الإخوان المسلمون وعلاقتهم بجمعية الشبان المسلمين (2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وعلاقتهم بجمعية الشبان المسلمين (2)

تحدثنا في الحلقة السابقة عن نشأة جمعية الشبان المسلمين ودور الأستاذ الإمام حسن البنا في تكوينها ووضع لبنة تأسيسها، وكيف سارت العلاقة خلال مرحلة الثلاثينيات، ومدى علاقة الدكتور عبد الحميد سعيد رئيس جمعية الشبان بجماعة الإخوان المسلمين، كما رأينا علاقة اللواء محمد صالح حرب بالإخوان أيضًا.

الإخوان-المسلمون-وعلاقتهم-بجمعية-الشبان-المسلمين-(2).jpg

وفي هذه الحلقة نعضد العلاقة بين الجماعتين اللتين لم يختلفا إلا في بعض الأمور واستمرت العلاقة قويةً بينهما حتى اغتيل الإمام الشهيد حسن البنا على أعتاب المقر الرئيسي لجمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس بأيدي النظام الحاكم.

منذ أن نشأت جماعة الإخوان وكانت الشبان المسلمين أكثر الجمعيات الإسلامية قربًا إليها، فقد كان الإمام البنا عضوًا بها منذ قيامها عام 1927م وحتى استشهاده عام 1949م، وقد حرص الإخوان على تدعيم وتوثيق هذه العلاقة، وقد وضحت هذه العلاقة في العديد من المواقف، منها نعي الدكتور عبد الحميد سعيد الرئيس العام للشبان المسلمين؛ فقد جاء في مجلة (التعارف): "فجعت مصر، بل والعروبة والإسلام بوفاة عَلَمٍ من أعلام الجهاد، وبطل من أبطال الوطنية، فقد كان الفقيد ملء السمع والبصر، آتاه الله بسطةً في الجسم، وجلجلةً في الصوت، وشجاعةً في الرأي، وصلابةً في الحق، وثباتًا في الإيمان، ورفعت ذكره، وخلدت أثره، ولسنا نحاول أن نعدد مآثره ومناقبه في هذه السطور فدون ذلك الصفحات الطوال، ولسنا نحاول كذلك أن نغبن حقه من الرثاء فلم يكن عبد الحميد سعيد ممن يرفع شأنهم ثناء ولا ممن يخلد ذكرهم رثاء، ولقد مضى من عبد الحميد سعيد من عمره الفاني وبقي عمره الباقي وهو ذكراه، فسنذكره ما مررنا على هذا الحصن المنيع من قصور الإسلام أعني "دار الشبان المسلمين"، وسنذكره ما أصابت شقيقة عربية نازلة فهرعنا إلى دار الشبان لنفكر وندبر ونقرر، وسنذكره ما ذكرنا الجيش والسودان والإسلام، وهيهات أن ننسى واحدة منها مهما قدم العهد وتعاقبت الأيام".

وقد هنأ الإخوان الرئيس الجديد للشبان المسلمين الذي كان صديقًا للإمام البنا من قبل، وهو اللواء محمد صالح حرب باشا وزير الدفاع السابق، فقد نشرت (التعارف) ذلك قائلة: "وكان أكبر عزاء للإسلام والمسلمين عامة ومصر والمصريين خاصة في وفاة المجاهد الجليل الدكتور عبد الحميد سعيد أن يخلفه في رئاسة جمعيات الشبان المسلمين صاحب السعادة محمد صالح حرب باشا وزير الدفاع السابق، فكان ترشيحًا موفقًا، واختيارًا صادف أهله، فلا شك أن صالح حرب باشا أفضل خلف لخير سلف، وليس من المبالغة أن نتوقع لجمعيات الشبان المسلمين ثباتًا ورسوخًا، بل وتقدمًا ونهوضًا، ونحن نهنئ الشبان بصالح باشا، كما نهنئ صالح باشا بهذا الميدان الجديد الذي أتيح له ليخدم الإسلام المفدى والوطن العزيز".

ولذلك كان الإخوان يشجعون على انتشار جمعيات الشبان في أنحاء القطر لما فيه من زيادة العاملين للإسلام، فقد رحب الإخوان بإنشاء شعبة للشبان المسلمين بالمنصورة، وقالت (النذير): "يسرنا أن يتم هذا المشروع النافع بكل خير، فليس أحب إلى الإخوان المسلمين من أن يروا جهود العاملين تتوجه إلى إيقاظ الشعور الإسلامي، والعمل لنشر تعاليم الإسلام الحنيف بين الناس".

