الإخوان المسلمون والعلاقات الدولية.. المواقف والتحركات (الجزء الأول)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:١٢، ١٠ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والعلاقات الدولية.. المواقف والتحركات الجزء الأول

مركز الدراسات التاريخية ويكيبيديا الإخوان المسلمين

تمهيد

تأسست جماعة الإخوان المسلمين فى ظروف بالغة الأهمية على الصعيدين الإسلامى والدولى، فقد نشأت الجماعة عقب سقوط الخلافة الإسلامية كما شهدت الحرب العالمية الثانية وهى فى أطوار تأسيسها، وعاشت لحظات التحرر العربية والإسلامية من ربقة الإستعمار الغربى، كل هذه العوامل بالإضافة إلى رغبة الجماعة القوية أن تكون صوتاً قوياً معبراً عن الصف الإسلامى، جعل الجماعة تسعى باستمرار لبيان مواقفها تجاه القضايا الدولية المختلفة ولاسيما المتعلقة بالشأن العربى والإسلامى.

ولم تكتف الجماعة بالبيانات والمقالات كوسيلة تعبر عن مواقفها، بل انتهجت الجماعة فى الكثير من الأوقات نهج الوسيط فى العديد من الأزمات الدولية،وكان مهندس يوسف ندا أحد رموز تلك الوساطة التى هدفت الجماعة منها إلى تحقيق السلام والعدل الدوليين.

وربما يعتقد البعض أن العلاقات الدولية للإخوان نشأت مع عودة التأسيس الثانى للجماعة فى منتصف السبعينيات ولكن فى الواقع أن الجماعة منذ نشأتها وعلى يد الإمام البنا كان لها دور فعال ومؤثر فى القضايا العربية والإسلامية.

ويرصد هذا البحث جانب من تلك العلاقات الدولية للإخوان وتفاعلاتهم مع القضايا والأزمات الدولية من منظور تاريخى

الفصل الأول: العلاقات الدولية.. التعريف والمفهوم

المبحث الأول: تعريف العلاقات الدولية

أولاً: مفهوم العلاقات الدولية

العلاقات الدولية في اللغة:
العلاقات الدولية مصطلح مركب من لفظتين، (العلاقات) و(الدولية)، ونبين معناهما على النحو التالي:
  1. العلاقات:جمع علاقة من الفعل الماضي علق يعلق عُلوقاً؛والعُلوق هو تدلي شيء من شيء أعلا منه؛ تقول: (علّقت الشيء إذا جعلته يتدلى من شيء هو أعلى منه)، وكل شيء التزم شيئاً فقد علق به.وعلى ذلك فالعلاقات هي صلات تتصل الأشياء بها بعضها مع بعض.
  2. الدولية: الدولية مؤنث دولي: والدولي نسبة إلى الدولة، كالغزي، تقال لمن هو من غزة، والمصري تقال لمن هو من مصر.والدولي من الفعل (دَوَلَ)، ومصدره (دَولة) بالفتح، أو (دُولة) بالضم؛
والفعل (دَول) له معنيان:
(أ‌) التحول من مكان لمكان آخر: تقول: (اندال القوم) إذا تحولوا من مكان إلى مكان آخر، و(تداول القوم الشيء)؛ إذا انتقل بين أيديهم.
(ب‌) الضعف والاسترخاء: تقول: (دالَ الثوبُ) إذا بليَ من طول الزمن وشدة الاستعامل.
والدَولة بفتح الدال تطلق على المعركة، أو على من تكون له الغلبة فيها، الدولة في الحرب دولة فلان؛ أي الغلبة في الحرب له، ومنه قوله تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، أي نقلبها ونصرفها، فمرة تكون الغلبة لطائفة ومرة تكون لأخرى.
والدُولة بالضم تطلق على المال؛ قال تعالى: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ)، حيث أمر الله تعالى بتوزيع الفيء على الأصناف المذكورين في الآية حتى لا يكون هذا المال دائراً بين أيدي الأغنياء فقط
وعلى ذلك فالدولة في اصطلاح اللغة هي القوة والسلطان والغلبة، أما الدولة في الاصطلاح القانوني هي ما تكون من مجموعة متجانسة من الأفراد تمارس نشاطها على إقليم جغرافي محدد وتخضع لتنظيم معين، فهي ما تكون من عناصر ثلاثة: الشعب والإقليم والسلطة، وهذا ما نقصده.

