تنادي بالعودة إلى رحاب الإسلام ، وإلى التمسك بأهدابه ، ومباشرة الكفاح تحت رايته. ومن هنا كانت البداية ، بل البدايات في المدن السورية التي رافقها وسبقها تحركات في دمشق وحلب وحمص ، وأعقبتها تحركات مماثلة في اللاذقية والساحل ودير الزور والحسكة وحماة ، لتكون مقدمة التجمع الكبير والحوارات المستمرة بين رجال الدعوة في سوريا ، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى تأسيس حركة الإخوان المسلمين في سوريا ولبنان والأردن والمدن الفلسطينية (3).

بداية الدعوة بسوريا

كانت انطلاقته لذلك مع أول رحلة حج له عام 1936م، ولقد تفاوتت الشعوب والحكومات في تقبل هذه الدعوة، غير أنه من المعروف أنها أخذت طريقها لكثير من الدول العربية والإسلامية، ومنها سوريا، والتي حظيت بكوكبة كبيرة من رجال الدعوة والحركة الإسلامية أمثال الدكتور مصطفى السباعي، وبهاء الدين الأميري، والشيخ مصطفى الزرقا، وعبد الفتاح أبو غدة، وغيرهم الكثير.

وقد تعددت الآراء حول التاريخ الموثق لنشأة دعوة الإخوان في سوريا، وأهمها رأيان:

الرأي الأول: رأى الأستاذ عمر بهاء الأميري والذي ترجع أهميته إلى كونه عاش بنفسه نشأة الدعوة في سوريا، وكان له أثر في إنشاء تشكيلاتها المختلفة، فيقول: «وفي عام 1355ه الموافق 1936م كان للدعوة تشكيلاتها غير المرخص بها، ومراكز اتصالات ضمن نطاق ضيق في أكثر البلاد السورية... وفي عام 1356ه/ 1937م، أسس في حلب أول مركز مرخص للجماعة، وذلك رغم تضييق الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأت منذ ذلك الوقت الاتصالات الوثيقة مع الإخوان المسلمين ولاسيما فضيلة المرشد العام» (4).
أما الرأي الآخر: فهو رأي الأستاذ إسحاق موسى الحسيني، والذي حدد التاريخ الفعلي لبدء الدعوة في سوريا بعام 1937، حيث يقول: «نهض بالعمل للدعوة سنة 1937 بضعة عشر فردًا من شباب الجامعة السورية وطلاب العلوم الشرعية، وأرادوا أن يتسموا باسم واحد، وأن تكون منظماتهم في مختلف البلدان مرتبطة بعضها ببعض رسميًّا، ولكنهم خشوا بطش حكومة الانتداب فالتجئوا إلى اللف والدوران حتى يصلوا إلى أغراضهم» (5).

وبالوقوف أمام الرأيين ندرك أن التوفيق بينهما ممكن، فمن الثابت أن جريدة الإخوان المسلمين في 21من فبراير 1935 نصت على أن للإخوان مندوبين في كثير من الأقطار الخارجية، وهم على صلة بمكتب الإرشاد العام، ويعملون معه على الوصول إلى الغاية التي تعمل لها جماعة الإخوان المسلمين، وذكرت من هذه الأقطار: الشام وفلسطين (6).

ومن الثابت كذلك أن الشام استقبلت عضوي الإخوان الأستاذ/ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد أسعد الحكيم موفدين من مكتب الإرشاد إلى سوريا ولبنان وفلسطين في 5أغسطس 1935م بهدف نشر الدعوة وتوضيح الفكرة الإخوانية في بلاد الشام (7).

كذلك ورد في حصر شعب الإخوان الصادر في يونيو 1937م اعتماد الإخوان لأربع شعب في سوريا، وهي شعبة دمشق ومندوبها الشيخ عبد الحكيم المنير الحسيني، وشعبة دير الزور ومندوبها محمد سعيد العارفي، وشعبة حيفا ومندوبها محمود أفندي عزت النحلي، وشعبة حلب ومندوبها الشيخ محمد جميل العقاد (8).

وعند استقراء هذه الأخبار نستنتج الآتي:

بداية من عام 1933م كانت بداية ظهور الفكرة الإسلامية عامة، والتي غذتها الأفكار الإخوانية وعملت على نموها وازدهارها، ومرورًا بعام 1935 ذلك العام الذي حرصت فيه قيادة الإخوان على إرسال مندوب لها إلى الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية تأصيلًا لجذور الدعوة الإخوانية.

أما بداية عام 1937 فقد استطاع الإخوان تأسيس أول مركز مرخص للجماعة في حلب تحت اسم: (دار الأرقم)، أي أن النشأة الرسمية للإخوان في سوريا كانت عام 1937م، وكان من أبرز المؤسسين: الأستاذ عمر الأميري، الأستاذ عبد القادر الحسيني، الأستاذ أحمد بنقسلي، الأستاذ فؤاد القطل، الشيخ عبد الوهاب الطوبجي، والأستاذ سامي الأصيل (9).

أما في دمشق فتأسست جمعية الشبان المسلمين، وكان على رأسها الشيخ محمد المبارك، ومن أعضائها الدكتور فايز الميت، والأستاذ محمد خير الجلاد، والأستاذ بشير العون، والدكتور زهير الوتار (10).

أما في حمص فتأسست جمعية الرابطة، وكان سكرتيرها العام الدكتور مصطفى السباعي (11).

