الإخوان المسلمون وانتخابات 1987 والتحالف الاسلامى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وانتخابات 1987 والتحالف الإسلامى

مركز الدراسات التاريخية "ويكيبديا الإخوان المسلمون"

مقدمة

تعتبر انتخابات 1987 من أهم الانتخابات التى شارك فيها الإخوان فهى كانت بمثابة تدشين لمرحلة جديدة من عمر الجماعة ومازلت أتذكر المسيرات الانتخابية سواء بالسيارات أو الدراجات التى صاحبت المرشد العام الأستاذ أبو النصر فى زيارته لمدينة المنصورة وتحديداً مدينة "طلخا" والهتافات تتعالى "أبو النصر على ايده النصر" وكذلك تدشين الشعارات الإسلامية القوية مثل "الإسلام هو الحل" "وكونوا أنصار الله" وغيرها من مظاهر الحملة الانتخابية التى تميزت عن غيرها فى تلك الفترة

المشهد السياسى قبل الانتخابات

أدت المشكلات التي واجهها مبارك مع عنف الإسلاميين إلى زيادة تدريجية فى تطرف سياساته تجاه المجتمع لكنه حافظ على تجاوبه المعتدل مع المعارضة السياسية والانتخابات التي جرت في العام 1987 والتي تزامنت مع انتخاباته الرئاسية أكدت أن السعي إلى الشرعية القانونية مسعي يستحق أن يبذل الجهد فيه وبناء على الحصيلة التي تمخضت عنها انتخابات العام 1984 طعنت المعارضة في نتائجها وفي دستورية القانون الانتخابي ( رقم 114 في العام 1983) لأنه حظر على المرشحين المستقلين المشاركة في الانتخابات واقتصارها على الأحزاب فحسب , وهذه المعارضة تسببت في إحراج شديد للنظام وبخاصة عندما رفعت المعارضة القضية إلى المحكمة الدستورية العليا وطالبت بحل مجلس الشعب وتحديد تاريخ لإجراء انتخابات جديدة.

وقرر مبارك في مسعي لتفادي مزيد من الإحراج إبطال حكم المحكمة ووافق في كانون الأولي /ديسمبر 1986 على إدخال بعض التعديلات في القانون الانتخابي ونتيجة لذلك تم حل مجلس الشعب في شباط / فبراير 1987 وتحديد شهر أبريل من السنة نفسها كموعد لإجراء انتخابات جديدة وبالمقارنة مع القانون القديم (رقم 114) اعترف القانون الانتخابي الجديد (رقم 188) بحق المرشحين المستقلين في خوض الانتخابات ومنحهم 10 بالمئة من المقاعد كما نص على توزيع الأصوات التي صبت في صالح الأحزاب التي فشلت في تأمين نسبة الثمانية بالمئة المطلوبة لدخول البرلمان على الأحزاب الفائزة بما يتناسب وحصصها التمثيلية من الأصوات وجاء هذا التعديل مختلفا عن القانون السابق الذي كان يضيف أصوات الأحزاب التي خسرت في تأمين النسبة المطلوبة إلى نصيب الحزب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات ( وغالبا ما يكون الحزب الوطني الحاكم ) في مسعي واضح لتعزيز نفوذ الحزب الحاكم .

فالتطورات السياسية المتسارعة التي أعقبت إصدار قانون انتخابي جديد في ديسمبر 1986 (القانون رقم 188)، والتي تمثلت في حل مجلس الشعب عقب إجراء استفتاء عام على الحل، وتحديد يوم 6 أبريل من العام 1987 لإجراء انتخابات جديدة، قد وضعت أحزاب وقوى المعارضة أمام تحد كبير، خاصة وأنه أصبح من المتعين عليها أن تعمل تحت ضغط عنصر الوقت، هذا وكانت أحزاب وقوى المعارضة قد عقدت مؤتمرا مشتركا في 5 فبراير 1987

قبل عقد هذا المؤتمر بيوم واحد صدر قرار الرئيس مبارك بدعوة الناخبين إلى استفتاء عام على حل مجلس الشعب – وقد شارك في هذا المؤتمر وفد من جماعة الإخوان المسلمين، كما أن مرشدها العام الأستاذ محمد حامد أبو النصر قد بعث برسالة إلى المؤتمر، وتم تلاوتها بالفعل على المشاركين فيه، وتضمنت الرسالة نقدا لبعض الأوضاع السياسية في مصر مثل: استمرار العمل بقانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية الأخرى التي تشكل قيودا على حقوق المواطنين وحرياتهم، كما انتقدت عمليات التعذيب التي يتعرض لها المعتقلين السياسيين في السجون والمعتقلات، وأكدت الرسالة على تأييد الإخوان لكل ما يصدر عن مؤتمر المعارضة من توصيات وقرارات لإقامة نظام ديمقراطي صحيح وتطبيق شريعة الله الغراء، وذلك هو المخرج والسبيل الوحيد والأكيد".

وفي أعقاب صدور قرار رئيس الجمهورية بالاستفتاء العام على حل مجلس الشعب (4 فبراير 1987) تسارعت تحركات أحزاب وقوى المعارضة للبحث فيما يمكن عمله إزاء الانتخابات القادمة، وبرزت في الأفق فكرة مقاطعة الانتخابات كنوع من ممارسة الضغوط على النظام، لكن هذه الفكرة سرعان ما تم تجاوزها، حيث لم تحظ بإجماع كافة الأحزاب والقوى السياسية المعارضة عليها، وهو ما يعني أن أية مقاطعة جزئية للانتخابات سوف تكون عديمة التأثير أو على أفضل الأحوال ذات تأثير محدود، وعلى أثر استبعاد فكرة المقاطعة لم يبق أمام أحزاب المعارضة سوى خياران: إما مشاركة كل حزب في الانتخابات بقوائمه المستقلة، وإما مشاركة أحزاب وقوى المعارضة جميعا بقوائم موحدة تحت مظلة حزب واحد.

نشأة التحالف الإسلامى

انطلاقا من خبرة انتخابات 1984، حيث أخفقت كل أحزاب التي شاركت فيها بصورة مستقلة – باستثناء حزب الوفد الجديد الذي دخلها متعاونا مع الإخوان – في أن تحصل على نسبة الـ (8%) من مجموع الأصوات الصحيحة على مستوى الجمهورية، وهو الشرط الذي وضعه القانون لتمثيل أي حزب في المجلس، ولذلك بقيت كل الأحزاب ما عدا الوفد، والعمل – الذي تم تمثيله في المجلس من خلال التعيين – خارج المجلس، انطلاقا من هذه الخبرة رجحت أحزاب المعارضة في البداية دخول الانتخابات بقوائم موحدة تحت مظلة حزب واحد.