ثانياً: العلاقات الدولية في الاصطلاح:

قلنا إن الدول المختلفة التي تشكل مجموع الدول في العالم لا يمكنها أن تعيش في عزلة عن بعضها البعض، وإن كل دولة لا بد أن تكون لها حركة فاعلة في المجتمع الدولي، وإن هذه الحركة إما أن تكون في اتجاه السلم وإما أن تكون في اتجاه الحرب؛

وعليه لا بد أن تكون بين الدول مجموعة من الأفعال وردود الأفعال في مجال السلم وما يمثله من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ومجال الحرب و ما يمثله الجوانب التي تتعلق بإعلان الحرب، وحقوق الأسرى، وحقوق المدنيين وقت الحرب وغير ذلك، ومن هنا نستطيع أن نقول أن العلاقات الدولية هي:مجموعة السلوك والتصرفات المتبادلة بين دولة وغيرها من الدول والجماعات وفقاً لأحكام الشرع.

واستخدمت كلمة دولية (International) لأول مرة من قبل جرمي بنثام في الجزء الأخير من القرن الثامن عشر بالرغم ان ما يناظرها في اللغة اللاتينية قد استخدم من قبل ريجاد زوك قبل قرن من ذلك.

وقد استخدم الناس هذه الكلمة لتعريف فرع القانون الذي أخذ يطلق عليه "قانون الأمم" أو "قانون الشعوب" وهو اصطلاح للقانون الروماني يشير إلى المبادئ التي كان يطبقها الرومان في القضايا التي تتضمن علاقات مع أجانب..

ثم استخدم المصطلح بعد ذلك من قبل أولئك الذين درسوا الروابط الدولية تحت الإطار القانوني فقط، وكان رجال القانون يسعون إلى تحديد مضمون القواعد الواجبة التطبيق بين اللاعبين في المسرح الدولي والعمل على ترجمتها إلى الواقع والتحقق من تطبيقها.

إن مصطلح (International) استخدم بوصفه حاجة حقيقية لتعريف العلاقات الرسمية بين الملوك، وربما تعد كلمة بين الدول (Interstates) أكثر دقة في تعبير الدولية لأن مصطلح الدولة في العلوم السياسية هو المصطلح الذي ينطبق على مثل هذه المجتمعات.

إنّ الدراسة العلمية للعلاقات الدولية تنطوي على دراسة الظواهر الدولية بشكل موضوعي وشامل وإلقاء الضوء على الأسباب والعوامل المحددة لتطورها والعمل على تطوير نظرية منها.

انها تعني ايجاد "انتظام" أو "ثوابت" أو "قوانين" بالمعنى الذي ذهب إليه مونتسكيو، أي ايجاد روابط ضرورية تشتق من طبيعة الأشياء.. ولفترة طويلة استخدم مصطلح الدولية للاشارة إلى العلاقات بين الدول فقط، في وقت لم تكن العلاقات الدولية تعني سوى العلاقات بين الدول.

ولا شك انها نظرة قاصرة لجوهر العلاقات الدولية الذي يعكس اليوم ساحة واسعة ومتشابكة من التفاعلات بين كيانات عديدة ومختلفة الطبيعة.

ويعرف جون بورتون العلاقات الدولية بأنّها "علم يهتم بالملاحظة والتحليل والتنظير من أجل التفسير والتنبؤ"، ويعرفها رينولدز "انّها تهتم بدراسة طبيعة وادارة والتأثير على العلاقات بين الأفراد والجماعات العاملة في ميدان تنافس خاص ضمن اطار من الفوضى وتهتم بطبيعة التفاعلات بينهم والعوامل المتغيرة المؤثرة في هذا التفاعل"

ويعرفها ماكيلاند بأنّها "دراسة التفاعلات بين أنواع معينة من الكيانات الاجتماعية بما في ذلك دراسة الظروف الملائمة المحيطة بالتفاعلات".. أمّا كوينسي رايت، فيقدم تعريفاً واسعاً للعلاقات الدولية، وينبع من نظرته إلى العلاقات الدولية بأنّها "علاقات شاملة تشمل مختلف الجماعات في العلاقات الدولية سواء كانت علاقات رسمية أم غير رسمية"؛