أما في حماة فتأسست جمعية «الإخوان المسلمين»، وكان من أبرز مؤسسيها الشيخ محمد الحامد الحموي، والتي أُنشئت عام 1939، وكان الشيخ محمد الحامد يرتبط بعلاقة قوية مع الإمام البنا (12).

ويقول عنه الأستاذ سعيد حوى: «كان الشيخ محمد الحامد يعتبر الإخوان المسلمين هم الفئة التي يجب أن تدعم، وكان حريصًا على إيجاد صيغة من التلاقي بين الإخوان المسلمين والعلماء والصوفية» (13).

ثم توالت الجمعيات الأخرى في بيروت وطرابلس ودير الزور واللاذقية، كما أسست مراكز في بعض بلاد الغرب، والتي كان يجتمع فيها بعض الدارسين، وكان من أبرزها جمعية دار الأرقم في حلب وباريس، والتي أسسها الأستاذ عمر بهاء الأميري (14).

من هذه المراكز الستة : الشبان المسلمون في دمشق ، والرابطة الدينية في حمص ، والإخوان المسلمون في حماة ، ودار الأرقم في حلب ، ودار الأنصار في دير الزور ، والشبان المسلمون في اللاذقية ، تشكلت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بعد خمسة مؤتمرات عقدتها منذ منتصف الثلاثينيات، وأدت دورًا كبيرًا في التأكيد على الهوية العربية الإسلامية للسوريين، ثم بدأت دعوة الإخوان في الانتشار في ربوع سوريا سواء أدلب – والتي صارت محافظة مستقلة فيما بعد- أو حوران، أو الجزيرة (15).

مرحلة التنظيم والوحدة

وكانت هذه الجمعيات المختلفة الأسماء وثيقة الصلة بجميع الحركات الوطنية والإصلاحية العربية والإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، وكانت تشكل بمجموعها جماعة واحدة مع تعدد الأسماء، واتفقت فيما بينها على التسمي بـ«شباب محمد».

وعقدت هذه الجمعيات عدة مؤتمرات، منها: مؤتمر في حمص سنة 1937م، ولما عقد المؤتمر الثالث بدمشق سنة 1938م كانت الجماعة قد قطعت شوطًا بعيدًا في التنظيم، وقد قررت في هذا المؤتمر اتخاذ مركز رئيسي لسائر الجمعيات يكون مركزه دار الأرقم في حلب، وأخذ نطاق الأعمال يتسع تدريجيًّا، ومؤسسات الجماعة تتركز مع الأيام (16).

كان السباعي يتحدث باسم شباب محمد تارة والشبان المسلمين تارة حيث كان يعتبر الجميع يعمل في أجل الإسلام إلا أن اسم الإخوان المسلمين الذي غلب على الحركة يعود إلى عام 1941 عندما أسست جمعية بهذا الاسم في مدينة حماة – إلا أن رأى يقول أنها نشأت فيها عام 1938- ، وفي عام 1942 أسس السباعي نفسه جمعية بهذا الاسم في حمص عقب وصوله إليها ، وهكذا صار في حمص جمعية العلماء ، وجمعية الإخوان ، ثم قام السباعي عام 1942 بعد التشاور مع إخوانه في جمعية الشبان المسلمين في دمشق بتوجيه الدعوة إلى جميع ممثلي هذه الجمعيات في حلب ودمشق وحماة وحمص ودير الزور واللاذقية لتوحيد العمل تحت راية واحدة (17).

ومرت بعد ذلك عدة أعوام -أعوام الحرب العالمية الثانية- تعذر فيها عقد المؤتمرات، واكتفي فيها بأن يقوم المركز الرئيسي بمهمته، وأن يتصل أمناء سر الجمعيات بعضهم ببعض.

وفي سنة 1943م عقد مؤتمر رابع في حمص اشترك فيه ممثلو المراكز في سوريا ولبنان، وأقر بقاء (دار الأرقم) في حلب مركزًا رئيسيًّا، واتخذ قرارات ذات لون جديد، كإحداث منظمتي السرايا والفتوة في كل مركز، والعناية بالناحيتين الرياضية والاقتصادية إلى جانب النواحي الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والقضايا الإسلامية والعربية العامة (18).

ومن أمثلة القضايا الإسلامية التي كانت تشارك فيها بعض هذه المراكز، خطاب رفعه الإخوان المسلمون بحماة إلى معالي وزير المعارف في الجمهورية السورية بمناسبة انعقاد لجنة الأهداف في مجلس المعارف الكبير، تضمن ثمانية بنود تقترحها الجمعية على لجنة الأهداف لدراستها ووضعها موضع التنفيذ، وتتلخص في الاهتمام بدروس الدين في جميع المدارس ومدرسيها وتدريس التاريخ الإسلامي والقرآن مع العناية بتفسيره، وتأمين الوقت الكافي لإقامة الشعائر الدينية، ومضاعفة دروس الأخلاق، وتدبير المنزل في مدارس البنات (19).

وفي صيف 1944م انتدب قسم الاتصال بالعالم الإسلامي الأخوين الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي أفندي والأستاذ عبد الحكيم عابدين أفندي لزيارة الأقطار العربية الشقيقة بالشام والعراق، وقد كان لهذه الزيارات والوفود المتبادلة بين مصر وبلاد الشام الأثر الكبير في توحيد العمل بينهما بعد ذلك، وقد أشار الأستاذ عمر الأميري لذلك فقال: «ومنذ عام (1364ه/1944-1945م) ازدادت العلائق والاتصالات بين إخوان مصر وسوريا على أثر تبادل الزيارات والوفود والبعثات التي أفادت كثيرًا في توحيد أساليب العمل، وتنسيق وجهات النظر العامة والخاصة، حتى أصبحت دعوة الإخوان في مصر اليوم دعامة معنوية عظيمة للإخوان في سوريا ولبنان» (20).