وبالإضافة إلى ما سبق، فقد كانت هناك عوامل أخرى دفعت أحزاب وقوى المعارضة إلى المضي في طريق المشاركة في الانتخابات عن طريق قوائم موحدة منها:

السعي لتحقيق التوصيات والمطالب التي صدرت عن مؤتمر المعارضة (5فبراير 1987) والتي تشكل قاسما مشتركا بين مختلف أحزاب وقوى المعارضة، وذلك عن طريق ضمان تمثيل عادل وفعال للمعارضة في مجلس الشعب على النحو الذي يمكنها من تحقيق التوازن السياسي مع الحزب الحاكم وإنهاء احتكاره للحياة السياسية واتخاذ الإجراءات وممارسة التأثيرات التي من شأنها دعم فاعليات التطور الديمقراطي وتحقيق الإصلاح الدستوري والانتخابي الذي تطالب به قوى وأحزاب المعار ضة.
هذا وقد كان لحزب العمل، ممثلا في رئيسه الأستاذ إبراهيم شكري، دور هام في الدفع بهذه الفكرة إلى حيز التنفيذ، وقد جرت في هذا الإطار سلسلة من الاتصالات بين رؤساء أحزاب المعارضة، وتم عقد أكثر من اجتماع بينهم في مقر حزب الوفد الجديد وفي منزل الأستاذ فؤاد سراج الدين – رئيس الحزب – للتشاور بخصوص هذا الموضوع، وكانت محصلة ذلك أن اتفق رؤساء أحزاب المعارضة على دخول الانتخابات بقوائم موحدة تحت اسم حزب الوفد الجديد باعتباره كان يقود المعارضة البرلمانية في مجلس 1984، على أن تشمل هذه القوائم مرشحين عن القوى السياسية غير الممثلة في أحزاب مثل الإخوان المسلمين والناصريين – حصل الناصريون على حكم قضائي وأسسوا الحزب العربي الديمقراطي الناصري في عام 1922
كما اتفق رؤساء أحزاب المعارضة على تشكيل لجنة تحضيرية لوضع المبادئ والأسس والقواعد التي سيتم على أساسها التنسيق بين أحزاب وقوى المعارضة سواء بالنسبة للقوائم الحزبية أو المقاعد الفردية، وعقدت هذه اللجنة اجتماعا في منزل الأستاذ فؤاد سراج الدين يوم السبت الموافق 14/ 2/ 1987، وذلك لإقرار هذه الأسس والقواعد وإعلانها، إلا أن هذا لم يحدث بسبب القرار المفاجئ الذي أعلنه حزب الوفد الجديد في مساء يوم الجمعة الموافق 13/ 2/ 1987، والذي أكد فيه على رفضه لفكرة القوائم الموحدة واتجاهه لخوض الانتخابات منفردا بقوائمه الخاصة، ولا شك في أن قرار حزب الوفد هذا يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب، المعلنة والحقيقية، التي دفعته إلى ذلك، والتأثيرات التي تركها هذا القرار على مواقف قوى وأحزاب المعارضة الأخرى.
وعلى الرغم من أن الأستاذ فؤاد سراج الدين – رئيس حزب الوفد الجديد كان موافقا على خوض أحزاب المعارضة الأخرى الانتخابات تحت مظلة الوفد الجديد، كان موافق على خوض أحزاب المعارضة الأخرى الانتخابات تحت مظلة الوفد الجديد، إلا أن قرار الرفض صدر بعد عرض الموضوع على اللجنة العليا للوفد، وقد انقسم أعضاؤها بشأنه، فقد رفض (11) عضوا فكرة القوائم المشتركة، بينما أيدها تسعة أعضاء من بينهم الأستاذ فؤاد سراج الدين رئيس الحزب.
وهكذا يتضح أنه لم يكن هناك اتفاق داخل الحزب بشأن هذا الموضوع، وكانت الغلبة في اللجنة العليا للتيار الرافض لفكرة القوائم المشتركة.

وقد برر حزب الوفد الجديد مسلكه هذا بحجتين.

إحداها قانونية والأخرى سياسية، أما الحجة القانونية فمفادها أن مشاركة أحزاب المعارضة بقوائم مشتركة في الانتخابات تعتبر مخالفة للقانون الانتخابي الذي لا يسمح بأن تتضمن القائمة الواحدة أكثر من حزب واحد، وبذلك يمكن أن تطعن الحكومة في القوائم الموحدة وتعترض عليها لمخالفتها للقانون بما يعنيه ذلك من إلحاق أضرار كبيرة ب حزب الوفد.
وبالنسبة للحجة السياسية فجوهرها وجود اختلافات وتناقضات فكرية وسياسية عميقة بين أحزاب وقوى المعارضة، وهو الأمر الذي يجعل من تحالف هذه الأحزاب والقوى في قوائم موحدة أمرا ليس سهلا، بل إن مثل هذا تحالف في حالة قيامه يمكن أن يواجه بصعوبات حقيقية في المحك العملي، وقد تؤدي إلى انهياره، إذا ما قرر بعض الأحزاب الانسحاب منه نظرا لعدم موافقتها على توزيع الحصص في قوائم التحالف أو على طريقة إعداد القوائم وترتيب المرشحين، وهو الأمر الذي يمكن أن يفوت على الوفد فرصة المشاركة في الانتخابات بفاعلية بمفرده.

لكن بعيدا عن هذه التبريرات المعلنة من قبل حزب الوفد، فالأرجح أن هناك أسبابا حقيقية دفعته إلى اتخاذ هذا القرار منها:

وجود قناعة لدى قطاع كبير من المسئولين في الحزب بقدرته على تجاوز نسبة الـ (8%) منفردا ودون حاجة إلى التحالف مع أحزاب أو قوى سياسية أخرى، فضلا عن أن دخول الوفد الجديد في تحالف مع أحزاب المعارضة، ومعظمها أحزاب صغيرة ومحدودة الفاعلية وقدرة كل منها على تجاوز نسبة الـ (8%) بمفرده مشكوك فيها إلى حد كبير، سوف يسمح لهذه الأحزاب بأن تستفيد من قوة الوفد الجديد دون أن يستفيد منها شيئا، بل ستشكل عبئا عليه باعتباره العربة التي ستحملها إلى المجلس، فضلا عن حرص قيادات الوفد الجديد على استمرار تماسك الحزب ووحدته الداخلية وتجنيبه خطر حدوث انشقاقات داخله بسبب موضوع التحالف مع أحزاب وقوى المعارضة الأخرى، في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى تجميع صفوفه لخوض المعركة الانتخابية.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هناك سببا آخر دفع الوفد الجديد إلى اتخاذ هذا القرار ويتمثل في حرصه على تمييز نفسه عن بقية أحزاب وقوى المعارضة الأخرى حتى يؤكد دوره كحزب كبير، بل وكقطب ثان في الحياة السياسية المصرية إلى جانب الحزب الوطني وذلك انطلاقا من رؤية راسخة لرئيس الحزب الأستاذ فؤاد سراج الدين مفادها "أن الصورة المثلى للحياة الحزبية في مصر إنما تتحقق بوجود حزبين قويين وأساسيين لديهما ثقة بالنفس تمكنها من رعاية المسيرة الديمقراطية بعيدا عن سبل الإثارة التي تلجأ إليها بعض فصائل المعارضة الصغيرة".

وبناء على ذلك يمكن القول:

بأن موافقة رئيس حزب الوفد الجديد في البداية على دخول الحزب الانتخابات بالتحالف مع أحزاب وقوى المعارضة الأخرى، إنما كان الهدف منها التأكيد على أن حزب الوفد الجديد حريص على تماسك المعارضة وتحالفها، ولكن عندما جاءت ساعة الحسم أعلن حزب الوفد رفضه لفكرة القوائم المشتركة، وذلك بناء على قرار اللجنة العليا للحزب الذي مثل مخرجا لرئيسه ليتراجع عما كان قد اتفق عليه من قبل مع رؤساء أحزاب المعارضة الأخرى بخصوص هذا الموضوع.

ويذكر أحد الباحثين مجموعة من الأسباب الأخرى التى دفعت الاخوان للمشاركة فى الانتخابات فيقول:

أ – تأكيد وجودهم كقوة سياسية مؤثرة تشكل جزءا من الواقع السياسي المصري، خاصة وأن النظام السياسي المصري كان منذ مطلع السبعينيات (أي مع بداية تولي الرئيس السادات السلطة في مصر) وقد اعترف بوجود الإخوان من الناحية الواقعية – لأسباب وحسابات كثيرة ليس هنا مجال الخوض فيها – بينما رفض – ولا يزال – منحهم حق الوجود الرسمي والقانوني، ومن هنا فإن مشاركة الإخوان في الانتخابات البرلمانية تعني سعي الجماعة لتجاوز الحظر القانوني وتفريغه من مضمونه على صعيد الممارسة السياسية، ففي مثل هذه الحالة يمارس الإخوان دورهم السياسي كأي حزب سياسي شرعي دون الترخيص لهم بتأسيس حزب، ولا شك في أن الدور المتزايد للإخوان في بعض تنظيمات المجتمع الأهلي كالاتحادات الطلابية ونوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية والنقابات المهنية خلال الفترة السابقة على انتخابات 1987 قد مثل عنصرا هاما في دفع الإخوان للمشاركة في هذه الانتخابات، باعتبار أن دورهم على صعيد مؤسسات المجتمع الأهلي يدعم من دورهم على صعيد مؤسسات الدولة والعكس صحيح.
ب – حرص الإخوان في تأكيد طبيعتهم وتميزهم كقوة سياسية معتدلة، تقبل بالأطر السياسية والدستورية القائمة وتمارس نشاطها السياسي في إطارها، وهم بذلك يختلفون عن الجماعات والتنظيمات الإسلامية المسيسة الأخرى كالجهاد والجماعةالإسلامية وغيرهما، وهي ترفض الأوضاع السياسية القائمة جملة وتفصيلا، وتتبنى فكرا انقلابيا قوامه تكفير الدولة – بل إن بعضها يكفر الدولة والمجتمع معا – واستخدام القوة والعنف للإطاحة بالنظام القائم وإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس إسلامية صحيحة حسبما تتصورها هذه الجماعات.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن مجلس الشعب يمثل بالنسبة للإخوان ساحة لممارسة النشاط السياسي وللتعبير عن آرائهم وتصوراتهم بخصوص القضايا والمشكلات الواقعية التي يناقشها المجلس ومن هذا المنطلق يستطيعون تأكيد قدرتهم على المشاركة في الحياة السياسية شأنهم شأن أي حزب سياسي، وإثبات التزامهم بفضيلة الحوار وآدابه من ناحية إلى جانب ارتباطهم بهموم وقضايا المجتمع من ناحية ثانية، فضلا تأكيد استيعابهم للمستجدات على الساحة المصرية ومتغيرات العصر بصفة عامة والتعامل معها من منطلق فهم مستنير لمبادئ الإسلام وأصوله من ناحية ثالثة، كما أن عضوية مجلس الشعب تسمح للفائزين من أعضاء الإخوان بالتمتع بالحصانة البرلمانية وهو ما يتيح لهم حرية الحركة وممارسة الدعوة دون قيود أو ضغوط من أجهزة الأمن.
ج – اتخاذ الإخوان انتخابات 1987 كمناسبة لاختيار مدى قوتهم وحجم تأثيرهم في الشارع السياسي، بعد أن كانت مشاركتهم في انتخابات 1984 مجرد "جس نبض" لمدى قبول النظام مشاركتهم في الحياة السياسية عبر القنوات السياسية الشرعية من ناحية، ومؤشرات التأييد الشعبي لهم من ناحية أخرى، ولذلك فقد كانت مشاركة الإخوان في انتخابات 1984 محدودة، حيث شاركوا ضمن قوائم الوفد بـ (17) مرشحا نجح منهم (8) مرشحين، أما في انتخابات 1987 فقد نزل الإخوان بثقلهم سواء من حيث عدد المرشحين أو أسماء بعض المرشحين أو الدعايا الانتخابية أو التمويل، وكل تلك أمور سوف يتم بحثها بالتفصيل فيما بعد، ومن المؤكد أنه إذا كانت مسألة اختبار القوة هذه تعني الإخوان باعتبارها مؤشرا على وزنهم السياسي في المجتمع، فإنها كانت تعني النظام الحاكم أيضا حتى يأخذ نتائجها بعين الاعتبار عن التخطيط لمستقبل الحياة السياسية في البلاد.
د – تسابق أكثر من حزب سياسي للتحالف مع الإخوان لخوض الانتخابات وبخاصة حزبي العمل والأحرار، وذلك نظرا لضعف هذه الأحزاب وهشاشتها وتيقنها من عدم قدرتها على تجاوز نسبة الــ (8%) إذا خاض كل منها الانتخابات منفردا، ومن هنا كان تسابقها للتحالف مع الإخوان للاستفادة من قاعدة تأييدهم الشعبي في الوصول إلى المجلس ومقابل ذلك كان على هذه الأحزاب أن تقدم تنازلات وتقبل بشروط الإخوان للدخول في تحالف، وهكذا وجد الإخوان أنفسهم في مركز قوة، ولم يضيعوا فرصة خوض الانتخابات ضمن تحالف انتخابي يسمح لهم بأن يكونوا الطرف المسيطر فيه أو على الأقل طرفا رئيسيا ومؤثرا(1).