ويرى فيريدرك هارتمان بأنّ مصطلح العلاقات الدولية "يشمل على كل الاتصالات بين الدول وكل حركات الشعوب والسلع والأفكار عبر الحدود الوطنية"، ويعرفها مارسيل ميرل بأنّها "كل التدفقات التي تعبر الحدود، أو حتى تتطلع نحو عبورها، هي تدفقات يمكن وصفها بالعلاقات الدولية، وتشمل هذه التدفقات بالطبع على العلاقات بين حكومات هذه الدول ولكن أيضاً على العلاقات بين الأفراد والمجموعات العامة أو الخاصة، التي تقع على جانبي الحدود، كما تشمل على جميع الأنشطة التقليدية للحكومات: الدبلوماسية، المفاوضات، الحرب... إلخ؛ولكنها تشتمل أيضاً وفي الوقت نفسه على تدفقات من طبيعة أخرى: اقتصادية، ايديولوجية، سكانية، رياضية، ثقافية، سياحية... إلخ"

ويرى دانيال كولارد بأنّ دراسة العلاقات الدولية تضم "العلاقات السلمية والحربية بين الدول ودور المنظمات الدولية وتأثير القوى الوطنية ومجموع المبادلات والنشاطات التي تعبر الحدود الوطنية".

وعلى الرغم من عدم وجود تعريف شامل وجامع للعلاقات الدولية يتفق حوله جميع الباحثين والمختصين، فانّ الاطلاع على هذه التعاريف يوضح لنا أنّ العلاقات الدولية ظاهرة واسعة من المبادلات المتداخلة التي تجري عبر الحدود الوطنية، إذ استخدم معظم المختصين عبارات مطلقة وشاملة لتعريفها مثل كيانات اجتماعية بالنسبة لماكيلاند، وجماعات عامة وخاصة بالنسبة لكل من كوينسي رايت وميرل ورينولدز.وهي لا تشتمل على العلاقات الرسمية بين الدول، وإنما تشتمل على العلاقات غير الرسمية أيضاً.

فالتجارة والمال هي أشياء تساهم في تطوير الروابط بين الدول، وحركة السياحة وطلب العلم خارج البلاد وهجرات الشعوب وتطوير العلاقات الثقافية والفنية عبر مختلف وسائل الإعلام عملت هي الأخرى على تطوير العلاقات الدولية..

وبدون شك تتفوق النشاطات الخاصة أو حتى تتجاوز التعامل الرسمي بين الحكومات وتعد جزءاً مهماً من نتاج الحضارة الحديثة، فضلاً عن انّ مستويات المعيشة قد ازدادت بزيادة السلع والخدمات والتي يلعب النشاط التجاري الخارجي دوراً فيها. كما أسهم التقدّم في العلوم والتكنولوجيا المدعوم بواسطة تبادل المعرفة بين العلماء وزيادة كثافة نشاط الاتصالات الدولية في تطوير العلاقات بين الدول.

وحينما نتحدث عن العلاقات الدولية، فاننا غالباً ما نقصد العلاقات بين الدول لأنّها هي التي تصنع القرارات المؤثرة على الحرب والسلام وان حكوماتها لها سلطة تنظيم الأعمال والتجارة والسفر واستغلال الثروات واستخدام الأفكار السياسية والقضاء والجنسية والاتصالات والقوات المسلحة وممارسة الأمور الأخرى المتعلقة بالشؤون الدولية، ولكن العلاقات الدولية هي انعكاس لعدد غفير من الاتصالات بين الأفراد ونشاطات المنظمات الدولية والمؤسسات الثقافية.

فحينما يسافر مواطن دولة إلى خارج حدود بلاده، أو حينما تتعلق النشاطات بين الدول بالصادرات والصراعات، وحينما تسعى دولة ما لتطوير تجارتها مع دولة أخرى، فانّ العلاقات الدولية تصبح قائمة.

ويشمل ذلك أيضاً إرسال الدول لبعثاتها الدينية للعمل في دول أخرى، أو حينما ترسل وكالة دولية انسانية مثل منظمة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر مساعدات إلى بلد يعاني من كوارث.

وهكذا فالعلاقات الدولية لا تشمل العلاقات بين الدول فقط وإنما تشمل الكيانات الأخرى مثل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والاتصالات والنقل والتجارة والمال والزراعة والعمل والصحة والعلوم والفلسفة والثقافة مما قد أرسى العديد من العلاقات الاجتماعية الدولية، وساعد ذلك على ظهور مصطلح "الدولية" لإضفاء نشاط واسع على العلاقات بين الدول.