وبالفعل عقدت الجمعيات المختلفة لشباب محمد مؤتمرها الخامس في حلب في ذي الحجة سنة 1364ه، الموافق نوفمبر 1945م، وقررت إلغاء المركز الرئيسي في حلب، وتأليف لجنة مركزية عليا في دمشق مشكلة من ممثل عن كل مركز أو جمعية، واتخذت لها مكتبًا دائمًا، وجعلت على رأس هذه اللجنة مراقبًا عامًّا، هو الشيخ مصطفى السباعي، وتعقد اجتماعات دورية لتباشر الإشراف على الفروع المختلفة، كما تم الاتفاق -بالتنسيق مع الإخوان في مصر وفلسطين- على توحيد أسماء الجمعيات باسم (الإخوان المسلمين)، وعلى توحيد النظم فيها، وبذلك دخلت دعوة الإخوان في سوريا ولبنان مرحلة جديدة موحدة الاسم والأهداف والنظم القوية الفاعلة.

كان الشيخ السباعي على صلة وثيقة مع الجمعيات التي تشكلت منها جماعة الإخوان في منتصف الأربعينيات ، وكان يقارب بينها ، كما يقارب بينها وبين الجمعيات الخاصة بالعلماء.

وقد نوه السباعي بأن اهتمامات المؤتمرين لم تكن واحدة ، وأنه عانى الكثير من أجل التقريب بينهما (21).

وقد شاركت المراكز المتعددة لدعوة الإخوان في سوريا بقوة وفاعلية في مناحي الحياة المختلفة عن طريق عدة مؤسسات أو منظمات أنشأها كل مركز في داخله، وارتبطت تلك المنظمات معًا برباط واحد، ومن تلك المنظمات:

  • منظمة الفتوة: وهي إحدى المنظمات الرسمية في الجمعية، وهي مؤلفة من جميع مراكز الجماعة، ولها مدربون فنيون يقومون بتدريب الفتيان، ولها مراقب عام تابع للجنة المركزية العليا للجماعة، ويشرف على شئون الفتوة ويراقب سيرها ويقوم على تقويتها وإنمائها، وهي تدرب الشباب تدريبًا عسكريًّا، وتبث فيهم روح الجندية والطاعة مع الأخلاق الإسلامية الحميدة.

ومن المنظمات التي انفردت بها بعض المراكز دون الأخرى:

  • منظمة السرايا: وهي منظمة اجتماعية أخلاقية انفرد بها مركز حلب، وتجمع الفئات المختلفة من الطلاب وأرباب الأعمال والعمال، وتبث فيهم الأخلاق الإسلامية، وتهيِّئهم لتلقي الدعوة التي تدعو إليها الجماعة، ويقوم على هذه السرايا نقباء وعرفاء يديرون شئونها، ويحققون غايتها.

لجنة الإسعاف الطبي، وهي تعمل على توفير الرعاية الصحية للفقراء من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، كما تساعدهم ببعض الرواتب أو الإعانات النقدية أو العينية، وتتكون وارداتها من أموال الزكاة، والصدقات، والتبرعات وغيرها (22).

وقفة حول تأسيس الجماعة في سوريا

من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا لم تنشأ على يد شخص واحد، بفكر واحد بمدينة واحدة ثم انطلقت، لكنها نشأت على يدي علماء متعددين التقوا بحسن البنا أثناء رحلة الحج، أو أثناء دراستهم، أو زيارتهم لمصر حيث تعرفوا على فكرة وأعجبوا به وبأسلوبه الوسطي وهمته العالية لنشر المنهج الإسلامي، وإيقاظ الوعي الإسلامي، والنهوض بالأمة من غفلتها للعمل على التحرر من قبضة المحتل الجاسم على صدر الأمة.

ولذا حينما عاد كل واحد منهم حمل هذا الفكر وعمل على نشره وسط مدينته حيث كان كل واحد له نفوذ العلماء وتأثيره على الناس، ولهذا استجاب لها كثير من الناس.

لكن هذا الاختلاف – بالإضافة لاختلاف المدارس الفكرية في سوريا - جعل من دعوة الإخوان بها على عدة مشارب ومفاهيم ومدارس، حيث ظهر ذلك جليا فيما بعد في تفسير الحوادث التي وقعت لهم، مما أدى لاختلافات جوهرية بين جميع فروع الجماعة في سوريا فأدى لاختلافات وانشقاقات متعددة – خاصة بعد وفاة الدكتور مصطفى السباعي – ورأينا كيف أصاب هذه الاختلافات قمة الهرم المتمثلة في المراقب العام بدأ من الدكتور عصام العطار ومن جاء بعده.

حتى بلغ الأمر لاختلاف المدارس وعدم وجود رؤية موحدة للتعامل مع النظام الحاكم البعثي والتي انتهت بمجزرة حماة ضد آلاف الإخوان السوريين، واعتقل الكثير ومطاردتهم خارج البلاد.