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل وقف الإخوان بجانب كل من يحتج أو يحارب الصحف التي تنشر الصورة العارية، فقد شكر الإخوان جمعية الشبان المسلمين على تقديمها احتجاجًا لرفعة رئيس الوزراء تلفت فيه النظر إلى أن هناك دعوة للإباحية لدفع الناس إلى الرذيلة، وتشجيعهم على التحلل من القيود، والخروج على التقاليد تقوم بنشرها مجلة (التطور)، وأوضح الإخوان أنهم يشكرون جمعية الشبان على يقظتها ونجدتها ووقوفها بالمرصاد لكل فاجر وضال.

وعندما دعت جمعية الشبان المسلمين خيرة المفكرين من رجالات مصر إلى تكوين جماعة منهم تعمل على مقاومة التبشير، حيث دعت إلى اجتماع عام بنادي الجمعية مساء الخميس 29 من صفر 1352هـ، الموافق 23 من يونيو 1933م أعلن تأليف جمعية برئاسة فضيلة الشيخ مصطفى المراغي ولقد سعدت جماعة الإخوان بذلك، فنشرت جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحت عنوان: "نهضة مباركة واجتماع حافل بدار جمعية الشبان المسلمين".

وكان برنامج الحفل والقرارات التي وضعتها اللجنة تتلخص فيما يأتي:

  • أولاً: رفع عريضة لجلالة الملك وللحكومة ببيان أعمال "المبشرين" وطلب إيقافهم عند حدهم.
  • ثانيًا: الكتابة للوزراء المفوضين بذلك حرصًا على حسن العلائق بين مصر وغيرها من البلاد.
  • ثالثًا: نداء للأمة يحذرها من الوقوع في حبائل "المبشرين".
  • رابعًا: انتخاب لجان فرعية في البلاد تعمل على تحقيق غاية اللجنة العامة.
  • خامسًا: الشروع في اكتتاب عام للإنفاق منه على المشروعات التي تتطلبها الغاية.
  • سادسًا: مطالبة وزارة المعارف بالعناية بالتعليم الديني حتى تقوَى مناعة المتعلمين.
  • سابعًا: مطالبة الأوقاف بالإنفاق على الملاجئ والمشافي والإكثار منها.
  • ثامنًا: مراقبة مدارس "المبشرين" وإلغاء امتيازاتهم.
  • تاسعًا: توجيه نظر علماء الدين والوعاظ إلى تحذير الأمة وتوجيه نظر البطاركة.
  • عاشرًا: تأليف لجنة من الكتاب والمفكرين للتأليف والكتابة في هذه الموضوعات.

وقد وافق المجتمعون على هذه المقترحات، ثم طرح عليهم فضيلة الرئيس أمر اختيار لجنة تحضيرية تقوم بعمل القانون الأساسي للجنة العامة فانتخب فضيلته رئيسًا، وانتخب معه عشرة أعضاء كرام كلهم عامل غيور، ومن بينهم حضرة الأستاذ محب الدين أفندي الخطيب مدير هذه الجريدة والأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، وإنا لنرجو لهذه الفكرة السامية كل نجاح وتوفيق.

كما أيدت جهود جمعية الشبان المسلمين في هذا الصدد وفتحت صفحات جريدتها الغراء لأعمالهم، فنشرت جريدة الإخوان لهم تحت عنوان "بيان إلى الأمة من جمعية الشبان المسلمين" عن محاولة جديدة تقوم بها دور "التبشير"، وذُيِّل باسم الرئيس العام لجمعية الشبان المسلمين عبد الحميد سعيد.

ولم تختلف الجماعتان حول موقف فلسطين؛ بل التحمتا على نصرة فلسطين؛ فعندما تألفت بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة لجنة عليا لإعانة منكوبي فلسطين من لفيف كبير من أهل الفضل والوجاهة والشخصيات البارزة الذين عرفوا بالمبادرة إلى تشجيع المشروعات النافعة، وخصوصًا ما يتعلق منها بالناحية الإنسانية وخدمة العروبة والإسلام، ولقد شارك فيها الأستاذ المرشد العام حسن البنا وحضرة صاحب العزة حامد بك عبد الرحمن لتمثيلها في هذه اللجنة، وقد اتفق على أن تعتبر اللجان الفرعية للإخوان المسلمين لجانًا فرعيةً للجنة العليا تتصل بها عن طريق اللجنة المركزية للإخوان المسلمين بالقاهرة.