والدول مهما بلغ حجم سكانها، سواء كان صغيراً مبعثراً في قرى أو كبيراً يصل تعداده إلى عشرات الملايين، لن تقيم علاقات دولية إذا ما انعدم الاتصال فيما بينها. فلا يمكن أن تؤثر قيام علاقات دولية إلا بعد ظهور الاتصالات بين الدول، والعزلة طبقاً لذلك لا تسهم بتاتاً في قيام العلاقات الدولية.

انّ هدف العلاقات الدولية هو السعي للحصول على معرفة عامة حول سلوك الجماعات السياسية وسلوك الأفراد والمساعدة على فهم الأحداث أو القضايا السياسية.

وتشتمل العلاقات الدولية على وسائل وطرائق تحليل الافتراضات والوقائع السياسية عن طريق اجراء الاستنباط وتصنيف الأهداف القيمية واختيار البدائل وبيان نتائجها المحتملة واختيار الطريقة الأكثر ملائمة للوصول إلى الغاية المطلوبة.

وبما انّ العلاقات الدولية تهتم بالملاحظة والتحليل والتنظير في دراسة وتفسير الأحداث في العلاقات بين الدول، فانّ الساسة وصُنّاع القرار ربما يصبحون في موقف يقدرون من خلاله تحديد السياسات التي يمكن أن تحقق بثقة أهدافهم الوطنية وبما يؤدي إلى حل المشكلات الدولية والمساهمة في تطوير العلاقات بين الدول وتحقيق نتائج أفضل للاستقرار والسلام.

لذا يظل تحقيق السلام الهدف الأسمى للعلاقات الدولية نظراً لما يعتقده البعض بأنّ الدول تسعى لكي تتصرف في علاقاتها الخارجية طبقاً لنفس المبادئ الأخلاقية التي تدفع الأفراد في التصرف، فانّ ذلك يجعلها تقتنع بأنّ لها مصلحة مشتركة وشاملة تقوم على أساس إقامة السلام بواسطة مؤسسات دولية.

إنّ العلاقات الدولية تساعدنا في الكشف عن أفضل السبل التي تساهم في معرفة ماذا تريد الشعوب؟ ولماذا انتظمت في مجموعات خاصة؟ ولماذا سلكت هذه الطريقة في التصرف؟ وبوسعنا تعريف العلاقات الدولية بأنّها "ظاهرة من التفاعلات المتبادلة المتداخلة السياسية وغير السياسية بين مختلف وحدات المجتمع الدولي" .

المبحث الثانى:العلاقات الدولية .. رؤية إسلامية

العلاقات الدولية في الإسلام هي العلاقات والصلات الخارجية التي تقيمها الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول والجماعات والأفراد لتحقيق أهداف معينة وفقا للشريعة الإسلامية.

فقد واجه الإسلام منذ نشأته أوضاعا سياسية وأحوالا اقتصادية بالغة التعقيد، ونجح في أن يتعامل معها بأسلوب متميز يختلف عن أساليب الدول السابقة؛ فعقد المعاهدات، واستقبل المستأمنين، وأعان الضعفاء، وراسل الملوك، وبعث الوفود، وتحالف مع القبائل، وفاوض وأقام العلاقات الخارجية.. كل ذلك بتصور إسلامي مستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وحري بالمسلمين في كل عصر وزمان أن يلتزموا تلك الفاعلية المنتجة المنضبطة بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

أهمية العلاقات الدولية في الإسلام:

الإسلام الرسالة الخاتمة دين أُنزل للبشرية جمعاء، تبدت عالميته في قدرته على التعايش مع كل الجماعات البشرية غير المحاربة؛ من نصارى ويهود.. ملوك وفقراء.. سود وبيض... إلخ، وفق ضوابط معلومة وقواعد محددة، من أهمها: الاعتراف أن الاختلاف بين بني البشر في الدين واقع بمشيئة الله تعالى: فقد منح الله البشر الحرية والاختيار في أن يفعل ويدع.. أن يؤمن أو يكفر.

وحدة الأصل الإنساني والكرامة الآدمية: انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13)، وقوله عز وجل (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) (الإسراء: 70).