وان كان هذا الاختلاف ليس سببا كافيا لضرب الإخوان – ففي أماكن كثيرة تم ضرب الإخوان رغم وحدتهم وتماسك القيادة مع القاعدة مثل مصر مثلا – لكن هناك أسباب وعوامل قوية غير أن الاختلافات داخل الحركات تعد من الأسباب القوية لهشاشتها وضعفها أمام النظام الحاكمة.

جاء في كتاب لمركز المسبار: ويمكن القول إن الإخوان المسلمين في سوريا لديهم طابع خاص يميزهم عن بقية الحركات الإسلامية " الإخوانية" الأخرى فهي أكثر من حركة اجتماعية أو جمعية خيرية لأن تطورها الداخلي الفكري وفق تعبيراتها اللاحقة السياسية والإعلامية كان باتجاه الدفاع عن السنة في سوريا " المحرومين أو المبعدين من السلطة " وفي عام 1945 نشر الإخوان " أهدافهم ومبادئهم " التي يبدو ومنذ البداية أنها احتفظت للجانب المسلح بمكانة خاصة ويظهر هذا من خلال تدرب أعضائها على السلاح منذ بداية التأسيس (23).

ورغم هذا التضارب الشديد في تحديد سنة النشأة للتنظيم في سوريا إلا أن معظم الآراء اتفقت على أن التنظيم تشكل كاتحاد عام في سوريا عام 1945م، ففي 3 شباط 1945 وجه وزير الداخلية خطابًا إلى رئيس الشبان المسلمين في دمشق ، يطلب إعادة تسجيل أحد فروع الإخوان عوضًا عن تسمية الشبان المسلمين ، ومن بيان الإخوان المسلمين (أهدافنا ومبادئنا) التي لم تصدر إلا في عام 1945م يتبين أن تأسيس الإخوان المسلمين كان عام 1945(24) كما ذكر السيد محمد السيد الوكيل: أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية تأسست عام 1945م (25).

انتقل الشيخ السباعي من حمص إلى دمشق ليزاول مهماته كمراقب عام للجماعة ، وتراجع له الأستاذ المبارك وآثره وعمل معه وشد من أزره طوال حياتيهما الميمونتين ، كما عمل الشيخ مديرًا للمعهد العربي الإسلامي الذي تم تأسيسه ردًا على المدارس التبشيرية التي بدأت ترسخ أقدامها في سوريا (26).

ولم يدخل عام 1946 حتى تم إنشاء أكثر من عشرين مركزًا وعشرين مؤسسة في المحافظات، وزاد عدد المنتسبين للجماعة على مائة ألف في السنوات الأولى وكان أول مركز افتتحه الإخوان في دمشق عام 1946 في السنجقدار، ثم افتتحوا مركز باب الجابية للشباب والفتوة يتبع المركز العام (27).

ولقد لخص السباعي أهداف الجماعة وغاياتها ومراميها في وثيقة بعنوان: (دروس في دعوة الإخوان المسلمين): يعتقد الإخوان المسلمون اعتقادًا جازمًا أن في الإسلام كل عناصر النهضة المرجوة، وأنه جاء بمنهج شامل للإصلاح هو الذي قذف بأمتنا في الماضي إلى ميادين الخلود، وبوأها قيادة ركب الإنسانية بضعة قرون ، وهو بما فيه من خصائص المرونة والتطور قادر على أن يحمل أمتنا من جديد إلى ميادين الخلود مرة أخرى ، وأن يبوئها مكانة جديرة بقيادتها لركب الإنسانية ، وتوجيه حضارتها نحو الأمن والرفاهية والاستقرار (28).

ولقد استطاعت الجماعة بسوريا في هذه المرحلة بمناهجها التربويّة وبرامجها التوجيهيّة المبدعة كالأسرة والكتيبة ومنبر الجمعة ونشر الكتاب الإسلامي، وإنشاء المكتبات، وإحياء المناسبات الدينيّة والتاريخيّة والوطنيّة أن تكسر موجات التغريب والإلحاد والانحلال والأفكار المنحرفة، وظهر جيل من الدعاة ومن المناصرين، وتوسّع انتشار الجماعة في أوساط الطلاب والمثقفين، وأثمرت الجهود عن تيار إسلامي عارم؛ وتمثّل النشاط الإعلامي للجماعة بصدور جريدة المنار السياسيّة اليوميّة عام 1946 (29).

علاقة إخوان سوريا بمصر

لقد ارتبطت جماعة الإخوان مع الجمعيات الإسلامية في سوريا الشقيقة بعلاقات حميمة من الأخوة والترابط، فقد أشاد رئيس «جمعية الدفاع عن طرابلس وبرقة» بدمشق بشير السعداوي بالإخوان المسلمين ومجلتهم النذير، وما أخذوه على أنفسهم من العمل من أجل الإسلام والمسلمين.

وكان الإخوان يستقبلون الوفود الرسمية السورية ويحتفون بهم أشد الاحتفاء، فمثلًا ما إن علم إخوان البحيرة بمرور الوفد السوري المطالب بمعاونة مصر والبلاد العربية لسوريا ولبنان في محنتهم بمحطة دمنهور في طريقه إلى مصر حتى توافد جمهرة من الأعيان والتجار والأطباء والمحامين والموظفين للقاء أعضاء الوفد على المحطة، يتقدمهم الأستاذ أحمد السكري الذي حياهم نيابة على الإخوان بكلمة موجزة، فرد عليه نائب دير الزور محمد سعيد بك العارفي شاكرًا لهم وللإخوان جميعًا مواقفهم وحسن استقبالهم (30).