وعندما أصدر طه حسين كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" عام 1939م، وأحدث ضجةً كبرى ولغطًا بسبب الآراء التي تضمنها الكتاب؛ حيث طالب فيه الشعوب الإسلامية بالسير في ركاب الحضارة الغربية وأخذ كل ما هو حلو وسيِّئ من هذه الحضارة، وكان للإخوان دور كبير في تفنيد ما جاء في الكتاب من شبهات وأخطاء، واستخدم الإخوان أشكالاً متعددةً في نقد ما جاء في هذا اللغط الثقافي؛ ما بين المحاضرات والمقالات والمذكرات للمسئولين، ومناقشة الدكتور طه حسين نفسه، فلقد حضر الإمام البنا جلسة البرلمان الخاصة بمناقشة الاستجواب الخاص بالدكتور طه حسين مراقب الثقافة في وزارة المعارف.

كما عقدت جمعية الشبان المسلمين محاضرةً لمناقشة الكتاب؛ حاضر فيها الإمام البنا، وقد حضرها عدد كبير من العلماء والأدباء، وقد اتبع الإمام البنا في محاضرته أسلوب المناقشة الهادئة لآراء الدكتور طه حسين في الكتاب، مستخدمًا أسلوب نقد فقرات الكتاب بعضها لبعض، وقد أحضر الدكتور يحيى الدرديري مقرر الندوة الكتاب ليتأكد من النصوص والصفحات أثناء المحاضرة، وقد بدأت المحاضرة بما يجب أن يكون عليه حال الثقافة المصرية؛ سواءٌ الثقافة الشعبية أم المدرسية، ثم أبان الإمام تناقض آراء الدكتور طه حسين.

ويذكر الأستاذ محمود عبدالحليم أن الدكتور طه حسين عندما علم بمحاضرة الإمام البنا طلب من الدكتور يحيى الدرديري السكرتير العام لجمعية الشبان المسلمين أن يحضر المحاضرة، ولكن في غرفة مجاورة دون أن يراه أحد، وقد حضر بالفعل ثم انصرف دون أن يراه الجمهور، وفي اليوم التالي طلب مقابلة الإمام البنا، وأخبره أثناء المقابلة أنه حضر المحاضرة وأُعجب بها أيَّما إعجاب، واعترف للإمام بمكانته ونقده البنَّاء، ولم يعلِّق على نقد الإمام للكتاب، وأخبره أنه يتمنى أن يكون النقاد مثله في النقد، وعندها كان سيقبل النقد بصدر رحب.

الإمام حسن البنا

ليس ذلك فحسب؛ بل عندما أبحر الإمام البنا لرحلة الحج شاركه اللواء صالح حرب تقول المجلة: "وقبيل الظهر في الثانية عشرة توكلت الباخرة بالفوج الأخير باسم الله مجريها ومرساها، وكان بين حجيجها في هذا اليوم بعثات: الإخوان المسلمين، وجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وجامعة فاروق الأول (الإسكندرية حاليًا)، ومعالي وزير الخارجية عبد الحميد بدوي وزير الداخلية السابق، وصالح حرب باشا (رئيس جمعية الشبان المسلمين)، والعشماوي بك، وهدى هانم شعراوي، وكثير غيرهم".

وعندما رغب الإخوان في إصدار جريدة يومية اجتمعت لجنة في دار الشبان المسلمين، وكان للإخوان مندوبون فيها، ورأى الإمام البنا اختصارًا لدور الدراسة والتفكير أن يقوم الإخوان بالعبء العملي وفتحوا باب الاكتتاب لجمع المال لشراء مطبعة تمهيدًا لإصدار هذه الصحيفة اليومية.