ومنذ أن تم الإعلان رسميا عن إجراء انتخابات جديدة في 6 أبريل 1987، حرص الإخوان على تأكيد أمرين:

أولهما: نفي أن يكون هناك تحالفا قد حدث بين الوفد والإخوان في انتخابات 1984، وفي هذا الإطار أكد المستشار مأمون الهضيبي على أن "الإخوان لم يخوضوا المعركة الانتخابية السابقة كإخوان لأن تجربة تعدد الأحزاب كانت في بدايتها، وكانت الأحزاب الموجودة (الوسط واليمين واليسار) وهي نتاج المنابر التي نشأت عن الاتحاد الاشتراكي.
وكان الحزب الوحيد الذي جاء بحكم القضاء هو حزب الوفد فآثرنا التعاون معه لأنه صاحب أقل رصيد في مضايقة الإخوان المسلمين بالقياس إلى الاتجاهات الأخرى، هذا بالإضافة إلى رصيده التاريخي، وذلك كله دعانا إلى التعاون معه خلال الانتخابات الماضية وانتهى هذا التعاون بمجرد انتهاء الانتخابات .. ولم نتدخل في أي يوم من الأيام في شؤون الهيئة الوفدية ولا هم سألونا عن رأينا في أي أمر من الأمور، فنحن لم نكن مشاركين في سياستهم ولا دعوتهم ولا قراراتهم.
وثانيهما: التأكيد على أن علاقة الإخوان بالوفد علاقة طيبة وأن ظروف الانتخابات وحساباتها لن تؤثر على هذه العلاقة، وقد أكد على هذا المعنى الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بقوله: "لا نحن نتهرب من الوفد ولا الوفد يتهرب منا، ونحن لا نزال على علاقة طيبة مع الوفد، فهو حزب تحكمه سياسة معينة ولا نعطي لأنفسنا حق التدخل في هذه السياسة كما لا نسمح لأحد بأن يتدخل في سياستنا، فالوفد أراد أن تكون قوائمه من رجاله فله هذا ونحن وجدنا أن نلتقي مع العمل والأحرار وتم هذا، فكل يتصرف دافع سياسته وفهمه للأمور وتقديره للظروف".
وعلى الرغم من استمرار التواصل بين الوفد والإخوان في أعقاب انتخابات 1984، إلا أن هذا التواصل كان في حدود دنيا متمثلة في "أن نواب الإخوان الذين دخلوا مجلس الشعب على قوائم الوفد كانوا يواظبون على حضور اجتماعات الهيئة العليا البرلمانية بصفتهم أعضاء فيها".
وعندما كان ينسحب نواب الوفد من بعض الجلسات كان ينسحب معهم نواب الإخوان أيضا، هذا وتشير كافة الدلائل على أن الوفد الجديد قد حرض على تحجيم دور الإخوان بكافة السبل، فلم يسمح لهم بالتدخل في شئونه وسياساته، كما لم يخصص لهم إلا مساحة محدودة من جريدته "الوفد".
ونظرا لذلك فقد ترسخت القناعة لدى الإخوان بأن مستقبلهم السياسي لا يمكن أن يكون في إطار الوفد الجديد، ولذا تحركوا للبحث عن قنوات سياسية بديلة تسمح لهم بدور أكبر ونشاط أوسع.

وخلال العامين السابقين لانتخابات 1987 طرق الإخوان أكثر من بديل:

أولها: السعي من أجل الحصول على ترخيص بإنشاء حزب سياسي للإخوان المسلمين وقد أكد على ذلك المرحوم الأستاذ عمر التلمسانيالمرشد العام السابق للإخوان بقوله: "فلما سدت في وجهنا كل الطرق لمباشرة دعوتنا والتعبير عن آرائنا فكرنا في أن نسلك طريقا يظهر صورة من صور نشاط الإخوان ولكنه ليس دعوة الإخوان، ولهذا فكرنا في إعلان حزب وبدأنا في الدراسات الخاصة به وسنتقدم قريبا بطلب إلى لجنة الأحزاب لإشهار حزب".
وثانيها: الانضمام إلى حزب الأمة الذي يرأسه الأستاذ أحمد الصباحي، وبغض النظر عن التفاصيل التي نشرتها بعض الصحف والمجلات بخصوص هذا الموضوع، إلا أنه من الأهمية بمكان تسجيل ما ذكره الأستاذ عمر التلمسانيالمرشد العام السابق للإخوان – بهذا الخصوص، حيث قال: "بعد حصول السيد أحمد الصباحي على حكم بقيام حزبه جاءني ومعه ورقة فلوسكاب بها توقيعات من 20 – 30 عضوا من مؤسسي الحزب وطلب مني أن أكون رئيسا للحزب وبالفعل دارت بيننا وبينه مفاوضات، ولكنه فاجأنا في الجرائد بقوله إننا عرضنا عليه أموالا واشترطنا أن نحتل مراكز الحزب القيادية وأردنا أن نخضعه لرأي :الإخوان ففشلت في هذا الموضوع تماما ولم أتحدث معه في شيء أبدا".
وثالثها: الانضمام إلى حزب الأحرار، وقد سبقت الإشارة إلى بعض أبعاد هذا الموضوع التي لخصها الشيخ صلاح أبو إسماعيل بقوله: "وقد حاولوا – أي الإخوان – الاتفاق مع حزب الأمة فتعذر ذلك الاتفاق، ثم تفاوضوا مع حزب الأحرار فقبل جميع شروطهم وزيادة، ومع ذلك بقي في أنفسهم ما يدعوهم إلى التريث ومزيد من الدرس".
وعموما فلم يتمكن الإخوان من تحقيق أي من البدائل الثلاثة السابق لأسباب عديدة ليس هنا مجال الخوض فيها.
وبالإضافة إلى تحجيم دور الإخوان في إطار الوفد الجديد، فإن هناك عاملا آخر كان وراء بحث الإخوان عن قنوات سياسية أخرى ويتمثل في ضعف اهتمام حزب الوفد الجديد وعدم تحمسه لقضية تطبيق الشريعة الإسلامية فضلا عن طرحه لهذه القضية بمفهوم مختلف عن مفهوم الإخوان لها، وقد عبر عن هذا المعنى الأستاذ مصطفى مشهور – أحد قيادات الإخوانبقوله: "نعم بعد أن رفع الوفد شعار تطبيق الشريعة الإسلامية كنا نتوقع أن يكون ملتزما بهذا، ولكن في أول التعاون كان واضحا أن الوفدي وفدي والإخوان إخوان، ولكن لمسنا تغير موقف الوفد للشريعة، وبالتالي لم يكن بالصورة التي كنا نرجوها" (2).