كما دعا المركز العام أعضاء الوفود الصحفية ومنها الوفد السوري إلى حفلة شاي، رحب بهم المرشد العام بكلمة عبرت عن أواصر الوحدة التي تربط الأمة الإسلامية في شتى الأقطار، وقام الأستاذ نجيب الريس صاحب جريدة القبس وعضو مجلس النواب السوري فبادل الإخوان أجمل عواطف المحبة والإخاء.

وفي أول عام 1939 أصدرت المفوضية الفرنسية تشريعات أرادت من خلالها أن تَفرض على المحاكم في سوريا نظام الطوائف الذي يبيح للمسلم أن يكفُر بغير قيد ولا شرط، ويلحق به في الكفر أبناؤه وذووه بلا قيد أو شرط كذلك، وينتزع كل سلطة حتى الروحية من العلماء ورجال القضاء الشرعي ليضعها بين أيدي الفرنسيين ومن على شاكلتهم، ويقضي على البقية الباقية من مواد القانون الإسلامي، ويستبدل بها المواد الأجنبية، ويروج للفوضى والإلحاد في بلاد لا تعرف لها دينًا غير الإسلام.

وما إن صدر هذا القرار حتى تصدى الإخوان له، بل كانوا أول من تنبه إلى خطورته، فأصدروا بيانًا إلى العالم الإسلامي من الإخوان المسلمين بالقاهرة يوضح مراميه وأهدافه، وساندوا الحكومة السورية التي أصدرت على لسان رئيس وزرائها قرارًا بعدم سريان قرار الطوائف في المحاكم السورية، فأدى موقفه الوطني هذا إلى أن أنذرته المفوضية الفرنسية بأنه إن لم يسحب قراره هذا في ثمان وأربعين ساعة فعلى الوزارة أن تستقيل، ولم تقبل الحكومة هذا الهوان فرفعت قرارها إلى رئيس الجمهورية بالاستقالة (31).

وقام الشعب السوري بإضراب عام في 14/3/1939، وكان للإخوان السوريين دور في إجبار كل من لم يستجب للإضراب على الاستجابة.

كما لقوا من الإخوان المصريين كل مساندة، بل ودعوة صريحة للتمسك بالحق، والقتال من أجله، بل وانتهزها الإخوان فرصة ليستحثوا مصر الأبية حكومة وشعبًا أن تطلب حقها بمثل هذه القوة التي سبقت بها سوريا، وكتبت في ذلك النذير تحت عنوان: «سوريا تتحفز للعدو ومصر تستسلم له» (32).

وعندما حضرت الوفود العربية إلى مصر عام 1945م لدعم سوريا ولبنان في محنتيهما ضد فرنسا استقبلها الإخوان، وحياهم الأستاذ السكري باسم الإخوان، وفي اليوم التالي احتشد الإخوان المسلمون في جامع إلكخيا بميدان الأوبرا في صلاة العصر، وصلى بهم الأستاذ المرشد إمامًا، وبعدها دعا الإخوان إلى صلاة الغائب على أرواح الشهداء، فأدوا الصلاة، وخرجوا بعدها في جموعهم وقد رفعوا أعلامهم وانتظموا في مظاهرة سارت من مسجد إلكخيا إلى ميدان إبراهيم باشا، فشارع إبراهيم باشا، وكان الأخ حامد شريت سكرتير الإخوان بأسيوط يركب سيارة، ومعه المذياع، فأخذ يهتف وسط الجموع فيرد الإخوان هتافه بحماسة بالغة وشعور فياض، فدوى الهتاف بحياة سوريا المجاهدة ولبنان الباسلة، وسقوط فرنسا الغاشمة، كما هتف الإخوان بمبادئهم: الله غايتنا، والنبي إمامنا.

ووصلت طلائع المتظاهرين إلى فندق شبرد حيث كانت الوفود العربية مجتمعة، بينما كانت المؤخرة ما زالت أمام مسجد إلكخيا، وتحولت الشوارع إلى كتل بشرية تخفق من فوقها أعلام الإخوان المسلمين من أنحاء القطر المختلفة، ومن فوق فندق شبرد أطل فضيلة المرشد العام وقد أمسك بيده المذياع وارتجل كلمة حماسية ألهبت الشعور، وأطلقت الحناجر بالهتاف والتهليل والتكبير استهلها بقوله: «لا حياة مع الذل، ولا عيش مع الاستعباد يا مصر المجاهدة، ها أنت ممثلة في هذا الشباب -شباب الإخوان- يا من جاهدت وستجاهدين، ها أنت تحيين المجاهدين من أبناء سوريا ولبنان».

وقال أيضًا: "يا زعماء العرب، ها أنتم ترون بأعينكم هذه القلوب المتوثبة وهذا الشباب المتحفز، إنهم جميعًا يتطوعون بدمهم وأرواحهم في سبيل نصرة سوريا ولبنان والعرب في كل مكان، ستخبرون وتمتحنون وتضعون أول قرار فلا تهنوا وقولوا كلمتكم والله معكم (33).

وخطب سعد الله بك الجابري مندوب سوريا فقال: "إخواني، هذا الشعور الفياض الذي تستقبل به مصر العزيزة قادة الأمم العربية يدفعنا نحن أبناء الشام لكي نزيد في التضحية في سبيل وحدة العرب، وإنني أشكركم وأحيي الإخوان المسلمين".