التعارف: لقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13)، وكما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة:(... أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة...). (جزء من حديث رواه أبو داود)؛ فالتعارف أساس دعا إليه القرآن، وضرورة أملَتْها ظروف المشاركة في الدار أو الوطن بالتعبير العصري، وإعمالا لروح الأخوة الإنسانية بدلا من إهمالها.

التعايش: إذ إن حياة المتشاركين لا تقوم بغير تعايش سمح: بيعا وشراء.. قضاء واقتضاء.. ظعنا وإقامة.وتاريخ المسلمين حافل بصور التعامل الراقي مع غير المسلمين ، وقد حدّد الله سبحانه وتعالى أساس هذا التعايش بقوله: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8).

التعاون: كثير من القضايا العامة تشكل قاسما مشتركا بين المسلمين وغيرهم، ويمكن التعاون فيها، كما أن الأخطار التي تتهددهم معا ليست قليلة، ويمكن أن تشكل هذه القواسم المشتركة منطلقا للتعايش والتعاون؛

وأهم هذه القواسم المشتركة ما يلي:

  1. الإعلاء من شأن القيم الإنسانية والأخلاق الأساسية؛ فالعدل والحرية والمساواة والصدق والعفة كلها قيم حضارية تشترك فيها الأديان والحضارات، وترسيخها في المجتمعات هدف مشترك يمكن التعاون عليه.
  2. مناصرة المستضعفين في الأرض، وقضايا العدل والحرية ومحاربة الظلم، ومن ذلك اضطهاد السود والملونين في أمريكا، واضطهاد الأقليات الدينية وسائر الشعوب المقهورة في فلسطين وكوسوفا والشيشان ونحوه؛ فالإسلام يناصر المظلومين من أي جنس ودين.

والرسول صلى الله عليه وسلم قال عن (حلف الفضول) الذي تم في الجاهلية:

"لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحبّ أنّ لي به حُمر النّعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت" (سيرة ابن هشام، والكلام عن هذا الحلف ذكر في البداية لابن كثير بإسناد صحيح، وفي دلائل البيهقي ورواه الحميدي، وابن سعد عن طريق الواقدي ).

أهداف العلاقات الدولية في الإسلام:

إنَّ صياغة أهداف العلاقات الدولية يجب أن تتم في ضوء المنهج الإسلامي للعلاقات الخارجية الذي حددته الأحكام الشرعية؛ فلا ينبغي أن تضع الدول أهدافها للعلاقات الخارجية في غيبة من الإسلام؛

ويمكن تفصيل أهداف العلاقات الدولية في الإسلام على النحو التالي:

أولا: أهداف عامة مشتركة:

  1. حماية الدولة: وهو ما يعرف في واقعنا المعاصر بالأمن القومي، ويتطلب سيادة الدولة على أراضيها، وحفظها لحدودها الجغرافية، وبعدها عن تدخل الدول الأخرى عسكريا أو سياسيا.
  2. رعاية المصالح المتبادلة: إذ تسعى كل دولة إلى توفير موارد ذاتية تغنيها عن الحاجة إلى عون خارجي، لكن هذا في واقع الحال صعب المنال؛ لذلك تلجأ الدول إلى أن تكمل نقصها عبر علاقاتها الخارجية، وتبادل المنافع مع الدول الأخرى.
  3. الأمن المشترك: فالأمن هو أحد الضروريات التي يحتاجها كل نظام سياسي يسعى إلى الاستقرار، وإذا كان الأمن الداخلي مسألة خاصة بكل دولة فهناك أمن خارجي مشترك بين دول العالم، تحكمه اتفاقيات تضمن عدم اعتداء دولة على أخرى، وقد تتحالف دول معينة وتتفق على التصدي لأي عدوان يهدد دولة في الحلف.
  4. السلام العالمي: إن الخلافات بين الدول تهدد أمن العالم؛ لذلك اقتضت المصلحة أن يقوم نظام عالمي لرعاية السلام العالمي، ومنع حدوث خلافات بين الدول، وتوفير آلية لحل الخلافات بينها؛ حفظا للأمن والسلام العالميين، وفي واقعنا المعيش تقوم منظمة الأمم المتحدة وروافدها بهذا الدور.