وفسرت قيادات الإخوان اسباب اللجوء الى التحالف مع حزبى "العمل والأحرار" بعدة نقاط أهمها:

أولاً: أكد الإخوان على أن التحالف مع العمل والأحرار هو بمثابة قناة قانونية يعبرون من خلالها إلى مجلس الشعب، وقد عبر الأستاذ محمد حامد أبو النصرالمرشد العام للإخوان المسلمينعن هذا المعنى بقوله: "للأسف الشديد فإن القانون قد حرمنا من أن نوجد في الساحة السياسية فلا أقل من أن ندخل الأحزاب كوسيلة مشروعة نصل بها إلى البرلمان لنشرح للشعب فكرتنا ونتعاون مع الشرفاء لإصلاح البلد .. دخولنا الأحزاب بمثابة قناة شرعية لنا لدخول البرلمان".
وهكذا نظر الإخوان إلى التحالف مع حزبي العمل والأحرار بمثابة جواز سفر يدخلهم المجلس على حد تعبير الأستاذ مصطفى مشهور بل إن الأستاذ مشهور نفسه قد أكد على أن الإخوان اضطروا إلى دخول هذا التحالف .
وقال في هذا الصدد: "لو أن قانون الانتخاب القديم بالترشيح الفردي فقط هو الذي يعمل به لما احتجنا إلى التحالف مع غيرنا من الأحزاب، ولكن قانون الانتخابات بالقائمة والذي صنع خصيصا لمنع الإخوان من المشاركة في الانتخابات لعدم وجود كيان أو حزب لهم قانونا يحول بيننا وبين مجلس الشعب، ولذلك كان لا بد من التغلب على هذه العقبة المصطنعة بالتعاون مع حزب للدخول تحت قائمته، وهذا ما تم مع الوفد في الانتخابات السابقة ومع حزبي العمل والأحرار هذه المرة، خاصة وأن الحزبين أكدا أكثر من مرة ومن مدة سابقة مطالبتهما بتطبيق الشريعة الإسلامية".
ثانياً: لم يخف الإخوان أن التحالف مع حزبي العمل والأحرار كان يمثل أفضل فرصة انتخابية بالنسبة لهم من منظور حساب المكاسب السياسية، وقد عبر المستشار مأمون :الهضيبي عن هذا المعنى بقوله: "نحن الآن في مرحلة جديدة نبحث فيها عن قناة قانونية لخوض الانتخابات فوجدنا أن أفضل الفرص المتاحة في حزب العمل".
وأضاف في سياق آخر: "أما بالنسبة للانتخابات المزمع إجراؤها في أبريل القادم وجد الإخوان أن أنسب الفرص المتاحة لهم قائمة حزب العمل، كما أن حزب الأحرار رأى التنسيق مع حزب العمل أيضا، وهكذا اكتمل الموضوع".
كما أكد الأستاذ محمد حامد أبو النصرالمرشد العام للإخوان المسلمين على هذا المعنى في إطار عدم تنسيق الإخوان مع الوفد وتفضيلهم للتحالف مع حزبي العمل والأحرار بقوله: "ليس بيننا وبين الوفد أية خصومة أو خلاف كل ما هناك أننا نحسب وندرس دخولنا إلى الأحزاب من واقع ظروفنا السياسية .. وظروفنا لم تكن مع الوفد هذه المرة .. لا شك وجدنا الراحة في هذا التحالف، ولما عرض علينا الأحرار والعمل أن يعطونا نسبية كبيرة 40% كي نشترك معهم، وجدنا الراحة معهم".
ثالثاً: فقد كانت مطالبة حزبي العمل والأحرار بتطبيق الشريعة الإسلامية أحد المبررات التي طرحها الإخوان لتبرير تحالفهم مع الحزبين، لأنهما بمسلكهما هذا يكونان قد التقيا مع الإخوان في الهدف، وقد أكد على هذا المعنى الأستاذ محمد حامد أبو النصرالمرشد العام للإخوان بقوله: "التحالف هذه المرة على أساس سليم، ولا خلاف بيننا وبين أي حزب آخر، فالكل مجمع على تطبيق الشريعة الإسلامية ولا يوجد خلاف بشأن ذلك".
كما أكد على نفس المعنى الأستاذ مصطفى مشهور بقوله: ".. ما نحسه ونلمسه من صدق وتوجه قيادة حزب العمل الممثلة في الأستاذ إبراهيم شكري وحزب الأحرار أيضا في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك ما نعتبره إلى حد كبير ضمانا لهذا التحالف".
وفي نفس التوجه قال المستشار مأمون الهضيبي: "اتفق الجميع – أي أطراف التحالف الثلاثة – على الأسس التي لا خلاف عليها وهي ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ...".
وأخيرا: أكد الإخوان على أن وجود اتفاق بين الأطراف الثلاثة حول جملة من الأهداف السياسية في إطار تطبيق الشريعة الإسلامية قد مثل عنصرا هاما لدفع الإخوان إلى المشاركة في التحالف.