ثم تكلم عن لبنان النائب أميل لحود قائلاً: "لقد سمعتم سوريا وما يختلف صوت لبنان عن صوت سوريا، فنحن لا نفرق بين عربي وعربي، وإننا جسم واحد" (34).

كما أرسل الإمام البنا خطابًا إلى سعادة وزير لبنان المفوض بتاريخ 28/5/1945م، وفيه يعلن استعداد الإخوان لإرسال عشرة آلاف متطوع للجهاد بجانب إخوانهم اللبنانيين، وقد أرسل فضيلته خطابًا مماثلاً في نفس التاريخ إلى سعادة وزير سوريا المفوض يعلن فيه استعداد الإخوان لإرسال عشرة آلاف متطوع، فيكون مجموع المتطوعين للدفاع عن سوريا ولبنان عشرين ألف متطوع (35).

وفى نفس العام أرسل الإخوان بعثة طبية، وتألفت البعثة الطبية من الدكتور محمد سليمان رئيسًا، والأستاذ علي محمود مطاوع والدكتور عبد الوهاب البرلسي والحاجة زبيدة أحمد ممرضة، وصاحبهم الأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتيرًا للبعثة، وسافرت البعثة بعد أن ودعهم مكتب الإرشاد وإخوان القاهرة وفرق الجوالة بالقطار إلى فلسطين ما عدا الأستاذ عابدين الذي تخلف عنهم؛ لأن حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين لم تعطه تأشيرة بالسفر، فاضطر إلى السفر بالطائرة في اليوم التالي إلى بيروت رأسًا.

وقد وصلت البعثة الطبية إلى دمشق، وافتتحت عيادة خارجية بلغ عدد الذين يختلفون إليها يوميًّا نحو مائتين، يجرى لهم الكشف الطبي، ويمنحون الدواء بلا مقابل، وقد أقامت بعض الجمعيات حفلات تكريم للإخوان منها «الجمعية الغراء»، و«جمعية الشبان المسلمين» (36).

إخوان سوريا في حرب فلسطين

وعندما اندلعت حرب فلسطين شارك الإخوان في مصر وسوريا وكثير من البلاد في التصدي للصهاينة، وكان على رأس إحدى الكتائب التي خرجت من قطنة بسوريا المراقب العام مصطفى السباعي.

وحينما زار حسن البنا سوريا صباح يوم الأربعاء 13 من جمادى الأولى 1367هـ الموافق 23 من مارس 1948م، استقبل في فندق أوريان كوكبة من رجالات سوريا وعلمائها مثل الأستاذ مصطفى السعدني سكرتير المفوضية المصرية بدمشق، والأستاذ كامل الحمامي، والأستاذ بهاء الدين الأميري، والأستاذ معروف الدواليبي أحد نواب الإخوان في البرلمان السوري، والأستاذ محمد المبارك (النائب البرلماني)، والأستاذ عبد الحميد الطباع عضو جمعية القراء، والأستاذ مصطفى الزرقا الأستاذ بمعهد الحقوق، والدكتور عارف الطرقجي رئيس مؤسسة الطب الشرعي... وغيرهم.

كما قابل حسن البنا بعض الشخصيات العسكرية مثل الجنرال صفوت باشا، وقابل فضيلته الأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام باشا، وقابل بعض الشخصيات الإخوانية مثل الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان بسوريا ورئيس كتيبتهم في لواء اليرموك، والسيد محمود الشقفة نائب الإخوان بحماة في البرلمان السوري، وغيرهم من صفوة أهل دمشق مثل السيد حسني الهبل عمدة المعهد العربي، والسيد بشير رمضان من أكابر التجار وعضو المعهد العربي، وسيادة مدير الغرفة التجارية، وقد التقى البنا بالرئيس شكري بك القوتلي رئيس الجمهورية السورية (37).

أصبح السباعي مسئولا عن معسكر المجاهدين في قطنه وبعد الإعداد الجيد لمدة شهر ونصف سافر الفوج الأول بقيادة الملازم عبد الرحمن الملوحي في صحبة الشهيد عبد القادر الحسيني، ثم لحق بهم الفوج الثاني والذي كان فيه الشيخ السباعي ووصلت هذه الكتيبة إلى القدس وعملوا على حماية أهلها، واشترك في معركة القطمون ومعركة الحي اليهودي بالقدس القديمة، ثم معركة القدس الكبرى، غير انه شعر بأن شيء يحدث على الساحة السياسية وتحقق ظنه بإعلان الهدنة وعاد إلى سوريا في 8/12/1948م، غاضباً يصب جام غضبه على المأجورين والعملاء، ويفضح خطط المتآمرين، ويكشف عمالة الأنظمة، ويشرح ما جرى من مهازل القادة العسكريين الذين كانوا تحت إمرة الجنرال (كلوب) الإنجليزي، ويكشف قضية الأسلحة الفاسدة التي زود بها الجيش المصري، ويفضح تصريحات القادة العراقيين عن عدم وجود أوامر لضرب اليهود (ماكو أوامر) ولولا جهاد المتطوعين من الفلسطينيين والمصريين والسوريين والأردنيين من الإخوان المسلمين، لم وجد ثمة قتال حقيقي ضد اليهود، بل هدنة ثم هدنة لتمكين اليهود من العرب، وإمدادهم بالأسلحة الأوروبية والأمريكية والمقاتلين الأجانب لترجيح كفة اليهود على الفلسطينيين، ثم تسليم البلاد وتهجير أهلها واعتقال المجاهدين المتطوعين في سبيل الله للذود عن ديار المسلمين المقدسة (38).