ثانيا: أهداف خاصة:

  1. نشر الدعوة الإسلامية: فالدولة الإسلامية هي دولة دعوة، تحمل رسالة الإسلام وتبشر بها وتدعو إليها، وتحمل لواء خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة والبلاغ.
  2. حماية الأقليات المسلمة: يطلق على المجموعات التي تعيش في دولة أخرى غير التي تقيم بها اسم (الأقليات)، والقانون الدولي يعرف الأقليات القومية، ولا ينظر للأقليات الدينية مع إنه حفظ لها حقوقها المتعلقة بشعائرها الشخصية، أما الإسلام فلا تقف العنصرية أو العرقية حاجزاً أمام الانتماء الأوسع له، ومهمة الدولة الإسلامية تقتضي حفظ حقوق الأقليات المسلمة دون النظر إلى أصولها العرقية أو العنصرية.
  3. درء الأخطار عن الأمة الإسلامية: إن الأمة الإسلامية مطالبة بنشر هذا الدين والذود عنه، وحماية معتنقيه والدفاع عن حرماتهم، وإزالة كل العوائق التي تمنعهم من أن يؤدوا فرائض دينهم؛ بل والتي تحول بين غير المسلمين وقبول الإسلام.

مميزات العلاقات الدولية في الإسلام:

  1. النظام الإسلامي للعلاقات الدولية يتميز بثبات المصادر (القرآن، والسنة، واجتهاد الفقهاء)، وعدم خضوعها للمتغيرات والأحداث، كما يتميز بالمرونة في الاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان والحال.
  2. للشريعة الإسلامية أو الدين مكان واضح في مفهوم العلاقات الدولية؛ فالشريعة بمثابة الباعث المحرك لأهداف العلاقات الدولية؛ لذلك لا يتصور فصل الدين عن العلاقات الدولية كما يحدث في الديانات الأخرى.
  3. العلاقات الدولية في الإسلام ليست انفعالية بل مبدئية تنطلق من قيم العدل والسلام والتسامح والحرية ومساعدة المظلوم والوفاء بالعهود ونحوه.
  4. العلاقات الدولية في الإسلام مفهومها متسع، ولا يقتصر على الدول؛ بل يشمل المؤسسات والأفراد؛ إذ يستطيع فرد أن يعطي الأمان لآخر (ويسعى بذمتهم أدناهم).
  5. العلاقات الدولية في الإسلام شمولية تخاطب الناس جميعا؛ أفرادا وجماعات، انطلاقا من شمول الإسلام.
  6. وسائل العلاقات الدولية في الإسلام نبيلة سامية، ومبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) لا وجود له في التصور الإسلامي.
  7. المصالح العامة للبشرية (كالسلام العالمي) من الأهداف الرئيسية للدولة الإسلامية، خلافاً لما عليه الحال في كثير من الدول الغربية التي تقدم مصالحها الذاتية على المصالح العامة للبشرية.
  8. الإسلام لا يعرف الازدواجية في العلاقات الدولية كما يلاحظ في المؤسسات الدولية العالمية كالأمم المتحدة وروافدها.
  9. الإسلام سبق كل النظريات المعاصرة في وجوب مواجهة الطغيان بقوة تردعه، وهو ما يطلق عليه اليوم (الردع)، أو (القوة الرادعة).
  10. العلاقات الدولية في الإسلام تنبع من الإسلام،ولا يحكمها أي مؤثر خارجي؛ الأمر الذي يوفر لأي دولة استقلالا كاملاً في اتخاذ مواقفها الخارجية والداخلية.

ويحدد أحد الباحثين عدة نقاط أساسية تقوم المقولات الأساسية للمنظور الإسلامي في تحليل العلاقات الدولية عليها:

  1. مناخ العلاقات الدولية ومحركاتها: يقرر عدد من منظري العلاقات الدولية في الرؤية الإسلامية أن مناخ العلاقات الدولية، إنما هو مناخ الصراع والتدافع الدائم بين الأمم والأقوام. فهذه هي الصفة التي ميزت تاريخ الإنسان منذ القدم، إذ ظلت تجمعاته وتكتلاته في حالة صراع وتدافع دائمين، صراع وتدافع بين الحق والباطل والخير والشر.ويرى المنظرون الإسلاميون أن الإسلام مع إيمانه بواقع التدافع، لا يعمل على فرض إرادته، ولا يتجه إلى استئصال الأديان أو الأفكار الأخرى، ويكتفي بعرض نفسه في أجواء الحوار، ولا يستعين بالقوة أو الجهاد إلا لحماية حقه في البقاء وللمحافظة على وضع الحريات الدينية والفكرية في العالم.
  2. وحدات التعامل الرئيسية في العلاقات الدولية ومستوياتها: يقول عدد من المفكرين المسلمين: إن هناك نوعين من وحدات التعامل ذات التأثير في محيط السياسة العالمية، الأول، ذو طابع قيمي (Normative)؛ والثاني، ذو طابع علمي (Empirical)، فالنوع الأول حدده الفقه الإسلامي انطلاقًا من مواقف تلك الوحدات تجاه الإسلام ودولته، وأما النوع الثاني فتقره الملاحظة العملية والبحث العلمي.
(أ‌) التقسيم القيمي: وفي إطاره تحدث فقهاء المسلمين عن ثلاثة أنواع من وحدات التأثير، بناءً على نوع علاقة تلك الوحدات بالمسلمين، وأضاف بعض الفقهاء المعاصرين نوعًا رابعًا لتلك الوحدات
وهذه الوحدات هي:
الأولى دار الإسلام: وهي وحدة إقليمية تسيطر عليها عقائد الإسلام وقوانينه، وتقوم على رقعة أرضية محددة، ولكنها تختلف عن الدول القومية في أنها لا تقوم على جنسية محددة، وهذا لا يمنع أن تتطابق حدودها مع حدود انتماءات قومية بعينها، لأن القومية بإمكانها أن تتوافق ولا تتعارض مع الإسلام، ولكن الدولة الإسلامية لا يسعها أن تكون مجرد دولة قومية، تقوم فقط على تلك الانتماءات والولاءات، وإنما تقوم على الانتماء للإسلام والولاء له، وهو بمثابة الجنسية والقومية في هذه الحالة.
الثانية دار العهـد: وهي الدار التي دخلت في حماية دار الإسلام من غير أن تعتنق عقائد الإسلام أو تمتثل لشرائعه، بل أخذت موثقًا من دار الإسلام بالدفاع عنها ضد اعتداءات من أطراف أخرى.
الثالثة دار الحياد: وهي تلك الدول التي تعلن عن رغبتها في إقامة علاقات تعايش سلمي مع دار الإسلام، وتعرب عن رغبتها في التعاون على تحقيق السلم والمصالح المشتركة، ولا تناصر عدوًّا شن الحرب على المسلمين.
ويمكن للدولة (أو الدول الإسلامية) من خلال حركتها السياسية أن تحيد كثيرًا من دول العالم إزاءها، إن لم تستطع أن توطد معها علاقات إيجابية، ويدعو القرآن المسلمين ليحترموا رغبة كل من أراد أن يعتزل القتال وأن يذروه وإرادته.
الرابعة دار الحرب: لا يكفي مجرد عدم التزام دولة ما بعقائد الإسلام وشرائعه سببًا لاعتبارها دارًا للحرب، وإنما لابد من تحقق شرط العدوان، سواء بشن الحرب على دار الإسلام أو منعها من نشر دعوة الإسلام في العالم.
(ب‌) التقسيم العملي: على المستوى العملي الخاضع للملاحظة والاستقراء، يمكن تحديد وحدات تأثير أخرى مختلفة، ومثل هذا التحديد يخضع لعاملي الزمن والبيئة، فمعظم هذه الوحدات قد يظهر في عصر ويختفي في آخر، وقد يستتبعه وجود بيئة سياسية عالمية معينة، ثم ينقرض وجوده أو يضعف بتغير تلك البيئة، وفي المرحلة الراهنة من مراحل تطور العلاقات الدولية؛

يرى عدد من منظري العلاقات الدولية في المنظور الإسلامي أن أبرز وحدات التأثير والنفوذ في النطاق العالمي هما:

الدولة القومية: وما يرتبط بها ويدور في فلكها من وحدات كالشركات متعددة الجنسيات، الأحلاف والتكتلات الدولية، والمؤسسات الدولية، والحركات الدينية العالمية، وشبكات الإعلام العالمية، وحركات التحرير القومي، وهذه الوحدات تتفاوت في أقدار تأثيرها وحدودها، كما تتأرجح أحجام ذلك تبعًا لعوامل القوة التي تتمتع بها تلك الوحدات، وهذه مسألة أخرى ترجع للبحث الاستقرائي، والأمة.
ويمكن ملاحظة أن كلا المستويين النظريين القيمي والعلمي يمكن أن يتداخلا مع بعضهما، أي أن وحدات التحليل القيمية يمكن إثباتها عمليًّا في بعض الأحيان، والعملية يمكن أن تنطبق عليها المعايير القيمية، فالأحلاف وهي ظاهرة عملية تبدو آثار التقسيم القيمي فيها واضحة جلية .