وقد أكد الأستاذ محمد حامد أبو النصرالمرشد العام للإخوان – هذا المعنى بقوله:

"إننا نستبشر خيرا بهذا التحالف الذي جمع بيننا وبين حزبي العمل والأحرار حبا في الإسلام ورغبة أكيدة في تطبيق الشريعة الإسلامية وكذا إصرارنا على المطالبة برفع قانون الطوارئ وإلغاء القوانين الاستثنائية ورفع القيود على تشكيل الأحزاب والهيئات والجمعيات والمطالبة بحرية الانتخابات وعدم التدخل فيها بالضغط أو الإرهاب أو التزوير والمطالبة بإلحاح بإشراف رجال القضاء على إجراءاتها ضمانا لسلامتها من أي تدخل لصالح جهة معينة، كما جمع بيننا أيضا تضافرنا وتأكيدنا على دعم الوحدة الوطنية الغالية".
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية حفزت الإخوان إلى التحالف مع حزبي العمل والأحرار منها: أن الحزبين قبلا التحالف مع الإخوان على أرضيتهم الفكرية والسياسية، وقد سبق أن أشارت الدراسة إلى التحولات التي طرأت على توجهات وممارسات حزبي العمل والأحرار وجعلتهما أقرب إلى الخط الفكري والسياسي للإخوان.
ومن هذا المنطلق فقد شعر الإخوان بأنهم في مركز قوة يؤهلهم لدخول التحالف كطرف مسيطر أو على الأقل رئيسي، وليسوا كشريك صغير على غرار خبرة تعاونهم مع الوفد في انتخابات 1984، وفي ظل تحالف من هذا النوع بدت قدرة الإخوان على فرض شروطهم وتوجهاتهم على التحالف أكبر.

وقد عبر عن هذا المعنى المستشار المأمون الهضيبي بقوله:

"نحن الآن في مرحلة جديدة نبحث فيها عن قناة قانونية لخوض الانتخابات، فوجدنا أن أفضل الفرص المتاحة في حزب العمل، وبالطبع لا يوجد ما يرضي الجميع وعلى أية حال فقد قبلت قيادات حزب العمل هذا وذلك يخصهم ولنا خطنا الواضح الذي لا نتزحزح عنه وهو تحكيم شرع الله في كيان الدولة السياسي والاقتصادي ومن أراد الاقتراب منها بهذا كله".
ولا شك في أن موقع الإخوان في التحالف يمثل عنصرا هاما لدعم سياستهم في التعامل مع الأحزاب السياسية على الساحة المصرية، فهم يعملون من أجل تغيير الأحزاب السياسية من داخلها بصورة تدريجية وسلمية بحيث يتم استيعابها في إطار حركة الإخوان أو على الأقل دفعها إلى الاقتراب تدريجيا من التوجه الفكري والسياسي للإخوان.

وقد أكد على هذا المعنى الأستاذ صلاح شادي وهو أحد قادة الإخوان بقوله:

"نحن نكسب من وجودنا داخل الأحزاب أكثر مما نخسر".
وفي معرض رده على سؤال عن قدرة الإخوان على احتواء ولم الجماعات الإسلامية المتشددة في كيان سياسي واحد؟ أجاب الأستاذ صلاح شادي "دورنا الأساسي هو ذلك، ليس فقط بالنسبة للجماعات الإسلامية ولكن بالنسبة للأحزاب الموجودة على الساحة (الأحرارالأمةالوفد) وظيفتنا استقطاب كل الناس في إطار حركتنا"(3).

ويقول د عصام العريان في أحد مقالاته عن انتخابات 1987:

حاول الإخوان مع بقية القوى السياسية إقناع زعامة الوفد بأن نكون جميعًا في قائمة واحدة هي قائمة الوفد في انتخابات 1987م، بعد أن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون الانتخابات (المادة المتعلقة بالقائمة النسبية دون حق الأفراد في الترشيح).

فشلنا بسبب أمرين:

1- التفسير القانوني الذي قدّمه المرحوم أ. د. وحيد رأفت، وزعم أنه يهدد القائمة بالبطلان؛ لأنها تضم أعضاء من أحزاب أخرى، أما الإخوان فهم أفراد يحق لهم الترشح على أي قائمة.
2- التفسير السياسي الذي يتبنّاه العلمانيون المتطرفون في الوفد، والذين استقال زعيمهم فرج فودة، غفر الله له، بعد تحالف الوفد والإخوان، وهؤلاء دفعوا في اتجاه؛ إذا كان الوفد قد احتوى الوفد وضمهم تحت جناحه فكيف يتحالف مع شيوعيين واشتراكيين.. إلخ.
عاصرت وعايشت تلك التجربة التي انتهت بالتحالف الإسلامي بين الإخوان المسلمين وحزبي العمل والأحرار في انتخابات 1987م، بعد مفاوضات عسيرة بين المرحومين الهضيبي وإبراهيم شكري.

وتميّز ذلك التحالف بعدّة أمور:

وضوح البرنامج وإسلاميته، ولخص البرنامج عشر نقاط وعددًا من الشعارات أهمها وأشهرها: "الإسلام هو الحل".
توزيع النسب بين القوى الثلاثة على هذا النحو؛ 40% للإخوان، 40% للعمل، 20% للأحرار.
وجود ماكينة انتخابية واحدة، لها رأس مركزي، وفروع في كل الدوائر تقوم بالدعاية والتنسيق، ووضع قواعد وضوابط لاختيار المرشحين وترتيبهم في القوائم، مع مراعاة التوزيع الجغرافي وقوة الشخصية والشعبية.. إلخ.
كنت مشاركًا في اللجنة المركزية لإدارة الانتخابات، وفاعلاً في المفاوضات بين أطراف التحالف؛ حتى قرر الشيخ صلاح أبو إسماعيل رحمه الله الترشح بصورة نهائية قطعية على المقعد الفردي، فترأست القائمة في الدائرة الثانية بمحافظة الجيزة: (مركز إمبابة، قسم إمبابة، مركز الجيزة)، وانسحب من إدارة الانتخابات لأتفرغ للمرور على الدائرة الواسعة.
بعد نجاح 37 مرشحًا للإخوان المسلمين أصبح لهم كتلة برلمانية مستقلة، يرأسها المرحوم المستشار محمد المأمون الهضيبي، ولها أمين عام هو المرحوم فؤاد حجاج وكيل الوزارة السابق، ويعاونه المرحوم رشاد نجم الدين وكيل وزارة، ومعه عدد من كوادر إدارية عليا غير متفرعين في السياحة والزراعة والإدارة المحلية.. إلخ (4).