وفي 29/11/ 1947 صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية على تقسيم فلسطين، فأصدر الإخوان المسلمون تصريحا رسميا بتاريخ 30/ 11/1947م جاء فيه: لقد وقعت الكارثة وإن التقسيم قد أصبح حقيقية واقعة بالنسبة للدول الحاكمة ، وقريبا سيسارعون بتنفيذ قرار التقسيم وإنهائه إذا لم يقف العرب وقفة واحدة ليقولوا : كلا.

لقد حان الوقت كي يريهم العرب والمسلمون أن وعودهم وتهديداتهم ليست سوى أكاذيب، وإن الأمة تعاهد على حرب طويلة مضنية ، ولا هوادة فيها (39).

وبدأ التحضير لجهاد السلاح، وهب الشعب في جميع البلاد العربية يطالب بالتطوع للقتال، وقد ذكر الأستاذ السباعي ذلك بقوله: أقبل الشعب إقبالا منقطع النظير على تسجيل أسمائهم كمتطوعين في جيش التحرير المرتقب، ولكن الحكومة فاجأتنا بقرار يمنع أي هيئة من تسجيل المتطوعين، وكان واضحا أننا نحن المقصودون بهذا القرار، إذ لم تكن هناك هيئة أعلنت عن قبول المتطوعين غير الإخوان (40).

إلا أن الإخوان كونوا كتيبتهم وشاركوا في المعارك، يقول السباعي: «كنا نشعر ونحن في قلب معارك القدس، أن هناك مناورات تجري في الصعيد الدولي، وفي أوساط السياسات العربية الرسمية، فتشاورنا في كتيبة الإخوان المسلمين فيما يجب علينا فعله، بعد صدور الأوامر إلينا بالانسحاب من القدس، فقرَّ رأينا على أننا لا نستطيع مخالفة الأوامر الصادرة إلينا بمغادرة القدس لاعتبارات متعددة، وأننا بعد وصولنا إلى دمشق سنرسل بعض الإخوان المسلمين خفية إلى القدس مرة ثانية، لدراسة ما إذا كان بالإمكان عودتنا بصورة فردية، لنتابع نضالنا في الدفاع عن فلسطين، وعدنا إلى دمشق مع سائر أفراد الحامية وقيادتها، التابعة لجيش الإنقاذ حيث تسلمت قيادة جيش الإنقاذ أسلحتنا ووعدت باستدعائنا مرة ثانية عند الحاجة وقمت بجولة في سورية تحدثت فيها عن معارك فلسطين وألقيت في ذلك محاضرات في كل مكان من دمشق وحمص وحماه وحلب واللاذقية ودير الزور وغيرها من المدن السورية، وذهل الجمهور لما أبديته من حقائق لم تكن معروفة لديهم تماماً، حتى شك بعضهم فيها، ثم انكشف الأمر وتبين صدق ما أدعي من العوامل الخفية والظاهرة التي كانت تُسيِّر معركة فلسطين، هذا بينما كان فريق من إخواننا المجاهدين قد عادوا إلى فلسطين خفية، لتنفيذ ما اتفقنا عليه»

وبعد عودته سجل ملاحظاته على الحرب فقال:-

  1. إن جيش الإنقاذ الذي ألفته الجامعة العربية تحت قيادة فوزي القاوقجي لم يكن إلا تسكينا لشعور العرب ولم يستطع الذود عن مدينة واحدة.
  2. أن قيادة جيش الإنقاذ لم تخض معركة واحدة جدية في فلسطين.
  3. إن جيش الإنقاذ كانت مهمته تحطيم منظمة الجهاد المقدس والتي كان قائدها عبد القادر الحسيني.

وانتهت الحرب بهزيمة الجيوش العربية واعتقال المجاهدين من إخوان مصر والزج بهم في السجون في عهد إبراهيم عبد الهادي (41).

يقول الأستاذ عارف عارف:

اشترك من الإخوان المسلمين السوريين في حرب فلسطين زهاء أربع مائة أخ ، منهم مائة بقيادة الأستاذ الشيخ مصطفى السباعي ، وهو أستاذ في الجامعة السورية ، والباقون انخرطوا في صفوف جيش الإنقاذ ، وقد استشهد منهم أحد عشر شخصًا ، وجرح زهاء خمسين ، ثم قال المؤرخ عارف العارف عن هذه المجموعة من الإخوان المجاهدين : وجلهم إن لم نقل كلهم من الأسر المرموقة ، ومن حملة الشهادات المثقفين ، اشتركوا في معارك الحي القديم ، وفي القسطل والقطمون ، وفي الحي الأخير استشهد منهم كثيرون.

بعد إعلان الهدنة التي فرضت على القيادات العربية ، توقف القتال ، وعادت كتائب الإخوان من فلسطين ، وعاد السباعي إلى دمشق يحمل جراحات قلبه (42).

وجاءت شهادة لواء أ.ح إبراهيم شكيب عن دور الإخوان في الحرب مهمة من حيث طبيعة الشاهد والذي وصفها بقوله: "إن الإخوان المسلمين رغم ضعف قواتهم وقلة أسلحتهم في حرب 1948م إلا أنهم كانت لديهم أفكار حربية وجيهة، ومما يجدر ذكره أن قوات المتطوعين من الإخوان المسلمين لم تكن تصرف لهم مرتبات ولا ملابس من الجيش المصري، في حين أن قوات المتطوعين من بلاد أخرى كانت جيوشهم تصرف لهم مرتبات وملابس وتعيينات" (43).