كما احتفل قسم الأخوات بذكرى الإسراء والمعراج؛ بإقامة حفلها السنوي لهذه الذكرى في دار الشبان المسلمين، وألقت بعض الأخوات كلمات في هذه المناسبة، وقامت فتيات دار التربية الإسلامية للفتاة بتمثيل بعض المقطوعات الإسلامية وإلقاء الأناشيد، ثم اختُتم الحفل بكلمة فضيلة المرشد العام الأستاذ حسن البنا؛ تحدث فيها عن الذكرى وصاحبها صلى الله عليه وسلم، والصلاة وأثرها في النفوس، كما تحدث عن فلسطين الشقيقة وعما يحدث فيها.

وعندما قام البوليس باعتقال عدد من أعضاء جمعية الشبان أثناء توزيعهم نداءً وجَّهه الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين اللواء محمد صالح حرب؛ قام الإخوان باستنكار هذا التصرف وندَّدوا به عبر صحيفتهم.

كما وقفت شُعب الإخوان المسلمين خلف اللواء محمد صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين في الانتخابات في دائرته بأسوان، وقد ندَّدت جريدة الإخوان بالتصرفات الشاذة التي تمارسها الحكومة ضد صالح حرب وأتباعه لحساب منافسه السعدي، وطالبوا الحكومة بالحياد، كما ناشدوا الأسوانيين بالوقوف مع الحق.

كما قام رهط جوالة الشبان المسلمين بزيارة رهوط جوالة الإخوان المسلمين؛ حيث أقامت جوالة الإخوان حفلاً يوم 30/9 بهذه المناسبة، وقامت جوالة الشبان بالتطواف على أقسام الإدارة والسكرتارية وإدارة المبيعات، ثم تناولوا المرطبات وبدأ حفل السمر، وكان في استقبالهم المفتش العام للجوالة الصاغ محمود لبيب والأستاذ سعد الدين الوليلي الوكيل العام، ثم ألقى الأستاذ عبد العزيز أحمد مراقب الجوالة بفلسطين كلمةً رحب فيها بالضيوف، ثم قام الدكتور علي حسن زعيم رهط جوالة الشبان بإلقاء كلمة، وقبيل انتهاء الحفل قام المرشد العام للإخوان المسلمين بزيارتهم في الحفل وألقى كلمة قصيرة.

وعندما قام صالح حرب بزيارة سوهاج استقبله الإخوان هناك وأنزلوه دارهم، كما قاموا بالطواف معه على الأعيان وبعض الهيئات بسوهاج، كما شاركوا في السرادق المقام بهذه المناسبة.

كما قام الأستاذ صلاح عبد الحافظ المحامي وعضو مكتب الإرشاد العام بإلقاء محاضرة بدار الشبان المسلمين في تمام الساعة السابعة بعنوان "قضيتنا بين القومية والدولية".

كما افتتح الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان الموسم الثقافي لجمعية الشبان المسلمين لعام 1367هـ، بمحاضرة ألقاها بدار الشبان، ولقد عبر رئيس الشبان المسلمين عن رأيه في الإخوان؛ حيث قال: "إن دعوة الشبان والإخوان واحدة في الغرض والهدف، ومن يعمل للتفريق بيننا فليس منا، وسنعمل معًا حتى تعلو كلمة الدين وتنال البلاد استقلالها".

وعندما أصدر النقراشي باشا قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 1948م استنكر صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين قرار الحل، قال: "لم يجازف الإنجليز بحل الوفد المصري رغم اتهام بعض أعضائه باغتيال السردار السير لي ستاك باشا حاكم السودان والحكم عليهم بالإعدام ورغم حوادث الاغتيال المتعددة التي نسبها الإنجليز للوفد المصري واعتُقل بسببها مكرم عبيد والدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي وإبراهيم عبد الهادي وغيرهم، على الرغم من ذلك كله.. فقد بقى الوفد المصري ولم يُحَلّ ولكن السعديين المصريين حلوا جمعية الإخوان".

ولم تُنشَر كلمات صالح حرب إلا في 19 من نوفمبر عام 1949م في جريدة (الكتلة) بعد استقالة إبراهيم عبد الهادي وتولي حسين سري باشا رئاسة الوزراء.

وبذلك رأينا مدى العلاقة بين الإخوان المسلمين وجمعية الشبان المسلمين منذ نشأتهما حتى اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا.


المراجع

1- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

2- البصائر للبحوث والدراسات: مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م.

3- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.