ويضيف د إبراهيم الزعفراني ذكرياته عن انتخابات 1987 فيقول:

اجتمع مكتب الإرشاد وبحث عرضا من حزب العمل الاشتراكي وحزب الأحرار الديمقراطي بإقامة تحالف ثلاثي مع الإخوان المسلمين ، وخوض انتخابات عام 1987 بقوائم موحدة .
وتمت الموافقة وسمي هذا التحالف (التحالف الإسلامي) –وتم عمل برنامج انتخابي مشترك يحوي المحاور الرئيسية المتفق عليها بين المتحالفين .
ورشح كل جانب من التحالف من يمثله في لجنة الاتفاق علي أسماء المرشحين في كل دائرة فمثل الإخوان أ/ مأمون الهضيبي , ود/ عبد المنعم أبو الفتوح –ومثل حزب العمل أ/ إبراهيم بركات –ومثل حزب الأحرار رئيسه أ / مصطفى كامل مراد .
وبعث الإخوان إلي مسئولي المحافظات لتحديد مرشحيهم في كل دائرة وإرسال من سيقوم بالتعريف بالدوائر وأهميتها وطبيعتها وطبيعة المنافسين فيها ،و قوة مرشحي الإخوان في كل دائرة ، واختارني الإخوان بالأسكندرية مندوبا عنها وفي يوم مناقشة محافظتنا .
لاحظت مدي تعنت ممثل حزب الأحرار في المفاوضات رغم قلة وضعف مرشحيهم . كما لاحظت الملكات التي يتمتع بها ممثل حزب العمل أ / إبراهيم بركات فهو ذو ذاكرة قوية وإلمام دقيق بتفاصيل معظم دوائر مصر وطبيعتها وقوة المرشحين فيها …
واشهد انه أثناء مناقشة قوائم الأسكندرية والمرشح الفردي كان متعاونا وصريحا حيث لم يطلب إلا مكانا واحدا فقط لحزب العمل في راس القوائم (الأسماء الثلاثة) الأول في كل قائمة وصرح بان الإخوان في الأسكندرية هم الأقوى ويجب أن يحصلوا على العدد الأكبر من رؤوس القوائم ولم ينازع العمل ولا الأحرار في المقعد الفردي لأنهم متأكدون من عدم النجاح فيه فأملهم هو في رؤوس القوائم الكفيلة بحملهم إلى النجاح (5).
وقد خاض الإخوان المسلمون انتخابات عام 1987 إلى جانب حزب العمل المصري وحزب الأحرار ضمن تحالف إسلامي تحت شعار الإسلام هو الحل.
وهو التحالف الذي أثمر عن 56 مقعدًا، وفاز الإخوان من خلال "التحالف الإسلامي" مع حزبي العمل والأحرار بنسبة 17.4% من أصوات الناخبين ليحصلوا على مليون و163 ألفا و525 صوتًا من أصل أصوات سبعة ملايين ناخب، وفاز للإخوان 37 نائبًا (حوالي 8.5% من مقاعد البرلمان)- وذلك لأول مرة في مصر- من أصل 454 نائبًا برلمانيًا (444 بالانتخاب وعشرة بالتعيين).
وتقدم ترتيب الجماعة بذلك لتحتل الترتيب الثاني بعد الحزب الحاكم (69% من الأصوات) من حيث عدد الأصوات والمقاعد التي فازت بها، وبـ 37 مقعدًا، احتل الإخوان المرتبة الأولى في صفوف المعارضة(6) .
وأصدرت محكمة النقض تقاريرها ببطلان الانتخابات فى 88 دائرة انتخابية .
مما يعنى أن 176 عضوا فى مجلس الشعب البالغ عددهم 454 أو نحو 39% من أعضاء المجلس قضت المحكمة ببطلان عضويتهم ومن ناحيته رفض مجلس الشعب جميع التقارير الصادرة عن المحكمة و لم يعتد برأيها استنادا لنص المادة 93 من الدستور التى تعلى الحق ل مجلس الشعب سلطة الفصل فى صحة عضوية أعضاء البرلمان " مما دفع رئيس المجلس إلى أن يعلن أن المجلس هو سيد قراره .
وقد أشار أحد تقارير حقوق الإنسان "أن الإخوان المسلمين كان هدفا أساسيا للدعاية الحكومية المضادة حيث كانت نسبته 50 % من إجمالى القيود التى فرضت على المرشحين حال القيام بدعايتهم الانتخابية فى الدوائر محل الرصد".

واثبتت تجربة التحالف الإسلامى عدد من النقاط أهمها:

1– أن اتجاه الإخوان للتحالف مع حزبي العمل والأحرار في انتخابات 1987 كان مرده – إلى جانب اعتبارات أخرى – قناعتهم بأنه لا يمكن توسيع نطاق دورهم السياسي في إطار استمرار تعاونهم أو تحالفهم مع حزب كبير مثل حزب الوفد، خاصة وأن هذا الأخير قد حسم أمره وقرر أن يخوض الانتخابات منفردا دون أي تعاون/ تحالف سواء مع الإخوان أو مع غيرهم.
ولذلك فضل الإخوان التحالف مع حزبين صغيرين هما العمل والأحرار وهناك فوارق بينهما بالطبع، وقد كانا بدورهما أكثر حرصا على التحالف مع جماعة الإخوان للاستفادة من قاعدتها الشعبية في تجاوز شرط الـ (8 %) والحصول على تمثيل في البرلمان، خاصة وأنهما كانا قد أخفقا في تجاوز هذه النسبة في انتخابات 1984، ومن المؤكد أن جملة التغيرات الفكرية والسياسية التي لحقت بالحزبين في مرحلة ما بعد انتخابات 1984، وجعلتها أكثر قربا من الخط السياسي والفكري للإخوان كانت عاملا هاما في خلق أرضية للتحالف بين الأطراف الثلاثة.
2– كانت جماعة الإخوان هي الطرف المسيطر في التحالف الإسلامي، وقد تجلى ذلك بوضوح في البرنامج الانتخابي وإعداد قوائم المرشحين والدعاية الانتخابية وتمويل الانتخابات، وجاءت نتائج الانتخابات لتؤكد هذه الوضعية، فمن إجمالي (60) مقعدا حصل عليها التحالف كان نصيب الإخوان (36) مقعدا، وهو ما أهل الجماعة لتكون قوة معارضة رئيسية داخل البرلمان، حيث تفوقت بفارق مقعد واحد على أكبر حزب معارض وهو حزب الوفد الجديد الذي حصل على (35) مقعدا.
3- أكدت انتخابات 1987 أن القاعدة الاجتماعية للإخوان تنتشر بصورة أكبر في أوساط الطبقة الوسطى الحضرية، فالدوائر التي فاز فيها مرشحي الإخوان كانت بالأساس في محافظات القاهرة والإسكندرية والغربية وعدد من محافظات الوجه البحري ويصدق ذلك سواء على انتخابات سنة 1984 أو انتخابات سنة 1987، وبالمقابل فإن وجود الإخوان في معظم محافظات الصعيد يعتبر ضعيفا، ومن المفارقات أن هذه المحافظات شكلت منذ منتصف الثمانينات معاقل لجماعة التطرف والعنف، وهو أمر يحتاج إلى دراسة تفصيلية للبحث في أسباب هذه الظاهرة وخلفياتها (7).