لقد كان لإخوان سوريا دورا مهما في حرب فلسطين تحدثت عنه كثير من المراجع العربية والأجنبية وذكرت بسالتهم ودورهم في هذا الحرب، مع بعض اللمز والتحريض من قبل الكتاب الغربيين.

المراجع

  1. الموسوعة الحرة ..ويكيبيديا
  2. عدنان سعد الدين: الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، ط 1 (القاهرة، مكتبة مدبولي، 2010م) صـ 20.
  3. الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، صـ 23.
  4. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ه- 5سبتمبر 1948م، صـ3.
  5. د.إسحاق موسي الحسيني: الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، الطبعة الأولى (بيروت، دار بيروت ، 1952)، صـ123.
  6. مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (37)، السنة الثانية، 17 ذو القعدة1353ه- 21 فبراير1935، صـ7.
  7. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، (القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1986م) صـ230.
  8. مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (4)، السنة الخامسة، 2 ربيع الآخر 1356ه- 11 يونيه 1937م، صـ 4.
  9. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الجزء السابع، صـ 66.
  10. المرجع السابق
  11. الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، مرجع سابق، صـ 123
  12. سعيد حوى: هذه تجربتي وهذه شهادتي، (القاهرة، مكتبة وهبة، 1987م)، صـ39.
  13. المرجع السابق: صـ 39
  14. المركز العربي للدراسات الإستراتيجية: الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية، الطبعة الثالثة (دمشق، 2000م)، صـ256.
  15. الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، مرجع سابق، صـ 55
  16. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367- 5سبتمبر 1948م، صـ 3.
  17. عدنان محمد زرزور: مصطفى السباعي الداعية المجدد، طـ1 (دمشق، دار القلم، 1421 – 2000م) صـ 134.
  18. الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، مرجع سابق، صـ 124.
  19. مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد (15)، السنة الأولى، 28ربيع أول 1362ه- 4 أبريل 1943م، صـ 13.
  20. مقال أ/ عمر بهاء الأميري، جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 من ذي القعدة 1367ه، 5 سبتمبر 1948م، صـ 3.
  21. حسني أدهم جرار: الدكتور مصطفى السباعي: قائد جيل ورائد أمة، طـ 1(دار البشير للنشر والتوزيع،1994م) صـ 66- 67.
  22. أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الجزء السابع، مرجع سابق، صـ 69، نقلا عن نشرة إدارية طبعها الإخوان المسلمون، مركز حلب

عن أعمال لجنة الإسعاف الطبي والصدقات خلال عام 1364ه-1365ه، صـ 1.

  1. الإخوان المسلمون في سوريا ممانعة الطائفة وعنف الحركة: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2011م.
  2. يوهانس رايسنر: الحركات الإسلامية في سوريا، ت محمد عبد الله الأتاسي، الطبعة الأولى(بيروت،رياض الريس للكتب والنشر ، 2005م).
  3. محمد السيد الوكيل: كبرى الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر هجري، الطبعة الأولى (عمان ، الأردن: دار المستقبل للنشر والتوزيع ، 1986م) صـ 263.
  4. مصطفى السباعي، مجلة حضارة الإسلام : العدد الخاص، 1959م: صـ 128.
  5. الدكتور مصطفى السباعي: قائد جيل ورائد أمة، مرجع سابق صـ 50، 51.
  6. مصطفى السباعي: دروس في دعوة الإخوان المسلمين، مكتب الطلبة بجامعة الإخوان، دمشق، صـ 11.
  7. الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، مرجع سابق، صـ 125.
  8. جريدة النذير، العدد 20، السنة الأولى، 16 شعبان 1357ه- 10 أكتوبر 1938م، صـ 24.
  9. مجلة الفتح، العدد 642، 4محرم 1358ه/ 23فبراير 1939م، صـ 20.
  10. جريدة النذير، العدد 12، السنة الثانية، 18 ربيع الأول 1358ه- 9 مايو 1939م، صـ 21.
  11. مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد 62، السنة الثالثة، 18رجب 1364ه- 28يونيو 1945م، صـ 12.
  12. المرجع السابق: صـ 13.
  13. المرجع السابق: العدد 63، السنة الثالثة، 3شعبان 1364ه- 12يوليو 1945م، صـ 7.
  14. المرجع السابق: العدد 62، صـ 13.
  15. الإخوان المسلمون الأسبوعية: العدد 205، السنة السادسة، 19 شعبان 1367ه/ 26 يونيه 1948م، صـ12.
  16. يوهانس رايسنر: الحركات الإسلامية في سورية، مرجع سابق، صـ 252-253.
  17. المرجع السابق، صـ 258.
  18. مصطفى السباعي: جهادنا في فلسطين، طـ 1 (بيروت ، دار الوراق للنشر والتوزيع، 2000م/ 1420ه) صـ326.
  19. المرجع السابق، صـ330.
  20. عارف العارف:نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود1947-1949، الجزء الأول(بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2012م).
  21. إبراهيم شكيب: حرب فلسطين 1948م رؤية مصرية، طـ 1(القاهرة، الزهراء للاعلام العربي،, 1986م) صـ310.