وفي ضوء هذا المضمون الإسلامي للحرية يمكننا متابعة تطبيقاتها العملية على صعيد العلاقات الدولية ، ومن أهم هذه التطبيقات ما يأتي:

(أ) الإقرار بسياسة الأبواب المفتوحة في محيط العلاقات الدولية، ورفض سياسة العزلة والانغلاق إلا لضرورة قهرية "والضرورة تقدر بقدرها"؛ ذلك لأن سياسة الباب المفتوح هي التي تتيح فرصًا متساوية وعلاقات متكافئة للأفراد والجماعات والشعوب لكي تمارس حريات التنقل، والإقامة، والدخول والخروج، والعمل، والتملك... إلخ، أما سياسة العزلة والانغلاق فإنها تتضمن بالضرورة قيودًا على ممارسة مثل هذه الحريات إلى حد الحرمان منها في بعض الحالات.
(ب) الاعتراف "بالتعددية" الحضارية والثقافية والسـياسية والعقائدية؛ ذلك لأن التنوع والاختلاف من سنة الحياة الاجتماعية، وأن محاولة طمس الاختلافات وتنميطها في قالب واحد أمر لا يأتي إلا عن طريق الجبر والإكراه، وهما والحرية ضدان لا يجتمعان.
(جـ) بطلان الأوضاع التي تنشأ نتيجة للقسر والإكراه؛ حتى لو تكرست عبر اتفاقيات أو معاهدات أو بحكم الأمر الواقع، فهذه كلها تتنافى مع قيمة الحرية، ولا بد للسياسة الإسلامية الدولية أن تعمل لتصحيح الأوضاع بما يتفق مع هذه القيمة.

إذا كانت النظرية الإسلامية في العلاقات الدولية تهدف أساسًا كما أسلفنا إلى إقرار السلام العالمي الإسلامي "Pax Islamica" فإن منظومة القيم المعيارية لهذه النظرية تبين بيقين أن هذا السلام ذو طابع إنساني عام، وليس دينيًّا بالمعنى الكهنوتي الضيق لكلمة "الدين"، وأنه يحتل موقعًا مركزيًّا في صلب النظام العالمي الذي ينشده الإسلام.

إن السلام العالمي هو الهدف النهائي للنظرية الإسلامية في العلاقات الدولية كما قدمنا والوصول إلى هذا الهدف هو مطلب المستقبل لجميع الأمم، والطريق إليه مليء بالتحديات التي تفوق طاقة كل أمة بمفردها، وإن الإسلام يعلم كافة البشر أن باستطاعتهم دومًا أن يتشاوروا وأن يتحاوروا ويتعارفوا من أجل اكتشاف الحقول المشتركة فيما بينهم، ولكي يعمقوا إدراكهم للمثل الإنسانية الفطرية التي تجمعهم، وليسهموا معًا في بناء علاقات دولية بناءة تتسم بالإيجابية والموضوعية والمستقبلية، وبالعدالة قبل ذلك كله.

للمزيد عن الإخوان والعالم

الإخوان حول العالم

الإخوان في السودان | الإخوان في ليبيا | الإخوان في الجزائر | الإخوان في تونس | الإخوان في المغرب | الإخوان في موريتانيا | الإخوان في قطر| الإخوان في فلسطين | الإخوان في الأردن | الإخوان في سوريا | الإخوان في لبنان | الإخوان في اليمن | الإخوان في العراق | الإخوان في البحرين| الإخوان في السعودية | الإخوان في الكويت | الإخوان في الإمارات | الإخوان في إيران | الإخوان في تركيا | الإخوان في إندونيسيا | الجماعة الإسلامية في باكستان | الإخوان في البوسنة والهرسك | جماعة الإخوان المسلمين وعلاقتها بأفغانستان| الإخوان في الصومال | الإخوان في جيبوتي | الإخوان في نيجيريا | الإخوان في السنغال الإخوان في بريطانيا | الإخوان في فرنسا | الإخوان في ألمانيا | الإخوان في أسبانيا | الإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية | الإخوان في باقي دول العالم

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

أبحاث متعلقة

تابع أبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.