أداء نواب الإخوان في مجلس الشعب ( 1987)

فاز الإخوان الذين باتوا متحالفين الآن مع حزب العمل وحزب الأحرار بستة وثلاثين مقعدا في مجلس الشعب في العام 1987 بالمقارنة بالمقاعد الثمانية التي حصلوا عليها في العام ولأول مرة في السياسة المصرية تحولت الجماعة إلى أكبر جماعة معارضة في البرلمان ، وقد كان مبارك وأجهزته الأمنية على دراية تامة بالتأثير المتعاظم للإخوان وهو التأثير الذي بدا واضحاً إلى حد لا يمكن إنكاره في المساجد وفي الأحياء داخل المدن وفي الاتحادات الطلابية وفي النقابات المهنية.

وجاءت تركيبة الأعضاء الإسلاميين الستة والثلاثين في برلمان العام 1987 مختلفة عنها في برلمان العام 1984 الذي كان في العام 1987 مؤلفا من كوادر أصغر سنا وأوسع علما ففي العام 1987 كانت الكوادر الشابة على غرار زملائهم من أعضاء الإخوان في النقابات وفي الاتحادات الطلابية أكثر إلماما بالحاجات الحالية لدوائرهم الانتخابية.

وقد مكن هذا الواقع مضافا إليه العدد الكبير من الإخوان في البرلمان (المدعوم بالطبع من قبل التحالف الإسلامي ) الجماعة من لعب دور أكثر نشاطا في مجلس الشعب بالمقارنة مع دورهم في برلمان العام 1984.

ولم ينجح نواب الإخوان في مجلس الشعب في التقدم بقوانين جديدة في مجلس تشريعي سيطر عليه الحزب الوطني لكنهم نجحوا في فرض وجودهم في السياسة الرسمية.

وإجمالاً كان أداء الإخوان في البرلمان " بارزا بشكل واضح من خلال فصاحتهم ومهاراتهم البرلمانية التي لا يمكن للأغلبية أو أغلب نواب المعارضة مضاهاتهم بها" .

ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الإخوان تجاوزوا التوقعات النمطية بأنهم متي دخلوا البرلمان فسوف لن يتحدثوا عن شئ سوي عن الحاجة إلى تطبيق الشريعة وأنهم سيتجاهلون القضايا الأكثر أهمية بالنسبة إلى أغلب المصريين وقد عالج الإسلاميون بالطبع موضوع الشريعة كجزء من خطابهم واهتمامهم بتأكيد مصداقيتهم الدينية وأدانوا ما اعتبروه الممارسات " غير الإسلامية " التي يقرها النظام وتضمنت هذه الممارسات التعامل بالربا أو الفائدة والسماح بشرب الخمور وعرض مواد غير مناسبة على التليفزيون وفي المرحلة التي كان النظام يكافح من أجل مواجهة التأثير المتنامي للعنف الإسلامي فإن الانتقادات التي وجهها الإخوان ساهمت في إضعاف المصداقية الدينية للنظام وهو ما أشعر النظام والأحزاب الرئيسية الأخرى باستثناء حزب التجمع بضرورة تبني عناصر الخطاب الديني للمحافظة على مصداقيتها.

وبالتالي كرر الحزب الوطني تأكيده أن أغلب القوانين المعمول بها في مصر تتفق والشريعة الإسلامية فضلا عن تشديد مبارك غالبا على التزامه الشخصي بـ " القيم الدينية النبيلة".

ولكن الإخوان في مجلس الشعب ذهبوا إلى ما هو أبعد من القضايا الدينية وبدأو بمناقشة القضايا الأوسع التي تهم الجمهور العام بالإضافة إلى انتقاد سجل النظام في مجال حقوق الإنسان في تعامله مع المعارضين السياسيين انتقدت الحركة سياسات الحكومة في قطاع الصحة ووسائل الإعلام وبخاصة في قطاع التعليم حيث فشلت السلطات في تطوير البنية التحتية العام والمباني الدراسية أو في معالجة مشكلة الأمية المتفشية وأثار الإسلاميون أسئلة جدية عن موقف النظام من المشكلات المتعاظمة والمتعلقة بالبطالة والتضخم والديون والاستهلاك الكبير وخصخصة أقسام رئيسية ن البنية التحتية للقطاع العام.

تلك كانت مشكلات معاصرة وحقيقية وأراد المصريون كافة مسلمين أو أقباط دينيين أو علمانيين رؤية عمل فوري وملموس لحلها ومع ذلك فإن الإخوان كانوا حريصين على عدم الخلط بين انتقاد سياسات الحكومة وتجنب تعريض شرعية رئيس النظام نفسه للمساءلة وكان ذلك التفريق واضحا من خلال قرار أعضاء نواب الجماعة في مجلس الشعب التصويت لولاية ثانية لمبارك.

المراجع

1-الإخوان المسلمون والسياسة فى مصر، دراسة فى التحالفات الانتخابية والممارسالت البرلمانية للإخوان المسلمين في ظل التعددية السياسية المقيدة في مصر، د. حسنين توفيق إبراهيم،د. هدى راغب عوض ، كتاب المحروسة 1995، ص285

2-الإخوان المسلمون والسياسة فى مصر، دراسة فى التحالفات الانتخابية والممارسالت البرلمانية للإخوان المسلمين في ظل التعددية السياسية المقيدة في مصر، د. حسنين توفيق إبراهيم،د. هدى راغب عوض ، كتاب المحروسة 1995، ص287

3-الإخوان المسلمون والسياسة فى مصر، دراسة فى التحالفات الانتخابية والممارسالت البرلمانية للإخوان المسلمين في ظل التعددية السياسية المقيدة في مصر، د. حسنين توفيق إبراهيم،د. هدى راغب عوض ، كتاب المحروسة 1995، ص285 -288 

4- الحياة الحزبية.. الأحزاب الجديدة عصام العريان

5-انتخابات 1987 د.ابراهيم الزعفرانى

6-الإخوان والتحالفات السياسية.. مواقف وشبهات موقع:إخوان ويكي بقلم:السعيد العبادي

7-الإخوان المسلمون والسياسة فى مصر، دراسة فى التحالفات الانتخابية والممارسالت البرلمانية للإخوان المسلمين في ظل التعددية السياسية المقيدة في مصر، د. حسنين توفيق إبراهيم،د. هدى راغب عوض ، كتاب المحروسة 1995، ص435 -438

للمزيد عن الإخوان ومبارك